الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
نيقوسيا والخط الأخضر
الاقتراح التركي
بحر إيجه
قبرص - التقسيم الفعلي
اُنظــــر كـــذلك
 
جمهورية تركيا
جمهورية اليونان
جمهورية قبرص

الملحق الرقم (8)

رسالة مكاريوس إلى الجنرال جيزيكيس

نيقوسيا، يوليه 1974

السيد الرئيس،

         ببالغ الأسى، أرى من واجبي، أن أضع أمامكم بعض الأوضاع والأحداث، التي لا يمكن القبول بها، في قبرص، والتي أرى أن الحكومة اليونانية مسؤولة عنها.

         فمنذ وصول الجنرال جريفاس، سراً، إلى قبرص، في سبتمبر 1971، والشائعات، معززة ببعض القرائن، تشير إلى أنه جاء إلى قبرص، بتحريض وتشجيع من بعض الدوائر في أثينا. ومن المؤكد، على أي حال، أن جريفاس، منذ الأيام الأولى لوصوله، كان على اتصال مع ضباط من اليونان، يعملون في الحرس الوطني. وقد تلقّى منهم الدعم والمساعدة على جهوده لإنشاء منظمة غير شرعية، تحت ذريعة القتال من أجل الإينوسيس. وبالفعل، فإنه أنشأ منظمة "إيوكا ـ بEOKA-B الإجرامية، التي أصبحت سبباً ومصدراً للكثير مما تعانيه قبرص.

         إن نشاط هذه المنظمة التي ارتكبت العديد من عمليات الاغتيال السياسي، وغيرها من الجرائم، وهي ترفع شعار الإينوسيس تحت غطاء وطني، معروف جيداً. ومنذ البدء، كان الحرس الوطني، الذي يقوده، ويشرف عليه ضباط يونانيون، المموّن الرئيسي، بالرجال والعتاد لـ "إيوكا ـ ب"، التي انتحل أعضاؤها ومؤيدوها لأنفسهم صفة "معسكر الإينوسيس".

         لقد سألت نفسي، مراراً، كيف يمكن ضباطاً يونانيين، أن يساندوا منظمة غير شرعية، مضرة قومياً، تزرع الشقاق والفرقة والتفسخ في جبهتنا الداخلية، وتؤدي بالشعب القبرصي اليوناني إلى حرب أهلية؟ وتساءلت، مراراً، عمّا إذا كان هذا الدعم، يحظى بموافقة الحكومة اليونانية؟ فكرت طويلاً، ووضعت العديد من الافتراضات، من أجل أن أجد جواباً منطقياً عن أسئلتي. ولكن عبثاً، إذ لا يمكن لأي من الدوافع والافتراضات، أن يكون مبنياً على المنطق.

         على أن دعم الضباط اليونانيين لـ "إيوكا ـ ب"، يشكل حقيقة لا يرقى إليها الشك. فمعسكرات الحرس الوطني، في العديد من أنحاء الجزيرة والمناطق القريبة، ملطخة بالشعارات المؤيدة لجريفاس و"إيوكا ـ ب"، وكذلك بشعارات معادية للحكومة القبرصية، ولي شخصياً بنوع خاص.

         إن الدعاية، التي يقوم بها الضباط اليونانيون، في معسكرات الحرس الوطني، لمصلحة "إيوكا ـ ب"، غالباً ما تكون سافرة. ومن المعروف، أيضاً، كحقيقة لا يرقى إليها الشك، أن الصحافة القبرصية المعارضة، التي تدعم النشاط الإجرامي لـ "إيوكا ـ ب"، ويتم تمويلها من أثينا، تتلقى الأوامر والتوجيهات من المسؤولين في المكتب الثاني بهيئة الأركان، وفرع الاستخبارات اليونانية، في قبرص.

         صحيح أنني أرسلت شكاوى متكررة إلى الحكومة اليونانية، حول موقف وسلوك بعض الضباط، وتلقيت جواباً بأن عليّ ألاّ أتردد في ذكرهم بالاسم، وتحديد التهم الموجهة إليهم، كي يمكن استدعاؤهم إلى اليونان. وقد فعلت ذلك مرة واحدة … إلا أن هذا العمل، لا يسرني. أكثر من ذلك، فإن هذا الشر لا يداوى بوسائل كهذه. المهم هو اقتلاع الشر من جذوره، والوقاية منه، وليس مواجهة نتائجه فحسب.

         آسف إذ أقول، يا سيادة الرئيس، إن جذور الشر عميقة، تصل حتى أثينا. فمن هناك تتغذى، وتصان، وتساعد على النمو والانتشار، شجرة الشر، التي يذوق الشعب القبرصي، اليوم، طعم ثمارها المرة.

         ولكي أكون واضحاً تماماً، أقول إن كادرات الحكم العسكري اليوناني، تدعم، وتوجه أنشطة منظمة "إيوكا ـ ب" الإرهابية. وهذا الأمر يفسر، أيضاً، تورط الضباط اليونانيين في الحرس الوطني، في أنشطة غير مشروعة، وفي حالات تآمرية، وغيرها من الحالات المستنكرة.

         إن إثم دوائر الحكم العسكري، تثبته الوثائق، التي وجدت، مؤخراً، في حوزة قياديي "إيوكا ـ ب". فالكثير من المال، أرسل من المركز القومي (يقصد أثينا، على أساس أنها الوطن الأم للهلّينية ـ المترجم) للحفاظ على المنظمة، والتوجيهات التي أعطيت في خصوص قيادة المنظمة، بعد وفاة جريفاس، واستدعاء المقدم كاروسوس، الذي أتى معه إلى قبرص… جاءت، ككل ما يتعلق بالمنظمة، من أثينا. وهذه الوثائق ليست موضع شك، إذ حتى تلك التي طبعت على آلة كاتبة، كانت تحمل تصحيحات بخط اليد، وصاحب هذا الخط معروف. وإنني أرفق لكم، طيّة، نموذجاً من هذه الوثائق.

         لقد كنت، على الدوام، ملتزماً بالمبدأ. وأعلنت، في مناسبات عديدة، أن تعاوني مع الحكومة اليونانية، في الوقت الحاضر، هو بالنسبة إليّ واجب قومي. فالمصلحة القومية، تفرض علاقات منسجمة، ووطيدة، بين أثينا ونيقوسيا. وكائنة ما كانت الحكومة اليونانية، التي تمارس السلطة، فإنها، بالنسبة إليّ، حكومة الوطن الأم، وعليّ أن أتعاون معها.

         لا أستطيع القول إنني أكن شعوراً ودياً حيال الأنظمة العسكرية، خصوصاً في اليونان، مهد الديموقراطية ومعقلها. غير أنني حتى في هذه الحالة، لم أحد عن مبدئي حيال التعاون. ولا بد أنك تدرك، يا سيادة الرئيس، أي أفكار حزينة، راودتني، وعذبتني، منذ تحققت من أن هؤلاء الرجال في الحكومة اليونانية، لا يكفّون عن تدبير المؤامرات ضدي ... والأدهى، أنهم يشقّون الشعب القبرصي اليوناني، ويدفعونه إلى الكارثة، من خلال الحرب الأهلية.

         لقد شعرت غير مرة، وفي بعض الحالات كدت أن ألمس، أن ثمة يداً خفية، تمتد من أثينا، لإزالتي من الوجود. ومع ذلك، ومن أجل المصلحة القومية، لذت بالصمت ... وحتى تلك الروح الشريرة، التي حلّت في الأساقفة الثلاثة المخلوعين، الذين تسببوا بأزمة كبرى داخل الكنيسة، جاءت من أثينا. غير أني لم أفُه بكلمة واحدة، في هذا الخصوص.

         إنني لأتساءل عن الهدف من هذا كله؟ وقد كان لصمتي، أن يستمر، حيال مسؤولية الحكومة اليونانية ودورها في مأساة قبرص الراهنة، لو أنني كنت الوحيد، الذي يعاني هذه المأساة. لكن التستر على الأمور، والركون إلى الصمت، ليسا مسموحين، عندما تشمل المعاناة الشعب القبرصي اليوناني برمّته، من جراء قيام الضباط اليونانيين في الحرس الوطني، بتحريض من أثينا، بدعم "إيوكا ـ ب" في أنشطتها الإجرامية، بما فيها الاغتيالات السياسية، والهادفة، عموماً، إلى تفتيت الدولة.

         إن الحكومة اليونانية، تتحمل مسؤولية كبيرة عن هذه المحاولة، الهادفة إلى إلغاء دولة قبرص. فالدولة القبرصية، يمكن أن تحل، في حالة واحدة فقط، هي تحقيق الإينوسيس. غير أنه ما دامت الإينوسيس غير ممكنة، فإن الضرورة تحتم تعزيز قبرص، كدولة. والحكومة اليونانية، بمجمل موقفها حيال مسألة الحرس الوطني، قد انتهجت سياسة محسوبة، لإلغاء الدولة القبرصية.

         لأشهر قليلة خلت، أعدت هيئة أركان الحرس الوطني، التي تتألف من ضباط يونانيين، قائمة بأسماء المرشحين لدخول الكلية الحربية، ليكونوا ضباط احتياط، أثناء خدمتهم العسكرية، ورفعتها إلى الحكومة القبرصية للموافقة عليها. وقد رفض مجلس الوزراء 57 اسماً، ممن تضمنتهم القائمة، وأبلغت هيئة الأركان، خطياً، بذلك. على الرغم من ذلك، وبتوجيهات من أثينا، لم تعِر هيئة الأركان أي اهتمام بقرار مجلس الوزراء، الذي يعود إليه الحق المطلق في تعيين ضباط الحرس الوطني. بهذا التصرف الاعتباطي، تجاوزت هيئة الأركان القانون، واحتقرت قرار حكومة قبرص، وعينت المرشحين، الذين يتم قبولهم في مدرسة تدريب الضباط.

         إن هذا الموقف، الذي اتخذته هيئة أركان الحرس الوطني، التي توجهها الحكومة اليونانية، مرفوض قطعياً. فالحرس الوطني عضو في دولة قبرص، وينبغي أن يكون تحت سيطرتها هي، لا أثينا.

         إن لنظرية المجال الدفاعي المشترك، بين اليونان وقبرص، طابعها الوجداني، غير أن الوضع، في الحقيقة، مختلف. فالحرس الوطني، بتشكيله الراهن، وهيئة أركانه، قد انحرف عن هدفه الأصلي، وتحول إلى مكان تلتقي فيه الأنشطة غير المشروعة، وبؤرة للمؤامرات ضد الدولة، ومركزاً لتطويع المجندين في (إيوكا ـ ب). يكفي أن نقول إنه خلال النشاط الإرهابي، الذي قامت به "إيوكا ـ ب"، مؤخراً، كانت سيارات الحرس الوطني، تنقل الأسلحة، وتتولى تهريب عناصر المنظمة، الذين يوشكون أن يعتقلوا. والمسؤولية الكاملة عن هذا العمل الخاطئ، من قبل الحرس الوطني، تقع على عاتق الضباط، الذين تورط بعضهم، من شعره حتى أخمص قدَميه، في أنشطة "إيوكا ـ ب". والمركز القومي غير معفي من المسؤولية، في هذا الخصوص. فالحكومة اليونانية، تستطيع، بإشارة واحدة، أن تضع حداً لهذا الوضع المؤسف. إن المركز القومي قادر على إنهاء العنف والإرهاب، اللذين تمارسهما "إيوكا ـ ب"، لأن المنظمة تستمد من أثينا وسائل بقائها وقوّتها. كما تؤكد الإثباتات والبراهين المكتوبة، أن الحكومة اليونانية، لم تقم بشيء من ذلك. وكمثال على هذه الحالة، غير المقبولة، أسجل، هنا، أن لافتات معادية لي، ومؤيدة لـ "إيوكا ـ ب"، رفعت، مؤخراً، في أثينا، على جدران الكنائس والمباني الأخرى، بما فيها مبنى السفارة القبرصية. ولم يحاول المسؤولون إيقاف أو معاقبة أحد، متسامحين بذلك مع الدعاية المؤيدة لـ"إيوكا ـ ب".

         ثمة الكثير لأقوله، يا سيادة الرئيس. لكنني لا أعتقد أن عليّ أن أضيف، الآن، أي شيء. وفي الخلاصة، إنني أبلغكم أن الحرس الوطني، ذا الضباط اليونانيين، أي الورطة، التي زعزعت ثقة الشعب القبرصي بي، سيعاد بناؤه على أسس جديدة. لقد خففت مدة الخدمة العسكرية، وبذلك، يتقلص السقف، الذي يستظل به الحرس الوطني، كما تتقلص رقعة الشر. قد يقال إن الحد من قوة الحرس الوطني، من خلال تقصير مدة الخدمة العسكرية، سيجعله غير قادر على القيام بمهامه، في مواجهة الخطر القومي. لكنني لأسباب، لا أود إيرادها، هنا، لا أوافق على هذا الرأي.

         إنني أطلب استدعاء الضباط اليونانيين، الذين يشكلون هيئة أركان الحرس الوطني. فبقاؤهم في الحرس الوطني، وقيادتهم له، سيلحقان الضرر بالعلاقات بين أثينا ونيقوسيا. غير أنني سأكون سعيداً، إذا ما أرسلتم إلى قبرص حوالي مائة ضابط، كمدربين ومستشارين عسكريين، للمساعدة على إعادة تنظيم وبناء القوات القبرصية المسلحة. وآمل، في هذه الأثناء، أن تكون قد صدرت الأوامر إلى "إيوكا ـ ب"، بوقف أنشطتها؛ إذ ما دامت هذه المنظمة لم تحل نهائياً، فإن من غير الممكن استبعاد حصول موجة جديدة من العنف والقتل.

         آسف، يا سيادة الرئيس، لأني وجدت من الضروري، أن أقول العديد من الأمور غير السارة، من أجل أن أقدم صورة شاملة، بعبارات صريحة، وواضحة، عن الوضع الذي يرثى له، في قبرص. غير أن هذا الأمر، اقتضته المصلحة القومية، التي كانت، على الدوام، مرشدة لي في كل أعمالي.

         أنني لا أرغب في أن يتعرض تعاوني مع الحكومة اليونانية لأي انقطاع. غير أنه ينبغي ألاّ يغرب عن البال، أنني لست مختاراً، أو معيّناً من قبل الحكومة اليونانية، بل أنا قائد منتخب من قطاع عريض من الهلّينية. وعلى هذا الأساس، أطالب المركز القومي، بأن يسلك السلوك المناسب حيالي.

مع أطيب التمنيات

رئيس الأساقفة مكاريوس

  الرئيس

------------------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة