إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر









الفصل الأول

الفصل الأول

نشأته، وتعليمه

الاسم

محمد أنور محمد محمد الساداتي، بزيادة "ياء" في اسم عائلته، وهذا ثابت من واقع ملفه في الكلية الحربية، وكشف التجنيد الخاص بأبناء قريته. ولكن السادات، بعد ثورة 1952، حذف من اسمه "ياء" النسبة لكي يصبح لقب أسرته هو السادات[1].

تاريخ ومكان مولده

ولد في يوم 25 ديسمبر عام 1918م، في قرية ميت أبو الكوم، وهي واحدة من 43 قرية يضمها مركز "تلا" التابع لمدينة شبين الكوم، عاصمة محافظة المنوفية في وسط دلتا مصر. وقرية ميت أبو الكوم تبعد عن شبين الكوم مسافة 24 كيلومترا، وتبعد عن القاهرة، عاصمة مصر، مسافة 75 كيلومتراً. ومساحة القرية حوالي ألف فدان. ويقع البيت، الذي ولد فيه أنور السادات، على الطريق المرصوف الذي يمر بقرية ميت أبو الكوم، ولا يزال هذا البيت قائماً إلى الآن. وإِن كان السادات قد اشترى سبعة عشر فداناً، بعد ذلك، وبنى لنفسه بيتاً آخر كبيراً في وسطها.

ارتباطه بالقرية

كان ارتباطه بالقرية شديداً، مع أن الفترة التي عاشها فيها كانت قصيرة، سبع سنوات فقط، إلا أنها تركت بصمات واضحة على حياته كلها، وظل يذكرها دائماً في كل أحواله، وهذا يفسر لنا كثرة تردده على القرية بعد أن انتقل إلى العيش في القاهرة. يقول عن قريته: "كانت حياتي بها بهجة تتلوها بهجة". ويقول: "بمجرد أن تنتهي الدراسة كنت أُهرع إلى قريتي وأرتمي بين أحضانها".

ومن الطريف أن السادات عندما تولى منصب رئيس مجلس الأمة، في عام 1958، سكن في فيلاّ بشارع الهرم، في الجيزة، كانت لها حديقة كبيرة، وضع فيها السادات "جاموسة" يشرب من لبنها. وكان يكثر من الجلوس تحت شجرة كبيرة في تلك الحديقة، ويردد دائماً أنه يحب أن يشعر بأنه في قريته في الريف.

وبعد توليه حكم مصر، كان يفعل كل ما بوسعه من أجل قريته. وقد تبرع بنصيبه من جائزة نوبل وحصيلة كتابه "البحث عن الذات" لصالح تلك القرية، وجعلها من أفضل قرى مصر حيث زود منازلها بالسخانات التي تعمل بالطاقة الشمسية، وغير ذلك.

وابتداء من عام 1974م إلى وفاته في 1981م، اتخذ السادات لنفسه عادة الاحتفال بعيد ميلاده في قريته، وهناك أمام عدسات التليفزيون يجلس في الحديقة مرتدياً ثوباً ريفياً "جلابية" أنيقاً، وعباءة عربية فاخرة، ليحكي على امتداد ساعتين أطرافاً من ذكريات حياته.

اللون: أسمر، يميل إلى السمرة الشديدة

يقال إن السادات تكونت لديه عقدة بسبب لونه الأسمر، واستحكمت فيه وأثَّرت في مشاعره وتصرفاته[2]، وهذا القول يبدو بعيداً عن الحقيقة، ولا يوجد ما يؤكده على وجه اليقين، فليس لهذه العقدة وجود في العالم العربي، ولا في الشرق كله، على وجه الخصوص، والمصريون لا يقيمون وزناً للون ولا يفرقون بين الأبيض والأسمر أو الأبيض والأسود.

حياته الأولى بالقرية

1.      أسرته: الجدة، الأب، الأم، الأخوة، الأخوات

كانت جدته، وتسمى "أم محمد"، ذات شخصية قوية وهي كما يصفها السادات تتمتع بحكمة نادرة. وكانت هي رأس العائلة، ترعى الجميع. وكانت في بداية الأمر تذهب إلى بيوت ميسوري الحال في القرية؛ لتبيع لهم أشياء مختلفة، مثل الزبد والجبن. فقد صممت على أن توفر لابنها (والد السادات) حياة طيبة، وأن تفتح له باب التعليم، وكان هو الذكر الوحيد بعد أربع بنات يكبرنه، هن عمات السادات. فأرسلته إلى كُتاّب القرية، ثم المدرسة الأولية، فكان أول من حصل على الشهادة الابتدائية في القرية، وكانت تلك الشهادة في ذلك الوقت تعتبر مؤهلا عاماً. وصار الناس يلقبونه بالأفندي، وصار مشهوراً بهذا اللقب بين أهل القرية، ولذا يقول السادات: "رغم أن بقريتنا الآن مهندسين وأطباء وأساتذة جامعات، إلا أنه عندما يأتي ذكر الأفندي، وأولاد الأفندي، يعرف كل إنسان أنه والدي وأبناؤه" . ثم دخل المدرسة الثانوية حيث حصل على شهادة الكفاءة، من مدرسة في شبين الكوم. وعقب ذلك تمكن من أن يجد وظيفة مع وحدة من القسم الطبي في الجيش الإنجليزي، الذي كان يحتل مصر آنذاك. وكان معسكر هذه الوحدة الطبية بالقرب من شبين الكوم، حيث كانت الوحدة تُجري أبحاثاً عن الأمراض المتوطنة، كالبلهارسيا وغيرها. كان عمله مزيجاً من عمل موظف وممرض ومترجم بين الأهالي في المنطقة والأطباء الإنجليز في الوحدة العسكرية. ويبدو أن أحواله المعيشية قد تحسنت، فاشترى قطعة أرض من فدانين ونصف، وأصبحت "أم محمد" ترعى شؤون الأرض.

تزوج محمد الساداتي وهو في الثالثة عشرة من عمره من إحدى فتيات القرية، ولم تنجب له أولاداً، فيبدو أنه طلقها.

كانت أم السادات تسمى "ست البرين"، وهي ابنة رجل يسمى "خيرالله" كان ممن وقع في أسر العبودية، وساقه أحد تجار العبيد من أواسط أفريقيا إلى حيث باعه في أحد أسواق العبيد بدلتا النيل. وعندما أُلغى نظام الرق في مصر تم إعتاقه.

وقد وقع اختيار "أم محمد" على "ست البرين" زوجة لابنها ترافقه إلى السودان، حين صدرت الأوامر للوحدة الطبية الإنجليزية التي كان يعمل بها بالسفر إلى هناك. كانت "ست البرين" مثل أبيها، قد ورثت عنه تقاطيعه الزنجية، التي ورث أنور السادات بعد ذلك قدراً كبيراً منها. وفي كل مرة كانت تحمل فيها "ست البرين" كان زوجها يرسلها إلى مصر لتلد في قرية "ميت أبو الكوم" وتمكث مع طفلها حتى تتم رضاعته ثم تعود إلى الخرطوم. وتكررت هذه العملية أربع مرات، أنجبت خلالها السادات وأشقاءه، وهم على الترتيب: طلعت، وأنور، وعصمت، ونفيسة.

وكان السادات باراً بأمه، ففي عام 1958م استأجر لها شقة صغيرة في حي القبة، وكان يتردد عليها كثيراً. وقد توفيت بين يديه في إحدى زياراته لها وهي ممسكة بصينية القهوة. ودفنها في مقابر أسرة زوجته لدى صهره عمدة ميت أبو الكوم، ثم بنى مقبرة لأسرته في ميت أبو الكوم، ونقل أمه "ست البرين"، لتكون أول من يدفن بها.

وقضى السادات مع جدته سبع سنوات في القرية، كان يعتبرها أجمل سنوات عمره، ويقول عنها: "كان كل شيء في ميت أبو الكوم يجعلني سعيداً في هذه القرية القابعة في أعماق دلتا النيل".

فلمَّا عاد أبوه مع الوحدة الطبية من السودان عام 1922م، انتقلت الأسرة كلها، الجدة والأب والزوجة والأبناء إلى القاهرة، وسكنت بالمنزل الرقم 1 شارع محمود بدر، بكوبري القبة. ولا يزال هذا الشارع قائماً يحمل الاسم نفسه، ولا يزال البيت قائماً، وبه الآن مدرسة تسمى مدرسة القائد الخاصة. وهناك تزوج الأب من زوجة أخرى تسمى فطوم عام 1924م، هي زوجة الأب الأولى للسادات، ويبدو أنها لم تنجب، فتزوج من أخرى تسمى أمينة الوروري، التي أنجبت له تسعة أولاد هم: اخوة السادات غير الأشقاء، ثلاث من البنين، وست من البنات، وهم على الترتيب: سكينة، وعفت، وزينب، وزين، وعائشة، وعاطف، وسهير، وهدى، وعزة.

وازدحمت بهم الشقة، وزاد الازدحام حين تزوج طلعت، الابن الأكبر، وجاء بزوجته لتعيش معهم في الشقة نفسها، ثم تزوج السادات من ابنة عمدة ميت أبو الكوم، وتزوجت أخته سكينة من فنان موسيقي، وسكنوا جميعهم في الشقة نفسها . ولا ريب أن هذا الجو المزدحم قد ترك تأثيره على السادات فيما بعد.

اُنظر الشكل المرفق (شجرة عائلة أنور السادات).

تعليمه

ألحقته جدته بكُتاب القرية حيث تلقى مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ شيئاً من القرآن الكريم. وكان اسم الشيخ الذي درس على يديه هو عبد الحميد عيسى، ثم ألحقته جدته بالمدرسة الابتدائية الملحقة بدير الأقباط، في قرية طوخ دلكة، التي تبعد مسافة كيلو متر واحد عن قريته ميت أبو الكوم. ثم انتقل إلى مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية، في حي الزيتون، وكانت مدرسة أهلية، تناسب مصروفاتها الدراسية دخل أبيه. وكان السادات يذهب إليها ويعود كل يوم سيراً على الأقدام. قضى في هذه المدرسة فترة التحضيري (وهي تعادل الحضانة في أيامنا هذه)، والسنة الأولى والثانية من المرحلة الابتدائية، وكان متفوقاً في دراسته، يتناوب التفوق على فصله مع حسن الشريف، الذي صار وزير تأمينات في عهد جمال عبدالناصر.

وبعد السنة الثانية انتقل السادات إلى مدرسة السلطان حسين، في أول الحي المعروف الآن باسم مصر الجديدة، حيث نال الشهادة الابتدائية، وبعدها التحق هو وأخوه الأكبر طلعت بمدرسة فؤاد الأول الثانوية.

حادثة طريفة تتسبب في إكمال تعليمه

كان السادات وأخوه طلعت في مدرسة واحدة، وكان القانون يقضي بأن يُقبل أحدهما مجاناً، والآخر بمصاريف، ولكن إدارة المدرسة رفضت؛ فاضطر والد السادات إلى دفع المصاريف لولديه كليهما. ودفع الوالد القسط الأول ستة عشر جنيها، هي كل مرتبه، فلمَّا حل أجل القسط الثاني أخذه طلعت، ولكن بدلاً من أن يدفعه للمدرسة، هرب به وأنفقه كله، ثم عاد ليعلن أنه لا يرغب في الاستمرار في التعليم، ويقول السادات: "ربما كانت هذه مشيئة القدر، فبدون إحجام أخي عن التعليم كيف كان سيتسنى لوالدي بدخله المحدود الإنفاق على تعليمنا نحن الاثنين، أغلب الظن أنه كان سيضطر إلى إيقاف تعليمي، وخاصة أن طلعت هو أخي الأكبر".

حصل السادات على مجموع متواضع في السنة الثانية، فطلبت منه إدارة المدرسة أن يعيد السنة حفاظاً على النتيجة العامة للمدرسة في شهادة الكفاءة، وهي الشهادة العامة التي يتم التقدم لها بعد السنة الثالثة. فرفض السادات وسحب أوراقه من المدرسة، وتقدم إلى مدرسة أهلية، هي مدرسة الأهرام، التي قبلته، في السنة الثالثة، وحصل على شهادة الكفاءة في السنة نفسها. ثم أخذ أوراقه مرة أخرى إلى مدرسة فؤاد الأول حيث التحق بالسنة الرابعة، لكنه نجح بمجموع متواضع فطلبوا منه أن يعيد السنة، فسحب أوراقه مره أخرى والتحق من جديد بمدرسة الأهرام حيث قبلته في السنة الخامسة، وتقدم في نهاية العام للحصول على شهادة التوجيهية (وهي نهاية مرحلة التعليم الثانوي) ونجح في جميع المواد، ولكنه رسب في المجموع، فنقل أوراقه إلى مدرسة "رُقى المعارف"، في شبرا، وحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية، عام 1936.

 



[1]  محمد حسنين هيكل، "خريف الغضب"، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ط 1، القاهرة، 1987، ص 33، حيث أورده صورة من كشف التجنيد الخاص بأبناء قرية ميت أبو الكوم، وجاء فيه اسم محمد أنور محمد محمد الساداتي (الاسم الثاني في الكشف). ويبدو أن هذا هو اسمه الحقيقي بالفعل رغم تأكيد الصحفي محمد مصطفى غنيم أن لقب عائلة السادات هو الاسم نفسه (السادات) بدون حرف الياء، واستدل على ذلك بأنه اطلع على جواز سفر زميلته الصحفية سكينة السادات أكثر من مرة. راجع: حنفي المحلاوي، "السادات بين هيكل وموسى"، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة، 1994، ص 57. ولكن هذا لا يقوم دليلاً، لأن السادات حذف تلك (الياء) في عام 1952م. ويؤكد هذا أيضاً أن أنور السادات حين بعث خطابا رداً على إحدى المنتجات السينمائيات تعلن فيه حاجتها إلى وجوه جديدة ، وقع بإمضائه على الخطاب "أنور الساداتي". راجع: "مجلة الفصول" عدد أول مايو سنة 1935م، ص 8. والسادات جمع "سادة" وهم في العادة من الأشراف أو من مشايخ الطرق الصوفية، أما الساداتي فتعني أتباع السادة. راجع: محمد حسنين هيكل، "خريف الغضب"، ص 33. وخلاصة القول أن السادات لا يضيره إذا كان "السادات" أو "الساداتي.

[2] 'محمد حسنين هيكل، "خريف الغضب"، ص 10، 21، 40، 42. حيث ذكر حادثتين من حياة السادات للدلالة على وجود عقدة اللون لديه، الحادثة الأولى: (ص 11) أن السادات لم يكن مستريحاً إلى بعض تفاصيل برنامج إحدى زياراته للولايات المتحدة، حيث كان يخشى أن يواجه بعض المشاكل في أمريكا بسب لونه كما قالت جيهان السادات للسفير الأمريكي هيرمان ايلتس. والجواب على ذلك: أن السادات كان يخشى من هذا الأمر لوجود مسألة التفرقة العنصرية هناك في أمريكا، واشمئزاز البيض من السود، وهذا أمر كان شائعاً في أمريكا في ذلك الوقت. أما الحادثة الثانية (ص 42) حين أرسل السادات خطابا في فترة شبابه إلى إحدى المنتجات السينمائيات قال فيه: "إنني لست أبيض اللون، ولكني أيضاً لست أسود، إن وجهي اسمر ولكنها سمرة مشربة بالحمرة". ولا دليل في هذه الحادثة على عقدة اللون، بل إن السادات صادق في وصف لون وجهه، زد على ذلك أنه أرسل صورة شخصية له وأرفقها بالخطاب، كما أن السادات حين يصف حياته الأولى في القرية وهو طفل صغير يقول: "أسير خلف جدتي صبياً أسمر ضئيل الجسم حافي القدمين". راجع: أنور السادات، البحث عن الذات، ص11.