إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر









الفصل السابع

الفصل السابع

اغتيال السادات

الاغتيال السياسي في التاريخ المصري

شهد تاريخ مصر الحديث 20 محاولة لعمليات اغتيال سياسية، نجحت منها 7 محاولات أبرزها عملية اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981. يليها اغتيال د. رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب، في 12 أكتوبر 1990. وقبل ثورة يوليه 1952 وقعت 5 اغتيالات سياسية، كان أبرزها اغتيال الشيخ حسن البنا، المرشد العام للإخوان المسلمين في 12 فبراير 1949، واغتيال اثنين من رؤساء وزراء مصر السابقين هما: الدكتور أحمد طاهر باشا في 24 فبراير 1945، ومحمود فهمي النقراشي باشا في 8 ديسمبر 1946، كما اغتيل الوزير أمين عثمان عام 1946، والوزير بطرس غالي في 20 فبراير 1910.

أما المحاولات الفاشلة لاغتيال مسؤولين سياسيين، فقد بلغت 11 محاولة، أبرزها محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في 27 يوليه1954 في ميدان المنشية في الإسكندرية. ثم محاولات اغتيال ثلاثة من وزراء الداخلية السابقين، خلال الفترة من 5 مايو 1978 إلى ديسمبر 1989 وهم: حسن أبو باشا، ومحمد نبوي إسماعيل، وزكي بدر. وقبل ذلك فشلت محاولات اغتيال كل من السلطان حسين كامل، والزعيمين سعد زغلول ومصطفى النحاس، وكل من إسماعيل سري باشا، وإسماعيل صدقي باشا، رؤساء وزراء مصر السابقين، وعدد من الوزراء وزعماء الأحزاب السياسية.

وجدير بالذكر أن السادات هو الحاكم الوحيد في مصر، في تاريخها الحديث كله الذي مات مقتولاً. فجميع حكام مصر ماتوا ميتة طبيعية، حتى الملك فاروق رحل بعد خلعه معززاً مكرماً[1].

لا يوجد أمن 100%

في مجال علم مكافحة الإرهاب، ليس هناك أمن كامل 100% على الإطلاق، مهما كانت قوة الجهاز الأمني، تدريباً أو معدات حديثة. بل إن التجربة خلال العقود الثلاثة الماضية كشفت أن أقوى جهاز مخابرات يمكن أن يُخترق، وأن أفضل نظم تأمين الشخصيات المهمة، كثيراً ما تحدث بها ثغرات وخلل نتيجة بعض الأخطاء، والتي غالبا ما يكون ضحيتها زعماء وملوك ورؤساء دول وحكومات. ويكفي أن نذكر المحاولات التي استهدفت حياة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في 30 مارس 1981، ومن قبلها عملية اغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي في 22 نوفمبر 1963، وكذلك عملية اغتيال اسحق رابين، رئيس وزراء الإسرائيلي السابق في 4 نوفمبر 1995. والشيء نفسه حدث مع الرئيس السادات، فقد كان حرس الرئيس يتلقى أحدث التدريبات العسكرية في العالم من خلال دورات مكثفة، وبعثات أمنية يتم إرسالها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل منتظم، ويتم خلالها تزويدهم بأجهزة وأسلحة على درجة عالية من الحساسية والكفاءة.

محاولات اغتيال السادات

حصر البحث عشر محاولات اغتيال للسادات، تركزت كلها في العام الأخير من حياته، 1981[2].

  1. في مارس 1981، كانت إجراءات الأمن مشددة أثناء المؤتمر الثاني للحزب الوطني في جامعة القاهرة؛ الأمر الذي فرض تفتيش أعضاء المؤتمر ثلاث مرات متتالية، بعد بلاغ للسلطات الأمنية عن محاولة اغتيال الرئيس، وهو في طريقه إلى المؤتمر، أو في داخل المؤتمر.
  2. وفي أبريل عام 1981 تم تغيير مسار طائرة السادات الخاصة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبدلاً من التوقف في "لشبونة"، توقفت الطائرة في قاعدة عسكرية في بريطانيا. وكان السبب هو احتمال تعرض السادات وطائرته لهجوم مسلح بعد معلومات وصلت لرجال الأمن أن الليبيين دبروا لهذا الهجوم. وتكاد تكون هذه هي المحاولة الوحيدة التي استهدفت اغتيال السادات من ليبيا، فقد كانت أجهزة الإعلام الرسمية الليبية تشن حملات ساخنة على مصر ورئيسها، وتصف السادات بالخائن، وسياسات السلام مع إسرائيل بالاستسلام، خاصة بعد ذهاب السادات للكنيست وتوقيع الصلح مع إسرائيل. وقد طلب القذافي من أجهزته رصد مبلغ 10 ملايين دولار لمهمة اغتيال السادات. ويمكن أن يزيد التمويل كلما تطلب الأمر ذلك.
  3. وفي الشهر نفسه، قُبض على فلسطيني من قطاع غزة، وهو يحمل متفجرات كانت مجهزة لاغتيال السادات.
  4. في صيف 1981 كانت هناك محاولة لاصطياد السادات ببندقية مزودة بمنظار مقرب من أحد المباني أثناء مروره في طريق مجاور للمبنى. وقد تمكنت السلطات الأمنية من ضبط البندقية مخبأة في "تابلوه" السيارة، التي كانت قادمة من الخارج. وكانت الطلقات مخبأة في خزان الوقود، الذي كان نصفه معبأً بالوقود، والنصف الآخر به ذخيرة ومسدسات.
  5. بعد ذلك، ضُبط أحد أفراد الحرس الجمهوري، وكان يعمل سائقاً في رئاسة الجمهورية، متورطاً في الاتفاق مع المخابرات العراقية لتنفيذ خطة لاغتيال السادات، حيث تمكنت المخابرات العراقية من تجنيده وتدريبه على استعمال الأسلحة والمتفجرات. وقد كُشف أمر هذا السائق قبل يومين فقط من تنفيذ الخطة، عندما شك في تصرفاته أحد أفراد الأمن الخاص في رئاسة الجمهورية، وكان يرأسها في ذلك الوقت اللواء طه زكي. وقد تسببت هذه الحادثة في استبعاد طه زكي، فيما بعد، من منصبه.
  6. في 26 يوليه 1981، كانت هناك خطة لاغتيال السادات في الإسكندرية خلال احتفالات الجيش بذكرى خروج الملك عقب الثورة، والتي كان السادات يحضرها عادة. وقد اعترف بعض أعضاء تنظيم الجهاد أن خطتهم كانت إحضار أتوبيس به مفرقعات وأنابيب غاز، ثم الهجوم على مستودع ضخم لأنابيب الغاز بالقرب من نادي ضباط القوات المسلحة في منطقة رشدي في الإسكندرية في توقيت حضور السادات للاحتفال، وأحداث تفجير هائل. وقدروا أن تؤدي قوة الانفجار إلى تفجير المستودع بالكامل، مما يؤدي إلى نسف المنصة والقاعة الرئيسية. ثم حدث تعديل للخطة، وهي أن يقتحم الأتوبيس، وبه المفرقعات، مكان الاحتفال. وذكر نبيل المغربي، أحد قيادات تنظيم الجهاد أنهم قرروا فيما بعد، إلغاء هذه الخطة لأن الانفجار سوف يُدمر نادي الضباط، ولكن قد لا يتسبب في قتل السادات، وهو المستهدف بالدرجة الأولى.
  7. في 10 أغسطس 1981، ألغى السادات رحلته إلى النمسا، التي كان مقرراً لها أن تتم أثناء رحلته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد اكتشاف مؤامرة لاغتياله في سالزبورج. وقد كشف مستشار النمسا الأسبق "برونو كرايسكي" أسرار هذه المحاولة في ديسمبر 1984، أمام إحدى المحاكم في فيينا، التي مثل أمامها شاب فلسطيني يدعى "بهيج" اتُهم بأنه كان وراء التخطيط للاغتيال. وقال كرايسكي إن مصدر هذه المعلومات كان الاستخبارات الإسرائيلية. وقد طلبنا من السادات تأجيل زيارته لأنه لم يكن في استطاعتنا ضمان سلامته.
  8. في 25 سبتمبر 1981، أصر السادات على السفر إلى مدينة المنصورة في قطار مكشوف. وكان قبيل ذلك قد أُلقي القبض على مجموعة من تنظيم الجهاد، وضبطت معهم كميات من الأسلحة والذخائر والخرائط في إحدى الشقق المفروشة في القاهرة، وتبين من خلال الاعترافات إعدادهم لخطة يندس بمقتضاها أحد أفراد الجماعات الإسلامية وسط الجماهير المحتشدة في إحدى محطات القطار لاستقبال الرئيس، ثم يتحين الفرصة لإطلاق الرصاص على السادات. وفي صبيحة يوم السفر، اتصل نبوي إسماعيل، وزير الداخلية، بالسادات، وأخبره بما حدث، ثم قال له: "وسيادتك رايح المنصورة بالقطار، ما تسافر بالطائرة..". ولكن السادات أصر، فطلب النائب حسني مبارك من وزير النقل والمواصلات، سليمان متولي، زيادة سرعة القطار، وعدم تهدئته في المحطات التي كان يمر بها؛ ليرد السادات التحية على الجماهير التي خرجت لاستقباله، وعندما لاحظ السادات أن القطار يسير بسرعة، صرخ قائلاً لوزير النقل: "مين اللي قالك تعمل كده؟". فقال: "السيد نائب الرئيس، ووزير الداخلية". فقال السادات: "لأ، بطأ السرعة كما كان مقرراً، وخللي القطر يمشي بالبرنامج المخطط له".
  9. في 6 أكتوبر 1981، كانت هناك خطة لاغتيال السادات وهو جالس في منصة العرض العسكري، وذلك بتجنيد تنظيم الجهاد لطيار انتحاري يوجه طائرته إلى المنصة، فتنفجر به في الحاضرين جميعا، وعلى رأسهم السادات. ولكن التنظيم استبعد هذه الخطة لعدم تمكنهم من تجنيد الطيار الذي يمكن أن يثقوا فيه.

يضاف إلى ما سبق أن أجهزة الأمن، تجمّع لديها معلومات عن اتصالات بين جماعات في مصر وبين منظمات إرهابية دولية، مثل مجموعات كارلوس، وتنظيم الألوية الحمراء، وتنظيم الإرهاب في ألمانيا الغربية. كما كانت هناك معلومات عن اتصالات بتنظيم الجيش الأحمر الياباني. ولكن السادات غلب على تفكيره أمران. الأول: أنه لن يناله أحد أبداً، وإنما يمكن أن يمتد الخطر إلى أسرته أو إلى نبوي إسماعيل وزير داخليته. ولذا كان دائما يحذر زوجته وأولاده بضرورة الاحتياط بقوله: "لأنه إذا لم ينالوني، فأنتم هدف سهل لهم". كما كان يحذر نبوي إسماعيل بقوله: "يا نبوي يبلغني من مخابرات أجهزة دول كثيرة بأنك مستهدف، وأن الإرهابيين سوف يحاولون اغتيالك، فلازم تاخد بالك في الوزارة، والبيت، والطريق. أنا مش هيطولوني، لكن انت هيطولوك يا نبوي !!".

والأمر الثاني: هو العناد والتحدي، فكثيراً ما كان السادات يرفض استخدام السيارة التي لا يخترقها الرصاص، أو ارتداء القميص الواقي من الرصاص، على الرغم من أنه كان لديه ثلاثة قمصان في غرفة نومه، أحدثها رقيق جداً وصلب جداً، ومن السهل ارتداؤه.

النهاية الأليمة

في الساعة العاشرة والنصف من صباح الثلاثاء الموافق 6 أكتوبر 1981، كان السادات في مقر وزارة الدفاع؛ لالتقاط الصور التذكارية مع كبار القادة. وكان السادات مرتدياً بدلته الهتلرية، التي صنعت في لندن، والتي كان مغرماً بها. ولم يكن مرتدياً للقميص الواقي من الرصاص على الرغم من إلحاح زوجته، جيهان السادات، ووزير الداخلية. وكان سبب ذلك، أن البدلة الجديدة كانت ضيقة، ولا تسمح بارتداء القميص الواقي تحتها، ورفض السادات أن يلبس بدلة العام الماضي، وقال: أنا رايح لأولادي، أنت هوال وخواف، يانبوي". ثم توجه الرئيس إلى أرض العرض؛ ليتبوأ مقعده من المنصة. وإلى يمينه نائبه، حسني مبارك، وإلى يساره المشير أبو غزالة، وزير الدفاع.

في تمام الساعة الثانية عشرة وعشرين دقيقة، توقفت سيارة المدفعية التي تجر المدفع الكوري الصنع عيار 130مم، أمام المنصة تماماً، وانطلقت رصاصات القناص حسين عباس لتستقر في عنق السادات، فهب واقفاً، يقول "مش معقول"، واندفع ناحيته الضابط خالد الإسلامبولي بمدفعه الرشاش، بعد أن سبق ذلك بإلقاء قنبلة، وهبط إليه عبدالحميد عبدالسلام ببندقيته، وعطا طايل كذلك بعد أن ألقى قنبلة ثانية لم تنفجر، والتصق الثلاثة بالمنصة، يمطرون الرئيس بالرصاص. وسقط الرئيس مضرجاً بدمائه، منبطحاً على وجهه. ثم صعد إليه عبدالحميد عبدالسلام من يسار المنصة، وركله بقدمه، فقلبه على ظهره، ثم طعنه بالحربة (السونكي)، وأطلق عليه عياراً نارياً.

استغرقت هذه العملية 35 ثانية، بعدها أسدل الستار على السادات، وانتهت فترة ملتهبة من تاريخ مصر بأغرب حادثة اغتيال في المنطقة العربية. وهكذا بدأ السادات سِجلَّه السياسي بالإرهاب، وانتهى بالإرهاب.

من هم القتلة

خمسة من المتهمين ينتمون إلى إحدى الجماعات الإسلامية، وهم:

  1. الملازم أول، خالد أحمد شوقي الإسلامبولي، سلاح المدفعية

ولد في 14 نوفمبر 1957، في مدينة ملوى، محافظة المنيا. وهو الابن الثاني للمحامي أحمد شوقي الإسلامبولي في الإدارة القانونية في شركة السكر بنجع حمادي. له شقيق أكبر منه، اسمه محمد، كان في السنة النهائية في كلية التجارة، اعتقل في اعتقالات سبتمبر لأنه مزق صورة السادات في محطة قطار أسيوط. وله أختان متزوجتان.

دخل مدرسة المدفعية وتخرج بامتياز عام 1978. وقع عليه الاختيار للاشتراك في العرض العسكري. وهو المتهم الأول، حكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص.

  1. ملازم أول سابق، عبدالحميد عبد السلام عبدالعال علي

ولد في 21 مارس 1953، في ملوى. تخرج في الكلية الحربية ملازماً مع مرتبة الشرف. عضو في فريق رياضة رفع أثقال في مركز شباب ملوى. قال عنه المحققون إنه أخطر قاتل للسادات لمعلوماته الكثيرة ولحجته الدينية القوية. قدم استقالته عدة مرات من العمل في الجيش، وقبلت استقالته بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد. عمل سائق سيارة فيات، ثم افتتح مكتبة لبيع الكتب الدينية. حكم عليه بالإعدام شنقاً.

  1. عطا طايل حميدة رحيل:

ملازم أول مهندس احتياط، من مواليد قرية رحيل، مركز الدلنجات، محافظة البحيرة. تخرج في كلية الهندسة، جامعة الإسكندرية. دخل كلية الضباط الاحتياط، وعمل في حلوان. وهو غير متزوج.

كان الوحيد من بين المتهمين الذي يريد قتل وزير الداخلية، نبوي إسماعيل مع السادات. قال نبوي إسماعيل، "لقد اشتبك عطا طايل مع الحرس، ورأيته وهو قادم عليَّ يقصدني في المنصة!! كان طالع من السلم المجاور لمكان جلوسي وموجه سلاحه ناحيتي! لكن اشتبك مع الحراسة"، وانتهت خزنة الطلقات. حكم عليه بالإعدام شنقاً.

  1. حسين عباس محمد:

رقيب متطوع في القوات المسلحة، وهو يعمل في المعهد الديني في مصر الجديدة. من مواليد 1953 ملوى. قناص ماهر يجيد الرماية من مختلف الزوايا والأوضاع.

أول من أطلق دفعة نيران فأصابت رقبة السادات.

أعطى بندقيته لخالد الإسلامبولي بعد أن تعطل رشاش الإسلامبولي عن العمل أثناء الهجوم على المنصة. هرب ثلاثة أيام بعد مقتل السادات. حُكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص.

  1. محمد عبدالسلام فرج:

ولد في قرية الدلنجات، محافظة البحيرة، عام 1954، تخرج في كلية الهندسة، جامعة القاهرة. ويعمل في الإدارة الهندسية في جامعة القاهرة. كان مطلوباً القبض عليه ضمن اعتقالات سبتمبر.

تولى جمع وطبع كتاب "الفريضة الغائبة"، وقد عاون الإسلامبولي ورفاقه بالذخيرة والقنابل المطلوبة. حكم عليه بالإعدام شنقاً.

دفُن الخمسة في مقابر الصدقة في محافظة القاهرة، منطقة البساتين، قرب مقبرة شهداء الطائرة الباكستانية التي تحطمت في القاهرة عقب عودتها من الأراضي المقدسة.

جنازة السادات

توافرت معلومات لدى وزارة الداخلية عن احتمال حدوث اغتيالات خلال تشييع الجنازة، بسبب مشاركة رؤساء بعض دول أجنبية، وبعض رؤساء دول سابقين، وهم كارتر وفورد ونيكسون، وجعفر نميري، ونائب عن السلطان قابوس، مع ممثلين من عدة دول. ولم يشارك مسؤولون من باقي الدول العربية بسبب مشاركة مناحم بيجن، رئيس وزراء إسرائيل، الذي أصر على الحضور.

وعقد حسني مبارك اجتماعاً لدراسة خطوات الجنازة. واقترح أحد الحاضرين أن تقام الجنازة داخل قصر القبة، وهو مكان محكم، تفادياً لحدوث أي احتمالات. ولكن النائب، حسني مبارك، رفض رفضاً قاطعاً، وقال: "أنا غير موافق، وإما أن نكون أو لا نكون. ويجب أن تسير الجنازة عادية كما هو المقرر لها".

وهكذا جرى تشييع السادات، كما كان مقرراً له، ودفن في مكان اغتياله، في مدينة نصر، تحت حجر أسود، كتب عليه: ]وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون[ (آل عمران: آية 169). الرئيس المؤمن، محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، عاش من أجل السلام، ومات من أجل المبادئ".

ردود الأفعال في العالم

كان أول اتهام تناوله المحللون السياسيون، وكان هنري كيسنجر، أول من تبناه، هو أن تكون الجماهيرية الليبية دبرت عملية التخلص من السادات عبر مجموعة من الجيش، لا يزال للفريق سعد الشاذلي تأثيره عليها. وساعد على ذلك أن الشاذلي أذاع بعد ساعات من الحادث بياناً متلفزاً من الجزائر يدعو فيه القوات المسلحة إلى متابعة التحرك.

وكان هناك من يؤيد اتهام الجماهيرية الليبية بالتعاون مع المخابرات السوفيتية.

وكان الاحتمال الثاني أن يكون الإخوان المسلِمون هم الذين دبروا الحادث بعد اعتقالات سبتمبر.

وكان الاحتمال الثالث. أن تكون المخابرات الإسرائيلية وراء العملية، لكي تجد إسرائيل مبرراً لعرقلة الانسحاب من سيناء. أما إذا سار الرئيس الجديد في عملية التطبيع فلا مانع من إعطائه سيناء هدية لدعمه داخلياً وتشجيعه على البقاء في الإطار الساداتي".

كان الناس في الداخل والخارج في حيرة، يريدون أن يعرفوا نتائج اغتيال السادات.

هل سيُطاح بالحكم القائم وتستولى سلطة جديدة؟

هل سيتحرك الجيش؟ هل ستتدخل قوى خارجية؟

ولكن كان في إعلان النائب، حسني مبارك، بنفسه لمصرع السادات من التلفزيون دليل قوي على أن السلطة لا تزال تحكم، وأن محاولة الاغتيال لم تتطور إلى ما هو أكثر من ذلك.

ومثلما نعى أنور السادات، بتأثر شديد مساء يوم 28 سبتمبر 1970، الرئيس جمال عبدالناصر بقوله:

"إني أرثي رجلاً عظيماً خدم مصر والعروبة. ابن مصر البار، قائدنا جمال ... وإني أتعهد بأن أستمر في السير على الدرب الذي رسمه عبدالناصر". تكرر المشهد نفسه في مساء 6 أكتوبر 1981، مع تبدل الأشخاص. فقد أعلن حسني مبارك، بتأثر شديد أمام شاشات التليفزيون "استشهاد بطل الحرب والسلام" معلناً أنه سيسير على الدرب نفسه ملتزما بجميع المواثيق والاتفاقات التي وقعها الرئيس الراحل.

مؤشران غير مطمئنين

كان لاغتيال السادات، في العواصم الخارجية خاصة، مؤشران سلبيان هما:

الأول:  فظاعة الحادث، وهو أمر لم تشهده مصر منذ ثورة يوليه 1952.

الثاني:  إعلان حالة الطوارئ. وهذا معناه أن الوضع الداخلي في مصر ليس بالهدوء الذي يظهر به على السطح.

وحين سُئل كيسنجر عن احتمال قيام ليبيا بغزو عسكري لمصر، قال لمحطة تليفزيون CBS الأمريكية، إن هذا احتمال ضئيل. لكن لا يستبعد أن تشهد مصر فترة من الاضطرابات.

باريس، وعواصم غرب أوروبا حزنت حزنا شديداً، واعتبرت الحادث من النوع الخطير والفريد.

علق الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان، ومعه كلود شيسون وزير الشئون الخارجية: "ما هذا العنف الذي يجتاح العالم، ففي خلال ستة أشهر، تعرض اثنان من زعماء العالم للاغتيال (ريجان، والبابا يوحنا الثاني) وها هي المحاولة الثالثة تودي بحياة أنور السادات.

الدول العربية

معظم العواصم العربية ابتهجت للتخلص من السادات، وصرحت مصادر رسمية بأن فرصة حسني مبارك تبدو أكثر قابلية للحوار مع الزعماء العرب، فهو لم يشارك في زيارة إسرائيل، ولسانه عف لا يحب السباب.

إسرائيل وأمريكا

ساد الحزن في تل أبيب وواشنطن، وقال شارون "لا سادات.. لا كامب ديفيد.. لا معاهدة سلام". وقد عاملت أجهزة الإعلام الأمريكية حادث اغتيال السادات، وكأنه حادث أمريكي خطير يتعلق بسلامة أمريكا ومصالحها إلى حد بعيد.

وقد طرحت الإدارة الأمريكية تساؤلات عن مضاعفات هذا الاغتيال:

  1. هل يعني اغتيال السادات نهاية كامب ديفيد؟
  2. هل يستطيع حسني مبارك أن يواصل سياسة السادات؟
  3. هل ستبقى مصر، وإلى متى، ضمن دائرة السياسة الأمريكية؟
  4. هل ستظل القاهرة الحليف الأساسي والعسكري لواشنطن كما أراد السادات؟

وجاءت الإجابة على لسان هنري كيسنجر:

"هذا الرجل لا يمكن تعويضه".

"كان السادات وبقاؤه على رأس السلطة في مصر، هو الضمان الوحيد لاستمرار اتجاه السياسة الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط".

الأسطول السادس الأمريكي

وكان أول فعلته الإدارة الأمريكية لدى بلوغها خبر الاغتيال، هو أنها وضعت قوات الأسطول السادس في حالة تأهب، ووضعت قواتها البحرية في المنطقة المحيطة في الخليج في حالة تأهب، وهي 4 وحدات في الخيلج، و 6 وحدات في البحر العربي و 18 وحدة في المحيط الهندي.

ولم تخف أمريكا نيتها التدخل في مصر، إذا تأكد لها أن هناك مؤامرة من عناصر مرتبطة بالاتحاد السوفيتي، أو لها طابع إسلامي متطرف. وأعلنت أمريكا أنها حريصة على ألاّ تتحول مصر إلى إيران ثانية، وألاّ تتحول إلى أثيوبيا أخرى. وأن أمريكا لابد أن تتأكد من موقف القوات المسلحة المصرية من اغتيال السادات.

وأخيراً، فإن السادات دخل التاريخ، وشغل العالم أجمع، وهو ـ بلا ريب ـ من أبرز رجال القرن العشرين، وتميزَّ بنظرة إستراتيجية عميقة، وبعيدة النظر، فحين قام بمبادرة السلام مع إسرائيل، لم يقتنع بمبادرته في ذلك الوقت، إلاّ العدد القليل من شعوب المنطقة، كما بين البحث من قبل، ولكن ـ كما يقول الأمير خالد بن سلطان ـ أثبتت الأيام، أن السادات كان محقاً.وها هي كثير من القيادات العربية تسعى للحصول على أقل بكثير مما كان يمكن الحصول عليه، لو حدث التضامن مع السادات في مبادرته. ومن أصدق العبارات التي وصفت إستراتيجية السادات، بعد وفاته، عبارات الكاتب المعروف نجيب محفوظ، الذي يقول: بالحرب نقل السادات العرب من اليأس والانكسار إلى العزة والانتصار، وبالسلام حقق لمصر استقلالها الكامل لأول مرة منذ مئات السنين. وكان السادات يجيد التغطية على أهدافه الحقيقية، وكان يعرفها جيداً ويخطط لها كما ينبغي ... فعل هذا عندما كان نائباً لجمال عبدالناصر، وقبل أن يكون نائباً، وفعل هذا قبل 15 مايو 1971، وفعل هذا في حرب 1973، عندما أحس الناس أن حالة اللاحرب واللاسلم التي سادت وطال وقتها سوف تطول أكثر، وإن عليهم أن يعيشوها، ويتعايشون معها. وكان يُمعن في تصدير الصورة المعاكسة التي تؤكد لدى الجميع أنه لن يُحارب، وأنه لا يقدر على الحرب، وأنه يسعى إلى أي منفذ، ويبحث عن أي حل إلاّ الحرب!!. ولقد عرض السادات على الفلسطينيين أن يجلسوا ليأخذوا أضعاف أضعاف ما يسعون إليه، دون جدوى، ولم يكن الحلّ منفرداً من جانبه، كما قيل، إلاّ بعد أن يئس من المزايدات والشتائم ... ولا يزال السادات في حاجة إلى رد اعتبار ممن أساءوا فهمه في حياته، وواصلوا الإساءة في مماته.

وهو كبشرٍ، له حسناته وله سيئاته، ولكن الدور الذي لعبه في تاريخ مصر والعالم العربي كان دوراً لا يُستهان به.

 



[1] مات الفرعون أمنمحات الثالث مقتولاً وذلك حوالي عام 1961، قبل الميلاد. أحمد فخري، "مصر الفرعونية"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط 8، 1995، ص 221 ـ 222.

[2] ذكرت مجلة تايم الأمريكية يوم 12 أكتوبر 1981، أن السادات تعرض لتسع محاولات من عام 1970، إلى عام 1981 منها خمسة في عام 1981.