الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
تقسيمات إدراية بأفغانستان
القوات المتحاربة بأفغانستان
توزيع القبائل

العلاقات السوفيتية الأفغانية في فترة حكم النظام الشيوعي

      تُعد ثورة (نيسان) أبريل 1978م، واستيلاء الشيوعيين على الحكم، الخطوة الرئيسة لغزو أفغانستان عسكرياً. فما سبق كان تمهيداً سياسياً واقتصادياً، وفكرياً للغزو. أما المرحلة التنفيذية، فقد بدأت مع بداية الثورة. فعلى الرغم من أن الاتحاد السوفيتي أحكم قبضته على أفغانستان، إلاّ أنه لم يقتنع بذلك؛ وتصّور أن احتلاله العسكري لأفغانستان لن يقابل بمعارضة، أو مواجهة، سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي. ومع تداعيات الأحداث، وفداحة الأخطاء، التي يقوم بها حزب الشعب الديموقراطي، والخلافات المستمرة بين جناحي خلق والبارشام، إضافة إلى المحاولات العديدة للقضاء على المقاومة الإسلامية، كل ذلك هيأ الظروف للغزو العسكري.

      صدر في 30 (نيسان) أبريل، مرسوم باعتبار الأول من (أيار) مايو عطلة وطنية، بمناسبة عيد العمال. وفي اليوم نفسه صدر المرسوم بتعيين نور الدين تراقي، رئيساً للمجلس الثوري، ورئيساً للوزراء، وبابراك كارميل نائباً له، وحفيظ الله أمين نائباً ثانياً ووزيراً للخارجية. وضم المجلس عشرين وزيراً، ضمنهم ثلاثة عسكريين وامرأة واحدة، هي اناهيتا راتب زادة، أحد وجوه البارشام البارزة. وبهذا التشكيل تمكن جناح خلق، من الهيمنة الكاملة على السلطة. وكانت الخطوة التالية هي إقصاء باقي أعضاء جناح پرچم عن الحكم، بأن عُينوا في مناصب خارج أفغانستان. وهكذا بدأت لعبة الكراسي من أجل سيطرة جناح خلق على الحكم. واستكمالاً لمسلسل التطهير، وبناءً على ادعاء تراقي على وزير الدفاع من(پرچم)، بأن الأخير شكل تنظيماً سرياً من أجل الاستيلاء على الحكم، إلاّ أنه تم القضاء على هذا التنظيم. وجد تراقي الفرصة متاحة له، للتخلص من بقايا قادة پرچم، خاصة من الجيش الأفغاني. وكان من نتائج الأسلوب الدموي، الذي يدير به تراقي وأمين البلاد، أن ازدادت المواجهات العسكرية، بين الحكومة والمقاومة، خاصة الإسلامية. وصل إلى أفغانستان حوالي 2500 جندي روسي للعمل بوحدات الجيش الأفغاني إضافة إلى بعض الخبراء المدنين، هذا الوجود المكثف أحدث قلقاً لدى الشعب الأفغاني.

      في 5 (أيلول) سبتمبر 1978م، وقعت معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتي، يتم بموجبها الاستعانة بالجيش السوفيتي لحماية النظام الثوري الجديد في مواجهة خصومه. وبهذه المعاهدة تأكد دخول أفغانستان، دائرة نفوذ الاتحاد السوفيتي. تعرض حكم تراقي لسلسلة من المشاكل الداخلية والخارجية. فعلى المستوى الداخلي، لم تتقبل الجماهير الأفغانية القوانين الثورية، مثل الإصلاح الزراعي، وحرية المرأة في العمل. أما على المستوى الدولي، فقد أعلنت أغلب الدول عدم ارتياحها لنظام تراقي، حتى إِن بعض الدول الغربية قلصت مساعداتها الاقتصادية.

      بدأت حركات التمرد والمقاومة المسلحة، في مناطق الجنوب الشرقي على الحدود مع باكستان. فقد دعا علماء الدين الأفغان إلى نبذ القوانين الشيوعية، والقضاء على النظام الشيوعي بالكامل. ويقال إنه نتيجة للعمل العسكري، خاصة القصف الجوي على هذه المناطق اضطر الكثير للهجرة إلى باكستان. وفي (تشرين الثاني) نوفمبر، بلغ عدد الجنود السوفييت الموجودين في أفغانستان 5000 خبير، لمساندة النظام إضافة إلى قيام الحكومة الأفغانية بحملة تطهير واسعة، داخل صفوف الجيش الأفغاني، مما كان له أثر كبير في إضعاف القدرة القتالية، للقوات الأفغانية.

      في 27 (أزار) مارس 1979م، ونتيجة للموقف المتدهور داخلياً، اضطر نور الدين تراقي إلى إسناد مهام رئيس الوزراء، إلى حفيظ الله أمين. وكان معروفاً عنه شدة ولائه للاتحاد السوفيتي، وتعصبه للشيوعية. إضافة إلى تعطشه للحكم. ولكن هذه التغييرات، قوبلت بموجه من العنف أشد، من جانب الإسلاميين. واضطر تراقي إلى اللجؤ إلى الاتحاد السوفيتي، طلباً لمزيد من المساعدة العسكرية، ممثلة في وحدات كاملة. وتوجه تراقي إلى موسكو، وناقش مع كوسجين، رئيس الوزراء السوفيتي، طلباته. إلاّ أن الأخير رفض تلبيتها متعللاً بالرأي العام العالمي. ولكنه وافق على زيادة إمدادات الأسلحة والمعدات ومعها أطقم التشغيل اللازمة. وكان أمين يحاول تغطية حركة تدفق الخبراء السوفيت إلى أفغانستان، متعللاً بأن وجودهم ضروري للدفاع عن حرية الشعب الأفغاني، في مواجهة الإمبريالية الغربية.

      مع بداية شهر (تموز) يوليه 1979م، تدهورت العلاقة بين أمين وتراقي، ووصلت إلى حافة الهاوية. وكان كل منهما يتحين الفرصة، لإزاحة الآخر عن طريقه. في هذه الظروف السيئة، وبينما تراقي يجهز للسفر إلى هافانا ـ في الرابع من (أيلول) سبتمبر 1979م ـ لحضور قمة عدم الانحياز، وجد كل من أمين وتراقي الفرصة مناسبة للإطاحة بالآخر.

      أبلغ أسد الله سروري موسكو، بنية حفيظ الله أمين تصفيه تراقي. كما اتصل أيضاً بتراقي في هافانا، محذراً من خطة أمين الانقلابية. وزيادة في الحذر، جهز سروري خطة لاعتقال أمين وتصفيته. وكلف بهذه المهمة أحد أقاربه من الضباط، ويدعى عزيز أكبرى، إلاّ أن هذا الضابط، الذي كان عضواً في الـ ك ج ب (KJB)، أبلغ موسكو. فاقترحت عليه إبلاغ حفيظ الله أمين بذلك شخصياً، على أن يغير أمين برنامجه في استقبال تراقي. توجه نور الدين تراقي إلى الاتحاد السوفيتي، في طريق عودته من هافانا. وتناقش مع أندريه جروميكو ـ وزير الخارجية ـ فيما يجب عملة إزاء الوضع المتدهور في أفغانستان. وتقرر في هذا الاجتماع تشكيل جبهة مضادة ـ من أجل إعطاء الثورة وجهاً مقبولاً داخلياً وخارجياً ـ هذه الجبهة تتشكل من نور الدين تراقي، رئيساً للدولة وأميناً عاماً للحزب، وبابراك كارمل، رئيساً للوزراء وأميناً مساعداً للحزب، على أن يكون نصف أعضاء الحكومة من غير الشيوعيين، وذلك من أجل تهدئة الموقف في مواجهة الإسلاميين.

      في الثالث عشر من (أيلول) سبتمبر 1979م، وفور عودة تراقي إلى كابل، استدعى حفيظ الله أمين، وعُقد اجتماع للجنة المركزية، إلاّ أن الأغلبية لم تكن في صالح تراقي. اجتمعت اللجنة مرة أخرى، بحضور السفير السوفيتي، حيث طلب أمين من تراقي إقصاء بعض الضباط غير الموالين للنظام، أمثال سروري. ووعد تراقي بذلك، إلاّ أنه ثبت لأمين لجوء هؤلاء الضباط إلى السفارة الروسية، حيث منحتهم حق اللجوء السياسي. وهكذا، تأكد أمين أن تراقي يخدعه. في 15 (أيلول) سبتمبر، طلب تراقي من أمين، التوجه إلى بيت الشعب لمقابلته والسفير السوفيتي. فتوجه إلى وزارة الدفاع وقاد انقلابا مسلحاً، أبرز معالمه إلقاء القبض على تراقي أثناء وجوده في بيت الشعب. وقد قتل نور الدين تراقي، في غرفته في بيت الشعب، بناء على أوامر حفيظ الله أمين. وأذيع بيان في السادس عشر من (أيلول) سبتمبر 1979م، باستقالة تراقي لسوء حالته الصحية، وأنه ـ أي أمين ـ قد تولى مقاليد الحكم. "اتبع أمين سياسة القبضة الحديدية، العنف والقهر والاعتقال، وسارع في تنفيذ السياسات الماركسية، التي لم يكن يرضى عنها الشعب الأفغاني. اتبع حفيظ الله أمين بعد ذلك سياسة متطرفة حيث دعي إلى تطبيق الاشتراكية في الحال، مع أن المجتمع إقطاعي قبلي، وما يحتاجه بالدرجة الأولى هو التنمية والتحديث. امتلأت شوارع المدن والقرى بصور ماركس وانجلز ولينين، وهم شخصيات لا يعرفها الشعب الأفغاني القبلي البسيط. ولمّا كان خصوم الثورة، يتخذون من الدفاع عن الدين شعاراً لأعمالهم المعادية للثورة، فإن حفيظ الله تشكك في كل متدين، واعتبره معادياً للثورة وهاجم علماء الدين علناً…".

      وإذا كان تطبيع العلاقات بين موسكو وأمين، قد نجح في تجاوز هذه المرحلة، إلاّ أن موسكو لم تكن راضية عن هذا الحليف ـ حفيظ الله أمين ـ الذي لا يتبع إرشاداتها. وكانت موسكو تُّصر على وجوب المصالحة مع البارشام، إلاّ أن حفيظ الله أمين كان يراوغ. لذلك قرر السوفييت التخلص منه وتصفيته. وقد حاولوا ذلك سلمياً وبهدوء، عن طريق تنحيته، إلاّ أنهم فشلوا. وتفجرت الخلافات مرة أخرى، بين پرچم وخلق. فكان أن شنّ حفيظ الله أمين عدة حملات تطهيريه، ضد المجاهدين الإسلاميين. إلاّ أنها جميعها فشلت، مما دفع به إلى طلب العون من الروس، حتى أصبح موقفه حرجاً. وهكذا تطابقت مصالحه مع مصالح السوفييت. واعتباراً من نهاية (تشرين الثاني) نوفمبر 1979م، تكثف وجود الوحدات العسكرية، على طول الحدود مع أفغانستان بشكل واضح. وأصبح من المؤكد أنّ الاتحاد السوفيتي، سوف يقوم بعمل عسكري ضد أفغانستان، خاصة أن الوضع أصبح متدهوراً، لتصاعد حركة المقاومة الإسلامية، وظهور الحزب الإسلامي، بزعامة قلب الدين حكمتيار. كل هذه الظواهر، إضافة إلى تأكد موسكو من الاتصالات السّرية، التي يجريها أمين مع المعارضة المسلمة، وزعماء القبائل المناهضين للحكم، يؤكد عدم ولائه لموسكو، ومحاولة خداعهم. "… ولهذا قررت موسكو أن حافظ الله أمين، لا يؤتمن على دولة اشتراكية صديقة ـ أفغانستان ـ تقع مباشرة على حدود الاتحاد السوفيتي، خاصة أنه كان على اتصال مع الغرب والصين، مما سيؤدي إلى إضعاف النفوذ السوفيتي، واستبداله بنفوذ منافسين له. فأصبح لزاماً على موسكو، أن تتدخل، مثلما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام، في الستينات..." .

      هذه كانت نظرة السوفييت إلى حفيظ الله أمين، خاصة وأن توليه الحكم كان على غير إرادتهم، ومن ثم، قَبِلَ أن يزول النظام الشيوعي، الذي أسهموا في وضعه. وقرر الاتحاد السوفيتي احتلال أفغانستان عسكرياً. وكانت بداية الترتيبات العسكرية للغزو، وصول الجنرال بافلوفسكي قائد القوات البرية السوفيتية، يوم 17 (آب) أغسطس 1979م، ومعه طاقم من كبار قادة القوات المسلحة. وقد أحيطت زيارتهم بسرية تامة، وحماية أمنية مكثفة، حيث تم إبلاغ المسؤولين الأفغان الموثوق فيهم، أن البعثة السوفيتية موجودة من أجل تقصي الحقائق. غير أن المسؤولية الخاصة لقائد الطاقم، تؤكد على أن المهمة الرئيسة للزيارة، هي التجهيز لغزو أفغانستان، مع تقييم شامل لأهمية هذا الغزو. ومن خلال هذه البعثة، دُفع بعدد كبير، يقدر بخمسائة رجل، من الاستخبارات العسكرية السوفيتية، من أجل التجهيز للغزو. ولم يتصور حفيظ الله أمين، نية الاتحاد السوفيتي في غزو أفغانستان. فهو يحكم من خلال حزب شيوعي، يسيطر على الجيش الأفغاني، وعلى الجهاز الإداري بالكامل، والحكومة بالكامل من الشيوعيين، ولاؤه بالكامل لموسكو، ويحاول بجدية القضاء على المقاومة الإسلامية، وبينه وبين السوفييت معاهدة صداقة! إذاً ما الدافع لدى الاتحاد السوفيتي لاحتلال أفغانستان عسكرياً والغدر به؟ وكانت هناك حسابات مختلفة لدى موسكو، خلاف ما يفكر فيه حفيظ الله أمين. فقد أصبح وجهاً غير مرغوب فيه، سواء داخلياً أو خارجياً. وكان تقاربه في الفترة الأخيرة من باكستان، ومحاولته عقد معاهدة من أجل إيقاف دعم باكستان للمجاهدين، في الوقت الذي كان يجهز فيه لحملة عسكرية، للقضاء عليهم، وهذا ما أقلق موسكو. لم يفكر حفيظ الله أمين بأسلوب الاتحاد السوفيتي، بل إنه ساعدهم في تنفيذ قرار الغزو، بأن ألحّ عليهم أكثر من مرة، في طلب المساعدات العسكرية وزيادتها له، من أجل الهجوم الشامل على المجاهدين. في هذه المرة، لم يبخل الاتحاد السوفيتي عليه بالقوات المطلوبة، ولكنها كانت لغرض آخر. تدفقت القوات على أفغانستان، وقدرت بأكثر من ثلاث فرق، علاوة على الطائرات، التي تمركزت في مطارات أفغانستان، حتى الثامن عشر من شهر (كانون الأول) ديسمبر 1979م، كانت أغلب القوات قد تركزت في مواقعها المحددة لها، وجاهزة لاحتلال أفغانستان.

      ولم يتخيل حفيظ الله أمين ما يحدث حوله، فأرتال المدرعات وناقلات الجند تعبر الحدود، من اتجاه الشمال، في طريقها لاحتلال مواقع قتالية؛ والطائرات تتمركز في المطارات الأفغانية المختلفة. واعتباراً من صباح 27 (كانون الأول) ديسمبر 1979م، بدأ قصف قصر الأمان، الذي يقيم فيه حفيظ الله أمين، عند ذلك أدرك أنه المقصود بهذا القصف، وأن إرسال المدرعات، لم يكن من أجل مساعدته، بل من أجل القضاء عليه. في مساء 27 (كانون الأول) ديسمبر 1979م، أعلن راديو كابل أن المجلس الثوري ـ الذي أُنشئ في أعقاب تولي كار ميل الحكم ـ قد حاكم حفيظ الله أمين، لِما فعله من جرائم في حق الشعب الأفغاني، وأدانه حيث حكم علية بالإعدام، وجرى تنفذ الحكم.

      كانت موسكو قد حاولت أكثر من مرة، التخلص سلمياً من حفيظ الله أمين، ولكنه رفض الاستسلام لهم. وبذلك أعطى الفرصة للجيش السوفيتي، لاستكمال احتلالهم لباقي مرافق الدولة، بمساعدة عملائهم الشيوعيين. في 28 (كانون الأول) ديسمبر 1979م، احتل السوفييت مبنى الإذاعة في كابل، حيث أُذيع البيان التالي بصوت كارمل:

" إنّ حكومة أفغانستان، بالنظر إلى التدخل المستمر من قِبل الأعداء الخارجيين، ومن أجل الدفاع عن إنجازات ثورة نيسان، والحفاظ على كرامة البلاد واستقلالها القومي، ومن أجل المحافظة على الأمن والسلام، فإنها اعتماداً على معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار، المعقودة في 5/12/1978م، طلبت من الاتحاد السوفيتي تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والمعنوي، بما في ذلك المساعدة العسكرية...".

      حاول الاتحاد السوفيتي تسويغ تدخله، بأنه بناء على طلب الحكومة الشرعية لأفغانستان. إلاّ أن مثل هذا التدخل ـ في الواقع ـ يُعد خرقاً للقانون الدولي، وتهديداً للسلام. فقد اتفقت الأمم المتحدة بالإجماع، في سنة 1970م على الآتي:

      "… لا يحق لدولة أو مجموعة دول، التدخل مباشرة، أو غيرة مباشرة، لأي سبب كان، في الأمور الداخلية والخارجية للدول الأخرى. وبالتالي فإن التدخل العسكري وجميع أشكال أو محاولات التهديد، ضد شخصية الدولة أو مقوماتها السياسية والاقتصادية والثقافية، هي خرق للقانون الدولي… كما أنه يَحْرمُ على أي دولة مساعدة أو تمويل أو إثارة حركات هدامة، أو أنشطة مسلحة، هدفها الإطاحة بالحكومة القائمة لدولة أخرى".

      وهكذا، وعلى الرغم من اقتناع الاتحاد السوفيتي، بعدم مشروعية احتلاله لدولة أجنبية جار له، بينهما علاقات صداقة تقارب المائة عام، وتربطهم أكثر من معاهدة تعاون وصداقة، الأمر الذي يعرض سمعته الدولية، كدولة عظمى إلى الكثير من الانتقادات. وهذا ما حدث بالفعل.

      باستكمال احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، جرى تعيين بابراك كارمل رئيساً للبلاد. وكان قد وصل إلى كابل في سرية تامة، وبدأ مسلسل الاتهامات الإمبريالية ـ كما هي العادة ـ إلى حفيظ الله أمين، حيث اتهمه بالاتصال بالمخابرات المركزية الأمريكية، إضافة إلى اتصاله بقلب الدين حكمتيار، رئيس الحزب الإسلامي، للتجهيز لتشكيل حكومة تحالف مناهضة للاتحاد السوفيتي. وقد أراد كارميل من خلال خطابه، في أول (كانون الثاني) يناير، تسويغ التدخل السوفيتي، وتصفية حفيظ الله أمين حيث قال:

      "…إن الجبهة الوطنية لحزب الشعب الديموقراطي الأفغاني، وبناء على إرادة شعبية عارمة، وبمساعدة جيش التحرير الوطني الأفغاني، قد استولت على السلطة السياسية، من أجل الدفاع عن مكاسب ثورة (نيسان) أبريل 1978م المظفرة …".

      وعلى الرغم من المسوغات، التي أوردها القادة السوفييت في خطاباتهم ولقاءاتهم المتعددة، لاحتلالهم لدولة تربطهم بها روابط قوية، ومعاهدات صداقة، إلاّ أنه يمكن التأكيد على أن احتلال أفغانستان لم يكن وليد سنوات قليلة سابقة، بل يمكن القول إن فكرة احتلال أفغانستان، قد بدأت لدى الاتحاد السوفيتي بتولي محمد داود الحكم عام 1953م. فقد اعتقد السوفيت أن تكالب محمد داود عليهم، وعلى معوناتهم الاقتصادية والعسكرية، إضافة إلى تعاونه مع الشيوعيين في إدارة الدول الأفغانية، كل هذا سمح لهم بالتخطيط للغزو العسكري لأفغانستان. فقد كانت كل الظروف والشواهد تدل على إمكانية التدخل العسكري. ولكن ما لم يكن يدركه الاتحاد السوفيتي أن توابع الغزو كثيرة، خاصة في بلد تكره الشيوعية، فالجهاد لديهم فريضة، وتمسكهم بالعقيدة الإسلامية هو مكمن الخطورة، وهذا ما حدث بالفعل، حيث استمرت المقاومة في صراع مسلح دام عشر سنوات.

      وهكذا تبدل الواقع بعودة جناح پرچم، بقيادة بابراك كارمل، إلى الحكم. وبدأ مسلسل جديد من التغييرات الوظيفية، باستبدال جناح خلق، حيث تولى المناصب الحكومية والمناصب القيادية بالجيش الأفغاني، أفراد من جناح پرچم.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة