إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، في افتتاح المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي، 22 / 7 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 190 - 200"

وكان في ذهنى أن مصر زاد تعدادها خلال عشرين سنة فقط من الثورة إلى الضعف تماما من 17 مليونا إلى 34 مليونا.. زيادة رهيبه.. تسابق كل جهود بذلناها فى المشروعات الكبرى كالسد العالى وتعمير الصحارى، وما يقرب من ألف مصنع استنفذنا فيها جهودنا الذاتية إلى أقصى حد.. وكان في ذهنى المتغيرات العالمية التى شرحتها من قبل وما تمليه علينا من إعادة ترتيب لموقفنا العالمى وعلاقتنا الدولية.

          وكان في ذهني بالطبع قبل كل شئ.. وبعد كل شئ.. الاحتلال الاسرائيلى الجاثم على الأرض العربية بل المد الصهيونى الذى ظل يتمدد وينتشر ويكسب أرضا جديدة، وثقة جديدة بنفسه، طوال سبعين سنة دون انقطاع ودون أن يردعه رادع، كان كل هذا فى ذهنى يتشابك ببعضه البعض وقد أظلم الأفق، أمام المستقبل العربى وطال تكبيلنا بسياسة اللاسلم واللاحرب وصرنا أمام وضع أشبه بوضع سنة 48 حين أدى القعود بنا إلى تدعيم الحدود الاسرائيلية التى تحققتها في ذلك الوقت، لقد وصلت اسرائيل والعالم إلى تدعيم بأن العرب لن يحاربوا وبالتالى فهى لن تتزحزح شبرا من فتوحاتها الجديدة، ولعلكم تذكرون برامج أحزابهم الانتخابية قبل حرب أكتوبر بأسابيع والخرائط التى رسموها في ذلك الوقت.. كان هذا كله في ذهنى.

          ولم يكن يختلف أحد بأن العبء ثقيل إلى أقصى الحدود فماذا نفعل؟

          هل ننكص على أعقابنا ونتحصن بمواقف سلبية ونطلب السلامة والنجاة؟

          أو هل نهتم بالداخل ونترك الخارج يكسب ثباتا واستقرارا بمرور الزمن؟

          أم نتوجه إلى الخارج ونترك الأمور فى الداخل تتجمد وتسوء ويسبقها الزمن؟

          هل نتجمد فلا نتحرك ولا نبادر؟

          أم نتحرك ونقبل المخاطر مهما كان ثمنها؟

          ولم أتردد كثيرا فلم تكن عندى ذرة من الشك فى أن هذا الشعب الأصيل العريق إذا أتيحت له الفرصة فهو أقدر على النضال والانتصار فى الداخل والخارج معا.

          لم تكن عندى ذرة من الشك في أن الشعب إذا دعى للمهمات الكبرى سوف يندفع للقيام بها بكفاءة وحماس ولم تكن عندى ذرة من الشك فى أن الله سيكون معنا لأنه مع كل مؤمن مخلص واثق فى عون الله.

          هنا بدأت أتحرك حركة سريعة فى كل ساحة واتجاه.. مستردا بذلك زمام المبادرة إلى أيدينا ومستردا قدرة الفعل وعدم الاكتفاء بقدرة رد الفعل.. قررت أن تكون سياستنا قائمة على المبادرة والتحرك لملاقاة كل الهموم الوطنية والقومية.. وقررت أن تكون مبادرتنا وحركتنا فى كل ساحات التحديات التى تواجهنا داخليا وخارجيا فى نفس الوقت.

          ومرة أخرى وأنا لا أتبع طريقة السرد لأحداث تعرفونها ولكننى أشرح منطلقاتنا وأولوياتنا لكى نتعلم منها الدرس، أقول اننا تحركنا فى وقت واحد على أربعة مستويات: الجبهة الداخلية.. لتحريرها وإعادة ترتيبها وتثبيتها.. الجبهة العربية لرأب ما تصدع من أعمدة الوحدة والتضامن العربى.. الجبهة الدولية بعزل اسرائيل سياسيا وكشف نواياها الحقيقية وتطوير علاقاتنا بالعالم على ضوء المتغيرات فيها.. والجبهة العسكرية بالبدء فورا فى الاعداد العسكرى حتى نكون جاهزين للعمل العسكرى إذا تجمدت السبل الأخرى.. تحت هذه المنطلقات الأربعة يمكننا أن ندرك معظم وجوه عملنا الوطنى خلال السنوات القصيرة الماضية.

تحت بند الجبهة الداخلية ماذا فعلت؟

          كانت قناعتى كما قلت مرارا ان ثورة 23 يوليو قد حققت أهدافها الأساسية في جعل مصر للمصريين وفى تحرير الارادة الوطنية، وفى اعادة توزيع الثروة، وبالتالى إعادة صياغة العلاقات الاجتماعية بطريقة أكثر عدالة وفى إقامة قاعدة ضخمة للصناعة، وفي تدعيم القطاع العام وتعميق تحالف قوى الشعب وبالتالى تجربتنا الاشتراكية الخاصة بنا صارت من جهة واضحة للعالم ومن جهة أخرى مغروسة بعمق في ضمير الشعب.

          وكانت قناعتى بالتالى أن نعود إلى مجال الحريات السياسية التى ضحينا بها فنردها كاملة إلى الشعب ونقيم بشكل نهائى المؤسسات الدستورية الثابتة التى تستوعب حركة المجتمع بشكل سلمى، ونرد إلى الشرعية الدستورية وسيادة القانون اعتبارهما وقيمتهما الكبرى فى حياة الناس.

          ومن هنا انطلقت ثورة التصحيح فى 15 مايو، كان لابد من تنحية مراكز القوة التى ظن أصحابها أن إجراءات الثورة هى الثورة وأن وظائفهم تعطيهم حق الوصاية على الشعب باطالة أجل الاجراءات الاستثنائية.. انطلقت ثورة التصحيح لا لتنحية بعض العناصر عن مراكزها ولكنها انطلقت لتصحيح مسار الثورة وردها إلى أصولها ومنطلقاتها وقدرتها الذاتية على التطور. انطلقت ثورة التصحيح، لتعيد إلى الأمة وحدتها وكما أن وحدة الأمة لابد لها من درجة مقبولة من العدالة الاجتماعية فانها محتاجة أيضا إلى مؤسسات سياسية تستوعب الحوار الحر، وتعطى كل مواطن حق المساهمة بالرأى فى شئون بلاده، ومؤسسات قانونية توضح الحقوق والواجبات وتضع الحدود وتحمى كل من يلجأ إلى ساحتها.

هكذا تم.

أولا: انهاء كل الاجراءات الاستثنائية واغلاق المعتقلات السياسية لأول مرة منذ أربعين سنة.

ثانيا: وضع الدستور الدائم وانشاء المحكمة الدستورية العليا.

ثالثا: إعادة هيبة القضاء وتحقيق استقلاله التام وحرمة أحكامه والغاء كل نص يحول دون أى فرد والاحتكام إلى ساحته.

رابعا: تأكيد مبدأ سيادة القانون.

<5>