الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الشكل الرقم (1)الفكرة العامة لعملية الغزو الأرجنتيني 1 أبريل 1982
الشكل الرقم (2)أعمال القتال للاستيلاء على ستانلي 1-2 أبريل 1982
الشكل الرقم (3)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية ثلاجة فورتونا
الشكل الرقم (4)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية خليج كمبرلاند
الشكل الرقم (5)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية خليج ستورمنس
الشكل الرقم (6)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية الهجوم على الغواصة سانتافي
الشكل الرقم (7)أعمال القتال الافتتاحية للجانبين 1 مايو 1982
الشكل الرقم (8)إغراق الطراد جنرال بلجرانو والمدمرة شيفلد 2، 4 مايو 1982
الشكل الرقم (9)الإبرار البريطاني في منطقة سان كارلوس 21 مايو 1982
الشكل الرقم (10)احتلال رأس الشاطئ والتقدم نحو الأهداف المرحلية الأولى 21 مايو - 1 يونيو
الشكل الرقم (11)معركة جوس جرين 27-29 مايو 1982
الشكل الرقم (12)استيلاء اللواء الثالث على خط المرتفعات الثاني 11-12 يونيو 1982
الشكل الرقم (13)الهجوم البريطاني الأخير وسقوط ستانلي 13-14 يونيو 1982
الشكل الرقم (14)معركة ويرلس ريدج 13-14 يونيو 1982
 
الخريطة الرقم (1)مسرح حرب فوكلاند
الخريطة الرقم (2)مسرح عمليات فوكلاند 2 أبريل - 14 يونيه 1982
الخريطة الرقم (3)جزر فوكلاند
الخريطة الرقم (4)جزيرة جورجيا الجنوبية (سوث جورجيا)
الخريطة الرقم (5)جزيرة جورجيا الجنوبية (منطقة العمليات)
الخريطة الرقم (6)حدود مناطق الحظر البريطانية والأرجنتينية

رابعاً: تداعيات الموقف السياسي والعسكري بعد الغزو الأرجنتيني للجزر

1. الموقف الدولي تجاه الغزو

أ. موقف الأمم المتحدة وردود الفعل الأولية للجانبين

كان رد المملكة المتحدة على غزو الجزر سريعاً وعنيفاً في الوقت نفسه، فقد وجهت الأرجنتين لطمة قاسية للحكومة البريطانية أحرجتها أمام الشعب وأحزاب المعارضة في ظل سياستها السابقة الرامية إلى خفض ميزانية الدفاع، وعلى ذلك لم يكن في وسع السيدة "مارجريت تاتشر" رئيسة الوزراء السكوت على ما حدث، أو قبول حل وسط يؤدي إلى اتفاق مشبوه. ومن ثمَّ كان على الأخيرة إما أن ترد اللطمة أو تقدم استقالتها، ولذلك قامت تلك الحكومة بعدة إجراءات أبرزها ما يلي:

(1)

إيقاف التجارة مع الأرجنتين وتجميد أرصدتها.

(2)

رفع درجة الاستعداد في القوات المسلحة وإصدار الأمر بتشكيل قوة واجب “Task Force” تتوجه إلى جنوب الأطلنطي لاستعادة الجزر لو فشلت الجهود السياسية.

(3)

دعوة مجلس الأمن إلى الانعقاد.

ومن ناحيته عقد مجلس العموم جلسة طارئة لبحث الموقف وجه فيها انتقادات حادة للسياسة التي اتبعتها الحكومة خلال السنوات السابقة تجاه قضية "فوكلاند"، وكان من نتيجة هذه الانتقادات استقالة وزير الخارجية "اللورد كارينجتون" وتعيين "فرانسيس بيم" خلفاً له.
وفي الأمم المتحدة طلب السير "أنتوني بارسونس"- ممثل المملكة المتحدة الدائم في المنظمة الدولية- عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن في اليوم نفسه، الذي سقطت فيه جزر "فوكلاند" لبحث الغزو الأرجنتيني للجزر، إلاّ أن الجلسة عُقدت في اليوم التالي في الوقت الذي كان فيه الأرجنتينيون يستولون على "جرايتفكن"، غير أن أخبار أحداث "جورجيا الجنوبية" لم تكن قد وصلت إلى المجلس بعد، وبالتالي لم يكن لها تأثير على قرار المجلس الذي أدان الغزو الأرجنتيني للجزر. وجاء التصويت يدعم الموقف البريطاني بأكثر مما كانت تتوقع حكومة السيدة "تاتتشر" فقد صوتت عشر دول منها الولايات المتحدة إلى جانب المملكة المتحدة، بينما أيد الموقف الأرجنتيني دولة واحدة هي "بنما" وامتنعت عن التصويت أربع دول منها أسبانيا التي تربطها بالأرجنتين روابط تاريخية وثقافية عديدة.
وبذلك حصلت بريطانيا على تأييد واضح لموقفها من المنظمة الدولية تمثل في قرار مجلس الأمن رقم (502)، الذي يطالب الأرجنتين بإيقاف الأعمال العدوانية، وسحب قواتها من الجزر على الفور، كما يطالب الحكومتين البريطانية والأرجنتينية باحترام ميثاق الأمم المتحدة والبحث عن حل دبلوماسي للخلاف بينهما.
وكان للقرار السابق ردود فعل واسعة النطاق، خاصة في بريطانيا والأرجنتين، ففي الأولى قوبل القرار بارتياح شديد من قبل حكومة السيدة "تاتشر"، فقد ساعدها نجاح الدبلوماسية البريطانية في الحصول على تأييد مجلس الأمن بتلك الأغلبية الكبيرة على التغلب على الصعوبات التي تواجهها في الداخل. وعقَّب مندوب بريطانيا الدائم في الأمم المتحدة على القرار بأنه يأمل أن تلتزم الأرجنتين بميثاق المنظمة الدولية وتستأنف المفاوضات مع الجانب البريطاني لتسوية الخلاف بين البلدين بعد انسحابها من الجزر.
وعلى الرغم من إبداء الحكومة البريطانية استعدادها لاستئناف المفاوضات بُغية التوصل إلى حلٍّ سلميٍّ للمشكلة، إلاّ أنها قررَّت تشكيل قوة عسكرية تكون مستعدة للتوجه إلى جنوب الأطلنطي لاستعادة الجزر التي احتلتها الأرجنتين فيما لو فشلت الجهود السلمية، وقد جاء هذا القرار محصلة لمجموعة من العوامل تدارستها الحكومة البريطانية قبل اتخاذ هذا القرار كان أبرزها العوامل التالية:

(1)

أهمية الحفاظ على هيبة ومكانة المملكة المتحدة الدولية أمام تحدي إحدى دول العالم الثـالث.

(2)

مدى تقُّبل المجتمع الدولي لقيام المملكة المتحدة بعمل عسكري لاستعادة سيطرتها على الجزر.

(3)

المعارضة الداخلية لقيام الحكومة بعمل عسكري لاستعادة الجزر في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها بريطانيا في ذلك الوقت.

(4)

الخوف من تكرار ما أقدمت عليه الأرجنيتين في مناطق أخرى مازالت تابعة لبريطانية مثل "هونج كونج" و "جبل طارق".

(5)

مدى إمكانية نجاح العمل العسكري في استعادة الجزر مع الوضع في الاعتبار ضرورة الاحتفاظ بقوة عسكرية في منطقة الجزر لفترة طويلة.

وفي صباح الخامس من أبريل أبحرت من ميناء "بورت سموث" طلائع القوة البحرية الكبيرة التي لم تشكل بريطانيا مثلها منذ حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ففي نحو العاشرة والربع من صباح ذلك اليوم أبحرت طلائع تلك القوة تتقدمها حاملتا الطائرات "هيرمس Hermes" و"أنفسبل Invincible"، في الوقت الذي بدأت فيه قيادة البحرية البريطانية في تعبئة عدد من السفن التجارية وتجهيزها على عجل لمعاونة الأسطول البريطاني في تنفيذ المهام المكلف بها على مسافة آلاف الأميال من قواعده.
وعلى الجانب الأرجنتيني، أعلن الجنرال "جالتيري" أن بلاده كانت تحترم دائماً قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، غير أنها ستحتفظ بحريتها في التصرف لحماية مصالح الأمة وكرامتها التي لن تتم مفاوضات بشأنها، وأنه لا يمكن اتهام الأرجنتين بعدم الصبر بما فيه الكفاية للتفاوض، وأضاف: "إننا دخلنا في مفاوضات استمرت أكثر من سبعة عشر عاماً أظهرت فيها بريطانيا ميلها الطبيعي لتأجيل حل المشكلة لأجل غير مسمى، وأنَّ الأرجنتين مستعدة لاستئناف المحادثات على أساس النتائج التي تحققت وأنها لن تقبل بأية حال الضغوط العسكرية للتخلي عن حقوقها".
وأعلن وزير خارجية الأرجنتين، الذي رأس وفد بلاده في مجلس الأمن، أن حكومته لن تتهاون مطلقاً في التمسك بحقوقها في البحث عن حل عادلٍ ومشرَّفٍ ومقبول للأزمة، وأضاف بأن الأرجنتين تشعر بالأسى نتيجة التصويت في مجلس الأمن، لأن هذا التصويت جعل المجلس يمنح تأييداً لموقف استعماري ترفض فيه القوى الأوروبية احترام إرادة الشعوب المستعمرة. ولم يُقدِّم وزير الخارجية أي إشارة تَنِمُّ على أن حكومته سوف تُذِعن للقرار.

ب. موقف الولايات المتحدة من الغزو

وضع تفجر الموقف بين المملكة المتحدة والأرجنتين الولايات المتحدة في موقف حرج للغاية لارتباطها بمصالح وعلاقات وثيقة بالدولتين المتنازعتين، فمن ناحية كانت المملكة المتحدة شريكتها وإحدى حليفاتها الأساسيين في حلف شمال الأطلنطي الذي تعتمد عليه، ومن ناحية أخرى كانت الأرجنتين أحد الأعضاء الأساسيين في منظمة الدول الأمريكية التي تضم تسعاً وعشرين دولة أمريكية، من بينها الولايات المتحدة، التي كانت مرتبطة في الوقت نفسه بدول أمريكا اللاتينية باتفاقية "ريو" من أجل تنسيق الأمن الاستراتيجي لدول القارة الأمريكية.
وفي عهد إدارة الرئيس "رونالد ريجان"، حرصت الولايات المتحدة على تنمية علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية خاصة الأرجنتين، وذلك على العكس من سياسة الرئيس السابق "جيمي كارتر" الذي منع المعونات عن الأرجنتين بسبب نظام الحكم الديكتاتوري القمعي الذي انتهجته النخبة العسكرية الحاكمة. وعلى ذلك زادت في عهد ريجان المعونات الأمريكية للأرجنتين في جميع المجالات، خاصة بعد ازدياد التغلغل الشيوعي في وسط أمريكا اللاتينية واستفحال خطره، لأنه نظر إلى نظام الحكم العسكري في الأرجنتين كحليف للولايات المتحدة في مناهضة الحكومات والمنظمات الماركسية في القارة الأمريكية.
وعلى الجانب الآخر كانت المملكة المتحدة هي الحليفة التي تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد عليها في جميع المواقف المختلفة، ففي عام 1980م وقفت بريطانيا بجانب الولايات المتحدة في مقاطعتها لدورة موسكو للألعاب الأوليمبية بسبب تدخلها في أفغانستان، كما أيَّدت موقفها بالنسبة إلى مشكلة بولندا، وساندت موقفها تجاه فرض عقوبات اقتصادية على إيران بسبب أزمة الرهائن الأمريكيين.
ومن ناحية أخرى، كانت الولايات المتحدة في أشد الحاجة للحصول على تأييد دول غرب أوروبا والحصول على موافقتها لنشر المزيد من الصواريخ حاملة الرؤوس النووية من طراز "بيرشنج-2 وكروز" في غرب أوروبا لمواجهة خطر الصواريخ النووية السوفيتية طراز "إس إس-20" والتي يمتلك الاتحاد السوفيتي منها حوالي 360 صاروخاً ثلاثي الرؤوس النووية. وكانت بريطانيا من أول الدول التي وافقت على نشر هذه الصواريخ في بلادها في قاعدتين إحداهما قاعدة "جرينهام" التي تبعد عن لندن بمسافة أربعين ميلاً فقط، وذلك بالرغم من معارضة الشعب البريطاني.
لتلك الأسباب وغيرها كانت الولايات المتحدة حريصة على المحافظة على علاقات متوازنة بين الطرفين البريطاني والأرجنتيني، وهو ما يفسر إسراعها للقيام بالوساطة بين الطرفين، وقيام "ألكسندر هيج" برحلاته المكوكية بين "لندن" و"بوينس أيريس" على أمل التوصل إلى حل يوقف الصدام المسلح بين الطرفين ولا يعرض المصالح الأمريكية للخطر.
ولعل ما زاد في حرج الموقف بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هو ما كانت تتعرض له من ضغوط كلا الكتلتين الأوربية والأمريكية، فمن ناحية وقفت منظمة السوق الأوروبية المشتركة إلى جانب بريطانيا وبادرت بتجميد عقود السلاح والتبادل التجاري مع الأرجنتين. ومن ناحية أخرى وقفت منظمة الدول الأمريكية بجانب الأرجنتين باعتبارها أحد أعضاء المنظمة، واتهمت الحكومة البريطانية بمحاولة تجديد هيمنتها الاستعمارية على الجزر.
وبعد أحد عشر يوماً من الرحلات المكوكية بين "واشنطن" و"لندن" و"بوينس أيريس"، قدَّم "هيج" مشروعاً من خمس نقاط أساسية لحل الأزمة، لكن مشروع "هيج" لم يحظ بموافقة الأرجنتين ممَّا أعطى الولايات المتحدة عذراً للوقوف إلى جانب بريطانيا، خاصة بعد تحول الموقف السوفيتي من محايد إلى مؤيد للموقف الأرجنتيني، فأعلنت الولايات المتحدة عن نيتها في الوقوف إلى جانب بريطانيا واستعدادها لتقديم أي مساعدة تطلب منها، وبالإضافة إلى ذلك قامت الإدارة الأمريكية بتعليق شحنات الأسلحة المباعة للأرجنتين وأوقفت التعامل بأوراق الاعتماد والضمانات المصرفية المقدمة من قِبَل البنوك الأمريكية للأرجنتين، وكان من شأن هذا العمل زيادة حدة الضغوط الاقتصادية والمالية التي يواجهها النظام العسكري الحاكم.
كما قدمَّت الولايات المتحدة العديد من المساعدات العسكرية للمملكة المتحدة شملت تزويد الأسطول البريطاني بالوقود والمؤن والمعدات العسكرية والذخائر وإعارة سلاح الجو البريطاني عدداً من الطائرات المقاتلة طراز "هاريير" بالإضافة إلى تزويد قيادة البحرية في كل من لندن وجنوب الأطلنطي بالمعلومات المتوفرة حول التحركات العسكرية للقوات الأرجنتينية والتي أمكن رصدها بدقة بواسطة الأقمار الصناعية.
وبالنسبة إلى الأهمية الجيواستراتيجية لجزر "فوكلاند"، فإن الولايات المتحدة ترى أنها أقرب المناطق للارتكاز العسكري البريطاني في القارة الجنوبية، وهذا بدوره يحقق ضماناً كبيراً للوجود البريطاني والأسترالي والنيوزيلندي في القارة القطبية، بالإضافة إلى أن ابتعاد بريطانيا عن تلك المنطقة يعني تعرية كبيرة للاستراتيجية الأوروبية والأمريكية في جنوب الأطلنطي، إذ إنه بالرغم من وجود اتفاقية "ريو" بين الولايات المتحدة وكل من دول أمريكا اللاتينية الجنوبية من أجل تنسيق الأمن الاستراتيجي لدول القارة الأمريكية، إلاّ أن الاستراتيجية الأمريكية المشتركة مع بريطانيا تُعد من وجهة النظر الأمريكية أكثر ضماناً للولايات المتحدة من التعاون المشكوك في استمراره مع دول أمريكا اللاتينية، وهو ما يفسر الخط الذي اتخذته واشنطن بعد فشل مبادرتها السياسية لإيجاد تسوية سلمية للأزمة.

ج. موقف الاتحاد السوفيتي من الغزو

آثر الاتحاد السوفيتي في بداية نشوب النزاع بين المملكة المتحدة والأرجنتين الوقوف على الحياد بين طرفي النزاع، وتجنبت وسائل إعلامه التعليق على المشكلة وأبعادها في الوقت الذي ركَّزت فيه جميع التقارير على حشد الأسطول البريطاني واستعداده للتوجه إلى جنوب الأطلنطي لاستعادة الجزر.
وفي مجلس الأمن امتنع الاتحاد السوفيتي عن التصويت على مشروع القرار البريطاني الذي يطالب بالتوقف الفوري للأعمال العسكرية وانسحاب القوات الأرجنتينية من جزر "فوكلاند". غير أن هذا الموقف السوفيتي لم يستمر طويلاً، حيث بدأت وسائل الإعلام السوفيتية بعد ذلك تتهم المملكة المتحدة بأنها المتسببة في نشوب النزاع الدائر حول "فوكلاند"، في الوقت الذي ذكرت فيه وزارة الخارجية السوفيتية أن المشكلة لها طابع استعماري، وألقت تبعية نشوب هذه الأزمة على بريطانيا لأنها رفضت دائماً الامتثال لقرارات الأمم المتحدة بتصفية الوضع الاستعماري لهذه الجزر.
وكان لهذا التحول في الموقف السوفيتي آثاره المقلقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بعد أن أعلنت موسكو صراحة وقوفها إلى جانب الأرجنتين بعد ثلاثة أيام فقط من صدور قرار مجلس الأمن رقم (502) الذي سبقت الإشارة إليه، حيث رأى الاتحاد السوفيتي أن مبادرة حكام الأرجنتين إلى استرجاع الجزر تأتي في إطار إنهاء حالة استعمارية.
ومن هذا المنطلق اتجهت السياسة السوفيتية إلى تأييد موقف الأرجنتين في تلك الأزمة، خاصة وأن الأخيرة كانت الدولة الوحيدة في القارة الأمريكية التي رفضت المقاطعة الاقتصادية للاتحاد السوفيتي بعد نشوب أزمة أفغانستان، وفي مقابل الدعم الأمريكي لبريطانيا، عرض السوفيت على حكام الأرجنتين وضع المعلومات المتوافرة لديهم حول تحركات الأسطول البريطاني تحت تصرف القيادة العسكرية في "بوينس أيريس"، وهو ما كان يُعدّ أمراً حيوياً بالنسبة إلى القيادة الأرجنتينية، خاصة وأنه كان بإمكان الأقمار الصناعية السوفيتية إحصاء الطائرات البريطانية المرابطة على متن حاملات الطائرات ومتابعة تحركات السفن البريطانية وتحديد محلاتها بدقة، كما كان بوسع السوفيت التنصت على الاتصالات اللاسلكية التي تجري بين وحدات الأسطول البريطاني وحل شفراتها.
وهَدَف الاتحادُ السوفيتي من وراء ذلك إلى الاستفادة من النزاع لتوسيع نفوذه داخل أمريكا اللاتينية، حيث أبدى السوفيت منذ فترة طويلة اهتماماً كبيراً بالموقع الجغرافي والاستراتيجي الذي تتمتع به الأرجنتين، وفي سبيل ذلك سعوا إلى التقارب مع حكام ذلك البلد لاختراق الدول المجاورة، ولا تقتصر أهمية الأرجنتين بالنسبة إلى الاتحاد السوفيتي على الناحية السياسية فقط، بل تشمل أيضاً الناحية الاقتصادية، فالاتحاد السوفيتي كان راغباً في شراء كميات كبيرة من الحبوب من الأرجنتين يتراوح حجمها بين 11 مليون و12 مليون طن، وقد وصل بالفعل حجم الكميات التي اشتراها حتى آخر مارس 1982 إلى 7 مليون طن، وكان الاتحاد السوفيتي قد بدأ خلال السنوات القليلة السابقة في شراء كميات كبيرة من لحوم الأبقار من الأرجنتين، وفي عام 1980 احتل المرتبة الأولى بين الدول المستوردة لهذه السلعة، حيث وصلت قيمة وارداته إلى 200 مليون دولار.
وقد أبدت الولايات المتحدة قلقاً واضحاً لتطور هذه العلاقات، خاصة وأن الأرجنتين كانت قد أبدت رغبتها في شراء طائرات حربية سوفيتية من طراز "سوخوي" لتحل محل الطائرات الأمريكية من طراز "سكاي هوك" المزود بها سلاح الطيران الأرجنتيني.
وقد أبدى الاتحاد السوفيتي عزماً حقيقياً على مواصلة تعزيز علاقته مع الأرجنتين، عندما أعلن مصدر رسمي سوفيتي أن بلاده عازمة على استمرار شحن كميات الحبوب الأرجنتينية المتعاقد عليها بالرغم من اندلاع الحرب، وبأن عدداً كبيراً من السفن التجارية السوفيتية في طريقها لسواحل الأرجنتين ولن يحول طريقها أي عوائق.

د. موقف دول السوق الأوربية المشتركة من الغزو:

أدانت دول السوق الأوروبية الغزو الأرجنتيني للجزر بالرغم من العلاقات الوثيقة التي تربطها بها، وعقدت دول السوق الأوروبية- بناء على طلب بريطانيا- اجتماعاً لإصدار بيان مشترك في أعقاب الغزو، ووجهت دول السوق نداءً إلى الأرجنتين لسحب قواتها من الجزر، كما استنكر وزراء خارجية دول السوق الغزو الأرجنتيني واعتبروه خرقاً للتصريح الذي أدلى به رئيس مجلس الأمن الذي يبحث المشكلة، وأعلنت كلُّ من فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا فرض حظر على تصدير السلاح إلى الأرجنتين.
وجاء هذا القرار ضربةً قاسيةُ للأخيرة، خاصةُ وأنها كانت تتأهب لاستلام ثلاثة فرقاطات من ألمانيا طراز “
Meko 140” في أوائل عام 1982، بالإضافة إلى فرقاطة رابعة من الطراز نفسه كانت تحت الإنشاء، فضلاً عن غواصتين كانت ألمانيا قد أوشكت على الانتهاء من بنائهما لصالح الأرجنتين. وزاد من أثر هذا القرار أن الأرجنتين قد شرعت في بناء ست فرقاطات أخرى طراز “Meko 140” وأربع غواصات بترسانتها، وكان من المقَّرر تسليحها وتجهيزها بالمعدات في أوروبا. ولذلك كان للمقاطعة الأوروبية آثارها السلبية على قدرات الأرجنتين العسكرية، خاصة أن الجانب الأعظم من التسليح الأرجنتيني (البري والبحري والجوي) كان يعتمد على قِطَع غياره واستعواضه من المصادر الأوروبية والأمريكية.
وتلى الحظر الأوروبي على السلاح حظرٌ شاملٌ على جميع الصادرات الأوروبية إلى الأرجنتين، ابتداءً من 16 أبريل 1982. وجاء هذا الحظر في الوقت الذي كانت فيه الأرجنتين تعاني من التضخم وصعوبات اقتصادية جَمَّة، وكانت تسعى في بداية ذلك العام إلى الحصول على قرض مقداره مليارين من الجنيهات الإسترلينية، غير أنها لم تُوفق إلاّ في الحصول على ثُلث هذا المبلغ، ومن ناحية أخرى كان قرار الحظر الأخير يجمِّد صادرات الأرجنتين إلى دول السوق الأوروبية التي تبلغ 800 مليون جنيه سنوياً، وهو ما يمثل الجانب الأعظم من صادراتها إلى الخارج.
ووجّه بنك "ناشيونال وستمنستر" ضربة أخرى للاقتصاد الأرجنتيني، فعلى أثر القرارات الأوروبية السابقة وإعلان الحكومة البريطانية تجميد الأرصدة الأرجنتينية ومنع البنوك من مَنْح أي قروض للحكومة والمؤسسات الأرجنتينية، انسحب بنك "ناشيونال وستمنستر" من المشاركة في قرض كان مقرراً تقديمه للأرجنتين يبلغ مقداره 200 مليون دولار، وتبلغ قيمة المساهمة البريطانية في القرض بنحو 25 مليون دولار.
ولم يكن ذلك آخر الضربات التي تلقاها الاقتصاد الأرجنتيني، فإن القروض السابقة ترتب عليها ديون للبنوك الأوروبية بلغ مجموعها 21 مليار دولار، معظمها قروض مستحقة السداد كان ما يقرب من ستة مليارات ديوناً للبنوك البريطانية، وكانت الحكومة الأرجنتينية تطالب بجدولتها، ولم يكن بوسع هذه البنوك جدولة تلك الديون بعد تفجر الأزمة، مما ترتب عليه إثارة مشاكل جديدة للاقتصاد الأرجنتيني. ومع ارتفاع النفقات العسكرية فشلت محاولات وزير الاقتصاد الأرجنتيني "روبرتو اليمان" معالجة التضخم الذي وصل إلى 130%. وقد انعكست المقاطعة الأوروبية على القدرات العسكرية الأرجنتينية. فبالرغم من التطور النسبي للصناعات الحربية في الأرجنتين، إلاّ أنها كانت تعتمد على الاستيراد الخارجي بدرجة كبيرة في تسليح قواتها المسلحة. فعلى سبيل المثال كانت مشاة الأسطول مزودة بعربات برمائية أمريكية الصنع، وعربات حاملة للصواريخ المضادة للطائرات من طراز "رولاند" المصنعة في فرنسا وألمانيا الغربية، وصواريخ مضادة للطائرات طراز "تايجر كات" بريطانية الصنع، وصواريخ مضادة للدابابات من طراز "بانتام" ألمانية الصنع، هذا فضلاً عن مدافع الميدان والهاونات من الأعيرة المختلفة.
وكانت أسلحة الدفاع الجوي هي أكثر الأسلحة تأثراً بالمقاطعة الغربية وذلك سواء بالنسبة إلى القوات المرابطة في الجزر، أو تلك الموجودة على أراضي الأرجنتين، ويرجع ذلك إلى حيوية الدور الذي كان على هذه الوحدات القيام به في المواجهة العسكرية المنتظرة، خاصة وأن الأرجنتين كانت تعتمد على طرازين من الصواريخ المضادة للطائرات أحدهما بريطاني والآخر فرنسي/ ألماني غربي. وكان من شأن ذلك وضع قيود على استخدام هذه الأسلحة خشية الوصول إلى مستوىً يهدد بنفاد المخزون منها دون التمكن من استعواضها في الوقت المناسب.
كما فرضت المقاطعة الغربية أيضاً قيوداً على استخدام القوات البحرية الأرجنتينية، حيث كان الأسطول الأرجنتيني يتألف من وحدات من سفن السطح والغواصات بريطانية وفرنسية وألمانية الصنع، ويشمل تسليحها صواريخ من طرازات فرنسية وبريطانية، وكان المخزون المتوفر من هذه الأسلحة محدوداً للغاية، وبالتالي فقد أدَّى امتناع الشركات الفرنسية والبريطانية والألمانية عن استعواض هذه الأسلحة إلى وضع البحرية الأرجنتينية في موقف حرج، كما أدى الحظر الأوروبي أيضاً إلى حرمان البحرية الأرجنتينية من عدد من الوحدات الحديثة كانت تتأهب للحصول عليها.
كما أثَّر قرار الحظر الأوروبي على القوة الجوية الأرجنتينية التي تتسلح أسراب قتالها بطائرات "سكاي هوك" و"ميراج" و"سوبر اتنداد" التي تلتزم الدول المصدرة لها بقرار الحظر الأوروبي، وبالتالي أثَّر ذلك القرار على مخزون تلك الأسراب من الذخائر وقِطَع الغيار اللازمة لها.

هـ. موقف دول أمريكا اللاتينية من الغزو

اتسم موقف دول أمريكا اللاتينية عموماً بالانحياز للأرجنتين إلاّ أنه لم يصل إلى حد فرض عقوبات اقتصادية مضادة على بريطانيا، وحتى "نيكاراجوا" التي طالما وصفت نظام الحكم في الأرجنتين بالعمالة الأمريكية ساندت الموقف الأرجنتيني، كما ساندت "شيلي"- رغم خلافات الدوليتين حول قناة "بيجيل"- حق الأرجنتين في استعادة سيطرتها على الجزر. كما قررت خمس دول من حلف الإنديز هي "بوليفيا" و"كولومبيا" و"اكوادور" و"فنزويلا" و"بيرو" فتح أسواقها للمنتجات الأرجنتينية التي قاطعتها الأسواق الأوروبية.

و. الموقف الإسرائيلي من الغزو

ترجع علاقة اليهود بالأرجنتين إلى القرن التاسع عشر، عندما حاول البارون اليهودي الفرنسي "موريس دي هيرش" الذي كان يتمتع بثراء واسع، إنشاء مستعمرات زراعية في بعض المناطق النائية بالأرجنتين ليسكنها اليهود الذين كانوا يعانون من الاضطهاد في أوروبا، ولتكون نواة لإقامة دولة يهودية، وبعد الحرب العالمية الثانية زادت هجرة اليهود إلى الأرجنتين وأنشأوا جالية يهودية كبيرة ضمَّت ما يقرب من 600 ألف يهودي من مجموع 900 ألف يهودي في كل دول أمريكا اللاتينية، أي ما يعادل ثلثي يهود دول أمريكا الجنوبية عشية الغزو.

وعندما تفجرت أزمة "فوكلاند" وأعلنت دول السوق الأوروبية مقاطعتها للأرجنتين، كانت إسرائيل هي المصدر الرئيسي للحصول على السلاح بالنسبة إلى الحكومة الأرجنتينية، حيث أبدت إسرائيل استعدادها لإمداد الأخيرة بالأسلحة اللازمة لقواتها البحرية والجوية، وقد لجأت إليها الأرجنتين للحصول على صواريخ جو/جو من طراز "شفرير" وزوارق مسلحة من طراز "دبور"، كما عرضت إسرائيل على الأرجنتين أيضاً استعدادها لإمدادها بمقاتلات من طراز "كفير" وصواريخ جو/ أرض وطائرات استطلاع بحري ومكافحة غواصات من طراز "سي سكيت" وزوارق وصواريخ من طراز "ريشيف" وصواريخ بحر/ بحر من طراز "جابرييل-3".

2. تصاعد النزاع وفشل جهود الوساطة بين الجانبين

          تصاعد النزاع بين طرفي الأزمة بعد أقل من أسبوع من الغزو الأرجنتيني للجزر، حيث بدأت تتزايد أعداد وحدات الأسطول البريطاني المتجهة إلى جنوب المحيط الأطلنطي، على ضوء الموقف الذي استقرت عليه الحكومة البريطانية، فبالرغم من أن تلك الحكومة لم يكن لديها أي أمل في استجابة المجلس العسكري الحاكم في الأرجنتين لقرار مجلس الأمن رقم (502) بالنسبة إلى الانسحاب من الجزر، فإنها قرَّرت السير في طريقي الحل السياسي والعسكري معاً.

           وإزاء ردود الفعل البريطانية- الرسمية والشعبية- الحادة تجاه الغزو الأرجنتيني للجزر، وعدم ظهور بوادر عن نية الأرجنتين تنفيذ قرار مجلس الأمن بالنسبة إلى الانسحاب منها، تزايدت احتمالات الصدام المسلح بين طرفي النزاع، ومن ثمَّ عقد الرئيس الأمريكي "رونالد ريجان" اجتماعاً مع وزير دفاعه ومستشاره للأمن القومي لمناقشة الأزمة وانعكاساتها على الولايات المتحدة وعلاقاتها مع دول الناتو وأمريكا اللاتينية.
          ومن ثمَّ تقرَّر خلال هذا الاجتماع أن تقوم الولايات المتحدة ببذل مساعيها الحميدة لمنع الصدام الوشيك وإيجاد حل سلمي للمشكلة التي فجرت الأزمة بين الجانبين على ضوءقرار مجلس الأمن رقم (502) الذي يدعو حكومة الأرجنتين إلى سحب قواتها من الجزر واستئناف المباحثات مع المملكة المتحدة لإيجاد حل سلمي للمشكلة القائمة بينهما.
          وفي اليوم التالي لوصول "ألكسندر هيج" وزير الخارجية الأمريكية إلى "لندن" بادئاً رحلاته المكوكية للوساطة بين طرفي النزاع، وجهت الحكومة البريطانية يوم 8 أبريل إنذاراً للأرجنتين بأنه اعتباراً من الساعة الخامسة صباحاً بتوقيت لندن (الواحدة صباحاً بتوقيت الأرجنتين) يوم 12 أبريل سوف يبدأ الأسطول البريطاني حصاراً بحرياً للمنطقة المحيطة بجزر "فوكلاند" ولمسافة 200 ميل من منتصف تلك الجزر، وأن وحدات الأسطول البريطاني سوف تطلق نيرانها على أي سفينة أرجنتينية تحاول اختراق منطقة الحصار دون حاجة لإنذارها. ولما كان الأسطول البريطاني لازال يجري إعادة تجميع وحداته في جزيرة "أسنشن"، فقد أسندت هذه المهمة إلى الغواصات النووية التي كانت تقترب من منطقة الحصار في ذلك الوقت.
          ورداً على الإنذار البريطاني، أعلنت الأرجنتين بدورها أن وحدات أسطولها سوف تغرق أي سفينة بريطانية تحاول الاقتراب لمسافة أقل من مائتي ميل من جزر "فوكلاند" أو "جورجيا الجنوبية"، وحمَّلت المملكة المتحدة كافة المسئوليات عن الأضرار التي تلحق بسفنها إذا ما حاولت اختراق المياه الإقليمية للجزر أو الأرجنتين.
          وفي "لندن" وجد وزير الخارجية الأمريكية أن السيدة "تاتشر" رئيسة الوزراء البريطانية غير مستعدة لأية تنازلات، وأكدت للوزير الأمريكي ما سبق إعلانه عن فرض الحصار إذا لم تنسحب القوات الأرجنتينية من الجزر، كما أوضحت له استعداد بريطانيا لاستئناف المفاوضات إذا انسحبت تلك القوات.
          وغادر "هيج" "لندن" يوم 9 أبريل إلى "بوينس أيريس" وهو متفهمٌ تماماً وجهة النظر البريطانية، إلاّ أن حظه في الأخيرة لم يكن أفضل من الأولى، فبالرغم من الحفاوة التي قوبل بها فإن الأرجنتينيين لم يتركوا لديه أي شك في قناعتهم بأحقية سيادتهم على الجزر التي يعدونها أرضاً أرجنتينية وأنهم غير مستعدين للتنازل عن هذه السيادة للغير
          ومع اقتراب عيد الفصح ظهر بعض التحسن في الموقف المتوتر نتيجة لسحب الأرجنتين كل وحدات أسطولها- التي كانت مرابطة قرب جزر "فوكلاند"- إلى قواعدها الأصلية في الأرجنتين. ودعا الجنرال "جلتيري" البريطانيين إلى كبح جماح النفس، وأبدى استعداد بلاده لسحب قواتها من الجزر إذا رفع الحصار، إلاّ أن إصرار الأرجنتينيين على بقاء الجزر تحت سيادتهم بعد انسحاب قواتهم منها كان غير مقبول من الحكومة البريطانية، التي رفضت أيضاً فكرة عقد مؤتمر ثلاثي (بين المملكة المتحدة والأرجنتين والولايات المتحدة) التي اقترحها "هيج" بعد عودته إلى لندن. وإزاء هذا الفشل في إحراز تقدم في وساطته، عاد الوزير الأمريكي إلى واشنطن يوم 13 أبريل لإبلاغ الرئيس "ريجان" بنتائج رحلته والتشاور حول الخطوات التالية.
          ومع رفع درجة استعداد القوات المسلحة الأرجنتينية باستدعاء الاحتياطي، وتزويد سفن القتال بالإمدادات والذخائر التي تكفي عشرين يوما، وتزايد احتمالات القتال بالنسبة إلى قوة الواجب البريطانية، وجد "هيج" أنه لا مناص من استئناف جولاته المكوكية مرة أخرى في محاولة لكسر هذه الدائرة المغلقة قبل أن تندلع الحرب بين البلدين، ومن ثمَّ واصل رحلاته المكوكية مُبتدأً ببوينس أيريس، حيث بدأ "هيج" ضغطه على الأرجنتينيين مؤكداً لهم أن الولايات المتحدة ستضطر إلى مساندة بريطانيا إذا ظلوا على موقفهم من مسألة السيادة ولم ينفذوا قرار مجلس الأمن.
          ومن جانبه أكد "جالتيري" رغبة بلاده في التوصل إلى حل سلمي، وأنه يأمل ألاّ تتخلى الولايات المتحدة عن حليفتها الجديدة (الأرجنتين)، وهنا عرض "هيج" على الأرجنتينيين مشروعه الذي يتلخص فيما يلي:

أ.

انسحاب القوات الأرجنتينية من الجزر مقابل تراجع الأسطول البريطاني.

ب.

تولي إدارة مشتركة (بريطانية/ أرجنتينية/ أمريكية) إدارة الجزر حتى شهر ديسمبر.

ج.

إجراء محادثات خلال السنة الجديدة للتوصل إلى تسوية طويلة المدى لمشكلة الجزر.

د.

القبول بمنطقة منزوعة السلاح لمسافة 400 ميل بحري من الجزر.

هـ.

اقتسام العائد الاقتصادي للجزر بين بريطانيا والأرجنتين لحين حل المشكلة نهائياً.

          وفي اجتماعه مع المجلس العسكري الحاكم يوم 18 أبريل وجد "هيج" أن بعض أعضاء المجلس غير مقتنعين باستعداد بريطانيا للدخول في حرب من أجل الجزر على الرغم من حشودها البحرية المتجهة إلى جنوب الأطلنطي، فأكد لهم "هيج" أن الحكومة البريطانية لا تخادع، وأن الولايات المتحدة لا تود أن ترى دولتين صديقتين لها يندفعان إلى الحرب، مشيراً إلى أن واشنطن لن تسمح بسقوط السيدة "تاتشر"، وأن على الأرجنتينيين الدخول في مفاوضات واقعية على أساس قرار مجلس الأمن رقم (502) وإلا اضطرت الولايات المتحدة إلى الوقوف إلى جانب بريطانيا.
          وعلى الرغم من أن المجلس العسكري كان أسير دعايته وتعبئته للشعب والقوات المسلحة لمساندة قرار استعادة الجزر وحق الأرجنتين في السيادة عليها، وكان على استعداد لقبول المخاطرة بحرب مشكوك في نتائجها، فقد ترك التحذير الأمريكي أثره لديه. ففي اليوم التالي أبلغ وزير الخارجية الأرجنتيني نظيره الأمريكي أن بلاده تقبل بإدارة بريطانية/ أرجنتينية مشتركة ومجلس مشترك للجزر لفترة انتقالية، على أن تحل مشكلة السيادة في نطاق الأمم المتحدة في نهاية السنة، إلاّ أنه عندما أرسل "هيج" رد الأرجنتينيين إلى "لندن"، جاءه رد الحكومة البريطانية بالرفض لكل ما قبلت به الأرجنتين.
          وفي محاولة أخيرة لإيجاد صيغة مقبولة من جانب بريطانيا، اجتمع وزير الخارجية البريطانية مع نظيره الأمريكي في واشنطن يوم 22 أبريل للبحث عن صيغة مقبولة يعرضها "هيج" على الجانبين، وخلال ذلك الاجتماع أبدى وزير الخارجية البريطانية استعداد حكومته لقبول علم آخر إلى جوار العلم البريطاني خلال المرحلة الانتقالية التي طلب أن تكون طويلة، مع قبول فتح موضوع السيادة للمناقشة بعد انسحاب القوات الأرجنتينية، وضرورة احترام رغبة سكان الجزر وموافقتهم على أي اتفاق يتم التوصل إليه.
          وعلى ضوء المواقف الأخيرة للجانبين، أعد "هيج" مقترحاته الأخيرة التي بعث بها إلى كل من "لندن" و"بوينس أيريس" يوم 27 أبريل. وتلخصت تلك المقترحات في النقاط التالية:

أ.

انسحاب قوات الجانبين.

ب.

مشاركة الأرجنتينيين في الإدارة الداخلية للجزر مع ترتيبات بريطانية/ أرجنتينية/ أمريكية.

ج.

التفاوض حول حل طويل المدى يأخذ رغبة سكان الجزر ومصالحهم في الحسبان.

د.

إمكان امتداد الفترة الانتقالية حتى خمس سنوات.

          وبينما أجلت الحكومة البريطانية ردها على المقترحات السابقة انتظاراً لرد المجلس العسكري الحاكم في الأرجنتين، فإن الأخير صوَّت على رفض تلك المقترحات في اليوم التالي لتسلمها، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الأمريكية إلى إعلان انتهاء مساعيه للوفاق بين الدولتين يوم 30 أبريل.
          ولم تكن مساعي "ألكسندر هيج" للوساطة هي الجهود السلمية الوحيدة في هذا المجال، فقد تقدمت "بيرو" بمشروع آخر للسلام يستند على النقاط التالية:

أ.

الوقف الفوري لإطلاق النار وانسحاب القوات الأرجنتينية من الجزر في مقابل تراجع الأسطول البريطاني.

ب.

إنهاء المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها دول المجموعة الأوروبية ضد الأرجنتين.

ج.

تكوين هيئة من كل من الولايات المتحدة والبرازيل وألمانيا الغربية وبيرو للإشراف على الجزر خلال الفترة التي تعقد فيها مفاوضات مباشرة بين الطرفين المتنازعين للتوصل إلى حل للمشكلة.

          ومن جانبه تقدم "جافيز بيريز دي كويار" السكرتير العام للأمم المتحدة بمشروع آخر للتوفيق على أساس النقاط التالية:

أ.

إيقاف إطلاق النار بين الجانبين المتنازعين وانسحاب قواتهما.

ب.

وضع الجزر تحت إشراف الأمم المتحدة خلال الفترة التي تجرى فيها المفاوضات بين الجانبين بهدف التوصل إلى حل للمشكلة.

          وقد اصطدمت هذه المساعي بالعقبات نفسها، التي اصطدمت بها مساعي "ألكسندر هيج"، على أنه يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية التي أدت إلى فشل الجهود الأخيرة للسلام في النقاط التالية:

أ.

إصرار الأرجنتين على أن أي اتفاق يتم التوصل إليه بخصوص الجزر يجب أن يشمل جزيرة "جورجيا الجنوبية"- التي استعادتها بريطانيا يوم 25 أبريل- وجزر "ساندوتش الجنوبية"، بالإضافة إلى جزر "فوكلاند"، بينما أصرت بريطانيا أن يقتصر الاتفاق على جزر "فوكلاند".

ب.

مطالبة الأرجنتين بانسحاب جميع قوات الجانبين إلى قواعدهما في الوطن، بينما كانت بريطانيا ترى أن يتم انسحاب متبادل على مرحلتين خلال أربعة عشر يوماً إلى مسافة مائة وخمسين ميلاً بحرياً.

ج.

مطالبة الأرجنتين بأن تكون إدارة الجزر مقصورة على رجال الأمم المتحدة أثناء فترة إشرافها على الجزر، بينما كانت بريطانيا ترى أن يكون لسكان الجزر دور في هذه الإدارة والحكم خلال تلك الفترة.

د.

طالبت الأرجنتين بحرية نزوح مواطنيها وإقامتهم في الجزر خلال الفترة الانتقالية، غير أن بريطانيا رفضت هذا الطلب على أساس أن ذلك سوف يخل بترتيب السكان وطبيعة المجتمع في الجزر، مما سيكون له تأثير مباشر على نتيجة استطلاع رأي السكان مستقبلاً في أي اتفاق يمكن التوصل إليه.

وهكذا وصلت جهود السلام إلى طريق مسدود، في الوقت الذي انطلقت فيه آلة الحرب إلى قدرها المحتوم.

ـــــــــــــــــ



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة