الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الشكل الرقم (1)الفكرة العامة لعملية الغزو الأرجنتيني 1 أبريل 1982
الشكل الرقم (2)أعمال القتال للاستيلاء على ستانلي 1-2 أبريل 1982
الشكل الرقم (3)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية ثلاجة فورتونا
الشكل الرقم (4)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية خليج كمبرلاند
الشكل الرقم (5)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية خليج ستورمنس
الشكل الرقم (6)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية الهجوم على الغواصة سانتافي
الشكل الرقم (7)أعمال القتال الافتتاحية للجانبين 1 مايو 1982
الشكل الرقم (8)إغراق الطراد جنرال بلجرانو والمدمرة شيفلد 2، 4 مايو 1982
الشكل الرقم (9)الإبرار البريطاني في منطقة سان كارلوس 21 مايو 1982
الشكل الرقم (10)احتلال رأس الشاطئ والتقدم نحو الأهداف المرحلية الأولى 21 مايو - 1 يونيو
الشكل الرقم (11)معركة جوس جرين 27-29 مايو 1982
الشكل الرقم (12)استيلاء اللواء الثالث على خط المرتفعات الثاني 11-12 يونيو 1982
الشكل الرقم (13)الهجوم البريطاني الأخير وسقوط ستانلي 13-14 يونيو 1982
الشكل الرقم (14)معركة ويرلس ريدج 13-14 يونيو 1982
 
الخريطة الرقم (1)مسرح حرب فوكلاند
الخريطة الرقم (2)مسرح عمليات فوكلاند 2 أبريل - 14 يونيه 1982
الخريطة الرقم (3)جزر فوكلاند
الخريطة الرقم (4)جزيرة جورجيا الجنوبية (سوث جورجيا)
الخريطة الرقم (5)جزيرة جورجيا الجنوبية (منطقة العمليات)
الخريطة الرقم (6)حدود مناطق الحظر البريطانية والأرجنتينية

الملحق الرقم (17)

مستخرج من تقرير لجنة "فرانس"
لتقصي الحقائق حول حرب "فوكلاند"

31 ديسمبر 1982
اضطلاع الحكومة بمسؤولياتها

260.

تتصدى اللجنة في هذا الفصل للقضية المركزية الخاصة بأداء الحكومة وقيامها بمسؤولياتها تجاه جزر "فوكلاند" والبلاد الخاضعة لها أثناء الفترة التي أدَّت إلى الغزو، وكان يتعين على اللجنة أن تجد إجابة على عديد من الأسئلة كان اثنان منها حاسمين أولاهما: هل كان يمكن للحكومة (البريطانية) التنبؤ بالغزو (الأرجنتيني) في 2 أبريل؟ وثانيهما: هل كان في مقدور تلك الحكومة أن تحول دون وقوع هذا الغزو؟.

وسوف نتناول السؤال الأول في مُستهل هذا الفصل، أما السؤال الثاني فهو ـ في رأينا ـ أكثر تعقيداً بما لا يسمح بالإجابة عليه قبل أن نبحث كيف أصبح النزاع خطيراً، وكيف تمَّ التعامل معه من قِبَل الحكومة الحالية في مراحله المختلفة، ومن ثمَّ فإننا سنتعرض للإجابة على هذا السؤال في نهاية هذا الفصل. هل كان من الممكن التنبؤ بالغزو (الأرجنتيني) الذي نفّذ في 2 أبريل؟

261.

سوف نبحث في البداية مسألة ما إذا كانت الحكومة قد تلقت تحذيراً عن غزو جزر "فوكلاند" في 2 أبريل، وقد استعرضنا تفصيلاً الأحداث الخاصة بالأيام التي أفضت إلى الغزو، وكافة المعلومات التي توافرت إذ ذاك بما في ذلك كافة التقارير المتعلقة بهذا الشأن لدى أجهزة الاستخبارات، ونعتقد أن هذا الاستعراض يوضح بشكل قاطع أنه لم يكن لدى الحكومة أي سبب يحدوها إلى الاعتقاد ـ قبل 31 مارس ـ بأن غزواً لجزر "فوكلاند" سوف يقع في بداية شهر أبريل.

262.

إن كافة المعلومات، بما في ذلك تقارير الاستخبارات التي توافرت منذ الغزو توحي بأن السلطة الحاكمة في الأرجنتين اتخذت قرار الغزو في تاريخٍ متأخرٍ للغاية.

263.

كانت القوات البحرية للأرجنتين في عرض البحر فيما بين يومي 23 و28 مارس للقيام بمناورة بحرية سنوية، وقد تضمنت هذه المناورة تدريباً مضاداً للغواصات بالاشتراك مع أورجواي (طبقاً لتقارير صحفية أبلغ عنها الملحق البحري البريطاني في "بوينس أيرس" في 27 مارس). وقد أذاعت وكالة أنباء الأرجنتين في 2 أبريل أن الأسطول قد أبحر من (قاعدة) "بورتو بلجرانو" إلى الجنوب في 28 مارس حاملاً كتيبة من مشاة البحرية وعناصر لقيادة برمائية وقوات إبرار، ومن المحتمل أن الأمر الخاص بالغزو لم يصدر حتى 31 مارس على الأقل وربما حتى أول شهر أبريل.
وقد نُقل عن الدكتور "كوستا منديز" فيما بعد قوله أن السلطة الحاكمة (في الأرجنتين) لم تتخذ قرار الغزو في النهاية إلا في الساعة العاشرة مساءً (السابعة مساءً بالتوقيت المحلي) في الأول من أبريل، ومن المحتمل أن يكون قرار الغزو قد اتُخذ في ضوء تطورات الموقف في "سوث جورجيا"، ولكن يبدو أن التظاهرات العنيفة التي اندلعت في "بوينس أيرس" ليلة 30/31 مارس كانت عاملاً إضافياً لاتخاذ السلطة الحاكمة هذا القرار.

264.

ربما يُعتقد بأنه على الرغم من أن الحكومة لم تتلق أي إنذار مبكر بالغزو، فقد كان يجب أن يكون لديها معلومات أكثر شمولاً وأهميةً عن التحركات العسكرية للأرجنتين، وحقيقة الأمر أنه لم تكن هناك أية تغطية لهذه التحركات ولم يتوفر ثمة دليل لدى الحكومة من صور الأقمار الصناعية بهذا الخصوص، وسوف نناقش هذه الأمور بصورة أشمل فيما يلي، ضمن سياق الترتيبات التي اتُخذت لجمع المعلومات.

265.

لقد سألنا ـ بصورة محدَّدة ـ جميع من أدلوا إلينا بشهاداتهم، ومنهم الوزراء والمسؤولون، والسفير البريطاني في "بوينس أيرس" وغيره من موظفي السفارة، فضلاً عن حاكم جزر "فوكلاند" وسكان هذه الجزر، وأشخاصاً من خارج الحكومة ـ ممِّن تتوفر لديهم معرفة خاصة واهتمام بتلك المنطقة ـ عمَّا إذا كانوا يعتقدون في أي وقت حتى نهاية شهر مارس بأن غزواً "لفوكلاند" كان محتملاً في بداية شهر أبريل، وقد أوضح الجميع بشكل قاطع أنهم لم يكونوا يعتقدون ذلك.

266.

في ضوء الشهادات السابقة، فإننا مقتنعون بأن الحكومة (البريطانية) لم تتلق أي إنذار باتخاذ قرار الغزو كما أن الدليل الخاص بتوقيت اتخاذ القرار ـ من قِبَل السلطة (الأرجنتينية) الحاكمة ـ يوضح ليس فقط أن الحكومة لم تتلق أي إنذار بالغزو، وإنما أيضاً أنه ما كان يمكنها أن تحصل على مثل هذا الانذار، ومن ثمَّ فإنه لم يكن من الممكن التنبؤ بغزو جزر "فوكلاند" في الثاني من أبريل.

تقدير وزارة الخارجية والكومنولث لكيفية تطور النزاع:

293.

كان ثمة دلائل في بداية عام 1982 ـ من مصادر عديدة ـ على أن الأرجنتين، وبصفة خاصة الحكومة الجديدة للرئيس "جالتييري"، قد التزمت بتحقيق تقدم في سياستها الخاصة بمالفيناس في وقت أقصر بكثير مما كانت تتوقعه الحكومات السابقة في الأرجنتين، وكانت هناك شواهد واضحة على أنها تولي اهتماماً خاصاً للتوصل إلى حلٍ للنزاع طبقاً لشروطها ـ والتي تحتل فيها قضية السيادة مكاناً بارزاً ـ بحلول شهر يناير عام 1983، الذي يوافق ذكرى مرور 150 عاماً على الاحتلال البريطاني (لتلك الجزر). وقد تضمنت هذه الشواهد الملاحظات التي أبداها الجنرال "جالتييري" في خطاب ألقاه في شهر مايو عام 1981، وتقارير المخابرات عن موقف العناصر المختلفة في حكومة الأرجنتين، والتعليقات الصحفية في بداية ذلك العام، كما تضمنت بشكل قاطع شروط ما يُسمى "خلاصة الأوراق" في نهاية شهر يناير عام 1982، والتي كانت تدعو إلى مفاوضات جادة لمدة عام واحد تنتهي بالاعتراف بسيادة الأرجنتين (على جزر "فوكلاند").

294.

كان المسؤولون في وزارة الخارجية والكومنولث البريطانية يدركون بوضوح أن الموقف يتجه نحو المواجهة، وهو ما يتضح من النصائح التي قاموا بتقديمها إلى وزرائهم في بداية العام، وبصفة خاصة، ما يتعلق بالتقرير السنوي لحاكم جزر "فوكلاند". وقد رسخ في اعتقادهم ـ وأيدت الشواهد هذا الاعتقاد ـ ما يلي: أولاً، أن الأرجنتين لن تتجه نحو المواجهة إلى أن تفشل المفاوضات، ثانياً، أنه (في هذه الحالة) ستكون هناك سلسلة من الإجراءات المتصاعدة تبدأ بسحب خدمات الأرجنتين لتلك الجزر، وتزايد الضغط الدبلوماسي بما في ذلك مزيد من الإجراءات بالأمم المتحدة، ثالثاً ـ وهو ما أيدته تقارير المخابرات ـ أنه لن يحدث أي إجراء، ناهيك عن غزو الجزر، قبل النصف الثاني من العام.

التخطيط للطوارئ

295.

على الرغم ممَّا سبق، فإن وزارة الخارجية والكومنولث، إدراكاً منها لتدهور الموقف، قد قامت في عام 1981 بإعداد خطط للطوارئ تستهدف توفير خدمات بديلة للجزر، ومن ثمَّ قامت وزارة الدفاع ـ بناءً على طلب وزارة الخارجية ـ بإعداد دراسة عن الخيارات العسكرية المتاحة لمواجهة قيام الأرجنتين بعمل عدواني محتمل، وفي شهر سبتمبر عام 1981 تمَّ إعداد ورقة خاصة بالتخطيط المدني للطوارئ تحسباً لاجتماع لجنة الدفاع، التي ربما تكون قد حصلت على سلطة وزارية للتوسع في هذه الخطط، ذلك أن استئجار السفن سوف يتطلب توفير اعتمادات مالية مناسبة فضلاً عن اتفاق وزاري للاعتراف بمثل هذه الإجراءات علناً، الأمر الذي قد يُنظر إليه كأحد أشكال الضغط على سكان الجزر. وكما تبيّن فيما بعد، فإن عدم القدرة على تقديم مزيد من الدعم لهذه الخطط المدنية لم يكن هاماً نظراً إلى أن الأرجنتين لم تقم بتصعيد النزاع بالكيفية التي كانت متوقعة، وعلى الصعيد العسكري، فإن عدم وجود خطط تفصيلية للطوارئ لمواجهة أي عمل عدواني تقوم به الأرجنتين لم يكن ليحول دون اتخاذ رد فعل سريع للغاية بمجرد أن يتضح أن الغزو كان وشيكاً، كما يتبين من السرعة الفائقة التي تمَّ بها إعداد القوة اللازمة للمهمة وإبحارها، وسوف نناقش في الفقرتين رقمي 324 و332 السؤال المنفصل الخاص بما إذا كان ينبغي اتخاذ خطوات عسكرية مسبقة لردع أي هجوم تقوم به الأرجنتين.

رأي وزارة الخارجية والكومنولث في بداية العام

296.

نعتقد أن وجهة نظر الوزراء والمسؤولين في وزارة الخارجية والكومنولث في أوائل عام 1982 بشأن كيفية تطور النزاع كان يمكن أن تكون منطقية في ضوء كافة الظروف التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وقد ثبت أن رأيهم هذا كان قائماً على حكم خاطئ، ولكنه ليس بالرأي الذي ينبغي أن يوجه فيه اللوم إلى أي فرد لأنه كانت هناك ثلاثة عوامل هامة ومؤثرة في هذا الحكم الخاطئ وهي: أولاً، إساءة تقدير الأهمية التي كانت توليها الأرجنتين إلى جدولها الزمني الخاص بحل النزاع بحلول نهاية العام، ثانياً، تأثرنا غير المبرّر ـ وإن كان مفهوماً وربما حتمياً ـ بالتاريخ الطويل لهذا النزاع الذي قامت خلاله الأرجنتين من قبل بتوجيه صيحات التهديد مصحوبة بتعليقات صحفية تدعو للقتال، وقامت بالفعل بتدعيم هذه التهديدات عن طريق الأعمال العدوانية ولكن دون أن يتطور النزاع إلى مواجهة خطيرة، وثالثاً، الاعتقاد ـ استناداً إلى الشواهد ـ بأن الأرجنتين سوف تنتهج أسلوباً متدرجاً في تصعيد النزاع، وذلك بدءاً باتخاذ إجراءات اقتصادية ودبلوماسية، ولم يُوضع في الحسبان بالقدر الكافي احتمال قيام حكومة الأرجنتين العسكرية ـ نتيجة لضغوط سياسية واقتصادية داخلية ـ بإجراء غير متوقع إذا ما شعرت بالإحباط في أي وقت خلال المفاوضات، وكان تقييم الاستخبارات في شهر يوليه عام 1981، بمثابة تحذير بأنه في مثل تلك الظروف فإن ثمة خطراً كبيراً يتمثل في إمكانية لجوء الأرجنتين إلى اتخاذ إجراء أكثر فعالية وسريعة دون توجيه إنذار ما.

الاستجابة للأحداث، التي أعقبت محادثات نيويورك

297.

إننا نعترف بالمهارة التي عالج بها مستر "لوس" والمسؤولون في وزارة الخارجية والكومنولث المحادثات الرسمية بين حكومتي الأرجنتين وبريطانيا في نيويورك يومي 26 و27 فبراير، وكان جدول الأعمال لهذه المحادثات قد تمَّ إعداده في ضوء "خلاصة الأوراق" الأرجنتينية التي صدرت في يوم 27 يناير، وقد دارت هذه المحادثات في جو وديّ، وكان من رأي أعضاء الجانب البريطاني أن المحادثات سارت بطريقة أفضل ـ نوعاً ما ـ عما كانوا يخشونه. وقد تمَّ الاتفاق على بيان مشترك، كما تجنبت مسودة ورقة العمل الخاصة بلجنة المفاوضات الإشارة إلى تواتر الاجتماعات، وكان ذلك عنصراً هاماً ضمن مقترحات الأرجنتين، وكان واضحاً ـ حتى خلال المحادثات ـ أن قدرة الجانب الأرجنتيني على المناورة كانت محدودة تماماً، وقد التزمت حكومة الأرجنتين بتشكيل اللجنة وإجراء مفاوضات على مستوىً عالٍ بسرعة أكثر كثيراً ممَّا كان عليه الأمر فيما مضى، مع تحديد موعد نهائي صارم لإنهاء هذه المحادثات خلال عام واحد، وقد قام الأرجنتينيون بالضغط بشدة للحصول على رد رسمي على مقترحاتهم من الحكومة البريطانية خلال شهر واحد نظراً إلى أن أول دورة لهذه المحادثات كانت ستعقد في أوائل شهر أبريل.

298.

كان "البيان" الذي أعلنته السلطة الأرجنتينية الحاكمة من جانب واحد في الأول من مارس يُعد شاهداً على تغيّر هام في موقف بعض أعضاء الحكومة الأرجنتينية، فقد كان ذلك البيان في واقع الأمر نقضاً للبيان المشترك بإعلانه على الملأ تفاصيل ورقة العمل غير الرسمية والتوصية بأن تكون الاقتراحات التي تتضمنها "خلاصة الأوراق" هي برنامج العمل لاجتماعات شهرية تستهدف تحقيق الاعتراف بسيادة الأرجنتين (على جزر فوكلاند) خلال فترة وجيزة، وإذا ما كانت هذه الاقتراحات غير فعالة فسوف يكون لحكومة الأرجنتين الحق في اختيار الإجراء الذي يتفق مع مصالح بلادها على أكمل وجه. وعلى الرغم من أن "سير روس" قد أعرب عن أسفه إزاء هذا "البيان" وما صاحبه من تعليقات صحفية، وتأكيد الدكتور "كوستا منديز" للسفير البريطاني في "بوينس أيرس" أن البيان لا ينطوي على أي تهديد من قِبَل حكومة الأرجنتين، إلا أنه أشار إلى الموقف المتشدد لبعض أعضاء تلك الحكومة والالتزام باقتراحات لجنة المفاوضات والجدول الزمني لأعمالها.

299.

اعترف المسؤولون بوزارة الخارجية والكومنولث بتزايد خطورة الموقف وقاموا بمناقشة الموضوع مع لورد "كارنجتون" في اجتماع قصير عُقد في 5 مارس، تمَّ خلاله استعراض المبادرات الدبلوماسية العديدة.

300.

كانت هذه أيضاً هي المناسبة التي أخطروه فيها (لورد كارنجتون) بالقرار السابق للحكومة في شهر نوفمبر عام 1997 بنشر سفن في المنطقة سراً ولكن دون التوصية باتخاذ إجراء مماثل في تلك المرحلة، وكما حدث فإن الخامس من مارس كان بمثابة الفرصة الأخيرة التي كان يمكن فيها إبحار قوة ردع لتكون على أُهبة الاستعداد في المنطقة في الوقت المناسب على أساس أن الغزو قد تمَّ في الثاني من أبريل، ولم يكن في مقدور الغواصات النووِّية أن تصل إلى جزر "فوكلاند" قبل أسبوعين تقريباً، بينما تحتاج سفن السطح إلى نحو ثلاثة أسابيع، وتوحي الشواهد التي توفرت لدينا بأن المسؤولين في وزارة الخارجية والكومنولث لم يمارسوا ضغطاً على الوزراء لبحث اتخاذ إجراءات الردع بدلاً من المبادرات الدبلوماسية المضادة، أو دفع جهاز المخابرات ليقوم ـ بصورة عاجلة ـ بتحديث تقييمه للموقف الذي صدر في شهر يوليه عام 1981، نظراً إلى أنهم كانوا يعتقدون أن الأرجنتين لن تلجأ إلى العمل العسكري قبل اتخاذ إجراءات دبلوماسية واقتصادية.

301.

كان هؤلاء المسؤولون يتطلعون أيضاً إلى عقد اجتماع مبكر للجنة الدفاع التي كان "لورد كارنجتون" يتوقع أن تجتمع بعد محادثات شهر فبراير، وكان مِنَ المتوقع أن يُعقد هذا الاجتماع في 16 مارس، ولم يتم إعداد ورقة عمل لهذا الاجتماع نظراً إلى أن "لورد كارنجتون" كان يرى أنه من الصواب الانتظار لمعرفة رد فعل حكومة الأرجنتين على الرسالة التي كان يقترح إرسالها إلى الدكتور " كوستا منديز".

302.

تعتقد اللجنة أن المسؤولين بوزارة الخارجية والكومنولث لم يقدروا بدرجة كافية ـ في ذلك الوقت ـ إمكانية تغير موقف الأرجنتين أثناء محادثات شهر فبراير أو في أعقابها، كما لم يُولُوا اهتماماً كافياً للعناصر الجديدة في الحكومة الأرجنتينية، والتي كانت مصدراً للتهديد، ونخلص من ذلك إلى أنه كان ينبغي أن يلفتوا أنظار الوزراء بصورة أكثر فعالية إلى ذلك الموقف المغاير.

303.

وفي هذا الصدد نُشيد بموقف رئيسة الوزراء إزاء البرقيات التي بعث بها السفير البريطاني في "بوينس أيرس" في 3 مارس والتي تضمنت التعليقات العدائية لصحافة الأرجنتين في أعقاب محادثات نيويورك، والتي دعا فيها إلى إعداد خطط للطوارئ، ومن المؤسف أن سخط رئيسة الوزراء لم يؤد إلى عمل فوري، خاصة وأنها استفسرت من "مستر نوط" في الثامن من مارس عن توقيت إمكانية تحرك السفن الحربية إلى جنوب الأطلنطي.

هيئة الاستخبارات المشتركة

304.

كانت تقارير أجهزة الاستخبارات وتقييم لجنة الاستخبارات المشتركة عاملاً أساسياً في التقديرات التي توصل إليها الوزراء والمسؤولون خلال الفترة التي أفضت إلى الغزو، والتي استعرضناها من قبل. ولسنوات عديدة كان للأرجنتين وجزر "فوكلاند" أسبقية عند جمع معلومات المخابرات، غير أنهما كانا يحتلان مرتبة منخفضة نسبياً في هذا الصدَّد.

التقييم السابق للاستخبارات

305.

منذ عام 1965 كانت لجنة الاستخبارات المشتركة تجري تقييماً منتظماً لتهديد الأرجنتين لجزر "فوكلاند" وكان تواتر هذا التقييم يتزايد في الأوقات التي يتصاعد فيها التوتر بين بريطانيا والأرجنتين في النزاع الخاص بسيادة الأخيرة (على الجزر). وذلك في ضوء الموقف السياسي الداخلي في الأرجنتين والمعلومات الخاصة بنوايا حكامها، وكان توقيت هذا التقييم يرتبط في الغالب بدورات المفاوضات الرسمية بين حكومتي بريطانيا والأرجنتين. وفي فترة الحكومة الحالية تمَّ إعداد تقييم كامل في شهر نوفمبر عام 1979.

تقييم شهر يوليه عام 1981

306.

تمَّ إعداد تقييم كامل آخر في شهر يوليه عام 1981، وكان هذا التقييم الأخير قبل الغزو ذا أهمية خاصة، لأنه كان بالغ التأثير في تفكير الوزراء والمسؤولين كما اتضح من الشهادات الشفهية التي استمعت إليها اللجنة.

مراجعة التقييم

307.

لقد قيل لنا، بصورة جلية (في إحدى الشهادات) أن المجموعة الحالية المختصة باستخبارات أمريكا اللاتينية قد اجتمعت 18 مرة فيما بين شهر يوليه عام 1981 وشهر مارس عام 1982 ولكنها لم تناقش موضوع جزر "فوكلاند" في تلك المناسبات، غير أن هذا الموضوع نُوقش في مناسبتين في تلك الفترة أثناء الاجتماعات الأسبوعية التي عقدها رؤساء المسؤولين عن التقديرات، كما نوقش على الأقل في أربع مناسبات مستقلة، من قِبَل المهتمين ـ ممَّن على اتصال وثيق بوزارة الخارجية والكومنولث في هذا الشأن ـ من أجل تحديث التقييم الذي أُجري في شهر يوليه عام 1981، وكانت هذه المناسبات في شهر نوفمبر عام 1981، توطئة لدورة المحادثات التالية التي كان مُقَّرراً عقدها في الشهرين التاليين، ديسمبر عام 1981، ويناير عام 1982، في ضوء المقترحات التي كان معروفاً أن الأرجنتين سوف تقدمها في محادثات شهر فبراير في مدينة نيويورك وفي شهر مارس عام 1982، وفي كل مناسبة حتى شهر مارس تقرَّر أنه لم يكن هناك حاجة تتطلب مراجعة التقييم سالف الذكر.

308.

لقد قيل لنا أن العوامل الأربعة الأساسية التي يضعها مسؤولو التقييم في الاعتبار عند تقييم التهديد الأرجنتيني كانت هي: تطور النزاع بين الأرجنتين وشيلي حول قناة "بيجل"، والموقف السياسي والاقتصادي في الأرجنتين، وحالة التنافس في الخدمات بينهما، وقبل ذلك كلِّه مدى إدراك الأرجنتين لإمكانية إحراز تقدم في المفاوضات، ولم تبيِّن المعلومات التي توافرت لديهم بعد شهر يوليه عام 1981 أي تغيير جوهري في هذه العوامل بحيث يتطلب الأمر إجراء تقييم جديد، ولقد اُعتبرت خلاصة الاستنتاجات التي أمكن التوصل إليها في شهر يوليه عام 1981، عن نوايا الأرجنتين والخيارات المفتوحة أمامها متسقة مع آخر تقارير المخابرات، ومن ثمَّ رُئي أن ذلك التقييم لازال صالحاً.

309.

اُتفق في شهر مارس عام 1982 على أنه ينبغي إجراء تقييم جديد، وقد بدأ العمل في ذلك بالفعل. غير أنه كان ثمة اعتقاد بأنه من الأجدى تقديم هذا التقييم إلى الوزراء في السياق العام لبحث السياسة المتعلقة بجزر "فوكلاند"، والتي كانوا يتوقعون مناقشتها في اجتماع لجنة الدفاع يوم 16 مارس، وتبعاً للأحداث التي سبق توضيحها، فإن ذلك الاجتماع لم يُعقد قط، ولم يتم استكمال التقييم الجديد إطلاقاً.

310.

تمَّ إعداد التقييم التالي والذي قمنا بوصفه في الفقرة رقم 230، خلال فترة وجيزة للغاية في صباح يوم 31 مارس، وكان يتعلق بأحداث "سوث جورجيا"، وقد عَبَرَ ذلك التقييم، في خاتمته، عن رأي مفاده أنه بينما لا يمكن استبعاد احتمال اختيار الأرجنتين لتصعيد الموقف بإنزال قوة عسكرية فوق بلد أخرى تابعة (للتاج) أو فوق جزر "فوكلاند"، فإن حكومة الأرجنتين لم تكن ترغب في أن تكون البادئة في اتخاذ إجراءات قسرية.

أجهزة الاستخبارات

311.

استند التقييم الذي تمَّ في اليوم السابق للغزو ـ بصفة أساسية ـ على المعلومات التي توافرت من أجهزة الاستخبارات، وطوال الفترة السابقة للغزو تمَّ تجميع المعلومات السرية ـ طبقاً للأولوية المرتبطة بهذا الهدف ـ عن موقف الأرجنتين ونواياها تجاه النزاع، وبصفة خاصة آراء القوات المسلحة ووزارة الخارجية، وكذلك العوامل الداخلية المتعلقة بهذا الموضوع في الأرجنتين، وقدراتها العسكرية العامة، وفي شهر أكتوبر عام 1981 ـ بعد استعراض عام لمتطلبات الاستخبارات عن أمريكا الوسطى والجنوبية ـ قامت لجنة الاستخبارات المشتركة بإخطار الأجهزة المختصة بجمع المعلومات بأنه نظراً إلى تزايد صعوبة استمرار المفاوضات مع الأرجنتين بشأن مستقبل جزر "فوكلاند"، فقد تزايدت الحاجة إلى المعلومات عن نوايا الأرجنتين وسياساتها فيما يتعلق بهذه القضية، غير أنه لم يتم رصد اعتمادات إضافية لهذا الغرض، وقد قيل لنا في وضوح، أنه لأسباب خاصة بالعمليات ـ تمَّ شرحها لنا ـ فإن تدبير موارد إضافية لم يكن يساعد في الحصول بسهولة على معلومات مبكرة أو أفضل عن نوايا تلك الزمرة الصغيرة التي ترأس حكومة الأرجنتين حيث تُتخذ القرارات.

312.

إذا كان قرار الغزو ـ كما نعتقد ـ قد اتخذته السلطة الحاكمة في مرحلة متأخرة للغاية، فإنه لم يكن متوقعاً أن تستطيع أجهزة الاستخبارات توفير تحذيرٍ مبكرٍ عن الغزو الفعلي في الثاني من أبريل، غير أنه ربما كان من الممكن تقديم بعض الإنذارات بخصوص الاستعدادات العسكرية التي تسبق الغزو إذا كانت هناك تغطية مباشرة للتحركات العسكرية داخل الأرجنتين فضلاً عن تغطية قدراتها العسكرية العامة، ولكن كان من المتعذر توفير تغطية شاملة لهذه التحركات لأسباب عديدة كان أبرزها الطول الكبير لساحل الأرجنتين وبُعد المسافة بين الموانئ الجنوبية والعاصمة، وقد أخبرنا الملحق العسكري البريطاني في "بوينس أيرس" أن القسم الخاص به بالسفارة البريطانية لم يكن لديه التفويض أو القدرة على الحصول على معلومات تفصيلية من هذا النوع، وعندما تدهور الموقف الدبلوماسي في أوائل شهر مارس، فإنه قد بات من المتعذر تقييم مثل هذه المعلومات نظراً إلى الافتقار إلى معرفة النمط الطبيعي لنشاط الأرجنتين العسكري.

313.

لم تكن هناك تغطية للتحركات العسكرية داخل الأرجنتين، ومن ثمَّ لم تتوفر أية معلومات مسبقة، بتلك الرسائل عن بنية القوة البحرية للأرجنتين وتجميعها، وهي القوة التي قامت في النهاية بغزو جزر "فوكلاند"، ولم تكن هناك أية معلومات من المصادر الأمريكية أو غيرها تشير إلى أن القوة التي نُشرت في عرض البحر قبل الغزو كانت تستهدف شيئاً آخر غير المناورات البحرية العادية، كما لم تتوفر صور من الأقمار الصناعية عن أوضاع القوات الأرجنتينية، وقد قام الملحق البحري البريطاني في "بوينس أيرس" بالإبلاغ عن المناورات البحرية عندما علم بها من التقارير الصحفية الأرجنتينية بصفة أساسية.

314.

ليس لدينا أي سبب يحدونا للشك في مصداقية تقارير تلقيناها بانتظام من مصادر مختلفة.

هل أدّت آليات التقييم في أجهزة الاستخبارات وظيفتها بشكل فعَّال؟

315.

فيما يتعلق بالتقييم كان من دواعي دهشتنا أن الأحداث في الشهور الأولى من عام 1982، وبصفة خاصة "خلاصة الأوراق" الأرجنتينية التي صدرت في 27 يناير، و"البيان" أُحادي الجانب في أول مارس، وتعليقات رئيسة الوزراء على برقية مؤرخة في 3 مارس تتضمن تعليقات الصحف الأرجنتينية، لم تُحفِّز هيئة الاستخبارات المشتركة على إجراء تقييم جديد للموقف، وكما شرحنا من قبل فإن المسؤولين عن التقييم قد بحثوا الحاجة إلى إجراء تقييم جديد في عدة مناسبات أثناء تلك الفترة، وقد شرعوا في إجرائه فعلاً في أوائل شهر مارس ولكنه لم يُستكمل لأنهم ربطوا إجراء هذا التقييم باجتماع لجنة الدفاع، ومن ثمَّ تقرر عدم إجراء أي تقييم جديد قبل أوائل شهر مارس، لأنه كان من رأي هيئة الاستخبارات المشتركة أن نتائج أي تقييم جديد من غير المحتمل أن تكون مُغايرة بشكل جوهري لنتائج التقييم الذي تمَّ إجراؤه في شهر يوليه عام 1981، وعلى الرغم من أن تقييم 31 مارس عام 1982 قد ركّز إلى حادث "سوث جورجيا" إلا أنه قد اتَّجه إلى تأييد هذا الرأي.

316.

إننا لا نعتبر الرأي الذي أخذ به المعنيّون بالحاجة إلى إجراء تقييم جديد غير منطقيّ في ضوء المعلومات التي توافرت لديهم في ذلك الوقت، غير أنه بسبب تقديرنا للشواهد فإننا لا نزال نشك في جانبين من العمل الذي قامت به هيئة الاستخبارات المشتركة، أولاً، نحن لسنا موقنين أنه في كل الأوقات المهمة كان المسؤولون عن إجراء التقييم يدركون تماماً ثِقل الحملة الصحفية الأرجنتينية في عام 1982، ولذلك فإنه يبدو لنا أنهم ربما أولوا أهمية أكبر لمعلومات الاستخبارات السرية التي كانت تُعد مُطَمْئِنةً إذ ذاك بالنسبة إلى احتمالات تحرك الأرجنتين نحو المواجهة، وعلى سبيل المثال، فقد أوضحت معلومات الاستخبارات المشار إليها في الفقرة 131 أن الحملة الصحفية ربما كانت تستهدف ممارسة الضغط على المملكة المتحدة إبَّان المفاوضات، والشك الثاني الذي يساورنا هو ما إذا كانت هيئة الاستخبارات المشتركة قد أولت أهمية كافية للآثار المحتملة للإجراءات المختلفة من جانب الحكومة البريطانية على تفكير الأرجنتينيين، وإننا نعتقد أن التغير في موقف الأرجنتين كان أكثر وضوحاً على الصعيد الدبلوماسي وفي الحملة الصحفية المرتبطة بذلك، عمَّا كانت عليه في تقارير الاستخبارات.

317.

نحن لا نسعى إلى إلقاء أي لوم على الأفراد المعنيين في هذا الصدد، ولكننا نعتقد أن هذه العوامل تشير إلى الحاجة إلى تفهم أوضح للأدوار النسبية للمسؤولين عن التقييم، ووزارة الخارجية والكومنولث، فضلاً عن وزارة الدفاع، ولاتصال أوثق فيما بين هذه الأجهزة والوزارات، وينبغي أن يكون الهدف هو التأكد من أن المسؤولين عن التقييم قادرون على أن يأخذوا في اعتبارهم تماماً كلاً من التطورات الدبلوماسية والسياسية ومعالجة الصحافة الأجنبية للقضايا الحساسة الخاصة بالسياسة الخارجية.

318.

إننا مَعْنّيون هنا بنواحي الخلل في آليات الاستخبارات المشتركة كما شهدناها تعمل في مجال ذي أولوية منخفضة، ولما كنا قد رأينا فقط الأوراق المتعلقة بالموضوع الذي نحن بصدده، فإننا لا نستطيع الحكم على كيفية تعامل هذا الجهاز في مناطق ذات أولوية أكبر، ولكننا نعتقد أنه في تعامله مع الأرجنتين وجزر "فوكلاند" كان هذا الجهاز سلبياً إلى حد كبير في أدائه من حيث الاستجابة السريعة والحاسمة في موقف سريع التغير ومن ثمَّ يتطلب اهتماماً عاجلاً.

319.

إننا نرى أنه يجب إعادة النظر في آليات التقييم، ولا نستطيع أن نحدِّد مدى ما يتطلبه ذلك فيما يتعلق بالمشاغل الأوسع نطاقاً لهذا الجهاز، ولكننا نعتقد أنه ينبغي النظر إلى مجالين بصفة خاصة: الأول، وهو ما سبق أن أشرنا إليه بالنسبة إلى الترتيبات الخاصة بجذب انتباه هيئة الاستخبارات المشتركة إلى المعلومات الأخرى غير تقارير الاستخبارات، والثاني هو تشكيل لجنة الاستخبارات المشتركة، وفي هذا الصدد، فإنه يجب الاهتمام بمنصب رئيس تلك اللجنة، ونرى أنه من الأفضل أن يكون الرئيس، أو الرئيسة، متفرغاً تماماً وأن يقوم بدور أكثر حسماً واستقلالية، وأن يدرك استقلالية اللجنة في عملها عن الإدارات الحكومية التي يتشكل أعضاء اللجنة منها، على أن يقوم رئيس الوزراء بتعيين رئيس هذه اللجنة من بين أعضاء مجلس الوزراء.

تداعيات حادث "سوث جورجيا"

321.

إذا كانت آليات لجنة الاستخبارات المشتركة قد عملت بشكل مغاير لما كان هناك سبب يحدونا إلى الاعتقاد بأنها كانت ستُزيد كمية معلومات الاستخبارات التي توافرت للحكومة عن عمليات "السنيور دافيدوف"، التي أدت إلى حادث "سوث جورجيا" السابق للغزو، ولا تزال هناك شكوك حول النطاق الكامل وطبيعة تلك العمليات، فالزيارتان التي قام بهما "السنيور دافيدوف" إلى "سوث جورجيا" في شهر ديسمبر عام 1981، وقام بها حزبه في شهر مارس عام 1982 وقد تمت كلتاهما على متن سفن تابعة للبحرية الأرجنتينية، وعلى ذلك فإن قيادة الأخيرة كانت على علم بها بطبيعة الحال، غير أنه لم يكن هناك دليل آنذاك، ولم يظهر منذ ذلك الوقت وحتى الآن ما يوحي بأن العملية بأكملها قامت بتخطيطها حكومة الأرجنتين أو بحريتها كمقدمة لاحتلال الجنوب الأقصى.
إن معلومات الاستخبارات المتوافرة تشير إلى أنه حينما تزايد خطر هذا الحادث استغلته السلطة الحاكمة (في الأرجنتين) لتصعيد الموقف حتى تُقرِّر في النهاية غزو جزر "فوكلاند".

322.

إننا ندرك أن استجابة الوزراء كانت تقتضي الأخذ في الاعتبار الضغوط المتضاربة في البلاد، وخاصة من جانب البرلمان والأرجنتين، وكانت التقارير الأولية عن الحادث تبدو مُنْذِرةً بالخطر ـ فقد تمَّ إطلاق النيران كما تمَّ رفع علم الأرجنتين ـ وكان رد الفعل المنطقي هو إصدار الأمر إلى سفينة صاحبة الجلالة "انديورنس" لتُبحر إلى "سوث جورجيا" لحسم ذلك الموقف عسكرياً، وقد بذلت الحكومة بعد ذلك قُصارى جهدها لتجنّبَ التدهور الشديد للموقف، ولم تدخر جهداً في تقديم وسائل بنَّاءة تتيح للجانب الآخر تعديل موقفه، إلا أن الحكومة الأرجنتينية رفضت كل ذلك، ومن ثَمَّ بات واضحاً أنها تعتزم زيادة تصعيد الموقف.

323.

على الرغم من كل ذلك فإننا نعتقد أنه إذا كانت عمليات "السنيور دافيدوف" قد تمَّ رصدها جيداً ابتداءً من شهر ديسمبر عام 1981 فصاعداً، وكان هناك اتصال أفضل بين وزارة الخارجية والكومنولث والسفارة البريطانية في "بوينس أيرس" والحاكم توطئة للزيارة الثانية في شهر مارس عام 1982، لكان الوزراء أقدر على التعامل مع إنزال القوات في "سوث جورجيا" حينما حدث ذلك.

إمكانية اتخاذ عمل رادع مبكر

324.

سوف نتناول بعد ذلك بحث ما إذا كان ينبغي على الحكومة أن تتخذ إجراءً عسكرياً مبكراً لردع الأرجنتين. وقد بحثنا إجراءين محتملين كان يمكن للحكومة أن تتخذهما وهما: إرسال مبكر لقوات خاصة على نطاق كافٍ للدفاع عن الجزر أو لإعادة الاستيلاء عليها إذا اقتضى الأمر، ونشر قوة أصغر بكثير تتمثل في غواصة نووية تعمل وحدها أو تساندها بعض السفن الحربية.

325.

نعتقد أنه لم يكن من المناسب إعداد قوات خاصة كبيرة قادرة على إعادة الاستيلاء على جزر "فوكلاند" قبل أن يكون هناك دليل واضح على عملية الغزو، وكما أوضحنا من قبل، فإن ذلك لم يكن يبدو وشيكاً حتى 31 مارس، لأن إرسال مثل هذه القوات كان سيكون بمثابة رد فعل غير مناسب، بل واستفزازي في الواقع بالنسبة إلى أحداث "سوث جورجيا"، كما سيكون متعارضاً مع المحاولات التي كانت تُبذل لحل المشكلات هناك بالطرق الدبلوماسية.

326.

كان يمكن نشر قوة أصغر بشكل علني كإجراء رادع أو بشكل سري كإجراء وقائي، وكان من الممكن الإعلان عن وجود مثل هذه القوة إذا ما تطلبت الظروف ذلك، وكانت هناك ثلاث مناسبات ربما كان من المنطقي نشر مثل هذه القوات في وقتها، وهي: قبل محادثات نيويورك في نهاية شهر فبراير وفي أول شهر مارس، عندما ظهرت دلائل تشير إلى تزايد نفاد صبر الأرجنتين، متمثلة في "خلاصة الأوراق" المصحوبة بالتعليقات الصحفية العدائية، ثمَّ في وقت لاحق خلال شهر مارس حينما اتجهت الأحداث في "سوث جورجيا" نحو المواجهة.

327.

كان هناك تماثل في هذا الصدد مع الإجراء الذي اتخذته الحكومة السابقة في شهر نوفمبر عام 1977، حينما دفعت فرقاطتين وغواصة نووية إلى تلك المنطقة، وقد تمَّ هذا الإجراء بشكل مُعلن لتدعيم المفاوضات، ومن ثمَّ فإن أقرب ظروف مشابهة كانت المحادثات التي دارت في نيويورك خلال شهر فبراير عام 1982، ففي ذلك الوقت كانت هناك دِلاَلات على تزايد نفاد صبر الأرجنتين تمثلت في "خلاصة الأوراق" وما صاحبها من التعليقات الصحفية العدائية في الأرجنتين، ولكن الظروف كانت مغايرة ـ في جوانب أخرى ـ عن الظروف التي سادت أثناء محادثات عام 1977، حيث إنَّ العام الأخير كان فترة يسودها التوتر في العلاقات البريطانية/ الأرجنتينية وكانت مخاطر قيام الأرجنتين بعمل عسكري أكثر حدة، حيث كان سفيرا البلدين قد تم سحبهما في السنة السابقة، وكان هناك مزيد من الانتهاك للسيادة البريطانية تمثلت في وجود أرجنتيني جنوب "ثول"، فضلاً عن الأعمال العدوانية التي قامت بها الأرجنتين ضد الملاحة الأجنبية، وكان تقييم لجنة الاستخبارات المشتركة ـ قبل محادثات عام 1977 ـ قد أشار إلى أنه إذا ما فشلت المفاوضات سوف تتزايد مخاطر لجوء الأرجنتين إلى اتخاذ إجراءات أكثر قوة، وفي تلك الظروف كان يُنظر إلى التعرض للملاحة البريطانية باعتباره أكبر المخاطر.

328.

كان من المعتقد أن دورة المحادثات في شهر ديسمبر عام 1977 يمكن أن تؤدي إلى فشل المفاوضات، غير أن الظروف التي أفضت إلى محادثات فبراير عام 1982 كانت مغايرة، ونرى أن تلك الظروف لم تكن تبرِّر نشر قوات بحرية مماثلة.

329.

كانت هناك حالة ذات أبعاد أكبر تدعو إلى التفكير في اتخاذ مثل هذا الإجراء في أوائل مارس عام 1982، في ضوء الشواهد على تزايد نفاد صبر الأرجنتين، الأمر الذي أفضى إلى البيان التهديدي الذي أصدرته وزارة الشؤون الخارجية في الأرجنتين في أول مارس وما صاحبه من تعليقات صحفية تدعو إلى القتال، وكما أوضحنا في الفقرة رقم 148، فإنه كان قد تمَّ إبلاغ اللورد "كارنجتون" بالإجراء الذي اُتخذ في عام 1977 بعد انتهاء اجتماع قصير عُقد في الخامس من مارس، وقد أخبرنا اللورد "كارنجتون" شفهياً بأن هذا الأمر قد تم ذكره بإيجاز فقط، وتساءل عمّا إذا كان مواطنو الأرجنتين قد علموا بنشر قوات بحرية، وحينما أخبرناه بأنهم لا يعلمون شيئاً عن ذلك، كان من رأيه أن ذلك يقلل من تشابه تلك السابقة بالموقف الذي كان يواجهه، كما قال لنا اللورد "كارنجتون"، بصفة عامة، إنه على الرغم من أن الموقف كان قد أصبح أكثر صعوبة فإنه لا يعتقد أن فرصة مواصلة المفاوضات في ذلك الوقت كانت مستحيلة، فقد كان يرى أن شيئاً لم يحدث ليبرر إرسال قوة رادعة (قبل الغزو)، وقد أعرب عن قلقه من أنه إذا ما أُرسلت السفن فإن ذلك سوف يصبح معروفاً وأن ذلك من شأنه أن يهدّد فرصة استمرار المفاوضات، وهو الأمر الذي كان يستهدفه، وأعرب ـ بعد فوات الفرصة ـ عن أنه كان يتمنى لو سعى إلى نشر غواصة نووية في المنطقة في مرحلة مبكرة، غير أن الموقف لم يبدُ له قد تغير (قبل الغزو) بصورة تبرِّر اتخاذه مثل هذا الإجراء.

330.

إننا لا نعتقد أن ذلك كان رأياً غير منطقي في ذلك الوقت، ولكننا نرى أن الحكومة كان يمكن أن تكسب أحد المزايا لو أولت اهتماماً أكبر في هذه المرحلة لمسألة ما إذا كان موقف الأرجنتين التهديدي إلى حد كبير يتطلب نوعاً من إجراءات الردع، بالإضافة إلى المبادرات الدبلوماسية والتخطيط للطوارئ الذي كان متاحاً بالفعل.

331.

وأخيراً، فإننا عند بحثنا ما إذا كانت الأزمة التي نشبت في "سوث جورجيا" كانت تتطلب اتخاذ إجراء مبكر لنشر سفن في المنطقة، كان من رأي "لورد كارنجتون" أن نشر سفن سطح حربية (في المنطقة) أمر قد يؤدي إلى مخاطر كبيرة ـ في حالة اكتشافه ـ في وقت كانت الحكومة تحرص فيه على تفادي أي إجراء قد يبدو استفزازياً فقد كان ذلك يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الأرجنتين لرد فعلها ضد جزر "فوكلاند" ذاتها، حيث لا يوجد لدى الحكومة أية وسائل لمقاومة ذلك التصعيد، غير أن هذا الاعتراض لم يكن ينطبق إلى حد كبير على إبحار غواصة نووية، حيث كانت هناك فرصة أكبر للإبقاء على نشرها سراً. وقد اتخذ قرار إبحار أول غواصة نووية إلى المنطقة في وقت مبكر من يوم الاثنين 29 مارس.

332.

إننا نرى أنه كان هناك ما يبرر اتخاذ هذا الإجراء في نهاية الأسبوع السابق (للغزو) في ضوء البرقية التي وصلت في 24 مارس من الملحق العسكري البريطاني في "بوينس أيرس" والتقرير الصادر في 25 مارس ومفاده أن السفن الأرجنتينية كانت قد أبحرت لاحتمال اعتراضها لسفينة صاحبة الجلالة "انديورنس"، غير أننا كنا نتوقع أن يكون رد فعل وزارة الدفاع على هذين التقريرين أسرع من ذلك حيث كان ما جاء في ذلك التقرير بمثابة الدلائل الأولى على النشاط العدائي لحكومة الأرجنتين.

الإنذارات النهائية للأرجنتين

333.

انتهزت الحكومة البريطانية عدداً من المناسبات خلال الأسابيع الماضية التي أفضت إلى الغزو لكي تعلن على الملأ التزامها بالدفاع عن جزر "فوكلاند" وما يتبعها، وقد صرَّح مستر "لوس" في مجلس العموم في 23 مارس، أنه "من واجب الحكومة وأية حكومة بريطانية (أخرى) أن تدافع عن سكان الجزر وتساندهم إلى أقصى قدر مستطاع"، وفي 25 مارس حذَّر السفير البريطاني في "بوينس أيرس" ـ بناء عل تعليمات صدرت له ـ الدكتور "كوستا منديز" من أن بريطانيا ملتزمة بالدفاع عن سيادتها في جنوب جورجيا كغيرها من المناطق الأخرى، وبمجرد أن لاح تهديد لجزر "فوكلاند" ذاتها في 31 مارس قامت رئيسة الوزراء بالاتصال بالرئيس ريجان وطلبت منه أن يوضح لحكومة الأرجنتين أن الحكومة (البريطانية) لا يمكن أن تذعن لأي إجراء ضد جزر "فوكلاند". وكما أوضحت رئيسة الوزراء لنا بجلاء، أنه دون النصح الجماعي لرؤساء الأركان بجدوى عملية استعادة الجزر ودون موافقة مجلس الوزراء، لم يكن في مقدروها أن تذهب إلى أبعد من ذلك، وقد أكد الرئيس ريجان ـ عندما تحدَّث شخصياً إلى "الجنرال جالتييري" ـ بأن أي إجراء ضد جزر "فوكلاند" سوف يعتبره البريطانيون ذريعة لإعلان الحرب.

334.

نخلص من ذلك إلى أن التحذيرات التي وجهتها الحكومة البريطانية عن عواقب غزو جزر "الفوكلاند" قد أُرسلت إلى حكومة الأرجنتين.

هل كان في مقدور الحكومة الحالية منع الغزو في 2 أبريل عام 1982؟

335.

إن ذلك يعود بنا إلى السؤال الأكثر تعقيداً الذي طرحناه في الفقرة الافتتاحية لهذا الفصل، وهو سؤال يجب بحثه في سياق فترة السبعة عشر عاماً التي يغطيها تقريرنا، لأنه ليس هناك إجابة بسيطة على هذا السؤال، وقد قدمنا عرضاً تفصيلياً واقعياً لتلك الفترة، وأولينا أهمية خاصة إلى سرد الأحداث التي سبقت الغزو مباشرة، ويتعين أن يُقرأ تقريرنا ككل، وأن يُعترف ـ كما نفعل ـ بأنه كانت هناك جذور عميقة لموقف الأرجنتين تجاه (جزر) "مالفيناس" وأن الحكومة الحالية كان عليها أن تتعامل مع تلك الأزمة في إطار القيود السياسية التي قبلتها حكومات بريطانية متعاقبة.

337.

فيما يتعلق بحكومة الأرجنتين ـ وهذا منفصل تماماً عن تأثير حكومة الأرجنتين في إجراءات الحكومة البريطانية ـ فإن السلطة الحاكمة هناك قد واجهها في نهاية شهر مارس عام 1982 موقف اقتصادي سريع التدهور وضغوط سياسية قوية، في وقت كان في مقدورها أن تستغل لصالحها التطورات التي حدثت في "سوث جورجيا"، وقد أوردنا بالفعل في بداية هذا الفصل الأسباب التي جعلتنا نقتنع بأن غزو 2 أبريل عام 1982 لم يكن من الممكن التنبؤ به.

338.

من ناحية أخرى، فإن الحكومة البريطانية كان يتعين عليها أن تعمل في إطار القيود إلى فرضها عليها سكان جزر "فوكلاند"، ممَّن كان لهم قوة معنوية ذاتية، فضلاً عن التأييد السياسي لهيئة برلمانية مؤثرة، إلى جانب الأولويات الاستراتيجية والعسكرية التي تنبع منها السياسة الدفاعية والاقتصادية القومية، ومن ثمَّ كانت إمكانية المناورة السياسية لبريطانية محدودة.

339.

في إطار هذه الخلفية أوضحنا في هذا الفصل، متى كان يمكن اتخاذ قرارات مغايرة، ومتى كان التقرير الأشمل لإجراءات بديلة يمكن أن يكون ـ في رأينا ـ أصوب وأجدى، ومتى كان يمكن استخدام الجهاز الحكومي بطريقة أفضل، ولكن إذا كانت الحكومة البريطانية قد قامت بإجراء مغاير بالوسائل التي أوضحناها، فإنه من الصعب الحكم على تأثير ذلك على حكومة الأرجنتين أو على التداعيات التي كان يمكن أن تترتب على مسار الأحداث عندئذ، وليس ثَمَّة أساس منطقي لأي تصور ـ يمكن أن يكون نظرياً تماماً ـ بأنه كان يمكن منع الغزو إذا كانت الحكومة قد اتخذت إجراءاتها بالسُّبل التي أوضحناها في تقريرنا هذا، وإذا أخذنا في الحُسبان هذه الاعتبارات وكل الشواهد التي توافرت لدينا، فإننا نخلص إلى أنه لن يكون هناك مبرر لتوجيه أي نقد أو لوم إلى الحكومة الحالية فيما يتعلق بقرار السلطة الحاكمة في الأرجنتين للقيام بعدوانها وغزوها جزر "فوكلاند" في الثاني من أبريل عام 1982، دونما أي استفزاز لها.

 

 

قرانكس، رئيس
باربر
ليفر
باتريك نيرن
ميرلن ريس
واتكنش

31 ديسمبر 1982

أ. ر. روزثورن، سكرتير
ب. ج. مولسن، سكرتير مساعد

                  



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة