إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر









الفصل الرابع

الفصل الرابع

السادات وثورة يوليه

عودة السادات إلى الجيش

ترك السادات العمل في دار الهلال، استجابة لإغراء حسن عزت له بالمشاركة في الأعمال الحرة، واستقر في مدينة الزقازيق، عاصمة الشرقية. وهناك عمل في مجال عمليات المياه المعدنية، وحقق ربحاً من عمله قدره ستة آلاف جنيه، في ستة أشهر. ثم انتقل مع الشركة إلى المنيا، واختلف مالياً مع حسن عزت، وافترقا.

كان السادات قد تعرف على الضابط يوسف رشاد منذ عام 1941، وصارا صديقين مدة طويلة. وفي أثناء وجود السادات في السجن، كان يوسف رشاد قد أصبح طبيباً في الحرس الملكي. ذهب السادات إلي الدكتور يوسف رشاد، وطلب منه أن يتوسط لإرجاعه إلى الجيش، فنصحه يوسف رشاد بأن يذهب إلى مسجد الحُسين في القاهرة يوم جمعة، ويلقي بنفسه أمام الملك عقب الصلاة ويقبل يده. ولما سأله الملك عن طلبه، ذكره له، وأجاب الملك بهزة من رأسه. وفي اليوم التالي ذهب السادات لمقابلة الفريق محمد حيدر باشا، قائد عام القوات المسلحة، في يوم 10 يناير 1950، وما أن رآه حيدر باشا حتى انهال عليه بالسباب: "أنت ولد مجرم، تاريخك أسود … إياك أن تتكلم، لا تفتح فمك على الإطلاق". ثم دق الجرس، ودخل كاتم أسراره، فقال حيدر باشا: "الولد ده ترجَّعه الجيش النهار ده". وصدرت النشرة العسكرية بعودة السادات إلى القوات المسلحة اعتباراً من 15 يناير 1950 برتبة يوزباشي "نقيب" ـ وهي الرُتبة التي كان قد طُرد من الجيش بعد أن حصل عليها ـ وكان زملاؤه في الجيش قد سبقوه برتبتين، رتبة صاغ "رائد" ورتبة بكباشي "مقدم"[1].

السادات يعود إلى تنظيم الضباط الأحرار

عندما عاد جمال عبدالناصر من السودان عام 42، كان السادات في السجن، فاتصل عبدالمنعم عبدالرؤوف بعبدالناصر لضمه إلى التنظيم. فاستجاب على الفور، ثم تولى قيادة التنظيم[2]. ولجأ عبدالناصر إلى نظام الخلايا السرية داخل الجيش، بحيث لا تعرف كل خلية الأخرى. وتكاثرت هذه الخلايا يوماً بعد يوم، حتى شملت القوات المسلحة كلها. وبدأ عبدالناصر في تكوين قيادة خاصة، هي الهيئة التأسيسية، ممن يعرفهم عبدالناصر معرفة وثيقة، وممن كانوا أصلاً قادة التنظيم. ولذا كان عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر أول من زار السادات، عقب عودته إلى الجيش، وهنآه بالعودة. وطلب جمال عبدالناصر من السادات أن يتقدم لامتحانات الترقية، لكي يستعيد ما فقده من رتب وهو خارج الجيش، وانضم السادات إلى الهيئة التأسيسية للتنظيم[3]، وكان ذلك في أواخر عام 1951. ويقول الصحفي محمد حسنين هيكل أن باقي أعضاء الهيئة التأسيسية ـ التي أصبحت فيما بعد مجلس قيادة الثورة ـ كانوا يعارضون انضمامه إليهم، لما يعرفونه من سجله في التعاون مع المخابرات الألمانية، والاشتراك في الحرس الحديدي، والدور الذي لعبه في اغتيال "أمين عثمان"، ومحاولات اغتيال النحاس باشا. ولكن جمال عبدالناصر أصر على ضم السادات . وثمة احتمالا ت تبرر إصرار عبدالناصر على ضم السادات، منها:

1.   لعل عبدالناصر أراد أن يعرف ـ عن طريق السادات ـ أخبار القصر من خلال صداقة السادات بيوسف رشاد. ولكن السادات، عندما أُعيد إلى الخدمة، نُقل إلى رفح والعريش.

2.   أو لعله أراد وضع السادات تحت الاختبار، وتصور أنه يستطيع استغلاله، في معرفة تنظيم الحرس الحديدي، إذا فكر الملك في استعماله ضد الضباط الأحرار. ولكن من المعروف أن القصر كان قد بدأ يغلق ملف الحرس الحديدي، ويريد أن يَنسى الناس عنه كل شيء، بعد أن أصبح معروفاً في دوائر عديدة، وبعد أن أرسلت بريطانيا إلى الملك أنه لا يليق أن تكون لديه فرقة خاصة لقتل خصومه. كما أن بعض مجموعات الحرس الحديدي دخلوا في مشاكل بينهم لأسباب شخصية.

3.   أو لعل "جمال" أراد أن يزود القصر بمعلومات خاطئة عن الضباط الأحرار، ورأى أن السادات يصلح لهذا الغرض من خلال علاقته بيوسف رشاد. ويضاف إلى ذلك أن جمال أراد أن يضم كل الضباط الذين اقترنت أسماؤهم بالعمل السياسي في مصر؛ لأن سابق تجاربهم سيكون إضافة إلى حصيلة التنظيم. وأن التنظيم في حاجة كذلك إلى ضباط في الإشارة، لأن موضوع التعامل مع شبكة التليفونات واللاسلكي في الجيش، وخارجه، يعد من أهم العقد التي واجهت إعداد الثورة.

وفي الواقع إن الاحتمالات السابقة كلها ممكنة، ونجح السادات في تقديم معلومات خاطئة للملك، عن طريق يوسف رشاد، الذي صار صديقاً شخصياً للملك، كما صار على رأس جهاز المعلومات الخاص بالقصر. وعندما عرض يوسف رشاد مجموعة من منشورات الضباط الأحرار على السادات، أوهمه أنها من صنع خيال ضابط معروف بحب التظاهر والعظمة، ولكنه في الحقيقة لا حول له ولا طول. وتكرر هذا الأمر غير مرة. كما نقل السادات معلومات عن الملك إلى الضباط الأحرار، منها معلومة، قال عنها السادات، أنها جعلتهم يقدمون موعد الثورة، وهي أن الملك بات يشعر أنه لم يعد له مكان في مصر، وأعد قائمة بأسماء من سيصاحبونه في المنفى. كما بدأ يرسل الذهب في طائرته الخاصة إلى بنوك سويسرا. وبناء عليه قرر الضباط الأحرار تقديم موعد الثورة من نوفمبر 1955 إلى نوفمبر 1952[4].

دور السادات في ثورة يوليه

يقال إن عبدالناصر أسند إلى السادات رئاسة المجموعة السياسية داخل التنظيم.

في مشروع خطة الثورة الأصلي المكتوب بخط عبدالناصر، حدد عبدالناصر مهمة قطع الاتصالات التليفونية أثناء تنفيذ المراحل الأولى، ووضع أمامها اسم أنور السادات، ورسم بجانبه علامة استفهام بالقلم الأحمر. وقد أُخطر السادات بالموعد المحدد للثورة، وهو 5 أغسطس، ثم جرى تقديم هذا الموعد، بسبب التطورات السياسية المتلاحقة، إلى 23 يوليه. وأرسل جمال بأحد أعضاء اللجنة التأسيسية العليا وهو قائد الأسراب حسن إبراهيم، إلى العريش ورفح، لإبلاغ أنور السادات، بضرورة الحضور إلى القاهرة في موعد أقصاه 22 يوليه.

ليلة الثورة

وصل أنور السادات إلى القاهرة يوم 22 يوليه ، واصطحب زوجته جيهان إلى إحدى دور السينما الصيفية بحي المنيل، وحضر العرض (ثلاثة أفلام) حتى نهايته. وهناك من يدّعون أن السادات افتعل مشاجرة عنيفة مع أحد المشاهدين. وبعد انتهاء العرض، عاد وزوجته في الساعة الواحدة إلا الربع صباح يوم 23 يوليه، حيث وجد لدى البواب رسالة مغلقة بخط عبدالناصر يخطره بأن العملية سيتم تنفيذها الليلة. ارتدى السادات زيه العسكري، واتجه إلى العباسية، حيث رئاسة أركان حرب الجيش، وكان الضباط الأحرار قد نجحوا في السيطرة على قيادة الجيش، وعلى كل المواقع الحساسة في القاهرة. منعه الجنود من الدخول، فلم يكن يعرف كلمة السر، ولما أخبرهم برتبته طلبوا منه أن يلزم بيته حسب الأوامر. إلا أن السادات ظل في الخارج، ونادى على عبدالحكيم عامر الذي أمر بالسماح له بالدخول.

دور السادات

دخل السادات، ودُهش حين وجد أن كل شيء قد تم بنجاح، ونزل إلى سويتش التليفونات، واتصل بجميع الوحدات ـ حسب أوامر عبدالناصر ـ في سيناء، والقنطرة شرق، والصحراء الغربية، والإسكندرية، والعريش ورفح، وتأكدَّ أن كل شيء يسير حسب الخطة الموضوعة. ثم ناداه عبدالناصر، وسلَّمه بيان الثورة ليذيعه إلى الشعب المصري والعالم: "يا أنور إن لديك صوتا قوياً، وأنت تجيد الإلقاء، اذهب إلى الإذاعة، واقرأ هذا البيان". ذهب أنور السادات إلى مبنى الإذاعة، فوصل في الساعة السابعة، فوجد مقرئ القرآن في الصباح قد بدأ قراءته، فاضطر أن ينتظر عشرين دقيقة حتى فرغ المقرئ من القراءة، ثم أذاع السادات البيان.

وحسب رواية السادات أنه عندما عاد إلى القيادة قال له عبدالناصر: "يا أنور، أنت طول عمرك بتشتغل بالسياسة، روح شوف لنا علي ماهر وكلفه علشان يشكِّل الوزارة". اصطحب السادات إحسان عبدالقدوس معه، لأنه كان يعرف منزل علي ماهر، حيث أبلغه السادات بتكليف مجلس قيادة الثورة له برئاسة الوزارة ( اُنظر ملحق تشكيل الوزارة، برواية أخرى).

ويقول السادات أنه اتصل بقائد "المحروسة" اليخت الخاص بالملك، وطلب منه إعداد اليخت للإبحار بالملك وأسرته في السادسة مساء 26 يوليه، على أن يعود اليخت إلى مصر حال الانتهاء من مهمته. كما أصدر الأوامر لمدفعية السواحل بعدم التعرض للمحروسة، ولسلاح الطيران بتجهيز بعض الطائرات لتحية الملك ووداعه. ووقف السادات على ظهر البارجة "إبراهيم" أكبر قطعة بحرية، يراقب رحيل المحروسة( اُنظر ملحق موجز أحداث يوم 26 يوليه 1952).

مواجهة عنيفة مع الإنجليز

حسب رواية السادات أنه عندما كان في قشلاق مصطفى كامل قدَّم القائم بالأعمال البريطاني، وفي صحبته الملحق العسكري في السفارة البريطانية، مذكرة يطلبون فيها:

1.   معرفة موقف الثورة من أسرة محمد علي وحقوقها التاريخية.

2.   فرض حظر التجول حماية لأرواح الأجانب. فرد السادات عليهم بحدة:

أ.  أسرة محمد علي وحقوقها التاريخية، ما دخلكم أنتم في هذا الأمر؟ هل هي أسرة إنجليزية؟ أمركم غريب والله!

ب. أما عن حماية الأجانب فيجب أن تعلموا أن هذه بلدنا، وأنه من اليوم لا أحد مسؤول عنها إلا نحن، ونحن فقط ... أفهمتم؟ ثم إننا نريد أن نعرف بأي صفة تتكلمون؟ هل هي صفة رسمية؟ إذا كان الأمر كذلك؛ فنحن نريد كلامكم مكتوباً، وموجها من الحكومة البريطانية حتى نستطيع أن نتخذ موقفنا من حكومتكم.

تراجع القائم بالأعمال البريطاني، وقال إنه جاء بصفته الشخصية، ورجا السادات أن يعتبر الزيارة كأن لم تكن. وفور خروجه اتصل السادات بعبدالناصر في القاهرة، وأبلغه بأن أول احتكاك مع بريطانيا قد وقع، وانتهى بانسحاب بريطانيا وتراجعها[5].

هكذا كان السادات في بداية الثورة شعلة من النشاط. لفت نشاطه أنظار أعضاء مجلس قيادة الثورة، ولعل بعضهم شعروا بالضيق أو الغيرة منه، خاصة أنه كان الوحيد من بينهم المعروف بين أغلب الناس في مصر، بل إن أكثر المثقفين كانوا في خوف وتوجس بسبب ظهور اسم أنور السادات بين ضباط الثورة. وكانت إذاعة بيان الثورة بصوت أنور السادات ـ ذي الماضي المعروف من التعاون مع الألمان، والاشتراك في قضايا اغتيالات شهيرة ـ مثاراً للقلق وعلامات الاستفهام:

هل هو وزملاؤه من أصحاب الآراء النازية والفاشستية؟

أم هم ضباط من أعداء حزب الوفد؟ أم من هم على أي حالٍ؟

السادات مع الديكتاتورية!!

في يوم 28 يوليه 1952، جمع جمال عبدالناصر مجلس قيادة الثورة، وعرض عليهم الاختيار بين الديمقراطية أو الديكتاتورية في حكم البلاد. فتكلم جميع الأعضاء وكان السادات أكثرهم حماساً، وقال إننا كفرنا بالديمقراطية، ديمقراطية الأحزاب وصراعاتها، والشيء الذي يمكن إنجازه بالطريق الديمقراطي في سنة يمكن إنجازه عن طريق الديكتاتورية في يوم. وتم أخذ الأصوات، وكانت النتيجة سبعة مع الديكتاتورية على رأسهم السادات، وواحد مع الديمقراطية هو عبدالناصر!! فجمع عبدالناصر أوراقه، وأعلن استقالته من جميع مناصبه، وذهب إلى منزله، وتناقش الجميع بعد انصرافه ورجعوا إلى رأي عبدالناصر، وذهبوا إليه وطلبوا منه العودة.

السادات يتلقى الإهانات والسخرية

  1. من جمال عبدالناصر:

في الاجتماع السابق، وأثناء احتدام المناقشة، تدخل السادات، وبدأ يلخص الكلام الذي قيل، فقاطعه عبدالناصر بحدة وعنف قائلاً: أنت قاعد تلخص وتتكلم كلاماً لا معنى له، وتتصرف كأنك رئيس مجلس قيادة الثورة، ما هذا الذي تفعله؟ فأسرع السادات يقول: "يا جمال أنا آسف، أنا باحاول أجد حلاً وسطاً…

وفي مرة أخرى حين تم الاتفاق في مجلس قيادة الثورة على أن يتولى كل واحد منهم مسؤولية الإشراف على وزارة أو مجموعة وزارات، قال السادات "أنا لا أعتقد أنني بحاجة إلى وزارة، فأنا لا أفهم إلا في السياسة" هاجمه الجميع في تهكم وسخرية، وعلى رأسهم جمال عبدالناصر.

وتكررت سخرية عبدالناصر من السادات لكل رأي يبديه، واشتد حزن السادات لذلك. يقول: "حزنت، لا لنفسي، ولكن لعبدالناصر، ومنذ تلك اللحظة انسحبت إلى نافذة عالية أطل منها عليهم، وأضحك على صراعاتهم".

2.   وكذلك كان محمد نجيب يسخر من السادات، ويشن عليه حرباً سراً وعلناً[6]. وقد اختلف أحد ضباط المدفعية، وهو القائمقام رشاد مهنى، مع عبدالناصر، ولمّا جلسا للتفاهم اشترط مهني خروج السادات من مجلس الثورة كشرط أساسي قبل أي تفاهم.

استقالة السـادات

زاد من ضيق السادات أن اجتماعات مجلس قيادة الثورة كانت تطول إلى حد لا يحتمل، فقد كانت شبه يومية، وتمتد من العصر إلى الصباح الباكر في مناقشات ومنازعات، وأخذ الرأي على كل قرار بالتصويت.

لم يحتمل السادات هذا الجو، وكتب ورقة منح فيها صوته لجمال في أي موضوع يُطرح، قائلاً "إن جمال هو قائد الثورة ومديرها وعقلها بلا منازع، والتحديات التي نواجهها والقرارات الحاسمة تحتاج إلى رد فعل سريع من زعيم واحد!!

ثم بعد ذلك عندما تزايدت مضايقات نجيب وآخرين للسادات، كتب استقالته من مجلس قيادة الثورة، وطلب جوازي سفر له ولزوجته ليعيشا في لبنان. ولكن عبدالناصر وعبد الحكيم عامر أقنعاه بسحب الاستقالة.

المهام والوظائف التي شغلها السادات طوال عهد عبدالناصر

1.   في 7 ديسمبر 1953، صدر العدد الأول من جريدة الجمهورية، لسان حال الثورة، وتولى السادات منصب مديرها العام. وكان كل أعضاء مجلس قيادة الثورة قد تقلد مناصب وزارية، إلا أنور السادات.

2.   في 14 أغسطس 1954، قرر عبدالناصر تعيين القائمقام أنور السادات سكرتيراً عاماً مؤقتاً لمؤتمر القمة الإسلامي، الذي يُعقد بمكة سنوياً في موسوم الحج. وقد ذكر السادات أنه نجح، أثناء توليه هذا المنصب، في إقناع الملك حسين بعدم الانضمام إلى حلف بغداد، وبطرد جلوب باشا البريطاني الجنسية، قائد عام الجيش الأردني آنذاك. وفي إقناع رئيس لبنان آنذاك، شمعون، بالابتعاد عن حلف بغداد.

3.   في 31 أغسطس 1954، تولى القائمقام أنور السادات، منصب وزير دولة، ضمن قرار مجلس قيادة الثورة بإجراء تعديل وزاري. وكان جمال يقول له: "أنت رجل الدورية الذي يبقى في الخارج لكي يضمن سلامة الباقين.

استقالة السادات مرة ثانية

عندما ازدادت مضايقات عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة للسادات، تقدم باستقالته إلى عبدالناصر. واقترح في خطاب الاستقالة تحويل السلطة كاملة إلى عبدالناصر؛ لأنه ـ أي السادات ـ لمس بنفسه أثناء مروره ببلاد الشرق نجاح البلاد التي يحكمها شخص واحد، وأنه مؤمن بهذا، وبقدرة جمال على تحمل المسؤولية. ولذا فهو يعتبر نفسه مستقيلاً ابتداء من 23 يوليه 1955!!، ولكن مرة أخرى أقنعه عبدالناصر وعبدالحكيم عامر بسحب استقالته.

عندما انتُخب عبدالناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء في 22 يونيه 1956، طلب منه السادات عدم إشراكه في الحكومة التي كان عبدالناصر بصدد تشكيلها، وانه ـ أي السادات ـ سيظل تحت أمر عبدالناصر في أي رأي أو مشورة.

انبرى السادات في جريدة الجمهورية يكتب مقالات عنيفة يهاجم دالاس وأمريكا بضراوة، تأييداً لجمال عبدالناصر عقب تأميم القناة في يوليه 1956.

4.   في 22 يوليه 1957، عرض عبدالناصر على السادات رئاسة مجلس الأمة، ثم اكتفى بتعيينه وكيلاً للمجلس تحت رئاسة عبداللطيف البغدادي.

5.   في 9 أكتوبر 1957، قرر عبدالناصر تكوين لجنة مصرية للمؤتمر الآسيوي الأفريقي، وكلف أنور السادات بتولى رئاستها. إلى جانب عمله وكيلاً لمجلس الأمة وسكرتيراُ عاماً للمؤتمر الإسلامي.

6.   في 7 نوفمبر 1957، أصدر الرئيس جمال عبدالناصر، قراراً بتعين السادات، سكرتيراً عاماً للاتحاد القومي.

7.   في 29 فبراير 1958، كلَّف عبدالناصر السادات بإعلان الدستور المؤقت للبلدين مصر وسوريا بعد إتمام الوحدة في دمشق. وعُيَّن السادات رئيساً لمجلس الأمة المشترك، بين إقليمي الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا).

8.   في أعقاب أزمة حدثت بين خروشوف، وعبدالناصر، بسبب دفاع خروشوف عن الشيوعيين في مصر، وقوله، منتقداً أسلوب عبدالناصر في حديثه عن الشيوعية والشيوعيين: "إن الرئيس عبدالناصر حينما يتحدث عن الشيوعية والشيوعيين فإنه يلجأ إلى لغة المستعمرين". وقد اعتبر عبدالناصر هذا الفعل من خروشوف تدخلاً في السياسة الداخلية لمصر. وردّ عبدالناصر على ذلك بقوله: "لا نقبل دفاع خروشوف عن الشيوعية في بلادنا، ولكل دولة الحق في اتباع النظام الاجتماعي والسياسي الذي تختاره .. ولا يمكن أن نقبل مساندة الأقلية الشيوعية في بلادنا[7]. انبرى السادات، بعد ذلك، حسب توصية من عبدالناصر، لشن حملة على خروشوف وألقى السادات خطاباً عنيفاً في ميدان عابدين، ثم خطاباً آخر في الإسكندرية عبأ فيهما الشعور ضد السوفيت.

9.   في 11 أبريل 1960، سافر السادات إلى كوناكري رئيساً لوفد مصر للاشتراك في مؤتمر التضامن الآسيوي الإفريقي.

10. في 21 يوليه 1960، أُعيد انتخاب السادات رئيساً لمجلس الأمة المشترك.

11. في 22 نوفمبر 1961، عُيَّن أميناً عاماً للجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية.

12. من 26 مارس 1964، تولى رئاسة مجلس الأمة.

13. في 20 ديسمبر 1969 حلف السادات اليمين نائباً لرئيس الجمهورية، وكان في المطار يودع الرئيس عبدالناصر في طريقه لحضور مؤتمر القمة العربي في المغرب.

وهنا يسلط البحث الضوء على نقطتين أساسيتين:

الأولي: دور السادات في حرب اليمن، والثانية: أسلوب السادات في التعامل مع عبدالناصر طوال تلك الفترة، مما أدى إلى اختياره نائباً له في نهاية المطاف.

دور السادات في حرب اليمن

يقول السادات: "في 26 سبتمبر عام 1962، قامت ثورة اليمن، وعندما اجتمع مجلس الرئاسة للنظر في طلب ثوار اليمن للمساعدة كنت أول المتحمسين، وأقنعت المجلس بضرورة مساندتهم".

كان السادات، في ذلك الوقت , قد سمع الكثير من عبدالرحمن البيضاني، الذي كان لاجئاً في مصر. وقد تمكن البيضاني من إقناع السادات بأن هناك تنظيماً تقدمياً في اليمن، وأن هذا التنظيم قادر، لو أنه تلقى مساعدات بسيطة أن يكسب المعركة. ونجح السادات بدوره في إقناع عبدالناصر أن دور مصر الواجب هو تأييد هذه الحركة[8] لأن الثوار في اليمن يريدون خلع حكم الإمام، واستبداله بجمهورية تقدمية على نمط مصر. وكان السادات بارعاً في عرضه السياسي، حين قال إن تأييد الثورة في اليمن يمكن أن يكون رداً على ضربة الانفصال التي وُجِّهت لمصر بإخراج سوريا من الوحدة في العام السابق. كما أن هذه الثورة ـ إذا نجحت ـ سوف تحدث آثاراً كبيرة في شبه الجزيرة العربية، مما يضع النظم هناك في وضع الدفاع عن نفسها، بعد أن كانت تهاجم مصر عقب الانفصال. وفي رأيه أن الثورة اليمنية، بقيادة عبدالله السلال، وهي تواجه تدخلاً من وراء الحدود في السعودية، لا تحتاج إلاّ إلى عدد من الطائرات تلقي الرعب بين القبائل المتحركة ضد الثورة. وكان التعبير الأثير لدى أنور السادات أيامها هو: "حفنة من الطائرات حتى ولو ألقى طياروها شحنات المتفجرات عبر نوافذها". وفيما بعد، حين اتسعت حرب اليمن، وزاد تدخل الأطراف فيها، كان جمال لا يكف عن تذكير السادات بما كان يقوله عن سهولة العمليات. فقد قال عبدالناصر مرة: "إننا أرسلنا كتيبة من الجيش إلى اليمن لنجدة الثورة؛ ولكن كان علينا أن نبعث بفرقتين كاملتين لتعزيزها!!".

أسلوب السادات في التعامل مع عبدالناصر

كان السادات، طوال تلك الفترة، حريصاً كل الحرص على إرضاء عبدالناصر، فمن البداية كتب ورقة يعطي فيها صوته لعبدالناصر في أي قضية تعرض على مجلس القيادة. كما أنه عرض، في خطاب استقالته الثانية عام 1955، تحويل السلطة المطلقة إلى عبدالناصر. وقد بذل السادات جهوداً مكثفة لإقناع عبدالناصر بالعدول عن التنحي عقب هزيمة 1967. ثم بعد عودة عبدالناصر تمكَّن السادات من إقناع زملائه في مجلس قيادة الثورة القديم، والذي يضم كلاً من زكريا محيى الدين، وحسين الشافعي، وأنور السادات، بالاستقالة قائلاً لهم: "لكي نعطي الفرصة لعبدالناصر لاختيار معاونيه في هذه المرحلة الحرجة" وفي هذه الفترة الصعبة بعد حرب 1967، وأثناء حرب الاستنزاف، زاد السادات قرباً من عبدالناصر. وكان بيت السادات في الهرم هو المكان الوحيد الذي يستطيع عبدالناصر أن يذهب إليه ليقضي فيه ـ بين حين وآخرـ ساعات مع صديق لم يكن يضغط على أعصابه بإثارة مناقشات سياسية أو عسكرية ملحة.

ويبدو أن السادات بالغ في التقرب والتودد إلى عبدالناصر، إلى الحد الذي جعل بعض الناس يقولون إنّ السادات لم يكن لعبدالناصر أكثر من "مضحك الملك"، وأنه كان يتفنن في إلقاء الفكاهات والنكات بطريقة تمثيلية. وإذا أحس عبدالناصر بضيق أو غضب، أرسلوا السادات إليه ليضاحكه ويسري عنه. وقد حفظت له الصحف بعض المناظر وهو يتراقص أمام عبدالناصر ليضحكه. ولذا كان عبدالناصر يسميه "جحا". ويوجز السادات صورة هذه العلاقة بقوله: "تساءل البعض، في حيرة، كيف قضيت هذه الفترة الطويلة مع عبدالناصر، من غير أن يقع بيننا ما وقع بينه وبين بقية زملائه؟ إمّا أنني كنت لا أساوي شيئاً على الإطلاق، وإما أنني كنت خبيثاً غاية الخبث بحيث تحاشيت الصراع معه".

ولا شك أنه تحاشى الصراع تماماً مع جمال، فهو يقول: "كنت أقابل كل ما يفعله عبدالناصر بالحب الخالص من جانبي. هذا ما جعلني أعيش مع عبدالناصر 18 سنة دون صراع، فأنا إلى جانبه منتصراً أو مهزوماً… ولعل هذا ما جعل عبدالناصر يتلفت حوله، بعد 17 سنة، ويتنبه إلى أن هناك إنساناً، لم تقُم بينه وبينه معركة في يوم ما".

ولا ريب أن السادات، كان لديه قدرة هائلة على كَبْت شعوره، والظهور أمام عبدالناصر في ثوب المحب له، المُعجب بمواهبه.

السادات نائباً لعبدالناصر

تولى السادات منصب نائب رئيس الجمهورية مرتين، كانت أولاهما لمدة يوم واحد فقط. هو يوم 25 مارس 1964، وذلك أن عبدالناصر عندما رشح السادات رئيساً لمجلس الأمة، أصدر قراراً بتعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، أي لمدة يوم واحد، بعدها يتولى رئاسة مجلس الأمة. ولما سأله السادات في ذلك، قال له لكي لا تكون في الترتيب بعد زملائك أعضاء المجلس. وأمّا المرة الثانية، فكانت في 20 ديسمبر 1969، كما سبق ذكره.

جلسات تحضير الأرواح

لم يُعيَّن السادات في مناصب تنفيذية طوال سبعة عشر عاماً من الثورة، وعندما اقترح على عبدالناصر أن يوليه رئاسة الاتحاد الاشتراكي، تجاهل عبدالناصر اقتراحه، وقال له: لماذا لا تذهب إلى بورسعيد لتستريح مع أسرتك بعض الوقت!!، وفعلاً سافر السادات في اليوم نفسه على أول طائرة إلى بور سعيد!!

وفي مرة أخرى، بعد هزيمة 1967، يقول السادات: "طلبت من عبدالناصر أن يطلق يدي في الجهاز التنفيذي لمدة ستة أشهر فقط، فتقبل الفكرة في أول الأمر، ولكنه قال لي: نرجئ ذلك إلى ما بعد إزالة العدوان… ويفسر السادات هذا الموقف من عبدالناصر بقوله: "وقيل لي إن عبدالناصر، وقد كان من المتأثرين بعلم الأرواح، سمع في إحدى جلسات تحضير الأرواح أن الذي سيخلفه هو أنور السادات، وربما اقتنع بهذا، واقتنع أيضاً بأني لن أخلفه إلا بانقلاب، ولعل ذلك أثر فيه من ناحية تأخير تعييني نائبا لرئيس الجمهورية".

لماذا اختار عبدالناصر السادات نائباً له

هناك رأي يقول إن السادات ظل، إلى جوار عبدالناصر، يناور، ويهادن، ولما أصيب عبدالناصر بالمرض، وشعر بقرب النهاية، وشعر أن من حوله بدءوا يتقاتلون على الزعامة، اختار السادات نائباً له قبيل وفاته بحوالي تسعة أشهر، وذلك لاطمئنانه إلى أن السادات كان سيصبر وينتظر قضاء الله فلا يحاول إزاحته، وهو حي، بالقوة. وربما كان في ذلك الاختيار أيضاً قصد انتقامي تجاه الباقين من الطامعين من زملائه القدامى، إذ اختار لهم السادات، الذي لا يحبونه؛ ليجثم على صدورهم، ومن المحتم أن ينشب الصراع بينهم. وهذا ما حدث بالفعل. بينما يؤكد محمد حسنين هيكل أن عبدالناصر عيَّن السادات نائباً له قبيل سفر عبدالناصر إلى المغرب مباشرة؛ لأنه قد وصلته معلومات أن وزير الداخلية المغربي يتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في محاولة لاغتيال عبدالناصر أثناء وجوده في المغرب. ورأي عبدالناصر أنه إذا صدقت المعلومات، فإن السادات يصلح لسد الفترة الانتقالية، وسيكون دوره شكلياً فقط. أمّا إذا رجع عبدالناصر سالماً، وثبت عدم صدق المعلومات، فيكفي السادات أن يتولى المنصب لمدة أسبوع واحد، ولما عاد عبدالناصر من المغرب ظل مشغولاً طوال الشهور التسعة التي سبقت وفاته، وظل وضع أنور السادات كنائب، قضية منسية.

السادات يرفض مبادرة روجرز

في 1 مايو 1970 وجه عبدالناصر، في عيد العمال، نداء إلى الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، طالباً منه الضغط على إسرائيل، للانسحاب من الأراضي المحتلة، فإن لم يكن ذلك في استطاعته، فليوقف دعمه إياها سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً وجاء رد نيكسون بما اشتهر بعد ذلك باسم "مبادرة روجرز"، التي نص فيها على الانسحاب من الأراضي العربية بعد اتصالات يجريها مبعوث الأمم المتحدة "جونار يارنج". حين وصل نص مبادرة روجرز إلى القاهرة، كان عبدالناصر في طرابلس يحضر احتفالاً بجلاء الأمريكيين من قاعدة "هويليس" الليبية، وكان يزمع قبول مبادرة روجرز. وتصوَّر السادات أن عبدالناصر سوف يرفض المبادرة، فأعلن رفضها من جانب مصر. وتدارك عبدالناصر الموقف، وفي 22 يوليه أبلغ الولايات المتحدة موافقة مصر على مبادرة روجرز.

كان عبدالناصر غاضباً من تصرف السادات، فلما استقبله السادات في مطار القاهرة قال له عبدالناصر: "يا أنور أنا شايفك تعبان شوية عاوز تستريح في بلدك ميت أبو الكوم".

كما جاءت التقارير إلى عبدالناصر بأن السادات قد استخدم سلطته، كنائب لرئيس الجمهورية، وأصدر قراراً بفرض الحراسة على صاحب قصر بالهرم؛ لأنه رفض أن يؤجر قصره لجيهان السادات، غضب عبدالناصر من هذا التصرف، ولكنه كافأ السادات بأن أمر بتخصيص منزل يكون مقراً لنائب رئيس الجمهورية يسكنه كل من يشغل هذا المنصب.

 



[1] ولم يذكر السادات حادثة تقبيل يد الملك في مسجد الحسين.

[2] الجدير بالذكر أن التنظيم المذكور هو تنظيم الطيران والجيش، الذي تكوّن عام 1939، من ضباط سلاح الطيران عبداللطيف البغدادي، وحسن إبراهيم، وعبدالمنعم عبدالرؤوف، ووجيه أباظة، وحسن عزت، وحسين ذو الفقار صبري، وأحمد سعودي، وانضم لهم أنور السادات فيما بعد، وقد سُمي هذا التنظيم تنظيم الطيران والجيش بسبب دخول بعض ضباط الجيش والطيران فيه. وليس هذا التنظيم هو تنظيم الضباط الأحرار، الذي أُقيم بعد ذلك، بعد انتهاء حرب فلسطين عام 1948، ولغرض آخر غير الغرض الذي أٌقيم من أجله تنظيم الطيران والجيش.

[3] وقد ذكر السادات أنه أخذ بنصيحة جمال، وحصل على رتبة بكباشي في وقت قصير.

[4] جدير بالذكر أن هذه المعلومة، التي قدَّمها السادات، لم تكن السبب الوحيد في تقديم موعد الثورة، بل كانت هناك عوامل أخرى، منها مقابلة اللواء محمد نجيب لوزير الداخلية مرتضى المراغي، الذي أخبره أن هناك أوامر باعتقال عدة ضباط من تنظيم الضباط الأحرار، ستُنفَّذ قريباً، وكذلك المعلومات التي قدمها ثروت عكاشة.

[5] 'أنور السادات، "البحث عن الذات"، ص 150 ـ 151. قارن: هيكل، "خريف الغضب"، ص 77، الذي يقول أن هذا اللقاء قد تم مع جمال سالم وكان السادات حاضراً، وكان لقاءاً ودياً بالغاً، ولم يتكلم السادات فيه كلمة واحدة.

[6] 'كان محمد نجيب يصف السادات بأنه حين يُسأل عن شيء يقول "صح" ثم يفكر بعدها على راحته إن كان الأمر "صح أو خطأ". راجع: د. جابر الحاج، "تذكير الحكام بأيام الله"، ص 105. وقد أرجع السادات غضب نجيب منه إلى غيرته بسبب معرفة الناس بكفاح السادات القديم. راجع: أنور السادات، "البحث عن الذات"، ص 166.

[7]  من خطاب الرئيس عبدالناصر في حفل وضع حجر الأساس للمدينة السكنية لضباط الصف بدمشق في 14 مارس 1959. راجع كتاب "خطب وتصريحات وبيانات الرئيس جمال عبدالناصر" عام 1959.

[8] 'محمود فوزي، "ثوار يوليه يتحدثون"، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1988، ص 212. حيث أورد شهادة حسن إبراهيم، وكمال الدين حسين، الذي أرجع ذلك إلى مؤامرة استعمارية استخدمت السادات والبيضاني لتوريط مصر وتكليفها الكثير.