إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



البيان الذي أدلى به الزعيم ألبرت ج. لوتولي، الرئيس العام للمؤتمر الوطني الأفريقي، في مجلس الأمن، لدى إصدار الحكم على السيد نيلسون مانديلا وآخرين بالسجن مدى الحياة

1130.S/PV 12 حزيران/ يونيه 1964

          [صدر هذا البيان حينما صدر الحكم بالسجن مدى الحياة في "محاكمة ريفونيا" على نيلسون مانديلا وولتر سيسولو وستة زعماء آخرين وقد تلاه ممثل المغرب في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المعقود في اليوم نفسه].

          لقد صدرت أحكام بالسجن مدى الحياة على نيلسون مانديلا وولتر سيسولو وأحمد كاثرادا وغوفان مبيكى ودينيس غولدبرغ وريموند ملابا وإلياس موتسوالدى وأندرو ملانغينى في "محاكمة ريفونيا" في بريتوريا.

          وعلى مدى سنوات طوال، ظل هؤلاء الزعماء يدعون إلى سياسة التعاون العنصري، وحسن النوايا والكفاح السلمي التي جعلت حركة تحرير جنوب أفريقيا إحدى أهم الحركات التي تتحلى بالأخلاق والمسؤولية في عصرنا. وفي مواجهة أسوأ اضطهاد عنصري مرير، كرسوا أنفسهم لمناهضة العنصرية: وفي مواجهة الاستفزاز المتواصل، دأبوا على اختيار سبيل العقل.

          لقد ألتمس المؤتمر الوطني الأفريقي، مع المنظمات الحليفة التي تمثل جميع القطاعات العنصرية، كل سبيل ممكن لتقويم الأحوال التي لا تحتمل، وتشبثت دائما بسياسة استخدام سبيل الكفاح غير العنيف النضالى. وكان هدفها المشترك هو خلق جنوب أفريقيا يعيش ويعمل فيها جميع أبناء جنوب أفريقيا معا كمواطنين أبناء بلد واحد، وينعمون بحقوق متساوية دون تمييز على أساس العرق أو اللون أو العقيدة.

          وتحقيقا لهذه الغاية استخدمت كل وسيلة مقبولة: الدعاية الاجتماعات الإعلامية والتجمعات والالتماسات واضطرابات الاعتصام بالمنزل وتوجيه النداءات والمقاطعة. وقد قامت بتثقيف الشعب بدقة حتى أن شهود الشرطة الواحد تلو الأخر شهدوا طواعية، في محاكمة الخيانة العظمى التي استمرت أربع سنوات، بهذا التشديد على أساليب اللاعنف من الكفاح في جميع جوانب أنشطتها.

          ولكن تم في النهاية إغلاق جميع سبل المقاومة. وأعلن عدم شرعية المؤتمر الوطني الأفريقي وغيره من المنظمات: وسجن زعماؤها و/أو تم نفيهم أو أجبروا على العمل سرا. وقد زادت الحكومة من قمعها للناس في جنوب أفريقيا، باستخدام برلمانها، وجميع أعضائه البيض،كوسيلة لجعل القمع قانونيا واستخدام كل سلاح لدى هذه الدولة الصناعية والحديثة جدا لفرض هذه "القانونية". بل وقد تم بلوغ حالة اعتبرت فيها الحكومة متحدثا أبيض باسم الأفارقة المحرومين من حقوقهم خائنا. وبالإضافة إلى ذلك تزايدت أعمال متفرقة من العنف الذي لا يمكن السيطرة عليه في جميع أنحاء البلد. وحدثت طفرات ثورية عفوية في مكان ثم في مكان آخر ضد الأحوال التي لا يمكن تحملها؛ واكتسى العديد من هذه الأعمال طابعا عنصريا بصورة متزايدة.

          ولم يتخل المؤتمر الوطني الأفريقي أبدا عن طريقته في الكفاح غير العنيف النضالى، والعمل في غضون ذلك على خلق روح النضال لدى الشعب. بيد أنه في مواجهة رفض البيض دون هوادة التخلي عن سياسة تحرم الأفارقة وغيرهم من السكان المضطهدين في جنوب أفريقيا من تركتهم المشروعة، ألا وهي الحرية، لا يمكن أن يلوم أحد رجالا عادلين بواسل لالتماسهم العدل عن طريقة استخدام وسائل عنيفة، ولا يمكن لومهم إذا حاولوا خلق قوة منظمة من أجل إقرار السلم والانسجام العنصري في نهاية المطاف.

          ولهذا، صدرت الأحكام عليهم لوضعهم، لسنوات طويلة، في غياهب سجون جنوب أفريقيا الوحشية والمهينة. وستدفن معهم آمال هذا البلد في التعاون العنصري. وسيتركون وراءهم فراغا في الزعامة لا يمكن أن يشغل سوى بالكراهية المريرة والنزاع العنصري.

          وهم يمثلون أعلى درجات الفضيلة والأخلاق في الكفاح السياسي في جنوب أفريقيا؛ ولقد حكم على هذه الفضيلة والأخلاق بسجن قد لا تبقى على قيد الحياة بعده. وتتوافق سياساتهم مع أعمق مبادئ التآخي والإنسانية الدولية؛ وبدون زعامتهم، سيعصف بالتآخي والإنسانية في جنوب أفريقيا فتندثر لعقود طويلة قادمة. وهم يؤمنون إيمانا عميقا بالعدالة والتعقل، وحينما يسجنون، سيرحل العدل والتعقل عن الساحة في جنوب أفريقيا.

          وهذا نداء لإنقاذ هؤلاء الرجال، لا كأفراد فقط، ولكن لما يمثلونه. باسم العدل والأمل والحق والسلام، أوجه نداء إلى أقوى حليفين لجنوب أفريقيا وهما بريطانيا وأمريكا. وباسم ما أصبحنا نعتقد أن بريطانيا وأمريكا تمثله، أناشد هذين البلدين القويين القيام بعمل حاسم لاتخاذ إجراءات كاملة من أجل فرض جزاءات تسهم في إنهاء نظام الفصل العنصري البغيض.

          وأناشد كل الحكومات في جميع أنحاء العالم والشعوب في كل مكان، والمنظمات والمؤسسات في كل أرض وعلى كل مستوى، بالعمل الآن من أجل فرض جزاءات على جنوب أفريقيا تحقق التغيير اللازم الحيوي وتحول دون وقوع ما قد يصبح أعظم فاجعة إنسانية في عصرنا.