الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
نيقوسيا والخط الأخضر
الاقتراح التركي
بحر إيجه
قبرص - التقسيم الفعلي
اُنظــــر كـــذلك
 
جمهورية تركيا
جمهورية اليونان
جمهورية قبرص

القضية الأولى: القضية القبرصية

الفصل الأول
جزيرة قبرص: حقائق جغرافية وتاريخية

أولاً: موقع جزيرة قبرص وأهميته

1.  حقائق جغرافية

    اسم الجزيرة هو "كيبرو" Kupros, Kypros، كما ينطق باللغة اليونانية، و"قِبرِص" Kibris، كما ينطق باللغة التركية، وباللغة الإنجليزية Cyprus، وباللغة العربية  قُبرس أو قُبـْرُص. ويقال إن هذا الاسم  مشتق من كلمة النحاس، الذي يوجد بكثرة في الجزيرة  .

    وقبرص هي ثالثة جزر البحر الأبيض المتوسط حجماً، بعد جزيرتَي صقليةSicily وسردينيا Sardinia. وتبلغ مساحتها 9251 كم2 (3572 ميلاً مربعاً ). تقع في زاويته الشمالية الشرقية (33ْ شرقي جرينتش و35ْ شمالي خط الاستواء).

    تبعد عن الشاطئ التركي مسافة 70 كم، وعن اللاذقية في سورية 100 كم، وعن لبنان 200 كـم، وعــن فلســطين 300 كم، وعن مصر 482 كم. بالمقابل، فإنها تبعد عن اليونان 800 كم. وبينها وبين جزيرة كريت 553 كم.

    ويُقدّر أقصى طول لها من الشرق إلى الغرب بـ 240 كم. كما يقدر أقصى عرض لها من الشمال إلى الجنوب بـ 100 كم.

    فيها سلسلتان من الجبال، هما جبال  ترودوس Troodos، في الجنوب الغربي، وهي الأكثر ارتفاعاً، حيث تصل  قمة جبل أولمبيا إلى ارتفاع 1952 متراً فوق مستوى سطح البحر، وتغطي قممها غابات الصنوبر والأرز. وسلسلة كيرينيا ـ كارباس Kyrenia-Karpas، في الشمال، حيث ترتفع 1019 متراً فوق سطح البحر. والسلسلتان تحدان سهل "مساوريا Mesaoria "   الجاف، الذي يمتد من خليج مورفو Morphou ، في الشمال الغربي، إلى فاماجوستا Famagusta، في الشرق، والذي يُعَدّ أكثر مواقع الجزيرة خصوبة، وإنتاجاً.

    ويتميز مناخ قبرص بأنه حار جاف في الصيف، وبارد رطب في الشتاء. ويقدر متوسط هطول الأمطار فيها، سنوياً، بنحو 490 مم .

    وأرض قبرص غنية بالمعادن، مثل: النحاس، والنيكل والبيريت Iron pyrites . وتشكل المعادن 60% من صادرات قبرص، ومع ذلك، فإنها جزيرة زراعية، ويعمل ثلثا السكان في زراعة الحبوب والكروم والزيتون. وتُعَدّ موالح وحرير قبرص من أجود الأنواع.

    وتنقسم الجزيرة إلى ست مقاطعات، والعاصمة هى نيقوسيا Nicosia لفكوسيا Levkosia باللغة اليونانية، وليفكوشا Lefkose باللغة التركية. تقع في وسط الجزيرة، تقريبا، ويحيط بالجزء القديم منها أسوار، يعلوها أحد عشر برجاً، بنيت في عهد البنادقة Venetians. و"فاماجوستا" هي الميناء الرئيسي لقبرص ، وكانت فيما مضى أكبر مركز تجاري في شرقي البحر المتوسط . و"ليماسول Limassol" و"لارناكا Larnaca"، تضمان بعض الآثار القوطية والبيزنطية. "وبافوس Paphos" مدينة تاريخية صغيرة، ترتبط بأسطورة مولد أفروديت Aphrodite . وأما "كيرينيا" Kyrenia (أو كيرنا  Girne بالتركية)، فتقع في شمالي الجزيرة، بين أشجار الزيتون، وتعدّ أجمل المدن القبرصية .

2. أهمية موقع الجزيرة

    تقع الجزيرة القبرصية في منطقة التقاء بين القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتتصل بمناطق الشرق والغرب، حيث اختلاف الثقافات والأعراق، ومناطق الصراع الدولي.

    أعطى هذا الموقع الجزيرة أهمية بالغة. وكان له دور رئيسي في ما شهدته الجزيرة طوال تاريخها، من تطورات، سياسية وعسكرية واقتصادية وحضارية. فكانت على الدوام عرضة للغزو، فقد توالت عليها الغزوات المختلفة عبر التاريخ: الغزوات الفرعونية، والحثية، والأكادية، والفينيقية، والأشورية، والفارسية، والقرطاجية، والرومانية، والبيزنطية، والإسلامية، والصليبية من اللاتين، والفتح العثماني، والاحتلال الإنجليزي . كما أهّلها هذا الموقع لأن تلتقي فيها حضارات من الشرق والغرب، والإسلام والمسيحية. وينعم أهلها بالرخاء، في بعض الفترات، من عملهم في التجارة والمواصلات البحرية .

3.  الأهمية السياسية والإستراتيجية لموقع قبرص بالنسبة لبريطانيا

    في الأربعينيات من هذا القرن، شكّلت قبرص قاعدة إستراتيجية لبريطانيا، ونقطة اتصال وتموين لمستعمراتها وقواتها في مصر وفلسطين والعراق والخليج العربي. ولمّا أصبحت طرق المواصلات البريطانية مهددة، بحراً عبر قناة السويس، وجواً عبر منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت حيفا، منفذ نفط الشرق الأوســط، غير آمنة، كان على بريطانيا أن تعيد حساباتها، بالنسبة إلى كل المنطقة، وتختار لنفسها خطاً ثانياً، في حالة فقدها الخط الأول، يمكنها من الاستمرار في مراقبة تطور الأحداث، في مصر والعراق ومنطقة الشرق الأدنى. وكان هذا الخط الثاني يتمثل في قبرص، التي كان موقعها الجغرافي يجعل منها قاعدة إستراتيجية، ذات قيمة كبيرة، وقت الحاجة. لذلك، تمسكت بريطانيا بوجودها في هذه الجزيرة.

    وزاد من أهمية جزيرة قبرص الإستراتيجية، وأهمية الوجود البريطاني فيها، بداية التوتر، في ذلك الوقت، بين الكتلتين الشرقية والغربية، وكونها نقطة مهمة لأنشطة حلف شمال الأطلسي . وتضاعف دورها بعد أن تزايد الوجود البحري السوفيتي في المنطقة، وإثر إجلاء كل من مالطة وليبيا القواعد العسكرية، البريطانية والأمريكية عن أراضيها.

4.  موقع الجزيرة القبرصية، وأثره في المنطقة العربية

    كانت القواعد البريطانية في قبرص، تُشكّل خطراً على الأمن العربي. فقد انطلقت القوات البريطانية، التي شاركت في العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956 ، من القاعدتين البريطانيتين في قبرص، اللتين لعبتا، أيضاً، دوراً كبيراً في الحرب بين الدول العربية وإسرائيل، في عام 1967، وفي مساعدة إسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973. واستخدم ميناء "لارناكا" القبرصي، لتقديم التسهيلات إلى مشاة البحرية الأمريكية(Marine Corps) ، والقوات متعددة الجنسيات، التي نزلــت، في بيروت، عام 1978  .

    وقد تغلغل جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، "الموساد"، في كثير من مرافق الدولة القبرصية اليونانية. فهناك أكثر من 170 شركة قبرصية يونانية، تتعامل، وبتوسع، مع إسرائيل .

    وتجري عمليات تهريب البضائع الإسرائيلية إلى الأسواق العربية، من خلال التجارة القبرصية، وتقف غرفة التجارة والصناعة القبرصية موقفاً سلبياً، إزاء إنشاء غرفة تجارة مشتركة، قبرصية ـ عربية، في حين أن ثمة غرفة تجارة قبرصية يونانية ـ إسرائيلية .

    تقيم قبرص، مع معظم البلاد العربية، علاقات تجارية واقتصادية ممتازة. وحوالي 48.2% من مجمل صادرات قبرص، يذهب إلى البلدان العربية. والميزان التجاري بين هذا الشطر اليوناني من تلك الجزيرة الصغيرة والدول العربية مجتمعة، يميل إلى مصلحة الأولى بنسبة ملحوظة 77.367 مليون جنية قبرصي قيمة الواردات القبرصية  من الدول العربية، وهي واردات، يُشكّل النفط نسبة تزيد على 90% منها، مقابل 139.989 مليون جنيه قبرصي قيمة الصادرات القبرصية إلى الدول العربية). في الوقت نفسه، فإن  الميزان التجاري بين قبرص وإسرائيل، يميل إلى مصلحة هذه الأخيرة بدرجة كبيرة جداً (927 ألف جنيه قبرصي صادرات، مقابل 4.715 ملايين جنيه قبرصي واردات) .

5.  أهمية جزيرة قبرص لتركيا  

    كانت قبرص تابعة للدولة العثمانية، لثلاثة قرون. ويعيش عليها جزء من الشعب التركي. وهي لا تبعد عن الشاطئ التركي أكثر من 70 كيلومتراً. وتسيطر على المنحنى الجنوبي للساحل التركي على البحر الأبيض المتوسط. لهذا، تحمل الجزيرة أهمية إستراتيجية خاصة لأمن تركيا، في صراعها مع اليونان. فإذا ما اتحدت قبرص مع اليونان، سوف يبرز أخطار ضرب الحصار على الشواطئ التركية، وإغلاق منافذها البحرية من مدخل بحر إيجه، المؤدية إلى الدردنيل  Dardanelles والبوسفور Bosporus، وكافة الموانئ التركية، من إستانبول حتى الإسكندرونة. وهي أخطار تدركها تركيا، ولا يخفف منها أوهام تحالف البلدين، ضمن منظمة حلف شمال الأطلسي .

6.  سكان الجزيرة

     بلغ عدد سكان الجزيرة سبعمائة وخمسين ألف نسمة. يكوّنون طائفتين عرقيتين، يونانية وتركية، كل منهما تشكّلت من مهاجرين، وفدوا من اليونان وتركيا عبر العصور. وقد عاشت الطائفتان متجاورتين من دون مشاكل تذكر، طوال الحكم العثماني الإسلامي، الذي دام ثلاثة قرون، (من 1571 حتى 1878) . وساءت العلاقات بين الطائفتين، مع بدء التحرك، الذي قادته الكنيسة الأرثوذكسية، لضـم الجزيرة إلى اليونان . ولا يوجد بين الطائفتين أي قاسم مشترك، باستثناء العيش على جزيرة واحدة، فلكل منهما قوميتها ودينها ولغتها وتراثها وعاداتها وتقاليدها. لذلك، لم ترقَ علاقاتهما، في أي وقت، إلى حدّ الاندماج لتكوين شعب موحد. بل على العكس، حافظ كل منهما على خصائصه، فلم تحدث حالات زواج، أو حالات تحول من دين إلى آخر .

     ينتمي القبارصة اليونانيون إلى الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، ويتكلمون اليونانية. أمّا القبارصة الأتراك، فمسلمون سنّة، ويتكلمون اللغة التركية. وتعدّ اللغة الإنجليزية لغة ثانية لكليهما  .

     تتألف الجزيرة، في الوقت الحاضر، من دولتين مستقلتين عملياً: دولة قبرص الجنوبية اليونانية، التي يعترف بها المجتمع الدولي أنها هي "جمهورية قبرص"، المستقلة، التي تشكلت في 16 أغسطس 1960، على أسُس دستورية صارمة، تؤكد المشاركة بين الطائفتين، وهو ما رفض القبارصة اليونانيون الالتزام به، واحترام توقيعهم إياه. وجمهورية قبرص الشمالية التركية، في الشمال، التي تأسست في 15 نوفمبر 1983، على أثر فشل المفاوضات بين الطائفتين، ولتأكيد حق الطائفة القبرصية التركية في أن تعامل كشريك في دولة قبرصية يونانية ـ تركية، وليس كأقلية في دولة يونانية . ولم يعترف بجمهورية قبرص الشمالية التركية سوى تركيا.

     كلتا الدولتين، تتخذ المنطقة، التي تسيطر عليها في مدينة نيقوسيا، عاصمة لها. وتبلغ مساحة الدولة القبرصية اليونانية، في الجنوب، 65% من مجمل مساحة الجزيرة. والـ 35% الباقية، تشكل مساحة جمهورية قبرص الشمالية التركية.

     في  الشطر الجنوبي خمس سفارات لدول عربية، هي: لبنان، سورية، مصر، فلسطين، ليبيا. ولا يوجد في الشطر الشمالي أي تمثيل دبلوماسي عربي، أو غير عربي، باستثناء تركيا، التي تتبادل وحدها، منذ العام 1983، البعثات الدبلوماسية مع جمهورية قبرص الشمالية التركية، .

     يقدِّر القبارصة اليونانيون نسبتهم، عام 1978، بنحو 80% من عدد السكان، وأن 18% منهم، هم قبارصة أتراك، والنسبة الباقية تشمل أقليات صغيرة، مارونية ولاتينية ومستوطنين بريطانيين، وجنسيات أخرى مختلفة. أمّا القبارصة الأتراك، فيؤكدون أن نسبتهم، عام 1974، هي 24.6% ، وأن نسبة القبارصة اليونانيون، بلغت 74.7% ، والباقي من الأقليات .

ثانياً: قبرص ... خلفية تاريخية

1.  لمحة سريعة إلى تاريخ قبرص حتى عام 1570

     أظهرت الحفريات، أن جزيرة قبرص كانت مأهولة بالسكان، منذ الألف السادس قبل الميلاد. وقد توطدت علاقاتها بالحضارات المحيطة بها، طوال الألف الثاني قبل الميلاد. ونشطت مبادلاتها التجارية، لا سيما تصدير النحاس، الذي يُعَدّ أهم ثروات الجزيرة، مع مصر وسورية .

     وفي النصف الثاني للألف الثاني قبل الميلاد، ظهر في قبرص كتابة خاصة، لم تُفك رموزها حتى الآن. وبدأ انتشار التأثير اليوناني فيها، مع استقرار موجات من الوافدين الميثانيين، الذين عززوا تجارتها ودفعوها إلى الازدهار. إلاّ أن الزلازل، التي أصابت الجزيرة (1100 ق.م)، دفعت سكان المدن الرئيسية إنكوميEnkomi، كيتيوم Citium، بافوس Paphos، إلى الهجرة، مما أدّى إلى تدهور التجارة البحرية. وفي مطلع الألف الأول ق.م، كانت الجزيرة تضم ثلاث مجموعات سكانية متمايزة اللغات. المجموعة الأولى تستخدم اللهجة القبرصية القديمة، والثانية، تتكلم لغة مشتقة من اليونانية، والثالثة، تستخدم الفينيقية. وقد نتج من هذا الاختلاط ظهور ثقافة هجينة، مفتوحة أمام التأثيرات الأجنبية، مع وضوح التأثير اليوناني. كما كانت تتقاسمها أكثر من تسع ممالك، منها: أماتوس Amathus، كيتيون   Kition، كيريينا Kyrenia، لابيتوس Lapithos، كوريون Kourion، ماريون Marion، بافوس Paphos، سولي Soli، تماسوس Tamassos .ولكن أهمها مملكة سلامين أو سلاميس Salamis، التي حكمها الملك إيفاجورا Evagoras (توفي عام 376 ق.م). وقد خضعت الجزيرة للسيطرة ال أشورية في عهد "سرجون الثانىSargon II " (724 - 705 ق.م) وحتى (612 ق.م)، ثم سيطر عليها المصريون لمدة قرن. وخلفهم في حكمها الفرس، في عام522 ق.م، حتى مجيئ الإسكندر المقدوني Alexander the Great، الذي انتصر على ملك الفرس دارا الثالث Darius III، في موقعة إيسوس  Issus، في قيليقيا، عام 333 ق.م، فدخلت قبرص تحت سلطته. وقد دخلت قبرص تحت حكم البطالمة، حكام مصر، وصارت من نصيب بطليموس. ولمّا نشب الصراع بين بطليموس وخصمه انتيجونوس، غلب الأخير على قبرص، مدة عشر سنوات. ثم حانت الفرصة لبطليموس عندما هزم ديميتريوس غريمَه انتيجونوس عام 310 ق. م ، فاستولى بطليموس على قبرص ثانية، عام 295 ق.م. وبقيت مدة قرنين ونصف القرن ضمن ممتلكات البطالمة، حتى غزاها الرومان في عام 58 ق.م.

ولمّا انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى شرقية وغربية، عام 330م، وقعت قبرص ضمن الإمبراطورية الشرقية (البيزنطية، ومقرها بيزنطة أو القسطنطينية)، وظلت كذلك حتى القرن السابع الميلادي .

      فطـن المسلمون، في صدر الإسـلام، لأهميـة هذه الجزيرة، فشنّوا عليهـا أولى حملات الفتح البحريـة، التي بدأت ـ فيمـا يروى ـ سنة 12هـ/632 م. وعادت الحمـلات في عـام 28هـ/647م، حين دخلها معاوية بألف وسبعمائة سفينة، وفرض على أهلها الجزية. وهاجمها المسلمون أيضاً في 33 هـ/653-654م، بعد أن نقض أهلها العهد. وظلّت الغارات الإسلامية مستمرة، تعقبها معاهدات، وتفرض على أهلها الجزية، ولا تلبث أن تُخرق هذه المعاهدات، فتعود الحملات على الجزيرة. وهذا ما حدث في عام 75هـ/693م، في عهد عبدالملك بن مروان، وفي 109هـ/726م، وفي عام 126هـ/743م. وأغار المسلمون عليها، في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد، عام 174هـ/790م، بعد أن اعترض الروم السفن الإسلامية، وأسروا من كان بها وهي في طريقها إلى مصر .

      وصارت قبرص قاعدة للحملات الصليبية ضد بلاد المسلمين، بعد أن احتلها "ريتشارد قلب الأسد (The Lionheart) Richard I ، أثناء الحملة الصليبية الثالثة، في عام 1191م. ولمّا لم يستطع الاحتفاظ بها، باعها لفرسان المعبد (الهيكل) Knights of Temple، ولكنهم لم يتمكنوا من الوفاء بالثمن، فاستعادها منهم، وباعها للملك جي دي لوسينان Guy de Lusignani، ملك بيت المقدس المعزول، الذي أسس فيها مملكة أسرة لوسينان، التي حكمت الجزيرة حتى عام 1489م ، وأسسوا فيها أول كنيسة كاثوليكية عام 1196م.

      وأصبحت قبرص مملكة ذات صلة وثيقة بالثقافة الفرنسية، نتيجة استقرار عدد كبير من النبلاء الفرنسيين بها، وغدت أهم مركز لاتيني في الشرق، بعد أن استعاد المسلمون "عكا" من الصليبيين، عام692هـ/1291م. كما شهدت في هذه الفترة عهداً مزدهراً وتجارة رابحة، استغلتها البورجوازية الجنوية Genoese، التي أصبحت دائنة للملك، وبدأت تتمتع بدور سياسي مهم. وتغلبت الكنيسة الكاثوليكية على الكنيسة الأرثوذكسية، وحلّت محلها في قبرص.

        وشنّ عليها السلطان المملوكي، برسباي، ثلاث حملات بالأسطول المصري، ما بين  أعوام 828هـ ـ 830هـ / 1424 - 1426م، للتخلص من خطر الصليبيين فيها. وقد أسر ملكها جانوس Janus، وأتى به إلى مصر، وفرض عليها الجزية، التي بقيت تُدفع إلى مصر حتى فتحها العثمانيون، فتحولت إليهم .

        وللتخلص من الوصاية الجنوية، سعى جيمس الثانـي James II     (1460م ـ 1473م) إلى عقد تحالف مع البندقية "Venice"، وتزوج بـ كاترين كورنارو " Catherine Cornaro "، تحقيقاً لهذا الهدف. ثم تربعت كاترين على العرش، بعد حكم ولدها جيمس الثالث James III، ثم تخلت عن الجزيرة للبنـدقية، بعد موتها (1489م). وظلت الجزيرة في قبضة البنادقة حتى سقوطها في يد العثمانيين .



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة