إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، في افتتاح المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي، 22 / 7 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 190 - 200"

          طبعا لا يمكن أن تختفى كل الخلافات العربية فجأة، وبعضها غذته الشكوك المتبادلة زمنا طويلا، وبعضها يأتى من خلاف فى الاجتهادات، وهنا أيضا أثرت على نفسى ألا أدخل فى معارك جانبية وأمامنا المعركة الأهم.. وأن يكون دورنا دور الذى يوحد ولا يفرق، يقرب ولا يبعد، أما الذين في قلوبهم مرض وتحركهم أحقاد دفينة هى أحقاد العزل وقلة الحيلة، فهؤلاء نتركهم لشعوبهم التى لا نشك فى صفائها ولا نعطيهم أهمية لا يستحقونها بالنزول إلى مستوى اسفافهم وستعلمهم الظروف أن مصر هى الأخ الأكبر وهى الضمان وهى محور الحركة إلى الأمام وأن تجاربها العميقة المتتالية لا تتوقف بها عند تضحيات الآخرين، ولقد رأينا أثر هذه السياسة حين جاءت المعركة فلم يشذ عى تأييدها والعمل على أن يقطف العرب ثمارها سوى حاكم عربى واحد لعله ظن أن المعركة خاسرة وستأتى بكارثة كما تنبأ، فبدأ قبل الأوان يعد نفسه للاستفادة من الكارثة وللارتفاع على أنقاضها.. لولا أن خذله النصر الذى حققناه.

زمام المبادرة السياسية في أيدينا

          أما على المستوى الدولى والعالمى.. فمنذ طرحت أول مبادرة سياسية خاصة بفتح قناة السويس سنة 75 وزمام المبادرة السياسية فى أيدينا.. لم تستطع اسرائيل بكل قواها الدعائية أن تنتزعه منا قط.. لقد قلبنا المائدة عليها تماما أمام العالم، لقد طرحنا استعدادنا للسلام جادين، بل واقترحنا السبل والوسائل المؤدية اليه فانكشف للعالم بطلان دعواها فى انها تريد السلام وأن العرب يرفضون.. وتحولت قناعة العالم إلى الصورة الصحيحة وهى ان اسرائيل لا تريد السلام بل تخاف السلام،  وتخشى أن يؤدى السلام إلى تزايد قوة العرب من جهة وتضاؤل أهميتها وتزعزع مجتمعها من جهة أخرى.

          وكلنا نرى اليوم أن اسرائيل لم تكن محشورة ومعزولة سياسيا كما هى الآن.. هنا أيضا كان علينا أن نصبر على حملات السطحيين وذوى الأغراض المحلية الضيقة والذين من طول ما أمسكوا بالميكروفون يحاربون به لم يعد فى وسعهم أن يمسكوا ببندقية أو بمدفع ولقد كونوا ما أسموه جبهة الرفض، وحاولوا عبثا توسيع نطاقها وتكبير حجمها الصغير وأنا أسأل.. رفض ماذا؟ لقد استفادت اسرائيل من الرفض طوال سبعين سنة، وليس أحب اليها من أن يستمر هذا الرفض، رفض النضال السياسى مثلا؟ ان السياسة استمرار للحرب، كما أن الحرب استمرار للسياسة.. خصوصا إذا كنا نبذل كل ما لدينا استعدادا لأى احتمال في مواجهة عسكرية جديدة.

          وأسأل أيضا.. رفض من من؟ هناك رفض الضعفاء الذى لا يساوى شيئا، وهناك رفض الأقوياء.

سنحارب إذا اقتضى الأمر

          ونحن لأننا نحارب، ولأننا حاربنا فعلا ونمارس التفاوض، كما نمارس الرفض، ولكنه الرفض الذى له وزن وحساب وأصل.. ان أسطورة الرفض الأعمى لم يعد يصدقها الرأى العام العربى فهو رفض من مقاعد وثيرة، رفض دون حساب لآلام الشعب الفلسطينى فى دمه المبذول أو مخيماته أو تحت وطأة الاحتلال، رفض السفسطه الكلامية المكتوبة، التى لا تساوى فى ساحة الواقع والتأثير على الأحداث أكثر من ثمن الورق الذى تكتب عليه.

          لقد فاوضنا وحاربنا وسنفاوض إذا كان هناك فرصة، وسنحارب إذا اقتضى الأمر، وقد نجحنا فى المفاوضات ونجحنا فى الحرب بحمد الله وحققنا نتائج غير هينة، خصوصا إذا قارناها بسنوات الجمود، وهذا يجعلنا نشعر بأننا نمضى فى الطريق الصحيح.

          واننا نضرب المثل لغيرنا ونتحمل مسئوليات قيادة المسيرة، هذا دورنا ومسئوليتنا كشعب، وهذا دورى ومسئوليتى كقائد لهذا الشعب.

          اتصالا بهذه النقطة.. وهو التحرك الخارجى فقد تعلمون أننا أرسلنا لسكرتير عام الأمم المتحدة، وزير الخارجية أرسل له منذ أيام رسالة بعدم موافقتنا على تجديد فترة قوة الطوارئ الدولية.

          وأريد أن أضع أمامكم وأنتم أكبر هيئة وسلطة، لابد أن يعرض عليها فى كل وقت ما يؤثر على مستقبل البلاد.

طبيعة قوات الطوارىء ومهمتها

          أقول أريد أن أحكى لكم عن هذا الموضوع وعن آخر تطوراته، منذ قبلنا تواجد قوات الطوارىء التابعة للأمم المتحدة على جزء من الأرض التى تنسحب منها اسرائيل، كان قبولنا قائما على أساس فهم محدد لطبيعة هذه القوات ومهمتها، فهى أولا.. قوات تستمد شرعية وجودها من رضا الدولة المضيفة ثم انها فى المرحلة الأولى تكون ذات طبيعة مؤقتة قصيرة الأجل تقتصر على الفصل بين المتحاربين والاسهام فى ايجاد مناخ من الهدوء يزيد من فرص التوصل إلى سلام.. أما قوات حفظ السلام التى تشكل فى مرحلة تالية ضمن اتفاق سلام نهائى فطبيعة مهمتها مختلفة، وتعتبر من ضمانات السلام وعلى ذلك فغير مقبول على الاطلاق أن تبقى قوات الطوارئ على أرض مصرية دون رضا..

          كما أن من غير المقبول أن تستخدم لتكريس الاحتلال أو للابقاء على وضع تتوقف فيه الحركة في محاولة لفرض أمر واقع لا يتفق مع اجماع المجتمع الدولى ولا مع الشرعية التى يستند اليها ميثاق الأمم المتحدة، وقد حرصت مصر على تأكيد هذه المعانى عندما أعلنت قبولها للقرار 340 لسنة 73 الخاص بقوات الطوارئ، ولذلك فقد كان منطقيا وطبيعيا أن نتخذ قرارنا على هذا الأساس، بعد أن ثبت طوال الأشهر الماضية أن اسرائيل.. تحاول بشتى الوسائل الابقاء على الوضع الراهن واحباط أى جهد دولى يستهدف تحريك الموقف فى اتجاه السلام، وهو ما كان يترتب عليه لو ترك دون تصرف حازم من جانبنا تجميد الموقف والوصول به إلى حالة من الركود تهدد بإهدار المكاسب التى حققناها في معارك أكتوبر المجيدة.

<7>