الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الجزر الجنوبية
دول البحر الأحمر
مضيق ثيران
2. الجُزر اليمنية

         يبلغ طول ساحل اليمن على البحر الأحمر 442 كم (أُنظر الخريطة في الملحق ـ ح ـ). وعلى الرغم من قلة أعداد الجُزر الواقعة على الساحل، نسبياً، إلاّ أن هذه الجُزر اليمنية ـ وعددها 41 جزيرة ـ  أدّت دوراً تاريخياً منذ أقدم العصور، من الناحيتَيْن التجارية والعسكرية. وفي ما يلي أهم هذه الجُزر:

أ.

مجموعة جُزر "كمران". وأكبرها جزيرة "كمران"، التي تبلغ مساحتها 205 كم2، وتبعد عن الساحل اليمني 12 كم. وسطح الجزيرة منخفض لا يزيد ارتفاعه على 24 متراً. وهي مأهولة بالسكان، وقد قُدِّر عدد سكانها، عام 1974، بحوالي 3500 نسمة. ويروَى أن تسميتها جاءت من اعتقاد بأنه تحت ظروف معينة، فإن انعكاس القمر على المياه المحيطـة بالجزيرة، يمكن رؤيتـه على كلا جانبي الجزيـرة في وقت واحد. ويوجد في الجزيرة أربع قرى.

ب.

جزيرة "زقر": توجد مجموعة من الجُزر بالقرب من مدخل البحر الأحمر، أكبرها جزيرة "زقر"، ويبلغ ارتفاعها 827 متراً. وهي جزيرة بركانية قاحلة، فيها عدد من المخاريط المرتفعة، وشكلها غير منتظم.

ج.

مجموعة جُزر "حنيش": وعددها 32 جزيرة، وأهمها "حنيش الكبرى". وهي أعلى جُزر البحر الأحمر قاطبة. أمّا جزيرة "حنيش الصغرى"، فتقع إلى الشمال الشرقي منها، وهي مرتفعة أيضاً. وكلتاهما من الجُزر البركانية.

وتعدّ الجُزر اليمنية: "حنيش الكبرى" و "حنيش الصغرى" و "زقر"، ذات أهمية إستراتيجية، بسبب قربها من باب المندب، وإشرافها على خطوط الملاحة في جنوبي البحر الأحمر.

يقدر طول "حنيش الكبرى" بحوالي 70 كم، وأقصى ارتفاع فيها 407 أمتار. أمّا الجزيرة الثانية "حنيش الصغرى"، فإن مساحتها أصغر من مساحة الجزيرة الأولى، وأقصى ارتفاع فيها 191 متراً. وهي تبعد 3 كم عن جزيرة "زقر"، وحوالي 65 كم غرب "رأس موتانا" على الساحل اليمني.

د.

جزيرة "بريم": تقع في مضيق باب المندب. وتبلغ مساحتها 12.8 كم2. وتغطي سطحها الصخور البركانية. وفيها عدد قليل من السكان. ولا يوجد فيها مياه عذبة. وتعرف الجزيرة، جغرافياً، باسم "مفتاح باب البحر الأحمر" (The key of the door to the Red Sea).

هـ.

مجموعة جُزر "الزبير": تقع إلى الشمال من جُزر "زقر" و "حنيش"، وجنوب غرب جُزر "كمران"، وعلى بعد 54 كم منها. ويبلغ عددها 9 جُزر، أكبرها مساحة جزيرة "جبل الزبير".

3. الجُـزر المصرية

         توجد في المياه الإقليمية المصرية في البحر الأحمر ست وعشرون جزيرة، تتفاوت مساحاتها، ويختلف تكوينها الجيولوجي. ويقع أغلبها قريباً من خط الساحل المصري، وعند مداخل خليجَي العقبة والسويس، حيث تزداد أهميتها الدفاعية. وفي ما يلي أهم هذه الجُزر:

أ.

جُزر "جوبال": هي مجموعة صغيرة من الجُزر، أهمها "جوبال الكبيرة" و"جوبال الصغيرة". وتبعد المجموعة عن "رأس جمسة"، على الساحل المصري، 18 كم. وتبلغ مساحة جوبال الكبيرة 9.6 كم2، ويصلها بجوبال الصغيرة حاجز مرجاني ضحل. والجزيرتان تسيطران على ممرات الملاحة الرئيسية، عند المدخل الجنوبي لخليج السويس.

ب.

جزيرة "طويلة": تقع جنوب جزيرة جوبال بنحو 3.2 كم. ومساحتها 19.2 كم2. وهي ذات أهمية عسكرية، نظراً إلى وقوعها بين جزيرة جوبال الكبيرة وجزيرة شدوان، وقربها من خط الملاحة الرئيسي، ووجود مرفأ صغير ونقطة حراسة فيها.

ج.

جزيرة "شدوان": مساحتها 38.4 كم2. وتتألف كتلتها الرئيسية من الصخور الجرانيتية. وفيها سلسلة جبلية، يبلغ أقصى ارتفاع لها 300 متر. وتمثل الجزيرة بداية المدخل الجنوبي لمضيق جوبال، بين خليج السويس والبحر الأحمر. ويقع في طرفها الغربي الممر الملاحي الرئيسي، الذي تبعد عنـه جزيرة جوبال الكبيرة مسافة لا تزيد على 2 كم. وهي محاطة بمياه عميقة (200م). وفيها منارة بحرية ومنشآت عسكرية ومهبط للطائرات ومرسى بحري. وللجزيرة أهمية إستراتيجية كبيرة. فهي تتحكم في الحركة الملاحية المتجهة إلى مضيق جوبال. كما تتحكم في الممرات المائية الصالحة للملاحة، التي تتخلل الشعاب المرجانية.

د.

جُزر "الجفاتين": هي ثلاث جُزر في مواجهة الساحل، عند مدينة الغردقة. أهمها جزيرة "جفتون الكبير"، التي تبلغ مساحتها 12.8 كم2، وتبعد عن مدينة الغردقة 5 كم.

4. الجُزر السودانية

         توجد في المياه الإقليمية السودانية ست وثلاثون جزيرة، متفاوتة المساحة. أكبرها جزيرة "مكور"، التي تبلغ مساحتها 16.5 كم2. وأهم هذه الجُزر:

أ.

مجموعة جُزر "سواكن": وهي مجموعة كبيرة من الجُزر صغيرة المساحة. وتبتعد عن الساحل السوداني مسافات متفاوتة، يبلغ أقصاها 160 كم شرقاً. وتنتشر فيما بين هذه الجُزر الشعاب المرجانية والصخور، التي تشكل عقبات ملاحية. ولكنها تشكل، في الوقت نفسه، مانعاً طبيعياً ضد أي اعتداء، يأتي من جهة البحر، وذلك لصعوبة الملاحة فيها.

ب.

جزيرتا "سواكن" و"قوارنتين": جزيرتان صغيرتان قريبتان من مدخل ميناء سواكن. وقد تم وصلهما بالميناء بسكة حديد وطرق معبدة. وأصبحت الجزيرتان موضعاً لأحياء سكنية تابعة لمدينة سواكن.

5. الجُزر الإريترية

         لإريتريا في البحر الأحمر 126 جزيرة، متفاوتة في مساحاتها، ومتغايرة في تكوينها الجيولوجي. وفي ما يلي أهمهــا:

أ.

جزيرة "دهلك الكبير": هي أكبر الجُزر الإريترية. فمساحتها تزيد على 700 كم2. وتبعد عن الساحل حوالي 43 كم شرقاً. وعلى ساحلها عدد من المراسي للسفن التي تتجه إلى ميناء مصوّع، وأراضيها صالحة للزراعة. وأغلب سكانها مسلمون من أصل عربي (اليمن والسودان)، ويعملون في الزراعة والصيد والرعي. وفي الجزيرة عدة قرى، منها: دهلك الكبير، كوباني، دوبيلو، سلات، دروبوشات، مملا.

ونظراً إلى موقع الجزيرة الإستراتيجي، القريب من باب المندب، ومن خطوط الملاحة الرئيسية في البحر الأحمر، فقد حاولت القوى العالمية الكبرى التمركز فيها، لإنشاء قواعد عسكرية، خاصة أن في الجزيرة مطاراً ومهبطاً للطائرات العمودية وأرصفة عائمة ومحطات للاتصالات ومنارات (فنارات) لإرشاد السفن، إلى جانب ثروات اقتصادية، كالزراعة ومصايد الأسماك واللؤلؤ.

ب.

جزيرة "مصوّع": تقع بجوار الساحل الإريتري، قريباً من ميناء مصوّع. ونظراً إلى أهميتها، فقد تم وصلها بالميناء بسكة حديد وطريق معبد. وفيها قاعدة بحرية وقاعدة جوية.

ج.

جزيرة "فاطمة": تقع عند مدخل خليج عَصَب. وتبعد عن الساحل 10 كم، وعن جزيرة بريم اليمنية حوالي 60 كم. ومساحتها 8 كم2. وهي ذات أهمية إستراتيجية، لمجاوَرتها الممر الملاحي في جنوبي البحر الأحمر، وهي تصلح للاستخدام كميناء عسكري، وفيها مطار.

د.

جزيرة "حالب": أكبر جُزر خليج عصب. وتقع جنوبي جزيرة فاطمة بمسافة 5 كم. وتبلغ مساحتها 22 كم2، وتكسوها الأشجار. وفيها قاعدة بحرية، ولهذا، فهي ذات موقع إستراتيجي مهم.

هـ.

جزيرة "دوميرا": هي أبعد الجُزر الإريترية جنوباً في البحر الأحمر. وتقع على بعد 24 كم شمال غربي باب المندب. وتشرف على الممرات الملاحية، شماله. وتشكل تهديداً مباشراً لجزيرة "بريم" اليمنية.

الوضـع القانونـي

         تعدّ "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، الموقعة في10/12/1982، الإطار القانوني الذي يحكم القانون الدولي للبحار بأنواعها (البحار المفتوحة، البحار شبه المغلقة، البحار المغلقـة). ويعتبر البحر الأحمر، بخصائصه الجغرافية، بحراً شبه مغلق (Semi - enclosed sea).وقد عرّفت المادة 122 من الاتفاقية البحر شبه المغلق، بأنه "كل خليج أو حوض أو بحر، تحيطه دولتان أو أكثر، ويتصل بالبحار المفتوحة بمنفذ ضيق".

         وتحدد الاتفاقية المنطقة الإستراتيجية البحرية بـ 200 ميل بحري ( 3700 كم )، بدءاً من الساحل. ونظراً إلى أن أقصى عرض للبحر الأحمر، هو 204 كم، فإنه يصبح منطقة إستراتيجية ومنطقة اقتصادية خالصة للدول المطلة عليه. وهو ما يمنح هذه الدول سيادة كاملة على الموارد الجيولوجية والمعدنية وغيرها من الثروات الموجودة فيه. وهو، بذلك، يخضع كله لسيادة هذه الدول. وهي، باستثناء إسرائيل وإريتريا، دول عربية.

         وتتبنّى اتفاقية 1982 حق المرور العابر (Passage en Transit)للملاحة الدولية في المضايق، بموجب المادة (37). ويقصد بالمرور العابر، وفقاً للمادة (38) من الاتفاقية، ممارسة حرية الملاحة والتحليق لغرض وحيد، هو العبور المتواصل السريع في ذلك المضيق، بين جزء من البحار العالية أو منطقة اقتصادية خالصة وجزء آخر من البحار العالية أو منطقة اقتصادية خالصة أخرى. وتنطبق أحكام هذه المادة على مضيق باب المندب. أمّا مضيق ثيران، فقد كفلت معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية (26/3/1979) حق المرور الحر فيه.

         وتجدر الإشارة إلى أن المادة (123) من الاتفاقية، تقضي بضرورة التعاون بين الدول الواقعة على سواحل البحار المغلقة وشبه المغلقة، بغية إدارة واستكشاف واستغلال وحماية الثروات الموجودة فيها. إذ تنصّ تلك المادة على أن تلتزم الدول المطلة على بحار مغلقة أو شبه مغلقة بالتعاون فيما بينها، على ممارسة ما لها من حقوق وما عليها من واجبات. وسعياً إلى هذه الغاية، فإن عليها أن تقوم، إمّا مباشـرة أو من طريق منظمة إقليمية مناسبة، بما يلي:

  1. تنسيق إدارة الموارد الحية للبحر وصَوْنها واستكشافها.
  2. تنسيق أعمال حقوقها وواجباتها، في ما يتعلق بصَوْن البيئة البحرية.
  3. تنسيق سياساتها البحثية العلمية، من طريق برامج مشتركة للأبحاث العلمية في المنطقة.
  4. دعوة غيرها من الدول أو المنظمات الدولية المهتمة بالأمر ـ حسب مقتضى الأحوال ـ إلى التعاون معها على العمل على تنفيذ هذه الواجبات.

ثالثاً: المتغيرات في البحر الأحمر

         شهد إقليم البحر الأحمر، في التسعينيات من القرن العشرين، عدداً من المتغيرات، التي ولد معظمها من التطورات الجذرية، التي حدثت في الساحة الدولية، وأثّرت في شكل النظام العالمي وطبيعته، وانعكست، بالضرورة، على المناطق الإقليمية، إضافة إلى متغيرات أخرى على المستويين الإقليمي والمحلي:

1. انتهاء الحرب الباردة

         أدى انهيار الاتحاد السوفيتي وغيابه كقوة عظمى، وانتهاء الحرب الباردة، إلى انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على مقاليد الأمور في العالم. وأدى ذلك إلى تداعيات متباينة في مختلف أنحاء العالم، وفي المناطق المحيطة بالبحر الأحمر. ففي منطقة الشرق الأوسط، اتجهت أطراف الصراع العربي ـ الإسرائيلي إلى تسوية هذا الصراع بالتفاوض، في ظل اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل. وفي أفريقيا، خفّت حدّة الصراعات داخل القارة، وبدأت تصفيتها أو حسمها بشكل يخدم الأهداف والمصالح الغربية بصفة عامة، والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة. وفي البحر الأحمر، دانت موازين القوى للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، إضافة إلى تكثيف الوجود البري والبحري والجوي الأمريكي المباشر في المنطقة، وهو الأمر الذي غيّر تفاعلات القوى الإقليمية في البحر الأحمر مع النفوذ الدولي الجديد.

2. حرب الخليج الثانية

         أوضحت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980ـ1988)، ثم حرب الخليج الثانية (1990ـ1991) بعد غزو العراق للكويت، أن البحر الأحمر، وكل الدول المطلة على سواحله، والقوى الأجنبية العاملة فيه، كانت طرفاً بشكل ما في الحرب. وهو ما يؤكد ارتباط منطقة البحر الأحمر بمنطقة الخليج العربي، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بحكم ما هو قائم بينهما من ارتباط عضوي.

         وقد تركت حرب الخليج الثانية، بصفة خاصة، آثارها في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنيـة في منطقة البحر الأحمر، نظراً إلى سيطرة الدول المطلة على مضايقه، خاصة مضيق باب المندب، وحاجة القوات الأجنبية المشتركة في حرب الخليج الثانية إلى استخدام التسهيلات في بعض موانئ البحر وجُزره. وقد نتج من ذلك كله سيطرة القوى الأجنبية على أمن البحر الأحمر، وتغيُّر شبكة العلاقات بين دول إقليم البحر الأحمر والدول العظمى والكبرى، بما يخدم إستراتيجيات القوى الأجنبية ومصالحها.

3. استقلال إريتريا

         بناء على الاستفتاء في حق تقرير المصير والاستقلال، الذي جرى في إريتريا في 21/4/1993، أعلن رسمياً استقلال إريتريا في 24/4/1993. وتبع ذلك حصولها على الاعتراف الدولي، والموافقة على انضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية.

         بزغت إريتريا، بعد استقلالها، كقوة تبحث عن دور إقليمي لها في البحـر الأحمـر، خاصة أنها تمتلك ميناءي مصوّع وعَصَب، إضافة إلى مجموعة من الجُزر التي تسيطر على الممر الملاحي بالبحر. وهذا ما يدفعها إلى أن تلعب دوراً في السيطرة على مضيق باب المندب. من هنا، كان سعي الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى احتضان إريتريا، للحفاظ على مصالحهما في منطقة البحر الأحمر.

4. الوحدة اليمنيــة

         أدّت الوحدة بين دولتَي اليمن في الشمال والجنوب، في 21/5/1990، إلى ميلاد دولة جديدة، لها موقع إستراتيجي مهم، يشرف على باب المندب، ويطل على كل من البحر الأحمر والمحيط الهندي. ويتوقع ازدياد أهمية اليمن بظهور النفط فيها، وهو ما سوف يؤدي إلى زيادة قدراتها الشاملة، وقدراتها على التأثير في البحر الأحمر، خاصة أن موقعها الجغرافي جعلها تتمتع بأهمية إستراتيجية وجغراسياسية وجغرإستراتيجية في المنطقة. كما أوجد نوعاً جديداً من العلاقة بين الدولة الجديدة ودول المنطقة، إذ أصبح اليمن الموحد قادراً على السيطرة على مضيق باب المندب وعمق البحر الأحمر، إضافـة إلى إمكانيـة قيامـه بـدور رئيسي في منطقـة المحيـط الهندي. ومن هنا، كان اختلاق أزمة جُزر حنيش بين اليمن وإريتريا.

5. جُـزر "حنيش"

         تمثل أزمة جُزر حنيش، التي بدأت في 12/11/1995، منعطفاً حاداً في العلاقات بين اليمن وإريتريا. فقد حرصت الدولتان على الاحتفاظ بعلاقات سياسية مستقرة بينهما، منذ استقلال إريتريا في العام 1993. بيد أنه في 12/11/1995، وجهت إريتريا إنذاراً إلى مواطني الجزيرة اليمنيين وحاميتها العسكرية اليمنية، بمغادرة الجزيرة. وفي يوم 15/12/1995، غزت القوات الإريترية جزيرة "حنيش الكبرى" واحتلتها. وقد أصبح هذا الاحتلال بؤرة قابلة للتوتر والتصعيد حتى الصراع المسلح، إن لم تنجح الوسائل السلمية في حله. وفي جميع الأحوال، فقد أدت هذه الأزمة إلى نشوء صراع إقليمي يؤثر سلباً في أمن البحر الأحمر، ويفتح المجال واسعاً لتدخلات قوى أجنبية في أمن دول المنطقة ومصالحها، خاصة أن لإسرائيل دوراً في خلق هذه الأزمة. وهو دور تعود جذوره إلى العهد الذي كانت فيه إريتريا جزءاً من إثيوبيا، حين وثّقت إسرائيل علاقاتها بإثيوبيا، سواء في العهد الإمبراطوري أو في العهد الجمهوري الماركسي، الذي خلفه. واستطاعت إسرائيل، من خلال تلك العلاقات، أن تحصل على "موطئ قدم"، فتؤسس وجوداً عسكرياً، وتقيم مراكز مراقبة في الجُزر والموانئ الإثيوبية، التي أصبحت إريترية فيما بعد، مثل جُزر "دهلك"، و"حالب"، و"فاطمة"، وميناءي "عصب" و"مصوّع". وقد ترسخ هذا الوجود عقب حرب 1967، ووجدت إسرائيل منفذاً إلى الثورة الإريترية، بعد الاجتماع الذي عُقد في روما، العام 1975، وحضرته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل وبعض المؤسسات الدولية، بهدف مواجهة ما سمي بـ "النفوذ العربي المُقبل في البحر الأحمر"، خاصة بعد حرب 1973. ومن بين التدابير التي قُررت، اقتناص الثورة الإريترية، بإقامة تنظيم طائفي، يقوده أسياسي أفورقي. وبالفعل، انشق أفورقي عن قيادة الثورة، وبدأ ينفذ ما أوكل إليه. واستطاع أن يضع يـده على الحـكم، ويرأس الدولـة في إثر الاستقلال. وقد هرعت إسرائيل إلى مساعدة النظام الجديد، اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً واستخباراتياً. وبذلك تواصل وجودها وترسخ في الجُ زر والموانئ التي أشرنا إليها. وقد شملت المساعدات الإسرائيلية زوارق دورية بحرية، وإنشاء مطار في جزيرة "دهلك"، وتسليح الجيش الإريتري الذي بُدئ بتشكيله.

         ونظراً إلى أن إسرائيل تعدّ باب المندب منفذاً بحرياً جد مهم، بالنسبة إلى ملاحتها وصِلاتها بأفريقيا وآسيا، وإلى أن اقتناص جزيرة "حنيش" من اليمن، بواسطة الدولة الجديدة إريتريا، يساعد على تحقيق سلامة الملاحة الإسرائيلية عبر باب المندب، فقد شجعت إسرائيل الحكومة الإريترية على غزو الجزيرة واحتلالها.

         ومما ساعد إسرائيل على هذا التدخل، وإريتريا على الغزو والاحتلال، مساندة بعض القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، إذ لهما قوات بحرية وبرية وجوية ضخمة في المنطقة أو قربها. وإذا كانت فرنسا وضعت يدها على القضية، من خلال وساطتها لحل النزاع بطريقة التحكيم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أنها لا تتخذ أي موقف في شأن "نزاع السيادة" على الجزيرة، وتقف على الحياد. ورفضت إدانة الغزو الإريتري، أو وصف إريتريا بالدولة المعتدية.

6. التسوية السلمية للصراع العربي ـ الإسرائيلي

         لا شك في أن توجُّه أطراف الصراع العربي ـ الإسرائيلي نحو تسوية هذا الصراع، وحل مشكلاته بطريقة التفاوض، التي انطلقت في إثر انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، في 30/10/1991، قد أثر في وضع البحر الأحمر وشبكة العلاقات والتفاعلات في منطقته، خاصة بالنسبة إلى إسرائيل، التي شعرت بتخفيف بعض القيود المفروضة على تحركاتها وعلاقاتها في دائرة البحر الأحمر. وقد استفادت إسرائيل من ذلك بتكثيف وجودها العسكري البحري، وترسيخه في بعض موانئ البحر وجُزره.

7. الســودان

         للسودان أهمية خاصة في دائرة أمن البحر الأحمر. فهو يطل على البحر بساحل يبلغ طوله 498 كم. وقد شُغلت حكومته بالتصدي للحركات الانفصالية في الجنوب. وفي الوقت نفسه، تعقدت علاقاته وساءت مع مصر. وقد أثر ذلك كله سلبياً بدور السودان في البحر الأحمر.

8. الصومال

طوال عقد التسعينيات، عاشت الصومال حالة تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، نتيجة لتقاتل الفصائل المسلحـة في حرب أهليـة، أدت إلى إعلان "جبهة الحركة الوطنية للصومال" انفصال شمالي البلاد عن جنوبيها، وتكوين دولة جديدة في الشمال، أطلق عليها اسم "أرض الصومال" وعاصمتها "هرجيسيا". في حين استمر الصراع المسلح في الجنوب، وأدى إلى تدمير البنْية السياسية والاقتصادية للدولة والمجتمع، على الرغم من التدخل الأمريكي، في ديسمبر 1992، بعملية سميت "تأمين الإغاثة". وقد أعقب وصول المساعدات والقوات الأمريكية إلى الصومال، وصول قوات متعددة الجنسيات من دول كثيرة، تلبية للنداء الذي وجهتـه الأمم المتحـدة. وقد اضطرت هـذه القوات جميعها إلى الانسحاب من الصومال، في شهر مارس 1995، بعد أن انسحبت القوة الأمريكية قبل عام من ذلك، دون التوصل إلى فرض الاستقرار أو توفير أسبابه. وقد أدى ذلك كله إلى انحسار دور الصومال في شؤون البحر الأحمر والقرن الأفريقي.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة