الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الجزر الجنوبية
دول البحر الأحمر
مضيق ثيران

ثانياً: الخصائص الجغرافية والوضع القانوني

الخصائص الجغرافية للبحر الأحمر

        لعب البحر الأحمر، بمجراه وجُزره ومضايقه، دوراً مهماً، منذ أقدم العصور حتى اليوم. وكان طريقاً لنقل الحضارات والأديان من المنطقة العربية إلى مناطق متعددة في أفريقيا وآسيا. واكتسب موقعاً إستراتيجياً، يصل بين شطرَي الوطن العربي: شبه الجزيرة العربية من جهة، والحافة الغربية لشرقي أفريقيا. وتتحكم سيناء في ذراعي البحر الأحمر: خليج العقبة وخليج السويس، وتبني جسراً برياً يصل ما بين مشرق الوطن العربي ومغربه.

        يرتبط البحر الأحمر بثلاث مناطق مهمة ارتباطاً وثيقاً مباشراً. ففي الشمال البحر المتوسط، وما يطل عليه من دول عربية وأوروبية. وفي الشرق تقع منطقة الخليج العربي، ذات الثروة النفطية. وفي الغرب منطقة القرن الأفريقي، التي تتحكم في مدخل البحر الأحمر من ناحية الجنوب، وتمثل نقطة تحرك إلى وسط أفريقيا وجنوبيها.

        ونظراً إلى هذا الموقع الوسطي، كان البحر الأحمر، ولا يزال، أحد ميادين التنافس والصراع الدولي من أجل السيطرة على مناطق النفوذ والممرات المائية. فهو يتحكم في إحدى الطرق الرئيسية للتجارة العالمية، وبصورة خاصة بالنسبة إلى الإمداد بالنفط والمواد الخام، إضافة إلى دوره كحلقة اتصال بين نصفَي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي.

        ويمثل البحر الأحمر عين العرب على المحيط الهندي. وفي أقصى جنوبي البحر باب المندب، ومنه المنفذ إلى المحيط الهندي. وفي شماليه قناة السويس، وهي المنفذ إلى البحر المتوسط. ويشكل البحر الأحمر أقصر وأسرع طريق بحري بين الشرق والغرب. وبذلك، أصبح شريان التبادل التجاري العالمي بين آسيا وأفريقيا من جهة، وأوروبا من جهة أخرى.

        يشغل البحر الأحمر مساحة قدرها (438000) كم2. ويمتد من باب المندب جنوباً إلى سيناء شمالاً حوالي (1900) كم. ويقدَّر اتساعه في الجزء الشمالي منه بحوالي (180) كم. ويزداد اتساعه جنوباً حيث يبلغ عند خط العرض (16) اتساع (370) كم. أمّا خليج العقبة، فيبلغ أقصى اتساع فيه (30) كم، في حين يبلغ أقصى اتساع في خليج السويس (70ـ80) كم.

        يبلغ طول سواحل البحر الأحمر، بدءاً من قناة السويس حتى باب المندب، 4938 كم، منها 4244 كم هي سواحل الدول العربيـة الست، في حين تقـع إريتريا على شاطئ طولـه 683 كم، وإسرائيل 11.26 كم. (أُنظر الملحق ـ ب ).

        ويشكل البحر الأحمر الحد الغربي لشبه الجزيرة العربية، كما يشكل أيضاً الحد الشرقي لمصر والسودان وجيبوتي. ويمنح مصر، بالتقائه البحر المتوسط عبر قناة السويس، موقعاً جغرافياً إستراتيجياً سياسياً متميزاً. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا التفرد في الموقع على الوطن العربي كله، ليجعل منه، إضافة إلى ميزات جغرافية واقتصادية أخرى، موقعاً ذا أهمية إستراتيجية عالمية.

        ويكاد البحر الأحمر يكون "بحيرة عربية". ذلك أن الدول العربية الست المطلة على مياهه، تشغل 84.2 من سواحله، في حين تشغل إريتريا 15.6، وإسرائيل 0.2  (أُنظر الملحق ـ ب ). كما أن جُزره البالغ عددها (379) جزيرة، يدخل معظمها ضمن المياه الإقليمية للدول العربيـة الست (253 جزيرة عربيـة، أي ما نسبته 66.67)، في حين يدخـل الباقي (126 جزيرة، أي ما نسبته 33.24) في المياه الإقليمية لإريتريا، وكانت قبل استقلال إريتريا جُزراً إثيوبية . وأغلب هذه الجُزر غير مأهولة بالسكان، لفقدان المياه العذبـة، وشـدة الحرارة، وعامل المد والجُزر، وصغر مساحتها، وصعوبة تضاريسها (أُنظر الملحق ـ ج ـ).

        وتشتمل الأرض العربية المطلة على البحر الأحمر على ركائز جغرافية، أتاحت لها أن تكون مالكة لمفاتيح هذا البحر، ملاحياً واقتصادياً وأمنياً وإستراتيجياً، باعتباره بحراً تغلقه مضايق عربية. وتتضح هذه الركائز في المظاهر التالية:

  1. تتحكم مصر في أهم امتداد للبحر الأحمر وطريقه الملاحي، وهو الامتداد الشمالي، حيث ينشطر إلى فرعَيْن دقيقَيْن حول شبه جزيرة سيناء، لكل منهما خصائصه الجغرافية والإستراتيجية والأمنية والاقتصادية. فالشطر الأول يشكل خليج العقبة، الذي تطل عليه المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وإسرائيل. وتتحكم مصر في مدخله، بواسطـة شرم الشيخ واستأجرت جزيرتَي ثيران و صنافير من المملكة العربية السعودية لتحكم سيطرتها على مدخله. والشطر الثاني هو خليج السويس، ومدخله عند مضيق جوبال. ويكمن مفتاح البحر الأحمر في أقصى شماليه في قناة السويس (أُنظر الملحق ـ و ـ).
  2. تتحكم اليمن في المدخل الجنوبي للبحر، "باب المندب"، الذي يبلغ اتساعه (38) كم، وفيه جزيرة بريم اليمنية، التي تقسّـم المدخل إلى ممرين: أحدهما صالح للملاحة، والثاني ضيق كثير الجُزر، لا يصلح للملاحة.

وإذا استعرضنا الوضع الجغرافي لإسرائيل على ساحلَي البحرين المتوسط والأحمر، فإننا نلاحظ انفراج الساحل الإسرائيلي على المتوسط، في حين يبدو المنفذ الإسرائيلي إلى البحر الأحمر (خليج العقبة) ضيقاً صغيراً. وتحيط به مصر من جانب، والأردن والمملكة العربيـة السعوديـة من جانب آخر. ويرتبط بممر تتحكم فيه جزيرتان سعوديتان (ثيران و صنافير). ويسير خط الملاحة الإسرائيلية في ممر بحري، سواحله وموانئه وجُزره معظمها عربية، حتى إذا أراد أن يخرج من البحر شمالاً أو جنوباً، فعليه أن يمر عبر قناة عربية، قناة السويس، ومن مضيق عربي، باب المندب.

        هذا الوضع الجغرافي للدول العربية المطلة على البحر الأحمر، جعل الأمر يسيراً على هذه الدول، حتى إن مصر استطاعت أن تحوز التفوق البحري المطلق في البحر الأحمر طوال مدة حرب 1973، وبالتحديد من 6 حتى 28/10/1973.

        هذا عن جنوبي البحر، أمّا عن شماليه، فإن أهمية جزيرتَي ثيران وصنافير التابعتين للمملكة العربية السعودية ترجع إلى أنهما تتحكمان  في الطريق البحري إلى أربع دول، عبر خليج العقبة، هي: المملكة العربية السعودية والأردن ومصر وإسرائيل. ونظراً إلى وجود ميناء إيلات الإسرائيلي، كقاطع بري بين مصر والأردن، فإن الوجود العربي في مضايق ثيران، يحمي ميناء شرم الشيخ، ويؤمن الاتصال البحري بين مصر، من جهة، وكل من الأردن والمملكة العربية السعودية، من جهة أخرى. وهذا ما دعا كل من مصر والمملكة العربية السعودية، منذ بداية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إلى أن تتفقا على أن تشغل قوات مصرية جزيرتَي ثيران وصنافير . ومنذ ذلك الحين، تحولت هاتان الجزيرتان من الوظيفـة التجاريـة إلى الوظيفـة الدفاعيـة، وأصبحت لهما أهمية عسكرية.

        تعدّ موانئ البحر الأحمر العميقة، القادرة على استقبال السفن الكبيرة، قليلة، على الرغم من طول سواحله. ويمكن حصر موانئ الساحل الشرقي للبحر الأحمر في: ميناءَي عدن والحديدة( اليمن )، وميناءَي جدة وينبُع وحقل (المملكة العربية السعودية) وميناء العقبة(الأردن)، وميناء إيلات(إسرائيل). كما يمكن حصر موانئ الساحل الغربي للبحر الأحمـر فـي موانـئ السـويس والغردقـة وسفاجـة ورأس بنـاس والقصـير(مصـر)، وميـناءَي بـور سـودان وسـواكن (السودان) وميناءَي مصوّع وعَصَب(إريت ريا) وميناء جيبوتي(جيبوتي).

        وتتصف مياه البحر الأحمر بارتفاع نسبي في درجة الحرارة ونسبة الملوحة، إذا ما قورنت بمياه البحار الأخرى. وفيه قدر كبير من الماء الأُجاج الساخن، الذي يحتوي على نسبة كبيرة من الأملاح المنبعثة من بعض المعادن الثقيلة.

        يتصف البحر الأحمر بأن رصيفه القارّي ضيق (يراوح ما بين 9 و 150 كم)، وقد ينعدم في بعض المناطق، غير أنه، بوجه عام، يتسم بالضيق في الشمال والاتساع النسبي في الجنوب. فضلاً عن أنه أضيق على الساحل الأفريقي منه علي الساحل الآسيوي. كما أن عدم التناسب بين طول السواحل والمساحة المائية، يعني قدرة السواحل على التحكم في البحر.

        يوجد على البحر الأحمر ثلاثة مضايق هي: باب المندب، وجوبال، وثيران(أُنظر الملحقين ـ ح، ط ـ).

1. مضيق باب المندب

        يقع جنوبي البحر الأحمر، وتحده من الشرق اليمن، ومن الغرب إريتريا وجيبوتي، ولا يزيد اتساعـه علـى 32 كم. وتتحكم في مدخله جزيرة بريم، وتبلغ مساحتها نحو 13 كم2. وتقسم جزيرة بريم مضيق باب المندب إلى ممرين: الشرقي ويسمى "باب الإسكندر"، وعرضه نحو 1.5 كم. أمّا الممر الغربي، فعرضه نحو 28 كم، وهو الممر الرئيسي للملاحة. ولا يستخدم الممر الشرقي غالباً، لضيقه وانتشار الشعاب المرجانية فيه. ويعتبر باب المندب بوابة البحر الأحمر التي تصله بالخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي. ويتحكم في المضيق قاعدة عدن البحرية على الساحل الآسيوي، وميناء جيبوتي على الساحل الأفريقي.

2. مضيـق جوبال

        يتحكم في مدخل خليج السويس، الذي يعدّ الذراع الشمالية الغربية للبحر الأحمر. ويوجد في مدخله مجموعة من الجُزر، مثل: جوبال وطويلة وشدوان، وهي جُزر صخريـة جرداء. ومضيق جوبال هو المدخـل إلى قناة السويس.

3. مضيـق تيـران

        يتحكم في مدخل خليج العقبة، الذي يشكل الذراع الشمالية الشرقية للبحر الأحمر. وتقسِّم جزيرتا ثيران وصنافير المدخل إلى ثلاثة ممرات: واحد منها صالح للملاحة، وهو الواصل بين جزيرة ثيران وسيناء، وعرضه 5.9 كم. أمّا الممران الآخران، فيتميزان بضحل مياههما.

        ويثير هذا المضيق أكثر من مشكلة سياسية وقانونية، في آن واحد. فإسرائيل تصرّ على وصف خليج العقبة بأنه من البحار المفتوحة للملاحة الدولية. وهذا ما تم الاتفاق في شأنه في المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية (1979). في حين ترى أطراف عربية أخرى، أن خليج العقبة هو خليج مغلق، ينطبق عليه حكم الخلجان التاريخية، التي تخضع لسيادة الدول المطلة عليه، نظراً إلى أن استخدامه ظل طوال العهود القديمة قاصراً على الدول التي تطل عليه، ولم يستخدم للملاحة الدولية. ويعني هذا أن مضيق ثيران لا يعتبر مضيقاً دولياً، لأنه لا يفصل بين بحرَيْن عامَيْن.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة