إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / نظرية الأمن الإسرائيلي





نظام القبة الفولاذية
مقطع لمدينة القدس
التهديدات الخارجية المعادية لإسرائيل

أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في الجولان
أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في سيناء
المناطق العازلة
الأوضاع النهائية في فلسطين
الهجمات الإسرائيلية على سورية
الضربة الجوية كولمب
العمليات على الجبهة الأردنية
العملية العين (حوريب)
العملية عوفداه
العملية قادش المعدلة
ضربة صهيون
عملية السلام من أجل الجليل



كلية الملك عبدالعزيز الحربية

المبحث الأول

نشأة نظرية الأمن الإسرائيلي

(النظرية الإستراتيجية والعسكرية)

يمثل تمسك العقيدة اليهودية "بوعد الله لشعبه المختار"، تطلعا منها إلى "امتلاك أرض الميعاد"، أخذت الصهيونية على عاتقها رسم الإستراتيجية، وصياغة الوسيلة والأدوات، وفي مقدمتها الأداة العسكرية، لتحويل الأمل المنشود إلى واقع ملموس. وكان ذلك باستباحة أرض فلسطين، وتفريغها من سكانها الفلسطينيين، عن طريق الاستيطان والحرب، ومن ثم فرض الإرادة لإقامة الدولة. وهو ما أكده دفيد بن جوريون حين قال: "إن جنود موسى ويشوع وداود، لم يكفوا عن القتال، حتى فيما بينهم، وكذلك جنود صهيون، لن يتوقفوا عن الحرب".

تشكل التوراة جذور الفكر العسكري الصهيوني المعاصر، بينما ترسم النظرية الصهيونية أصوله. فهي تبيح اغتصاب فلسطين، إطاعة لوعد الله ويتيح الحرب تحقيقا "للمهمة الإلهية". كما تجاهر بالعزم على التوسع، تنفيذا "لوصية نزلت من السماء" على بنى إسرائيل. وهو فكر فريد في نوعه، غريب في منهجه، ينسب كل أسباب القتال ودوافع الحرب، إلى "يهوه"، رب الجنود، وإله إسرائيل.

   إن نظرية الأمن، التي وضعها منذ أكثر من 40 سنة بن جوريون، أرادت أن تجيب على سؤال مصيري لإسرائيل، وهو كيفية تحقيق الأمن لشعب قليل العدد، يواجه كثرة معادية. فالبيئة العربية معادية لوجود إسرائيل. وفي معظم الحالات، أخذ بن جوريون في الحسبان ضعف إسرائيل في القوة البشرية (ديموجرافية السكان مقارنة بالشعوب العربية)، ومساحتها الضيقة، وكذلك مواردها المادية المحدودة. وهو ما أدى به إلى الاتجاه نحو عدد من المبادئ، شكلت ركائز نظرية الأمن، أبرزها:

1. أن كل الشعب هو جيش (الشعب المسلح).

2. نقل الحرب إلى أرض العدو.

وبناء على تلك الركائز، فإن الوجود القومي الإسرائيلي، مرتبط بمدى كفاءة جهاز الأمن في مفهومه الواسع، لخلق تفوق متنامٍ وسريع يؤدى إلى معالجة الضعف الأساسي لإسرائيل. وقد توصل واضعو نظرية الأمن إلى حلول لذلك، وقاموا بتطبيقها في إطار نظريتهم.

   إن جيش الدفاع الإسرائيلي، الذي يعُد الأداة الأساسية لجهاز الدفاع، وضع لنفسه أسلوباً عملياً هجومياً يساعد على حماية سيادة الدولة واستقلالها، من خلال طريقة قتال تهدف إلى نقل الحرب إلى أراضى العدو، وإلحاق الهزيمة بقواته في معارك حاسمة وسريعة. لذلك، بنيّ الجيش الإسرائيلي وأُعِدَت نظريته القتالية، ووزعت الموارد بين القوى الهجومية (مثل القوات المنقولة جوا والطائرات المقاتلة القاذفة، والهليوكوبتر الهجومية، والدبابات والمدفعية ذاتية الحركة، وغير ذلك)، وبين قوى الدفاع (مثل المشاة، والأسلحة المضادة للدبابات، والأسلحة المضادة للطائرات، والملاجئ، والوقاية من أسلحة الدمار الشامل، وغير ذلك).

   ومنذ الخمسينيات لم يطرأ تغيير حاد في المبادئ العامة للنظرية. فقد عززت الحروب، التي دارت من آراء واضعي النظرية، لذلك بقيت سارية المفعول، في مجملها، عدا بعض التطوير والإضافات، عقب كل حرب شهدتها المنطقة (حرب عام 1967 وعام 1973 وحرب الخليج). ونجم عن أخطاء في تطبيق النظرية وليس بسبب أخطاء في النظرية نفسها، العديد من الصعوبات في الحروب. التغيير البارز، الذي حدث منذ الخمسينيات، كان في حجم ونوع نظم التسليح والمعدات، والتطور الكبير فيهما، وما لهذين العنصرين (الحجم والنوع) من انعكاسات على أسلوب إدارة الجولات العربية الإسرائيلية، ومن ثم على التطبيق الفعلي لنظرية الأمن.

   وتحذّر نظرية الأمن الإسرائيلية، من تعرض إسرائيل لحرب استنزاف طويلة، لذلك تؤكد أن يكون لدى جيش الدفاع الإسرائيلي قوة، يمكنها، توجيه ضربات قوية، تخترق فيها الخطوط الدفاعية "للعدو"، بالقوات البرية والقوات الجوية، والقضاء على الرغبة في الاستمرار في القتال. وقد فرض هذا الفكر، على إسرائيل، أن تكون حروبها قصيرة ومدمرة للأفراد والمعدات . كذلك، من الضروري توفر المرونة، من خلال القدرة على إيقاف العدو، أو احتوائه، ولو لفترة مؤقتة، لإعادة التوازن إذا اختل (على أي جبهة من الجبهات العربية)، وهو ما حققته إسرائيل بنجاح في حرب عام 1973، فعلى الرغم من نجاح العرب على جبهتي قناة السويس والجولان، إلا أن إسرائيل نجحت في الاحتواء وعدم الانهيار.

   وتفرض نظرية الأمن الإسرائيلي، على جيش الدفاع الإسرائيلي، أن يكون قادرا على تنفيذ ما يكلف به من مهام. وحتى يتمكن من تنفيذ ذلك، مغلية الإبقاء على تفوقه الكمي والنوعي، طبقاً لما تمليه التطورات التكنولوجية. لذلك، اعتمد الفكر الإسرائيلي للتخطيط في المجال الإستراتيجي، على العديد من الأسس، أبرزها حاجة المجتمع للأمن، نتيجة لطبيعة نشأة الدولة، وخصائصها (البشرية، الجغرافية، الاجتماعية، مواردها الطبيعية، علاقاتها الدولية)، وصياغة ركائز نظرية الأمن، لتحقيق أهداف الدولة العليا. كما تَطّلَبْ طموح واتساع أبعاد المخطط الصهيوني، أن يعتمد في تحقيق أهدافه على التدرج المرحلي، والانتقال المتتالي من هدف لآخر، وصولاً إلى الغاية الوطنية، التي تنشدها إسرائيل. لذلك يرتبط تطور مفهوم الأمن الإسرائيلي، بالنظرة الإسرائيلية إلى الذات، والنظرة إلى غير اليهود Gentiles، ليسبق موضوع الأمن (من حيث الشكل أو المستوى) موضوع الأرض. كما يقضي بتوظيف التفوق العسكري الإسرائيلي، لتحقيق التوازن والاستقرار في المنطقة من المنظور الإسرائيلي. كذلك ربط مفهوم الاستقرار Stability ، بالردع Deterrence والقدرة على التهديد، ثم إجبار الطرف الآخر على الاستجابة لما تراه إسرائيل من مركز القوة، حيث تسمح النظرية بقصر التنازلات الإقليمية على الأراضي ذات الأهمية الإستراتيجية المحدودة، أو تلك التي يمكن تعويضها من خلال التطور النوعي في نظم التسليح.

   وقد سعت النظرية الأمنية الإسرائيلية، منذ أن وضحت اتجاهاتها، في أوائل الخمسينيات، على يد دفيد بن جوريون “David Ben Gurion” ومردخاي ماكليف[1] إلى التأكيد على:

1. حل مشكلة وجود إسرائيل لتحقيق الأمن، في ظروف القلة العددية، أمام كثرة عدد الخصوم.

2. الجيش الإسرائيلي، هو العمود الفقري للمؤسسة الأمنية.

3. متطلبات الأمن الإسرائيلي، تستوجب بناء وتسليح الجيش الإسرائيلي، بالشكل الذي يسمح بالرد المناسب على التهديدات العسكرية، من دول المواجهة العربية.

4. تَبَنّي نظرية الأمن لأساليب قتالية دفاعية، تُعد بالنسبة لإسرائيل أمرا صعب التنفيذ، وينطوي عليه أخطار عديدة، يمكن أن تجر الجيش الإسرائيلي إلى معارك طويلة وإستنزافية، لذلك فإن الأجدى تَبَنّي نظرية قتال هجومية.

5. ضرورة تملك قوة ردع، مع العمل المستمر على تطويرها.

عملت الصهيونية “Zionsm” على تحويل العقيدة الدينية اليهودية، إلى "نظرية سياسية" تطالب بـ "حق تاريخي"، وتستند إلى"وعد إلهي"، وإلى نظرية عسكرية، ونظرية أمنية كذلك.

   كان الدين اليهودي هو الأساس، الذي ارتكزت عليه النظرية الأمنية، من المنظورين السياسي والعسكري، والذي اتخذه دعاتها حجة للمناداة "بالقومية اليهودية"، وسندا للمطالبة بتحقيق " الوعد الإلهي"، ودعوة لاغتصاب أرض فلسطين، وحق العودة إليها لبناء الدولة اليهودية الحديثة والمعبد الثالث في أورشليم. (اُنظر ملحق الهيكل)

وتزعم الصهيونية[2] إنه مثلما حفظ الدين اليهودي الشعب من الاندثار عبر قرون طويلة، يستطيع الدين أن يعيد جمع شمل الشعب فوق "أرض الميعاد"، داخل إطار الدولة التي تربط بين تراث الماضي البعيد، ومستجدات وحقائق الحاضر، وأمنيات المستقبل. لذلك، تمثل الديانة اليهودية إطاراً عاماً للنظرية الصهيونية. فالتوراة مصدر "العقيدة اليهودية"، منها نبعت فكرة "الخلاص والعودة"، وعلى هديها رسم اليهود حياتهم، ونظموا علاقاتهم، ورتبوا معاملاتهم، وبها أعادوا كتابة تاريخهم العسكري، واستنبطوا، كذلك، عقائدهم العسكرية.

ويُعد عام 1907 حداً فاصلاً في التاريخ اليهودي الحديث، لارتباط ذلك التاريخ بنشأة الصهيونية الحديثة، واتجاهاتها الاستعمارية، حيث انتصرت آراء الزعماء الصهيونيين المنادين ببدء العمل في فلسطين، دون انتظار لأي ضمانات سياسية. وبعد موت تيودور هرتزل “Theodore Herzl”، تم انتخاب دفيد ولفسون “David Wolfson[3] رئيساً للمنظمة، وشكلت اللجنة التنفيذية للمنظمة من فريقين مختلفين في الرأي[4]. وظهر هذا الاختلاف بعد رفض مشروع شرق أفريقيا، والفشل في إجراء أي مفاوضات ناجحة مع السلطات العثمانية. وعلى الرغم من اتفاق جميع الصهاينة على الهدف السياسي، الذي نص عليه برنامج بال، بشأن الوطن القومي في فلسطين، إلاّ أن الآراء اختلفت فيما يتعلق بأسلوب التنفيذ. إذ أصر فريق على بدء النشاط العملي في فلسطين دون الضمانات السياسية - وهؤلاء أطلق عليهم اسم: الصهيونيين العمليين، بينما تمسك فريق آخر بأهمية الحصول على هذه الضمانات قبل أي عمل، وأطلق على هؤلاء اسم الصهيونيين السياسيين. واستمر الصراع بين الفريقين عدة سنوات حتى انتصر الصهيونيهن العمليون. (اُنظر ملحق برنامج بازل المؤتمر الصهيوني الأول)



[1] أول رئيس للأركان.

[2] الصهيونية: هي حركة سياسية استعمارية عنصرية، قامت بإضفاء الصبغة القومية على الديانة اليهودية، أي إنها تعبر عن القومية اليهودية، وهي تهدف لحل مشكلة الشتات اليهودي على أساس قومي، من المنظورين الديني والتاريخي، من خلال توطين اليهود في فلسطين وتمكينهم بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من إقامة دولتهم، ومن ثم الهيكل الثالث في إطار إسرائيل الكبرى.

[3] دافيد ولفسون: Wollfson David 1856-1914 تلقى تعليما دينيا عاديا ثم التقى ببعض المفكرين الصهاينة وتأثر بأفكارهم، بدأ نشاطه من خلال إحدى الجمعيات وشارك في تأسيس جماعة للاستيطان في فلسطين، تعرف على هرتزل، واشترك معه في تأسيس صندوق الائتمان اليهودي، كان من المعارضين لمشروع التوطين في شرق إفريقيا، مثل كثير من يهود شرق أوروبا، بعد وفاة هرتزل انتخب رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية على الرغم من معارضة الصهاينة العمليين، كان من بين المساهمين في إنشاء الجامعة العبرية.

[4] تسبب أسلوب التنفيذ في انقسام اللجنة التنفيذية للمنظمة إلى فريقين: أ – الصهيونيهن العمليون: وقد أصروا على بدء النشاط العملي في فلسطين دون ضمانات سياسية. ب- الصهيونيهن السياسيون: وهم الذين أصروا على التمسك بأهمية الحصول على الضمانات السياسية قبل أي عمل.