|
خامساً: تطور القتال من 14 إلى 17 أبريل 1996
1. تطور الموقف العسكري، يوم 14 أبريل
في اليوم الرابع للقتال، واصلت طائرات القتال الإسرائيلية قصفها للأراضي اللبنانية. كما قصفت مواقع المقاومة اللبنانية، خارج المنطقة المحتلة في جنوبي لبنان، وردت ميليشيا حزب الله، بإطلاق 16 صاروخ كاتيوشا، في اتجاه شمالي إسرائيل.
وذكرت وكالة "رويتر Reuter " ، في تقرير لها، أن الطيران والمدفعية الإسرائيليين، قصفا قرى جنوبي لبنان، بنحو 3 آلاف قذيفة، خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية. وأن نحو 200 ألف لبناني، فرّوا من 49 قرية، كانت إسرائيل قد أعلنت أنها ستكون مسرحاً لعملياتها العسكرية. كما شمل القصف الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وموقعاً للجيش السوري، وعدداً من مواقع الجيش اللبناني، كما فرضت القوات الإسرائيلية حصاراً بحرياً على ميناء بيروت وموانئ الساحل اللبناني كلها. وذكرت إذاعة إسرائيل "أن القصف الإسرائيلي، استهدف جميع المناطق اللبنانية، الواقعة شمالي حدود إسرائيل، التي تتخذها المقاومة قاعدة لإطلاق صواريخها على إسرائيل. وبلغ عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على لبنان، منذ بدء القصف، نحو 44 قتيلاً، وإصابة 80 آخرين، معظمهم من المدنيين.
وذكرت المصادر الفرنسية ، أن إسرائيل دفعت تعزيزات عسكرية جديدة، إلى مواقعها في جنوبي لبنان المحتل، شملت بطاريتَي 155مم، ذاتيَي الحركة وبطاريتَي 175مم، وبطارية 203مم، وعدداً من الدبابات. كما نشرت قوات إضافية، قدِّرت بنحو لواء مدرع، على طول حدودها مع لبنان. وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، نقلاً عن القوة الدولية، المرابطة في لبنان، أن خمسة آلاف لبناني، لجأوا إلى مراكز قوة الأمم المتحدة، ليحتموا من القصف الإسرائيلي. وصرح تيمور جوكسيل، المتحدث باسم القوة الدولية، أنه سمح للسكان بالإقامة بمحاذاة مواقع قوات الأمم المتحدة، بسبب القصف المدفعي الإسرائيلي المستمر على الطرقات. كما أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة، أن قائد قوات حفظ السلام، التابعة للمنظمة الدولية، في جنوب سيناء، احتج لدى إسرائيل على الغارات الجوية، التي تشنها على قرى، تقع في منطقة عمليات قواته وحولها، وأن ذلك يعرض القوات الدولية لأخطار جسيمة.
2. أعمال قتال يوم 15 أبريل، وردود الفعل، الدولية والإقليمية
أ. الموقف العسكري وتطوره، يوم 15 أبريل
تصاعدت العمليات العسكرية، بين إسرائيل وحزب الله، إلى مرحلة خطيرة. إذ اعترف متحدث عسكري إسرائيلي، بأن المقاومة اللبنانية، قصفت مدينة صفد، في شمالي إسرائيل. وأضاف المتحدث، أن قوات المقاومة، استخدمت في ذلك صواريخ ذات مدى أبعد من تلك، التي تستخدمها في قصف المستوطنات في الجليل الأعلى.
وخلال اليوم الخامس للقتال، أغارت الطائرات الإسرائيلية على مناطق متعددة، داخل لبنان، مركزة في مدينتَي صور والنبطية، وضاحية بيروت الجنوبية، حيت تتركز منشآت حزب الله، مما أسفر عن إصابة خمسة أفراد. وبذلك، يصل عدد الضحايا اللبنانيين، على مدار الأيام الخمسة للقتال، إلى 50 قتيلاً على الأقل، وإصابة 100 آخرين.
وأدّى القصف الإسرائيلي لمدينة صور، إلى نزوح أكثر من نصف سكانها إلى بيروت. ووجهت الحكومة اللبنانية نداءً إلى السكان، يطلب منهم عدم الاستجابة للإنذارات الإسرائيلية، وترك المنازل، وأن الموقف يقتضي عدم الهرب، ويوجب عليهم مواجهة العدوان ؛ إذ كانت إسرائيل، قد وجهت إنذاراً جديداً إلى سكان سبع مدن وقرى في الجنوب، بما في ذلك مدينة صور، لإخلائها قبل شن المزيد من الهجمات الجوية.
كما أطلقت وسائل الدفاع الجوي اللبناني، نيرانها على الطائرات الإسرائيلية المغيرة، وتمكنت من إسقاط طائرتين عموديتين إسرائيليتين، من نوع "أباتشي"، إضافة إلى طائرة استطلاع بلا طيار، وذلك من بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان.
أمّا حزب الله، فقد أطلق أكثر من 70 صاروخاً، من نوع كاتيوشا، على شمالي إسرائيل ، مما أسفر عن إحداث خسائر مادية كبيرة، وإصابة بعض الأفراد، ولجوء جميع سكان المستوطنات إلى الملاجئ. واعترف الجنرال أميرام ليفين، قائد المنطقة الشمالية، بأنه على الرغم من العمليات العسكرية واسعة النطاق، داخل لبنان، فإن ذلك لم يوقف صواريخ المقاومة على شمالي إسرائيل. وأضاف ليفين، أن إسرائيل، ستواصل عملياتها العسكرية، في محاولة لكسر المقاومة العنيفة.
وفي محاولة لردع إسرائيل، عرض حزب الله صوراً لأفراد "كتائب الاستشهاد"، وهم يرتدون قمصان المتفجرات، استعداداً للقيام بعمليات ضد أهداف إسرائيلية، ويرددون قَسَم الشهادة، مؤكدين عزمهم على الانتقام لدماء الأطفال والسيدات من الشهداء، وأنهم عازمون على زلزلة الأرض تحت أقدام إسرائيل، من الداخل. وهذا ما دعا القيادة الإسرائيلية إلى إعلان حالة التأهب القصوى، في جميع المنشآت، داخل إسرائيل، إضافة إلى المراكز اليهودية الأخرى، بما فيها السفارات، في جميع أنحاء العالم.
ب. المواقف على الساحتين، الدولية والإقليمية
(1) الموقف الأمريكي
صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جلين ديفيز بـ "أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد كثفت جهودها، خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، لمحاولة نزع فتيل المâقف المشتعل في لبنان، واستعادة الهدوء على طول الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية". وذكر المتحدث أن وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر، قام بعدة اتصالات مع كل من وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، ورئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، ووزير الخارجية اللبناني، فارس بويز، ومع كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء، شيمون بيريز، من أجل التمهيد لزيارته إلى المنطقة، سعياً إلى وقف القتال.
وأوضح ديفيز، أن حزب الله، هو الذي بدأ بإطلاق صواريخ الكاتيوشا على شمالي إسرائيل، ما أدى إلى مواصلة إسرائيل لغاراتها الجوية على لبنان، وإطلاقها نيران مدفعيتها على القرى اللبنانية. وأشار إلى أن الإسرائيليين، يركزون عملياتهم في نطاق حزام، عرضه 20 ميلاً، جنوبي لبنان .
وبسؤال المتحدث عمّا إذا كان ذلك، يبرر ما فعلته إسرائيل في بيروت، من قصف لعربات الإسعاف، وقتْل الأطفال؟ فقال إن ذلك مأساة شنيعة، ولا جدال في ذلك. ولكن المهم، أن نظل نركّز في أن العنف، يجب أن توضع له نهاية، وأن العنف راجع إلى صواريخ الكاتيوشا، التي أطلقها حزب الله على شمالي إسرائيل.
وفي الأمم المتحدة، تحركت الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل عرقلة انعقاد مجلس الأمن، في شأن الشكوى اللبنانية، التي قدمت إليه يوم 12 أبريل 1996. بل إن مادلين أولبرايتMadeleine Albright، المندوبة الأمريكية إلى المجلس، حاولت، بشتى الطرق، نسف عقد هذا الاجتماع من الأساس، وهددت باستخدام حق الاعتراض ( Veto )، إذا حاول المجلس إدانة إسرائيل.
أمّا المتحدث باسم البيت الأبيض، فناشد حزب الله، مجدداً، وقف هجماته على شمالي إسرائيل، التي وصفها بالاستفزازية. وطالب بإنهاء دورة العنف في المنطقة. وأكّد المتحدث الأمريكي أنه يجب أن تشعر إسرائيل بالأمان، لكي تتقدم عملية السلام في الشرق الأوسط إلى الأمام .
(2) الموقف الفرنسي
في اليوم الخامس للقتال، الخامس عشر من أبريل 1996، اجتمع وزير الخارجية الفرنسي، هيرفيه دي شاريت، في القدس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، شيمون بيريز، من أجل التوصل إلى صيغة مناسبة لوقف الهجمات الإسرائيلية على لبنان. وأعلن دي شاريت، أنه سيزور، من الفور، كُلاًّ من دمشق وبيروت، من أجل الغرض نفسه. وأكّدت فرنسا، في بيان لرئاسة الجمهورية، أن تفاقم الوضع في لبنان وشمالي إسرائيل، واستمرار المواجهة، يشكلان خطراً كبيراً على مسيرة السلام في الشرق الأوسط. وأعربت فرنسا عن اقتناعها بأنه لا يمكن حل الأزمة بالوسائل العسكرية، ودعت الأطراف المعنية إلى التحلّي بروح المسؤولية، ورباطة الجأش، واتخاذ قرار بوقف إطلاق النار في إسرائيل. وأضاف البيان، أن فرنسا تتابع بقلق أعمال العنف، وعمليات الرد، التي تصيب المواطنين في إسرائيل ولبنان، وما أدّت إليه من خسائر، واضطرار المدنيين اللبنانيين إلى الهرب من منازلهم.
وفي باريس، وبعد لقاء رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، الرئيس الفرنسي، أوضح الحريري، في مؤتمر صحفي، أنه "إذا استمرت إسرائيل في قصف لبنان، فإنه يمكن القول وداعاً لعملية السلام" . وأشار الحريري إلى أنه يتوقـع من فرنسا، أن تفعل كل ما من شأنه ضمان وقف إطلاق النار، الآن، في لبنان، معرباً عن أمله في نجاح جولة هيرفيه دي شاريت، وأضاف أن الحل الوحيد، هو وقف إطلاق النار، وتطبيق اتفاق عام 1993، بين إسرائيل وحزب الله، الذي يمنع القيام بأي هجوم ضد السكان المدنيين. وقال إنه إذا أردنا تسوية المسألة تماماً، فإنه من الضروري تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم (425)، الذي يقضي بانسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان، من دون شروط.
(3) الموقف الإسرائيلي
في إسرائيل، عقد شيمون بيريز جلسة مشاورات، مع كل من وزير الخارجية، باراك، ومدير عام وزارة الخارجية، أوري سافير، وسفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى إسرائيل، مارتن إنديك Martin Indyk، لمناقشة تطورات الموقف، في ضوء الزيارة المنتظرة لوزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر، إلى المنطقة، ودراسة إمكانية بلورة اتفاق تفاهم جديد، لوضع حدّ للتصعيد في المنطقة الشمالية. وأشاد بيريز بدعم واشنطن ولندن لإسرائيل. وقال: "إن دولاً، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى إلى التوصل إلى حل. وإذا وجد حل مقبول، فسندرسه". ورأى بيريز أن العملية الإسرائيلية، بدأت تؤتي ثمارها، وأن تأثير صواريخ الكاتيوشا، أصبح محدوداً جداً.
ومن ناحية أخرى، نقلت إذاعة إسرائيل ، عن أرييل شارون Ariel Sharon، عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود، أن عملية الجيش الإسرائيلي، ضد أهداف حزب الله في لبنان، قد أدّت إلى إمكانية توسيع المنطقة الأمنية، التي تحتلها إسرائيل، إلى معابر نهر الليطاني. واستطرد قائلاً إنه يجب أن يشمل قرار وقف إطلاق النار، ليس المناطق الشمالية فقط، بل المنطقة الأمنية بأسرها كذلك، ومنع وقوع أعمال ضد الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة، وعدم السماح بعودة المدنيين، الذين ساعدوا حزب الله.
(4) الموقف السوري
استمرت وسائل الإعلام السورية في إدانة الموقف الأمريكي، لتأييده الهجمات الإسرائيلية على أهداف في لبنان، قائلة إن هذا التأييد يشكل غطاءً لإسرائيل في عملياته العسكرية. وأكّدت أن العدوان الإسرائيلي على لبنان، جاء نتيجة لتفاهم أمريكي ـ إسرائيلي، وأن هذا الموقف موجّه ضد عملية السلام، وسيؤدي، في نهاية الأمر، إلى نسفها تماماً .
(5) الموقف اللبناني
أعلن فارس بويز، وزير الخارجية اللبناني، في مؤتمر صحفي، أن لبنان يدعم دعماً كاملاً "المبادرة الفرنسية"، للتوصل إلى وقف إطلاق النار الفوري، والمبني على اتفاق يوليه 1993. وأكد بويز أنه ليس في إمكان لبنان، أن يتحول إلى شرطة حدود لإسرائيل، وأن لبنان ليس على استعداد لقمع المقاومة ضد الاحتلال. وأكد بويز، أن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، ليست مجرد إجراء عسكري، وإنما هي عملية مبرمجة، لتحسين وضع شيمون بيريز الانتخابي.
3. أعمال قتال يوم 16 أبريل، وموقف مجلس الأمن من العدوان
أ. الموقف العسكري، يوم 16 أبريل
في اليوم السادس على التوالي، استمرت إسرائيل في القصف، الجوي والمدفعي، للأراضي اللبنانية، إذ قصفت مخيم "عين الحلوة" الفلسطيني، في ضواحي صيدا. كما أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على مواقع تابعة لحزب الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت، وغيرها من المناطق في جنوبي لبنان، مما أسفر عن مصرع جنديين لبنانيين. كما قصفت المنطقة، التي يقع فيها منزل نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، في مدينة صور، جنوبي لبنان، فسقطت القذائف على بعد أمتار منه. وفي الوقت نفسه، اضطرت الطائرة، التي كانت تقل رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، قادماً من جدة، إلى تحويل مسارها إلى مطار دمشق الدولي، بدلاً من مطار بيروت، بسبب شدة القصف الإسرائيلي لمنطقة المطار. كما استهدف القصف الجوي الإسرائيلي بعض منازل المسؤولين الفلسطينيين في لبنان، ومنها منزل منير نصوح، زعيم إحدى الجماعات الفلسطينية، المعارضة لاتفاقات السلام مع إسرائيل، مما أدى إلى إصابة 3 أشخاص. كما شنت الطائرات الإسرائيلية 25 غارة، أسفرت عن مصرع 3 لبنانيين، وإصابة عشرة آخرين . ووجهت إسرائيل إنذار إلى سكان لبنان، للابتعاد عن مساكن المسؤولين، اللبنانيين والفلسطينيين، المعروفين بنشاطهم المعادي لإسرائيل، لأنها ستكون أهدافاً لعمليات عسكرية. أمّا حزب الله، فقد أطلق صواريخ الكاتيوشا على شمالي إسرائيل، مستهدفاً مستوطنة كريات شمونة، وهدد بقصف منشآت سياحية، واقتصادية، وعسكرية، إسرائيلية.
ب. الهدف الإسرائيلي من استمرار العدوان
كان من الواضح، بعد ستة أيام من القصف، الجوي والمدفعي، الإسرائيلي، أن حزب الله، ليس هو الهدف، كما ادّعى المسؤولون الإسرائيليون. ولكن الهدف الحقيقي، هو إحراج سورية، التي لها في لبنان 40 ألف جندي، وتريد أن يكون الحل على المسار العربي الأخير للسلام، وهو "السوري ـ اللبناني"، محققاً لمصالحها الكاملة، من طريقين :
الأول: أن يبحث مجلس الأمن المشكلة برمّتها، فيعيد إحياء قراراته السابقة، الرقم (425) وما بعده. أي انسـحاب إسرائيل، والقوات الأجنبية الأخرى ـ 40 ألف جندي سوري، و2000 من الحرس الثوري الإيراني، في البقاع ـ من كل لبنان، وهذا يؤدّي إلى إخراج لبنان من المسار السوري للسلام، ويجعل لإسرائيل نفوذاً في إدارته وسياسته، بحكم أنها الدولة الأقوى إلى جواره، وبحكم مشاركته في مياهه، وبحكم انضمام القوات اللبنانية العميلة، التي تعمل تحت إمرة الجيش الإسرائيلي، إلى الجيش اللبناني، في المستقبل، كما تطالب إسرائيل.
الثاني: أن تتوسع الاشتباكات، وتدخل دمشق طرفاً فيها. ومن ثم، لن يكون الحل لبنانياً، وإنما سيصبح "سورياً ـ لبنانياً ـ إسرائيلياً". الأمر الذي يعطي الجيش الإسرائيلي ميزة تفاوضية كبرى، تدعمها القوى الأمريكية وتساندها. وتنفيذاً لهذا الرأي، ينفذ عملاء إسرائيل عمليات تخريبية، في العاصمة اللبنانية، لزعزعة الأمن، وإجبار الحكومة على التسليم بطلبات إسرائيل.
ج. موقف مجلس الأمن الدولي من العدوان
تحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية، امتنع مجلس الأمن عن إصدار بيان، أو قرار، أو اتخاذ أي إجراء لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. واكتفى المجلس بعد جلسة مشاورات، استمرت ثلاث ساعات ونصف الساعة، بإصدار إعلان مقتضب، تلاه رئيس المجلس، خوان سومانيا، من شيلي، قال فيه إن الاستنتاج الوحيد، الذي يعتقد أن في إمكانه استخلاصه من مناقشات أعضاء مجلس الأمن، هو أن الذين تحدثوا في الجلسة، عبّروا عن رغبتهم في وقف المعارك والعنف وإراقة الدماء، وأن يبدأ الاهتمام بحاجات المدنيين الإنسانية، ودعم عملية السلام بين العرب وإسرائيل .
وقالت مصادر الأمم المتحدة، إن استنتاج رئيس مجلس الأمن، الذي جاء في تصريحه، هو القاسم المشترك الوحيد، الذي أمكن التوصل إليه بين الوفود، التي شاركت في مناقشات مجلس الأمن، حول العدوان الإسرائيلي على لبنان. وأضافت المصادر أنه كان لا بد من هذا التصريح، أو لا شيء على الإطلاق.
وخلال مناقشات المجلس، وعلى مدار يومين، لم يتوقف ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية لدى المنظمة الدولية، من تأكيد استخدام واشنطن حق الاعتراض، إذا أصرّ لبنان على الحصول على قرار ملزم من مجلس الأمن ضد إسرائيل. وحاولت فرنسا إدخال عبارة وقف إطلاق النار، في الإعلان، الذي تلاه رئيس مجلس الأمن. غير أن واشنطن رفضت ذلك، كما رفضت الإشارة إلى قرار مجلس الأمن الرقم (425)، الصادر عام 1978.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن العنصر الإيجابي الوحيد، الذي حصل عليه لبنان، هو قول رئيس المجلس، سومانيا إن مجلس الأمن، سيستمر في متابعة هذه المسألة. وقال مندوب مصر لدى المنظمة الدولية، السفير نبيل العربي : "إن مجرد اجتماع مجلس الأمن، مرتين في يوم واحد، للنظر في إجراءات إسرائيلية ضد شعبين عربيين، يُعد أمراً يدعو إلى القلق البالغ". وقال العربي: "إن إسرائيل طالما بررت اعتداءاتها المتكررة على سيادة لبنان، بأنها تستند إلى حق الدفاع الشرعي، في مواجهة بعض الهجمات المتفرقة من الجنوب اللبناني. واستندت في ذلك الدفاع، من أجل غزو لبنان، والاعتداء على سيادته وسلامة أراضيه، ثم من أجل مواصلة احتلال جزء من الأراضي اللبنانية في الجنوب، إلى دعوى ضمان أمن شمالي إسرائيل. فلا بد لنا من وقفة، لدحض هذه الدعوى". وأشار السفير المصري إلى أن الواقع أثبت، طوال العقدين الماضيين، أن الاحتلال الإسرائيلي، لم يضمن لإسرائيل أمن سكانها، بل العكس. وأضاف أن "كل الدلائل تشير إلى أن جنوح البعض إلى التطرف والعنف، كوسيلة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق بعض الغايات السياسية، هو رد فعل مباشر، ونتيجة حتمية لِما تعرّض له هؤلاء من قهر ومعاناة". واستطرد، قائلاً: "إنه لا يمكن أن نجد تبريراً ملائماً للغارات الإسرائيلية المكثفة، التي تقصف المناطق السكنية، في المدن والقرى اللبنانية، طوال الأيام الماضية، التي أسفرت عن مقتل العشرات، وجرح ما يقرب من مائة شخص، وتشريد مئات الألوف من اللبنانيين خارج بيوتهم ومدنهم. ولا يمكن أن يقبل أي مراقب منصف، أن مثل هذه الغارات، التي أصبحت حرباً شاملة على شعب بأسره، إنما تستهدف فقط أولئك، الذين أطلقوا بعض القذائف على شمالي إسرائيل". وطالب العربي مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته، إزاء وضع حدّ لتلك الادعاءات، من طريق اتخاذ إجراءات محددة، تحقق وقفاً فورياً لإطلاق النار، وللعمليات العسكرية، وانسحاباً إسرائيلياً إلى الحدود الدولية، المعترف بها، يقوم على أساس قرارات مجلس الأمن، ومنها القرار الرقم (425). وأكد المندوب المصري أن أي اعتداء مسلح على دولة مج
اورة، أيّاً كان الدافع إليه، يُعَدّ عدواناً محرّماً، مشيراً إلى أن دعوى الدفاع عن النفس، لها ضوابط، ينظمها ميثاق الأمم المتحد
ة وقواعد القانون الدولي العام المعاصر.
|