إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



كلمة الرئيس أنور السادات، في مأدبة أقامها احتفاء بالشاه محمد رضا بهلوي، بمناسبة زيارته لمصر، 8 / 1 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 12 - 13"

          ليس هناك ما يسعد شعب مصر أكثر من أن يرحب في دياره بقائد عظيم لشعب شقيق عريق، وليس هناك من هو أحق بهذا من الشاهنشاه محمد رضا بهلوي وشعب إيران الحبيب، فأنت قائد عظيم، عظيم بحكم أصالة منبتك وتراثك الحضاري، عظيم بحكم قيمك وعقيدتك السمحة وبحكم وعيك التاريخي ونظرتك المحيطة، وقدرتك على التعامل مع واقع العصر بأصالة وحكمة وبعد نظر، عظيم بحكم تفكيرك الإنساني العميق، والأماني التي تكنها لشعبك وللشعوب الشقيقة التي تشاركه جهاده الكبير لكي يشق طريقه إلى عالم يسوده السلام والرخاء والمحبة، وانني أتابع الإنجازات الملموسة التي استطعتم بها أن تضعوا بلادكم في مكانه الجدير به ليس في منطقتنا وحدها بل في العالم أجمع، وأن تمكنوا شعبكم من اللحاق بموكب العصر بخطى وطيدة تقف على أرض صلبة من التراث الحضاري والرصيد الإنساني الكبير.

أيها الأخ العزيز:

          لقد قلتم منذ أعوام قليلة، حين كنتم تحتفلون بمرور خمسة وعشرين قرناً على الملكية في بلادكم أنكم تسعون إلى احياء التراث القديم في إيران، حتى تستطيع شعوب المنطقة مجتمعة أن ترفع شعلة حضارية أخلاقية وإنسانية، وأن العودة إلى قيمنا الأصيلة التي تدعو إلى التعاون والتكامل بين الشعوب هي السبيل الوحيد لانقاد الإنسانية في عالم يندفع إلى طريق الحرب والدمار.
          ولعل شعبنا في مصر هو أقدر الشعوب على فهم الأبعاد الحقيقية لتاريخكم ورصيدكم الحضاري، واستيعاب ثراء التجربة التي تخوضونها في الحاضر. وإدراك ما يحمله المستقبل للأجيال المقبلة من شعبكم من الأمل والرجاء، فنحن - مثلك نقدر قيمة التاريخ العريق والأصالة والعقيدة الحقة ونتحمل - برضى وصبر - تبعات الكفاح من أجل تغيير صورة الحياة وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، حتى يتمكن شعبنا في النهاية من شق طريقه إلى المستقبل بنفس السمو الذي كان له في الماضي العريق.

أيها الأخ العزيز:

          في هذا الشهر، يكون قد انقضى اثنا عشر عاماً على اعلانكم الثورة البيضاء ثورة الشاه والشعب التي استهدفتم بها إجراء تغييرات جذرية عميقة في بنيان المجتمع الإيراني عن طريق تحديد الملكية الزراعية وتأميم الغابات والمراعي، ومساهمة العمال في الأرباح وإنشاء كتائب التعليم ومنح المرأة حقوقها السياسية وتمكينها من المشاركة الاجتماعية البناءة وقد مضيتم قدماً على طريق الإصلاح والتطور والتنمية الذي تعرف من تجربتنا أنه طريق طويل شاق محفوف بالصعوبات، بما يتطلب عزيمة جبارة لا تهن وإرادة صلبة لا تلين، وهو يتطلب فوق كل هذا إيمان بالشعب لا يتزعزع وبأنه هو جوهر الماضي والحاضر والمستقبل.

          ولعلكم تتفقون معي في أن إيران المؤمنة بإسلامها هي بالضرورة نصير قوي للأمة العربية فلسنا نتصور أن يقوم بيننا إلا أمتن الروابط وأوثق الوشائح التي تستند إلى التاريخ والعقيدة الواحدة والمصلحة المشتركة، وأنا واثق من نظرتكم للشعوب العربية جميعاً باعتبارها الحليف الطبيعي لشعب إيران الذي لا يمكن أن يقوم بينها وبينه تناقض حقيقي أو مصلحة متعارضة، فنحن نواجه تحديات واحدة، ونسير إلى مستقبل واحد، ولا يصح أن نسمح لأحد بأن يحجب عنا الرؤية الصحيحة أو يضع العراقيل في طريق تنمية العلاقات بين الشعب الإيراني وكافة الشعوب العربية.

          وقد أرسينا معاً قواعد راسخة وأصولاً ثابتة للتعاون بين بلدينا وشعبينا بما يحقق المصلحة المشتركة والخير المتبادل، طبيعي ألا يقف هذا التعاون عند حد، وأن تمتد آفاقه فتشمل جميع الميادين السياسية والثقافية والاقتصادية، حتى نقيم نموذجاً طيباً وقدوة نحتذى في العلاقات بين الدول والشعوب، ونحن عازمون على أن نتعهد هذا بالتعاون فنجعله مستمراً متصاعداً بغير حدود.

أيها الأخ العزيز:

          أسعدنا تأييدكم وتأييد شعبكم الأخوي العظيم للموقف العربي، ويقيننا أن كل هذا نابع من قناعتكم بالحق العربي وحرصكم الأكيد على الحفاظ على المقدسات الإسلامية كما أننا واثقون من أنكم تقفون بجانب شعب فلسطين وتؤيدون القرارات التي اتخذت تكريماً لحق الشعب الفلسطيني في الذود عن كيانه وهويته ومصالحه. واختيار منظمة التحرير التي أقامها ممثلاً وحيداً له. وأضفتم أنكم لن تقبلوا أي تغيير لهوية القدس، وما كان هذا القول ليصدر إلا عن وعي عميق وحكمة راسخة وشعور صادق - بالأخوة والإنسانية والعدالة.

          وإن اخوتك الفلسطينيين ليستمدون من تأييدك ومناصرتك عوناً في كفاحهم المشروع من أجل حقوقهم التي اعترف بها المجتمع الدولي، ونضالهم ضد قوى العنصرية التوسعية التي أدانتها كافة الشعوب المحبة للسلام، وسوف يسجل لكم هذا الموقف العظيم في تاريخ الأخوة والتضامن العربي - الإيراني بأحرف من نور.

          وكما استطعتم أنتم أن تصونوا استقلال بلادكم السياسي والاقتصادي وتحافظوا على تراثها الحضاري وقيمها العريقة، فإننا قد قطعنا على أنفسنا العهد والميثاق أن نضحي بكل عزيز علينا في سبيل تحرير أرضنا لاستعادة حقوقنا كاملة غير منقوصة، ووضع نهاية لهذا العبث بمقدرات الشعوب والاستهتار بإرادة المجتمع الدولي، ونقيم صرح سلام عادل ودائم نستطيع من خلاله أن نتعاون معكم ونسير على طريق واحد تكون فيه شعوبنا فخورة بماضيها العريق آمنة في حاضرها مستبشرة بمستقبل سعيد.

صاحب الجلالة الأخ العزيز:

          الله يعلم كم سعدت بزيارة بلادكم العزيزة ذات الحضارة العريقة، وبالالتقاء بكم في بلادكم، وكم زادت سعادتي بزيارتكم وصاحبة الجلالة العزيزة لبلادنا فقد أتاحت لنا هذه الزيارة الكريمة فرصة الترحيب بكم على أرض مصر، التي بينها وبين بلادكم

<1>