الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
القوات الدولية في قانا
 
حزب الله في لبنان
المخيمات الفلسطينية
لبنان 96
موقف القوات المختلفة في لبنان
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
سلام الجليل الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام جليل)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

الفصل الثاني
عملية "عناقيد الغضب" ومذبحة "قانا"
(11 - 26 أبريل 1996)

        لاشك أن ما قام به الجيش الإسرائيلي، بدءاً من أول أبريل 1996، بتوسيع نطاق عدوانه من مجرد عمليات، ضد حزب الله، إلى عمليات واسعة النطاق، قد أثر بشكل واضح في مجمل عملية التسوية السلمية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، بل وفي مصداقية "شيمون بيريز" نفسه.

        ومن الواضح، أن هناك قواعد واضحة، كانت تحكم العملية الجارية بين إسرائيل وحزب الله، منذ سنوات طويلة. وهناك حدود مفهومة لردود الأفعال، عندما يتم تجاوز تلك القواعد، خاصة أن العامل الأساسي، وراء ما يحدث، هو الاحتلال الإسرائيلي لجزء من أراضي لبنان. وقد تجاوز حزب الله، في بعض الأحيان، ما هو متفق عليه في شأن الكاتيوشا.  وتجاوزت إسرائيل حدودها، ونفذت عمليات استفزازية مختلفة، في أحيان كثيرة، إلاّ أن ما حدث، تجاوز كل ما هو متصور. فهناك قصف واسع النطاق لمناطق الجنوب اللبناني ولجنوبي بيروت. وهناك استهداف لمدنيين ومواقع سورية، وحصار بحري وضربات عشوائية، وتصرفات غير مبررة، وتصلب غير مقبول.

        ومن المؤكد أن مسألة الانتخابات، أصبحت تسيطر على أذهان قادة حزب العمل، إلى درجة أفقدتهم القدرة على تحديد الأولويات الإستراتيجية للتحرك، خلال الفترة التالية. وهو الأمر الذي أثر، بالفعل، في عملية السلام ومخطط سيرها.

        وفي الأيام الأولى من أبريل 1996، استمر تصاعد الموقف بين إسرائيل وحزب الله. وتبادلا توجيه التهديدات بشن المزيد من الهجمات، خاصة في أعقاب مقتل مدنيين لبنانيين، نتيجة للقصف المدفعي والجوي الإسرائيلي. وطلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية سرعة التدخل لدى سورية، للحيلولة دون تدهور الموقف، قبَيل عطلة "عيد الفصح" اليهودي، التي تبدأ في الثالث من أبريل. وطالب تكتل الليكود رئيس الوزراء الإسرائيلي، "شيمون بيريز"، بعـدم الاعتماد على سورية، من أجل تجميد نشاط حزب الله ، والاعتماد على الجيش الإسرائيلي فقط، للرد على هجمات حزب الله. وهذا يوضح أن تكتل الليكود، كان له يد في دفع شيمون بيريز إلى تصعيد العمليات العسكرية؛ إذ إنه يعرف، مقدماً تأثيرها السلبي في الانتخابات، وأنها ستؤدي إلى إبعاد حزب العمل عن السلطة. ففي التاسع من أبريل، أطلق حزب الله صاروخي كاتيوشا على مستوطنة كريات شمونة، رداً على مقتل طفل لبناني، من جرّاء قصف إسرائيلي للجنوب اللبناني، في اليوم السابق. وتبرأت إسرائيل من الحادث، وأعلنت تبرؤها من اتفاق الكاتيوشا، غير المكتوب، الذي تم بوساطة أمريكية، في عام 1993. ورد بيريز، في 11 أبريل، بالغارات المكثفة والقذائف الصاروخية وقذائف المدفعية، على الضاحية الجنوبية لبيروت، في عملية أقرب ما تكون إلى عملية غزو بيروت عام 1982.  بيد أنه لا يمكن تجاهل الاعتبارات الانتخابية، في تقدير رد فعل بيريز على هذه العملية، خاصة إذا أن موعد بدء الحملة الانتخابية في إسرائيل، كان محدداً له 11 أبريل، أي بعد يومين من قصف حزب الله لكريات شمونة. وهو الأمر الذي استغله بنيامين نتانياهو، منافس بيريز، فتوجّه مباشرة إلى كريات شمونة، ليؤكد للمستوطنين، أن الإسرائيليين هناك أقوى من حكومتهم الضعيفة. وهو ما أفقد بيريز وعيه، إذ شعر أن هذه الأحداث، ستفقده الانتخابات، في مايو 1996، مما سيهدد عملية التسوية، وفكرته للشرق الأوسط الجديد. وهنا تبنّى بيريز خيار الحرب، وتحول من حمامة سلام إلى قائد عسكري، طاوياً صفحة مشروعاته السلمية، متجهاً إلى الحرب، على حماس وحزب الله، من أجل أمن إسرائيل. ولم يضع بيريز في حسبانه، أن اختياره التكتيكي، لبدء حرب محدودة، قد ينقلب عليه، لأنه ربما لا يمكنه التحكم في نهايتها، ومن ثمّ، لن يكون الحسم في مصلحته، ولن تكون النتيجة، إلاّ هزيمته وهزيمة مشروعه للسلام والشرق الأوسط الجديد.

أولاً: مواقف الأطراف المتصارعة

1. موقف حزب الله

هددت جماعة "حزب الله"، الموالية لإيران، بإطلاق المزيد من صواريخ الكاتيوشا على شمالي إسرائيل، بعد أن شنّت هجومين صاروخيين على منطقة الجليل، في الأول من أبريل 1996. وأكّد حزب الله استمراره في قصف مستوطنات كريات شمونة ونهاريا وصفد، في شمالي إسرائيل، رداً على القصف المدفعي الإسرائيلي لقرى الجنوب اللبناني ومدنه.

وأعلن حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، أن الهجوم الإسرائيلي على قرى الجنوب اللبناني، يُعد انتهاكاً "لتفاهم يوليه"؛ وهو اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أشرفت عليه واشنطن، بعد الهجوم الشامل، الذي شنّته إسرائيل على مناطق الجنوب اللبناني، في يوليه 1993. علماً أن إسرائيل، قد تعهدت، بموجب هذه الترتيبات الأمنية، بعدم قصف المدنيين اللبنانيين، مقابل عدم قصف حزب الله لمناطقها الشمالية.

2. الموقف الإسرائيلي

فور قصف حزب الله مستعمرات شمالي إسرائيل، قصفت القوات الإسرائيلية وميليشيا جيش لبنان الجنوبي، التابعة لها، (15) قرية في جنوبي لبنان، مستخدمة نيران المدفعية والدبابات والهاون. وأسفر القصف عن إصابة بعض المدنيين اللبنانيين ومقتل آخرين. وأعلن أوري أور، نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، لإذاعة إسرائيل، أنه تم إنهاء المواجهة، بعد عدة اتصالات مع سورية. وأكّد أن إسرائيل مستعدة لمواجهة أي موقف، ولكن هدفها هو تهدئة الأوضاع في المنطقة. وقال إن إسرائيل قدمت إيضاحات للموقف إلى كل من له صِلة بهذه الأحداث.

كما هدد الجنرال "أميرام ليفين"، قائد المنطقة الشمالية، أثناء تفقّده المواقع، التي سقطت فيها قذائف الكاتيوشا، بأن الجيش الإسرائيلي، سيرد وفقاً للتطورات الميدانية.

ووسط هذه التطورات، قامت الحكومة الإسرائيلية بالاتصال مع المسؤولين في الإدارة الأمريكية، لمنع تصعيد الموقف العسكري، بين القوات الإسرائيلية وحزب الله. وفي الوقت عينه، تمت الاتصالات بين وزير الخارجية الإسرائيلي، "إيهود باراك"، ووزير الخارجية الأمريكي، "وارن كريستوفر"، تمهيداً لتحرُّك الإدارة الأمريكية، لمنع عمليات التصعيد. كما أعرب "باراك" لإذاعة إسرائيل، عن أمله أن تتدخل واشنطن، من فورها، لدى سورية، من أجل احتواء الموقف، تجنّباً لتدهور الأوضاع.

3. الموقف السوري

انتقدت سورية الولايات المتحدة الأمريكية، بشـدة. وطالبتها بالتحرر من روابط انحيازها إلى إسرائيل. وأكّدت أن واشنطن، وهي الجهة الأساسية الراعية لعملية السلام، تجاهلت دعوة سورية إلى استئناف المفاوضات، وبحث معوقات السلام، وركّزت في جهدها على ما تسميه مكافحة الإرهاب. واتهمت واشنطن بأنها لم تمارس الدور النزيه، والمنصف، الذي التزمت به. وطالبت دمشق بموقف دولي متوازن، وموضوعي، تجاه تطبيق قرارات الشرعية الدولية، حتى يتحقق السلام، وتتوقف إسرائيل عن تعنتها.

وذكرت جريدة "البعث" السورية، في عددها الصادر في الحادي والثلاثين من مارس 1996، "أن مكافحة الإرهاب، أصبحت عنواناً يومياً للتعتيم على المقاومة المشروعة لشعب احتلت أرضه. بل أصبح إرهاب الدولة، الذي تمارسه إسرائيل ضد الجنوب اللبناني، وضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، أمراً مشروعاً". وأكدت الجريدة، أن المقاومة ستبقى نقطة الضوء في بحر الإرهاب، الذي تمارسه إسرائيل، يومياً.

ثانياً: الأوضاع العسكرية لطرفَي الصراع، قبَيل تصاعد الأحداث

1. الطرف الأول: جيش جنوبي لبنان وإسرائيل

أ. جيش جنوبي لبنان

استطاعت إسرائيل، خلال هجومها على لبنان، عام 1978، استقطاب الرائد سعد حداد، الذي جَمّع عدد محدود من المسيحيين في الجيش اللبناني، وأعلن إنشاء دولة لبنان الحر، في المنطقة الحدودية المتاخمة لإسرائيل. وخلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عام 1982، وسع سعد حداد نطاق عملياته، بالتعاون مع القوات الإسرائيلية.

ثم تولى "أنطوان لحد" القيادة، خلفاً لسعد حداد، وأطلق على قواته "جيش جنوبي لبنان"، وتدعمه القوات الإسرائيلية في السيطرة على منطقة الشريط الحدودي، لتأمين حدودها الشمالية، ضد أعمال المقاومة.

ويراوح تعداد جيش جنوبي لبنان الحالي بين 3000 و4000 فرد، معظمهم من الضباط والجنود المتقاعدين والفارين من الجيش اللبناني، والمتطوعين المدنيين. وتحدد طبيعة تكوين هذا الجيش اتجاهاته السياسية، إذ يمثل أقصى اليمين المسيحي المتطرف، الرافض لكل ما هو عربي وفلسطيني، ويرى أن الخيار المسلح، هو الحل الأمثل للقضاء على الوجود الفلسطيني، والأجنبي، في لبنان حتى يعود لبنان الحر، سياسياً واقتصادياً.

ولجيش جنوبي لبنان علاقات بالقوى المسـيحية. وتَعُدّه الطوائف المسيحية ورقة سياسية، يمكن توظيفها في الصراع السياسي مع القوى الإسلامية. ولا يتاح لجيش جنوبي لبنان سوى قدرات محدودة، لا تتعدى تأمين الشريط الحدودي، اعتماداً على قوة الردع الإسرائيلية ضد المقاومة الوطنية اللبنانية. ويتسلح هذا الجيش بـ (30 دبابة M-48، وعدد من العربات المدرعة M-113، وعدد من قطع المدفعية عيار 75مم، عدد من القواذف المضادة للدبابات، وبعض الرشاشات المتوسطة والثقيلة المضادة للطائرات، من العيارات 12.7مم، 23مم، 20مم ).

ب. القوات الإسرائيلية في الشريط الحدودي اللبناني

تتمركز بعض الوحدات الإسرائيلية في جنوبي لبنان، داخل الحزام الأمني، لدعم جيش جنوبي لبنان، ولتأمين الحدود الشمالية لإسرائيل، والحدّ من الأعمال الفدائية، واستمرار فرض السيطرة على مصادر المياه، وتهديد الأراضي السورية من اتجاه الجنوب الغربي. وكانت القوات الإسرائيلية منتشرة على طول خط المواجهة، داخل المنطقة الأمنية. وتتكون من:

* الفرقة 91 مشاة.

* اللواء جولاني.

* لواء مظلات.

* لواء مدرع.

* لواء مدفعية.

2. الطرف الثاني: ميليشيا حزب الله والعناصر الفلسطينية

أ. ميليشيا حزب الله

وهي المنظمة الشيعية، التي تدعمها إيران، وتسيطر مباشرة على سياستها. وتضم، حالياً، ما يزيد على 5000 مقاتل، منتشرين في جنوبي لبنان والبقاع وخارج بيروت. وهذه القوات مدربة على أعمال القتال في المناطق الجبلية، وتنفيذ العمليات الخاصة ( إغارات ـ مكامن ). وتوجه نشاطها الرئيسي ضد إسرائيل، وجيش جنوبي لبنان، التابع لها.

أسلحة الحزب

20 دبابة ـ 35 عربة مدرعة ـ 75 قطعة مدفعية ميدان ـ مدفعية صاروخية، من عيارَي 122مم و107مم (الكاتيوشا) ـ هاونات مختلفة العيارات ـ أسلحة مضادة للدبابات ـ قواذف وصواريخ ـ أسلحة خفيفة.

توضح الخريطة الرقم (1) توزيع حزب الله وانتشاره في الجنوب اللبناني.

ب. العناصر الفلسطينية

يوجد الفلسطينيون في مخيمات، تنتشر في السهل الساحلي للبنان، في مناطق (شمال طرابلس ـ جنوب بيروت ـ صيدا ـ صور). ومنذ أحداث الغزو الإسرائيلي للبنان، عام 1982، أغلقت الحكومة اللبنانية المكاتب الرسمية للمنظمات الفلسطينية، وتمارس التنظـيمات الفلسطينية نشاطها داخل المخيمات، وغير مسموح بأي نشاط، سياسي أو عسـكري، خارجها. ويوجد تنسيق بين المنظمات الفلسطينية والمقاومة اللبنانية في الجنوب، خاصة حزب الله. وتبين الخريطة الرقم (2) المخيمات الفلسطينية في لبنان.

ثالثاً: بدء تصاعد الموقف على الجبهة اللبنانية (11 أبريل 1996)، ومواقف الأطراف المختلفة

1. الموقف الإسرائيلي

أ. شنّ غارات جوية على لبنان

مع صباح يوم الحادي عشر من أبريل 1996، فجّرت إسرائيل الوضع الأمني الملتهب على الجبهة اللبنانية، إذ شنّت سلسلة من الغارات الجوية على لبنان، وقصفت بيروت، للمرة الأولى، منذ نحو 14 عاماً، رداً على ما أسمته تهديد حزب الله للشمال الإسرائيلي. وقد أسفر هذا الهجوم الجوي عن مصرع خمسة أشخاص وإصابة 12 فرداً.

ب. الموقف السياسي الإسرائيلي

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، شيمون بيريز "أنه لا سلام مع لبنان، ما دام سكان شمالي إسرائيل لا ينعمون بالسلام". وأضاف، في مؤتمر صحفي، عقده في تل أبيب، بعد الغارات الجوية على لبنان: "لن نضحي بالأمن من أجل السلام، ولن نوفر جهداً لضمان الأمن". وقال: "إن حزب الله، قام، يوم التاسع من أبريل، بالغارة على المواقع الإسرائيلية في الشمال. وقام بقصف صواريخ على شمال الجليل، أسفر عن وقوع 36 فرداً إسرائيلياً جريحاً". وأضاف بيريز قائلاً: "يتخيل حزب الله أن في إمكانه أن يغلب إسرائيل، وهو مخطئ. وإن مواقعه لن تكون في منأى عن الرد". وقال إنه يأمل أن يكون الحزب، قد فهم الدرس، "ولكني لست متأكداً من ذلك، وإذا واصل هجماته، فسنستمر في الضرب". وقال بيريز إن حزب الله، يتحمل مسؤولية هذا التدهور.

أمّا وزير الخارجية الإسرائيلي، "إيهود باراك"، فقال محذراً: "إنه لا حصانة لأي جزء في لبنان من الغارات الإسرائيلية، ما دامت هجمات المقاومة اللبنانية مستمرة ضد المستوطنين في شمالي إسرائيل. وإن من يساعد رجال المقاومة سيكون عرضة لما أسماه "القصاص المؤلم".

ج. التصعيد الإسرائيلي للموقف العسكري

وعلى المستوى العسكري، وجّه الجنرال أميرام ليفين، قائد المنطقة الشمالية في إسرائيل، تهديده إلى لبنان، بأن العمليات ستستمر لعدة أيام، إذ قال: "إن العملية تجري كما هو مخطط لها. وإن القصف الإسرائيلي سينفذ لعدة أيام قادمة". وأضاف أن على حزب الله، أن يوقف قصف الصواريخ، لأن مواصلة القصف، ستؤدي إلى الضرب بحزم. وفي إطار التهديد عينه، قال "الجنرال آمنون شاحاك"، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إن السكان المدنيين اللبنانيين، يتحملون عواقب وجود وحدات مقاتلة من حزب الله بينهم. ووجّه تحذيراً إلى الجيش اللبناني، قائلاً: "لا نريد ضرب الجيش اللبناني. إلاّ أنه في حال فتح النار على قواتنا، فلن نتردد في الرد".

ومع تصاعد الموقف، بدأ الطيران الإسرائيلي بشن الغارات المكثفة على جنوبي لبنان وشرقيّه، وعلى مواقع حزب الله، قرب بيروت. كما هاجمت الطائرات العمودية أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت (منطقة شيعية). كما قصفت موقعاً للجيش اللبناني، في صور، خلال إحدى الغارات، مما أدى إلى مقتل وإصابة بعض الجنود اللبنانيين. كما وسعت الطائرات العمودية قصفها للقرى اللبنانية، مما أدّى إلى مقتل وإصابة عدد من الأفراد المدنيين. كما شارك في القصف كل من المدفعية الإسرائيلية وبعض القطع البحرية.

وقد حملت هذه الغارات السلطات اللبنانية على إغلاق مطار بيروت الدولي، كما أدّت إلى فرار الألوف من الضاحية الجنوبية لبيروت، إلى مناطق أكثر أمناً، في الغرب.

2. الموقف اللبناني

رأى رئيس الحكومة اللبنانية، رفيق الحريري، أنه "من غير الوارد نزع سلاح حزب الله، قبل انسحاب إسرائيل من الجنوب". واستطرد قائلاً: "إن العنف لا يولد إلا العنف. ونكرر دعوتنا لإسرائيل، لتنسحب من الأراضي اللبنانية المحتلة، وتطبق قرار مجلس الأمن الرقم (425). وفي هذه الحالة، لن يكون هناك مبرر، لا لحزب الله ولا لغيره، أن يكون مسلحاً، باستثناء الجيش والقوى الأمنية الشرعية".

وأضاف الحريري قائلاً: "إن المقاومة هي نتيجة للاحتلال، بصرف النظر عمّن يقوم بالمقاومة، وبصرف النظر عن تاريخ الأشخاص، الذين يقومون بها، أو اتجاهاتهم السياسية".

ومن جهة أخرى، أعلن فارس بويز، وزير الخارجية اللبناني، أن لبنان يدرس، بجدية، إمكانات تقديم شكوى إلى مجلس الأمن، ضد إسرائيل" وأشار إلى أن لبنان أجـرى اتصالات مع الولايات المتحدة الأمريكية في شأن الوضع المتدهور. وحمّل بويز إسرائيل مسؤولية تصاعد العنف في لبنان، معتبراً أن اعتداءاتها الأخيرة تهدم عملية السلام. كما دعا الوزير اللبناني إسرائيل إلى عدم الرضوخ للحالات الانتخابية، بشكل يعرقل عملية السلام، ويرفع حدّة التشنج في المنطقة.

رابعاً: التصعيد الإسرائيلي للعدوان، يومي 12 و 13 أبريل 1996، وردود الفعل المختلفة

1. الموقف الإسرائيلي، وتصعيد القصف الجوي، يومي 12 و 13 أبريل

استمر الطيران الإسرائيلي، خلال يومَي 12 و13 أبريل، في قصف مختلف المناطق اللبنانية. بل قَصَفَ عربات الإسعاف، التي تحمل الجرحى، مما أدى إلى مصرع بعض الأطفال والسيدات، وإصابة أفراد آخرين. وقد أسفر هذه القصف عن مصرع (22) شخصاً، وإصابة أكثر من (70) شخصاً، كما واصل سكان الجنوب اللبناني نزوحهم شمالاً. وذكرت المصادر اللبنانية أن 180 ألفاً من السكان، قد فرّوا بسبب القصف الإسرائيلي العنيف إلى القرى والمدن اللبنانية الآمنة. ومن الواضح، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية، أصبحت لا تستهدف حزب الله، كما ادعت إسرائيل، ولكنها باتت تشمل معظم أجزاء لبنان، بل بعض مواقع الجيش اللبناني، بهدف خلق نوع من الضغط على الحكومة اللبنانية، من خلال إخلاء الجنوب من سكانه، ونزوحهم الجماعي تجاه شمالي لبنان. وذكرت المصادر اللبنانية أن طائرة عمودية إسرائيلية، أطلقت صاروخاً على سيارة إسعاف، قرب ميناء صيدا، مما أسفر عن استشهاد أربعة أطفال وسيدتين، وإصابة ستة آخرين.

2. الموقف اللبناني تجاه تصعيد إسرائيل لعدوانها

قررت الحكومة اللبنانية تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، ضد العدوان الإسرائيلي، ودعت إلى اجتماع عاجل لجامعة الدول العربية، لبحث هذا العدوان.

كما عقد اجتماع عاجل بين رئيس الوزراء، رفيق الحريري، ووزير الخارجية، فارس بويز، من جانب، مع الرئيس حافظ الأسد وكبار المسؤولين السوريين، من جانب آخر، لبحث تطورات الموقف، والعدوان الإسرائيلي على لبنان. وأعلن رئيس وزراء لبنان، أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تطلبان المستحيل، بإصرارهما على أن تمنع الحكومة اللبنانية ميليشيا حزب الله من مهاجمة إسرائيل. وقال في تصريحات أخرى، إن هذا الطلب، يصل إلى حد الدعوة إلى حرب أهلية جديدة في لبنان، الأمر الذي سيكون أسوأ من الهجمات، التي تشنها إسرائيل، حالياً، على لبنان.

وقال الحريري إنه ناقش مع المسؤولين الأمريكيين الهجوم، الذي بدأته إسرائيل يوم الخميس الماضي، على لبنان. وأضاف أن الأمريكيين، أبلغوه ضرورة ممارسة حكومته ضغوطاً على حزب الله، لمنع هجماته على إسرائيل. وأكّد الحريري أن الحل الوحيد، هو انسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان المحتل. وتعهد، في حالة انسحاب إسرائيل، أن ترسل حكومته وحدات من الجيش اللبناني، لحماية الحدود، ومنع الهجمات ضد إسرائيل. وقال إنه كان، في الماضي، ما يدعو إسرائيل إلى الشك في قدرة لبنان على ضمان الاستقرار والأمن على الحدود، ولكن الأمور تغيّرت، الآن، وأصبح للبنان حكومة مركزية، وجيش قوي، يستطيع الحفاظ على الأمن في بلاده.

كما انتقد نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، موقف واشنطن من العدوان الإسرائيلي على لبنان، بسبب تسرعها في تحميل المقاومة اللبنانية مسؤولية التصعيد العسكري، والرفض المستمر لرغبة لبنان في دعوة مجلس الأمن لبحث هذه الاعتداءات. ووصف بري الموقف الأمريكي، بأنه يشجع إسرائيل على التمادي في العدوان.

3. موقف حزب الله، ورد فعله تجاه التصعيد الإسرائيلي

ورداً على الغارات الوحشية الإسرائيلية، بادر حزب الله إلى إطلاق أعداد من صواريخ الكاتيوشا، ضد المستوطنات الإسرائيلية في الشمال، التي هجرها سكانها بسبب تزايد القصف. كما أعلنت ميليشيا حزب الله إسقاط طائرة عمودية إسرائيلية، من نوع "أباتشي Apache" بالقرب من مدينة صيدا.

4. الموقفان، السعودي والسوري، التصعيد الإسرائيلي

أ. الموقف السعودي

حذرت الجرائد السعودية من السياسة الإسرائيلية في جنوبي لبنان، التي يمكن أن تقود المنطقة إلى حرب جديدة، بين العرب وإسرائيل. وقالت جريدة "عكاظ"، إن الحاجة باتت ملحّة إلى إجراء حوار مسؤول، بين العرب وإسرائيل، بعيداً عن رياح الانتخابات، والضغوط الداخلية، مؤكدة أن قضية السلام، لا ينبغي أن تتعرض لمثل هذه التقلبات.

ب. الموقف السوري

حثت سورية الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، على التحرك، بسرعة، لوقف الغارات الإسرائيلية، والعودة إلى مفاوضات السلام. ووصفت جريدة "الثورة" السورية، الرسمية، الهجمات الإسرائيلية، التي قتل فيها جندي سوري، في بيروت، بأنها محاولة للضغط على لبنان وسورية، لتقديم تنازلات في محادثات السلام مع إسرائيل. وأكدت الجريدة، أن الحل الوحيد، هو انسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان والجولان .

5. موقف المؤتمر الإسلامي

في جدة، أدانت منظمة المؤتمر الإسلامي، في بيان لها، الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب اللبناني. وأكد البيان تضامن العالم الإسلامي مع الشعب اللبناني، لاستعادة حقوقه، وتحرير أرضه المحتلة.

6. الموقف الأمريكي

أعلنت واشنطن، بلسان المتحدث باسم وزارة الخارجـية، "نيكولاس بيرنز": أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تعترض على قصف إسرائيل للأراضي اللبنانية، إذا استمرت هجمات حزب الله على شمالي إسرائيل. وطالبت سورية وإيران باستخدام نفوذهما، لوقف الهجمات العدائية". وأشار إلى أن هذه الهجمات هي سبب تصاعد أعمال العنف في لبنان.

وذكرت وسائل الإعلام الأمريكية، أنه من الواضح، أن الموقف الرسمي الأمريكي تجاه الغارات الإسرائيلية على لبنان، قد اختلف عن الماضي، حين كانت واشنطن تدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس، ولكنها، الآن، تحمّل حزب الله المسؤولية كاملة، وتقول إن إسرائيل اضطرت إلى الرد على هجمات آثمة، تعرض لها المدنيون في إسرائيل.

7. الموقف الغربي

أ. الموقف الفرنسي

عبّر وزير الخارجية الفرنسي، "هيرفيه دي شاريت Hervé de Charette " ، بعد اتصالات متعددة مع وزير خارجية كل من لبنان وسورية وإيران، عن قلق فرنسا من العدوان الإسرائيلي. وقال إن فرنسا، تحث جميع الأطراف على الالتزام بضبط النفس، وإيقاف إطلاق النار.

ب. الموقف الألماني

عكست الصحف الألمانية الموقف الألماني، إذ حذرت جريدة "كولنشتات انتسايجر"، في عددها الصادر في 13 أبريل 1996، من أن المواجهة الحالية، بين إسرائيل وحزب الله، في لبنان، قد تتحول إلى رقعة أوسع في العالم. وقالت إن الإرهاب، لا يمكن مكافحته بحدّ السلاح، وإن إقامة منطقة أمنية، لا يمكنها أن تحمي الإسرائيليين من مدافع جماعات حزب الله.

ج. الموقف الكندي

قال متحدث باسم الخارجية الكندية، إن الرد الإسرائيلي على الهجمات، التي تشن على شمالي إسرائيل، يشكل عاملاً، يزيد من تصعيد الوضع في الجنوب اللبناني وشمالي إسرائيل. وأكد أن الحل السياسي العادل، والشامل، هو الحل الأمثل لوقف تيار العنف، في منطقة الشرق الأوسط.

8. رد الفعل السياسي الإسرائيلي، تجاه مواقف إدانة العدوان

لم يبالٍ  شيمون بيريز بمواقف الإدانة، وأصر على استمرار الاعتداء، إذ قال ، في حديث إلى التليفزيون الإسرائيلي: "إن العدوان الإسرائيلي على لبنان سيستمر، حتى تتخذ حكومة بيروت إجراءات لوقف هجمات حزب الله ضد إسرائيل".

باراك، وزير الخارجية الإسرائيلي، فقال إنه لا تفاوض مع الحكومة اللبنانية، ما دامت المقاومة اللبنانية مستمرة في إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وإنه يتعين على حكومة بيروت إيجاد حل. فإمّا أن تنزع سلاح حزب الله، أو تلجأ إلى وسيلة أخرى للحد من نشاطه. واستبعد باراك إمكانية حدوث مواجهة مع سورية. وزعم أن دمشق تدرك، أن هدف إسرائيل الوحيد، هو ضرب حزب الله وليس حدوث مواجهة بين البلدين.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة