الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

موقف إثيوبيا

         تمر العلاقات الإثيوبية ـ السودانية بفترات من الهدوء والتقارب، وأخرى من القلق والتوتر، وإن كانت السمة السائدة في العلاقات هي التوتر. ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة، مثل:

  1. إيواء إثيوبيا للاجئين من جنوب السودان، خاصة من مقاتلي الأنيانيا، وتدريبهم والسماح لهم بالعمل عبر حدودها.
  2. إيواء السودان للاجئين الإريتريين، ومساعدة الجبهات الإريترية والسماح بمرور المعدات والأسلحة والأغذية، عبر حدوده إلى تلك الجبهات.
  3. الخلافات العقائدية والدينية، فالسودان دولة مسلمة، وإثيوبيا دولة مسيحية، إضافة إلى أن السودان دولة عربية أفريقية.
  4. على الرغم من أن الدولتين من دول البحر الأحمر، وأن كلتيهما تسعى لتأمين البحر الأحمر، حيث لا توجد لأي منهما إطلالة بحرية سواه، إلاّ أن ذلك قد أدى إلى خلافات بينهما أكثر من توحيدهما.
  5. إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان، وتخوّف إثيوبيا من ذلك.
  6. مشكلة الحدود، حيث توجد منطقة الفشقات، "الفشقة الصغرى والفشقة الكبرى"، ولم يتم التوصل إلى اتفاق حول خط الحدود في منطقتهما حتى اليوم . ويزرع الإثيوبيون هذه المناطق داخل الأراضي السودانية، تحت حماية القوات المسلحة الإثيوبية .

         كما كان للعلاقات الدولية للدولتين، أثرٌ على العلاقات بينهما. فالسودان عقب استقلاله، ولمدة عامين ارتبط سـياسياً بالمشاكل القديمة مع مصر وبريطانيا. وعقب تولي الرئيس عبود الحكم، بدأ السودان في تنمية علاقاته الدولية وتوسيعها، وعقد اتفاقية للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت نفسه انتهج سياسة عدم الانحياز، واعترف بالصين الشعبية، ونمىّ تجارته مع أوربا الشرقية، ووقع اتفاق ائتمان مع الاتحاد السوفيتي .

         وفي هذه الآونة نجد أن إثيوبيا انتهجت سياسة مشابهة للسودان تقريباً، حيث كانت مرتبطة بالولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات حسنة مع الكتلة الشـرقية. وتبنى الإمبراطور هيلا سلاسي سياسة القائد الأفريقي غير المنحاز.

         وعقب ثورة 1964، وعودة السودان للنظام البرلماني، بدأت السياسة الخارجية لكل من إثيوبيا والسودان في التحول عن بعضهما. حيث اتجه السودان للكتلة الشرقية في حين استمرت إثيوبيا مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية، ودول الكتلة الغربية. وبقيام حرب 1967، بدأ السودان في تأكيد شخصيته العربية، وأقترب أكثر من مصر، وقطع علاقاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية. وأدى ذلك إلى توتر في العلاقات بين السودان وإثيوبيا .

         في الفترة من عام 1969 ـ 1972، كان تدخل إثيوبيا في جنوب السودان واضحاً. فقد زودت مقاتلي الأنيانيا في جنوب السودان بالسلاح، مما أدى إلى مساعدة السودان لثوار إريتريا علناً . ومما زاد من الفجوة بين البلدين وقوع انقلاب عام 1969 في السودان، برئاسة الرئيس "جعفر نميري"، مما أدى إلى تزايد ارتباط السودان بالدول العربية. إضافة إلى توقيع السودان لاتفاق طرابلس في ديسـمبر 1969، الذي ينظم التعاون والتنسيق بين مصر وليبيا والسودان كخطوة أولى نحو الوحدة. وأدى ذلك كله إلى توتر العلاقات مع إثيوبيا.

         شهدت العلاقات بين الدولتين في أوائل عام 1972 فترة من التحسن، حيث شارك الإمبراطور هيلاسلاسي في محادثات أديس أبابا، بين فصائل التمرد والحكومة، التي أدت إلى توقيع اتفاق أديس أبابا، الذي وضع حداً للحـرب الأهلية في جنوب السودان : ووقعت إثيوبيا والسودان اتفاقاً شمل الموقف تجاه جنوب السودان وإريتريا، وأخذت كل دولة على عاتقها عدم مساعدة المنشقين من الجانب الآخر. وفي الوقت نفسه قلل الرئيس نميري من ارتباطاته العربية. وعند قيام اتحاد الجمهوريات العربية بين سوريا وليبيا ومصر، لم ينضم السودان إليه. وفي تلك الفترة كان السودان وإثيوبيا يتوجهان نحو الغرب، أكثر من توجهما إلى الاتحاد السوفيتي.

         في عام 1974 استولت القوات المسلحة الإثيوبية على الحكم. وبدأت الحكومة العسكرية تحد من علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتزيد اقترابها من الاتحاد السوفيتي، بينما حدث عكس ذلك في السودان. إضافة إلى أن الرئيس "جعفر نميري" بدأ يُعيد تأكيد شخصية السودان العربية.

         أدى تورط إثيوبيا في محاولة الانقلاب الفاشل في 2 يوليه 1976 ضد الرئيس السوداني، إلى توتر في العلاقات بين الدولتين. وأعلن الرئيس نميري تأييده الكامل للثورة الإريترية، والمنشقين الإثيوبيين المتمركزين في السودان. وساعد الاتحاد الديموقراطي الإثيوبي في عملياته العسكرية التي تمت في إقليم جوندر، عبر الحدود السـودانية. وكان لليبيا دور مهمٌ في هذه الفترة، حين طلبت من إثيوبيا مساعدة المنشقين السودانيين، والمتمردين في جنوب السودان. وقبلت إثيوبيا ذلك مقابل أن توقف ليبيا مساعداتها لجبهات التحرير الإريترية .

         تحسنت العلاقات بين السودان وإثيوبيا في عام 1980. وقد أدت المشاكل الكثيرة التي جابهت كلتيهما داخلياً، إلى محاولة كل منهما تحسين علاقاتها الخارجية . ولكن ظهر في عام 1982 متغير جديد مهم في المنطقة، وهو إعلان ميثاق التكامل بين مصر والسودان، الذي وقفت ليبيا منه موقف العداء الكامل، إضافة إلى رفض الاتحاد السوفيتي غير المعلن له. وتخوفت إثيوبيا من هذا التكامل، واعتبرته موجهاً ضدها. وقد أدى ذلك إلى دعم إثيوبيا ـ بمساندة من ليبيا والاتحاد السوفيتي ـ لحركات التمرد في جنوب السودان وتنشيطها، وتدمير الحّفار الذي كان يعمل في قناة جونقلي مما أدى إلى توقف العمل في المشروع، وكذلك توقف أعمال التنقيب، وهما مشروعان يمسان الاقتصاد السوداني في الصميم، إضافة إلى ما تكبدته القوات الحكومية من خسائر في جنوب السودان.

         مع بداية عام 1984، حاول السودان تحسين علاقاته مع إثيوبيا مرة أخرى، ليتفرغ لبناء اقتصاده المنهار. والتقى وزير الخارجية السوداني "هاشم عثمان"، الرئيس الإثيوبي "منجستو هايل ماريام"، الذي رفض أي محاولات تقارب مع السـودان. وأبلغ منجستو الوزير السوداني أن إثيوبيا تتعامل مع السودان حالياً من منطلق أنه العدو الرئيسي لها، وأنهم قد  أسدلوا الستائر السوداء على العلاقات مع السـودان . وبذا ازدادت حدة القتال في جنوب السودان، لاستمرار الدعم الإثيوبي لـ "جون قرنق".

         وعلى الرغم من الانقلاب العسكري، الذي وقع في 6 أبريل 1985 في السودان، وتولِي القوات المسلحة السلطة في البلاد، واتخاذها قرار تحسين العلاقات مع دول الجوار الجغرافي، إلاّ أن استمرار مشكلة جنوب السودان وإريتريا دون حل، أديا إلى استمرار توتر العلاقات بين السودان وإثيوبيا .

         تميزت علاقات السودان وإثيوبيا، في بداية عهد حكومة الإنقاذ، ونهاية عهد حكومة الرئيس الإثيوبي "منجستو هايل ماريام"، بالتوتر الشـديد، الذي يُعد امتداداً طبيعياً للسياسة التي كانت سائدة إبان العهد الديموقراطي. وتضاعفت حدة التوتر بعد ثبوت الميول الإسلامية للمشروع الحضاري السوداني، وتعارضها مع المشروع الحضاري الإثيوبي. واستضافت أديس أبابا في مارس 1991، مؤتمراً ضم معظم الأحزاب والفصائل السودانية المعارضة، بهدف وضع برنامج للحكم في أي مرحلة انتقالية مقبلة. وقد أدى ذلك المؤتمر إلى استياء الخرطوم، وإبلاغها السفير الإثيوبي لديها احتجاجها على هذا الاجتماع .

         بسقوط نظام الرئيس منجستو في 25 مايو 1991، أعلنت الجبهة الثورية الديموقراطية، بقيادة ميليس زيناوي، في أول يونيه 1991 عن عدم سماحها بوجود معسكرات، يمكن أن تهدد الأمن السوداني من الأراضي الإثيوبية. وأكدت الجبهة على أن متمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان، أغلقوا مكاتبهم في أديس أبابا، وأن زعيمهم "جون قرنق" قد غادر إثيوبيا. وبذا هدأت حدة الاشتباكات في جنوب السودان، واعتبرت الحكومة السودانية أن جبهات الجنوب فقدت أهم مصدر داعم لها.

         استمرت العلاقات بين الدولتين شبه مستقرة. وحرصت كل دولة على البعد عن المواجهة المباشرة، بابتعادها عن دعم عناصر المعارضة لكل منهما. ووقع السودان وإثيوبيا في الخرطوم، في يوم 23 ديسمبر 1993، عدة اتفاقيات وبروتوكولات حول المسائل الأمنية، والعسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وشؤون اللاجئين، خلال اجتماع الدورة الثانية للجنة الوزارية المشتركة .

         في أول يناير عام 1994، بدأت المواجهة مع السودان، بعد اتهام إريتريا للسودان بدعم حركة الجهاد الإسلامي الإريتري في غزو حدودها. وفي 27 يناير وجهت أديس أبابا تحذيرا مباشراً للسودان، بالكف عن محاولاته لتصدير أفكاره العقائدية إلى إثيوبيا، أو أي دولة مجاورة.

         أدت محاولة اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك في إثيوبيا في 26 يونيه عام 1995، إلى حدوث تحول جذري في العلاقات الإثيوبية ـ السودانية. فقد وجهت إثيوبيا اتهامات مباشرة للسـودان في الحادث، وحملته مسؤولية إيواء وتوفير الدعم للإرهابيين. وأعلنت إثيوبيا في بيان صدر في الأول من سبتمبر 1995، تأكيد تورط السودان في محاولة الاغتيال. واتخذت عدة إجراءات ضد السودان تمثلت في الآتي:

  1. إغلاق القنصلية السـودانية في "قمبيلا" اعتباراً من أول سبتمبر 1995، ووقف أنشطة المنظمات المرتبطة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالسودان، والتي تعمل في إثيوبيا تحت ستار وكالة إغاثة غير حكومية. وإغلاق مكاتبها ومغادرة جميع العاملين بها البلاد خلال أسبوع.
  2. تخفيض عدد البعثة الدبلوماسية السودانية في أديس أبابا، إلى أربعة أفراد، من بينهم السفير.
  3. عدم السماح لشركة الخطوط الجوية السودانية بالدخول إلى الأراضي الإثيوبية، اعتباراً من الأول من سبتمبر، ويُغادر الرعايا السودانيون الذين يعملون بمكاتب الخطوط الجوية السودانية في أديس أبابا البلاد، وتتوقف الرحلات الجوية الإثيوبية إلى الخرطوم اعتباراً من اليوم نفسه.
  4. عدم السماح بدخول رعايا سودانيين إلى إثيوبيا، إلاّ بعد الحصول على تأشيرة الدخول المطلوبة، كما يتوقف منح الوثيقة، التي تمنحها إريتريا لرعايا الدول المجاورة، عن الرعايا السودانيين.

         طالبت إثيوبيا السودان بتسليم الأشخاص الثلاثة الفارين إليه، والمتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس "محمد حسني مبارك". ورفض السودان ذلك الطلب وأنكر أنهم موجودون على الأراضي السودانية. تقدمت إثيوبيا بشكوى في الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 1995 إلى جهاز آلية فض المنازعات، التابع لمنظمة الوحدة الأفريقية. وحضر السودان الاجتماع بوصفه عضواً مراقباً حيث لم يكن عضواً في الجهاز. وأصدرت الآلية قراراً أدانت فيه السودان، ودعت إلى الإقرار بتسليم المشتبه فيهم إلى إثيوبيا، ولم تستجب الحكومة السودانية إلى القرار . عقدت الآلية اجتماعها العادي في 19 ديسمبر، ووُجهت فيه الدعوة إلى السودان، الذي عرض وجهة نظره، ونفي صلته بمحاولة الاغتيال أو وجود متهمين على أراضيه. واكتفي الاجتماع بطلب تكثيف السودان لمساعيه للبحث عن المشتبه فيهم، والقبض عليهم.

         قدمت إثيوبيا يوم 20 ديسمبر 1995 شكوى إلى مجلس الأمن، الذي أصدر قراراً في 31 يناير 1996 يُدين الموقف السوداني، ويمنحه مهلة 60 يوماً للاستجابة إلى المطلوب، وتسليم المتهمين إلى السلطات الإثيوبية. ثم أعقبه قرار الولايات المتحدة الأمريكية بسحب جميع الدبلوماسيين الأمريكيين، بما فيهم السفير، من الخرطوم.

         وفي هذه الفترة زاد نشاط الجبهات المعارضة للنظام. واتهم السودان في الأسبوع الأول من ديسمبر، كلاً من إريتريا وإثيوبيا وأوغندا بمساعدة المتمردين. وأن إثيوبيا دعمت قوات قرنق بأسلحة ثقيلة، كان يقودها إثيوبيون أثناء القتال في جنوب السودان. وتمكنت قوات الجبهة الشعبية لجنوب السودان، من الاستيلاء على عدد من المدن في الجنوب .

         وقد ظهر بوضوح أثر التوتر في العلاقات بين السودان وجيرانه، في تحريك مشكلة الجنوب، ودعم جبهات المعارضة الشمالية. وقد دعمت إثيوبيا، بالتنسيق مع إريتريا، المعارضة السودانية، في الوقت الذي دعم فيه السودان الجبهة الإسلامية لتحرير إريتريا في جنوب شرق إثيوبيا.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة