إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


 


خطاب الدكتور محمد مرسي يوم 24/6/2012

كلمة الرئيس محمد مرسي أمام المؤتمر الجماهيري للدفاع عن أمن مصر المائي[1]

الاثنين 10 يونيه 2013

أيها الإخوة والأخوات

أبنائي وأشقائي يا شعب مصر العظيم

شعب الحضارة الضاربة في أعماق التاريخ

شعب الأصالة الذي أضاءت حضارته العالم القديم وتجلت إبداعاته وإنجازاتـه على مر العصور

أتحدث إليكم اليوم عن قضية مصيرية تتجاوز كل الاهتمامات وتعلو فوق كل الخلافات وتتخطى كل المصالح الشخصية والرؤى الفردية، إنها قضية نهر النيل العظيم، الذي ترتبط به حياة جميع المصريين، وتتشابك حوله مصائر أبناء مصر كشعب واحد عظيم. كم واجه من تحديات لكنه يخرج منها دائما أبدا منتصرا.

وما هو ماء .. ولكنه وريد الحياة وشريانها.

إن حضارة الشعب قامت ونمت على ضفاف نهر عظيم مثَّل الحياة وشكل التاريخ وأصبح عنواناً لحاضر الأمة المصرية ومستقبلها.

اسمحوا لي أن أتحدث إليكم اليوم ــ ليس كرئيس للدولة المصرية فقط ــ وإنما قبل ذلك كمواطن مصري مشغول ــ كملايين المصريين ــ بالتحديات التي فرضت على بلادنا ولم تسعَ إليها يوماً لكنه الواقع الذي يتوجب علينا مواجهته وليس أمامنا من خيار إلا أن نجتازه بنجاح، ولست أشك للحظة أننا سننجح فيه، ثقة في الله سبحانه وتعالى، ثم اعتماداً على تلك الإرادة المصرية التي تقهر الصعاب .

إن المشكلة التي نواجهها اليوم لم تكن وليدة اللحظة، وإنما حصيلة تراكمات سابقة ليس مجال ذكرها الآن. وفيما يلي أعرض على حضراتكم عدداً من الحقائق ومن ثم أوجه عدداً من الرسائل الواضحة الجليةـ

أولاً: إن التعرض لموضوع سد النهضة وتقييمه بشكل دقيق، لا يمكن أن يتم بمعزل عن استعراض الاتصالات والتحركات التي قامت بها مصر مع الجانبين الإثيوبي والسوداني ــ شركائنا في حوض النيل الشرقي ــ على مدار العامين الماضيين، فمنذ شهر مايو 2011، شاركت مصر في اجتماعات ما يسمى بلجنة الخبراء الدولية ، والتي تم تشكيلها خصيصاً لدراسة وتقييم الآثار المحتملة لسد النهضة على دولتي المصب (مصر والسودان) .

ثانياً: خلال تلك الفترة، عقدت اللجنة ستة اجتماعات، وأربع زيارات ميدانية إلى موقع المشروع، نجحت اللجنة في تجميع كل ما يتوفر لدى الجانب الإثيوبي من دراسات بشأن هذا السد. وتبين أن الدراسات المتوفرة لا تتناسب مع مشروع بهذا الحجم، وأنها لا تكفى للوقوف على تقييم دقيق بشأن الآثار المحتملة لهذا السد على حجم ونوعية المياه الواردة إلى مصر، فضلاً عن تأثيراته البيئية والاجتماعية الأخرى.

ثالثاً: قام الجانب المصري بإعداد دراسات فنية موازية، استعان فيها بخبراء دوليين متخصصين في مجالات السدود، حيث برز وجود مؤشرات لآثار سلبية محتملة للسد إذا ما تم تشييده على النحو المقترح من الجانب الإثيوبي.

رابعاً: شهد العامان الماضيان تطوراً ملحوظاً في علاقات مصر مع دول حوض النيل، وإثيوبيا على وجه الخصوص، تم ترجمتها في شكل زيارات رفيعة المستوى على الجانبين، لرئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء وعدد كبير من الوزراء، وزيادة ملحوظة في حجم التبادل التجاري وصلت إلى 50% مع دول حوض النيل، وحجم استثمارات مصرية كبيرة في إثيوبيا وصلت إلى ما يزيد عن ملياراي دولار.

خامساً: عقب عودة الوفد المصري المشارك في اللجنة الثلاثية من أديس أبابا مباشرة التقيت مطولاً بهم، ثم عقدت اجتماع للقوى الوطنية، ثم لقاء لمجلس الوزراء الطارئ يوم 3 يونيه الجاري، وتقرر تشكيل لجنة قومية تضم الجهات الرسمية والشعبية والخبراء المُختصين فى هذا المجال طالعتم الرموز الوطنية المرشحة لها عبر وسائل الإعلام، كما أنتهز هذه الفرصة لأوجه عددا من الرسائل:

       الرسالة الأولى: إلى الشعب المصري .. تدفعني مسؤوليتي كرئيس للدولة المصرية وأحد مواطني هذا الشعب العظيم أن أصارحكم بكلمات واضحة لا لبس فيها عن أمن مصر، المائي الذي يحظى باهتمام وأولوية مُطلقة لدى كل مصري. لا فرق هنا بين حكومة ومعارضة، ولا رئيس ومواطن، ولا قبطي ومسلم. إن أمن مصر المائي لا يمكن تجاوزه أو المساس به، وإنني كرئيس للدولة إذ أؤكد على أن جميع الخيارات مفتوحة في التعامل مع هذا الملف. إن عظمة الشعب المصري تكمن دائماً في وحدته ولحمته وقت المحن، والوطن يحتاج ذلك منكم الآن فهل أنتم فاعلون ؟. يسعدني كثيراً ما أسمعه وأتلقاه منكم يومياً من مساهمات بالرأي والنصيحة في هذا الموقف .. ورغم اختلافي مع بعض الآراء، إلا أنني أدعو الجميع لعدم البخل أو التباطؤ في تقديم المشورة التي تعكس مدى حب هذا العب لوطنه.

   الرسالة الثانية: للقوى السياسية والوطنية إطلاق الحريات قيمة من قيم الثورة نحرص عليها نعم، والاختلافات السياسية وتباين الرؤى ظاهرة صحية في ديمقراطية وليدة لازالت تتشكل، نعم،  لكن إزاء التحديات الكبرى التي تواجه الوطن وعلى رأسها ملف نهر النيل.

أدعوكم أن نتناسى جميعاً خلافاتنا الحزبية وصراعاتنا السياسية حماية لمصر وشعبها حتى يمكن أن نتخطى التحديات، وبما يدفعني مرة أخرى ـ وقلت لكم أنني لن أيأس ـ من الدعوة إلى مصالحة وطنية شاملة ننطلق من الرؤية الموحدة لهذا الملف، هدفها الولاء المطلق والصادق لمصرنا الحبيبة دون شعارات أو مزايدات وإنني على ثقة بأن هذا النداء سيجد صداه عند قيادات سياسية لا يزايد أحد على انتمائها لهذا الوطن وحبها له، وصولاً لاستراتيجية موحدة بين القيادة والشعب لحماية التاريخ والحاضر والمستقبل.

   الرسالة الثالثة: إلى دول حوض النيل وخصوصاً إثيوبيا، سعت مصر وما تزال تسعى إلى تأكيد الاحترام المُتبادل وتوحيد العلاقات الأخوية مع الشعوب الأفريقية الصديقة والشقيقة، انطلاقاً من مسؤولية مصر التاريخية والحضارية تجاه قارة أفريقيا التي نعتز بالانتماء إليها، وتعظيماً لخيار التعاون والتنمية التي تكفل الاستقرار والازدهار للجميع، وارتكزت تلك المُبادرة على مبدأ أساسي وهو عدم المُمانعة في إقامة أي مشروعات تنموية في دول حوض النيل، على ألا تؤثر تلك المشروعات أو تضر بالحقوق القانونية والتاريخية لمصر الحبيبة، ولا لأي دولة في مياه النهر، في إطار المصالح المُشتركة ووحدة المصير التي تجمع شعوب تلك الدول، في رابطة تأبى الصراعات وتنبذ الخلافات وتخرج عن المصالح الضيقة لكل طرف من الأطراف، ولا نزال نأمل أن يلتزم الجميع بذلك.

وختاماً، فأنا على ثقة من أن الله سبحانه وتعالى موفق هذا الشعب المصري الكريم ومؤيده بما يستحق من تأييد، وأن مشروع الثورة المُباركة سيبلغ غايته التي طالما حلمنا بها جميعاً برغم ما يواجهه من تحديات خارجية وداخلية لا تزيدنا إلا إصراراً على أن نسعى مع المصريين جميعاً، قلباً واحداً ويداً واحدة، لبناء غدٍ أفضل.

(وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،



[1] الهيئة العامة للاستعلامات.