الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الشكل الرقم (1)الفكرة العامة لعملية الغزو الأرجنتيني 1 أبريل 1982
الشكل الرقم (2)أعمال القتال للاستيلاء على ستانلي 1-2 أبريل 1982
الشكل الرقم (3)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية ثلاجة فورتونا
الشكل الرقم (4)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية خليج كمبرلاند
الشكل الرقم (5)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية عملية خليج ستورمنس
الشكل الرقم (6)استرجاع جزيرة جورجيا الجنوبية الهجوم على الغواصة سانتافي
الشكل الرقم (7)أعمال القتال الافتتاحية للجانبين 1 مايو 1982
الشكل الرقم (8)إغراق الطراد جنرال بلجرانو والمدمرة شيفلد 2، 4 مايو 1982
الشكل الرقم (9)الإبرار البريطاني في منطقة سان كارلوس 21 مايو 1982
الشكل الرقم (10)احتلال رأس الشاطئ والتقدم نحو الأهداف المرحلية الأولى 21 مايو - 1 يونيو
الشكل الرقم (11)معركة جوس جرين 27-29 مايو 1982
الشكل الرقم (12)استيلاء اللواء الثالث على خط المرتفعات الثاني 11-12 يونيو 1982
الشكل الرقم (13)الهجوم البريطاني الأخير وسقوط ستانلي 13-14 يونيو 1982
الشكل الرقم (14)معركة ويرلس ريدج 13-14 يونيو 1982
 
الخريطة الرقم (1)مسرح حرب فوكلاند
الخريطة الرقم (2)مسرح عمليات فوكلاند 2 أبريل - 14 يونيه 1982
الخريطة الرقم (3)جزر فوكلاند
الخريطة الرقم (4)جزيرة جورجيا الجنوبية (سوث جورجيا)
الخريطة الرقم (5)جزيرة جورجيا الجنوبية (منطقة العمليات)
الخريطة الرقم (6)حدود مناطق الحظر البريطانية والأرجنتينية

ثانيا : التحضيرات البريطانية لعملية الإبرار على شاطئ "فوكلاند"

1. التخطيط للعملية "سَتُون Sutton "

          كان القرار الذي اتخذته الحكومة البريطانية باستعادة جزر "فوكلاند" إذا فشلت الجهود السياسية يقضي بإبرار اللواء الثالث كوماندوز (مشاة بحرية) وعناصر دعمه في منطقة غير مُعرَّضة وغير مُدافع عنها على أحد شواطئ "فوكلاند" وتزويده بالاحتياجات اللازمة لقتاله معركة دفاعية في البداية، وبعد تحقيق ذلك يتم تطوير العملية بالتقدم والاستيلاء على الهدف النهائي وهو العاصمة "ستانلي".

          وعلى ذلك شُكلت مجموعة من ضباط قيادة اللواء الثالث وقيادة مجموعة سفن الإبرار للتخطيط لهذه العملية التي أطلق عليها الاسم الرمزي "ستون". وكان على هذه المجموعة أن تجد إجابة للأسئلة الثلاثة التقليدية وهي متى ؟ وأين ؟ وكيف يتم الإبرار، فلم يكن مطلوبا في هذه المرحلة التخطيط لأبعد من عملية الإبرار وتكوين رأس الشاطئ، أمّا التخطيط لتطوير الهجوم حتى الاستيلاء على ستانلي فقد أُجِّل لمرحلةٍ تاليةٍ.

          وكان السؤال الأول هو أسهل الأسئلة الثلاثة السابقة، لأن عامل الوقت لم يكن في صالح قوة الواجب، فالتأخير يقربها من فصل الشتاء في جنوب الأطلنطي ويجعل العملية مستحيلة، خاصة وأنه أصبح واضحا منذ نهاية الأسبوع الأول من شهر مايو أن مجموعة العمليات الرئيسية لقوة الواجب لن تستطيع تحقيق السيطرة الجوية المطلوبة قبل عملية الإبرار، نتيجة تمركز طائرات القتال الأرجنتينية الرئيسية في قواعدها بالوطن الأم خارج متناول مقاتلات قوة الواجب، فضلاً عن أن الهجوم على تلك القواعد كان سيؤدي إلى تصعيد الصراع إلى مستوى لا ترغب فيه الحكومة البريطانية، ومن ناحية أخرى كان قصور إمكانات الإنذار الجوي المبكر بقوة الواجب نقطة ضعف قاتلة بالنسبة إلى قدرات الدفاع الجوي لهذه القوة على التصدي للهجمات الجوية الأرجنتينية.

          وعندما تقرَّر دعم قوات الإبرار باللواء الخامس المشاة لمواجهة الدعم المستمر للقوات الأرجنتينية في "فوكلاند" جاء ذلك القرار متأخراً بعض الشيء، وبالتالي فإن تأخير الإبرار لحين وصول قوات اللواء الخامس كان سيزيد من احتمالات تعرض أسطول قوة الواجب لهجمات الطائرات الأرجنتينية بصواريخ "إكسوست" وكان فقد إحدى حاملتي قوة الواجب كفيل بإحباط عملية الإبرار من أساسها وإفشال الحملة البريطانية لاسترداد الجزر، وعلى ذلك كان التبكير بإبرار اللواء الثالث ووحدات دعمه دون انتظار وصول اللواء عاملاً مُلحاً فرضه الموقف الجوي وتطورات حالة الطقس المنتظرة في منطقة العمليات.

          ونظراً إلى احتياج اللواء الثالث إلى فترة إعداد في جزيرة "أسنشن" قبل الإبرار، والحاجة إلى مزيد من الوقت لاستكمال التحضيرات اللازمة للعملية، فقد صُرف النظر عن الموعد الذي سبق تقديره لعملية الإبرار وهو السادس عشر من مايو، وحُدِّد موعدٌ جديدٌ على أساس توجيهات مجلس الحرب بالاستعداد لتنفيذ العملية بين الثامن عشر والثاني والعشرين من مايو، ومن ثمَّ حدَّدت مجموعة التخطيط صباح الخامس العشرين من الشهر نفسه موعداً لإبرار اللواء الثالث.

          وفي الوقت الذي لم يثر فيه أي خلاف بين قيادة اللواء الثالث وقيادة مجموعة سفن الإنزال حول يوم الإبرار، فإن تحديد "سعت س" كان مثار جدل بين القيادتين، حيث كان البريجادير "جوليان طومسون" قائد اللواء الثالث يرغب في الاقتراب من مضيق فوكلاند مساءً قبل حلول الظلام حتى يتوفر لقواته أكبر عدد من الساعات المظلمة لتنفيذ مهامها، بينما كان الكومودور "كلاب" قائد مجموعة سفن الإنزال يرى أن مرحلة الاقتراب النهائي للإبرار تعتبر أكثر مراحل الإبرار حرجاً بالنسبة إلى سفنه، ومن ثمَّ يجب تنفيذها ليلاً، وقد حسم قائد أسطول قوة الواجب هذا الموضوع بحل وسط بعد وصول مجموعة الإبرار إلى منطقة العمليات وهو تقديم "سعت س" ست ساعات.

          وبالنسبة إلى السؤال الثاني أين؟ كان على مجموعة التخطيط التوفيق بين مطالب قوة الإبرار ومطالب سفن الإنزال، فالأولى تحتاج إلى قصر مسافة الاقتراب على الأقدام نحو هدفها النهائي وهو "ستانلي"، فضلاً عن قِصَر خطوط مواصلاتها، بينما تحتاج الثانية إلى مراسي آمنة قدر الإمكان سواء بالنسبة إلى الطقس أو الهجمات الجوية المعادية.

          وبعد دراسة الخرائط وتقارير الاستطلاع والمعلومات المرسلة من جماعات القوات الخاصة التي كان يتم إبرارها جواً بالطائرات العمودية على شواطئ فوكلاند وجدت مجموعة التخطيط أن القوات الأرجنتينية تنتشر في جزيرتي "فوكلاند" الشرقية والغربية على النحو التالي :

أ. في منطقة "ستانلي" والمناطق المحيطة بها (نحو 4500 فرد):

(1)

الأفواج 3،4،6،25 المشاة.

(2)

الكتيبة الخامسة مشاة بحرية.

(3)

الكتيبة الثالثة مدفعية (30 مدفعاً عيار 105 مم، 4 مدافع عيار 155 مم).

(4)

سرية عربات مدرعة (12 مركبة بانهارد).

(5)

السرية 181 شرطة عسكرية ومخابرات.

(6)

الكتيبة 601 دفاع جوي.

(7)

وحدة طائرات عمودية (طائرتان عموديتان من نوع شينوك، 9 طائرات عمودية من نوع UHIH، وطائرتان عموديتان من نوع أجوستا190A ، 3 طائرات عمودية من نوع بوما).

ب. في منطقة "جوس جرين" (نحو 1500 فرد):

(1)

عناصر من الفوجين 2 و12 مشاة.

(2)

عناصر من الكتيبة 601 دفاع جوي.

(3)

تروب مدفعية (3 مدافع عيار 105 مم).

(4)

قوة من رجال القوات الجوية وعدد من طائرات "بوكارا".

ج. في فوكلاند الغربية (من 1000 - 1500 فرد)

(1)

الفوج الثامن المشاة.

(2)

سرية مهندسين (في خليج فوكس).

(3)

الفوج الخامس المشاة.

(4)

سرية مهندسين (في ميناء هوارد).

(5)

قوة من رجال البحرية (120 فرداً في جزيرة ببل).

          وفي ظل الانتشار السابق وتركيز التجميع الرئيسي للقوات الأرجنتينية حول منطقة "ستانلي"، فقد رأت مجموعة التخطيط أن هناك أربعة مناطق صالحة للإبرار وغير مدافع عنها هي :

  • خليج "كاو Caw Bay".
  • منطقة "بورت سلفادور".
  • منطقة "سان كارلوس".
  • مختلف الخلجان في "لفونيا Lafonia ".

          وخلال المؤتمر الذي عقده الأدميرال "فيلد هاوس" على متن الحاملة "هيرمز" يوم 17 أبريل، عند زيارته لأسطول قوة الواجب أثناء إعادة تجميعه في جزيرة "أسنشن" ـ تسلم الميجور جنرال "جيرمي مور" (مساعد قائد الحملة للقوات البرية) تقديرات مجموعة التخطيط لمناطق الإبرار السابقة ومزايا وعيوب كل منها.

          وبعد سقوط جزيرة جورجيا بسهولة دون مقاومة في الأسبوع الأخير من أبريل جرى التفكير في إحدى المنطقتين الأوليين لأنهما أقرب منطقتين إلى "ستانلي"، إلاّ أنه سرعان ما تمَّ استبعادهما لأنهما تعدان غير ملائمتين فيما لو قرَّرت القوات الأرجنتينية الصمود والمقاومة، ولما كان قائدا اللواء الثالث ومجموعة سفن الإبرار يفضلان منطقة "سان كارلوس" على باقي المناطق على الرغم من بعدها عن ستانلي، فقد صدقت قيادة الحملة ـ بعد تقديرها للموقف ـ على خيار "سان كارلوس"، على أساس أن بالمنطقة عدداً ملائماً من الشواطئ الرملية الصالحة للإبرار، فضلا عن وجود مرسيين طبيعيين جيدين لسفن الإبرار، وصلاحية الأراضي المرتفعة حول الشاطئ لتكون حداً أمامياً ابتدائياً لقوات الإبرار، ومكاناً ملائما لانتشار مواقع صواريخ "رابير" للدفاع الجوي عن رأس الشاطئ، وفوق ذلك كله صلاحية هذه المرتفعات كسقف لحماية مجموعة سفن الإبرار من صواريخ "إكسوست" لأن رادار هذه الصواريخ لن يستطيع التقاط هذه السفن في ظل وجود هذه المرتفعات.

          وبعد إبحار مجموعة الإبرار من "أسنشن" مساء 8 مايو أبلغ الجنرال "جيري مور" قائد اللواء الثالث بالتصديق على خيار "سان كارلوس" وطلب منه استكمال التخطيط للعملية "سَتُون" على هذا الأساس. وفي الثاني عشر من مايو تلقى قائدا مجموعة الإبرار واللواء الثالث رسميا أوامر الأدميرال "فيلد هاوس" بهذا الشأن.

          وكانت العوامل السلبية لهذا الخيار، هي وجود موقع دفاعي أرجنتيني على رأس "فاننج"، التي تسيطر على مداخل المراسي في المنطقة، فضلاً عن وجود حامية أرجنتينية وبعض طائرات "بوكارا" في منطقة "جوس جرين" على بعد 16 ميلاً من منطقة الإبرار، وفوق ذلك كله مسافة الخمسين ميلاً الخالية تقريبا من الطرق بين منطقة الإبرار و"ستانلي" والتي كان على قوة الإبرار قطعها سيراً على الأقدام فيما بعد.

          أمّا بالنسبة إلى الإجابة على السؤال الثالث .. كيف؟ فقد كان على مجموعة التخطيط التغلب على بعض المشاكل، فبالإضافة إلى أن الإبرار كان سيتم في غياب السيطرة الجوية لقوة الواجب، فقد فرض ذلك الموقف قيوداً على استخدام الطائرات العمودية في عملية الإبرار، نتيجة لقرار الأدميرال "وودوارد" بقاء الحاملتين "انفسيل" و"هيرمز" في عرض البحر بعيداً عن الشاطئ لتمكين مقاتلات قوة الواجب من اعتراض الطائرات الأرجنتينية على طُرق الاقتراب البعيدة إلى منطقة الإبرار، وكان هذا القرار يعني أن الحاملتين ستكونان على بعد لا يسمح باستخدامها كقواعد لانطلاق الطائرات العمودية لنقل قوات الإبرار إلى الشاطئ.

          وللتغلب على هذه المشكلة، تمَّ التخطيط لإبرار أربع كتائب (2 مشاة بحرية و 2 مظليين) قبل أول ضوء باستخدام زوارق الإبرار المتاحة، على أن يتبعها إبرار وحدات المدفعية وعناصر الدفاع الجوي والشئون الإدارية بأسرع ما يمكن باستخدام الطائرات العمودية من على مَتْن السفن الأخرى وأية زوارق إبرار متاحة.

          وكانت الخطة الابتدائية للعملية "سَتُون" تقضي بالاستيلاء على شاطئ "بورت سان كارلوس" (بلوبيتش) و"سان كارلوس" (جرين بيتش) بواسطة الكتيبتين 40، 45 كوماندوز (مشاة بحرية)، إلاّ أنه عندما عُلم أن القوات الأرجنتينية قد بُرَّت بالطائرات العمودية شمال "داورن"، خُصصت كل زوارق الإبرار المتاحة لإنزال الكتيبة 40 كوماندوز والكتيبة الثانية مظليين على شاطئ "سان كارلوس" على أن تقوم الأخيرة بالتحرك بسرعة لتأمين خط جبل "سسكس" وسد الطريق على أي تحرك أرجنتيني من "دارون".

          وكان على قوات اللواء الثالث وعناصر دعمها احتلال وتأمين رأس شاطئ يسمح بإنزال اللواء الخامس فيما بعد لاستعادة السيطرة على الجزيرة، كما كان على ذلك اللواء توفير المعلومات اللازمة للتخطيط لهذه المهمة مع الاقتراب من القوات الأرجنتينية كلما سمح الموقف بذلك، وهو ما كان يعني أنه لن يُجرى قتال رئيسي إنطلاقاً من رأس الشاطئ حتى يصل اللواء الخامس.

          وطبقاً للخطة كان مقرراً إعفاء الأدميرال "وودوارد" من السيطرة الكاملة على العمليات في منطقة "فوكلاند" فور بدء الإبرار، لتنحصر مسئولياته وحتى نهاية الحرب في تأمين ومعاونة مجموعة الإبرار، بينما يقوم الكومودور "كلاب" بالسيطرة على سفن الإنزال في منطقة الإبرار، والبريجادير "جوليان طومسون" بالسيطرة على الوحدات البرية وعناصر دعمها فور إبرار أولى هذه الوحدات على الشاطئ. ومع وصول قوات اللواء الخامس المشاة إلى المنطقة تنتقل قيادة القوات البرية في فوكلاند إلى الجنرال "جيري مور" عند حضوره إلى منطقة العمليات.

          وعلى أثر انتهاء التخطيط لإبرار نحو خمسة آلاف مقاتل على شاطئ "فوكلاند" الشرقية أُرسلت الخطة إلى لندن للعرض على القيادة البريطانية، وصدَّق عليها مجلس الوزراء بكامل هَيْآته، وكانت تلك المرة الأولى التي يُشرك فيه مجلس الوزراء بكامله في شأن من شئون الحملة العسكرية لاسترداد جُزر "فوكلاند" عند فشل الحلول السياسية.

2. إبحار مجموعة الإبرار إلى منطقة العمليات (8-19 مايو)

          بنهاية الأسبوع الأول من مايو كان واضحا لكل من الأدميرال "فيلد هاوس" ورير أدميرال "وودوارد" أن الفتح الاستراتيجي لقوة الواجب الأصلية في جنوب الأطلنطي، الذي استهدف تأكيد تصميم الحكومة البريطانية على استعادة الجزر سلما أو حربا، وتحقيق السيطرة الجوية والبحرية في منطقة الحظر الكلي ـ تمهيداً للخيار الأخير إذا دعت الحاجة إليه ـ قد فشل في تحقيق أهدافه.

          فعلى الرغم من نجاح مجموعة العمليات الرئيسية في تدمير بعض الطائرات والسفن الأرجنتينية وإجبار الأسطول المعادي على البقاء قُرب شواطئه، فقد كان لا يزال التجميع الرئيسي للقوات الجوية والبحرية الأرجنتينية سليماً وقادراً على التدخل المؤثر ضد أية عمليات لاستعادة الجزر، كما استمر موقف الأرجنتين حِيَال ملكية هذه الجزر.

          وإزاء فشل المفاوضات الدبلوماسية الجارية في ذلك الوقت اتخذ مجلس الحرب البريطاني في الثامن من مايو قراراً حاسماً بالمُضّي في خيار الحرب إلى نهاية الطريق، على الرغم من عجز قوة الواجب عن تحقيق السيطرة الجوية في منطقة العمليات، وكان واضحاً للمجلس في ذلك اليوم أن الإبرار يجب أن يتمَّ ما بين الثامن عشر والثاني والعشرين من مايو، ومن ثمَّ أصدر المجلس توجيهاته بضرورة إبحار مجموعة الإبرار من "أسنشن" إلى منطقة العمليات على وجه السرعة.

          ومنذ السابع من مايو كانت القيادة العامة للحملة في "نورث وود" نافدة الصبر لتأخر إبحار مجموعة الإبرار الرئيسية ـ التي كانت لا تزال تستكمل تدريباتها وتحضيراتها في الجزيرة ـ للحاق بسفن الإبرار الإداري البطيئة التي غادرت الجزيرة يوم 30 أبريل، وعلى ضوء قرار مجلس الحرب وأوامر الأدميرال "فيلد هاوس" غادرت مجموعة الإبرار "أسنشن" في الساعة 2200 مساء الثامن من مايو، في طريقها إلى جنوب الأطلنطي للانضمام على باقي قوة الواجب في منطقة انتشارها الجديدة شمال شرق جزر "فوكلاند".

          وعلى أثر إبلاغ قائد اللواء الثالث رسمياً يوم 12 مايو بالموافقة على اختيار منطقة "سان كارلوس" للإبرار عُقد مؤتمرٌ على متن السفينة "فيرلس" في اليوم التالي لتلقين قادة الوحدات المشتركة في عملية الإبرار، حضره نحو ستين من ضباط البحر والجيش، فضلاً عن مشاة البحرية، وفي هذا المؤتمر أوضح قائد اللواء الثالث للحاضرين أن الإبرار سيتم على شاطئ "سان كارلوس"، إلاّ أن الموعد النهائي لتنفيذه لم يتقرر بعد، كما أكد على أن الأمر بتنفيذ العملية لا زال في يد مجلس الوزراء، وأن عليهم أن يمضوا في تحضيراتهم على أن الإبرار سيتم في وقت ما بعد 19 مايو لحين إخطارهم بالموعد النهائي.

          كما أوضح البريجادير "جوليان طومسون" لقادة الوحدات أنه سيتم إبرار كتيبتي المشاة البحرية 40، 45 وكتيبتي المظلات في البداية، بينما ستبقى الكتيبة 42 مشاة بحرية في الاحتياط.

          وبعد ستة أيام من إبحار مجموعة الإبرار عرض الأدميرال فيلد هاوس على مجلس الحرب ـ لأول مرة ـ الموقف الكامل لقوة الواجب وفكرة العملية "سَتُون" للإبرار على شاطئ "فوكلاند الشرقية" وفي الثامن عشر من مايو قام رؤساء أركان القوات البرية والبحرية والجوية بعرض الأدوار التي ستقوم بها قواتهم في تلك العملية على المجلس نفسه وعلى الرغم من أن رؤساء الأركان لم يخفوا أوجه القصور المختلفة في العملية ـ وخاصة بالنسبة إلى الغطاء الجوي ـ فقد عَبَّروا جميعاً عن قدرة قواتهم على تنفيذ المهام الموكلة إليها، وبعد ذلك عرضت خطة العملية "سَتُون" على مجلس الوزراء بكامل هيآته فصدَّق عليها.

          وفي اليوم نفسه، الذي عُرضت فيه خطة العملية على مجلس الوزراء للتصديق كانت مجموعة الإبرار تقترب من منطقة انتشار قوة الواجب، وفي اليوم التالي (19 مايو) وصلت مجموعة الإبرار والمشكلة من ثلاث عشرة سفينة نقل وإبرار وثلاث سفن حراسة إلى مدى الرؤية البصرية لمجموعة القتال الرئيسية على مسافة مائتي ميل (322 كم) شمال شرق جزر "فوكلاند".

3. أعمال القتال البريطانية عشيَّة الإبرار

ومع اقتراب الموعد المحدَّد لتنفيذ العملية "سَتُون" تحولت الجهود الرئيسية لمجموعة القتال للتمهيد لعملية الإبرار، وتنفيذ خطة الخداع الكبيرة لإبعاد أنظار القيادة الأرجنتينية عن المنطقة المحددَّة للإبرار، وإيهامها أن تلك العملية ستتم على الساحل الجنوبي لجزيرة "فوكلاند الشرقية".

          كما تزايدت في هذه الفترة أعمال الاستطلاع خلف الخطوط بإبرار جماعات من القوات الخاصة على طول سواحل فوكلاند لجمع المعلومات والقيام بأعمال الخداع والتخريب، وكان من أبرز العمليات التي تمَّت في هذه الفترة عملية الإغارة على أرض الهبوط العُشْبية في جزيرة "ببل" حيث كانت تتمركز بعض طائرات الهجوم الأرضي من طراز "بوكارا" التي تمثل تهديداً لعملية الإبرار.

          وطبقا لخطة الإغارة كان على الحاملة "هيرمز" ومعها المدمرة "برودسورد" (للدفاع الجوي) والمدمرة "جلامورجان" (للقصف المدفعي) الإبحار حول الطرف الشمالي لجزر "فوكلاند" لإبرار قوة الإغارة ليلة 13/14 مايو، إلاّ أن تنفيذ العملية تأجل أربعاً وعشرين ساعة، وفي مساء الرابع عشر من مايو اقتربت السفن الثلاثة من المنطقة المختارة في بحر عالٍ واتخذت المدمرة "جلامورجان" مكانها على مسافة سبعة أميال (نحو 12 كيلو متراً) من الشاطئ لتقديم المعاونة بالنيران والقيام بعمليات الإنقاذ إذا اضطرت إحدى الطائرات العمودية إلى الهبوط الاضطراري على سطح الماء، أمّا الحاملة "هيرمس" فقد اقتربت حتى مسافة 40 ميلاً (نحو 64 كيلو متراً) من الشاطئ لتقلل من مسافة طيران الطائرات العمودية المخصَّصة للإبرار في مهب الرياح الشديدة السائدة في المنطقة.

          وفي الوقت المحدَّد تمَّ إبرار وحدة من القوات الخاصة (45مقاتلا) على الشاطئ ومعها طاقم توجيه نيران مدفعية "جلامورجان"، التي عاونت بنيرانها قوة الإغارة بإطلاق نحو مائة قذيفة على القوات والأهداف الأرجنتينية في المنطقة، وانتهت الإغارة بنسف نحو طن من الذخائر وتدمير ست طائرات "بوكارا" وأربع طائرات تدريب "تي ـ 34" وطائرة نقل، بالإضافة إلى نسف أرض مدرج الإقلاع، وتدمير محطة رادار متحركة كانت مهمتها توجيه طائرات القتال الأرجنتينية على وحدات التشكيل البحري البريطاني في المنطقة، في الوقت الذي لم تزد فيه خسائر قوة الإغارة عن جريحين. وبعد أربع ساعات من بدء الإغارة عادت الطائرات العمودية "سي كنج" إلى الشاطئ لالتقاط القوة المُغِيرة، وفور رجوعها إلى الحاملة أبحرت السفن الثلاث عائدة إلى المجموعة الرئيسية.

          وفي الوقت الذي كانت فيه مجموعة الإبرار وتعزيزات قوة الواجب تبحر جنوب الأطلنطي في طريقها إلى منطقة العمليات قامت من "أسنشن" طائرة من طراز "نمرود" بطلعة لاستطلاع المسرح البحري وتحركات الأسطول الأرجنتيني جنوب الأطلنطي، سجلت فيها رقماً قياسياً في البقاء في الجو، بلغ تسع عشرة ساعة وخمس دقائق، قطعت فيها 8300 ميل (13355 كيلو متراً).

          وفي السادس عشر من مايو، مع اقتراب موعد الإبرار البريطاني تزايدت طلعات طائرات الهارير، في محاولة لعزل جزر "فوكلاند"، وذلك بالبحث عن السفن الأرجنتينية حول شواطئ الجزر والهجوم عليها. وقد أسفر قتال الهارير في خليج "فوكلاند"، في ذاك اليوم، عن إغراق سفينة النقل الأرجنتينية "ريو كاركرانا"، وإصابة سفينة الإمداد "باهيا بوين سوسيزو"، في خليج "فوكس" إصابة بالغة، دفعتها للجنوح على الشاطئ.

          وفي اليوم التالي، أسفرت أعمال قتال الطائرات العمودية للسرب 826 للبحث عن الغواصات باستعمال السونار Sonar Search عن فَقْد إحدى الطائرات العمودية "سي كنج"، سقطت في البحر بعد تعطُل عداَّد ارتفاعها، كما احترقت إحدى طائرات السرب 846 العمودية من الطراز نفسه، قُرب ميناء "بونتا أريناس" في جنوب "شيلي" على بعد 400 ميل من جزر "فوكلاند"، بعد إبرار جماعة من القوات الخاصة كانت مهمتها متابعة إقلاع طائرات "سوبر اتندار" من تمركزها في قاعدة "ريو جراندي" وإبلاغ ذلك إلى قيادة أسطول قوة الواجب لتوفير فترة إنذار كافية لمواجهة تلك الطائرات التي تمثل أخطر تهديد لسفن ذلك الأسطول بصواريخها من طراز "إكسوست". وعلى أثر ذلك الحادث، حاول وزير الدفاع البريطاني التغطية على المهمة الحقيقية لتلك الطائرة العمودية، مصرحاً بأن الطائرة العمودية فُقدت في طلعة استطلاع نتيجة لسوء الأحوال الجوية.

          وفي اليوم نفسه (17 مايو) جَرَت محاولة أرجنتينية جديدة للهجوم بصواريخ "إكسوست" على المدمرة "جلامورجان" ـ التي أشارت تقارير الاستطلاع الأرجنتينية إلى وجودها أمام ستانلي ـ إلاّ أن المدمرة كانت قد أبحرت شرقاً بعيداً عن الجزر فلم تهتد إلى مكانها طائرات "سوبر اتندار" التي اضطرت للعودة إلى قاعدتها دون أن تطلق صواريخها.

          وفي الوقت الذي كانت تجرى فيه أعمال القتال السابقة كانت سفن الدعم لقوة الواجب تقترب من منطقة العمليات جنوب الأطلنطي، وكانت السفينة "أوغندا" أول من أبلغت عن وصولها إلى المنطقة كسفينة مستشفى يوم 13 مايو، إلاّ أنها بقيت منفصلة عن السفن الحربية، وبعد ثلاثة أيام وصلت الغواصة "فاليانت" ليصبح عدد الغواصات البريطانية في قوة الواجب أربع غواصات.

          وفي الثامن عشر من مايو وصلت سفينة الحاويات "اتلانتك كونفيور" وعلى متنها ست طائرات "هارير G R -3" من السرب الأول، بالإضافة إلى ثماني طائرات "سي هارير" وعشر طائرات عمودية. وفي اليوم التالي أعيد تمركز طائرات القتال من سفينة الحاويات إلى الحاملتين "انفنسبل" و"هيرمس"، فانتقلت إلى الأولى أربع طائرات "سي هارير" بينما انتقل إلى الثانية باقي طائرات "سي هارير" والطائرات الست الأخرى من طراز "هارير G R -3"، وبذلك بلغت أعداد طائرات القتال في الحاملتين 31 طائرة (25 سي هارير و6 هارير G R - 3 ). وبعد يومين من تمركزه على الحاملة "هيرمس" وجد السرب الأول نفسه منغمساً في أعمال قتال الهجوم الأرضي ضد الأهداف الأرجنتينية في "فوكلاند"، وكان من نصيب ثلاث من طائراته الهجوم على مستودعات الوقود الأرجنتينية قُرب خليج "فوكس".

          وفي اليوم التالي لوصول سفينة الحاويات وصلت مجموعة الإبرار إلى منطقة ـ انتشار مجموعة العمليات الرئيسية وحققت الاتصال معها صباح يوم 19 مايو. وفي اليوم نفسه تلقي قائد أسطول قوة الواجب أوامر الأدميرال "فيلد هاوس" بالمضي في تنفيذ العملية "سَتُون" في الوقت الذي يراه مناسبا لذلك.

           وطبقا للخطة كان على مجموعة الإبرار ومجموعة القتال التي ستقوم بمعاونتها وتأمينها التحرك لدخول مضيق فوكلاند ليلة 19/20 من الشهر نفسه إلاّ أن ذلك التحرك تأجل أربعاً وعشرين ساعة نتيجة لعدة أسباب كان أبرزها الأوامر التي صدرت من لندن بعدم اقتراب السفينة "كانبرا" من الشاطئ بحمولتها الثمينة (ثلاث كتائب رئيسية من قوة الإبرار)، حتى لا يكون هناك خسائر بشرية جسيمة إذا ما هُوجمت تلك السفينة.

          وعلى ذلك جرت صباح يوم 19 مايو عملية انتقال للكتيبة الثالثة مظلات من "كانبرا" إلى "انتربيد" والكتيبة 40 كوماندوز إلى "فيرلس"، بينما بقيت الكتيبة 42 كوماندوز (احتياطي قوة الإبرار) على متن سفينة الركاب "كابنرا"، كما ظلت الكتيبة 45 كوماندوز على متن سفينة الدعم "ستورمنس" والكتيبة الثانية مظلات في العبارة "نورلاند"، وقبل أن يحل مساء ذلك اليوم كانت عملية الانتقال قد تمَّت بأمان نتيجة لتحسُّن حالة الطقس والبحر في ذلك اليوم.

          إلاّ أن القوات الخاصة وسرب الطائرات العمودية رقم 846 كانوا أقل حظا من كتائب الإبرار السابقة، فنظراً إلى استمرار بقاء الحاملة "هيرمس" بعيداً عن الشاطئ كان من الضروري نقل جماعات القوات الخاصة من هذه الحاملة إلى سفن الإبرار التي سينطلقون منها لتنفيذ مهامهم حتى نهاية العملية، وخُصِّص لنقل هذه الجماعات أربعُ طائرات عمودية "سي كنج" من السرب 846، وتمت جميع طلعات نقل هذه الجماعات بسلام حتى الطلعة الأخيرة التي انتهت بحادث مأساوي، فبينما كانت الطائرة العمودية الأخيرة تقترب من سفينة الاقتحام "انتربيد" من الخلف سقطت الطائرة العمودية في الماء نتيجة للحمولة الزائدة وإجهاد طاقم الطائرة، وقد تمَّ إنقاذ الطيارين وسبعة أفراد من القوات الخاصة التي فقدت ثماني عشر من رجالها في هذا الحادث، فضلاً عن الكثير من معداتها الحيوية، وكان الجميع من القوات التي شاركت في استعادة جزيرة "جورجيا" والإغارة على أرض الهبوط في جزيرة "ببل". وبذلك الحادث بلغ عدد القتلى البريطانيين منذ بدء الحملة خمسة وأربعين فرداً يمثلون نحو 10% من القتلى الأرجنتينيين (740 فرداً) .

          وكان لخسائر الحادث الأخير تأثيره السلبي على أعمال القتال التالية، فقد كان مخطَّطاً إبرار أولئك الرجال في ثلاث مناطق على الشاطئ الجنوبي "لفوكلاند" الشرقية، للمشاركة في عملية الخداع التي كانت تقوم بها المدمرة "جلامورجان" خلال الليالي السابقة لإيهام الأرجنتينيين أن الإبرار سيتم على ذلك الساحل.

          وبانتهاء انتقال وحدات الإبرار إلى السفن المخصصة لها اتخذت الإثنتا عشرة سفينة المخصصة للعملية تشكيلَ الإبحار في شكل قافلة مكونة من سفينتي الاقتحام "فيرلس" و"انتربيد" وخلفهما سفن الإنزال الأصغر حجماً (جلاهاد، جيرانت، بيرسيفال، تريسترام، لانسلوت)، ثم سفينتا المعاونة "ستورمنس" التي تعمل كسفينة نقل قوات، "وفورت أوستن" التي تعمل كحاملة طائرات عمودية، يليها السفن المدنية المعبأة "كانبرا" و"نورلاند" و"ايروبك فيري".

          وألحق قائد أسطول قوة الواجب سبع سفن قتال لتأمين ومعاونة هذه القافلة منها خمس سفن خدمة عامة هي المدمرة "انتريم" والفرقاطات "أردنت" و"أرجنوت" و"بلايموث" و"يارموث" ، وفرقاطتا دفاع جوي هما "برليانت" و"بروود سوررد" لحماية تلك القافلة أثناء إبحارها نهاراً شمال سواحل "فوكلاند" وقبل اقترابها الليلي من منطقة الإبرار، كما كان على سفينة المستشفى "أوغندا" الإبحار مستقلة قريبا من المنطقة التي خُصِّصت للصليب الأحمر.

          وحتى يتم الإبرار في الموعد الجديد (صباح 21 مايو) أبحرت القافلة وسفن التأمين والمعاونة من منطقة انتشارها شمال شرق "فوكلاند" ليلة 19/20 مايو، واتخذت وجهتها في البداية نحو الجنوب الغربي في اتجاه ستانلي، لتضليل وسائل الرصد والاستطلاع الأرجنتينية بالنسبة إلى الوجهة الحقيقية للقافلة، وعند وصولها إلى شمال "ستانلي" بمسافة مناسبة غيرت وجهتها نحو الغرب.

          وفي الوقت الذي كانت تُبحر فيه قوة الإبرار شمال جزيرة "فوكلاند الشرقية" كانت هناك طائرة، استطلاع بحري من طراز "نمرود" تمسح المنطقة بين الساحل الأرجنتيني وجزر فوكلاند بحثا عن أية سفن أرجنتينية متجهة نحو الشرق للإبلاغ عنها.

          وقبل أن تصل القافلة إلى مضيق "فوكلاند" تمَّ إبلاغ قادة سفن القافلة بتوقيت "سعت س" لنكون 0639 بتوقيت جرينتش، وكانت ساعات نهار يوم 20 هي أخطر الأوقات بالنسبة إلى قافلة الإبرار وأكثر تعرضاً للطيران الأرجنتيني قبل الوصول إلى مضيق "فوكلاند"، إلاّ أن هذه الفترة مرَّت بسلام نتيجة للضباب والسحاب المنخفض الذي كان خير غطاء للسفن المبحرة حتى دخولها مضيق "فوكلاند"، إلاّ أن ذلك الغطاء لم يمنع إحدى طائرات الاستطلاع الأرجنتيني من طراز "كابنرا" التي كانت تطير على ارتفاع عالٍ من اكتشاف القافلة في مياه "سان كارلوس" صباح يوم الإبرار.

ـــــــــــــــــــ



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة