إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطة للسلام
الدبلوماسية الوقائية وصنع السلم وحفظ السلام
تقرير الأمين العام عملا بالبيان الذي أصدره اجتماع القمة
لمجلس الأمن في 31 كانون الثاني/ يناير 1992
A/47/277-S/24111، 17 حزيران/ يونيه 1992

مقدمة

  1. دعاني مجلس الأمن في بيانه المؤرخ 31 كانون الثاني/ يناير 1992، الذي أصدره لدى اختتام أول اجتماع يعقده على مستوى رؤساء الدول والحكومات، إلى أن أعد، "تحليلا وتوصيات حول سبل تعزيز وزيادة قدرة الأمم المتحدة، في إطار الميثاق وأحكامه، على الاضطلاع بمهام الدبلوماسية الوقائية، وصنع السلم وحفظ السلام" وذلك لتقديمه إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بحلول 1 تموز/ يوليه 1992(1).
  2. الأمم المتحدة تجمع لدول ذات سيادة، وما تستطيع القيام به إنما هو رهن بالأرضية المشتركة التي تلتقي عليها تلك الدول. ولقد حالت عقود الخصومة التي انتابت العالم أثناء الحرب الباردة دون تحقيق الهدف الأساسي للمنظمة. ولذا فإن اجتماع القمة في كانون الثاني/ يناير 1992 إنما كان إعادة تأكيد للالتزام على أعلى المستويات السياسية، وبشكل لم يسبق له مثيل، بمقاصد الميثاق ومبادئه.
  3. وفي الأشهر الأخيرة تنامى الاقتناع لدى الأمم، كبيرها وصغيرها، بأن الفرصة قد سنحت من جديد لتحقيق أهداف الميثاق العظيمة- أمم متحدة قادرة على صون السلم والأمن الدوليين، وكفالة العدالة وحقوق الإنسان، والقيام، كما جاء في الميثاق، بتعزيز "الرقي الاجتماعي ورفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح". هذه فرصة سانحة يجب ألا تهدر. ويجب ألا نسمح أبدا بأن تعود المنظمة إلى حالة الشلل التي أصابتها لحقبة من الزمن سلفت.
  4. إنني أرحب بدعوة مجلس الأمن، لإعداد هذا التقرير، في هذه الفترة المبكرة من عهدي كأمين عام. فالتقرير يستقي من أفكار ومقترحات تلقيتها من حكومات ووكالات إقليمية ومنظمات غير حكومية ومؤسسات وأفراد من بلدان عديدة. وإنني شاكر لهؤلاء وأولئك، مع تأكيدي بأن المسؤولية عن هذا التقرير هي مسؤوليتي وحدي.
  5. إن مصادر النزاع والحرب منتشرة وعميقة. ويتطلب الوصول إليها بذل قصارى جهدنا لتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والنهوض المتواصل بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية من أجل تعميم الازدهار. كما يتطلب التخفيف من المعاناة والحد من وجود واستعمال أسلحة الدمار الشامل. لقد انعقد مؤخرا في ريو دي جانيرو مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، وهو أكبر مؤتمر قمة عقد على الإطلاق. وستشهد السنة القادمة المؤتمر العالمي الثاني بشأن حقوق الإنسان. وفي عام 1994 ستعالج مسألة السكان والتنمية. وفي عام 1995 سينعقد المؤتمر العالمي المعنى بالمرأة، وهناك اقتراح لعقد اجتماع قمة عالمي بشأن التنمية الاجتماعية، وسوف أركز اهتمامي، طوال عهدي كأمين عام، على هذه المسائل الهامة. وهي جميعا في ذهني وأنا أتصدى، كما أفعل في هذا التقرير، إلى المشاكل التي طلب مني مجلس الأمن النظر فيها وهي تحديدا: الدبلوماسية الوقائية، وصنع السلم وحفظ السلام. وقد أضفت إليها مفهوما وثيق الصلة بها، هو بناء السلم بعد انتهاء الصراع.
  6. إن رغبة الأعضاء الواضحة في العمل معا إنما هي مصدر قوة جديد لجهدنا المشترك. إلا أن النجاح أبعد ما يكون عن المؤكد. وفي حين يتناول تقريري سبل تحسين قدرة المنظمة على السعي إلى السلم والحفاظ عليه، فإنه من الأساسي ألا تنسى الدول الأعضاء جميعها أن السعي إلى إيجاد هياكل وآليات أفضل لن تكون له أهمية تذكر إلا إذا لازمت هذه الروح الجماعية الجديدة والإرادة اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة التي يتطلبها هذا الوقت بما فيه من فرص سانحة.
  7. ولذا فإنني من منطلق إدراكي لأهمية اللحظة، وبشعور من الامتنان أتقدم بهذا التقرير إلى أعضاء الأمم المتحدة.

أولا - الظروف الدولية المتغيرة

  1. خلال السنوات القليلة الماضية، انهار الحاجز الأيديولوجي الهائل الذي أثار حالة من عدم الثقة والعداء على مدى عقود من الزمن، وتداعت معه أدوات الدمار الرهيبة. وإذا كانت القضايا بين بلدان الشمال والجنوب قد أصبحت أشد حدة، بشكل يستدعي الاهتمام على أعلى المستويات الحكومية، إلا أنه قد نتج عن التحسن في العلاقات بين دول الشرق والغرب إمكانيات جديدة، بعضها تحقق فعلا، للوقوف بنجاح في وجه الأخطار التي تهدد الأمن المشترك.
  2. لقد حلت قوى أكثر ديمقراطية وحكومات أكثر استجابة محل الأنظمة التسلطية. ولئن اختلف شكل هذه العمليات ونطاقها وكثافتها من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا إلى أوروبا إلى آسيا، فإنها متماثلة بما يكفي للدلالة على قيام ظاهرة عالمية. وإلى جانب هذه التغيرات السياسية، تسعى دول كثيرة إلى الأخذ بسياسات اقتصادية أكثر انفتاحا، مما يخلق شعورا عالميا بالدينامية والحركة.
  3. بالإضافة إلى مئات الملايين الذين نالوا استقلالهم في موجة إنهاء الاستعمار التي أعقبت قيام الأمم المتحدة، حصل ملايين آخرون على حريتهم في الآونة الأخيرة. ومرة أخرى أخذت دول جديدة تتبوأ أماكنها في الجمعية العامة. ويؤكد مجيئها من جديد الأهمية المطلقة لأن تكون الدولة ذات السيادة بمثابة الكيان الأساسي للمجتمع الدولي.
  4. لقد دخلنا مرحلة انتقال عالمية تتسم بأنماط فريدة من الاتجاهات المتضاربة. إن العلاقات الإقليمية والقارية بين الدول تتمخض عن سبل جديدة لتعميق التعاون وتخفيف حدة الخلاف في التنافس حول السيادة والقومية. وتخبو علامات حدود الدول مع تقدم الاتصالات الدولية والتجارة العالمية بينما تتخذ الدول قرارات للتخلي عن بعض امتيازات السيادة لصالح العلاقات السياسية المشتركة الأوسع. على أنه تبرز، في نفس الوقت، تأكيدات حادة للقومية والسيادة، ويهدد الصراع العرقي أو الديني أو الاجتماعي أو الثقافي أو اللغوي استقرار الدول. ويواجه السلم الاجتماعي التحدي المتمثل، من جهة، في دعاوى جديدة للتمييز والاستئثار، ومن جهة أخرى، بأعمال الإرهاب التي تؤدي إلى تقويض مسيرة التطور وشل حركة التغيير الديمقراطي.
  5. لعله من السهل إدراك مفهوم السلم؛ أما مفهوم الأمن الدولي فأكثر تعقيدا. ذلك أن نمطا من التناقضات قد نشأ هنا أيضا. وفي الوقت الذي شرعت فيه الدول النووية الرئيسية في التفاوض لعقد اتفاقات من أجل خفض التسلح، فإن معدلات انتشار أسلحة الدمار الشامل تنذر بالتزايد ولا تزال الأسلحة التقليدية تتكدس في أنحاء عديدة من العالم. وبينما أصبحت فيه العنصرية معروفة على حقيقتها كقوة مدمرة، وفي الوقت الذي يجري فيه تفكيك بنية الفصل العنصري، أخذت تبرز توترات عنصرية جديدة تجد تعبيرا عنها في العنف. ويؤدي التقدم التكنولوجي إلى تغيير طبيعة الحياة وتطلعات المستقبل في جميع أنحاء العالم. وقد وحدت ثورة الاتصالات العالم في إطار الإدراك والتطلع والتضامن في وجه الظلم. غير أن التقدم يحمل معه أخطارا جديدة على الاستقرار: تهديد البيئة، وتضعضع حياة الأسرة والمجتمع، وازدياد التدخل في حياة الأشخاص وحقوقهم.
  6. إن هذا البعد الجديد من انعدام الأمن يجب ألا يحجب عن الأنظار استمرار المشاكل التي تثيرها زيادة معدلات النمو السكاني، وأعباء الديون الساحقة، والحواجز التجارية، والمخدرات، واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء. لقد انتشر الفقر والمرض والقهر واليأس. فهناك 17 مليونا من اللاجئين، و20 مليونا من المشردين. وهناك حالات من الهجرة المكثفة للشعوب داخل وعبر حدودها الوطنية وكلها مصادر للنزاع، وناشئة عنه، وهي كذلك تتطلب اهتماما دؤوبا وأولوية قصوى في جهود الأمم المتحدة. ثم إن درع الأوزون غير المحكم يمثل خطرا على السكان المعرضين أعظم مما يمثله جيش معاد. وليس الجفاف أو المرض أقل قسوة من أسلحة الحرب. ولذلك ومع تجدد الفرصة السانحة، يجب أن تشمل جهود الأمم المتحدة من أجل بناء السلم والاستقرار والأمن ما يتعدى الأخطار العسكرية كي تتحطم أغلال الصراع والحرب التي كانت سمات الماضي. على أن النزعات المسلحة اليوم، مثلما كانت عبر التاريخ، تجلب الخوف والرعب للإنسانية. وهذا ما يتطلب اهتمامنا العاجل للعمل على منع وقوعها، وعلى احتوائها، ووضع نهاية لها.
  7. منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945، راح حوالي 20 مليون نسمة ضحية ما يزيد على 100 نزاع كبير شهدها العالم. ووقف الأمم المتحدة عاجزة عن معالجة الكثير من هذه الأزمات بسبب استعمال حق النقض ـ 279 مرة ـ في مجلس الأمن، وهذا دليل حي على الانقسامات التي شهدتها تلك المرحلة.
  8. وفي المقابل لم يستعمل حق النقض بانتهاء الحرب الباردة وذلك منذ 31 أيار/ مايو 1990. كما تزايد الطلب على الأمم المتحدة. وبرز دورها الأمني، الذي كانت قد أعجزته ظروف لم تنشأ الأمم المتحدة لمواجهتها ولم تعد لها، كأداة رئيسية لمنع الصراعات وحلها، ولحفظ السلام. ويجب أن تكون أهدافنا كما يلي:
    • السعي، في أقرب مرحلة ممكنة، إلى تحديد الحالات التي قد تؤدي إلى نشوب صراعات، والعمل عن طريق الدبلوماسية على إزالة مصادر الخطر قبل نشوب العنف؛
    • الشروع، أينما تفجر صراع، في صنع السلم بهدف حل القضايا التي أدت إلى نشوب الصراع؛
    • العمل، عن طريق حفظ السلام، على صون السلام، مهما كان هشا، حيثما أوقف القتال، والمساعدة على تنفيذ الاتفاقات التي يتوصل إليها صانعوا السلم؛
    • التأهب للمساعدة في بناء السلم في مختلف مراحله: إعادة بناء المؤسسات والهياكل الأساسية للأمم التي مزقتها الحروب والنزاعات الأهلية، وبناء روابط المصالح السلمية المتبادلة بين تلك الأمم؛
    • التصدي، بالمعنى الأوسع، لأعمق أسباب الصراع: العجز الاقتصادي، والجور الاجتماعي، والقهر السياسي. ومن الممكن أن نلحظ مفهوما أخلاقيا مشتركا يتزايد في الظهور، يشيع بين شعوب وأمم العالم، ويجد تعبيرا عن نفسه في القوانين الدولية التي يعود نشوء الكثير منها إلى جهد هذه المنظمة، منظمة الأمم المتحدة.
  1. تلك المهمة الأوسع نطاقا للمنظمة العالمية تقتضي تضافر اهتمام وجهود كل دولة، كما تستدعي جهود المنظمات الإقليمية والمنظمات غير الحكومية ومنظومة الأمم المتحدة بكاملها، مع ضرورة قيام كل من أجهزتها الرئيسية بالعمل وفق ما يتطلبه الميثاق من توازن وتناسق. لقد عهدت جميع الدول الأعضاء إلى مجلس الأمن بالمسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين بموجب الميثاق. ويجب أن تشترك الجمعية العامة وجميع العناصر العاملة في المنظمة الدولية في هذه المسؤولية، بمعناها الأوسع. فلكل منها دور أساسي خاص يقوم به لتحقيق نهج متكامل إزاء أمن الإنسانية. ويرتكز إسهام الأمين العام على أساس الثقة والتعاون بينه وبين الهيئات التداولية للأمم المتحدة.
  2. إن حجر الزاوية في هذا العمل هو الدولة. ويجب أن يظل كذلك. فاحترام صميم سيادة الدولة وسلامتها هو أمر حاسم لتحقيق أي تقدم دولي مشترك. بيد أن زمن السيادة المطلقة الخالصة قد مضى. فالنظرية هنا لم تنطبق على الواقع. ومهمة قادة الدول اليوم هي تفهم هذا الأمر وإيجاد توازن بين احتياجات الحكم الداخلي الجيد ومتطلبات عالم يزداد ترابطا يوما بعد يوم، فالتجارة والاتصالات والأمور البيئية تتعدى الحدود الإدارية بينما يبقى الأفراد، داخل تلك الحدود، يقومون بأول مسؤوليات حياتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فالأمم المتحدة لم تغلق بابها. ولكن إذا ما طالبت كل مجموعة عرقية أو دينية أو لغوية بدولتها الخاصة، فلن يكون للتجزئة حدود، وسيصبح السلم والأمن والرفاهية الاقتصادية أبعد منالا بمراحل.
  3. ويكمن أحد متطلبات حلول هذه المشاكل في الالتزام بحقوق الإنسان مع اهتمام خاص بحقوق الأقليات، سواء أكانت عرقية أو دينية أو اجتماعية أو لغوية. وكانت عصبة الأمم قد وفرت آلية لحماية الأقليات دوليا. وسيعرض على الجمعية العامة قريبا إعلان بشأن حقوق الأقليات. ويتوقع لهذا الصك، بالإضافة إلى تزايد فعالية آلية الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان، أن يحسن من وضع الأقليات ومن استقرار الدول.
  4. ولا ينبغي النظر إلى العالمية والقومية بوصفهما اتجاهين متعارضين، مقضي عليهما بأن يدفع كل منهما الآخر إلى أقصى ردود الفعل. إن إضفاء الصبغة العالمية السلمية على الحياة المعاصرة إنما يتطلب، بالدرجة الأولى، هويات راسخة وحريات أساسية. ولا ينبغي أن نسمح في الفترة القادمة بأن يكون هناك تضارب بين سيادة الدول وسلامتها الإقليمية واستقلالها في ظل النظام الدولي الثابت من جهة، ومبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها من جهة أخرى. كلاهما يحظى بقيمة وأهمية عظمى، ولابد من احترام المبادئ الديمقراطية على كافة مستويات الحياة الاجتماعية: في المجتمعات وداخل الدول وفي إطار جماعة الدول. وينبغي أن يكون واجبنا دائما هو الحفاظ على سلامة كل منها وإيجاد صيغة متوازنة للجميع.

ثانيا - التعاريف

  1. تتصل مصطلحات الدبلوماسية الوقائية، وصنع السلم، وحفظ السلام أحدها بالآخر بصورة لا تتجزأ، وهي مستخدمة في هذا التقرير بالتعاريف التالية:
    • الدبلوماسية الوقائية هي العمل الرامي إلى منع نشوء منازعات بين الأطراف، ومنع تصاعد المنازعات القائمة وتحولها إلى صراعات، ووقف انتشار هذه الصراعات عند وقوعها.
    • صنع السلم هو العمل الرامي إلى التوفيق بين الأطراف المتعادية، لا سيما عن طريق الوسائل السلمية مثل تلك التي ينص عليها الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.
    • حفظ السلام هو نشر قوات تابعة للأمم المتحدة في الميدان، وذلك يتم حتى الآن بموافقة جميع الأطراف المعنية، ويشمل عادة اشتراك أفراد عسكريين و/أو أفراد من الشرطة تابعين للأمم المتحدة. وكثيرا ما ينطوي ذلك على اشتراك موظفين مدنيين أيضا. وحفظ السلام هو سبيل صنع السلم كما هو وسيلة لتوسيع إمكانيات منع نشوب المنازعات.
  1. وسيتناول هذا التقرير أيضا مفهوما له صلته الدقيقة بالموضوع وهو مفهوم بناء السلم بعد انتهاء الصراع ـ وهو العمل على تحديد ودعم الهياكل التي من شأنها تعزيز وتدعيم السلم لتجنب العودة إلى حالة النزاع. وإذا كانت الدبلوماسية الوقائية ترمى إلى حل المنازعات قبل نشوب العنف، فإن صنع السلم وحفظ السلام ضروريان لوقف الصراع وحفظ السلام بعد تحقيقه. وهما يعززان ـ في حالة نجاحهما ـ فرصة بناء السلم بعد انتهاء الصراع. وهذا ما قد يحول دون نشوب العنف من جديد بين الأمم والشعوب.
  2. وتوفر مجالات العمل الأربعة هذه، إذا ما أخذت معا، وطبقت بدعم من جميع الأعضاء، إسهاما متماسكا نحو كفالة السلم بروح من الميثاق. وللأمم المتحدة خبرة واسعة ليس فقط في هذه الميادين، وإنما أيضا في المجال الأوسع نطاقا المتمثل في العمل من أجل السلم الذي يشمل هذه الميادين الأربعة. وقد أسهمت المبادرات المتعلقة بإنهاء الاستعمار، والبيئة والتنمية المتواصلة، والسكان، واستئصال المرض، ونزع السلاح، وتطوير القانون الدولي، ومجالات كثيرة غيرها، إسهاما هائلا في وضع الأسس لعالم يسوده السلم. كثيرا ما مزقت المنازعات عالمنا هذا الذي ابتلى بقدر هائل من الألم والحرمان الإنساني. ومع ذلك فلولا جهود الأمم المتحدة المتواصلة لكان الأمر أشد وطأة. وينبغي أن تؤخذ في الحسبان هذه الخبرة الواسعة عند تقييم إمكانات الأمم المتحدة في صون الأمن الدولي، ليس فقط بالمعنى التقليدي وإنما أيضا في ضوء الأبعاد الجديدة التي تمثلها المرحلة القادمة.

ثالثا - الدبلوماسية الوقائية

  1. إن أكثر جهود الدبلوماسية فعالية هي تخفيف التوتر قبل أن يؤدى إلى نشوب صراع، فإذا ما نشب الصراع كان لابد من العمل بسرعة على احتوائه وعلاج أسبابه الكامنة. ويمكن أن يتولى مهام الدبلوماسية الوقائية الأمين العام شخصيا، أو يقوم بتكليف كبار الموظفين، أو عن طريق الوكالات والبرامج المتخصصة، أو بواسطة مجلس الأمن، أو الجمعية العامة، أو المنظمات الإقليمية بالتعاون مع الأمم المتحدة. وتتطلب الدبلوماسية الوقائية اتخاذ تدابير بناء الثقة؛ وتحتاج إلى إنذار مبكر يقوم على جمع المعلومات وتقصي الحقائق بصورة رسمية أو غير رسمية؛ كما قد تتضمن انتشارا وقائيا لممثلي الأمم المتحدة، وفي بعض الحالات إنشاء مناطق منزوعة السلاح.

تدابير بناء الثقة

  1. الثقة المتبادلة وحسن النوايا أساسيان في التخفيف من احتمال اندلاع الصراع بين الدول. والعديد من هذه التدابير متاح للحكومات التي تتوافر لديها الإرادة لاستخدامها. ومن الأمثلة على ذلك تبادل البعثات العسكرية بصورة منتظمة، وتشكيل مراكز إقليمية أو شبه إقليمية لتقليل المخاطر، ووضع ترتيبات للتدفق الحر للمعلومات، بما في ذلك رصد اتفاقات التسلح الإقليمية. وإنني أطلب من جميع المنظمات الإقليمية أن تنظر في أية تدابير أخرى لبناء الثقة يمكن أن تطبق في مناطقها وتبلغ الأمم المتحدة بالنتائج. وسأجري مشاورات دورية بشأن تدابير بناء الثقة مع أطراف المنازعات سواء منها المحتملة أو الراهنة أو الماضية، ومع المنظمات الإقليمية، مع تقديم كل ما تستطيعه الأمانة العامة من مساعدة استشارية.

تقصي الحقائق

  1. يجب أن تعتمد التدابير الوقائية على معرفة آنية ودقيقة بالحقائق. وفوق ذلك، من المطلوب وجود تفهم للتطورات والاتجاهات العالمية يقوم على تحليل سليم. ولابد من توافر الإرادة لاتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة. ونظرا لوجود جذور اقتصادية واجتماعية لكثير من الصراعات المحتملة، يجب أن تشمل المعلومات التي تحتاج إليها الأمم المتحدة الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على التطورات السياسية التي قد تؤدى إلى حدوث توترات خطيرة.

(أ)

يجب اللجوء على نحو متزايد إلى تقصي الحقائق، وفقا للميثاق، إما بمبادرة من الأمين العام، كي يتمكن من أداء مسؤولياته بموجب الميثاق، بما في ذلك المادة 99، أو من مجلس الأمن أو الجمعية العامة. ويمكن انتقاء أشكال مختلفة، حسبما تتطلب الحالة. وينبغي أن يدرس دون تأخير أي طلب من دولة ما لإرسال بعثة للأمم المتحدة إلى أراضيها لتقصي الحقائق؛

(ب)

ينبغي أن توفر الاتصالات مع حكومات الدول الأعضاء للأمين العام معلومات تفصيلية عن القضايا ذات الأهمية. وإنني أطلب أن تكون جميع الدول الأعضاء على استعداد لتقديم المعلومات اللازمة للدبلوماسية الوقائية الفعالة. وسوف أضيف إلى اتصالاتي الشخصية إيفاد كبار المسؤولين بانتظام في بعثات يكون الغرض منها إجراء مشاورات في العواصم وغيرها. مثل هذه الاتصالات ضروري للوصول إلى فهم أعمق للحالة وتقدير عواقبها المحتملة؛

(ج)

قد يأتي التكليف بالتقصي الرسمي للحقائق من مجلس الأمن أو من الجمعية العامة، وقد تختار أي من هاتين الهيئتين أن ترسل بعثة تحت سلطتها المباشرة، كما قد تدعو الأمين العام إلى اتخاذ الخطوات اللازمة، بما في ذلك تعيين مبعوث خاص. وفضلا عن قيام ممثل هذه البعثة بجمع المعلومات التي يمكن على أساسها اتخاذ قرار بمزيد من الإجراءات، فإنها في بعض الحالات تستطيع بمجرد وجودها أن تساعد على تهدئة النزاع، حيث يتبين للأطراف أن المنظمة، وبخاصة مجلس الأمن، تبدي اهتماما فعليا بالمسألة باعتبارها خطرا قائما أو محتملا يهدد الأمن الدولي؛

(د)

في الظروف الاستثنائية يجوز للمجلس أن يجتمع خارج المقر وفقا لما ينص عليه الميثاق، لا بغية الاطلاع على الحقائق مباشرة فحسب، بل كذلك لحشد سلطة المنظمة في مواجهة حالة معينة.

الإنذار المبكر

  1. لقد استحدثت منظومة الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة شبكة قيمة من نظم الإنذار المبكر فيما يتعلق بالأخطار البيئية، وخطر وقوع حادثة نووية، والكوارث الطبيعية، وتحركات السكان الضخمة، وخطر حدوث المجاعات وانتشار الأمراض. غير أن هناك حاجة لتعزيز الترتيبات بطريقة تجمع بين المعلومات الآتية من هذه المصادر وبين المؤشرات السياسية، للوقوف على احتمال وجود خطر يهدد السلم، وتحليل ما يمكن للأمم المتحدة أن تتخذه من تدابير للتخفيف من هذا الخطر. وتتطلب هذه العملية تعاونا وثيقا من مختلف الوكالات المتخصصة والمكاتب الفنية في الأمم المتحدة. وسأقوم، حسب الحاجة، بتوفير التحليلات، والتوصيات التي تتمخض عنها بشأن الإجراءات الوقائية، إلى مجلس الأمن وغيره من أجهزة الأمم المتحدة. وإنني أوصي إضافة إلى ذلك بأن يدعو مجلس الأمن المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد تنشيطه وإعادة تشكيله في هيكل جديد إلى توفير تقارير، وفقا للمادة 65 من الميثاق، بشأن التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تؤدي، إن لم يتم التخفيف من حدتها، إلى تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر.
  2. وللترتيبات والمنظمات الإقليمية دور هام في الإنذار المبكر. وإنني أطلب من المنظمات الإقليمية التي لم تسع بعد إلى الحصول على مركز المراقب في الأمم المتحدة أن تفعل ذلك وأن ترتبط، من خلال ترتيبات مناسبة، بآليات الأمن التابعة لهذه المنظمة.

الانتشار الوقائي

  1. عادة ما تقام عمليات الأمم المتحدة في مناطق الأزمات بعد نشوب الصراع. وقد آن الأوان للتخطيط لمواجهة الظروف التي تستدعي وانتشارها وقائيا، وهو ما يمكن أن يحدث بأشكال وطرق متنوعة. يمكن مثلا اللجوء إلى الانتشار الوقائي في ظروف أزمة وطنية بناء على طلب من الحكومة أو من جميع الأطراف المعنيين، أو بموافقتهم. وفي المنازعات بين الدول يمكن أن يتم مثل هذا الانتشار عندما يشعر الطرفان أن وجود الأمم المتحدة على جانبي حدودهما يمكن أن يمنع الأعمال العدائية. كذلك يمكن أن يتم الانتشار الوقائي عندما يشعر بلد ما أنه مهدد فيطلب وجودا مناسبا للأمم المتحدة على جانبه هو فقط من الحدود. وفي كل حالة، ينبغي تحديد ولاية وتكوين عناصر وجود الأمم المتحدة بعناية، وأن يكون كل ذلك واضحا للجميع.
  2. وفي حالة قيام أزمة داخل بلد ما، وعندما تطلب الحكومة أو يوافق جميع الأطراف على ذلك، يمكن للانتشار الوقائي أن يساعد بطرق عديدة في تخفيف المعاناة والحد من العنف أو السيطرة عليه. والمساعدة الإنسانية، إذا قدمت بنزاهة، يمكن أن تكون لها أهمية حاسمة؛ أما المساعدة في صون الأمن، سواء كان ذلك عن طريق الأفراد العسكريين أو أفراد الشرطة أو المدنيين، فيمكن أن تحقن الدماء وتولد ظروفا من السلامة يمكن في ظلها عقد المفاوضات؛ كما يمكن أن تساعد الأمم المتحدة في جهود التوفيق إن رغبت الأطراف في ذلك. وفي ظروف معينة، قد تستفيد الأمم المتحدة من المهارات المتخصصة والموارد المتوفرة في مختلف أنحاء منظومة الأمم المتحدة وقد تتطلب مثل هذه العمليات أحيانا مشاركة المنظمات غير الحكومية.
  3. وفي حالات الأزمات الداخلية هذه، لابد أن تحترم الأمم المتحدة سيادة الدولة؛ وإن فعلت غير ذلك فإنها تناقض مفهوم الدول الأعضاء لدى قبولها لمبادئ الميثاق. ويجب أن تواصل المنظمة مراعاة التوازن الذي تم التفاوض عليه بدقة، التوازن الذي تتضمنه المبادئ التوجيهية المرفقة بقرار الجمعية العامة 46/182 المؤرخ 19 كانون الأول/ ديسمبر 1991. فقد أكدت هذه المبادئ التوجيهية، من بين أمور أخرى، أنه يجب توفير المساعدة الإنسانية وفقا لمبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة؛ وأنه يجب احترام سيادة الدول وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية احتراما كاملا وفقا لميثاق الأمم المتحدة؛ وأنه ينبغي، في هذا السياق، أن توفر المساعدة الإنسانية بموافقة البلد المتضرر، ومن حيث المبدأ على أساس نداء يوجهه ذلك البلد. كما أكدت المبادئ التوجيهية مسؤولية الدول عن العناية بضحايا حالات الطوارئ التي تقع في إقليمها وضرورة الوصول إلى الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية. وفي ضوء هذه المبادئ التوجيهية، لن يكون في طلب الحكومة اشتراك الأمم المتحدة أو في موافقتها على ذلك، خرق لسيادة تلك الدولة أو تناقض مع الفقرة 7 من المادة 2 من الميثاق التي تشير إلى المسائل التي تكون أصلا من صميم الشؤون الداخلية للدول.
  4. وفي المنازعات بين الدول، إذا ما أتفق كلا الطرفين، أوصى بأنه إذا خلص مجلس الأمن إلى أن احتمال وقوع أعمال عدائية بين بلدين مجاورين قد يزول بالانتشار الوقائي لقوات من الأمم المتحدة في إقليم كل دولة، فإنه ينبغي اتخاذ مثل هذا الإجراء. ويتحدد تكوين وجود الأمم المتحدة وفقا لطبيعة المهام المطلوب أداؤها.
  5. وفي الحالات التي تخشى فيها دولة ما هجوما يشن عبر الحدود، فإنه إذا ما خلص مجلس الأمن إلى أن من شأن وجود الأمم المتحدة على جانب واحد من الحدود، بموافقة البلد الطالب فقط، أن يحول دون وقوع الصراع، فإنني أوصي بإجراء الانتشار الوقائي. وفي هذه الحالة أيضا، فإن الذي يحدد الولاية والأفراد المطلوبين للاضطلاع بها إنما هو طبيعة الحالة ذاتها.

المناطق المنزوعة السلاح

  1. في الماضي، كان إنشاء مناطق منزوعة السلاح يتم بموافقة الأطراف عند انتهاء الصراع. وبالإضافة إلى انتشار قوات الأمم المتحدة في تلك المناطق كجزء من عمليات حفظ السلام ينبغي الآن النظر في جدوى وجود هذه المناطق كشكل من أشكال الانتشار الوقائي، على كلا جانبي الحدود، بموافقة الطرفين، باعتبارها وسيلة للفصل بين متحاربين محتملين، أو على جانب واحد من الخط، بناء على طلب أحد الطرفين من أجل إزالة أي ذريعة للهجوم. وترمز مثل هذه المناطق إلى اهتمام المجتمع الدولي بالحيلولة دون نشوب صراع.

رابعا - صنع السلم

  1. بين مهمة السعي لمنع وقوع الصراع ومهمة حفظ السلام تكمن مسؤولية العمل على التوفيق بين الأطراف المتنازعة بالوسائل السلمية. ويتضمن الفصل السادس من الميثاق قائمة شاملة بوسائل حل النزاع. وقد جرى تناول هذه الوسائل بالتفصيل في إعلانات شتى اعتمدتها الجمعية العامة، من بينها إعلان مانيلا بشأن تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية لعام 1982(2)، والإعلان المتعلق بمنع وإزالة المنازعات والحالات التي قد تهدد السلم والأمن الدوليين وبدور الأمم المتحدة في هذا الميدان(3)، لعام 1988. وكانت أيضا موضوع قرارات شتى للجمعية العامة، من بينها القرار 44/21 المؤرخ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 بشأن تعزيز السلم الدولي والأمن والتعاون الدولي بجميع جوانبه وفقا لميثاق الأمم المتحدة. وقد اكتسبت الأمم المتحدة خبرة واسعة في تطبيق هذه الوسائل السلمية. فإذا باتت النزاعات دون حل فليس السبب في ذلك أن أساليب التسوية السلمية لم تكن معروفة أو ملائمة. إنما يكمن العيب، أولا، في عدم توفر الإرادة السياسية من جانب الأطراف للسعي لإيجاد حل لخلافاتها بوسائل كتلك الوسائل المقترحة في الفصل السادس من الميثاق. وثانيا، في عدم وجود قوة تأثير تحت تصرف طرف ثالث إذا ما كان هذا هو الإجراء المناسب. ثم إن عدم اكتراث المجتمع الدولي بالمشكلة، أو اعتباره إياها مشكلة هامشية، يمكن أن يعرقل إمكانيات حلها. وعلينا أن نعنى، في المقام الأول، بهذه المجالات إذا كنا نرجو تعزيز قدرة المنظمة على تحقيق التسويات بالوسائل السلمية.
  2. إن التصميم الحالي في مجلس الأمن على حل المنازعات الدولية بالطريقة المتوخاة في الميثاق قد فتح الطريق لقيام المجلس بدور أكثر نشاطا. ولقد رافقت زيادة الوحدة بين الأعضاء قوة التأثير والإقناع لتأخذ بأيدي الأطراف المتنازعة إلى مائدة المفاوضات. وإنني أحث المجلس على أن يستفيد استفادة كاملة من أحكام الميثاق، التي يجوز له بمقتضاها أن يوصي بإجراءات أو أساليب ملائمة لتسوية المنازعات، وأن يقدم، إذا ما طلبت جميع أطراف النزاع ذلك، توصيات إلى الأطراف من أجل تسوية النزاع بالوسائل السلمية.
  3. والجمعية العامة، شأنها شأن مجلس الأمن والأمين العام، لها أيضا دور هام منوط بها بموجب الميثاق من أجل صون السلم والأمن الدوليين. ويجب التسليم بقدرتها، كمحفل عالمي، على أن تنظر في الإجراء الملائم. ولذلك من الضروري، تشجيع جميع الدول الأعضاء على الاستعانة بها بغية ممارسة تأثير أكبر في منع أو احتواء الحالات التي قد تهدد السلم والأمن الدوليين.
  4. إن الاضطلاع بالوساطة والتفاوض يمكن أن يقوم به فرد يعينه مجلس الأمن، أو الجمعية العامة، أو الأمين العام. ويحفل التاريخ بحالات استعانت الأمم المتحدة فيها بساسة مرموقين لتيسير عمليات السلم. إذ أن بوسعهم، بما لهم من مكانة شخصية، بالإضافة إلى خبرتهم، أن يشجعوا الأطراف على الدخول في مفاوضات جدية. وهناك استعداد كبير في هذا المجال الذي سأواصل الاستفادة منه كلما دعت الحاجة. وفي أحيان كثيرة، يقوم الأمين العام بنفسه بهذه المهمة. وإذا كانت فعالية الوسيط تتعزز بالدعم القوى والواضح من المجلس والجمعية العامة والدول الأعضاء المعنية، فإنه يمكن استخدام المساعي الحميدة للأمين العام في بعض الأحيان على نحو فعال للغاية عندما يضطلع بتلك المساعي بصورة مستقلة عن الهيئات التداولية. ومع ذلك فإن التشاور الوثيق والمستمر بين الأمين العام ومجلس الأمن أمر ضروري لضمان الإدراك التام لأفضل السبل التي يمكن بها استخدام نفوذ المجلس ووضع إستراتيجية مشتركة من أجل تسوية منازعات معينة بالوسائل السلمية.

المحكمة العالمية

  1. إن سجل الدعاوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية قد أصبح حافلا، ولكنها لا تزال جهازا لا يستعان به على النحو الكامل للفصل سلميا في المنازعات. ومن شأن زيادة الاعتماد على المحكمة أن تشكل مساهمة هامة في مهمة صنع السلم التي تضطلع بها الأمم المتحدة. وفي هذا الصدد، أوجه الانتباه إلى سلطة مجلس الأمن، بموجب المادتين 36 و37 من الميثاق، بأن يوصي الدول الأعضاء بعرض النزاع على محكمة العدل الدولية، أو للتحكيم، أو على الآليات الأخرى لتسوية المنازعات. وأوصي من جانبي بأن يسمح للأمين العام، عملا بالفقرة 2 من المادة 96 من الميثاق، بأن يستفيد من اختصاص المحكمة في إصدار الفتاوى، وبأن تلجأ أجهزة الأمم المتحدة الأخرى التي تتمتع بالفعل بذلك إلى المحكمة بصورة أكثر تواترا طلبا للفتوى.
  2. وأوصى باتخاذ الخطوات التالية من أجل تعزيز دور محكمة العدل الدولية:

(أ)

أن تقر جميع الدول الأعضاء بالولاية العامة للمحكمة الدولية وفقا للمادة 36 من نظامها الأساسي، دون أي تحفظ، قبل انتهاء عقد الأمم المتحدة للقانون الدولي في سنة 2000. وفي الحالات التي تحول فيها الهياكل المحلية دون ذلك، تتفق الدول بصورة ثنائية أو متعددة الأطراف على قائمة شاملة بالمسائل التي ترغب في عرضها على المحكمة، وتسحب تحفظاتها على ولاية المحكمة فيما يتعلق بأحكام تسوية المنازعات الواردة في المعاهدات المتعددة الأطراف؛

(ب)

أن يستخدم اختصاص دوائر المحكمة عندما لا يمكن عمليا عرض نزاع ما على كامل هيئة المحكمة؛

(ج)

أن تدعم الدول الصندوق الاستئماني المنشأ لمساعدة البلدان غير القادرة على تحمل التكاليف التي ينطوي عليها عرض نزاع على المحكمة، وأن تستفيد هذه البلدان فائدة كاملة من الصندوق من أجل حل نزاعاتها.

تحسين الظروف عن طريق المساعدات

  1. مما ييسر صنع السلم في بعض الأحيان اتخاذ تدابير دولية لتحسين الظروف التي أسهمت في إثارة النزاع أو الصراع. فعلى سبيل المثال، إذا كان تقديم المساعدة إلى المشردين في مجتمع ما ضروريا لإيجاد حل، ينبغي أن يكون بوسع الأمم المتحدة عندئذ أن تستعين بموارد جميع الوكالات والبرامج المعنية. وليست هناك، في الوقت الحاضر، آلية ملائمة في الأمم المتحدة يمكن عن طريقها لمجلس الأمن أو الجمعية العامة أو الأمين العام تعبئة الموارد اللازمة لإحداث مثل هذا التأثير الإيجابي وتضافر الجهود الجماعية لمنظومة الأمم المتحدة من أجل حل النزاع بالوسائل السلمية. وقد طرحت هذا المفهوم في لجنة التنسيق الإدارية التي تضم الرؤساء التنفيذيين لوكالات الأمم المتحدة وبرامجها المتخصصة. ونحن نستطلع الأساليب التي يمكن بها تطوير النظام المشترك بين الوكالات بما يمكنها من المساهمة بشكل فعال في حل المنازعات بالوسائل السلمية.

الجزاءات والمشاكل الاقتصادية الخاصة

  1. في هذه الظروف التي يستلزم فيها صنع السلم فرض جزاءات بموجب المادة 41 من الميثاق، من المهم أن يكون من حق الدول التي تجابهها مشاكل اقتصادية خاصة أن تستشير مجلس الأمن بصدد هذه المشاكل، وفقا لما جاء في المادة 50، وليس هذا فحسب، بل من المهم أيضا أن تتوفر لها إمكانية معقولة تكفل معالجة ما يواجهها من صعوبات. وأوصي بأن يقر مجلس الأمن مجموعة من التدابير تشمل المؤسسات المالية وغيرها من عناصر منظومة الأمم المتحدة، ويمكن تنفيذها لحماية الدول من هذه الصعوبات. وستمثل هذه التدابير أداة للإنصاف ووسيلة لتشجيع الدول على التعاون مع قرارات المجلس.

استعمال القوة العسكرية

  1. إن جوهر مفهوم الأمن الجماعي كما جاء في الميثاق مؤداه أنه إذا فشلت الوسائل السلمية، ينبغي أن تستخدم التدابير المنصوص عليها في الفصل السابع، بناء على قرار من مجلس الأمن، لصون السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما في مواجهة أي "تهديد للسلم، أو إخلال به، أو أي عمل من أعمال العدوان". وحتى الآن لم يستخدم مجلس الأمن أشد هذه التدابير قمعا - ألا وهى الإجراءات التي تتخذ بواسطة القوة العسكرية على النحو المشار إليه في المادة 42. ففي الحالة بين العراق والكويت، اختار المجلس أن يأذن للدول الأعضاء باتخاذ تدابير باسمه. بيد أن الميثاق يوفر نهجا مفصلا يستحق حاليا أن يحظى باهتمام جميع الدول الأعضاء.
  1. فطبقا للمادة 42 من الميثاق، يتمتع مجلس الأمن بسلطة اتخاذ إجراء عسكري لصون السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما. وفي حين أن ذلك الإجراء لا ينبغي أن يتخذ إلا عندما تفشل جميع الوسائل السلمية، فإن توفر الخيار المتمثل في ذلك الإجراء أمر جوهري لمصداقية الأمم المتحدة بوصفها ضامنة للأمن الدولي. وسيستلزم هذا أن يتم، عن طريق المفاوضات، إيجاد الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة 43 من الميثاق، التي تتعهد الدول الأعضاء بموجبها بأن تضع تحت تصرف مجلس الأمن ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات من أجل الأغراض المنصوص عليها في المادة 42، لا على أساس مخصص فحسب بل على أساس دائم. وفي ظل الظروف السياسية التي توجد حاليا لأول مرة منذ أن اعتمد الميثاق، ينبغي أن تتلاشى العقبات التي طالما عرقلت إبرام تلك الاتفاقات الخاصة. ووجود قوات مسلحة متاحة وجاهزة عند الطلب يمكن أن يكون مفيدا في حد ذاته بوصفه وسيلة لردع الأفعال المخلَّة بالسلم لأن أي معتد محتمل سيعرف أنه توجد تحت تصرف المجلس وسيلة للرد. والقوات المنصوص عليها في المادة 43 ربما لم يقدر لها أبدا أن تصل إلى حجم أو إلى قدر من التجهيز يكفي للتصدي لتهديد يأتي من جيش كبير مجهز بأسلحة متطورة. بيد أنها ستكون مفيدة في مجابهة أي تهديد صادر عن أي قوة عسكرية من مرتبة أقل. وإني لأوصي بأن يبدأ مجلس الأمن مفاوضات وفقا للمادة 43، بدعم من لجنة الأركان العسكرية، التي يمكن تعزيزها بآخرين إذا اقتضى الأمر وفقا للفقرة 2 من المادة 47 من الميثاق. كما إني أرى أن دور لجنة الأركان العسكرية ينبغي أن ينظر إليه في سياق الفصل السابع، لا في سياق تخطيط عمليات حفظ السلام أو تنفيذها.

وحدات إنقاذ السلم

  1. إن مهمة القوات المنصوص عليها في المادة 43 ستكون في الرد على العدوان السافر، سواء أكان وشيكا أو فعليا. ولا يرجح أن تتوفر تلك القوات إلا بعد فترة من الوقت. على أن هناك حالات كثيرة يتفق فيها على وقف إطلاق النار ولكن لا يتم الالتزام به. ويطلب إلى الأمم المتحدة في بعض الأحيان أن ترسل قوات لإعادة وقف إطلاق النار والحفاظ عليه. وهذا العمل يمكن أن يتجاوز أحيانا مهمة قوات حفظ السلام وتوقعات المساهمين بقوات حفظ السلام. وإنني أوصي بأن ينظر المجلس في استخدام وحدات لإنفاذ السلم في ظروف تكون محددة بشكل واضح، مع تحديد اختصاصات هذه القوات تحديدا مسبقا. وتكون هذه الوحدات المقدمة من الدول الأعضاء متاحة عند الطلب وتتألف من جنود يكونون قد تطوعوا لأداء هذه الخدمة. وسيلزم أن تكون تلك الوحدات أثقل تسليحا من قوات حفظ السلام وأن تدرب تدريبا وافيا وتعد إعدادا كافيا في إطار القوات الوطنية لبلدانها. ويكون نشر هذه القوات وعملها بإذن من مجلس الأمن، وتكون، كما في حالة قوات حفظ السلام، تحت إمرة الأمين العام. وإنني أرى أن هناك ما يبرر إنشاء وحدات إنفاذ السلم هذه بوصفها تدبيرا مؤقتا بموجب المادة 40 من الميثاق. ولا ينبغي الخلط بين وحدات إنفاذ السلم تلك والقوات التي يمكن أن تشكل في نهاية المطاف بموجب المادة 43 للتصدي لأعمال العدوان، أو الخلط بينها وبين الأفراد العسكريين الذين قد توافق الحكومات على وضعهم تحت الطلب لاحتمال المساهمة بهم في عمليات حفظ السلام.
  2. وكما أن الدبلوماسية سوف تستمر عبر النطاق الكامل لجميع الأنشطة التي يجرى تناولها في هذا التقرير، فإنه قد لا يكون هناك حد فاصل بين صنع السلم وحفظ السلام. فكثيرا ما يكون صنع السلم مقدمة لحفظ السلام ـ مثلما أن الوجود والانتشار الميداني للأمم المتحدة في مكان ما يمكن أن يزيد إمكانيات منع نشوب الصراع، وأن ييسر جهود صنع السلم، وأن يكون في كثير من الحالات متطلبا أساسيا لبناء السلم.

خامسا - حفظ السلام

  1. يمكن أن يقال بحق أن نشاط حفظ السلام هو ابتكار للأمم المتحدة. وقد حقق هذا النشاط درجة من الاستقرار في عديد من مناطق التوتر في جميع أنحاء العالم.

تزايد الطلبات للمساعدة

  1. أنشئت 13 عملية لحفظ السلام في الفترة من عام 1945 إلى عام 1987؛ وبلغ عدد العمليات المنشأة بعد ذلك وحتى الآن 13 عملية أخرى. ويقدر عدد من خدموا فيها من العسكريين والشرطة والمدنيين تحت علم الأمم المتحدة حتى كانون الثاني/ يناير 1992 بـ 528000 فرد. وتوفي من هؤلاء في خدمة المنظمة أكثر من 800 فرد ينتمون إلى 43 بلدا. وبلغ مجموع تكاليف هذه العمليات حوالي 8.3 بلايين دولار حتى عام 1992. وتبلغ المتأخرات غير المسددة في المساهمة في هذه التكاليف أكثر من 800 مليون دولار، وهي تمثل دينا على المنظمة للبلدان المساهمة بقوات. وتقدر تكلفة عمليات حفظ السلام الموافق عليها حاليا بما يقارب 3 بلايين دولار في فترة الإثني عشر شهرا الجارية، في حين أن أنماط الدفع يشوبها البطء بدرجة غير مقبولة. وفي مقابل هذا، فإن نفقات الدفاع العالمية في نهاية العقد الماضي قد قاربت تريليون دولار سنويا، أي 2 مليون دولار في الدقيقة الواحدة.
  2. كان يمكن اعتبار ذلك التباين الواضح بين تكاليف أنشطة حفظ السلام التي تضطلع بها الأمم المتحدة وتكاليف البديل لها، وهو الحرب - وبين احتياجات المنظمة والوسائل التي تتاح لتلبيتها ـ طرفة هزلية لو لم تكن عواقبه بالجسامة التي هي عليها من حيث الإضرار بالاستقرار العالمي وبمصداقية المنظمة. وفي الوقت الذي يزداد فيه تطلع الدول والشعوب إلى الأمم المتحدة التماسا للمساعدة في حفظ السلام ـ بل الذي تتحمل فيه الأمم المتحدة المسؤولية حينما لا يمكن تحقيق ذلك ـ لابد من اتخاذ قرارات أساسية لتعزيز قدرة المنظمة في هذا الميدان المبتكر والمثمر من ميادين ممارستها لمهمتها. وإنني مدرك لوجود مشاكل حقيقية تجابه بعض الدول الأعضاء بسبب الحجم الحالي للأنصبة المقررة في تكاليف حفظ السلام ومن جراء عدم إمكانية التنبؤ بها. لذا فإني أؤيد تأييدا قويا المقترحات المطروحة في بعض الدول الأعضاء بأن تمول مساهماتها في تكاليف حفظ السلام من ميزانيات الدفاع، لا من ميزانيات الشؤون الخارجية، وأوصي الدول الأخرى باتخاذ هذا الإجراء. كما أحث الجمعية العامة على تشجيع الأخذ بهذا النهج.
  3. وستظل الطلبات التي تتحملها الأمم المتحدة فيما يتعلق بعمليات حفظ السلام، وعمليات بناء السلم، تمثل في السنوات القادمة تحديا لقدرة الأمانة العامة والدول الأعضاء وللإرادة السياسية والمالية والطاقة الإبداعية لديهما. وإني لأرحب، كما رحب مجلس الأمن، بزيادة مهام وتوسيع نطاق عمليات حفظ السلام.

منطلقات جديدة في مجال حفظ السلام

  1. لقد تطورت طبيعة عمليات حفظ السلام بسرعة في السنوات الأخيرة. وقد استجابت المبادئ الثابتة لحفظ السلام وممارسته استجابة مرنة للمطالب الجديدة في السنوات الأخيرة، وما زالت الشروط الأساسية للنجاح كما هي: ولاية واضحة وممكنة التنفيذ؛ تعاون الأطراف في تنفيذ هذه الولاية؛ الدعم المستمر من جانب مجلس الأمن؛ استعداد الدول الأعضاء للمساهمة بالأفراد اللازمين من عسكريين ومدنيين وأفراد الشرطة، بما في ذلك الخبراء والمتخصصون؛ قيادة فعالة للأمم المتحدة في المقر وفي الميدان؛ دعم مالي وإمدادي مناسب. ولما كان المناخ الدولي قد تغير وأصبحت عمليات حفظ السلام تجرى في الميدان بشكل متزايد للمساعدة في تنفيذ التسويات التي يتفاوض عليها صانعو السلم، فقد برزت مجموعة جديدة من المطالب والمشاكل تتعلق بالإمدادات والمعدات والأفراد والتمويل، وهذه كلها ما يمكن معالجته إذا رغبت الدول الأعضاء في ذلك وكان على استعداد لتوفير الموارد المطلوبة.

الأفراد

  1. تتوق الدول الأعضاء إلى المساهمة في عمليات حفظ السلام. ويتوافر المراقبون العسكريون والمشاة بشكل ثابت بالأعداد المطلوبة، غير أن وحدات الإمدادات تمثل مشكلة أكبر لأن جيوشا قليلة هي التي يمكنها الاستغناء عن هذه الوحدات لمدد طويلة. وقد طلب إلى الدول الأعضاء في عام 1990 أن تحدد الأفراد العسكريين الذين يمكنها من حيث المبدأ توفيرهم ولكن لم يرد منها إلا القليل. وإنني هنا أتوجه مجددا إلى الدول الأعضاء جميعها أن ترد بصراحة وبسرعة. وينبغي تأكيد الترتيبات الاحتياطية، حسب المقتضى، عن طريق تبادل الرسائل بين الأمانة العامة والدول الأعضاء حول نوع وعدد الأفراد الأكفاء الذين تكون الدول على استعداد لتوفيرهم للأمم المتحدة متى نشأت احتياجات لعمليات جديدة.
  2. ويقتضي حفظ السلام، بشكل متزايد، أن يقوم السياسيون المدنيون والمراقبون في مجال حقوق الإنسان وموظفو الانتخابات والخبراء في مساعدة اللاجئين والمساعدات الإنسانية ورجال الشرطة، بدور رئيسي مماثل لما يقوم به العسكريون. وتتزايد صعوبة الحصول على أفراد الشرطة بالأعداد المطلوبة. وإنني أوصي باستعراض وتحسين الترتيبات المتعلقة بتدريب أفراد حفظ السلام ـ مدينين أو عسكريين أو أفراد الشرطة ـ والاستعانة بالقدرات المختلفة لحكومات الدول الأعضاء والمنظمات غير الحكومية وتسهيلات الأمانة العامة. ولأن الجهود مستمرة لضم دول إضافية كمساهمين، فإنه يتعين على بعض الدول ذات الإمكانيات الواسعة أن تركز على التدريب اللغوي لفرق الشرطة التي يمكن أن تعمل مع المنظمة. أما بالنسبة للأمم المتحدة ذاتها، فأنه ينبغي وضع إجراءات خاصة تشمل الحوافز للأفراد، وذلك لتيسير سبل التحويل السريع لموظفي الأمانة العامة إلى الخدمة في عمليات حفظ السلام. ويتعين زيادة عدد وقدرات الأفراد العسكريين العاملين في الأمانة العامة لمواجهة الاحتياجات الجديدة المتزايدة.

الإمدادات

  1. ليست الحكومات كلها قادرة على تزويد كتائبها بالمعدات التي تحتاج إليها للخدمة في الخارج. وإذا كانت البلدان المساهمة بعدد من القوات توفر بعض المعدات، فإن شطرا كبيرا يتعين أن توفره الأمم المتحدة، ومن ذلك المعدات المقصود بها سد الثغرات في الوحدات الوطنية المنخفضة التجهيز. وليس لدى الأمم المتحدة مخزون دائم من هذه المعدات. فلابد من أن ترسل الطلبات إلى المصانع. وهذا يخلق عددا من الصعوبات. ولذلك ينبغي أن يكون هناك مخزون محدد سلفا من المعدات الأساسية لحفظ السلام حتى يتسنى العمل فورا على توفير بعض المركبات وأجهزة الاتصال والمولدات وغيرها على الأقل، عند بدء العملية. وقد يكون البديل هو أن تتعهد الحكومات بالاحتفاظ ببعض المعدات التي يحددها الأمين العام جاهزة لتقديمها فورا للأمم المتحدة على سبيل البيع أو الإقراض أو الهبة، عند الضرورة.
  2. ويتعين على الدول الأعضاء القادرة أن توفر للأمم المتحدة القدرة على مد جسور جوية وبحرية مجانا أو بأسعار أقل من الأسعار التجارية، وهو ما كان يجري العمل به حتى وقت قريب.

سادسا - بناء السلم بعد انتهاء الصراع

  1. يقتضي النجاح الفعلي لعمليات صنع السلم وحفظ السلام أن تتضمن جهودا شاملة لتحديد ودعم الهياكل التي تخدم تعزيز السلم وزيادة الشعور بالثقة والراحة بين الجميع. ويمكن عن طريق الاتفاقات التي تنهى النزاع الأهلي، أن تتضمن هذه الهياكل نزع سلاح الأطراف وإعادة النظام، والتحفظ على الأسلحة وإمكانية تدميرها، وإعادة اللاجئين إلى الوطن، وتوفير الدعم لموظفي الأمن عن طريق المشورة والتدريب، ومراقبة الانتخابات، ودفع الجهود لحماية حقوق الإنسان، وإصلاح أو تعزيز المؤسسات الحكومية، ودعم العمليات الرسمية وغير الرسمية للمشاركة السياسية.
  2. قد يتخذ بناء السلم بعد انتهاء الصراع في أعقاب حرب دولية، شكل مشاريع تعاونية محددة تربط بين بلدين أو أكثر في مشروع ذي فائدة متبادلة يمكن أن يسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذلك في تعزيز الثقة التي هي أساسية وبالغة الأهمية للسلم. ويخطر على بالي، على سبيل المثال، مشاريع تجمع بين الدول لتطوير الزراعة أو تحسين النقل أو الاستفادة من موارد تحتاج إلى تقاسمها كالمياه أو الكهرباء، أو مشاريع مشتركة يتم فيها إلغاء الحدود بين الدول من خلال زيادة حرية السفر، والتبادل الثقافي ومشاريع ذات فائدة مشتركة في مجال الشباب والتعليم. كما أن التبادل التعليمي وإصلاح المناهج للتقليل من الأفكار العدائية قد يكون ضروريا لإحباط عودة التوترات الثقافية والقومية التي يمكن أن تستثير الأعمال العدائية من جديد.
  3. عند استعراض سلسلة الجهود المبذولة من أجل السلم، فإن مفهوم بناء السلم كأساس لبيئة جديدة، ينبغي التفكير فيها كنظير للدبلوماسية الوقائية التي تسعى إلى تفادى انهيار الظروف السلمية. وعند نشوب الصراع، فإن جهود صنع السلم وحفظ السلام المتكاملة تدخل الحلبة. ومتى حققت هذه الجهود أهدافها، فإن العمل التعاوني المتواصل لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية الكامنة هو وحده الذي يمكنه أن يقيم السلم على أساس دائم. إن الدبلوماسية الوقائية هي لتجنب وقوع أزمة؛ أما بناء السلم بعد انتهاء الصراع فلمنع تكرارها.
  4. ويزداد وضوحا أن بناء السلم بعد نزاع أهلي أو دولي يجب أن يعالج المشكلة الخطيرة للألغام الأرضية التي ما زلت عشرات الملايين منها مبعثرة في مناطق القتال الحالية أو السابقة. ويجب التركيز على إزالة الألغام في صلاحيات عمليات حفظ السلام، وهو أمر بالغ الأهمية في استعادة النشاط وقت بناء السلم: فلا يمكن إحياء الزراعة دون إزالة الألغام. وقد يتطلب إصلاح مرافق النقل شق طرق ذات سطح صلد لمنع زراعة الألغام من جديد. وفي هذه الحالات تصبح الصلة واضحة بين حفظ السلام وبناء السلم. وكما يمكن للمناطق المنزوعة السلاح أن تخدم قضية الدبلوماسية الوقائية والانتشار الوقائي لتجنب الصراع، فإن إنشاء مناطق منزوعة السلاح قد يساعد في حفظ السلام أو في بناء السلم بعد انتهاء الصراع، كتدبير لإعلاء الشعور بالأمن وتشجيع الأطراف على تحويل طاقاتهم إلى العمل من أجل إعادة بناء مجتمعاتهم سلميا.
  5. وهناك متطلب جديد فيما يتعلق بالمساعدة التقنية التي تلتزم الأمم المتحدة بتطويرها وتوفرها متى طلبت، وهو دعم تحول الهياكل والقدرات الوطنية الضعيفة، والمساعدة في تعزيز المؤسسات الديمقراطية الجديدة. إن سلطة منظومة الأمم المتحدة للعمل في هذا الميدان تتوقف على التفاهم بأن السلم الاجتماعي مهم أهمية السلم الإستراتيجي أو السياسي. وهناك صلة واضحة بين الممارسات الديمقراطية ـ كحكم القانون والوضوح في اتخاذ القرارات ـ وبين تحقيق سلم وأمن حقيقيين في أي نظام سياسي جديد ومستقر. وعناصر الحكم الجيد هذه في حاجة إلى تعزيز على جميع مستويات الجماعات السياسية الدولية والوطنية.

سابعا - التعاون مع الترتيبات والمنظمات الإقليمية

  1. أشار عهد عصبة الأمم المتحدة، في المادة 21 منه، إلى صلاحية التفاهمات الإقليمية لكفالة صون السلم. ويكرس ميثاق الأمم المتحدة الفصل الثامن للترتيبات أو الوكالات الإقليمية التي تعالج من الأمور المتعلقة بصون السلم والأمن الدوليين ما يكون العمل الإقليمي مناسبا فيها ومتلائما مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها. وقد فوتت الحرب الباردة فرصة الاستفادة الصحيحة من الفصل الثامن. بل إنه في تلك الحقبة كان من شأن الترتيبات الإقليمية في الواقع أن عرقلت أحيانا حل المنازعات بالوسيلة المتوخاة في الميثاق.
  2. ويغفل الميثاق عمدا إيراد أي تعريف دقيق للترتيبات والمنظمات الإقليمية، وبذلك يسمح بالمرونة المفيدة لمحاولات تضطلع بها الدول لمعالجة أمر يكون العمل الإقليمي مناسبا فيه ويمكن أيضا أن يسهم في صون السلم والأمن الدوليين. ويمكن أن تضم هذه المؤسسات أو الكيانات منظمات قائمة على معاهدات، سواء أنشئت قبل إقامة الأمم المتحدة أو بعدها، ومنظمات إقليمية للأمن والدفاع المتبادل، ومنظمات للتنمية الإقليمية العامة أو للتعاون في موضوع أو عمل اقتصادي محدد، ومجموعات تنشأ لمعالجة مسألة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية معينة تثير اهتماما فوريا.
  3. وفي هذا الصدد، دأبت الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة على تشجيع مجموعة مثمرة من الجهود التكميلية. وكما أنه لا توجد منطقتان أو حالتان متماثلتان، يجب أن يكون تصميم الجهود التعاونية وتقسيمها للعمل موائما كذلك لواقع كل حالة، بمرونة وإبداعية. ففي أفريقيا تضافرت جهود ثلاث مجموعات إقليمية مختلفة ـ منظمة الوحدة الأفريقية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ـ مع الأمم المتحدة فيما يتعلق بالصومال. وفي الإطار الآسيوي، التقت رابطة أمم جنوب شرقي آسيا ودول منفردة من مناطق عدة جنبا إلى جنب مع أطراف النزاع الكمبودي في مؤتمر دولي عقد في باريس، للعمل مع الأمم المتحدة. وفيما يخص السلفادور، أسهم ترتيب فريد ـ "أصدقاء الأمين العام" ـ في التوصل إلى اتفاقات عن طريق وساطة الأمين العام. واستلزم إنهاء الحرب في نيكاراغوا جهدا شديد التعقد بادر به زعماء المنطقة واضطلعت به دول منفردة ومجموعات من الدول ومنظمة الدول الأمريكية. وكانت الجهود التي قامت بها الجماعة الأوروبية ودولها الأعضاء، بمساندة من الدول المشاركة في مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، ذات أهمية رئيسية في معالجة الأزمة إلى تشهدها البلقان والمناطق المجاورة.
  4. وفي الماضي، كانت تقام الترتيبات الإقليمية في كثير من الأحيان بسبب عدم وجود نظام عالمي للأمن الجماعي. ومن ثم يمكن لأنشطتها أن تتعارض أحيانا في أهدافها مع الإحساس بالتضامن المطلوب لكفالة فعالية المنظمة العالمية. ولكن تستطيع الترتيبات أو الوكالات الإقليمية، في هذا العصر الجديد الذي تتوفر فيه الفرص، إسداء خدمة جليلة إذا تم الاضطلاع بأنشطتها بما يتسق مع مقاصد ومبادئ الميثاق، وإن كان الفصل الثامن هو التي ينظم علاقتها مع الأمم المتحدة، ومع مجلس الأمن بصفة خاصة.
  5. ليس الغرض من هذا التقرير وضع أي نمط رسمي للعلاقة بين المنظمات الإقليمية والأمم المتحدة، أو الدعوى إلى أي تقسيم محدد للعمل. إلا أن الأمر الواضح هو أن الترتيبات أو الوكالات الإقليمية تتوفر لديها، في حالات كثيرة، إمكانات ينبغي استغلالها في الوفاء بالمهام التي يتضمنها هذا التقرير: الدبلوماسية الوقائية، وحفظ السلام، وصنع السلم، وبناء السلم بعد انتهاء الصراع. وبموجب الميثاق، فإن مجلس الأمن مسؤول، وسيظل مسؤولا، مسؤولية رئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين؛ ولكن العمل الإقليمي، من قبيل اللامركزية والتفويض بالسلطة والتعاون مع جهود الأمم المتحدة، لا يمكن أن يخفف من أعباء المجلس فحسب، بل يستطيع أيضا المساهمة في زيادة تعميق الإحساس بالمشاركة وتوافق الآراء وإضفاء الطابع الديموقراطي في الشؤون الدولية.
  6. وفي العقود الأخيرة لم يكن ينظر إلى الترتيبات والوكالات الإقليمية في هذا الإطار، حتى عندما كان تصميمها أصلا للاضطلاع جزئيا بدور في صون السلم أو إعادته إلى نصابه داخل مناطقها من العالم. أما اليوم فيوجد إحساس جديد بأن لهذه المنظمات مساهمة ودورا هاما. فالمشاورات بين الأمم المتحدة والترتيبات أو المنظمات الإقليمية يمكن أن تنجز الشيء الكثير لبناء توافق دولي في الآراء بصدد طبيعة أي مشكلة وبصدد التدابير المطلوبة للتصدي لها. ومن شأن المنظمات الإقليمية التي تشارك في الجهود التكميلية مع الأمم المتحدة في مهام مشتركة أن تشجع الدول خارج المنطقة على اتخاذ إجراءات داعمة. وإذا أثر مجلس الأمن أن يأذن على وجه التحديد لترتيب إقليمي أو منطقة إقليمية بالاضطلاع بالدور الرائد في معالجة أزمة داخل المنطقة التابعة لأي منهما، فإن ذلك قد يفيد في وضع ثقل الأمم المتحدة في جانب شرعية الجهود الإقليمية. وإذا اتبع النهج الموجز هنا، بروح من الميثاق، وعلى النحو المتوخى في الفصل الثامن، فإنه قد يؤدي إلى تعزيز إحساس عام بأن الأخذ بأسباب الديمقراطية ينال التشجيع على جميع المستويات في مهمة صون السلم والأمن الدوليين، على أن يكون من الأساس مواصلة التسليم بأن المسؤولية الرئيسية تظل على عاتق مجلس الأمن.

ثامنا - سلامة الموظفين

  1. عند نشر موظفي الأمم المتحدة في ظروف النزاع، سواء من أجل الدبلوماسية الوقائية أو صنع السلم أو بناء السلم أو حفظ السلام أو لأغراض إنسانية، تنشا الحاجة إلى ضمان سلامتهم. وقد زاد عدد الذين لقوا حتفهم زيادة غير معقولة. في أعقاب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في العراق ومن أجل منع تفجر المزيد من العنف، طلب إلى حرس الأمم المتحدة مد يد المساعدة في الظروف غير المستقرة. فأتاح وجودهم قدرا من الأمن لموظفي الأمم المتحدة وإمداداتها وحقق، بالإضافة إلى ذلك، عنصرا من عناصر الطمأنينة والاستقرار. وساعد ذلك على منع تجدد الصراع. وسيلزم النظر في مختلف أشكال وتكوينات عمليات الانتشار لأغراض الأمن حسب طبيعة الحالة. وباتساع مدى تنوع وحجم التهديد، سيتطلب الأمر الأخذ بتدابير مبتكرة للتصدي للأخطار التي تواجه موظفي الأمم المتحدة.
  2. وتدل الخبرة على أن وجود عملية للأمم المتحدة قد لا يكون كافيا على الدوام لردع الأعمال العدائية. فالخدمة في مناطق الخطر لا يمكن أن تخلو قط من المخاطر؛ ويجب أن يتوقع موظفو الأمم المتحدة التعرض للأذى أحيانا. كما ينبغي أن قابل ما يبديه موظفو الأمم المتحدة من شجاعة والتزام ومثالية بالاحترام من المجتمع الدولي بأسره. فهؤلاء الرجال والنساء جديرون بأن ينالوا التقدير والمكافأة بما يتناسب والمهام الخطرة التي يضطلعون بها، ولابد من مراعاة وحماية مصالحهم ومصالح أسرهم على النحو الواجب.
  3. وبالنظر إلى الحاجة الملحة لتوفير حماية كافية لموظفي الأمم المتحدة الذين يجازفون بحياتهم، فإنني أوصي مجلس الأمن بأن ينظر جديا في الإجراءات التي ينبغي اتخاذها تجاه موظفي الأمم المتحدة الذين يتعرضون للخطر. هذا إلا إذا آثر المجلس أن يسحب على الفور عناصر الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على مصداقية المنظمة. وقبل الانتشار، ينبغي للمجلس أن يحتفظ بالخيار المسبق للنظر في تدابير جماعية، يمكن أن تشمل التدابير المنصوص عليها في الفصل السابع عندما ينطوي الأمر أيضا على خطر يتهدد السلم والأمن الدوليين، بحيث تنفذ إذا تعرض هدف عملية الأمم المتحدة بانتظام إلى الإحباط أو تعرض أفرادها لأعمال عدائية.

تاسعا: التمويل

  1. من الواضح أن هوة قد نشأت بين المهام المنوطة بهذه المنظمة وبين الإمكانات المالية المقدمة إليها. وحقيقة الأمر أن رؤيتنا لا يمكن أن تمتد إلى الآفاق التي تتفتح أمامنا ما دام التمويل الذي يتوفر لنا قاصرا. وهناك مجالان رئيسيان يثيران القلق هاما: مقدرة الأمم المتحدة على أداء مهامها على الأمد الأطول؛ والاحتياجات الفورية للاستجابة لأي أزمة.
  2. ولقد قام سلفي الموقر بتوجيه انتباه الدول الأعضاء مرارا وتكرارا للأزمة المتزايدة التي نشأت، بهدف إصلاح الحالة المالية للأمم المتحدة من جميع جوانبها، وتقدم خلال الدورة السادسة والأربعين للجمعية العامة بعدد من المقترحات. وهذه المقترحات التي ما زالت معروضة على الجمعية العامة، والتي اتفق معها كثيرا، هي كما يلي:

المقترح الأول ـ وهو اعتماد مجموعة من التدابير للتصدي لمشاكل تدفق النقد الناشئة عن الارتفاع غير العادي في مستوى الاشتراكات غير المسددة، فضلا عن مشكلة عدم كفاية احتياطات رأس المال المتداول:

(أ)

تحميل فائدة على مبالغ الاشتراكات المقررة التي لا تدفع في حينها؛

(ب)

تعليق بعض بنود النظام المالي للأمم المتحدة بما يسمح باستبقاء فوائض الميزانية؛

(ج)

زيادة صندوق رأس المال المتداول ليصل مستواه إلى 250 مليون دولار، وتأييد المبدأ القاضي بأن يكون مستوى الصندوق نحو 25 في المائة من الأنصبة السنوية المقررة في الميزانية العادية؛

(د)

إنشاء صندوق احتياطي مؤقت لحفظ السلام، يكون مستواه 50 مليون دولار، لمواجهة النفقات الأولية لعمليات حفظ السلام إلى أن ترد الاشتراكات المقررة؛

(ه)

تفويض الأمين العام في الاقتراض التجاري، في حالة عدم كفاية مصادر النقد الأخرى.

 

 

المقترح الثاني ـ وهو إنشاء صندوق تبرعات للأغراض الإنسانية بما قيمته 50 مليون دولار، ليستخدم في الحالات الإنسانية الطارئة. وقد تم بالفعل تنفيذ هذا الاقتراح.

المقترح الثالث ـ وهو إنشاء صندوق تبرعات من أجل السلم للأمم المتحدة بمبلغ أولي مستهدف قدره بليون دولار. وأن ينشأ هذا الصندوق بمزيج من الاشتراكات المقررة والمساهمات الطوعية، على أن تلتمس هذه الأخيرة من الحكومات والقطاع الخاص ومن الأفراد. ومتى وصل الصندوق إلى المستوى المستهدف، يستخدم الرصيد من استثمار رأس ماله في تمويل التكاليف الأولية لما يتقرر من عمليات حفظ السلام وغيرها من تدابير حسم الصراعات وما يتصل بذلك من أنشطة وجهود.

  1. ولقد أضيفت أفكار أخرى في الشهور الأخيرة إلى هذه المقترحات، أثناء المناقشة العامة. ومن هذه الأفكار: فرض ضريبة على مبيعات الأسلحة التي يمكن أن تكون لها صلة بحفظ سجل للأسلحة من جانب الأمم المتحدة؛ وفرض ضريبة على السفر الجوى الدولي، الذي يتوقف على الاستقرار والسلام؛ وتفويض الأمم المتحدة بالاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لأن السلم والتنمية مترابطان؛ وإعفاء عام من الضريبة على المساهمات التي تقدم إلى الأمم المتحدة من المؤسسات والأعمال التجارية والأفراد؛ وإدخال تغييرات في الصيغة المستخدمة لحساب جدول الأنصبة المقررة من أجل عمليات حفظ السلام.
  2. وفي الوقت الذي تجري فيه مناقشة هذه الأفكار، تظل هناك حقيقة صارخة: وهى أن الموارد المالية للمنظمة تزداد ضعفا يوما بعد يوم مما يوهن إرادتها السياسية وقدرتها العملية على الاضطلاع بأنشطة أساسية وجديدة. وهذه حالة يجب ألا تستمر. ومهما تكن القرارات التي تتخذ بشأن تمويل المنظمة تظل هناك ضرورة لا مفر منها: وهي أن على الدول الأعضاء أن تدفع الاشتراكات المقررة عليها بالكامل وفي حينها، لأن تخلفها عن القيام بذلك يجعلها مخلة بالتزاماتها بموجب الميثاق.
  3. وفي هذه الظروف وبناء على الافتراض بأن الدول الأعضاء ستكون مستعدة لتمويل العمليات الخاصة بالسلم بصورة تتناسب مع استعدادها الحالي، والمرغوب، لإنشاء هذه العمليات، فإنني أوصي بما يلي:

(أ)

القيام فورا بإنشاء صندوق احتياطي من التبرعات لحفظ السلام بمبلغ 50 مليون دولار؛

(ب)

الاتفاق على أن الجمعية العامة ستقوم برصد ثلث التكاليف المقدرة لكل عملية جديدة لحفظ السلام متى قرر مجلس الأمن إنشاء العملية؛ لأن ذلك من شأنه أن يوفر للأمين العام السلطة الضرورية للدخول في التزامات ويضمن تدفقا كافيا؛ أما بقية التكاليف فسترصد بعد أن توافق الجمعية العامة على ميزانية العملية؛

(ج)

الاعتراف من جانب الدول الأعضاء بأنه، في الظروف الاستثنائية، قد تقتضي الاعتبارات السياسية والعملية من الأمين العام أن يستخدم سلطته للدخول في عقود دون إجراء مناقصة تنافسية.

  1. إن الدول الأعضاء لترغب في أن تدار المنظمة بأقصى درجة من الكفاءة والعناية. وإني معها لعلى وفاق في هذا الأمر. فقد اتخذت خطوات هامة لإعادة تنظيم الأمانة العامة من أجل تجنب الازدواجية والتداخل فيها مع تأمين زيادة إنتاجيتها في نفس الوقت. وستجري أيضا تغييرات وتحسينات إضافية. إما فيما يتعلق بمنظومة الأمم المتحدة على النطاق الأوسع، فإني أواصل استعراض الحالة بالتشاور مع زملائي في لجنة التنسيق الإدارية. أما مسألة ضمان الأمن المالي للمنظمة لفترة طويلة فإنها من الأهمية والتعقيد بحيث تستوجب تعميق الوعي العام بها والدعم الكامل لها. وبناء على ذلك طلبت من مجموعة مختارة من الأشخاص ذوي الكفاءة والشهرة الدولية العالية أن يدرسوا الموضوع برمته وأن يرفعوا إلى تقريرهم. وسوف أقدم مشورتهم، مشفوعة بتعليقاتي، إلى الجمعية العامة للنظر فيها، من منطلق الإدراك الكامل للمسؤولية الخاصة التي يضعها الميثاق على عاتق الجمعية فيما يتعلق بالأمور المالية وأمور الميزانية.

عاشرا - خطة للسلام

  1. إن لأمم وشعوب الأمم المتحدة من الحظ ما لم يكن لأمم وشعوب عصبة الأمم. فقد أتيحت لنا فرصة ثانية لإنشاء العالم الذي توخاه ميثاقنا لم تتيح لهؤلاء. ولقد ابتعدنا بانتهاء الحرب الباردة عن حافة مجابهة كانت تهدد العالم، وكثيرا جدا ما كانت تصيب المنظمة نفسها بالشلل.
  2. حتى ونحن نحتفل بمسؤولياتنا المستعادة، هناك حاجة إلى التأكد من أننا تعلمنا من دروس العقود الأربعة الماضية وأن الأخطاء في صورها المختلفة، لن تتكرر. إذ قد لا تتاح فرصة ثالثة لكوكبنا الذي ما زال، ولأسباب مختلفة الآن، معرضا للخطر.
  3. إن المهام المقبلة يجب أن تشغل طاقة واهتمام جميع الوحدات التي تتكون منها منظومة الأمم المتحدة ـ الجمعية العامة والأجهزة الرئيسية الأخرى والوكالات والبرامج. فلكل منها، في تصميم متوازن للأمور، دور تقوم به ومسؤوليات تضطلع بها.
  4. يجب ألا يفقد مجلس الأمن أبدا مرة أخرى الروح الجماعية التي لابد منها للعمل على الوجه الصحيح، وهي الروح التي اكتسبها بعد تجربة. ولا بد أن يسود عمل المجلس شعور صادق بتوافق الآراء النابع من اهتمامات مشتركة، لا التهديد بحق النقض أو بالقوة من أي مجموعة من الأمم. وهذا يعني أن الاتفاق بين الأعضاء الدائمين يجب أن يحظى بالدعم العميق من سائر أعضاء المجلس، ومن أعضاء الأمم المتحدة بوجه عام إذا ما أريد لقرارات المجلس أن تكون فعالة وثابتة.
  5. لقد هيأ اجتماع القمة لمجلس الأمن الذي انعقد في 31 كانون الثاني/ يناير 1992 محفلا فريدا لتبادل الآراء وتعزيز التعاون. وإنني أوصي بأن يجتمع رؤساء دول وحكومات أعضاء مجلس الأمن كل سنتين، قبيل بدء المناقشة العامة في الجمعية العامة. فإن من شأن هذه الدورات أن تتيح تبادل الأفكار حول تحديات وأخطار المرحلة الحاضرة وأن تحفز الأفكار حول أفضل الطرق التي يمكن بها للأمم المتحدة أن توجه ريح التغير في مسارات سلمية. وأقترح بالإضافة إلى ذلك أن يواصل مجلس الأمن الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية، كما فعل بنجاح في السنوات الأخيرة، كلما كانت الحال تستدعي مثل هذه الاجتماعات.
  6. إن القوة تحمل معها مسؤوليات خاصة، وتأتي بإغراءات خاصة أيضا. وإذا أردنا للأمم المتحدة أن تنجح فإنه يجب على الأقوياء أن يقاوموا الإغراءين المقترنين وإن كانا متعارضين، وهما الانفرادية والانعزالية. فكما أن الانفرادية على الصعيد العالمي أو الإقليمي تستطيع أن تزعزع الثقة لدى الآخرين، فإن الانعزالية، سواء أكانت ناتجة عن خيار سياسي أم عن ظروف دستورية، تستطيع أن تضعف المشروع العالمي. فالسلام في داخل الوطن وضرورة إعادة بناء مجتمعاتنا وتقويتها يحتاج إلى السلم في الخارج وإلى التعاون بين الأمم. ولسوف تحتاج مساعي الأمم المتحدة إلى أقصى قدر من المشاركة من جانب كافة دولها الأعضاء، كبيرها وصغيرها، حتى يمكن اغتنام الفرصة الحاضرة المستجدة.
  7. الديمقراطية داخل الأمم تتطلب احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، كما هو مبين في الميثاق. وتتطلب فضلا عن ذلك تفهما واحتراما أعمق لحقوق الأقليات ومراعاة احتياجات الفئات الأضعف من المجتمع، ولا سيما النساء والأطفال. هذه ليست مسألة سياسية فحسب. فالاستقرار الاجتماعي اللازم للنمو المنتج يتعزز بالظروف التي يستطيع فيها الناس التعبير عن إرادتهم بصورة تلقائية. ولكي يمكن ذلك، لابد من وجود مؤسسات محلية قوية للمشاركة. إن تعزيز مثل هذه المؤسسات يعنى تعزيز الفقراء والمهمشين. وتحقيقا لهذه الغاية، يجب أن ينصب تركيز الأمم المتحدة على "الميدان"، أي المواقع التي يحدث فيها تأثير القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وتدعيما لذلك، أقوم باتخاذ خطوات لترشيد، وفي بعض الحالات، إدماج، مختلف برامج ووكالات الأمم المتحدة داخل بلدان معينة. وينبغي لكبير موظفي الأمم المتحدة في كل بلد أن يكون مستعدا، عند الحاجة، وبموافقة سلطات البلد المضيف، للعمل كممثل لي في الأمور ذات الأهمية الخاصة.
  8. الديمقراطية داخل أسرة الأمم تعني تطبيق مبادئها داخل المنظمة العالمية نفسها. وهذا يتطلب أكبر قدر من التشاور والمشاركة والاشتغال من جانب جميع الدول. كبيرها وصغيرها، في أعمال المنظمة. ويجب أن تعطى جميع أجهزة الأمم المتحدة دورها الكامل والصحيح وأن تقوم بهذا الدور للاحتفاظ بثقة جميع الأمم والشعوب عن جدارة. ويجب تطبيق مبادئ الميثاق بصورة متسقة، وليس بصورة انتقائية، إذ لو ساد التصور بأن التطبيق انتقائي، لتلاشت الثقة ومعها السلطة المعنوية التي هي من الصفات العظمى والفريدة لهذا الميثاق. كذلك فإن الديمقراطية على كافة المستويات أمر جوهري لتحقيق السلم من أجل عهد جديد من الرخاء والعدل.
  9. إن الثقة تحتاج بالتأكيد إلى شعور بالاطمئنان إلى أن المنظمة العالمية ستتصرف بسرعة وبصورة مؤكدة ونزيهة، وأنها لن تكون عرضة للانتهازية السياسية وعدم الكفاية الإدارية أو المالية. وهذا يفترض خدمة مدنية دولية تتسم بالقوة والكفاءة والاستقلال ونزاهة فوق الشبهات، وتستند إلى قاعدة مالية مؤكدة تنهض بالمنظمة، وإلى الأبد، من الحاجة إلى التسول التي تجد نفسها فيها في الوقت الحاضر.
  10. وكما أن من الضرورة الحيوية أن تستخدم كل أجهزة الأمم المتحدة قدراتها بالصورة المتناسقة والمتوازنة المنصوص عليها في الميثاق، فإن الأمم المتحدة أو الحكومات وحدها لا يمكنها أن تحقق السلم بالمعنى الأوسع، ولذلك يجب أن تشارك جميع المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية وجميع البرلمانيين وشركات الأعمال والاتحادات المهنية والأوساط الإعلامية والرأي العام ككل في تحقيق هذه الغاية السامية. فهذا ما سيعزز قدرة المنظمة العالمية على تحقيق مصالح دائرتها الأوسع؛ وفي إمكان أولئك الذين يصبحون أكثر مشاركة، حمل رسالة مبادرات الأمم المتحدة وبناء تفهم أعمق لعملها.
  11. إن الإصلاح عملية متواصلة، والتحسين ليس له حدود. ومع ذلك فإن هناك أملا، أرجو أن أراه وقد تحقق، وهو أن تكتمل المرحلة الحاضرة من تجدد هذه المنظمة بحلول عام 1995، الذي يوافق الذكرى السنوية الخمسين لإنشائها. ولذلك يجب أن نسرع الخطى إذا أردنا للأمم المتحدة أن تواكب حركة التاريخ الذي اتسم به هذا العصر. ويجب أن نسترشد لا بالسوابق وحدها، مع ما قد تكون عليه من الحكمة، بل أيضا باحتياجات المستقبل وبالشكل والمضمون اللذين نريد أن نعطيهما لهذا المستقبل.
  12. إنني ملتزم بالحوار الواسع بين الدول الأعضاء والأمين العام. وملتزم كذلك بتعزيز التفاعل الكامل والصريح بين جميع مؤسسات وعناصر المنظمة لا لخدمة مقاصد الميثاق على خير وجه فحسب، بل أيضا لا يجوز تخرج المنظمة من وضعها الحاضر وقد أصبحت أعظم من مجموع أجزائها. لقد أنشئت الأمم المتحدة برؤية عظيمة شجاعة. وقد حان الوقت لأممها وشعوبها، ولمن يعمل في خدمتها من الرجال والنساء، أن يغتنموا اللحظة الحاضرة في سبيل المستقبل.

الحواشي

(أ)

انظر S/23500، بيان من رئيس مجلس الأمن، الفرع المعنون "صنع السلم وحفظ السلام". [يرد نصه في الصفحة 111].

(ب)

قرار الجمعية العامة 37/10، المرفق.

(ج)

قرار الجمعية العامة 43/51، المرفق.


قرارات الجمعية العامة المتعلقة بخطة السلام

الدبلوماسية الوقائية والمسائل ذات الصلة

القرار 47/120 ألف، 18 كانون الأول/ ديسمبر 1992

          إن الجمعية العامة،

          إذ تشير إلى البيان المؤرخ 31 كانون الثاني/ يناير 1992، الذي اعتمد لدى اختتام أول اجتماع يعقده مجلس الأمن على مستوى رؤساء الدول والحكومات(*)(*)، والذي دعا فيه الأمين العام إلى أن يعد، بغية التوزيع على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بحلول 1 تموز/ يوليه 1992، "تحليلا وتوصيات بشأن سبل تعزيز وزيادة قدرة الأمم المتحدة في إطار الميثاق وأحكامه، على الاضطلاع بمهام الدبلوماسية الوقائية وصنع السلم وحفظ السلام".

          وإذ ترحب بتقديم التقرير التطلعي للأمين العام المعنون "خطة السلام"(*) في حينه، استجابة لاجتماع القمة لمجلس الأمن، كمجموعة من التوصيات الجديرة بالدراسة الدقيقة من جانب المجتمع الدولي.

          وإذ تؤكد ضرورة مواصلة الاهتمام المتزايد بتنشيط المنظمة وزخمه كي تواجه تحديات المرحلة الجديدة من العلاقات الدولية بغية الوفاء بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.

          وإذ تشدد على أن تنفيذ الأفكار والمقترحات الواردة في "خطة السلام" ينبغي أن يكون متفقا تماما مع أحكام الميثاق، وبصفة خاصة مقاصده ومبادئه،

          وإذ تشير أيضا إلى قراره 2625(د-25) المؤرخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر 1970، الذي يرد في مرفقه إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة، بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، وقرارها 43/51 المؤرخ 5 كانون الأول/  ديسمبر 1988، الذي يرد في مرفقه الإعلان المتعلق بمنع وإنهاء المنازعات والحالات التي قد تهدد السلم والأمن الدوليين وبدور الأمم المتحدة في هذا الميدان،

          وإذ تشدد على أنه يجب النظر إلى السلم والأمن الدوليين بوصفهما كلا متكاملا وأن جهود المنظمة الرامية إلى بناء السلم والعدل والاستقرار والأمن يجب ألا تقتصر على المسائل العسكرية، بل يجب أن تشتمل أيضا، من خلال أجهزتها المختلفة كل في مجال اختصاصه، على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والبيئية والإنمائية ذات الصلة،

          وإذ تؤكد ضرورة القيام بعمل دولي لدعم التنمية الاجتماعية ـ الاقتصادية في الدول الأعضاء كوسيلة لتعزيز السلم والأمن الدوليين، وإذ تدرك في هذا الصدد ضرورة تكملة "خطة للسلام" بـ "خطة للتنمية"،

          وإذ تعترف بأن الأخذ بالدبلوماسية الوقائية في الوقت المناسب هو أكثر الوسائل استصوابا وفعالية لتخفيف التوتر قبل أن يؤدي إلى نشوب صراع،

          وإذ تسلم بأن الدبلوماسية الوقائية قد تتطلب تدابير مثل بناء الثقة والإنذار المبكر وتقصى الحقائق وغير ذلك من التدابير التي ينبغي الجمع فيها، حسب الاقتضاء، بين المشاورات مع الدول الأعضاء وحسن التقدير والسرية والموضوعية والوضوح،

          وإذ تؤكد ضرورة تعزيز قدرة الأمم المتحدة في ميدان الدبلوماسية الوقائية عن طريق أمور منها تخصيص موارد مناسبة من الموظفين والموارد المالية للدبلوماسية الوقائية، من أجل مساعدة الدول في حل خلافاتها بوسائل سلمية،

          وإذ تؤكد من جديد الأهمية الأساسية لإرساء أساس مالي سليم ومضمون للأمم المتحدة حتى تتمكن المنظمة، في جملة أمور، من الاضطلاع بدور فعال في مجال الدبلوماسية الوقائية،

          وإذ تؤكد أهمية التعاون بين الأمم المتحدة والترتيبات والمنظمات الإقليمية للدبلوماسية الوقائية، كل في مجال اختصاصه،

          وإذ تؤكد أيضا أن احترام مبادئ سيادة الدول وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي أمر حاسم لأي مسعى مشترك يستهدف تعزيز السلم والأمن الدوليين،

          وإذ تشير كذلك إلى القرارات الأخرى التي اتخذت أثناء الدورة الحالية للجمعية العامة بشان مختلف جوانب "خطة للسلام"،

          وإذ تؤكد ضرورة قيام جميع أجهزة الأمم المتحدة وهيئاتها، حسب الاقتضاء، بتكثيف جهودها لتعزيز دور المنظمة في مجال الدبلوماسية الوقائية، وصنع السلم، وحفظ السلام، وبناء السلم، وبمواصلة مناقشة تقرير الأمين العام بغية اتخاذ الإجراء المناسب،

          وإذ تؤكد ضرورة توفير الحماية الكافية للموظفين الذين يضطلعون بدور في الدبلوماسية الوقائية، وصنع السلم وحفظ السلام والعمليات الإنسانية، وفقا لقواعد القانون الدولي ومبادئه ذات الصلة،

          وإذ تحيط علما بتعريف الدبلوماسية الوقائية الذي قدمه الأمين العام في تقريره المعنون "خطة للسلام"(*

أولا ـ تسوية المنازعات بالوسائل السلمية

          إذ تبرر الحاجة إلى العمل على تسوية المنازعات بالوسائل السلمية،

  1. تدعو الدول الأعضاء إلى السعي لحل منازعاتها في مرحلة مبكرة بالوسائل السلمية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة؛
  2. تقرر أن تقوم باستكشاف سبل ووسائل الاستفادة الكاملة من أحكام الميثاق التي يجوز للجمعية العامة بموجبها أن توصى باتخاذ التدابير اللازمة للتسوية السلمية لأية حالة يمكن اعتبارها، بغض النظر عن منشئها، مفسدة للرفاه العام أو للعلاقات بين الدول؛
  3. تشجع مجلس الأمن على الاستفادة الكاملة من أحكام الفصل السادس من الميثاق المتعلق بإجراءات وأساليب تسوية المنازعات بالوسائل السلمية وعلى مطالبة الأطراف المعنية بتسوية منازعاتها بالوسائل السلمية؛
  4. تشجع الأمين العام ومجلس الأمن على إجراء مشاورات مكثفة ومستمرة في مرحلة مبكرة، بغية وضع إستراتيجية مناسبة، لكل حالة على حدة، لتسوية المنازعات المحددة بالوسائل السلمية، تشمل اشتراك الأجهزة والمؤسسات والوكالات الأخرى في منظومة الأمم المتحدة، وكذلك الترتيبات والمنظمات الإقليمية، حسب الاقتضاء، وتدعو الأمين العام إلى تقديم تقرير إلى الجمعية العامة عن هذه المشاورات؛

ثانيا ـ الإنذار المبكر، وجمع المعلومات وتحليلها

          إذ تدرك ضرورة تعزيز قدرة الأمم المتحدة على الإنذار المبكر وجمع المعلومات وتحليلها،

  1. تشجع الأمين العام على إنشاء آلية مناسبة للإنذار المبكر من اجل الحالات التي يغلب أن تهدد صون السلم والأمن الدوليين، وذلك في تعاون وثيق مع الدول الأعضاء، ووكالات الأمم المتحدة، وكذلك الترتيبات والمنظمات الإقليمية، حسب الاقتضاء، والاستفادة من المعلومات المتوفرة لدى هذه المنظمات و/أو الواردة من الدول الأعضاء، وإبقاء الدول الأعضاء على علم بالآلية المنشأة؛
  2. تدعو الأمين العام إلى تعزيز قدرة الأمانة العامة على جمع المعلومات وتحليلها لخدمة احتياجات الإنذار المبكر للمنظمة بطريقة أفضل، ولبلوغ هذا الهدف، تشجع الأمين العام على كفالة حصول الموظفين على تدريب ملائم على جميع جوانب الدبلوماسية الوقائية، بما في ذلك جمع المعلومات وتحليلها؛
  3. تدعو الدول الأعضاء، والترتيبات والمنظمات الإقليمية، إلى تزويد الأمين العام بالمعلومات المتعلقة بالإنذار المبكر في الوقت المناسب، وبصورة سرية عند الاقتضاء؛
  4. تشجع الأمين العام، وفقا للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، على مواصلة توجيه انتباه مجلس الأمن، وفقا لما يراه مناسبا، إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد صون السلم والأمن الدوليين، وتقديم توصياته بشأنها؛
  5. تدعو الدول الأعضاء إلى تأييد الجهود التي يبذلها الأمين العام في مجال الدبلوماسية الوقائية، بما في ذلك تقديم المساعدة التي قد يطلبها؛
  6. تشجع الأمين العام، وفقا للأحكام ذات الصلة من الميثاق، على إخطار الجمعية العامة، حسب الاقتضاء، بأية حالة تكون ذات خطر محتمل أو قد تفضي إلى وقوع احتكاك أو نزاع دولي؛
  7. تدعو الأمين العام إلى توجيه انتباه الدول الأعضاء المعنية، في مرحلة مبكرة، إلى أية مسألة يرى أنها قد تفسد العلاقات بين الدول.

ثالثا ـ تقصى الحقائق

          إذ تشير إلى البيانين الذين أدلى بهما رئيس مجلس الأمن، باسم المجلس، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر(*)، و30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1992(*)، وإلى قراراتها 1967 (د-18) المؤرخ 16 كانون الأول/ ديسمبر 1963، 2104 (د-20) المؤرخ 20 كانون الأول/ ديسمبر 1965، 2182 (د-21) المؤرخ 12 كانون الأول/ ديسمبر 1966، 2329 (د-22) المؤرخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 1967 بشأن مسألة أساليب تقصى الحقائق،

  1. تعيد تأكيد قرارها 46/59 المؤرخ 9 كانون الأول/ ديسمبر 1991، الذي يرد في مرفقه الإعلان المتعلق بتقصي الحقائق الذي تضطلع به الأمم المتحدة في ميدان صون السلم والأمن الدوليين، ولا سيما مبادئه التوجيهية؛
  2. توصى الأمين العام بمواصلة الاستعانة بخدمات خبراء بارزين ومؤهلين في بعثات تقصى الحقائق والبعثات الأخرى، يتم اختيارهم من أوسع قاعدة جغرافية ممكنة، على أن يوضع في الاعتبار المرشحون الذين يتمتعون بأعلى مستويات الكفاءة والمقدرة والنزاهة؛
  3. تدعو الدول الأعضاء إلى تقديم أسماء أفراد مناسبين قد يرغب الأمين العام في الاستعانة بهم حسب تقديره في بعثات تقصى الحقائق والبعثات الأخرى؛
  4. توصى بالنظر على وجه السرعة في أي طلب تقدمه إحدى الدول الأعضاء لإيفاد بعثة لتقصى الحقائق إلى أراضيها؛
  5. تدعو الأمين العام إلى مواصلة إيفاد بعثات تقصي الحقائق والبعثات الأخرى في الوقت المناسب وذلك لمساعدته على القيام بمهامه المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

رابعا ـ تدابير بناء الثقة

          إذ تسلم بأن تطبيق تدابير بناء الثقة المناسبة، التي تتفق مع احتياجات الأمن القومي، من شأنه أن يعزز الثقة وحسن النية المتبادلين اللذين يمثلان شرطين أساسيين لتقليل إمكانية نشوب الصراعات بين الدول ولتحسين إمكانات تسوية المنازعات بالوسائل السلمية،

          وإذ تشير إلى قراريها 43/78 حاء المؤرخ 7 كانون الأول/ ديسمبر 1988 و45/62 واو المؤرخ 4 كانون الأول/ ديسمبر 1990، وإلى قرارها 47/54 دال المؤرخ 9 كانون الأول/ ديسمبر بشأن تنفيذ المبادئ التوجيهية لتحديد الأنواع المناسبة من تدابير بناء الثقة،

          وإذ تسلم بأن تدابير بناء الثقة يمكن أن تشمل المسائل العسكرية وغير العسكرية على السواء، بما فيها المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية،

          وإذ تؤكد الحاجة إلى تشجيع الدول الأعضاء، والترتيبات والمنظمات الإقليمية في الحالات التي تكون لها فيها صلة بالموضوع وعلى نحو يتفق مع ولايتها، على الاضطلاع بدور قيادي في تنمية تدابير بناء الثقة المناسبة للمنطقة المعنية، وعلى تنسيق جهودها في هذا الصدد مع الأمم المتحدة وفقا للفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة،

  1. تدعو الدول الأعضاء والترتيبات والمنظمات الإقليمية إلى إبلاغ الأمين العام من خلال القنوات المناسبة عن خبراتها في مجال تدابير بناء الثقة كل في المنطقة التي تنتمي إليها؛
  2. تؤيد اعتزام الأمين العام إجراء مشاورات منتظمة مع الدول الأعضاء والترتيبات والمنظمات الإقليمية بشأن اتخاذ المزيد من تدابير بناء الثقة؛
  3. تشجع الأمين العام على التشاور مع أطراف المنازعات القائمة حاليا أو المحتمل قيامها، التي يرجح أن يشكل استمرارها خطرا على صون السلم والأمن الدوليين، ومع الدول الأعضاء المعنية الأخرى، والترتيبات والمنظمات الإقليمية، حسب الاقتضاء، بشان إمكانية الشروع في اتخاذ تدابير لبناء الثقة، كل في منطقته، وعلى إحاطة الدول الأعضاء علما بذلك أولا بأول بالتشاور مع الأطراف المعنية؛
  4. تثنى على تدابير بناء الثقة التي من قبيل تشجيع الانفتاح وضبط النفس في إنتاج وشراء ووزع الأسلحة، وتبادل البعثات العسكرية بصورة منتظمة، وإمكانية إقامة مراكز إقليمية للحد من المخاطر، وترتيبات التدفق الحر للمعلومات، ورصد الاتفاقات الإقليمية للحد من الأسلحة ونزع السلاح.

خامسا ـ المساعدة الإنسانية

          إذ تشير إلى قرارها 45/100 المؤرخ 14 كانون الأول/ ديسمبر 1990، بشأن تقديم المساعدة الإنسانية إلى ضحايا الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ المماثلة. وإلى قرارها 46/182 المؤرخ 19 كانون الأول/ ديسمبر 1991 بشأن تعزيز تنسيق المساعدة الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة في حالات الطوارئ،

          وإذ ترحب بتعاظم دور منظومة الأمم المتحدة في تقديم المساعدة الإنسانية،

          وإذ تلاحظ أن برامج المساعدة الإنسانية المقدمة بصورة نزيهة وعمليات حفظ السلام يمكن، في بعض الأحوال، أن تدعم بعضها بعضا،

  1. تشجع الأمين العام على مواصلة تعزيز قدرة المنظمة بغية ضمان وجود تخطيط وتنفيذ منسقين لبرامج المساعدة الإنسانية، مستعينا بالمهارات والموارد المتخصصة في جميع أنحاء منظومة الأمم المتحدة، وكذلك في المنظمات غير الحكومية، حسب الاقتضاء؛
  2. تشجع أيضاً الأمين العام على أن يواصل معالجة مسألة التنسيق، عند الضرورة، بين برامج المساعدة الإنسانية وعمليات حفظ السلام أو المتصلة به، محافظا على الطابع غير السياسي والمحايد والنزيه للعمل الإنساني؛
  3. تدعو الأمين العام إلى إطلاع الأجهزة المناسبة بالأمم المتحدة على أي حالة تتطلب مساعدة إنسانية عاجلة بغية الحيلولة دون تدهورها، مما قد يؤدى إلى إثارة احتكاك أو نزاع على الصعيد الدولي؛

سادسا ـ موارد الدبلوماسية الوقائية وجوانبها السوقية

          إذ تدرك ضرورة توفير الموارد الكافية لدعم جهود الأمم المتحدة في مجال الدبلوماسية الوقائية،

  1. تدعو الدول الأعضاء إلى توفير الدعم السياسي والعملي للأمين العام في جهوده الرامية إلى تسوية المنازعات بالوسائل السلمية، بما في ذلك الإنذار المبكر وتقصي الحقائق والمساعي الحميدة ومساعي الوساطة؛
  2. تدعو أيضاً الدول الأعضاء إلى القيام، طواعية، بتزويد الأمين العام بما يحتاج إليه من خبرات أو موارد سوقية إضافية ضرورية للتنفيذ الناجح لهذه المهام المتزايدة الأهمية؛

سابعا ـ دور الجمعية العامة في ميدان الدبلوماسية الوقائية

          إذ تؤكد أن عليها، هي ومجلس الأمن والأمين العام، دورا هاما في ميدان الدبلوماسية الوقائية،

          وإذ تدرك أن هذا الدور الهام في ميدان الدبلوماسية الوقائية يلزمها بالعمل في تعاون وتنسيق وثيقين مع مجلس الأمن والأمين العام وفقا لميثاق الأمم المتحدة وتمشيا مع ولايات ومسؤوليات كل منهما،

          تقرر أن تستكشف الطرق والوسائل اللازمة لمساندة توصيات الأمين العام الواردة في تقريره المعنون "خطة للسلام"(*) من اجل تشجيع الاستفادة من الجمعية العامة، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ذات الصلة، من قبل الدول الأعضاء، حتى تحقق مزيدا من التأثير فيما يتعلق بإجهاض أو احتواء أي حالة قد تنطوي على مخاطر أو قد تؤدى إلى حدوث احتكاك أو نزاع على الصعيد الدولي؛

ثامنا ـ الأعمال المقبلة

          إذ تضع في اعتبارها أنها لم تتمكن، لضيق الوقت، من دراسة جميع الاقتراحات الواردة في تقرير الأمين العام المعنون "خطة للسلام"(*).

  1. تقرر أن تستمر في وقت مبكر من عام 1993 في دراستها لسائر التوصيات الخاصة بالدبلوماسية الوقائية والمسائل ذات الصلة الواردة في تقرير الأمين العام "خطة للسلام" بما في ذلك الوزع الوقائي، والمناطق المجردة من السلاح، ومحكمة العدل الدولية، إلى جانب تنفيذ أحكام المادة 50 من ميثاق الأمم المتحدة، طبقا للميثاق ومع مراعاة التطورات والممارسات ذات الصلة في أجهزة الأمم المتحدة المختصة؛

          تقرر أيضا مناقشة ودراسة الاقتراحات الأخرى الواردة في "خطة للسلام".


 


(*) ترد الحواشي في ذيل كل وثيقة مستنسخة

(*) S/23500

(*) A/47/277-S/24111

(*) S/24728

(*) S/24872