إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / نظرية الأمن الإسرائيلي





نظام القبة الفولاذية
مقطع لمدينة القدس
التهديدات الخارجية المعادية لإسرائيل

أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في الجولان
أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في سيناء
المناطق العازلة
الأوضاع النهائية في فلسطين
الهجمات الإسرائيلية على سورية
الضربة الجوية كولمب
العمليات على الجبهة الأردنية
العملية العين (حوريب)
العملية عوفداه
العملية قادش المعدلة
ضربة صهيون
عملية السلام من أجل الجليل



كلية الملك عبدالعزيز الحربية

أولاً: المرجعية الدينية والتاريخية للفكر العسكري الإسرائيلي

1. المرجعية الدينية للفكر العسكري[1] الإسرائيلي

أبرز ما يميز الفكر العسكري لليهود، القديم والمعاصر، هو ذلك الربط الوثيق بين "حروب إسرائيل" وبين "رب الجنود". فالحرب عمل مقدس، في ذلك الفكر، لأن قائدها هو الله، "يهوه" إله إسرائيل. وهو في الوقت نفسه رب الجيوش، محارب شديد، يقود شعبه بعنف وغلظة"، وترتيبا على ذلك فكل حروب إسرائيل، قديمها وحديثها، إنما هي حروب مقدسة، وفي هذا المعنى يقول "موشى جورين" حاخام جيش الدفاع الإسرائيلي، إبان الجولة الثالثة في يونية 1967: "إن حروب إسرائيل الثلاث مع العرب في سنوات 1948، 1956، 1967 إنما هي حروب مقدسة، إذ دارت أولاها "لتحرير إسرائيل"، وقامت الثانية "لتثبيت أركان دولة إسرائيل"، أما الثالثة فقد كانت "لتحقيق كلمات أنبياء إسرائيل". "ومن أجل تحرير وتثبيت وتحقيق أمن إسرائيل نؤمر بالقتال".

خاطب الحاخام موشى جورين، جنود الجيش، صباح الخامس من يونيه 1967، مع بداية الجولة الثالثة، ليحثهم على القتال قائلاً: "لقد جاء اليوم العظيم لأمة إسرائيل، ولسوف يساعدكم رب المعارك وينصركم". وتلجأ إسرائيل إلى الحرب، لتحقيق ما تصبو إليه، وذلك بحكم عقيدتها الدينية، وتراثها التاريخي، وهي تعتبر انتماء المواطن إلى الجيش، شرفاً لا يعدله شرف، لأن "التوراة والسيف نزلا من السماء". وكما حمل يهوه رب إسرائيل "التابوت المقدس" وسار به أمام الجنود إلى المعركة، تسير إسرائيل اليوم إلى معاركها وقد حملت أمامها ذلك الصندوق المقدس، تيمنا بالتراث، وإحياء للتقاليد وقد كتب عليه "انهض يا الله ودع أعداءك يشتتون، واجعل من يكرهك يهرب من أمامك".

2. العناصر الأساسية للفكر العسكري الإسرائيلي

أ. في كتاب العهد القديم

إذا كان للحرب، في موازين العقيدة اليهودية، كل هذه القدسية، وتلك الوشائج برب الجنود، فيكون منطقيا أن ينظر إلى كل ما يترتب عليها من عواقب، كنتائج طبيعية تتطلبها ضرورة إطاعة "الأوامر الإلهية"، التي تأمر بالاستيلاء على أرض الميعاد وتفريغها من السكان الأصليين. هكذا كان "وعد الله" لشعبه المختار في التوراة، كذلك حول هرتزل هذا الوعد الديني إلى "مخطط صهيوني سياسي". ولا تكتفي الصهيونية بذلك، بل تستبيح دون قيود، أو حدود، أية أرض تطؤها أقدام جنود إسرائيل، فتلك وصية الرب ووعده الإلهي لشعبه المختار "كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمتُ موسى"[2].

وفي المعنى نفسه، قال بن جوريون في خطاب له أمام الكنيست: "هنا تكون الحدود (قصد بذلك شبه جزيرة سيناء، التي تم الاستيلاء عليها عام 1956، وضمها الكنيست للأراضي الإسرائيلية) حيث يصل الزحف الإسرائيلي. إن ما حدده الرب هو أفضل ضمان لإسرائيل، أما الضمانات التي أعطتها لنا الدول الثلاث الكبرى (البيان الثلاثي الذي أصدرته الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا عام 1950 لضبط التسلح في الشرق الأوسط وضمان حدود إسرائيل) فليس لها مثل هذا الوضوح أو تلك الثقة ".

ب. في كتاب التلمود

ورد في التلمود أن: "الأرض المقدسة، هي أعلى من كل الأراضي"[3]، كما جاء فيه الدعوة إلى تفضيل السكن في أرض الميعاد، في مدينة أكثر سكانها من غير اليهود، على السكن خارج الأرض المقدسة في مدينة، أكثرية سكانها من اليهود[4]، كما ورد فيه أن هواء فلسطين هو الأفضل في الكون، وهو يكفي لجعل الإنسان حكيماً[5].

ج. فكرة الخلاص، والعودة إلى أرض الميعاد

جوهر هذه الفكرة، من وجهة النظر اليهودية، ينطوي على إعادة بعث الشعب اليهودي، وعودته إلى الأرض التي وعدهم بها الله (في فلسطين). وكان من نتيجة هذه الفلسفة انطباع أمل العودة إلى فلسطين لدى اليهود، بوصفه الخلاص من عهد العبودية والتشتت. وكانت فكرة الخلاص مرتبطة بمجيء المسيح المنتظر ليخلصهم، وظل الأمل يتردد في كتابهم المقدس معبرا عن الحنين إلى الأرض المقدسة بوحي ديني، إلا أن قادة الصهيونية حاولوا جعل فكرة الخلاص عقيدة سياسية، أكثر منها دينية. فهم يرددون أن أرض الميعاد، هي الأرض التي يقول اليهود إن الله قد وعدهم بها، وذلك بناء على عدة نصوص وردت بالتوراة، أهمها ما يلي:

(1) العهد لإبراهيم: قال الرب لإبراهيم "اذهب من أرضك ومن عشيرتك، من بيت أبيك، إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة"'[6].

·   وقال الرب "لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"[7].

·   وقال الرب "وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك.. أعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكا أبديا"[8].

(2) العهد لإسحاق: جاء بالكتاب المقدس، سفر التكوين: "فقال الله بل سارة امرأتك تلد لك أبناً وتدعو اسمه اسحق وأقيم عهدي معه أبديا لنسله من بعده"[9].

(3) العهد ليعقوب: جاء بالكتاب المقدس سفر التكوين: "..الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك ... وتمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً"[10].

د. فكرة السيادة العالمية لليهود

تتبع هذه الفكرة من عقيدة التفوق والتميز، نتيجة لكون شعب بنى إسرائيل شعب الله المختار، لذلك فرسالتهم القيام بدور القيادة العالمية، على أن تكون القاعدة التي ينطلقون منها، هي العودة والاستيلاء على أرض الميعاد.

ونتيجة للفلسفة اليهودية، تميزت تصرفاتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالعنصرية الشديدة، والانعزال، وعدم الاندماج مع سائر بني البشر (تكوين جيتو Ghetto في أي بلد يقطنونه) واستغلال غير اليهود، بالإضافة لعدم الولاء الكامل للدولة التي يقيمون بها، ويعدون مواطنين فيها. وكان رد الفعل لتصرفات وسلوك اليهود، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، أن تعرضوا لموجات من الاضطهاد، على مدار الفترات المختلفة، وأدى ذلك إلى ظهور المصطلح السياسي "اللاسامية". (اُنظر ملحق الجيتو)

هـ. اللاسامية:Anti-Semitism  (اُنظر ملحق اللاسامية (معاداة السامية))

يقصد باللاسامية عداء السامية أو مناهضة اليهود، أي النشاط والأعمال المعادية لهم. وقد بدأ الاضطهاد لليهود بشكل بارز، منذ عهد الإمبراطورية الرومانية (في عصر نيرون سنة 66م) حيث رفضت الجماعات اليهودية المتدينة، أن تندمج في المجتمع الروماني والثقافة الرومانية. واستولت تلك الجماعات على معبد أورشليم، وأحرقوا معبد لإله الرومان جوبيتر كابتو لينوس. ولم يتوقف الاضطهاد بعد انتشار المسيحية، لاعتبار اليهود مسؤولين عن دم المسيح عليه السلام، حيث استمرت موجات الاضطهاد على مدى الفترات المختلفة للتاريخ اليهودي، أثناء تشتتهم بأوروبا، خاصة منذ محاكم التفتيش (Inquisitions)، التي تم تأسيسها بأسبانيا في القرن الثالث عشر، واستمر وجودها حتى القرن التاسع عشر[11]. ثم تزايدت موجات الاضطهاد اعتبارا من القرن الخامس عشر، كل من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا ورومانيا، وبلغ الاضطهاد ذروته في روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وعلى إثر اغتيال قيصر روسيا ألكسندر الثاني “Alexander The Second” سنة 1881، واتهام اليهود بقتله، حدثت حركة اضطهاد لليهود سميت باللاسامية (Anti Semitism).

وهكذا كانت اللاسامية (اضطهاد اليهود)، من أهم البواعث على ظهور الصهيونية السياسية، حيث استغلت الزعامة الصهيونية، عقدة اللاسامية، كدافع لجذب الأنصار[12]، كما استغلت الصهيونية ظواهر اللاسامية، لدفع عجلة الصهيونية، حيث عبر هرتزل عن ذلك بقوله "إن الصهيونية هي وليدة الضغط والاضطهاد، وأنه إن لم يكن هناك ضغط واضطهاد ضد اليهود، فيجب أن نخلقهما لكي تقوى الصهيونية، ونجعل اليهود يتحدون ويتحركون لتحقيق أهداف الصهيونية".

ثم استغلت الصهيونية، بعد ذلك، أعمال الاضطهاد النازي في النصف الأول من القرن العشرين، وحاولت تجسيد وتضخيم هذه الأعمال، لدفع يهود أوروبا (خاصة أوروبا الشرقية) للهجرة إلى فلسطين، ولكسب العطف العالمي. أما في النصف الثاني من القرن العشرين فقد استخدم اليهود تعبير اللاسامية كأداة للضغط على معارضيهم، بحيث أصبحت اللاسامية تهمة يلصقها اليهود بالمعارضين لهم، بغض النظر عن موضوع أو دوافع أو أسباب المعارضة، في حين أنها ليست إلا أحد ردود الفعل تجاه الفلسفة اليهودية، وتجاه الولاء المزدوج، وعدم الاندماج اليهودى (جيتو).

3. المرجعية التاريخية للفكر العسكري الإسرائيلي (اليهودي):

ترسيخاً لهذا الفكر، بذل المؤرخون العسكريون الإسرائيليون، غاية جهدهم لإخراج ما أسموه "بالتاريخ العسكري اليهودي". وربطوا بين معارك العبرانيين في التاريخ القديم، وحروب دولة إسرائيل في التاريخ الحديث، ليقنعوا أنفسهم، قبل غيرهم، أنهم أصحاب "مهمة إلهية" تخصهم بشرف إتمام رسالة الآباء والأجداد.

انطلق المؤرخون يبحثون في صفحات التوراة والتلمود، وغيرهما من كتب الديانة اليهودية. فيقتبسون من هذه، ويأخذون عن تلك، كل ما من شأنه أن يؤكد دعواهم، أو يبرر مآربهم، فيجيز لهم إثارة الحرب. من هذا المنطلق عقدوا المقارنات بين فرسان داود وسليمان، وبين دبابات "حاييم لاسكوف" و"إسرائيل طال" “Israel Tal”، وأقاموا الندوات لبحث أوجه الشبه والخلاف، بين أساليب جدعون وتكتيكات ديان، اقتناعاً منهم بأنه طالما ينحو العمل الصهيوني نحو التوسع، فلا مناص من أن يعتنق أنماط "الإستراتيجية التعرضية" بأشكالها المباشرة وغير المباشرة[13] وبكل ما يستتبعه ذلك من ضرورات ترسيخ عقائد ومفاهيم دينية تلائمه، يكون قوامها "الحق اليهودي" في الاستيلاء على "أرض الميعاد"، حتى يؤمن الجنود بشرعية خوض "الحرب رغم أنها عدوانية".

كان تعبئة جيش إسرائيلي ضخم، على أساس هذا الفكر، يتطلب تحويل مجتمع إسرائيل برمته إلى "شعب مسلح"، لذلك، أصبح لزاماً أن تحاط الحرب بهالة من القدسية، حتى يصير شـرف الانخراط في سلك الجندية أملاً يتمناه كافة اليهود، وامتيازاً ينفرد به الصفوة. ولتحقيق ذلك، تبذل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الجهود لترسيخ تعاليم الديانة اليهودية، التي تحض على القتال، وتحث على تعبئة الموارد والإعداد للحرب، كما تعمل بلا ملل على نشر الوصايا الدينية العسكرية لتصبح جزءاً من حياة الجنود، وزادهم اليومي، ثقة منها بأن ذلك هو السبيل الأمثل، نحو خلق الشخصية العسكرية المقاتلة، المتحلية بصفات المبادأة والتعرض، المشحونة بروح الهجوم والرغبة في القتال[14].

وقد استلزم تثبيت هذه المفاهيم في وجدان اليهود، خلق رباط تاريخي متين، بين ماضي العبرانيين القديم، وحاضر الصهيونيين المعاصر. إذ أصبح ضرورياً مداومة التأكيد على أن الحاضر امتداد للماضي بكل آماله وآلامه، وأن الحروب حتمية تاريخية لا محيد عنها لإنجاز الرسالة اليهودية. فالقرن العشرون امتداد للقرن الأول، ولا يفصل بين وقفة اليهود فوق أسوار قلعة ماساده[15] سنة 73 ميلادية، ووقفة الهاشومير[16] الأولى فوق تلال الجليل “Galil Hill” سنة 1907 سوى وقفة لعجلة الزمن، استأنف التاريخ بعدها سيره بمجرد أن عادت دولة إسرائيل إلى الوجود.

وفي ذلك يقول بن جوريون: "إن كل تاريخ إسرائيل القديم الذي يرويه لنا الكتاب المقدس، هو بالدرجة الأولى تاريخ إسرائيل العسكري ... لقد حارب اليهود الأوائل الأشوريين، والبابليين، والمصريين، والكنعانيين، والعمونيين، والفرس، والإغريق والرومان.. وحين هزموا على يد فيالق تيطس[17]، بعد معركة يائسة، آثروا أن يقتلوا أنفسهم في ماساده على أن يستسلموا.. وقد رأت إسرائيل في ماساده رمزا لإرادتها.. فاليوم يقسم المجندون يمين الولاء فوق قلعة ماساده وهم يرددون.. "لن تسقط ماساده مرة أخرى".

بذل المؤرخون الإسرائيليون، جهداً كبيراً لصياغة تاريخهم العسكري، على النحو الذي يزود المقاتل الإسرائيلي بالمرجعية التاريخية، ويزوده أيضاً بالفكر العسكري، من التاريخ اليهودي. فالتوراة تصف معارك جدعون[18] ضد المديانيين[19] التي قسمها إلى ثلاث مراحل: حشد جدعون جيشه وإعداد خططه، إدارة رحى الحرب بأسلوب متميز، ثم مطاردة المديانيين والقضاء عليهم.

أ. المرحلة الأولى (التعبئة والإعداد)

هي تعبئة جيش الشعب اليهودي وتنظيمه، ثم اختيار أصلح المقاتلين وأنسبهم تدريباً وإصراراً على النصر، لملاقاة العدو. وكان الاختيار دقيقاً، إذ لم يجتزه سوى واحد من كل مائة رجل.

ثم بنى جدعون خطته على أساس تقديره السليم لطبيعة المعركة، وقدرات رجاله، وتمام معرفته بالعدو. وحتى يتأكد جدعون من نقطة الضعف هذه، ويقف على أفضل السبل لاستغلالها، قاد بنفسه استطلاعاً ليلياً، قبل أن يتخذ قراره النهائي للمعركة. وأحسن جدعون استغلال الطاقة البشرية الكبيرة، التي لم يصبها الاختيار لخوض القتال. أما المجموعات من المقاتلين، التي انتخبها جدعون وأعدها للهجوم، فهي تشبه، في عملها، قوات الصاعقة أو الكوماندوز، في وقتنا الحاضر لخوض القتال الليلي، كما كانت المعدات مناسبة تماماً للخطة الموضوعة.

وكذلك وقت بدء المعركة، لم يأت مصادفة، بل انتخبه جدعون بمهارة، فلحظة تغيير حراس المعسكر هي إشارة البدء بالهجوم، حتى يتم اجتياح العدو. وكان إصرار جدعون على إعطاء إشارة بدء الهجوم بنفسه، ضمانة إضافية لتحقيق التنسيق وإحكام السيطرة على إدارة العملية.

ب. المرحلة الثانية (التخطيط)

صَفّ جدعون قواته المنتخبة في ثلاثة أضلاع، وترك الضلع الرابع خالياً عن عمد، حتى يتيح لعدوه طريقا للتسلل والانسحاب، يقوده إلى كمين أعده على امتداد نهر الأردن ليقضى فيه على ما بقى من المديانيين.

ج. المرحلة الثالثة (القتال)

حسم جدعون المعركة بمطاردة عدوه بسرعة وعنف، ونجح في أسر "قادة المديانيين".

ويواصل التاريخ العسكري الإسرائيلي المعاصر تحليل هذه المعركة، واستخلاص الدروس، التي تشكلت منها مبادئ الحرب بعد ذلك، ليزود بها جيش الدفاع الإسرائيلي، حيث هدف من وراء ذلك إلى:

(1) بث الثقة وروح القتال في نفوس جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، بقدرة إسرائيل في الماضي والحاضر والمستقبل، على شن الحملات الناجحة، وفق تخطيط دقيق وفكر متطور.

(2) إبراز أهمية مبدأ الحشد (كأحد مبادئ الحرب) لخوض الحرب، وأن جيش إسرائيل كان جيشا منظماً على مستوى عال، تشد أزره عناصر منتخبة بعناية، توكل إليها المهام الرئيسية المعقدة، بينما يُكلف باقي القوات بالمهام الأخرى أو الثانوية.

(3) توضيح أهمية الاستطلاعات والاستخبارات (كأحد مبادئ الحرب)، ومعرفة أساليبهما في القتال، والإلمام بنقاط القوة والضعف، للعمل على حسن استغلالها، بما يكفل سهولة هزيمة العدو.

(4) أن يظهر مدى أهمية مبدأ المباغتة، وهو أهم مبادئ الحرب في العصر الحديث، ويستعرض بعض أساليب الماضي في تحقيقه، عن طريق الهجوم الليلي، والمهارة في اختيار ساعة "س"[20]، ومن ثم أهمية وقت ومكان وأسلوب شن الهجوم، في تحقيق النصر الحاسم.

(5) إبراز أهمية الابتكار وحسن التصرف، لإشاعة الذعر في صفوف العدو، ثم ترك ثغرة متعمدة لتشجيع العدو على الانسحاب من خلالها، ليقع بعدها في كمين، تحت أسوأ الظروف. كما يؤكد على أن الكم ليس هو العامل الأول في إحراز النجاح، ومن ثم فهو لم يغفل النوع.

مثال آخر عزز به موشى ديان هذه الآراء، فكتب قبل الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة، عام 1967، مقالاً عن روح المحارب، ساق فيه قصة المبارزة الشهيرة، التي وقعت بين "داود وجالوت"، ليظهر بعض أوجه الشبه بينها وبين الموقف الذي كان سائداً بين العرب وإسرائيل في ذلك الوقت، بالنسبة لاختلال ميزان القوى بين الطرفين المتصارعين. واهتم ديان في سرده لأحداث تلك المبارزة القديمة، بإظهار جانب المقارنة بين خفة الحركة، وبين البطء والجمود، لإظهار قيمة المرونة المادية والفكرية في تحقيق النصر. والتوراة تزخر بالآيات التي تحض على استعمال "أقصى درجات العنف مع العدو"، وتسوق الكثير من " الأساليب العنيفة"، التي اتبعت في الماضي كأمثلة يحتذي بها. كما ترسم التوراة صورة الغزو وسحق العدو وتدمير مدنه، فيأتي الوصف مماثلاً لما تقترفه إسرائيل، اليوم، حيال الفلسطينيين وبيوتهم وحقولهم، على أيدي جنود إسرائيل.

إن السّمة المشتركة بين كل هذه الأساليب، من جوانبها القتالية والسلوكية، هي السعي الحثيث لخلق قناعة لدى المجتمع الإسرائيلي بأنه الشعب المتميز المختار، "القادر على مواجهة الأعداء والقضاء عليهم"، مهما بلغت حشودهم أو قدراتهم. هكذا ربط موشى ديان بين التاريخ والدين، ليصل بين الماضي والحاضر، ليولد الحافز، من خلال المرجعية التاريخية، في أذهان جند اليوم.



[1] الفكر العسكري، “ استخدم هذا المصطلح عن فترة ما قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948”، وسمى الفكر العسكري اليهودي حيث لم تكن نظرية الأمن قد تبلورت بعد، وإن ما تم تداوله هو مجرد بعض الأفكار هنا وهناك، التي شكلت فيما بعد مرجعيات للنظرية. وقد أطلق عليه بعد قيام دولة إسرائيل “ الفكر العسكري الإسرائيلي”.

[2] الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر يشوع، الإصحاح 1 - 3، ص 337.

[3] التلمود، قدوشيم 69 ب.

[4] التلمود، طوس أ.ز 4-3.

[5] التلمود، بافاباترا 158:2.

[6] العهد القديم: سفر التكوين، الإصحاح 12: 1-2، ص18.

[7] العهد القديم: سفر التكوين، الإصحاح 15: 18، ص33.

[8] العهد القديم: سفر التكوين، الإصحاح 17: 7-8، ص24.

[9] العهد القديم: سفر التكوين، الإصحاح 17:19 ص 25.

[10] العهد القديم، سفر التكوين، الإصحاح 28: 13-14 ص 45

[11] محاكم التفتيش: محاكم دينية أوكلت لها مهمة التفتيش والبحث عن الهرطقات الدينية بين المسيحيين أساساً، بهدف القضاء عليها، وكان نفوذها لا يمتد لغيرهم، ولذلك تركت اليهود وشأنهم بعد سقوط الأندلس، لكنها تعقبت المارانوس أو اليهود الذين تنصروا، لتتأكد من استمرار اعتناقهم للمسيحية، وقد ارتكبت هذه المحاكم كثيرا من الفظائع، مما دفع البابوات إلى التدخل لإيقافها عند حدها.

[12] الأمثلة على ذلك: محاكمة الضابط اليهودي الفرنسي الفريد درايفوس عام 1894. “Alfred Dreyfus” ظهرت عام 1903 بوادر موجه جديدة من الاضطهاد ضد يهود روسيا القيصرية، زادت حدتها بعد فشل الثورة الأولى في روسيا عام 1905، وأثر ذلك المباشر على يهود أوروبا، الأمر الذي أدى إلى تشكيل جماعات الدفاع الذاتي اليهودية في روسيا وفي أوروبا الشرقية.

[13] الإستراتيجية التعرضية: هي الإستراتيجية الهجومية.

[14] إن الأمثلة على الوصايا الدينية العسكرية كثيرة منها: - أنه طالما هناك أرض للميعاد من الفرات إلى النيل، فإن ذلك يعنى التوسع، كما لابد أن يدفع إلى اعتناق المفاهيم التعرضية، وأن الحرب حتمية تاريخية لا محيد عنها لإنجاز الرسالة اليهودية. - خفة الحركة والخداع كما جاء في التوراة عن هاروت وماروت، وعن استخدام أقصى درجات العنف (سفر التثنية: الإصحاح 20 / 10-14، 16)، وكذلك ما جاء عن العقاب الجماعي والإبادة التامة (سفر الملوك: الإصحاح 5:16).

[15] ماساده Massadah: كلمة أرامية تعنى "القلعة"، وهي آخر قلعة يهودية سقطت في أيدي الرومان أثناء التمرد اليهودي ضد الإمبراطورية الرومانية،حيث حوصرت لعدة سنوات مما دفع اليهود بها (960 فرد) إلى الانتحار الجماعي، وهي تقع على قمة صخرة مرتفعة بالقرب من البحر الميت، وينظر لها اليهود كرمز لصمود ووحدة الشعب اليهودي.

[16] الهاشومير Hashomer: وهي كلمة عبرية تعني "الحارس" وهي منظمة عسكرية ارتبطت بفترة الهجرة الثانية والاستيطان الصهيوني، وكانت تابعة لحزب "عمال صهيون ـ Poalei Zion" الذي اتحد بدوره مع رجال من غير الحزبيين عام 1919 مكونين حزب "أحدوت هاعفودا" . أسست منظمة الحارس عام 1909 وتولت حراسة المستوطنات في الجليل الأسفل، ثم توسعت لتعمل في مناطق أخرى، وقد جاءت منظمة الحارس نتيجة لتطور منظمة أو تنظيم سابق عليها أطلق عليه "بارجيورا" سنة 1907 نسبة إلى أحد قادة اليهود الذي قتل في معركة ضد الرومان 66-70م، وقد لعبت منظمة الحارس دورا أساسياً في إقامة المستوطنات الصهيونية في فلسطين في الفترة السابقة لقيام الهاجاناه.

[17] تيطس: ابن القائد الروماني "فيسيانوس" وكان نيرون قد أرسل الأب عام 67م إلى أورشليم لإخماد ثورة اليهود هناك، إضافة إلى تيطس الذي قدم في الوقت نفسه على رأس جيش ثاني من الاسكندرية، وقد تم إختيار فيسيانوس امبراطورا على إثر اندلاع صراع على السلطة فيروما، ومن ثم فقد ترك لابنه تيطس قيادة الجيوش في ديسمبر 69م، ونجح في الاستيلاء على أورشليم وتدميرها، وتدميرالمعبد عام 70م.

[18] جدعون Gideon  (1150 ق م) اسم عبري معناه “ خاطب أو قطع بشدة”، وهو اسم أحد قضاة (حكام) العبرانيين، حطم تماثيل الآلهة الوثنية، وجمع القبائل اليهودية، وأختار منهم 300 مقاتل شديد البأس، وهاجم الميديين ليلاً، ونصب لهم الكمائن، ومارس أساليب قتال الحرب الخاطفة، فهزم الميديين، وجمع ذهبهم وصنع منه صنماً (عيفوداً) عبده طائفة من اليهود.

[19] الميديانيين، هم الميديين، من ميديا، الدولة القديمة، التي كانت شمال إيران، وكانت مركز لإمبراطورية كبيرة، في القرن السادس قبل الميلاد، منذ عام 900 ق م، وقضي عليهم قورش الكبير إمبراطور فارس (550 ق م)، وضم بلادهم إلى إمبراطوريته.

[20] ساعة س الصفر اصطلاح عسكري يعني توقيت بدء الهجوم.