الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
القوات الدولية في قانا
 
حزب الله في لبنان
المخيمات الفلسطينية
لبنان 96
موقف القوات المختلفة في لبنان
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
سلام الجليل الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام جليل)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

الفصل الثالث

نتائج العدوان

وعرض مواقف الأطراف المختلفة

مقدمــة

          جاء في بيان رسمي، صادر عن رئاسة الوزراء الإسرائيلية، في أوائل مايو 1996، أن عملية "عناقيد الغضب"، التي شنتها القوات الإسرائيلية على جنوبي لبنان، كلفت الاقتصاد الإسرائيلي حوالي 400 مليون دولار أمريكي، متمثلة في أيام عمل ضائعة وحركة سياحية متدنية.

          كما جاء في البيان، أن الحكومة ستقوم بإعادة بناء أجزاء من المستوطنات الإسرائيلية، في شمالي إسرائيل، التي هدمتها صواريخ حزب الله، خلال العمليات العسكرية، التي وقعت في الفترة ما بين 11 و26 أبريل 1996. وقال أوري دورومي، المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية، إن نفقات الإعمار وإعادة بناء ما هدمته صواريخ الكاتيوشا، ستصل إلى 1.2 مليار شيكل Shekel ( 400 مليون دولار). وهو ما يفوق تقديرات الخسائر، التي كانت حكومة إسرائيل قد توقعتها، قبل بدء العمليات العسكرية، وكانت لا تتجاوز مائة مليون دولار. وخلال الاقتتال، غادر أكثر من 20 ألف مستوطن إسرائيلي منازلهم، في شمالي إسرائيل. وكان سدسهم، تقريباً، يقطن في مرمى صواريخ حزب الله.

          من جهة أخرى، أعلنت وزارة السياحة الإسرائيلية، أن عمليات إلغاء الحجز في الفنادق خلال العمليات العسكرية، للقادمين من خارج إسرائيل، قدرت نسبتها بنحو 30%، من إجمالي الحجز الكلي. كما ألغى 15% من السـائحين، الذين كانوا يعتزمون القدوم إلى إسرائيل، عبر خطوط " العال El Al " حجزهم أيضاً. وهو ما أثر، سلباً، في السياحة، بوجه عام، داخل إسرائيل.

          ومن ناحية أخرى، فقد قدّر الخبراء العسكريون النفقة العسكرية، لتشغيل آلة الحرب الإسرائيلية، خلال أيام العدوان الستة عشر، بحوالي 214 مليون شيكل (66 مليون دولار). كما قدّرت قيمة الذخائر المستهلكة بنحو 950 مليون شيكل (293 مليون دولار).

          وفي أوائل مايو 1996، تظاهر مستوطنو مستعمرة كريات شمونة، الواقعة في شمالي إسرائيل، في مدينة القدس، مطالبين حكومة إسرائيل بسرعة دفع التعويضات المالية، التي قُدّرت لهم.

          وقد قدرت الخسائر البشرية لعملية "عناقيد الغضب"، التي شنّتها إسرائيل، للقضاء على الهجمات الصاروخية لميليشيا حزب الله، على مستوطنات الشمال الإسرائيلي، بنحو 165 شخصاً، على الأقل، معظمهم من المدنيين. كما أدت إلى إصابة نحو 300 فرداً، من كلا الجانبين، معظمهم من اللبنانيين، وذلك طبقاً للتقديرات، اللبنانية والإسرائيلية، والبيانات الصادرة عن الأمم المتحدة. كما غادر أكثر من 400 ألف لبناني ديارهم، في جنوبي لبنان، بحثاً عن ملاذ آمن من الهجمات الإسرائيلية.

          ووسط هذا الكمّ الضخم من الخسائر، المادية والبشرية، ستبقى مجزرة قانا، راسخة في الأذهان. وسيبقى أثرها، المادي والمعنوي، راسخاً في أعماق المشاعر، العربية والإنسانية، الداعية إلى السلام ونبذ العدوان.

          فبالنسبة إلى إسرائيل، فقد انعكست سلبيات هذه المذبحة على نفسية المواطن العربي، في إسرائيل، في وقت كان شيمون بيريز يسعى فيه إلى الحصول على تأييد عرب إسرائيل، في معركته الانتخابية. فقبل مذبحة قانا، كان بيريز يحظى بتأييد 90% من أصوات عرب إسرائيل؛ فكان يعدهم سنده الرئيسي، الذي لا شك فيه. ولكن هذه الثقة تزعزعت، بعد مذبحة قانا، التي هبطت بنسبة تأييد العرب الإسرائيليين لبيريز، إلى 50%. حتى الأحزاب العربية، التي أيّدت، وصوتت لمصلحة بيريز، وحشدت له التأييد، وجدت نفسها في موقف صعب، عقب تلك المذبحة. وانطلقت المظاهرات، الرافعة للأعلام السوداء، في جميع القرى والمدن العربية، في الجليل والناصرة.

          كذلك، فإن مذبحة قانا، فتحت، من جديد، ملف الممارسات العدوانية العسكرية الإسرائيلية، التي تتنافى مع قواعد القانون الدولي والضمير الإنساني، والتي لم تميز بين هدف مدني أو عسكري، بل استهدفت الهدف المدني، أحياناً، قبل العسكري. وهو ما أكدته تقارير الأمم المتحدة، ونمّ به كلام القادة الإسرائيليين، الذين شاركوا في هذه العمليات، ولم يستطيعوا إخفاء ما قاموا به من جرم.

          وكما لا ينسَ شعب مصر مذبحة مدرسة "بحر البقر" ، كذلك لن ينسى شعب لبنان مجزرة قانا؛ فكلتا المجزرتين، وقعتا في إطار انتقام متعمد، وليس خطأً فنياً، كما تدّعي إسرائيل.

لماذا اسم "عناقيد الغضب"؟

          اختارت إسرائيل تسمية دينية، للعملية العسكرية، التي قامت بها في لبنان، بهدف القضاء على عناصر حزب الله. فمن سفر التثنية (الإصحاح 23: 32) ، استوحى المسؤولون الإسرائيليون اسم عمليتهم: "… أعنبهم عنب سمّ، ولهم عناقيد مرارة…" ناهيك بأن عبارة "أعناب الغضب"، التي اشتهرت في العالم كله، بسبب رواية تحمل العنوان عينه، كتبها الروائي الشهير، جون شتايبنك. ويحكي فيها عن فترة الكساد العظيم، التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية، في الثلاثينيات، وكيف أن الجفاف، الذي تعرضت له البلاد، والظروف الاقتصادية الصعبة، حوّلا الحلاوة والسعادة إلى مرارة وغضب. من هنا جاءت التسمية أنيقة، لتترك أصداء قوية في مسامع العالم الغربي. وقد تزداد هذه الأصداء قوة وتنوعاً، في نفوس الخاصة، من الذين يعلمون أن السطور التي تلي هذه العبارة، تقول: "إن يوم الكارثة قد دنا وقرب، بالنسبة إليهم (الأشرار)، وإن القدر غدا يهرع صوبهم".

          كل هذا يأتي ضمن فنون الدعاية والإعلام، التي تبرع فيها إسرائيل. ولكن الحقيقة، أن هذه العملية، لا علاقة لها بالأديان، أو الآداب، أو سياسات الدول، أو حتى مكافحة الإرهاب. وإنما هي في الدرجة الأولى، عملية بربرية، تنمّ على الاستهتار بكل القِيم.

          وعلى الرغم من بشاعة القصف واستمراريته، إلاّ أن إسرائيل لم تستطع أن تحقق شيئاً من أهداف هذا العدوان الوحشي، الذي زعمت أنه يستهدف ضرب قواعد ميليشيا حزب الله وتصفيتها. وإنما على العكس، وكما قال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان: "إن إسرائيل أسهمت في تقوية حزب الله، وزيادة حجم المؤيدين له. ثم إنها وجّهت رسالة واضحة إلى العالم العربي، تقول فيها إنها ليست مستعدة للسلام، وإن مشاركتها في المفاوضات، ثم قيامها بتجميد المشاركة، بين الحين والآخر، يكشف أنها تراهن على الوقت، لخلخلة الأوضاع العربية، ليس إلاّ".

          ومن خلال نتائج هذا القتال، وطبقاً للآراء، التي خرجت من العواصم المختلفة، يمكن الوصول إلى الآتي:

1.

إن إسرائيل، لم تكسب شيئاً، من سياسة العدوان. وإنها لم تحقق أوهام القدرة على الردع. ولم تنجح في أن توجع لبنان، أو أن ترهب سورية، أو أن تضغط على الفلسطينيين.

2.

إن السلام الإسرائيلي، لن يتحقق باستمرار العدوان، واحتلال الأرض، حتى لو باركته الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض العواصم الأوروبية.

3.

إن سياسة العدوان، مهما بلغت وحشيتها، ومهما حظيت بحماية واشنطن، لن تجعل المقاومة اللبنانية تستسلم أو تتوقف، ما دام الاحتلال الإسرائيلي باقياً في الجنوب اللبناني.

4.

إن خطأ إسرائيل الفادح، أنها تجاهلت عجز الوسائل العسكرية، مهما بلغت قوتها، على مدى التاريخ، عن هزيمة أي حركة مقاومة، تستمد قوّتها من شرعية مقاومة الاحتلال. وإن إسرائيل، ما زالت تخطئ في الحساب، السياسي والإستراتيجي، عندما تتجاهل دروس الماضي.

5.

إن كل الشواهد والأحداث، تؤكد أن إسرائيل، هي التي رغبت في هذا التصعيد، لأسباب داخلية، تتعلق بالانتخابات، ورغبة بيريز، وحزب العمل، في الفوز فيها، وأسباب تفاوضية، تتعلق بسياسة الضغط والابتزاز، التي هي جزء أساسي من أسلوب التفاوض الإسرائيلي. فضلاً عن أسباب أمريكية، رأتها إسرائيل مواتية لها، في صدى ضرورات معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية، وما تضمنه، دائماً، لإسرائيل، في هذا التوقيت، من تأييد بلا حدود.

          وربما تدلل هذه الواقعة على صحة ما سبق، بالنسبة إلى الدوافع الانتخابية في إسرائيل، التي أفرزت هذا العدوان الوحشي. ففي مساء 11 أبريل 1996، وهو اليوم الأول للعدوان، عقد شيمون بيريز مؤتمراً صحفياً، لكي يشرح أهداف هذه الحرب الجديدة ضد لبنان. وحرص بيريز على أن يحضر معه كل من رئيس الأركان الإسرائيلي، وقائد سلاح الطيران، ورئيس الاستخبارات العسكرية.

          وخلال المؤتمر، وجّه أحد الصحفيين سؤالاً إلى رئيس الاستخبارات العسكرية، قال فيه: إن رئيس الحكومة، شيمون بيريز، تحدث، قبل أسبوع، عن خطة، أعدتها دولة معادية (إيران) لإسقاط حكومة السلام. فهل أنت، كرئيس للاستخبارات، موافق على هذا الاستنتاج؟ وهنا، اتجه رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ببصره، نحو بيريز، الذي أعطاه الإشارة بالموافقة، فبادر إلى الإجابة: "إن المعلومات المتوافرة لدينا، من مصادر عديدة مؤكدة، تشير إلى أن إيران، قررت ضرب عملية السلام، من طريق إسقاط حكومة بيريز. وأنها قد تفعل ذلك، من طريق توفير الدعم السخي لحزب الله، وتشجيعه على إطلاق صواريخ الكاتيوشا على مستوطنات الجليل، فضلاً عن دفع حركتَي حماس والجهاد الإسلامي، إلى تنفيذ سلسلة عمليات انتحارية، داخل إسرائيل".

          وعلى الرغم من أن حزب الليكود، كان قد اكتفى، في بداية العدوان على لبنان، بإعلان تأييده، والقول إنه صاحب فكرة الرد الحازم على فصائل حزب الله، وإن ما يفعله حزب العمل، الآن، ليس سوى تنفيذ لبرنامج حزب الليكود في هذا المجال. إلا أن الموقف تغير تماماً، في الأيام الأخيرة، بعد أن شعر تكتل الليكود بأن العدوان، قد رفع من رصيد حزب العمل في الشارع الإسرائيلي.

          وفي أبلغ تعبير عن قلق حزب الليكود، من ردود فعل المؤتمر الصحفي لبيريز، الذي استعان فيه بجنرالات الجيش، الذين يقودون العدوان، هاجمت عضو الكنيست، ليمور لفنان، رئيسة فريق العمل الإعلامي للجنة الليكود الانتخابية، بيريز هجوماً ضارياً. واتهمته، صراحة، بأنه سخّر الجيش لأهداف سياسية حزبية، وأنه كان يتحتم عليه، أن يمنع رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، من الحديث في ذاك المؤتمر الصحفي، الذي خُصص للدعاية لحزب العمل، وليس لشرح أهداف حملة "عناقيد الغضب".

سيتم تناول هذا الفصل، من خلال سبعة عناصر رئيسية:

  1. إسرائيل وأهداف العدوان.
  2. مواقف الأطراف المختلفة من العدوان الإسرائيلي.
  3. الموقف بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار.
  4. تقرير الأمم المتحدة حول مذبحة قانا وردود الفعل المختلفة.
  5. نتائج العدوان.
  6. موقف الأطراف المختلفة من عملية السلام، بعد العدوان العدوان.
  7. العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، بعد توقف العدوان.  


الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة