إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في المغرب









الملك الحسن الثاني (1929 ـ 1999)

سيرة ذاتية

الملك الحسن الثاني (1929 ـ 1999)

ملك المملكة المغربية (1961 ـ 1999).

 

 

هو الحسن بن محمد بن يوسف بن الحسن الأول، ابن الملك محمد الخامس وخليفته، والملك السابع عشر من الأسْرة العلوية الشريفة، التي تحكم المغرب.

وسٌمي على اسم جده السلطان الحسن الذي كان له دور مهم في تاريخ النضال الوطني لبلاده. ولد الحسن الثاني في 9 يوليه 1929، الموافق غرة صفر 1348هـ، في الرباط، بعد ثلاث سنوات من تولِّي والده المُلك، في ظل الانتداب الفرنسي. وتلقّى تعليمه على يد العلماء المسلمين الملحقين بالقصر. وبعد ذلك دخل المدرسة المولوية. وفي عام 1947 حصل على شهادة البكالوريا بامتياز، ودرس في المغرب وفرنسا حيث نال دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، من جامعة بوردو Bordeaux، عام 1951.

وفي عام 1953، عمدت سلطات الحماية الفرنسية، أيام احتلالها المغرب، إلى خلع والده، الملك الشرعي، محمد الخامس، عن العرش، ونفته مع سائر أسْرته إلى كورسيكا، ثم إلى مدغشقر، في يناير 1954، وعينت بدلاً منه صنيعها، ابن عرفة. وقد رفض المغاربة مبايعة ابن عرفة، وعدُّوه ملكاً غير شرعي، على الرغم من انتمائه إلى الأسْرة العلوية، الحاكمة منذ ثلاثة قرون ونصف.

وقد رافق الحسن والده في منفاه، في مدغشقر، وكان الصلة التي تصله مع المغاربة، في الداخل، ومع العالم الخارجي، ولا سيما فرنسا والقاهرة. وشارك في المفاوضات التي أدت إلى عودة والده إلى المغرب من المنفى، في خريف 1955. وشارك، إلى جانب والده، في المفاوضات من أجل الاستقلال، التي جرت عام 1956.

عينه أبوه، غداة الاستقلال، في مارس 1956، رئيساً لأركان الجيش الملكي. ثم أصبح، عام 1957، قائداً عاماً للجيش. ثم نصب وليّاً للعهد، في يوليه 1957، ونائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع.

عمل على توحيد البلاد ودعم استقلالها، فاسترجع طرفاية، عام 1958، وسيدي إيفني عام 1969. وفي عام 1960، أصبح رئيساً للوزراء. فأسهم مع والده في بناء القوات المسلحة الملكية وقوات الأمن الوطني. ووضع نواة الإدارة المركزية الحديثة.

وفي 3 مارس 1961، نصب ملكاً على المغرب، بعد وفاة والده، على أثر عملية جراحية، في 26 فبراير 1961. فما أن توج ملكاً على البلاد، وسط تقديرات المراقبين، بعرش لن يدوم طويلاً، حتى طلب الملك من شعبه، أن يصوت في الرابع من ديسمبر عام 1962، في استفتاء عام على جعل مملكة المغرب دستورية ديموقراطية اجتماعية، ترفض مبدأ الحزب الواحد، ووضع أول دستور للمملكة المغربية، في ديسمبر 1962. وتم تعديله في 10 مارس 1972، و4 سبتمبر 1992، وسبتمبر 1996م.

وتعرقلت مسيرة المملكة الدستورية، بفعل أحداث داخلية وخارجية شهدتها المملكة، بدأت بما سميّ بمؤامرة 1963، وكانت قوات الشرطة الملكية، قد اعتقلت 200 عضو من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي يقوده المهدي بن بركة، بتهمة تدبير مؤامرة، وصدرت أحكام بالإعدام في حق أحد عشر منهم لكنها لم تنفذ.

وفي 6 مارس 1965، حدثت مواجهات عنيفة مع الطلاب في الدار البيضاء، ثم توسعت الاشتباكات، لتشمل عمالاً من مختلف القطاعات، وعاطلين، وخلفت عشرات القتلى. وفي 7 يونيه 1965، أعلن الملك حالة الطوارئ، التي استمرت أكثر من خمس سنوات، على أثر غليان شعبي وإشاعات عن التحضير لانقلاب. وفي 29 أكتوبر 1965، خُطف زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المهدي بن بركة، من أحد مقاهي باريس، وأكدت أوساط مغربية أنه قتل، لكن لم يعثر على جثته، أو مكان دفنه، حتى الآن. أدى اختفاء الزعيم المغربي المعارض، المهدي بن بركة في باريس عام 1965، إلى توتر العلاقات الفرنسية ـ المغربية، التي كادت تنقطع، حين اتهم الرئيس الجنرال شارل ديجول Charles de Gaulle السلطات المغربية بخطف بن بركة. ثم أخذت العلاقات الفرنسية ـ المغربية في التحسن، في عهد الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو Georges Pompidou ، وأثمرت في عهد الرئيس فالاري جيسكار ديستان Valery Giscard d’Estaing . وفي عام 1991، قام الملك الحسن الثاني بهدم بعض السجون وإطلاق سراح سجناء الرأي.

في يوليه 1963، أعلنت السلطات المغربية اكتشافها مؤامرة يسارية، نظمها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي كان يشكل جبهة معارضة للحكم. فشن الملك حملة ضد الحزب وشتت قياداته. وعندما أوقف البرلمان المغربي المشروع الاقتصادي للملك الحسن، عام 1965، استخدم الملك صلاحياته في إعلان حالة الطوارئ، والسيطرة علي السلطة التنفيذية، وحصر كل السلطات في يديه. وفي عام 1970 انتخب برلمان آخر.

وفي يوليه 1971، أثناء محاكمات مراكش للمعارضين، المتهمين بمحاولة قلب النظام الملكي في المغرب، نجا الملك الحسن الثاني، بأعجوبة، من محاولة انقلاب دموية، كانت تستهدف حياته ونظامه، في قصر الصخيرات. وسقط أكثر من مائة من عناصر الحراسة، لحظة كان يحتفل بعيد ميلاده.

في 16 أغسطس 1972، قاد الجنرال محمد أوفقير، وزير الداخلية، والمسؤول الأول عن الاستخبارات محاولة انقلابية، استهدفت إسقاط طائرة الملك الحسن وقتله، وتشكيل مجلس وصاية. وأُطلقت النار على طائرته، وكان الملك قد حافظ على برودة أعصابه، وقال لقائد الطائرة: "قل باللاسلكي للذين يُطلقون النار أن الحسن الثاني توفي، ولا حاجة بعد ذلك للمزيد من إطلاق النار". وتظاهر الحسن الثاني بالموت، إلى أن هبطت الطائرة، وهو في داخلها سالم، بعد ما مات العديد من الذين كانوا على متنها[1]   واحترق أحد جناحيها، وفشلت هذه المحاولة. وانتحر قائد الانقلاب. ونجا الملك الحسن بأعجوبة، مما عمق لدى المغاربة اليقين بأن ملكهم تحرسه البركة، ولذلك استمر في نظرهم على أنه أمير المؤمنين، القادر على الجمع بين الدين والدنيا في الحكم، وداعب الحسن الثاني بذكائه الرهيب هذا اليقين، وبلوره عندما راح يقيم المساجد، الواحد تلو الآخر، وصولاً إلى المسجد الأكبر من نوعه في العالم، بعد الحرمين الشريفين، والذي شيده على شاطئ الأطلسي، في الدار البيضاء، والذي يحمل اسمه[2].

على أثر هذه المحاولة، تمكن الملك الحسن من إحكام سيطرته على الحكم. وبادر إلى بعض الإصلاحات. وعمد إلى إعادة الحوار مع المعارضة، من أجل إشراكها في الحكومة، وعلى تطوير تجربة الملكية الديموقراطية الدستورية، وحرص على إشراك المواطنين بمختلف توجهاتهم السياسية في العمل الوطني من خلال نظام اللامركزية الذي كرسه الميثاق الجماعي للجماعات المحلية الصادر عام 1976، وإقامة نظام المناطق. وأصبح للبرلمان المغربي غرفتين، هما مجلس النواب الذي ينتخب أعضاؤه بالاقتراع المباشر، ومجلس المستشارين الذي تتمثل فيه كل الفعاليات السياسية والنقابية والاقتصادية والاجتماعية على المستويات المحلية والجهوية. وكان آخر إنجازات الملك الحسن الثاني لترسيخ التجربة الديموقراطية في البلاد، تكليف أحد قادة المعارضة بتولى رئاسة الحكومة وهو عبد الرحمن اليوسفي. وانتخب مجلس نواب جديد، في 3 يونيه عام 1977.

اتسعت في عهد الملك الحسن الثاني، أعمال التعدين، والصناعات الأخرى، واستصلاح الأراضي الصحراوية، وإنشاء السدود، وتشييد المدارس. فضلاً عن سعيه لتوحيد القوى، البشرية والثقافية، إلى جانب الوحدة الترابية.

وفي عام 1975، نظم المسيرة الشعبية الخضراء، لاستعادة الصحراء الغربية من الحكم الأسباني، وتقاسمها مع موريتانيا، ضاماً إلى المغرب الساقية الحمراء ووادي الذهب.

وسرعان ما طالبت جبهة البوليساريو باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، فاندلعت الحرب بين الطرفين. وفي سبتمبر 1991، توصلا إلى اتفاق، أدى إلى وقف إطلاق النار. ووافقا على إجراء استفتاء، تحت إشراف الأمم المتحدة، في 31 يوليه عام 2000، يحدد مصير الصحراء الغربية. وكانت موريتانيا قد أعلنت، في صيف 1979، حيادها في النزاع حول الصحراء. وانسحبت من القسم، الذي أعطاها إياه اتفاق مدريد. فما كان من الملك الحسن، إلا أن أعلن ضم كل الصحراء إلى المغرب؛ وكان يسعى إلى حل مشكلة مدينتَي سبتة ومليلة.

وفي عهده اشتد اهتمام المغرب بالقضايا، الإسلامية والعربية. ترأس الملك الحسن الثاني، منذ مارس 1979، لجنة القدس، التي شكلها مؤتمر القمة الإسلامي الذي استضافته المغرب في الفترة من 22 إلى 25 سبتمبر 1969، بعد حادث المسجد الأقصى، وقد شاركت تلك اللجنة في تقديم الأبحاث ومشروعات القرارات، في مؤتمر القمة الإسلامي في الطائف. وكن الملك الحسن الثاني، قد ترأس مؤتمر القمة الإسلامي الرابع في الدار البيضاء في الفترة من 16 إلى 19 يناير 1984. ومؤتمر القمة الإسلامي السابع، الذي عقد في الدر البيضاء في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر 1994.

وكان للملك الحسن دور بارز في الدعوة لعقد مؤتمر القمة العربية غير العادي، في الدار البيضاء، في الفترة من 7 إلى 9 أغسطس 1985، وجاء ضمن البيان الختامي الصادر عن المؤتمر، تأليف لجنتين لتنقية الأجواء العربية. وفي 5 نوفمبر 1987، أدلى الملك الحسن الثاني بتصريح إلى جريدة "السياسة" الكويتية، أيد فيه عودة مصر إلى الجامعة العربية. بل أعلن أنه كان ضد خروجها منها، منذ اليوم الأول، وأنه ندم كثيراً، إذ لم يحضر مؤتمر بغداد، الذي ترتب عليه قطع العلاقات المصرية بمعظم الدول العربية. وأضاف أنه لو حضر ذلك المؤتمر، لبذل أقصى جهد، كي تبقى مصر إلى جانب العرب؛ مشيراً إلى أن وزير خارجيته، كان يمثل المغرب في المؤتمر. ولم يمكنه، بحكم صلاحيته، التصرف أمام رؤساء الأقطار، في المؤتمر (الأهرام الدولي، لندن[3].

كذلك ترأس الملك الحسن الثاني عدداً من مؤتمرات القمة العربية، التي عقدت في المغرب، وشارك في أخرى، خارجه. فقد ترأس القمة العربية الثالثة، التي عُقدت في الدار البيضاء في الفترة من 13 إلى 17 سبتمبر عام 1965، وقمة (فاس) الثانية عشر، والتي عقدت دورتها الأولى في نوفمبر 1981، والتي استؤنفت في المدينة في الفترة من 6 إلى 9 سبتمبر عام 1982، وهي القمة التي أحدثت تحولاً نوعياً في الرؤية العربية لكيفية حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي. واستضاف الملك الحسن الثاني أيضاً، القمتين العربيتين الطارئتين، في الدار البيضاء، في عامي 1985، 1989.

وكان المغرب قد شارك بإرسال قوة عسكرية إلى الجولان، في حرب 1973. كما أسهم المغرب، عام 1991، بفِوج آلي، في القوات الدولية، إبان أزمة الخليج، أثر الغزو العراقي للكويت.

وفي 13 أغسطس 1984، أقدم الملك الحسن الثاني على إصدار إعلان وجدة الخاص بوحدة المغرب مع ليبيا. وفي عام 1989، أعلنت دول المغرب العربي (الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا)، عن قيام اتحاد المغرب العربي، وعزمها على تأسيس سوق عربية مغاربية مشتركة.

وعمل الملك الحسن الثاني على عقد مؤتمرات قمة فرنسية ـ أفريقية، في المغرب. وهو عضو في منظمة الفرنكوفونية، منذ عام 1981. لكنه انسحب من منظمة الوحدة الأفريقية، بسبب اعتراف المنظمة بجمهورية الصحراء الغربية.

وكان الملك الحسن الثاني، هو أول زعيم إسلامي يزور البابا يوحنا بولس الثالث، عام 1981، في الفاتيكان.

اضطلع الملك الحسن الثاني بدور بارز، ومهم، في الترتيب لعقد لقاءات المسؤولين، المصريين والإسرائيليين، والتي أسفرت عن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل (اتفاقية كامب ديفيد). بل إن عملية السلام المصري ـ الإسرائيلي انطلقت من المغرب. وزيارة الرئيس المصري الراحل، محمد أنور السادات، إلى إسرائيل، عام 1977، رتبت في لقاء، رعاه الملك الحسن الثاني، في الرباط، بين وزير الخارجية الإسرائيلي، موشى ديان، ومسؤول مصري. وسبق ذلك اللقاء، ترتيبات طويلة، شارك فيها مسؤول مغربي، رئيس الموساد الإسرائيلي، إسحاق حوفي، ونائبه ديفيد قمحي، اللذَيْن اجتمعا، كذلك، إلى الملك الحسن الثاني. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل، إسحاق رابين، هو أول رئيس وزراء في إسرائيل، يلتقي الملك الحسن الثاني، عام 1976، حينما دخل المغرب متخفياً. وفي 23 يوليه 1986، استقبل الملك الحسن الثاني، في مقره في منتجع (ايفران) في المغرب، شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي وصل إلى فاس في زيارة رسمية للمغرب، شكلت مفاجأة سياسية في الوطن العربي. وقد أثارت تلك الزيارة ردود فعل مختلفة في الوطن العربي، تراوحت بين الإدانة، والصمت والترحيب. واختتم الملك الحسن محادثاته مع شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووجه الملك الحسن الثاني بياناً، عبر الإذاعة والتليفزيون، ضَمَنَه ظروف، ونتائج محادثاته، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. كما قال الملك الحسن الثاني أنه: "مراعاة للظروف العربية والإسرائيلية وعدم وجود أي قرار من مقررات جامعة الدول العربية يمنع اللقاء بأي مسؤول إسرائيلي" وأضاف "أنه سينقل متى سنحت الفرصة هذا الموقف الإسرائيلي السلبي، إلى القادة العرب، حول نقطتي، مشروع فاس، بشأن الاعتراف بالمنظمة، والانسحاب من الأراضي المحتلة[4] وفي عام 1993، زار رابين المغرب، علانية، في طريق عودته من واشنطن، حين وقع على اتفاق أوسلو. ويتمتع الملك الحسن الثاني بنفوذ كبير، في أوساط اليهود المغاربة، المهاجرين إلى إسرائيل، خاصة بعد فتح الممثلية المغربية فيها.

كما كان للملك الحسن الثاني دور في تقريب وجهات النظر، بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية، مما مهد السبيل للقاء عرفات وبيريز، في واشنطن، في سبتمبر 1993، لتوقيع اتفاق المبادئ على الحكم الذاتي الفلسطيني، في غزة وأريحا.

وقبل وفاته، كان الملك الحسن الثاني، يستعد للقاء ايهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل، لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط.

كما كان الملك المغربي، يستعد للقاء الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، في المغرب، أو في منطقة حدودية بين البلدَين، في 29 يوليه 1999 لتنقية الأجواء بين الدولتين العربيتَين المتجاورتَين، بعد فترة جمود وتوتر، دامت خمس سنوات. وكان يسعى لعقد مؤتمر قمة عربي، يستضيفه في المغرب، لتصفية الأجواء العربية، وإعادة الوئام العربي، وكان قد تشاور في ذلك مع عدد من القادة العرب.

وكان آخر نشاط رسمي للملك الحسن الثاني، هو حضوره الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، في باريس، منتصف يوليه 1999، وقد بدا، أثناء ذلك، مرهقاً ومتعباً بعد ما هزلت حاله. أما آخر من قابله من الرؤساء، فكان الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، يوم الأربعاء، 21 يوليه 1999.

وكانت آخر مرة شوهد فيها الملك الحسن الثاني، يعبر من الرباط إلى مقر إقامته الصيفية في الصخيرات، تمثلت في صورة معبرة، إذ كان يقود سيارة مكشوفة بنفسه، وإلى جانبه الملك محمد بن الحسن ووراءهما الأمير رشيد، وكانت السيارة تقطع طريق الكورنيش، على ضفاف الساحل الأطلسي، بين الرباط والصخيرات، وقد وضع الأمير رشيد يديه على كتفي أخيه محمد بن الحسن ووالده الملك الراحل.

وكان الملك الحسن الثاني، قد أصيب بمشاكل رئوية، أثناء وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية، في أكتوبر 1995؛ ومنذئذٍ، وهو خاضع لمراقبة الأطباء. وفي قصره، في الصخيرات، على بعد 20 كيلو متر من الرباط، وفي الساعة الثالثة وخمسين دقيقة بتوقيت جرينيتش، صباح يوم الجمعة 22 يوليه 1999، شعر الملك الحسن الثاني ببعض المتاعب الصحية لكنه لم يكن قلقاً، واتصل هاتفياً بطبيب الأنف والأذن والحنجرة، الخاص به الكولونيل ميجور بومهدي ليوقظه، ويشرح له ما يشعر به من متاعب. بعد ذلك الاتصال بعشر دقائق، أي في نحو الرابعة، شعر الملك فجأة باضطراب في نبضات القلب، فنقل على الفور إلى العيادة الملكية في الرباط، الموجودة داخل حرم القصر الملكي، حيث لم يعتبر الأطباء وقتها أيضاً، أن حالته الصحية بلغت حداً خطيراً، وأن هناك ما يدعو لنقله إلى مستشفى ابن سينا. وكان هؤلاء الأطباء يقدرون أن التجهيزات الموجودة في المستوصف الملكي حديثة جداً، وكافية لعلاج الملك. وفي ضحى يوم الجمعة، غاب الملك فجأة عن الوعي قبل أن يدخل في غيبوبة، ما أثار هلع أطبائه، فقاموا بإدخال أنبوب إلى قصبة الرئة، لتأمين دخول الهواء إلى الرئتين، وقرروا نقله إلى مستشفى ابن سينا، حيث تم تجديد الهواء الداخل إليه، ووضع قلبه ورئتاه تحت المراقبة الطبية. لكن الملك كان في حالة غيبوبة لا يمكن السيطرة عليها، وكان يعتبر متوفياً من الناحية الإكلينيكية، إذ كانت في الواقع تلك الغيبوبة بلغت المرحلة الرابعة، التي لا يستجيب فيها القلب والرئتان لأي محاولات لتنشيطهما. وقرر المحيطون بالملك إرساله على الفور إلى باريس، حيث شرعوا في إجراء اتصالات بمستشفى (دي لا سالبيتريير) لكن وضعه كان بلغ مرحلة يتعذر معها نقله. وبين الواحدة والرابعة عصراً بذلت من دون جدوى كل المحاولات الممكنة لتنشيط جهازه التنفسي، إلا أن أعضاء جسمه بدأت تختل وظائفها تدريجياً، حتى فقد قلبه حيويته تماماً عند الساعة الرابعة، وبذل الأطباء محاولات أخيرة لإعادة نبضات القلب من جديد، لكنها كانت أيضاً من دون جدوى[5].

توفي الملك الحسن الثاني، في يوم الجمعة 23 يوليه 1999، على أثر التهاب رئوي حاد، ونوبة قلبية. ودفن في الرباط، يوم الأحد، 25 يوليه. وقد اشترك في تشييع جنازته حوالي 60 زعيماً من الملوك والرؤساء ورؤساء الحكومات وكبار المسؤولين، الذين قطعوا، سيراً على الأقدام، مسافة ثلاثة كيلومترات، ما بين القصر الملكي وضريح محمد الخامس، المطل على نهر أبي رقراق. واشترك في التشييع حوالي مليوني مغربي.

هناك رواية أخرى هي: أن الملك الحسن الثاني أحس بأزمة حادة مساء الخميس 22 يوليه، في مقر إقامته في القصر الملكي في الصخيرات على الساحل الأطلسي، جنوب الرباط، ودعا إلى حضور الملك محمد بن الحسن (ولي العهد وقتذاك)، وشقيقه الأمير رشيد، إضافة إلى مسؤولين وأطباء. وأُدخل الملك الراحل عيادة طبية في القصر، تلقى فيها العلاج، واستمر الوضع إلى ساعة متأخرة من ليل الخميس، إذ بدا أنه تمكن من تجاوز الأزمة الحادة التي ألمت به. لكن مرافقيه من العائلة الملكية والأطباء والمسؤولين، قضوا الليل هناك في انتظار الصبح. وأصر الملك الحسن على بقائه في المغرب، بعدما عُرض عليه الانتقال إلى مستشفيات في فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وذكرت الرواية: أنه بدا صباح الجمعة في وضع صحي يطبعه التحسن فتحدث إلى جلسائه عن قضائه ليلاً هادئاً. وكان لافتاً في غضون ذلك أنه تناول فطوره المعتاد، لكنه أصر على أن يكون من دون حمية، وبدا منشرحاً وواثقاً بمصيره القدري. لكن الأزمة عاودته وكانت أكثر حدة، وفي غضون ذلك، كان يستمع بانتباه إلى آراء الأطباء وتحليلاتهم. وحين استقر الرأي على نقله إلى مستشفى ابن سينا في الرباط نظراً إلى ضغط الوقت، نقل عنه القول: "لنتوكل على الله". وحرص على ارتداء لباسه الأنيق، كأنه على موعد رسمي، ووضع سبحة كانت لا تفارقه في يده اليمنى، ونهض لملاقاة قدره. وفي غضون ذلك، جدد رغبته في تلقي العلاج الأخير في المغرب، قبل أن يدخل في غيبوبة من درجة عالية، لدى وصوله إلى المستشفى، وحين قدمت له إسعافات فإنها لم تحل دون قدر الوفاة[6].

وللملك الراحل خمسة أبناء، أكبرهم الأمير محمد بن الحسن، وليّ العهد، ورشيد؛ وثلاث بنات، هنّ مريم وأسماء وحسناء.

وقد خلفه في الحكم الأمير محمد بن الحسن، بعد أن بويع، يوم وفاة أبيه، ملكاً على المغرب، باسم محمد السادس؛ طبقاً للدستور، الذي يحدد انتقال الولاية إلى الابن الأكبر، ويرهن عملية الانتقال، آنئذٍ، بإنشاء مجلس وصاية، في حال عدم بلوغ الابن الأكبر سن الرشد.

وتقضي التقاليد بعدم زواج ولي العهد أثناء ولاية العهد، إلا أنها تشترط ذلك بعد توليه الحكم، وارتقائه العرش، وقبل أدائه القسم، وتقضى التقاليد العلوية مبايعة ولي العهد يوم وفاة والده. ويحق لمعتلي العرش تسمية ولي العهد، وكذلك تغييره إن أراد فيما بعد. وتقضي التقاليد المغربية بزواج الملوك فوراً بالزواج من نساء البربر، تمتيناً لأواصر الدم والقربى بينهم وبين العرب. كذلك تولى التقاليد العلوية الاهتمام الأكبر للتربية الدينية، فيلتحق أفراد الأسرة الملكية بالمدارس القرآنية مبكراً، بعدها يتم تثقيفهم، وتدريبهم عسكرياً وسياسياً، ثم إعدادهم لتولى المهمات في الداخل والخارج، ثم ممارسة شؤون الحكم فيما بعد[7].

 



[1] مجلة الحوادث اللبنانية، العدد 2230، 30 يوليه 1999.كلمة الحوادث، ص5.

[2] 'مجلة الحوادث اللبنانية، العدد 2230، 30 يوليه 1999، ص14.

[3] يوميات ووثائق الوحدة العربية 1987، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 1، 1988م، ص 330.

[4] يوميات ووثائق الوحدة العربية 1987، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 1، 1988م، ص 330.

[5] جريدة الحياة، العدد 13288، الاثنين 26 يوليه 1999.

[6] جريدة الحياة، العدد 13292، الجمعة، 30 يوليه 1999، ص1.

[7] المجلة، العدد 1016، 1 أغسطس 1999.