الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
تقسيمات إدراية بأفغانستان
القوات المتحاربة بأفغانستان
توزيع القبائل

الفصل الثاني
التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان
أسـبابه وآثــاره

          أثار احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، يوم 27 (كانون الأول) ديسمبر 1979م، ردود فعل عالمية، وإقليمية واسعة، على مستوى دول الجوار، التي تجمعها حدود مشتركة مع أفغانستان، وهي الصين وباكستان وإيران؛ وعلى المستوى الدولي، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الإسلامية، ومنها المملكة العربية السعودية.

          وأصبح الرأي العام العالمي، رافضاً لأي تدخل من دولة كبرى، في شؤون الدول الصغرى. وعلى الرغم من كل المزاعم السوفيتية، في مشروعية هذا التدخل، لكونه بناء على الطلب المتكرر للحكومة الشرعية، أي حكومة حفيظ الله أمين ـ إلاّ أن غالبية دول العالم استنكرت هذا التدخل، الذي تحول إلى احتلال عسكري بالقوة، دام قرابة عشر سنوات.

أولاً: أسباب التدخل السوفيتي في أفغانستان

          على الرغم من أن بداية العلاقات الحقيقة، بين الاتحاد السوفيتي وأفغانستان كانت منذ عام 1878م، إلاّ أن العلاقة الفعلية بدأت منذ عهد أمان الله في عام 1919م، حتى عام 1979م. ويمكن تقسيمها إلى فترتين:

* الفترة الأولى:

وتبدأ بحكم أمان الله، وتنتهي عام 1973م بانتهاء الملكية، وإعلان الجمهورية في أفغانستان بواسطة محمد داود. وقد شهدت هذه الفترة علاقات متزايدة، بين أفغانستان والاتحاد السوفيتي. ولكن يمكن اعتبارها فترة جس النبض، ولكن، في الوقت نفسه، تأكد للاتحاد السوفيتي أنّ البيئة الداخلية لأفغانستان، جاهزة لاختراقها أيديولوجياً، ثم يلي ذلك استكمال السيطرة على المجتمع الأفغاني.

* الفترة الثانية:

تبدأ بإعلان الجمهورية عام 1973م، برئاسة محمد داود، حتى حدوث التدخل السّوفيتي المسلح، مروراً بثورة (نيسان) أبريل 1978م. وشهدت هذه الفترة عملية تسكين كاملة للكوادر الشيوعية ـ التي تم تدريبها في الاتحاد السوفيتي ـ داخل الجهاز الحكومي، والجيش الأفغاني، والوحدات الإنتاجية.

ويمكن تلخيص أسباب الاتحاد السوفيتي ودوافعه للتدخل، في الآتي:

1. حماية أمن الاتحاد السوفيتي:

أ.

يتسم النظام الشيوعي بالمركزية الشديدة، خاصة في مجال السياسة الخارجية. وهذا يؤكد على قدرة صانع القرار السياسي على التحرك، في المجالات المختلفة، بحرية واسعة، عن نظيره في النظام الديموقراطي، الذي يجد صعوبة كبيرة في اتخاذ القرار. وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفيتي حقق السيطرة الكاملة على مقدرات الشعب الأفغاني، من خلال حزب شيوعي يتولى الحكم، على الرغم من ضعفه أمام التيارات الدينية الإسلامية، إضافة إلى قوات مسلحة، جميع قادتها ينتمون إلى حزب الشعب الديموقراطي. ولكن كل هذه التبعية، لم تكن كافية، من وجهة النظر السوفيتية، فقد تصور القادة السّوفييت أن نظام الحكم في أفغانستان غير مستقر، وأن زعماء الأحزاب في صراع على السلطة، حتى الشّيوعيين منهم، (جناحي پرچم وخلق)، دليل على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها استمالة هؤلاء الزعماء بالقليل، وفي مقابل ذلك تُعيد تمركز بعض التجهيزات الرادارية. فمعدات تجسس شمال أفغانستان، قادرة على تصوير الأسلحة المتطورة والمنتشرة في آسيا الوسطى. وهذا التصور يُعد، إلى حدٍ ما، منطقي ويمكن حدوثه. وكما احتل الاتحاد السوفيتي الجمهوريات الثلاثة الجنوبية (طاجيكستان، اوزبكستان، تركمنستان)، فمن الممكن، وحماية لأمنه، أن يحتل أفغانستان، خاصة أن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين وباكستان جيدة. هذا هو تصور الاتحاد السوفيتي لحماية أمنه.

ب.

من الواضح أن للمؤسسة العسكرية السوفيتية، أثراً كبيراً في اتخاذ قرار التدخل في أفغانستان. كانت وجهة نظرها، التي أقنعت بها القيادة السياسية، أن هذا التدخل سوف يوفر لهم قواعد أفغانية متقدمة، خاصة في الجنوب، هذه القواعد سوف تسمح لهم بالاقتراب من المياه الدافئة في المحيط الهندي، والذي سوف يقربهم أيضاً من منابع البترول، أي تهديد مصالح الدول الغربية، إضافة إلى أن هذا الاقتراب له أهمية إستراتيجية. ويوضح هذا البعد أحد الكتاب في كتابه قائلاً:

"... إلاّ أن تقدير الموقف، الذي بناء عليه اتخذت المؤسسة العسكرية هذا القرار، لم يكن دقيقاً، فقد تصوروا أن العملية العسكرية لن تزيد على أن تكون مناورة تدريبية، لن تستغرق بضعة أيام، وبالفعل لم تزد عملية الغزو عن ثلاث ساعات، أما ما بعد الغزو، فهو، الذي استغرق عشر سنوات. فقد وجدت القوات المسلحة السوفيتية، التي بلغت 120 ألف جندي حسب تقديرات موسكو، بمعداتهم وأسلحتهم وخطوط إمداداتهم، نفسها في مستنقع، شبيه بمستنقع فيتنام بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. فالدفاع عن العقيدة، هو أصعب أنواع القتال، وهو سر هزيمة الاتحاد السوفيتي من المقاومة الأفغانية، التي تدافع عن الإسلام في مواجهة الإلحاد ….".

ج.

للاتحاد السوفيتي تجارب وذكريات كثيرة، للغزوات المتكررة التي تفشل دائماً، إلاّ أن آثارها كانت كبيرة على المستوى الدولي. ولذا فإن أمن حدوده، كان الهاجس الأول على الدوام، والموضوع الرئيس الذي يُطرح على مائدة المفاوضات، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي بناء على اتفاقية يالتا، أمكنه تأمين حدوده بواسطة السيطرة على دول أوربا الشرقية، من خلال نظام ماركسي، يخضع لسيطرة كاملة من الاتحاد السوفيتي. وحاول الاتحاد السوفيتي مراراً تأمين حدوده الجنوبية مع أفغانستان، وتبلغ 1400 كم، إلاّ أنه فشل لأَن فترة المحاولة صاحبت احتلال بريطانيا للهند، ومن ثم لم يستطع تحقيق طموحاته في تأمين الجار الجنوبي، بالتدخل المسلح، ولكنه لم يستسلم للفشل. فكانت محاولة عام 1979، التي كللت بالنجاح. وهذا يؤكد على أن عنصر الأمن، هو الذي دفعه إلى التدخل المسلح. وفي حديث نتشانوف، وزير خارجية جمهورية أوزبكستان، مع عبدالستار الطويلة، عن مدى أهمية عنصر الأمن في اتخاذ قرار مساندة ثورة (نيسان) أبريل عام 1978، قال: "...أعترف أن لنا حدوداً طويلة مع أفغانستان، أكثر من 1400 كم، وإذا ما تركنا للتدخل الأجنبي الحرية في الاستمرار والانتصار… ستصبح أفغانستان قاعدة للرجعية العالمية. ومن مصلحتنا استمرار النظام الوطني التقدمي الحالي، وليس ذلك النظام، الذي يريد خصوم الثورة فرضه بالقوة …".

2. الاستيلاء على الموارد الاقتصادية

يؤكد بعض المحللين السياسيين، أن الاتحاد السوفيتي له مصالح اقتصادية عديدة، في أفغانستان، أهمها الثروات الطبيعية، ولكونها تملك احتياطاً كبيراً من الغاز الطبيعي والفحم والحديد عالي الجودة. كما يُعتقد أن البترول موجود بكميات كبيرة، ومن السهل اكتشافه إلاّ أن الاستثمار من هذا المجال محدود لعدم توافر الأمن والاستقرار، إضافة إلى احتمال وجود ثروة من اليورانيوم والبلوتنيوم. وقد بلغت المساعدات الاقتصادية والعسكرية، التي قدمها الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، في الفترة ما بين عام 1955 ـ1980م، حوالي 3.5 مليار دولار، أُنفقت على مشروعات اقتصادية، وأبحاث جيولوجية، تمت بمعرفة الخبراء الروس، المنتشرين في المؤسسات الأفغانية. ويؤكد على هذا أحد الكتاب في كتابه، قائلاً:

" …وقد دلت التقارير الجيولوجية على أن أرض أفغانستان، تحتوي على كميات من البترول، كما تحتوي على الغاز الطبيعي، الذي يستورده الاتحاد السوفيتي، بمعدل 3 مليار متر مكعب سنوياً، ولقد استهلك الاتحاد السوفيتي، منذ عام 1967م، أكثر من 30 مليار متر مكعب من حقول أفغانستان، لاستخدامها في مناطق آسيا الوسطى، وتدفع موسكو سعراً أقل من السعر العالمي ثمناً للغاز الأفغاني. فمثلاً بينما طلبت إيران 160 دولار، ثمناً لكل ألف متر مكعب، وهو السعر الذي تدفعه أمريكا لكندا، أو المكسيك، فإن موسكو لم تدفع سوى 37 دولاراً لكل ألف متر مكعب. ولكن بموجب اتفاقية عام 1982م، أصبح السعر 100 دولار، بينما السعر العالمي 150 دولاراً…".

ولكن هل العائد، الذي دخل الخزانة السوفيتية، يساوي حجم الإنفاق على التدخل العسكري في أفغانستان، من بداية الاحتلال (نهاية عام 1979م)، حتى نهاية حكم نجيب الله (1992م)؟ يتضح بالمقارنة، أن ما أُنفق على هذه الحملة، وما تكبده الاقتصاد السوفيتي من استنزاف، يساوي أضعاف العائد أو يزيد، في وقتٍ يعاني فيه المواطن السوفيتي، من سوء مستوى المعيشة، وتدني جميع أنواع الخدمات. وهذا ما أثر على مستوى المواطن العادي، خاصة الجندي العائد من ميدان القتال. فقد تردد كثيراً على ألسنتهم أن هذه الحرب لا مبرر لها، ولا عائد منها، إلاّ استنزاف موارد الاتحاد السوفيتي، في حرب لا يعلم مداها إلاّ الله.

3. إيقاف المد الإسلامي

دارسو الحرب الباردة متفقون على أن اهتمامات السوفييت الأولى، هي إقامة حزام أمني عقائدي يحميها من انهيار الأيديولوجية الماركسية. وبدءاً من لينين، حتى بريجينيف، لم يختلف الأسلوب. ففي فترة حكم بريجينيف، لم يعد التعايش السلمي يمثل مرحلة انتقالية في تاريخ تطور الاتحاد السوفيتي. بل على العكس، فإن زعماء الكرملين ركزوا على استغلال جميع الفرص، لنشر الاشتراكية على مستوى العالم، كلّما سنحت الفرصة. وقد تلاحظ ذلك بالنسبة للدول، التي حصلت على معونات من الدول الاشتراكية. فبجانب هذه المعونات، لا بد من قدر من الثقافة الروسية، يتناسب مع كمية المعونة المقدمة. وهذا ما حدث بالنسبة لأفغانستان. فالبداية كانت من خلال العلاقات الثقافية، مثل التعليم والتدريب؛ ثم تطور إلى المعاونات الاقتصادية، التي كانت دائماً، وعلى جميع المستويات، يمثلها الخبراء. ومن خلال هؤلاء الخبراء، يبدأ نشر الفكر الشيوعي والأيديولوجية الماركسية. وهكذا، حققت موسكو نجاحاً كبيراً في هذا الصدد، حيث سيطرت كلياً على مقاليد الأمور. وتولى الحكم حزب شيوعي، وحاول بمختلف الوسائل أن يقوم بإصلاحات. وكانت النية خالصة، في تحقيق تقدم للشعب الأفغاني. كانت البداية مبشرة، والمعونات المختلفة تتدفق على أفغانستان. إلاّ أن خطأ الأسلوب، هو الذي أوجد النفور من جراء تطبيقات النظام الماركسي. فمثلاً عند تطبيق قانون الإصلاح الزراعي، وهو قانون من الناحية الاجتماعية، وفي ظروف المعيشة المتدنية للشعب الأفغاني، يحقق آمالاً عريضة لمثل هذا الشعب. ولكن لأن حكومة حزب الشعب الديموقراطي ـ وهي حكومة شيوعية ـ هي التي أصدرته، فإن الفلاحين رفضوا استلام الأراضي الموزعة عليهم، تحت دعاوى دينية كثيرة. ويؤكد هذا أحد الكتاب في كتابه قائلاً:

"… ولقد يدهش القارئ إذ يعلم، مدى تغلغل المفهوم الخاطئ عن الدين لصالح الإقطاعيين والمستقلين. إذ رفض كثير من الفلاحين قبول الأراضي التي وزعتها عليهم الدولة، بموجب قانون الإصلاح الزراعي، بحجة أن ذلك تدخلاً في أمر النظام، الذي وضعه الله؛ فهو الذي قرر وجود النظام الطبقي، ويرزق من يشاء بغير حساب. وبناء عليه، فإن حصول الفلاح على قطعة أرض مما كان يملكه الإقطاعي أمر حرام لأنها ليست ملكاً للفلاح …".

ويدل هذا على أن الفكر الإسلامي هو المسيطر على الشعب الأفغاني، وعلى أسلوب إدارة البلاد. وأن ما يتم إصداره من قوانين تتعارض مع الإسلام لن تجد قبولاً. وهذا ما أدركه بريجينيف، فإن شعب أفغانستان المسلم لن يرضخ لحزب الشعب الديموقراطي، وأن التمرد ومحاولة المقاومة لن تكون إلاّ البداية.

إضافة إلى ذلك فإن قيام الثورة الإيرانية في فبراير 1979م، قد يكون لها تأثيرعلى جارتها أفغانستان. بل إن الاتحاد السوفيتي، كانت لدية القناعة، بأن حفيظ الله أمين، يجري اتصالات سرية، مع قلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي، من أجل التمهيد لإقامة حكومة ائتلاف بين الاثنين. هذا التحليل لا يمكن أن يصدقه، حتى رجل الشارع، لأن المعروف عن حكمتيار، شدة كراهيته للاتحاد السوفيتي وللشيوعية، ومن ثم لا يمكن أن يجري أي نوع من المفاوضات، مع حفيظ الله أمين. إلاّ أن تقدير الموقف السوفيتي عن أفغانستان، والمعلومات التي كانت لدى القيادة السياسية في موسكو، لم تكن على المستوى المناسب. فقد شعرت موسكو بالثورة الإسلامية في إيران، وأن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت حليفها التقليدي، وأن احتمالات التقارب مع أفغانستان ممكنة، ثم يتبع ذلك بث الفكر الثوري الإسلامي، في جمهوريات جنوب الاتحاد السوفيتي (طاجيكستان، ازوبكستان، تركمنستان) وهي جمهوريات إسلامية بالفعل، يجمعها تحالف تحت قيادة الاتحاد السوفيتي، وحكومات تسيطر عليها أحزاب شيوعية، وقادة شيوعيون يعينون بواسطة القيادة السياسية، في موسكو.

على ضوء العوامل السابقة، كان قرار التدخل المسلح في أفغانستان، متوازناً مع المصالح السوفيتية. ولكن ما نتائج هذا القرار؟ لقد كانت تداعيات القرار على غير المتوقع؛ فلم تكن مشروع تدريب، أو مناورة عسكرية، كما توقعتها المؤسسة العسكرية السوفيتية، إنما كانت مجموعة من المشاكل، وضعت الاتحاد السوفيتي في موقف محرج أمام العالم.

ثانياً: آثار التدخل السوفيتي في أفغانستان

          عندما اتخذ الاتحاد السوفيتي قراره بالتدخل في أفغانستان، الذي تحول بعد ذلك إلى احتلال دام عشر سنوات، لم يكن يدرك في حينه، خطورة هذا القرار. فقد اعتمد على تقدير موقف خاطئ جداً للأمور، لماذا؟

  1. ما يتعلق بالمجتمع الأفغاني، لم يدرك أن العقيدة الإسلامية لن تسمح له باختراقها، مهما كانت حجم المساعدات، أو التغلغل الثقافي في حياة المواطن الأفغاني البسيط. بل إنه لم يدرس نفسيته، فيتعرف من خلالها على مدى تقبل الشعب الأفغاني للعقيدة الماركسية.
  2. اعتقد الاتحاد السوفيتي أن رد الفعل الداخلي بالنسبة للمجتمع، سوف يكون بسيطاً، طالما أن الإعلام سوف يقوم بالدور التضليلي لهذا المجتمع. فكما هو معروف، فإن أسلوب المعيشة اليومي للمواطن الأفغاني، كان يسبب له كثيراً من المعاناة، حيث يحصل بالكاد على قوت يومه. ثم يفاجأ هذا المواطن البسيط، بحمله عسكرية ضخمة، تتكلف الكثير من النفقات، التي هو في أشد الحاجة إليها. لذا، أصبح ينظر لهذه الشعارات، نظرات شك وترقب للانقضاض عليها. وهذا ما حدث بالفعل، حيث يقال، إن لأفغانستان دوراً كبيراً فيما وصل إليه الاتحاد السوفيتي من تفكك.
  3. كان لتجارب الاتحاد السوفيتي السابقة في التدخل العسكري، وسلبية المجتمع الدولي تجاهه، أثر كبير في قراره بغزو أفغانستان. ففي عام 1956م، قام بغزو المجر بقوات عسكرية، من أجل القضاء على حركة التمرد التي حدثت في البلاد. وفي عام 1962م، حدثت أزمة كوبا، وفي عام 1968م، احتل براغ. وكل هذه الانتهاكات كانت تتم، دون معارضة إيجابية من المعسكر الغربي، لأن هذه الدول يجمعها حلف وارسو. أما أفغانستان ـ وبصرف النظر عن معاهدة الصداقة التي تجمعه معه ـ فإن هذا التدخل يعتبر خرقاً فاضحاً للنظام العالمي وللقانون الدولي.

          للأسباب السابقة، اتضح أن قرار التدخل لم يكن ليصدر من دولة كبرى، لها إستراتيجية يتم التخطيط لها بحسابات دقيقة، وتراعي احتمالات الصواب والخطأ. ولكن الأغلب، لابد أن يكون صواباً. لقد كانت تداعيات هذا التدخل كثيرة ومؤثرة، على كلٍ من أفغانستان والاتحاد السوفيتي.

تداعيات الغزو على أفغانستان

  1. أدرك الثلاثي الحاكم بواسطة حزب الشعب الديموقراطي (أمين، كارمل، نجيب الله)، مدى تمسك الشعب الأفغاني بالدين الإسلامي، وأنه من الصعوبة محاولة تزييف الحقائق، فالنظام الشيوعي لا يتمشى مع العقيدة الإسلامية. فقد حاولوا مراراً القول إن القوانين الماركسية، وضعت من أجل رفع مستوى المواطن الأفغاني، وأنها قوانين وضعية تسير في اتجاه، لا يتعارض مع شعائر الإسلام، في حين أغفلوا ولم يوضحوا تعارضها مع الشريعة الإسلامية. وهكذا، وضعوا نظامهم في مأزق أمام الشعب الأفغاني، فواجهة الحكم أساساً مرفوضة، أي لا قبول كلية لتوجهاتهم. وأنشأ نجيب الله، عندما كان رئيساً لجهاز المخابرات الأفغاني (الخاد)، الذي تم إنشاؤه، وتدريب عناصره بواسطة المخابرات الروسية "ك ج ب" (KJB)، قسماً خاصاً بالشؤون الدينية، لمساعدة الجهاز، حيث جند بعض رجال الدين المزيفين، من أجل إنشاء مراكز دينية لبث الدعاية، وإجراء عمليات غسيل المخ، ومحاولة إقناع المواطنين الأفغان بعدم تعارض الإسلام مع الشيوعية.
    وإزاء مقاومة الشعب الأفغاني لنظم الحكم التعسفية، لم يجد النظام الشيوعي خلاف عمليات القهر، حتى أن تقريرّي منظمة العفو الدولية، ولجنة حقوق الإنسان، تحدثتا عما يعانيه المواطنون داخل أفغانستان. وأوردتا في تقاريرهما القصص المروعة، عن التعذيب، خاصة بالكهرباء، والمحاكم والأحكام الصورية. وكانت معظم عمليات التعذيب، تحت إشراف المستشارين السوفييت، بما لهم من خبرة كبيرة في هذا المجال.
  2. من أهم نتائج الحرب الأفغانية، بروز مشكلة اللاجئين الأفغان، خصوصاً في باكستان وإيران، حيث وصل عددهم حوالي 4 ملايين لاجئ، الأغلبية منهم في باكستان (2.5 مليون) والباقي (1.4 مليون) في إيران، وعددهم بين تركيا ودول الخليج المختلفة. وكانت إيران تتحمل عبئاً كبيراً من وجود اللاجئين. إذ بينما تتلقى باكستان معونات من الدول الأجنبية، وهيئات الإغاثة الدولية، لم تكن إيران تتلقى أي معونة. ويضيف الإيرانيون أن تكلفة اللاجئ تصل إلى أربعة دولارات يومياً، وهذا يوضح حجم التكلفة.
    وإضافة إلى مشكلة اللاجئين، هناك خسائر الاحتلال، الذي وصل إلى حوالي مليون شهيد، ومئات الآلاف من الجرحى الذين يصعب حصرهم. أما عن الخسائر المادية، فالعديد من القرى والمنازل والمرافق قد دمرت. والأراضي الزراعية بها ملايين الألغام المضادة للأفراد دون خرائط، أي يستحيل تطهيرها، كما يمكن اعتبار الزراعة متوقفة تماماً.
  3. أدى طول سنوات الحرب الأفغانية ـ السوفيتية، وحاجة المجاهدين إلى تمويل متطلبات الحرب، إلى ظهور تجارة غير مشروعة في المخدرات، خاصة الأفيون. وكان يزرع في إقليم هيلمان وناناجاهار. وقد بلغ إنتاج الأفيون عام 1996م حوالي 400 طن حولت إلى هيروين.


الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة