الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
نيقوسيا والخط الأخضر
الاقتراح التركي
بحر إيجه
قبرص - التقسيم الفعلي
اُنظــــر كـــذلك
 
جمهورية تركيا
جمهورية اليونان
جمهورية قبرص

2.  الحكم العثماني

      احتل العثمانيون قبرص في عهد السلطان سليم الثاني، عام 1571م ، وطردوا منها البنادقة، بهدف القضاء على القرصنة على طريق التجارة في شرقي البحر الأبيض المتوسط، وللقضاء على الخطر الذي تتعرض له طرق الحج والمصالح العثمانية، من خلال احتلال قوة أجنبية لهذه الجزيرة، التي تتحكم في موقع إستراتيجي مهم في المنطقة .

      بعد الاحتلال العثماني، تشكلت في الجزيرة جالية من الأتراك، إلى جانب السكان الأصليين، الذين حافظوا على ثقافتهم الهلّينية. واتبعوا سياسة استيطانية منظمة، تؤمن الوجود التركي فيها، من طريق التهجير والنفي إلى الجزيرة من بعض مناطق الأناضول، مثل  قرامان وقيصري وعلائية ودارندة وتكة، حتى بلغ مجموع المسلمين، خلال قرن واحد، ثلث سكان قبرص. واستمرت هذه السياسة حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، حين هاجرت أفواج من التركمان، وسكنت الجزيرة. وبلغ عدد السكان، في عام 1777، 84000 نسمة، كان عدد الأتراك منهم 47000 نسمة.

      وكان من أهم نتائج الوجود العثماني، إلغاء النظام الإقطاعي، الذي استبدل به نظام، تمتع فيه الفلاح القبرصي بحق استثمار الأرض وتوارثها، لقاء تسديد الضرائب المفروضة.

      وكان الأتراك العثمانيون قد فتحوا القسطنطينية (عاصمة الإمبراطورية البيزنطية) في عام 1453م، وأكملوا سيطرتهم على كافة الأراضي اليونانية، وسمحوا للطائفة المسيحية الأرثوذكسية بالاحتفاظ بهويتها، الثقافية والدينية، مقابل دفع الجزية، وإعلان الخضوع للسلطان العثماني . ولدى فتحهم قبرص، في عام 1571م، اعترفوا بمطران الكنيسة الأرثوذكسية زعيماً للطائفة القبرصية اليونانية. وبذلك، استعادت الكنيسة الأرثوذكسية استقلالها، بعد أن كانت تحت الوصاية الكاثوليكية. والحقيقة أن القبارصة الأرثوذكس، استقبلوا الأتراك العثمانيين كما لو كانوا منقذين لهم، لسبب رئيسي، هـو أن اللاتينيين البنادقةVenetians، كانوا قد سلبوهم كل حقوقهم. فقبل وصول الأتراك، كانت الكنيسة اللاتينية قد قضت، تقريباً، على أي وجود للكنيسة الأرثوذكسية، وألغت امتيازاتها، وظل منصب كبير الأساقفة الأرثوذكس شاغراً لثلاثة قرون تقريباً . واعترف الباب العالي بالأسقف، كممثل لملة الروم الأرثوذكس عام 1756، مما زوّده بسلطات إدارية واسعة، وجعله الشخصية الثانية في الجزيرة، بعد الحاكم العثماني. واستمرت سلطته هذه حتى وقوع حوادث عام 1821، التي ذُبح خلالها عدد من القبارصة اليونانيين، بعد اتهام الكنيسة بالتفاهم مع اليونانيين، الذين ثاروا على السلطة العثمانية. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، شهدت قبرص فترة مظلمة من تاريخها، إذ تناوبت عليها المجاعات والأوبئة وقحط المواسم، وتعرضت لعدة انتفـاضات  في أعوام 1665، 1690، 1764، 1766، وتقلص عدد سكانها، خاصة من العاملين في مجال الزراعة.

      وخلال فترة الإصلاحات، التي بدأت مع السلطان محمود الثاني (1808 ـ 1839)، نُفِّذ بعض التعديلات الإدارية، كان أهمها تشكيل ديوان خاص (مجلس إداري وقضائي)، يضم أربعة ممثلين عن كل من الجاليتين اليونانية والتركية (1856) .

3.  الحكم البريطاني

      في عام 1878، عقـد الباب العالـي اتفاقيـة، مع بريطانيا، يتخلى بموجبها عن إدارة قبرص للسلطات البريطانيـة، مـع بقـاء الجزيـرة تحت السيادة العثمانيـة، لقـاء مبلغ سنوي من المـال، وتأدية الجزية إلى الدولة العثمانية، وتعهد بريطاني بدعم السلطنة إذا تعرضت لأي هجوم روسي.

      وقد استقبل القبارصة اليونانيون الإدارة الإنجليزية بالترحاب، لا سيما أن الاتجاهات القومية اليونانية، المتأصلة في وجدان هذه الجالية، كانت تأمل أن يكون الخلاص من الحكم العثماني، ومجيء الإنجليز إلى الجزيرة، خطوة على طريق تحقيق الوحدة مع اليونان. أمّا الجالية التركية، فكانت مستعدة للتعاون مع السلطات الجديدة، بهدف منع تحقيق مشروع الوحدة.

      كان الإجراء الأول، الذي اتخذته الإدارة الجديدة، في بداية تسلمها الجزيرة، هو تشكيل مجلس تشريعي، بناءً على الدستور المعتمد (عام 1882)، يضم ستة موظفين بريطانيين، بالتعيين، واثني عشر ممثلاً عن الجزيرة، بالانتخاب، وتسعة من القبارصة اليونان، وثلاثة من القبارصة الأتراك، بالاستناد إلى نسبة كل جالية إلى مجموع السكان في ذاك الوقت (75% قبارصة يونـان، و25% قبارصة أتــراك).

      لكن هجرة الأتراك إلى تركيا، في أوائل القرن العشرين، خاصة بعد قيام الجمهورية التركية، غيّرت من هذه النسب إذ أصبحت، كما هو عليه الحال الآن، 80% من اليونان، و18% من الأتراك، و2% أقليات صغيرة من الأرمن والموارنة. بيد أن الإدارة البريطانية، لم تعدل التمثيل في المجلس، لكي يتناسب وهذه المعطيات الجديدة، خشية أن يمتلك القبارصة اليونانيون، بمفردهم، الأغلبية المطلقة فيه.

      واستمر هذا الوضع حتى بداية الحرب العالمية الأولى (1914)، حين قامت بريطانيا بضم قبرص، رداً على دخول السلطنة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا. وعرضت بريطانيا الجزيرة على اليونان، في عام 1915، نظير دخولها الحرب إلى جانب الحلفاء. ولكن اليونان لم تقبل هذا العرض . وتخلت تركيا عن حقوقها في الجزيرة لبريطانيا، بموجب معاهدة لوزان Treaty of Lausanne في 24 يوليه 1923 (اُنظر الملحق الرقم ـ 1). ثم صارت الجزيرة مستعمرة بريطانية، تابعة للتاج الملكي البريطاني في عام 1925، وأصبح رعاياها رعايا بريطانيين .

      على المستوى الداخلي، برز بعض أدلة الانفتاح بين الجاليتين. فقد عارضتا معاً قانوناً بريطانياً، يهدف إلى نقل الإشراف على المدارس إلى الإدارة الإنجليزية (1921)، وزاد العمل المشترك ضد الاستعمار البريطاني، خلال الفترة من عام  1928 إلى  عام 1931، لا سيما أن الوئام كان يسود العلاقات بين اليونان وتركيا خلال الفترة عينها. إلاّ أن الموقف سرعان ما تدهور، ابتداءً من عام 1931، على أثر قرار الحاكم البريطاني اعتماد ميزانية 1931، على الرغم من تصويت أغلبية المجلس التشريعي ضده. وأشعل هذا السلوك الاستعماري العواطف القومية والإحساس بالقهر، لدى الجالية اليونانية، فانفجرت الانتفاضة، في أكتوبر 1931، بإيحاء من الكنيسة الأرثوذكسية القبرصية، لتحقيق الوحدة مع اليونان. وكان رد السلطات البريطانية عليها عنيفاً، كما نُفي العديد من الزعماء السياسيين، وأُلغي المجلس التشريعي، وعُلّقت الحريات .

      وبعد مضي عشر سنوات على الانتفاضة، قررت السلطات رفع الإجراءات السابقة، وإعادة الحريات، مما خلق نشاطاً سياسياً كبيراً، حتى بلغ عدد الأحزاب اثنين وثلاثين حزباً للجالية اليونانية، مقابل ثلاثة أحزاب في الجانب التركي. كما عادت فكرة الوحدة مع اليونان تغذي عقول القبارصة اليونانيين وقلوبهم، أكثر من أي وقت مضى، بدفع من المقاومة، التي كان يبديها الشعب اليوناني تجاه الاحتلال الألماني النازي. في حين أن قلق القبارصة الأتراك من الوحدة، كان يدفعهم إلى التعلق بالوجود الإنجليزي في الجزيرة، كونه الضمان الوحيد إزاء هذا الاحتمال، حتى يتم إيجاد حل، يرضي الطرفين.

ثالثاً: هوية قبرص

      إن تبعية هذه الجزيرة، على مر هذا التاريخ، يشوبها الكثير من الجدل، القائم على أسانيد كلا الطرفين المتخاصمين، إذ يؤكد الطرف القبرصي اليوناني تبعية الجزيرة لليونان، مستنداً إلى وقائع تاريخية. بينما يؤكد الطرف القبرصي التركي تبعية الجزيرة لتركيا، مستنداً إلى وقائع تاريخية وجغرافية، أيضاً.

1.  تاريخ قبرص، من وجهة نظر القبارصة اليونانيين

      في بحثهم عن "يونانية" قبرص، وجد القبارصة اليونانيون، أن جزيرتهم كان لها، منذ القدم، تاريخ حافل، نتيجة لموقعها الجغرافي. إذ قدِم اليونانيون إلى قبرص، عام 1500 ق.م، تجاراً، ومهاجرين، في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وقد أدخل هؤلاء اليونانيون اللغة والحضارة اليونانيتين، اللتين ما برحت المحافظة عليهما حتى يومنا هذا .

      في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، أصبحـت قبـرص جزءاً من مملكة الإسكندر الأكبر. وخــلال القرن الأول قبل الميلاد، أصبحت مقاطعة من الإمبراطورية الرومانية، واستمرت كذلك حتى القرن الرابع للميلاد، حينما أعطيت للجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية، وهذا يشير إلى بدء العهد البيزنطي، الذي استمر حتـى القرن الثاني عشر للميلاد، حينما قام الملك ريتشارد قلب الأسد، خلال الحملات الصليبية، باحتلال الجزيرة، لكنه سرعان ما سلّمها للفرنسيين، حتى القرن الخامس عشر الميلادي.

      وفي عام 1489، أصبحت قبرص جزءاً من جمهورية البندقية. وفي عام 1571، احتلها العثمانيون. وقد بقيت قبرص تحت الاحتلال العثماني، مثلها مثل الأراضي اليونانية الأصلية، وجزر يونانية أخرى. إلاّ أنه بعد الانتفاضة اليونانية، وبدء النضال التحرري عام 1821، انتزعت عدة أجزاء من اليونان استقلالها. وقد أسهمت قبرص في حرب اليونان من أجل الاستقلال، إذ قاتل العديد من القبارصة، وسقطوا خلال تلك الحرب، وخصوصاً في معركة أثينا، عام 1822 .

      لقد طرحت مسألة ضم قبرص إلى الدولة اليونانية بعد عام 1830 مباشرة. ولم يكن ذلك ممكناً. واستمرت قبرص تحت الحكم العثماني حتى عام 1878. وخلال هذا العام، دفعت سياسة التوسع لروسيا القيصرية الأتراك إلى تسليم قبرص للبريطانيين، الذين وعدوا الأتراك بمساعدتهم، في حال قيام الروس بهجوم على مناطق حدودية معينة. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، عام 1914، ضُمت جزيرة قبرص إلى الإمبراطورية البريطانية، بموجب معاهدة لوزان، الموقعة في 24 يوليه 1923. وفي عام 1925، أُعلنت، رسمياً، مستعمرة ملكية بريطانية، وظلت كذلك حتى استقلت في 16 أغسطس 1960 .

      وإضافة إلى ذلك، يقدم القبارصة اليونانيون بعضاً من الدلائل التاريخية التالية:

 

أ.

دلت الحفريات على وجود حضارة قبرصية، يعود تاريخها إلى العصر الألفي السادس (ق.م). وكان السكان يعتمدون على الحجر في صنع معداتهم وأدواتهم .

 

ب.

وفي بداية العصر الألفي الثالث (ق.م)، اكتشف النحاس، الذي بدأ يؤثر في تاريخ قبرص. ويقال إن اسم الجزيرة ينتسب إلى النحـاس، الذي كان يستخرج بكثرة، وسريعاً ما حل النحاس محل الحجر في صنع الأسلحة والمعدات.

 

ج.

في هذا الوقت، امتد الاستيطان إلى داخل الجزيرة، وتغيرت أنماط البناء، من الشكل الدائري إلى الشكل المستطيل، وحلت البيوت محل الأكواخ. وأصبح الأموات لا يدفنون في الأكواخ، حيث يعيشون، بل في المقابر العامة. وحدث تغيير كبير في أساليب الحياة. ووجدت آثار للآلهة، وأهمها أفروديت، التي اقترن تاريخها بتاريخ قبرص إلى يومنا هذا.

 

د.

إن التغيير في أساليب الحياة، ربما كان نتيجة لتعدد السكان، ودخول عناصر أجنبية إلى الجزيرة، من البلدان المجاورة. وتدل الأبحاث على أن شعب قبرص، كان في يوم ما، صديقاً لشعب الأناضول. وفي تلك الفترة، كان لقبرص علاقات ببلدان الشرق الأوسط، مثل سورية وفلسطين واليونان .

2.  تاريخ قبرص، من وجهة نظر القبارصة الأتراك

      اهتم العلماء الأتراك في عرضهـم لتاريـخ الجزيرة، بالطعن في الأسانيد اليونانية. ورأوا أن الجزيرة تتبع تركيا، وذلك على أساس ثبوته، كحقيقة علمية، تؤكدها دراسات قام بها علماء غربيون عن أن تضاريس قبرص، كما هو الحال في جبال ترودوس، متشابهة، من حيث السطح والتكوين، وهي امتداد لجنوبي الأناضول وكانت متصلة بميناء الإسكندرونة، بمنظومة سلسلة جبال طوروس، وأن قبرص هي قطعة من تركيا، وأنها مشـابهة للأناضول، من حيث الجيولوجيا والإقليم.

      وفي الاتجاه نفسه، الذي يؤكد أن قبرص المنفصلة عن تركيا بواسطة البحر هي في الواقع متصلة بالإقليم الأصلي، من طريق قاعدة في عمق البحر، يراوح عمقها بين مئات الأمتار، وأن جبال منبسطات ولاية هاتاي التركية، الصاعدة فوق مستـوى البحر عند قبرص، هي استمرار للتضاريس نفسها.

      ويذكر المؤرخ اليوناني، الدكتور أشيلي أميليانيدسAchilles C. Emilianides، المعروف بعدائه للأتراك، في كتابه "تاريخ قبرص"Hellenic Cyprus ، أنه "من المحتمل أن يكون ساكني قبرص الأوائل، قد جاءوا من سواحل الأناضول، وحملوا معهم أعرافهم وعاداتهم" .

      وعلى صعيد اللغة، فإن العاِلم جون جارستانج J.Garstang ، في كتابه " مرسين ما قبل التاريخ Prehistoric Mersin "، يؤكد أن إضافات (اند، سس)، الدارجة في أسماء الأماكن في الأناضول، قد انتقلت إلى اليونان، عبر بحر إيجه في الألف الثالث قبل الميلاد وهو حقيقة ثابتة لدى المحافل العلمية. فأسماء المناطق القبرصية، مثل: أماثوس، أرباندا، ملانثوس، تاما سوس، . . . إلخ،  مشتقة من لغة الأناضول، ومن المعلوم كذلك، أن قبرص كان لها لغة محلية للتخاطب والكتابة، مشتقة جذورها من اللغات الأناضولية القديمة السائدة في تلك الفترة، علماً بأنه لم يكن للفينيقيين والمسينيين وجود في  قبرص . وحتى بالنسبة إلى العصر البرونزي، فإن العلماء يؤكدون أن التطورات في قبرص في هذا العصر، هي مشابهة لتطوراته في الأناضول.

      هذا الارتباط بين قبرص والأناضول، تبرز نتائجه جلية في أن كل القوى، التي احتلت الأناضول، كانت تسارع إلى احتلال قبرص، كما فعل الحثيون والأشوريون والفرس. وخلاصة ذلك كله، أن قبـرص كانت، منذ العصر الحجري، مرتبطة، من حيث الجنس والثقافة واللغة، بالأناضول .

------------------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة