إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، في افتتاح المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي، 22 / 7 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 190 - 200"

          ومن ثم فقد وجه نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية خطابا إلى السكرتير العام للأمم المتحدة فى 14 يوليو الجارى يخطره فيه بأن مصر لا توافق على مد مدة قوات الطوارئ بعد انتهاء صلاحيتها فى الرابع والعشرين من هذا الشهر طالما كانت اسرائيل مصرة على استخدام هذه القوة ووجودها كوسيلة للابقاء على حالة اللاسلم واللاحرب واستمرار احتلال الأراضى المصرية.

نداء مجلس الأمن

          ودعت مصر مجلس الأمن إلى معالجة الموقف فى اطار السلطات والمسئوليات التى نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، وبالفعل بدأ رئيس مجلس الأمن اتصالات مكثفة وعقد المجلس عدة اجتماعات بصفة عاجلة انتهت بأن كلف المجلس رئيسه بتوجيه نداء لنا تلقاه وزير الخارجية فجر اليوم ويتضح من هذا النداء قلق المجلس من خطورة الموقف فى الشرق الأوسط، وحرصه على تتبع تطوراته عن كثب وتأكيده على ضرورة تحقيق مزيد من التقدم نحو السلام العادل والدائم فى المنطقة وتجنب أو تجميد للموقف ومن هذا المنطلق فقد طلب رئيس المجلس أن نعيد النظر فى قرارنا الخاص بعدم مد مدة صلاحية القوات.

          فى هذا الاطار نقوم بدراسة الموقف من جميع جوانبه ونأخذ فى اعتبارنا أن مسئولية المجلس لا تقف عند حد العمل على تخفيف حدة التوتر وانما تتجاوز ذلك إلى ضمان التطبيق الكامل للقرار 338 لسنة 73 والقرارات الأخرى المتعلقة بالقضية وسوف أخطركم بما يستقر عليه الرأى فى هذا الشأن بعد أن اجتمع ان شاء الله بمجلس الأمن القومى وأضع تقريرا أمامكم بما نصل اليه.

النضال العسكرى

          يبقى المستوى الرابع والأخير وهو فى الحقيقة الأول، وهو مستوى النضال العسكرى فما زالت أحداث معركة أكتوبر الباسلة ترن فى أسماع العالم إلى اليوم ولا زالت نتائج معركة أكتوبر محل دراسة فى كل بقعة من العالم بوصفها واحدة من أكبر المتغيرات التى حدثت سواء فى ذلك أثر المعركة ومعناها المباشر أو أثارها ودروسها غير المباشرة .. أثر المعركة ومعناها المباشر فى الحاق أول هزيمة عسكرية باسرائيل حتى رأى العالم وسمع قادتها بصلافتهم وغرورهم يرسلون إلى أمريكا بصيحات الاستغاثة. وأثر المعركة أيضا فى تحقيق أول نصر عربى منذ عدة قرون وذلك بنجاح القيادات والضباط والجنود مصريين وسوريين فى خوض أحدث أنواع الحروب واستخدام أعقد أجهزتها ابتداء من الخداع الاستراتيجى الناجح وانتهاء بمعارك الدبابات الكبرى التى فاقت فى حجمها أى معارك من نوعها فى التاريخ.

          ولقد توالت نتائج حرب أكتوبر وما زالت تتوالى اليوم فى سلسلة من الآثار لا تعد ولا تحصى كان من نتائجها انهيار نظرية الأمن الاسرائيلى.. وتصدير أزمة الشك والتمزق وعدم الثقة من العالم العربى إلى المجتمع الاسرائيلى. واقتناع العالم بأن اسرائيل لم تعد سلاح الارهاب الذى يستخدم ضد العرب ويحمى المصالح الخارجية وان هذه المصالح لايحميها إلا التفاهم مع العرب.

          ظهور القوة البترولية والمالية للعالم العربى.. واقبال كل القوى العالمية على الحوار معنا وترتيب مستقبلها بالتفاهم مع أصحاب الأرض.

          لقد رويت لكم مرة القول المأثور: هات القوة وتكلم.. وهات القوة وتفاوض.. وهذا ما حدث بالضبط. لو أراد أن يتذكر المتشككون فأنتم تذكرون أننى بدأت رئاستى بطرح مبادرة سلمية لفتح قناة السويس وانسحاب اسرائيل من شاطئها الشرقى كخطوة على الطريق إلى السلام، يومها رفضت اسرائيل هذه المبادرة في كبرياء وساعدها الأمريكيون بالسكوت والاغضاء.. حسنا.. لقد فعلنا ذلك بعد سنوات قليلة بالقوة.. عبرنا نحن قناة السويس.. ودمرنا لهم خط بارليف وجاء الأمريكيون يسعون لوقف القتال وقد صارت القناة بضفتيها فى أيدينا، وطهرنا القناة وأعدنا فتحها للملاحة الدولية بأيدينا ورغم أنف الآخرين. صورة أخرى تطوف بالبال.. فى سنة 54 كان الغرب يمنع عنا السلاح ويهددنا لو حاولنا الحصول عليه من مصدر آخر فكسرنا احتكار السلاح واشتريناه من الاتحاد السوفيتى فى وجه حملات استعمارية ومؤمرات عنيفة، وبعد حرب 73 حين تأزمت العلاقات بيننا، وبين الاتحاد السوفيتى ورأينا انه لا يعطينا ما يقدر عليه من السلاح اتخذنا قرار تنويع مصادر الأسلحة فمن كان يتصور قبل عشرين سنة أن يتنافس الغرب فى بيع السلاح لنا كما هو حاصل الآن..؟

          ولكن قوة الشعب تغيرت.. والعلاقات الدولية تغيرت.. وكنا فى القرارين اللذين يفصل بينهما عشرين سنة لا نتوخى إلا استقلال الارادة والمصلحة العربية العليا.

          صور يجب أن يتأملها المشوشون ليتعلموا أن السياسة امتدادا للحرب وأن الحرب امتدادا للسياسة، وأن ما نضحى به ونتحمله إلى الآن ليس شأن المستسلمين الذين ألقوا السلاح.

          ولكن الشعب العربى يعرف هذا جيدا.. إذا كانت المفاوضة هى المصلحة العليا فسنفاوض.. وإذا كان السلم هو المصلحة العليا فسنسالم .. وإذا كانت الحرب هى المصلحة العليا فسنحارب.. كل ذلك مستعينين بالله ومسترشدين دائما بالهدف الأكيد وهو تحرير كل شبر من الأرض العربية المحتلة وعدم التفريط فى الحقوق الشرعية التى لا يملكها سوى شعب فلسطين، نحن نقدم حين يحجم الآخرون ونحزم حين يتردد الآخرون، ونفعل حين يتكلم الآخرون.

          تلك مرة أخرى هى مسئوليتنا القيادية لاتنقصنا شجاعة الاقدام ولا ننكص أمام ما يوجه الينا من سهام ولا نعطى قيمة لمن ليس لديهم سوى الكلام.

<8>