الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الشكل الرقم (1)الفكرة العامة لعملية الغزو الأرجنتيني 1 أبريل 1982
الشكل الرقم (2)أعمال القتال للاستيلاء على ستانلي 1-2 أبريل 1982
الشكل الرقم (3)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية ثلاجة فورتونا
الشكل الرقم (4)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية خليج كمبرلاند
الشكل الرقم (5)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية خليج ستورمنس
الشكل الرقم (6)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية الهجوم على الغواصة سانتافي
الشكل الرقم (7)أعمال القتال الافتتاحية للجانبين 1 مايو 1982
الشكل الرقم (8)إغراق الطراد جنرال بلجرانو والمدمرة شيفلد 2، 4 مايو 1982
الشكل الرقم (9)الإبرار البريطاني في منطقة سان كارلوس 21 مايو 1982
الشكل الرقم (10)احتلال رأس الشاطئ والتقدم نحو الأهداف المرحلية الأولى 21 مايو - 1 يونيو
الشكل الرقم (11)معركة جوس جرين 27-29 مايو 1982
الشكل الرقم (12)استيلاء اللواء الثالث على خط المرتفعات الثاني 11-12 يونيو 1982
الشكل الرقم (13)الهجوم البريطاني الأخير وسقوط ستانلي 13-14 يونيو 1982
الشكل الرقم (14)معركة ويرلس ريدج 13-14 يونيو 1982
 
الخريطة الرقم (1)مسرح حرب فوكلاند
الخريطة الرقم (2)مسرح عمليات فوكلاند 2 أبريل - 14 يونيه 1982
الخريطة الرقم (3)جزر فوكلاند
الخريطة الرقم (4)جزيرة جورجيا الجنوبية (سوث جورجيا)
الخريطة الرقم (5)جزيرة جورجيا الجنوبية (منطقة العمليات)
الخريطة الرقم (6)حدود مناطق الحظر البريطانية والأرجنتينية

الفصل الثالث
الجهود البريطانية للسيطرة على منطقة العمليات

 

 

الأحداث الرئيسية

بدء القصف الجوي والبحري البريطاني لمنطقة "ستانلي" والرد الأرجنتيني بالقصف الجوي لأسطول قوة الواجب.

:

1 مايو 1982

سحب الحاملة الأرجنتينية "25 مايو" من منطقة العمليات

:

1/2 مايو 1982

تصديق مجلس الحرب البريطاني على الهجوم على السفن الأرجنتينية خارج منطقة الحظر الكلي، وإغراق الطراد جنرال "بلجرانو" بواسطة غواصة نووية بريطانية.

:

2 مايو 1982

* إصابة المدمرة "شيفلد" بصاروخ "إكسوست" من طائرة أرجنتينية أدى إلى إغراقها.

* تحرك أسطول قوة الواجب شرق جزر "فوكلاند" خارج مدى عمل طائرات القتال الأرجنتينية.

:

4 مايو 1982

* مجلس الحرب البريطاني يقرر المضي في خيار الحرب حتى النهاية.

* إبحار مجموعة الإبرار من جزيرة "أسنشن".

:

8 مايو 1982

بدء استخدام قوة الواجب لأسلوب كمائن الصواريخ.

:

9 مايو 1982

إغراق سفينة النقل الأرجنتينية "إيلا دوس استادوس" بواسطة طائرة عمودية بريطانية.

:

10 مايو 1982

إصابة المدمرة "جلاسكو" في هجوم جوي أرجنتيني وإخراجها من المعركة.

:

12 مايو 1982

تلقين قائد اللواء الثالث كوماندوز لقادة وحدات الإبرار.

:

13 مايو 1982

عرض قائد الحملة فكرة العملية "سَتُون" على مجلس الحرب البريطاني.

:

14 مايو 1982

عرض رؤساء أركان القوات البرية والبحرية والجوية الأدوار التي ستقوم بها قواتهم في العملية "سَتُون" على مجلس الحرب البريطاني.

:

18 مايو 1982

وصول مجموعة الإبرار إلى منطقة العمليات.

:

19 مايو 1982

تحرك مجموعة الإبرار إلى مضيق "فوكلاند".

:

20 مايو 1982

الفصل الثالث
الجهود البريطانية للسيطرة على منطقة العمليات

أولاً: أعمال قتال الجانبين خلال المرحلة الافتتاحية للحرب

1. عام (الخريطة الرقم 1)

          على الرغم من أن مشكلة فوكلاند كانت تخص في ظاهرها مباشرة المصالح البريطانية والأرجنتينية فقط، إلاّ أنها جذبت اهتمام القوتين العظميين، فبدأت أقمار التجسس الأمريكية في تزويد القيادة البريطانية بما تحصل عليه من معلومات عن تحركات القوات الأرجنتينية أولاً بأول، بما في ذلك التعليمات التي تصدرها قيادة الأخيرة إلى وحداتها في عرض المحيط، وعلى الجانب الآخر قامت أقمار التجسس وطائرات الاستطلاع السوفيتية بعيدة المدى المتمركزة في "كوبا" و"أنجولا" بجمع المعلومات عن تحركات القوات البريطانية ومواقعها وإرسالها إلى القيادة الأرجنتينية بعد التقارب الفجائي بين البلدين في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الذي أدان الغزو الأرجنتيني للجزر.
          وفي الوقت الذي كانت فيه القيادة البريطانية تحشد قواتها جنوب الأطلنطي، رفعت القيادة الأرجنتينية بدورها استعداد قواتها وعبأت احتياطياتها، وبدأت في تجهيز أسطولها وتزويده بالمؤن والذخائر بالقدر الذي يكفي عشرين يوماً من القتال.
          وفي 14 أبريل، عقد مجلس العموم البريطاني اجتماعاً طارئاً أعلنت فيه رئيسة مجلس الوزراء الخطوات الدبلوماسية التي تخطوها لحل الأزمة سياسيا في الوقت الذي كان يجري فيه حشد وتدعيم قوة الواجب لتوفير خيار عسكري ملائم إذا فشلت الجهود السياسية.
          وابتداءً من منتصف أبريل كانت قوة الواجب البريطانية تحت المراقبة المستمرة لطائرات الاستطلاع السوفيتية وطائرات البوينج الأرجنتينية. وعلى الجانب الآخر بدأت طائرات "نمرود" البريطانية من جزيرة "أسنشن" دورياتها الاستطلاعية لمراقبة نشاط الأسطول الأرجنتيني جنوب الأطلنطي. وفي ليلة 20/21 أبريل قامت طائرات الاستطلاع الإلكتروني من طراز "فكتور
XL 192" من السرب 57 بتنفيذ طلعة استطلاع راداري بعيد المدى للمسرح البحري مَسَحت خلالها 7000 ميل مربع (11263) خلال ما يقرب من خمس عشرة ساعة من الطيران المستمر، ساندها خلالها أربع طائرات "فكتورK2 " لإعادة الملء بالوقود أثناء الطيران.
          في الوقت الذي كانت فيه مجموعة القتال التي دفعها الأدميرال "فيلدهاوس" مبكرا ـ لاسترجاع جزيرة "جورجيا الجنوبية" تقوم بأعمال قتالها في تلك الجزيرة كانت مجموعات القتال الأخرى لقوة الواجب تقترب من منطقة عملياتها. وما أن دخلت وحدات تلك القوة في مدى عمل طائرات القتال الأرجنتينية، حتى بدأت أسراب القتال البريطانية على ظهر حاملتي الطائرات أعمال الدوريات الجوية على طرق الاقتراب إلى مجموعات قوة الواجب لصد أي محاولة من طائرات القتال الأرجنتينية للاقتراب من السفن البريطانية.

2. أعمال القتال الافتتاحية للجانبين في منطقة "فوكلاند"، الأول من مايو، (الشكل الرقم 7)

          بدأ العدُّ التنازليّ لشن الحرب قبل أن يعلن "الكسندر هيج" رسمياً في الثلاثين من أبريل فشل وساطته لحل المشكلة سياسيا، فما أن تم إبلاغ الحكومة البريطانية برفض المجلس العسكري الحاكم في الأرجنتين لمقترحات "هيج" الأخيرة حتى أرسل الأدميرال "فيلد هاوس" إلى قائد قوة الواجب في جنوب الأطلنطي أمراً إنذارياً بالاستعداد للحرب اعتباراً من منتصف ليلة 29 أبريل، إلاّ أنه إزاء تأخر قوة الواجب في اتخاذ أوضاعها داخل منطقة العمليات بسبب سوء الأحوال الجوية أثناء الرحلة البحرية، وعدم إعلان "هيج" رسمياً عن فشل جهود وساطته إلاّ يوم 30 أبريل تأجل الموعد المحدد لبدء القتال.
          وكانت الخطة البريطانية تقضي القيام بمجموعة من أعمال القتال البحرية والجوية في منطقة جزر "فوكلاند" وما حولها لمدة تصل إلى أسبوعين بهدف دفع القوات البحرية والجوية الأرجنتينية إلى القتال حتى يمكن هزيمتها وتحقيق السيطرة الجوية والبحرية في منطقة العمليات قبل القيام بعمليات الإبرار، كما كان هذان الأسبوعان من القتال يهدفان إلى الضغط على القيادة الأرجنتينية من ناحية وإتاحة المزيد من الوقت للحلول السياسية من أجل انسحاب القوات الأرجنتينية من ناحية أخرى.
          وإزاء قصور إمكانات الإنذار الجوي المتاحة لقوة الواجب وقلة أعداد المقاتلات التي تصاحبها على متن حاملتي الطائرات، اقتضت خطة العملية توفير الحماية الجوية لتلك القوة في منطقة العمليات بمجموعة مختلطة من أعمال قتال الدفاع الجوي بالمقاتلات والصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، مع شن سلسلة من الهجمات الجوية والقصف البحري والإغارات البرية (بالقوات الخاصة المحمولة بالطائرات العمودية) على المطارات ووسائل الدفاع الجوي في جزر "فوكلاند".
          أمّا على الجانب الأرجنتيني، فإنه إزاء الضعف النسبيّ للوحدات الجوية التي أمكن تمركزها في مطارات "فوكلاند"، وعودة حاملة الطائرات 25 مايو إلى قاعدتها على أثر بعض الأعطال الفنية بعد أقل من أسبوعين من وصول قوة الواجب، كان على القيادة الأرجنتينية الاعتماد أساسا على أسراب القتال ـ التي أعادت تمركزها في المطارات الجنوبية للوطن الأم ـ لصد أي محاولة إبرار بريطانية على شواطئ فوكلاند. ولما كانت الجُزر المستهدفة تقع على أقصى مدى عمل لطائرات تلك الأسراب، فإن ذلك كان يعني أنه لن يكون هناك وقتٌ أمام طياري القتال للبحث عن الأهداف البرية الصغيرة والمتحركة لتدميرها بعد الإبرار، وعلى ذلك قرَّرت القيادة الأرجنتينية تركيز جهودها الرئيسية ضد السفن البريطانية لإحباط عملية الإبرار أو تكبيد البريطانيين من الخسائر ما يجبرهم على الانسحاب أو التفاوض.
          وما أن أعلن وزير الخارجية الأمريكية فشل جهود الوساطة، بدأت تشكيلات قوة الواجب في اتخاذ أوضاعها داخل منطقة العمليات، حتى وصل إلى جزيرة "أسنشن" مساء 30 أبريل تعليمات ايرمارشال "كيرتس" قائد الوحدات الجوية المخصَّصة للحملة التي يأمر فيها ببدء أعمال القصف الجوي للعملية "بلاك بك واحد
Black Buck One " في الساعة 700 صباح الأول من مايو بتوقيت "جرينتش" (300 بتوقيت فوكلاند)، وكان قد وصلت إلى الجزيرة في اليوم السابق قاذفتان من طراز "فولكان" من السرب 101 لتنفيذ هذه المهمة، وعلى الرغم من المدى الكبير لقاذفات "فولكان" فإنها كانت غير قادرة على الوصول إلى جزر "فوكلاند" وتنفيذ مهمتها والعودة إلى "أسنشن" ـ قاطعة نحو ثمانية آلاف ميل (12872 كم) ـ دون التزود بالوقود في الجو عدة مرات، ومن ثم كان هناك في انتظارها في الجزيرة عددٌ من طائرات "فكتور K2" لتزويدها بالوقود خلال الرحلة الجوية.
          وفي الموعد المحدَّد أقلعت إحدى القاذفتين لقصف مطار "ستانلي" إلاّ أنها سرعان ما عادت بعد بضع دقائق لخلل في الطائرة، فحلَّت محلها الطائرة الثانية على الفور، وفي الساعة 0130 صباح الأول من مايو بتوقيت جرينتش (1030 مساء 30 أبريل بتوقيت فوكلاند) بينما كانت القاذفة الثانية في طريقها إلى منطقة العمليات جنوب الأطلنطي كانت مجموعة القتال الرئيسية بقيادة رير ادميرال "ساندي وودوارد" تعبر حدود منطقة الحظر الكلي على مسافة مائتي ميل من جزر "فوكلاند"، تسبقها بنحو ساعة مدمرات المقدمة للحلقة الخارجية للتشكيل البحري التي تكونت ومن المدمرات طراز 42 بينما اتخذت مدمرات الدفاع الجوي المسلحة بصواريخ "سي وولف" محلاتها على أجناب حاملتي الطائرات "انفنسبل" و"هيرمس"، وبالقرب منها مدمرات وفرقاطات الخدمة العمومية، أمّا المدمرات المسلحة بصواريخ "سي دارت" المضادة للطائرات فقد اتخذت محلاتها على مسافة عشرين ميلاً (32 كيلو مترا) في المقدمة ناحية الاتجاه الأكثر تهديداً من طائرات القتال الأرجنتينية.
          وكان على هذه المجموعة اتخاذ أوضاع القتال في محلاتها قبل انبلاج صبح الأول من مايو، فبعد القصف الليلي لمطار "ستانلي" بواسطة طائرة "الفولكان"، كان على السرب 800 "سي هارير" المتمركز على متن الحاملة "هيرمس" توجيه الضربة الثانية ضد مطاري "ستانلي" و"جوس جرين" بطائراته الاثنتي عشرة مع أول ضوء ذلك اليوم، بينما كان على الحاملة "انفنسبل" برادارها الحديث وطائراتها الثماني من طراز "سي هارير" القيام بمهام الدفاع الجوي عن التشكيل البحري، وعمل مظلة جوية لتغطية ذلك التشكيل بالتعاون مع عناصر الدفاع الجوي الأخرى على متن باقي السفن (الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات).
          وفي الوقت الذي كانت فيه حاملتا الطائرات تقتربان حتى 70 ميلاً (113 كيلو متراً) من جزر "فوكلاند"، كانت قاذفة "الفولكان" في خط اقترابها النهائي من مطار "ستانلي" بعد رحلة طويلة قطعت فيها نحو أربعة آلاف ميل في ما يزيد على ست ساعات، قام فيها عددٌ من طائرات "فكتور
K2 " بإعادة تزويدها بالوقود عدة مرات، وفي نحو الساعة 0340 صباح الأول من مايو، ألقت القاذفة البريطانية إحدى وعشرين قنبلة زنة كل منها ألف رطل (454 كيلوجراماً)، فأصابت إحداها المدرج الوحيد بالمطار، وأحدثت باقي القنابل أضراراً في الطائرات الجاثمة على الأرض، فضلاً عن تدمير بعض منشآت المطار.
          ومع أول ضوء الأول من مايو، اتَّخذت ست طائرات "سي هارير" من الحاملة "انفنسبل" محلاتها في المظلة الجوية لحماية التشكيل البحري، بينما أقلعت الموجة الأولى من القوة الضاربة (4 طائرات سي هارير) من الحاملة "هيرمس" متوجهة نحو مطار "ستانلي" لاسكات وسائل الدفاع وشل محطة الرادار التي كان يُعتقد أنها تتخذ مواقعها على تلي "كانوبص
Canopus" و"ماري Mary" غرب المطار، وعند وصولها إلى أهدافها قام التشكيل بالهجوم عليها باستخدام أسلوب القذف أثناء التسلق (Toss-Bombing) حيث ألقت كل طائرة ثلاث قنابل زنة كل منها ألف رطل (454 كيلوجراماً) على الهدف المخصص لها، انفجر أغلبها على الفور بينما تبقت بعض القنابل الزمنية لتنفجر في أوقات لاحقة.
          وفي أعقاب الموجة الأولى، اقتربت الموجة الثانية (5 طائرات سي هارير) لقصف المطار نفسه، حيث قامت أربع منها بقصف الطائرات في منطقة الانتظار، ومخازن الوقود والذخيرة بقنابل المستودعات “
Cluster Bombs"، بينما قامت الطائرة الخامسة بقصف المدرج بقنابل البارشوت الفرملية.
          وفي الوقت الذي كان يجري فيه الهجوم على مطار "ستانلي"، توجه تشكيل آخر من ثلاث طائرات "سي هارير" من السرب نفسه للهجوم على المطار العشبي في "جوس جرين"، حيث قامت طائرتان بإلقاء قنابل المستودعات، بينما قامت الثالثة بإسقاط قنابل الألف رطل وأدَّى الهجوم البريطاني على المطارين في هذا اليوم إلى وضعهما خارج الخدمة بعض الوقت، بالإضافة إلى تدمير ثلاث طائرات "بوكارا" وقتل أحد الطيارين في "جوس جرين"، في الوقت الذي عادت فيه جميع طائرات السرب 800 إلى حاملتها سالمة.
          ولم تقتصر أعمال القتال البريطانية في ذلك اليوم على القصف الجوي للمطارين، فبعد عشر دقائق من سقوط أول قنبلة على مطار "ستانلي" انفصلت خمس سفن عن مجموعة العمليات الرئيسية واتخذت وجهتها نحو شواطئ "فوكلاند" في مجموعتين، الأولى مشكَّلة من المدمرة "جلامورجان" والفرقاطتين "أرو" و"الكريتي"، وكُلفت بالعمل كمجموعة نيران لقصف ستة أهداف حول "ستانلي"، والثانية مُشكلة من المدمرة "برليانت" والفرقاطة "يارموث" يعاونهما ثلاث طائرات عمودية "سي كنج" من الحاملة "هيرمس"، وكُلفت بمسح المنطقة شمال "ستانلي" بنحو 20 ميلاً (32 كم) بحثاً عن الغواصة الأرجنتينية التي يُشك أنها في تلك المنطقة، وتدميرها.
          وكانت مجموعة البحث عن الغواصة هي الأسرع في الوصول إلى المنطقة المحددة لها، حيث انضمت إليها الطائرات العمودية "سي كنج" الثلاث. وسرعان ما ظهرت ثلاث طائرات أرجنتينية طاردتها طائرتا "سي هارير" بعيداً عن السفن، بينما استمرت عملية البحث التي استغرقت طوال اليوم، ممَّا دعا الطائرات العمودية "سي كنج" إلى إعادة التزود بالوقود من السفينتين عدة مرات، وفي النهاية تمَّ اكتشاف مكان الغواصة فانهمرت عليها قنابل الأعماق من السفينتين والطائرات العمودية حتى طفا على السطح بقعة كبيرة من البترول تشير إلى إصابة الغوَّاصة، فأملَ المهاجمون أن تكون قد غرقت.
          أمّا بالنسبة إلى مجموعة النيران، فقد بدأت مهمتها في قصف أهدافها الستة في منتصف نهار ذلك اليوم، حيث قامت السفن الثلاث بقصف منطقة انتظار الطائرات في مطار "ستانلي" بمدافعها عيار 4
,5 بوصة، ثم حَّولت مدافعها بعد ذلك إلى عدد من الأهداف الفردية (الطريق بين "ستانلي" والمطار، محطات الرادار، مواقع المدفعية الساحلية شمال وجنوب "ستانلي).
          ويبدو أن القيادة الأرجنتينية قدَّرت أن القصف البريطاني للمطارين وحول "ستانلي" هو مقدمة لغزو وشيك، حيث بدأت أسراب القتال الأرجنتينية سلسلة من الطلعات ابتداءً من الساعة العاشرة صباح ذلك اليوم، بلغت ستاً وخمسين طلعةً، وُجهت ضد السفن البريطانية في المنطقة كلِّها، إلاّ أنها لم تكتشف إلاّ القليل منها، وشارك في تنفيذ هذه الطلعات طائرات "سكاي هوك" من المجموعتين الرابعة والخامسة، وطائرات "داجر" من المجموعة السادسة، بالإضافة إلى "رف كانبرا" من المجموعة الثانية، بينما قامت طائرات "الميراج" من المجموعة الثامنة بتوفير الحماية لهذه الطائرات على الارتفاعات العالية، ودعَّمها في مهمتها بعض طائرات "داجر" من المجموعة السادسة في وقت لاحق من ذلك اليوم.
          وقد جَرَت الهجمات الجوية الأرجنتينية على السفن البريطانية بشكل متقطع، إلاّ أنها كانت أكثر كثافة ابتداءً من الساعة 1415 (بتوقيت فوكلاند) مساء ذلك اليوم، وقد أسفرت الهجمات الجوية على السفن عن إصابة كلٍّ من المدمرة "جلامورجان" والفرقاطتين "أرو" و"الكريتي" ببعض الأضرار.
          وبالنسبة إلى أعمال القتال الجوية السابقة، فإنه يمكن القول إن قلة أعداد الطائرات الأرجنتينية التي نجحت في الوصول إلى منطقة انتشار السفن البريطانية سمحت لطائرات "الهارير" ـ المتواجدة في الدوريات الجوية على طرق الاقتراب المنتظرة للطائرات الأرجنتينية ـ بصد تلك الطائرات، وقد أسفرت الاشتباكات بين طائرات الجانبين في ذلك اليوم عن فقد الأرجنتين لطائرتي "ميراج" (أُسقطت إحداهما بواسطة طائرة "سي هارير"، والأخرى بواسطة الدفاع الجوي الأرجنتيني قرب "ستانلي")، بالإضافة إلى إصابة قاذفة من طراز "كنبرا" بواسطة إحدى مقاتلات "سي هارير"، في الوقت الذي لم يفقد فيه البريطانيون أية طائرات.
          أمّا بالنسبة إلى السفن، فعلى أثر انتهاء الهجوم الجوي على مجموعة النيران، استأنفت سفنها أعمال القصف المدفعي المخطط الذي استمر لمدة ساعتين، انضمت بعده السفن الثلاث إلى مجموعة الحاملات، في الوقت الذي انطلقت فيه مجموعة القتال الرئيسية نحو الشمال الشرقي لاتخاذ أوضاعها للعملية التالية حيث كان سيجري إبرار قوة من القوات الخاصة بالطائرات العمودية ليلاً في عدة أماكن على ساحل جزيرة "فوكلاند" الشرقية بين "ستانلي" ومضيق "فوكلاند". وقد تمَّت عملية الإبرار بنجاح، وعادت الطائرات العمودية إلى الحاملة "هيرمس" قبل منتصف الليل. وما أن هبطت الطائرات العمودية حتى تحركت جميع السفن في اتجاه الجنوب الشرقي لاتخاذ أوضاعها مرة أخرى شرق الجزر استعداداً لأعمال قتال اليوم التالي.

3. إغراق الطراد "جنرال بلجرانو"، 2 مايو، (الشكل الرقم 8)

          على أثر نجاح الغزو الأرجنتيني لجزر "فوكلاند" وتعيين حاكم جديد لها، عاد الأسطول ـ الذي لعب الدور الرئيسي في تنفيذ وتأمين العملية- إلى قواعده في الأرجنتين، إلاّ أنه سرعان ما أبحر عائداً إلى منطقة الجزر لمواجهة قوة الواجب البريطانية التي كانت تقترب وقتئذ من تلك المنطقة، وكانت قيادة الأسطول الأرجنتيني المبحر معقودة لرير أدميرال "ألارا" على متن حاملة الطائرات "25 مايو"، والتي كانت تمثل التهديد الرئيسي الأول للسفن البريطانية المقتربة.

          وبينما اتجهت مجموعة الحاملة "25 مايو" إلى شمال الجزر، فإن الطرّاد "الجنرال بلجرانو" ومعه مدمرتا الحراسة اتجه إلى غربها للعمل كمجموعة حماية متقدمة من أي أعمال هجومية بريطانية ضد قاعدتي "ريو جراندي" الجوية و"يوشوايا البحرية"، وفي التاسع والعشرين من أبريل ـ قبل وصول قوة الواجب إلى منطقة الحظر ـ كانت وحدات الأسطول الأرجنتيني قد اتخذت أوضاعها شمال وغرب جزر "فوكلاند".

          وفي أول مايو رصدت إحدى طائرات الاستطلاع البحري الأرجنتينية مجموعة القتال الرئيسية لقوة الواجب على مسافة 300 ميل (482 كم) جنوب شرق مجموعة الحاملة "25 مايو"، فبدأت الأخيرة تحركها للاقتراب من السفن البريطانية، في الوقت الذي كان يجري فيه تسليح طائرات "سكاي هوك" على مَتْن تلك الحاملة لتوجيه ضربة جوية لمجموعة الحاملات البريطانية، التي كانت قيادتها تحاول جاهدةً معرفة مكان الحاملة الأرجنتينية، غير أن الغواصات البريطانية الثلاث في المنطقة لم ترصد تلك الحاملة أو تحركها في اتجاه مجموعة الحاملات البريطانية، على الرغم من أنَّ الغواصتين "سبلندد" و"سبارتان" كانتا تبحثان في طرق الاقتراب إلى السفن البريطانية من ناحية الشمال الغربي، بينما كانت "كونكرر" في طريقها إلى غرب جزر "فوكلاند" بعد أن تلقت الأمر يوم 28 أبريل بمغادرة مياه "جورجيا الجنوبية" إلى منطقة عملها الجديدة ـ خارج منطقة الحظر الكلي ـ بين جزر "فوكلاند" والسواحل الجنوبية للأرجنتين.

          وبعد منتصف ليلة 1/2 مايو، التقط أحد طياري المقاتلات "سي هارير" على شاشة رادار طائرته النبضات المرتدة من حاملة الطائرات الأرجنتينية ومدمرتي حراستها. وسرعان ما دُقعت داوريات مقاتلات "سي هارير"، إلى الاتجاه المهدد. وعلى الجانب الآخر، تأجلت الضربة الجوية الأرجنتينية، التي كان من المزمع شنِّها قبل الفجر مباشرة، نتيجة لهبوب رياح خفيفة، أعاقت إقلاع الطائرات "سكاي هوك" بحمولتها من الوقود اللازم للوصول إلى موقع السفن البريطانية، التي باتت على مسافة 180 ميلاً من مجموعة حاملة الطائرات 25 مايو، التي اضطر القائد الأرجنتيني إلى سحبها من المنطقة، انتظاراً لفرصة أخرى أفضل.

          وفي الوقت الذي كانت تجري فيه الأحداث السابقة، كان الطرَّاد "جنرال بلجرانو" يمخر مياه جنوب الأطلنطي ذهاباً وإياباً بين "تييرا دل فيوجو" (جنوب الأرجنتين) وغرب جزر "فوكلاند"، مع الحرص على عدم دخول منطقة الحظر البريطاني حول الجزر.

          وعلى الجانب الآخر، كانت الغوَّاصة البريطانية "كونكرر" قد رصدت ذلك الطرَّاد جنوب غرب جزر "فوكلاند" أثناء عملها في المنطقة في اليوم السابق (1 مايو)، وظلت تتابعه كظلِّه وتُبلَّغ موقعه أولاً بأول إلى مركز قيادة القوات البحرية في "نورث وود" ومركز قيادة أسطول قوة الواجب في الحاملة "هيرمس"، إلاّ أن الأخير كان غيرَ مستعدٍ آنذاك للالتفات إلى التهديدات الأرجنتينية خارج منطقة الحظر، في الوقت الذي كان فيه كل اهتمامه مركزاً للضغط على الحامية الأرجنتينية في "فوكلاند" بمزيد من القصف الجوي وإبرار مزيد من جماعات الاستطلاع خلف خطوط تلك القوات، إلاّ أن الضباب الذي غطَّى المنطقة ومنع الطائرات من تنفيذ مهام القصف المخططة في ذلك اليوم، واختفاء مجموعة الحاملة "25 مايو" خارج نطاق وسائل الرصد البريطانية، حَوَّل اهتمام قائد أسطول قوة الواجب نحو مجموعة الطرَّاد "جنرال بلجرانو" التي تمثل التهديد الرئيسي لقوة الواجب.

          وبالنسبة إلى كلٍّ من الأدميرال "فيلد هاوس" ورير أدميرال "وودوارد"، كان تحرك مجموعة الحاملة "25 مايو" شمال سفن قوة الواجب، ومجموعة الطراد "جنرال بلجرانو" جنوبها بمثابة حركة كماشة حول تلك القوة، ومن ثمَّ أحس القائدان ـ خلال تشاورهما عَبْر وسائل المواصلات المؤمنة ـ أن سفن قوة الواجب في خطر متزايد، ولما كانت قواعد الاشتباك الصادرة من القيادة البريطانية لا تبيح الاشتباك مع السفن الأرجنتينية خارج منطقة الحظر الكلي، فقد طلب قائد أسطول قوة الواجب من الأدميرال "فيلد هاوس" التصديق للغواصة "كونكرر" بالهجوم على الطراد الأرجنتيني خارج منطقة الحظر، ونظراً إلى أن الهجوم على الطراد سيؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح قد تثير الرأي العام العالمي، فقد رأى الأدميرال "فيلد هاوس" ضرورة الحصول على تصديق مجلس الحرب على العملية قبل تنفيذها، ومن ثَمَّ قام سير "تيرانس لوين" رئيس أركان الدفاع بعرض الأمر على المجلس خلال اجتماعه في ذلك اليوم (ظهر الثاني من مايو).

          ولمّا كان هدف الاستراتيجية البريطانية خلال هذه المرحلة هو هزيمة القوات الأرجنتينية في البحر والجو قبل بدء عمليات الإبرار الرئيسية، فلم يأخذ الأمر كثيراً من المناقشة في اجتماع مجلس الحرب، قبل أن يتخذ المجلس واحداً من أخطر قراراته في هذه الحرب بالموافقة على الهجوم على السفن الأرجنتينية خارج منطقة الحظر الكلي إذا كانت تشكل خطراً على قوة الواجب البريطانية، فقد كان هذا القرار يعني مزيداً من تصعيد القتال بين الجانبين، فلم يكن قرار المجلس يستهدف الطرَّاد الأرجنتيني وحده، بل كانت مجموعة الحاملة "25 مايو" معرَّضة أيضاً للهجوم عليها إذا تمَّ رصدها مرة أخرى، كما أدى هذا القرار إلى أن تكوٍن بريطانيا هي المتسببة في حدوث أول خسارة كبيرة في الأرواح خلال هذه الحرب بإغراقها ذلك الطرَّاد.

          وفي الوقت الذي كانت تجري فيه الاتصالات السابقة للحصول على تصديق وزارة الحرب بشأن الهجوم على الطراد الأرجنتيني، غيِّرت مجموعة ذلك الطراد اتجاه إبحارها نحو الغرب مبتعدة عن سفن قوة الواجب قبل أن تصل إلى حدود منطقة الحظر الكلي، وعلى الرغم من أخطار قيادة أسطول قوة الواجب وقيادة القوات البحرية البريطانية بالتغيير الجديد في اتجاه مجموعة الطراد، فقد تلقى قائدُ الغواصة "كونكرر" الأمرَ بالهجوم على الطرَّاد قبل أن يبتعد وتضيع الفرصة، على الرغم من وجوده خارج منطقة الحظر، وسرعان ما اتخذت الغواصة وضع الهجوم، وأطلقت على الطراد ثلاثة طوربيدات طراز 8 في الساعة 1857 بتوقيت جرينتش (1357 بتوقيت فوكلاند)، أصاب اثنان منها الهدف، ممَّا أدى إلى إغراق الطراد، وبعد أربعين دقيقة كان قد اختفى تماماً من على سطح الماء.

          وقد أدى ذلك الهجوم إلى فقد 368 فرداً من طاقم الطرَّاد الذي كان يناهز الألف فردٍ، أمّا الباقون فقد نجحوا في مغادرة السفينة الغارقة قبل أن تغوص تماماً في أعماق المحيط.

          وبعد ست دقائق من الهجوم على "جنرال بلجرانو" بدأت مدمرتا الحراسة أعمال البحث عن الغواصة البريطانية وإلقاء قنابل الأعماق في المنطقة المتواجدة فيها، إلاَّ أنَّ قائد الأخيرة حاول تفادي تلك القنابل بالغوص إلى أعماق أكبر ومغادرة المنطقة نحو الشرق. أمّا الناجون من الطراد الغارق فقد قضوا في الماء نحو أربعٍ وعشرين ساعة تعيسة في بحر عالٍ ورياح شديدة قبل أن يتم إنقاذهم.

          وبقدر ما أدَّى إغراق الطراد "جنرال بلجرانو" إلى تدعيم الموقف العسكري البريطاني جنوب الأطلنطي، فقد أدى إلى اهتزاز الموقف السياسي لحكومة السيدة "تاتشر" داخل وخارج بريطانيا، بعد أن تناقلت وكالات الأنباء خبر الغوَّاصة النووية الحديثة التي أغرقت طراداً قديماً خارج منطقة الحظر الكلي، وأن ثلث أفراد طاقمه قد لقوا حتفهم نتيجة الحادث.

          أمّا على الصعيد العسكري فقد أدَّى إغراق ذلك الطراد إلى تحجيم عمل البحرية الأرجنتينية ودفعها غرباً نحو سواحل الوطن الأم، ولما كانت حاملة الطائرات "25 مايو" قد انسحبت هي الأخرى من قبل لِمَا أصابها من عُطل، فقد وقع عبء مواجهة أسطول قوة الواجب في منطقة العمليات على عاتق بعض أسراب القتال الأرجنتينية التي يسمح مدى عملها من قواعدها في جنوب الوطن بالوصول إلى منطقة العمليات حول جزر "فوكلاند".

          وعلى ذلك، اتسم اليوم التالي بهدوء نسبيّ في ذلك المسرح، بعد انسحاب الوحدات البحرية الأرجنتينية غرباً، وخاصة بعد أن قرَّر قائد أسطول قوة الواجب الحد من أعمال القصف البحري للقوات الأرجنتينية في الجزر، حتى لا يقلل من زهوة إغراق الطراد بفقد إحدى وحداته البحرية، ولم يعكر ذلك الهدوء سوى هجوم الطائرات العمودية "لينكس" على إحدى سفن الدورية الصغيرة وأحد لنشات القطر الأرجنتينية فأصابت الأولى وأغرقت الثاني، ففي وقت متأخر من ليلة 2/3 مايو بينما كانت سفينة الدورية الصغيرة "ألفريز سوبيل Alferez Sobel" تقوم بالبحث عن أحد أطقم الطائرات، التي فقدتها الأرجنتين مساء الأول من مايو، اكتشفت موقعها إحدى الطائرات العمودية "سي كنج" من السرب 826 أثناء قيامها بإحدى دوريات البحث عن الغواصات، كما اكتشفت في الوقت نفسه إحدى لنشات القطر داخل منطقة الحظر، وعلى أثر إبلاغ طائرة عمودية البحث عن الهدفين، أقلعت الطائرتان العموديتان "لينكس" من المدمرتين " جلاسكو" و" كوفنتري" مسلحتين بصواريخ جو/ سطح موجهة بالرادار من طراز "سي سكوا Sea Skua" وقامتا بالهجوم على السفينتين فأغرقت إحداهما لنش القطر على مسافة تسعين ميلاً داخل منطقة الحظر بينما أصابت الثانية سفينة الدورية إصابةً بالغةً.

          وباستثناء تدمير طائرتين أرجنتينيتين إحداهما من طراز "اير ماكي" بسبب سوء الأحوال الجوية أثناء طلعة محلية في مطار ستانلي، وأخرى من طراز "سكاي فان" بواسطة نيران القصف البحري، فقد مضى نهار الثالث من مايو دون أحداث تُذكر، وخلال الليل قامت إحدى قاذفات "فولكان" من جزيرة أسنشن بثاني طلعات القصف الجوي للعملية "بلاك بك" فوق مطار "ستانلي" إلاّ أن القنابل سقطت على بعد نحو خمسين متراً من النهاية الغربية للمدرج، ولم تَحْدُث أيةُ خسائر.

4. إغراق المدمرة "شيفلد"، 4 مايو، (الشكل الرقم 8)

          حتى صباح الرابع من مايو كانت معنويات البريطانيين مرتفعة على مَتْن أسطول الواجب، فحتى ذلك الوقت تمَّ قصف المطارات في "فوكلاند" بالقاذفات ومقاتلات الأسطول عدة مرات، كما تمَّ قصف المواقع الأرجنتينية على شواطئ الجزر، وإغراق وإصابة ثلاث سفن وغواصة أرجنتينية دون أية خسائر مقابلة في السفن أو الطائرات أو الأفراد، إلاّ أنه قبل أن ينقضي نهار ذلك اليوم كان أسطول قوة الواجب يتلقى ضربة قاسية بتكبُّده أولى خسائره البحرية والجوية والبشرية في القتال.

          وقد بدأ صباح الرابع من مايو هادئاً، فلم تتجاوز أعمال القتال البريطانية المخططة لذلك اليوم ـ بعض طلعات الاستطلاع الإلكتروني في أول ضوء على طول ساحل الجزر بواسطة الطائرات العمودية "لينكس، وثلاث طلعات "سي هارير" لقصف مطار "جوس جرين" بعد ظهر ذلك اليوم، أمَّا على الجانب الآخر فقد كان الأمر مختلفاً، حيث قرَّرت القيادة الأرجنتينية الزج ببعض طائراتها الحديثة من طراز "سوبر اتندار" في أولى أعمالها القتالية ضد أسطول قوة الواجب البريطانية للانتقام من ذلك الأسطول لِمَا الحقة بالبحرية الأرجنتينية من خسائر.

          وقد بدأ الاستعداد لاستخدام هذه الطائرات مبكراً قبل أن يتطور الصراع بين البلدين حول جُزر "فوكلاند" إلى مستوى الصراع المسلح، ففور استلام الأرجنتين أولى دفعات صفقة هذه الطائرات وتمركزها في قاعدة "أسبورا" الجوية، بدأَ تدريب الطيارين على استخدامها في مهاجمة السفن باستخدام صواريخ "إكسوست AM39 Exocet" الحديثة التي تم شراؤها من فرنسا مع تلك الطائرات.

          ولما كانت الأرجنتين تملك مدمرتين مماثلتين للمدمرات البريطانية الحديثة من طراز "42 42A" هما "سانتيما ترينداد" و"هيركوليز"، فقد سهَّل لها ذلك معرفة أدق تفاصيل هذه المدمرات، وخاصةً فيما يتعلق بالرادار ومنظومة الدفاع الجوي المجهزة بها. وعندما بدأ الصراع يتصاعد بين الجانبين على أثر الغزو الأرجنتيني للجزر، زادت كثافة تدريب الطيارين في قاعدة "أسبورا" على الهجوم على أهداف بحرية مشابهة، مع إعادة التزود بالوقود جواً على مسافة 300 ميل (555 كم) داخل البحر، وتنسيق ذلك التدريب مع طائرات الاستطلاع البحري من طراز "نبتون" التي كانت مهمتها رصد الأهداف البحرية المعادية وتبليغ مواقعها للتشكيل الجوي المكلف بالهجوم.

          وعلى أثر تحرك مجموعة القتال الرئيسية لقوة الواجب إلى جنوب الأطلنطي، أعادت قيادة طيران البحرية الأرجنتينية تمركز أربع طائرات "سوبر أتندار" من قاعدة "أسبورا" الجوية إلى قاعدة "ريو جراندي" ـ في أقصى جنوب الأرجنتين ـ ومعها خمسة صواريخ "إكسوست" خلال يومي 19، 20 أبريل، لتكون أقرب ما تكون إلى منطقة العمليات حول الجزر.

          وفي الساعة الثامنة والربع (بالتوقيت المحلي) صباح 4 مايو، رصدت إحدى طائرات الاستطلاع البحري الأرجنتيني من طراز "نبتون" بعض سفن النطاق الخارجي لأسطول قوة الواجب على مسافة مائة وخمسة عشر ميلاً (185 كم) جنوب "ستانلي"، وأربعمائة وثمانية وثلاثين ميل (704 كم) من قاعدة "ريو جراندي". وفي الساعة التاسعة وخمس وأربعين دقيقة بالتوقيت المحلي أصدرت قيادة طيران البحرية الأمر بإقلاع طائرتين "سوبر اتندار" بكل منهما صاروخ "إكسوست" لمهاجمة الأهداف البحرية التي تم تحديد محلها، وبعد إعادة ملء الطائرتين بالوقود جواً في الساعة العاشرة صباحاً، واصلتا الطيران نحو هدفهما.

          وفي الساعة العاشرة والنصف (بالتوقيت المحلي) تلقت الطائرتان بلاغاً من طائرة الاستطلاع البحري عن آخر موقع للسفن المستهدفة، التي كانت آنذاك على مسافة مائة وثلاثين ميلاً (209 كم) من موقعهما، وما أن ظهرت السفن البريطانية الملتقطة على شاشتي رادار الطائرتين (هدف كبير وهدفان متوسطي الحجم) حتى بدأت الطائرتان المرحلة الأخيرة من اقترابهما للهجوم على ارتفاع منخفض، وفي الساعة 1104 (بالتوقيت المحلي) وعلى مسافة 23 ميلاً (37 كم) ـ وهي مسافة الإطلاق المناسبة ـ أطلق الطياران صاروخيهما في وقت واحد في اتجاه الأهداف المكتشَفَة، وأسرعا بالعودة إلى قاعدتهما بعد أن حقَّقا المفاجأة تاركين المدمرة "شيفلد" كتلةً من النيران بعد أن أصابها أحد الصاروخين في جانبها الأيمن فوق خط المياه بنحو ثماني أقدام، وأدَّى إلى مصرع واحدٍ وعشرين فرداً وإصابة أربعة وعشرين آخرين من طاقمها، أمّا الصاروخ الآخر فقد ضَلَّ طريقه إلى هدفه.

          وتفسر بعض المصادر البريطانية نجاح الهجوم على المدمرة "شيفلد" وتحقيق المفاجأة، على الرغم من أنَّ كلَّ فردٍ في أسطول قوة الواجب كان يعلم كلَّ شئ عن صاروخ "إكسوست" وأنَّ بعض السفن البريطانية كانت مسلحةً به، على النحو التالي:

أ.

عدم تجهيز السفن البريطانية جيداً لاعتراض صواريخ "إكسوست" التي تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع منخفض جدا تكاد تلامس سطح الماء، فضلاً عن أن تدريب "الناتو" كان يركز أساساً على الدفاع الجوي ضد الأهداف السوفيتية المقتربة على ارتفاع عالٍ شمال الأطلنطي.

ب.

كانت خبرة البحرية البريطانية بصواريخ "إكسوست" قاصرةٌ على طراز "إم. إم 38 MM-38" الذي كان يطلق من السفن، ويبلغ مداه ستة وعشرين ميلاً (نحو 42 كم)، بينما استخدم في الهجوم الأرجنتيني طراز “AM-39” الأكثر حداثةً والأطول مدىً.

ج.

من الناحية النظرية يمكن لصواريخ الدفاع الجوي من طراز "سي وولف" أن تعترض صواريخ "إكسوست"، إلاّ أن ذلك يتطلب رد فعل غاية في السرعة من الوحدات المدافعة لم يسمح بها الموقف عندما وقع الهجوم على المدمرة "شيفلد"، فلم تُكتشف الطائرات، كما لم يُكتشف الصاروخ
إلاّ بالعين المجردة قبل اختراقه لجنب المدمرة ببضع ثوان كانت غيرَ كافيةٍ لأي إجراء مضاد، خاصةً وأن "شيفلد" كانت أقرب السفن البريطانية إلى اتجاه الهجوم.

وعلى الرغم من ذلك، ترى بعض المصادر البريطانية أنه في الظروف العادية كان لدى "شيفلد" أربعة احتمالات لاكتشاف التهديدات المقتربة واتخاذ الإجراءات المضادة حيالها، هي:

أ.

اكتشاف النبضات المنبعثة من رادارات طائرات "سوبر اتندار" بواسطة الاستطلاع الإلكتروني.

ب.

اكتشاف الطائرات الأرجنتينية المقتربة بواسطة رادار المدمرة نفسها.

ج.

اكتشاف النبضات المنبعثة من صاروخ "إكسوست" عند الإطلاق.

د.

اكتشاف الصاروخ بوسائل الرؤية البصرية.

          غير أن الموقف الذي كانت فيه المدمرة "شيفلد" عند الهجوم عليها فوَّت عليها احتمالين من الاحتمالات السابقة، حيث أدى استخدام نظام "سكوت SCOT" للاتصالات عَبْر الأقمار الصناعية ـ لإرسال بعض الرسائل الروتينية من المدمرة ـ إلى تغطية تردّدات بث كلٍّ من طائرات "سوبر اتندار" وصواريخ "إكسوست" أثناء اقترابهما، فلم يُكتشف أي منهما، خاصة وأن فترة طيران الصاروخ نحو الهدف لا تزيد عن دقيقتين، ومن ثمَّ لم يكن هناك فرصة لاكتشافه إلاّ بواسطة العين أو الأجهزة البصرية قبل وصوله ببضع ثوان غير كافية لأية إجراءات مضادة في درجة الاستعداد الثانية التي كانت فيها المدمرة عند إصابتها.

          وإزاء فشل جهود الطاقم وسفن الإنقاذ التي وصلت إلى المنطقة في اطفاء الحريق الذي كان يلتهم المدمرة ويقترب من مستودعات صواريخ "سي دارت" قرَّر الكابتن "سام سالت Sam Salt" قائد المدمرة إخلاء الطاقم منها حتى لا يخسر مزيداً من رجاله، وفي الساعة 1433 (بتوقيت "فوكلاند") كان قد تمَّ إخلاء الطاقم بعيداً عن المدمرة التي غرقت فجر العاشر من مايو أثناء قَطْرَها على بعد 155 ميلاً (250 كم) شرق جزر "فوكلاند".

          وبعد نحو ساعة من الهجوم على "شيفلد" تكبَّد طيران قوة الواجب أُولى خسائره في القتال. ففي الوقت الذي كانت تُبذل فيه محاولات إخماد النيران المشتعلة في المدمرة المصابة، أقلع تشكيل من ثلاث طائرات "سي هارير" من الحاملة "هيرمس" لتنفيذ طلعة القصف المخططة ضد مطار "جوس جرين"، وكان على الطائرتين الأوليين الاقتراب على ارتفاع منخفض لقصف منطقة انتشار الطائرات بقنابل المستودعات، بينما كان على الطائرة الثالثة قصف الممر بثلاث قنابل زنة ألف رطل، غير أن إحدى الطائرتين الأوليين أُسقطت بنيران أسلحة الدفاع الجوي الأرجنتينية أثناء اقترابها من الساحل.

          وقد انعكست آثار أحداث الرابع من مايو على كل من الشعب البريطاني وقيادته السياسية في لندن وقيادة أسطول قوة الواجب في منطقة العمليات، فقد كانت "شيفلد" أول سفينة يُغرقها العدو للبحرية البريطانية منذ الحرب العالمية الثانية، خاصة وأن غرق تلك المدمرة التي وصل ثمنها 120 مليون جنيه (إسترلينيً) جاء نتيجة الهجوم عليها بواسطة صاروخ جو/ سطح لا يزيد ثمنه عن مائة ألف جنيه (إسترليني).

          فبالنسبة إلى لشعب البريطاني فقد تعرض لموجة من الحزن زحفت على كل البلاد، حيث كان على هذا الشعب أن يخوض مرة أخرى تجارب آلام الضربات والضربات المضادة للحرب التي توقف عن خوضها سنوات عديدة، وعلى الصعيد الوزاري غطَّى على اجتماع مجلس الحرب بعد أحداث ذلك اليوم مسحة من الكآبة واهتز معظم أعضاؤه الذين لم يعاصروا الحرب العالمية الثانية بشدة، وكان على الأدميرال "لوين" إعادة الطمأنينة إلى نفوسهم، فأوضح لهم أن السفن معرَّضة للخسارة والاستهلاك في أوقات الحرب، وخاصة الصغيرة منها، وضرب لهم مثلاً من الحرب العالمية الثانية عندما فقد الأسطول البريطاني عدداً كبيراً من سفن الحراسة لقوافل إمداد جزيرة "مالطة" حتى يمنع سقوطها في أيدي قوات المحور.

          أمّا على صعيد قوة الواجب، فقد كانت خسارة المدمرة "شيفلد" نقطة تحول في عمليات تلك القوة، حيث أصبح واضحاً لقيادتها أن استمرار القتال للحصول على السيطرة الجوية في منطقة العمليات سيؤدي إلى المخاطرة بفقد حاملتي الطائرات أو إحداهما على الأقل، وهو ثمن غير مقبول من الناحيتين السياسية والعسكرية، خاصةً وأنه لن يُمَّكن قوة الواجب من استعادة الجزر التي حُشد من أجلها ذلك الأسطول.

          ومن ثمَّ كان على رير أدميرال "وودوارد" حل مشكلة مستعصية أصبحت تواجهه بعد التأكد من فعالية الهجوم على سفنه بصواريخ "إكسوست"، وقدرة الطيران الأرجنتيني ـ من قواعده في الوطن الأم ـ على اختراق الدفاعات الجوية لقوة الواجب، وهي كيف يقوم بمهمته في هذه المرحلة التي تتلخص في دفع القوات البحرية والجوية الأرجنتينية للقتال لاستنزافها وتحقيق السيطرة الجوية والبحرية في منطقة العمليات قبل الإبرار على شواطئ الجزر، وإذا كانت البحرية الأرجنتينية قد لزمت شواطئها بعد إغراق الطراد "جنرال بلجرانو" فإن الطيران الأرجنتيني قد قبل التحدي على الرغم من خسائره المتزايدة، حيث كان رصيده من طائرات القوات الجوية والبحرية يسمح له باستمرار القتال وتقبل نسبة من الخسائر أكثر مما تتحمله أسراب "الهارير" البريطانية على مَتْن الحاملات.

          وبعد أن ظل يقلب الأمر على كافة وجوهه ثلاثة أيام، قرَّر الأدميرال "وودوارد" الحد من أعماله القتالية النشطة مؤقتاً، مع سحب أسطوله ناحية الشرق ليكون خارج مدى طائرات "سوبر اتندار" المسلحة بصواريخ "إكسوست"، ومن ثمَّ اتخذت مجموعة الحاملات أوضاعها الجديدة على مسافة 185 ميلاً (298 كم) شرق "ستانلي".

          وكان أكثر من تأثر بقرار الانسحاب شرقاً هي أسراب "الهارير"، فقد كان على طياري هذه الأسراب الطيران فوق البحر مسافة أطول في كل مرة يتجهون فيها لقصف الأهداف الأرجنتينية في الجزر، كما وقع على عاتقهم عبءُ الدوريات الجوية التي زادت كثافتها بعد الهجوم على "شيفلد" لتعويض القصور في إمكانات الإنذار الجوي المتاحة والتي برزت أثناء الهجوم على المدمرة الأخيرة، كما أدَّى فقد أحد طياري تلك الأسراب بطائرته أثناء الهجوم على ارتفاع منخفض إلى تجنّب هذا الأسلوب مؤقتاً أثناء عمليات القصف الجوي، اكتفاءً بأسلوب القصف أثناء التسلق (Toss Bombing) الأقل تعرضاً للدفاعات المضادة للطائرات في منطقة الهدف على الرغم من عدم دقته النسبية، وخاصة بالنسبة إلى الأهداف الصغيرة.

          ولم يكن التأثير النفسي للهجوم على "شيفلد" بصواريخ "إكسوست" أقل من التـأثيرات المادية لذلك الهجوم، فقد سادت حالة من التوتر بين أطقم الأسطول البريطاني شرق "فوكلاند"، وأخذ الجميع يفكرون في كيفية إحباط الهجوم الجوي بمثل هذا الصاروخ، وكان أكثر الأطقم تعرضاً للضغط النفسي هما طاقما المدمرتين "كونفتري" و"جلاسكو" المماثلتين للمدمرة "شيفلد" واللتان وقع على عاتقهما القيام بالستارة الدفاعية على النطاق الخارجي لأسطول قوة الواجب.

          وفي الوقت الذي كانت تجري فيه أعمال القتال السابقة تحوَّلت قاعدة "وايد أويك" بجزيرة "أسنشن" إلى قاعدة إمداد رئيسية للعمليات جنوب الأطلنطي، وفي هذه المرحلة المبكرة من الحملة كان هناك أكثر من أربعمائة طائرة تتحرك يومياً من وإلى تلك القاعدة التي تمركزت بها قاذفات "فولكان" وطائرات الإمداد بالوقود من طراز "فكتور"، فضلاً عن طائرات الاستطلاع البحري والإلكتروني من طرازي "نمرود" و"كانبرا". كما كانت طائرات النقل من طراز "هيركوليز" تقلع يومياً لإسقاط الإمدادات العاجلة لوحدات أسطول قوة الواجب، فضلاً عن الجسر الجوي الذي أقامته هذه الطائرات بين قواعد النقل الجوي في المملكة المتحدة وجزيرة "أسنشن" لسرعة نقل الاحتياجات العاجلة اللازمة لقوة الواجب.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة