|
موقف إريتريا
تميزت العلاقات السودانية الإريترية، حتى قبل استقلال إريتريا، بالإيجابية. وكانت الحكومات السودانية المتعاقبة تقف إلى جانب الشعب الإريتري وحقه في تقرير مصيره. إضافة إلى استضافة السودان اللاجئين الإريتريين، وتقديمه الدعم العسكري لحركات التحرير الإريترية، وسماحه لهم بالعمل عبر حدوده ضد النظام الإثيوبي، الذي كان يحتل إريتريا.
وكانت حكومة الإنقاذ السودانية أول من اعترف بإريتريا، قبل إعلان استقلالها رسمياً. وفتح السودان سفارة له في أسمرا في الوقت الذي فتحت فيه دول عديدة مكاتب، أُطلق عليها بعثات. وفي مايو 1991 وبتولي "إسياس أفورقى" السلطة في إريتريا، أوقف السودان نشاط كل الجبهات السياسية المسلحة المناوئة للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، التي يتزعمها "إسياس أفورقى"، وأُغلقت مكاتبها في الخرطوم وفي عدد من المدن السودانية المختلفة، من بينها مدينة كسلا القريبة من الحدود الإريترية. واعتقلت الحكومة السودانية مجموعة من العناصر المناوئة لأفورقى من المقيمين في السودان، بناء على طلب حكومة أفورقي. وجرى التعاون بين البلدين عبر لجنة وزارية مشتركة بينهما . وفي خلال الفترة من 1991 ـ 1993 عقد النظام الإريتري والسوداني عدداً من الاتفاقيات.
وقد أدّت توجهات النظامين المتعارضة، إلى حدوث خلافات بين الدولتين. فالجبهة الشعبية الحاكمة في إريتريا تتبنى اتجاه العلمانية، وهي أصلاً ذات ميراث يساري، في الوقت الذي يسيطر على الحكم في السودان حزب أصولي، يضع لنفسه إستراتيجية لنشر الإسلام ـ بمفهومه الأصولي ـ في الدول المجاورة. كما أن سكان إريتريا خليط من المسلمين والمسيحيين، وتخشى إريتريا من تزايد نفوذ الأصولية الإسلامية في إريتريا واستيلائها على السلطة ، وبذا تصبح إريتريا دولة إسلامية عربية مطلة على البحر الأحمر، وهو ما تعارضه إثيوبيا ودول إقليمية مثل إسرائيل. وقد زاد هذا التخوف ظهور عناصر مسلحة، من جبهة الجهاد الإسلامية الإريترية، تقوم بأعمال عسكرية داخل إريتريا انطلاقاً من الأراضي السودانية.
ألقى الرئيس الإريتري خطاباً في أول يناير 1994، اعترف فيه بحدوث اشتباكات، ووقوع قتلى بين قواته وقوات إريترية معارضة في 16 ديسمبر 1993، وذلك في منطقة "عدى هوك". واتهم "إسياس أفورقي" الجبهة الإسلامية في الخرطوم، بفتح معسكرات تدريب للاجئين الإريتريين، في الأراضي الواقعة في كسلا والقضارف في شرق السودان، وأنها تجند مجموعات منهم، وتدعم حركة الجهاد الإسلامي الإريتري للقيام بأعمال تخريبية داخل إريتريا.
وفي شهر يناير 1994 بعث الرئيس الإريتري "إسياس أفورقي" رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، وصف فيها حادث عبور مجموعة سودانية مسلحة في 16 ديسمبر 1993 الحدود الإريترية بأنه خطير، ومن شأنه أن يقذف بالمنطقة في غمرات الحرب والصراع، وأن "الحادث ليس معزولاً وإنما يؤذن بالتصعيد في دوامة التخريب والاستفزاز، التي دأبت الجبهة القومية الإسلامية وحكومتها على ارتكابها في الماضي، ووصف سلوك الجبهة بأنه طريق التوسع الإقليمي وزعزعة الاستقرار، وهي تتخذ من الدين أداة طبيعية في هذا الخصوص، وسبق لها أن وضعت برامج واسعة للعمل على تحقيق هذا الحلم" .
نفى مندوب السودان لدى الأمم المتحدة أن تكون حكومته معادية للأنظمة في الدول المجاورة، بما في ذلك إريتريا. وأكد أن الخرطوم تستنكر وترفض ربطها بجبهة سياسية لا وجود لها في الساحة الرسمية للسودان، إشارة إلى الجبهة القومية. واتهم المندوب السوداني إريتريا بحصولها على مساعدات عسكرية ضخمة للإجهاز على الدولة السودانية القائمة، وخلخلة أبنيتها المختلفة.
تركز إريتريا في اتهامها السودان، على أن حكومة الجبهة الإسلامية في الخرطوم تدرب اللاجئين الإريتريين في منطقتي كسلا والقضارف في شرق السودان. وأنها تُجند مجموعات منهم، وتدعم حركة الجهاد الإسلامي الإريتري للقيام بأعمال التخريب داخل الأراضي الإريترية، وخلق نظام إسلامي بديل عنه، من الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا.
وقّعت إريتريا والسودان اتفاقية للتعاون الأمني في 21 أبريل 1994، اتفقا خلالها على منع وجود العناصر المناوئة والمعارضة لأي من حكومتي البلدين في البلد الآخر، وذلك بإبعاد هذه العناصر، ووضعها في كشوف الحظر وعدم السماح لأي عنصر بالعودة بعد الخروج من الدولة. ويشمل ذلك القيادات الرئيسية للعناصر المناوئة والمعارضة، على أن يُزود كل بلد الآخر بالمعلومات المتعلقة بتلك العناصر، وأوراقها الثبوتية وأماكن وجودها .
وعلى الرغم من توقيع هذه الاتفاقية، وحرص الدولتين على وقف الحملات الهجومية المتبادلة، إلاّ أن التوتر كان مستتراً، وكانت هناك تحفظات من جانب إريتريا على بعض سياسات الخرطوم. وأبدت إريتريا استياءها من دعم الخرطوم للاجئين على الحدود بين البلدين، ويقدر عددهم بأكثر من 500 ألف لاجئ إريتري.
في نوفمبر 1994، اتهمت إريتريا السودان بتدريب 1700 إريتري خلال الشهور الأربع السابقة، بهدف القيام بهجوم داخل إريتريا، بمساندة من قوات تنظيم الجهاد الإسلامي، الذي يضم عناصر من أفغان وباكستان والمغرب وتونس. كما اتهم السودان إريتريا بتدريب 300 من المعارضة في أراضيها، لقلب نظام الحكم في الخرطوم.
في 6 ديسمبر 1994، أعلنت إريتريا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الخرطوم. وأوضحت أن ذلك يرجع إلى عدم اتخاذ الخرطوم إجراءات إيجابية، تحول دون تقويض السلام والأمن والاستقرار في إريتريا.
وفي شهر يونيه 1995، اجتمعت جبهات المعارضة السودانية والجبهة الشعبية لتحرير السودان بقيادة، "جون قرنق"، في أسمرا، للتخطيط لإسقاط نظام الحكم العسكري في السودان، وبحث ترتيبات المرحلة الانتقالية، التي يجب أن تلى ذلك بما يضمن تحقيق السلام والديموقراطية في السودان.
وفي فبراير 1996، سلّمت إريتريا مبنى السفارة السودانية في أسمرا للمعارضة السودانية لاتخاذه مقراً لها. ووجهت المعارضة بثاً إذاعياً من إريتريا موجهاُ إلى السودان، لمدة 4 ساعات يومياً .
وعقب خروج "الصادق المهدي" من السودان وتوجهه إلى إريتريا، شهدت الجبهة الشرقية للسودان تصعيداً للتوتر. ودعت قيادة حزب "مؤتمر البجا"، الذي يتخذ من أسمرا مقراً له، جماهير الحزب في شرق السودان لكي تنضم إلى معسكرات التدريب التابعة لها في إريتريا. ونشبت معارك عنيفة بين المعارضة والجيش السوداني في شهر ديسمبر 1996. وفي مايو 1997، أعلن الرئيس الإريتري "أن القوات الإريترية تقاتل إلى جانب المتمردين في شرق السودان" ، وأعلن أن القضاء على نظام الحكم السوداني بالقوة، يشكل هدفاً رئيسياً لحكومته. وظلت العلاقات متوترة بين الدولتين، وتدعم كل دولة عناصر المعارضة للدولة الأخرى.
|