إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الاستشعار عن بُعد




نموذج ثلاثي الأبعاد لسفينة
هوائي الرادار سار
موجات المحيط باللون الأحمر
منطاد بمستشعرات للأشعة الكونية
مركبة الفضاء كاسيني
مقبرة مدينة إرم
مقياس الإشعاع الطيفي موديس
المستشعر موبيت
المستشعر ميسر
الإشعاع المنبعث من المحيط الهادي
الانبعاثات الطيفية
التليسكوب الفضائي هابل
الخصائص المناخية لكوكب الأرض
الصاروخ الروسي SS-25
الغطاء الثلجي شرق الولايات المتحدة
القمر الصناعي تخسات جوروين1
القمر الصناعي تخسات2
القمر الصناعي ERS-1
جبل عمور في الجزائر
درجة الكلوروفيل
صورة من القمر متيوسات
صورة وادي الرحابي بالجزائر
صورة التقطها المستشعر "أستر"
صورة بنظام كهروبصري محمول جواً
صورة جوية بواسطة الرادار
صورة جوية بالرادار السار
صورة كميات المياه في الجو
صورة فضائية لبركان
سطح القمر تيتان
كاميرا التصوير بالقمر (أفق-3)
غابات الأمازون
قياس الإشعاع الطيفي

مراحل منظومة شنكاي
مراحل استعادة الكبسولة
أسلوب التصوير الضوئي
نطاق تغطية القمر أفق-3
مكونات القمر الصناعي أفق-3
التقاط الانبعاثات الطيفية




الفصل الرابع

المبحث الرابع عشر

نظم الأقمار الصناعية للأغراض العلمية

وتأثيرها على الأمن القومي للدول

إن كانت الاتصالات الفضائية من طريق الأقمار الصناعية، هي أكثر التطبيقات إنجازاً على أرض الواقع، فإن المسح الفضائي أو الاستشعار عن بُعد هو أكبر التطبيقات وعداً، وأحفلها بالآمال لمستقبل البشرية.

وإن كان الإنسان قد استطاع من طريق الخروج إلى الفضاء، أن يطل على الكرة الأرضية التي عاش ملاصقاً أسطحها ملايين السنين، وأن يتفرس في ملامحها وأبعادها وتضاريسها وجغرافيتها، وأنهارها ومحيطاتها، فإن ما تعد به تقنيات المسح الفضائي ليس أقل من تمكين الإنسان من أن يتحسس سطح الكوكب ويسير غوره، ليبحث فيه عن الثروات الكامنة وليعيد تشكيله ليناسب احتياجاته.

تعتمد تقنية الاستشعار عن بُعد على حمل أنواع متعددة من المستشعرات SENSORS على متن أقمار صناعية تدور حول الأرض، على أبعاد متفاوتة، بغرض تسجيل الظواهر السطحية على الكوكب، وعمليات المسح والقياس والاستشعار وقياسها هذه يمكن إجراؤها بالوسائل التقليدية، غير أن الصعوبة والتكلفة الباهظة لعمل هذه القياسات على المساحات الشاسعة التي يغطيها القمر الصناعي تحول دون إمكان عملها بشكل دوري منتظم وبالطرق التقليدية.

من ناحية أخرى فإن هناك بعض المناطق ـ مثل الجزء الجنوبي الشرقي من الصحراء العربية والمعروف بالربع الخالي ـ يصعب الوصول إليه تماماً بالوسائل التقليدية، لانعدام الطرق والآبار ووسائل الحفاظ على الحياة فيه، بينما هذا الجزء، بالذات، قد أمكن فيه تحقيق نتائج باهرة من طريق تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد.

ويمكن تلخيص المزايا الفريدة لاستخدامات الفضائي بالأقمار الصناعية فيما يلي:

1. مسح مساحات واسعة وبشكل اقتصادي.

2. إمكان إنشاء نظم للمراقبة والمتابعة الدورية.

3. الكشف عن التغيرات البيئية البطيئة والتدريجية وكذلك الضخمة والمفاجئة.

4. تجاوز الحدود السياسية والعوائق الجغرافية مما يتيح التعامل مع العالم بوصفه وحدة بيئية وجغرافية ممتدة.

5. عدم تأثر النظام بالتقلبات الجوية، نظراُ لعدم اعتماده على محطات رصد مأهولة والقدرة على اختراق الغلاف الجوى.

6. إمكان تطبيق التقنية على المناطق المناخية غير المواتية كالمنطقة القطبية والصحراء الكبرى.

7. تكوين صورة للكوكب وإمكان دراسة الكلية الماكروية دراسة تجريبية دقيقة لأول مرة.

8. إمكان تطبيق الحاسبات مباشرة على المعلومات المستخرجة، مما يتيح تطوير الاستفادة من هذه المعلومات، وإمكان التعامل مع كميات هائلة من البيانات.

وإدراكاً للإمكانات الواسعة لهذه التقنية، التي وُلدت، بطبيعة الحال، من التطبيقات العسكرية لنظم الاستطلاع، فقد بدأت الدولة المهيمنة على أقمار الاستطلاع في تطوير التقنيات المصاحبة، وعلى الأخص تطوير أنواع من المستشعرات لقياس أفضل لمسح الأرض.

أولاً: نشأة تقنيات المسح الفضائي

هناك قصة تتعلق ببداية الاهتمام بهذه التقنية، تقول: إن أصل تقنية المسح الفضائي يرجع إلى عام 1963، عندما ادعى رائد الفضاء الأمريكي "جوردون كوير" أنه استطاع من نافذة كبسولته في السفينة "ميروكورى" أن يميز الطرق والمباني على سطح الأرض. ولم يأخذ العلماء تقريره، في ذلك الوقت، على محل الجد، وربما ظن الكثيرون أنه تعرض لهلوسات فضائية، ولكن عندما تأكدت مشاهداته من تقارير رواد آخرين، وبفحص الصور التي أظهرت تفاصيل دقيقة لسطح الأرض، تنبه العلماء إلى أنهم أمام ظاهرة يمكن الاستفادة منها، وبدأ التفكير في وضع هذا الاكتشاف موضع التطبيق العملي.

ونتيجة لذلك حملت المركبة (أبوللو-9)، في مارس 1969، مجموعة من الكاميرات التقطت صوراً للأرض بعدة أطوال موجية في وقت واحد، وأظهرت هذه الصور أن هذه التقنية، التي عرفت باسم "التصوير متعدد الأطياف" "MULTISPECTRAL IMAGING"، يمكن استخدامها في عدة تطبيقات مفيدة، كالتمييز بين الغطاء النباتي السليم والمصاب بالآفات، وفى عمل الخرائط الدقيقة، ومراقبة التلوث والتصحر، وغير ذلك.

وبدأت وكالة ناسا، بعد مهمة أبوللو هذه في تخصيص أقمار لتطوير هذه التقنيات، والاستفادة منها لدراسة موارد الأرض، وسميت هذه الأقمار بأقمار تقنيات موارد الأرض، وأُطلق القمر الأول من ERTS-1، في 23 يوليه 1972، إلى مدار قطبي على ارتفاع 9900 كم، بحيث يمكنه رصد المنطقة نفسها من الأرض مرة كل ثمانية عشر يوماً. وبنجاح القمر ERTS-1، كانت هذه التقنية قد أثبتت نجاحها، ودخل الاستشعار عن بُعد عالم التطبيق بإطلاق مجموعة أقمار لاندسات، التي كان أولها Landsat-2، بعد ثلاثة أعوام في يوليه 1975، اعتبر القمر ERTI-1 هو لاندسات -1.

1. سلسلة أقمار لاندسات

بعد نجاح أولي للأقمار في تقنية الاستشعار عن بُعد أو المسح الفضائي، أطلقت "ناسا" القمر لاندسات-3، في مارس 1998، ولاندسات-4، في يوليه 1982. وقد واجه لاندسات-4 مشكلات في المدار حدث من استخدامه، ولذلك أُطلق لاندسات-5، في أول مارس 1984. ولا يزال القمران لاندسات-4 ولاندسات -5 يرسلان معلوماتهما حتى الآن.

تكنولوجيا لاندسات

يقع القمران لاندسات 4 و5 في مدار دائري شبه قطبي، على ارتفاع 705 كم، هذا المدار يقع في دائرة عظمى تمر بمستوى القطبين أو قريباً منهما، وتمسح هذه الأقمار الأرض في شرائط عرض كل منها 185 كم كل 99 دقيقة، وبذلك يدور كل من أقمار لاندسات خمس عشرة دورة حول الأرض كل 24 ساعة، ويمكن مسح كوكب الأرض بالكامل كل ستة عشر يوماً، أي أن القمر يمسح شريطاً مختلفاً من الأرض في كل دورة، ثم يعود إلى البقعة نفسها بعد 16 يوماً، وترسل معلومات لاندسات إما مباشرة إلى محطات استقبال، أو تسجل هذه المعلومات على شرائط عندما يكون القمر خارج منطقة الاستقبال للمحطات.

ومنذ عام 1985 تحولت عمليات لاندسات إلى عمليات تجارية تجرى على أساس اقتصادي، وأصبحت بيانات لاندسات وصوره تسوق تجارياً بواسطة شرطة EOSAT، وهى شركة مشتركة بين جنرال إلكتريك وشركة هيوز للأقمار الصناعية، ويمكن حالياً الحصول على معلومات لاندسات على شكل صور رقمية يمكن عرضها والتعامل معها على الحاسبات الشخصية بواسطة برامج خاصة.

2. القمر الصناعي الفرنسي SPOT

في عام 1977، قررت فرنسا دخول مجال المسح الفضائي بالأقمار الصناعية، ولما لم تجد حماساً من شركائها في وكالة الفضاء الأمريكية ESA، قررت أن تنفذ المشروع بنفسها متحملة القسط الأكبر من التكلفة والجهد، بمساهمة صغيرة 4% من كل من السويد والنرويج. وفى 22 فبراير 1986، تم إطلاق قمر الاستشعار الفضائي المسمى سبوت SPOT، على متن القاذف الأوروبي إريان-4 إلى مدار قطبي دائري على ارتفاع 825 كم، وقد اختير مدار القمر بحيث يمر فوق البقعة نفسها كل 26 يوماً. غير أن تغييراً ذكياً في تصميم الكاميرات جعل من الممكن للقمر بينما يمر في شريط مجاور أن تميل كاميراته لتعيد تصوير الشريط السابق من الأرض، ويؤدي هذا التصميم أيضاً إلى إمكان إنتاج صور ثلاثية الأبعاد للتضاريس الأرضية وهو ما يسهل الخرائط الطبوغرافية.

وفى 22 يناير 1992، أُطلق ثاني قمر من سلسلة سبوت، في مدار قطبي مماثل للمدار الأول، غير أنه متعامد عليه، وبمعنى آخر إذا تصورنا المدار الأول كأنه حلقة رأسية تحيط بالأرض وتمر بالقطبين، فسيبدو مستوى المدار كأنه يقسم الأرض إلى نصفين، ويبدو المدار الثاني حلقة أخرى متعامدة والمداران معاً يقسمان الأرض إلى أربعة أقسام، وأدى هذا الإطلاق الجديد إلى تقليل الفترة بين مسحين متعاقبين لأي نقطة على الأرض بأحد القمرين إلى 13 يوماً بدلاً من 26 يوماً.

تكنولوجيا أقمار سبوت

يمسح القمر سبوت الأرض بصورة شرائط، عرض كل منها 108 كم، غير أن زاوية الرؤية للقمر ترصد شريطاً من الأرض عرضه 120 كم، وهذا الفرق يضمن أن يكون هناك تلاحم بين الشرائط المتتالية، وألا يضيع أي جزء دون مسح. وتتكون أجهزة سبوت من كاميراتين تلسكوبيتين تغطى كل واحدة منهما شريطاً عرضه 60 كم، ويمكن تحريك كل كاميرا بزاوية 27 درجة عن الرأسي، ويأخذ ارتفاع القمر في الحسبان نحو 825 كم، فإن هذا التحكم في ميل الكاميرات يجعل من الممكن التحكم في المسافة بين الشريطين، فيمكن فصلهما بحيث تكون المسافة بينهما 800 كم، أو تقريبهما بحيث يتلاصقان فيكونان معاً شريطاً مزدوجاً عرضه 120 كم، وتسمح هذه التقنية بالتركيز على تصوير المواقع المهمة على حساب المواقع غير المهمة، أو بإعادة تصوير بعض المواقع عندما يمر القمر بمحاذاتها مرة أخرى بإمالة الكاميرا نحوها.

ثانياً: التطبيقات العملية للمسح الفضائي أو الاستشعار عن بُعد

من الصعب حصر استخدامات تقنية المسح الفضائي، وفى كل يوم يكتشف العلماء استخدامات جديدة لها، لكن يهمنا هنا أن نذكر بشكل موجز بعض التطبيقات المهمة للمسح الفضائي، وهى:

1. مسح المحاصيل الزراعية وتقديرها.

2. إعداد خرائط الموارد الطبيعية.

3. الكشف عن المياه الجوفية حتى أعماق محدودة تحت سطح الأرض.

4. تخطيط المدن.

5. رصد زحف المدن على الأراضي الزراعية.

6. دراسة آثار المشروعات الكبرى مثل السد العالي في مصر.

7. رصد تلوث البحار والشواطئ.

8. تآكل دلتا الأنهار وعمليات النحت على الشواطئ.

9. رصد التصحر وزحف الرمال.

10. رصد الغابات والحرائق التي تندلع فيها.

11. متابعة حركة البقع الزيتية.

12. رصد مواقع الثروة السمكية وتحديدها.

13. متابعة التغير في الغطاء الجليدي.

14. رصد آثار الفيضانات والأعاصير والزلازل ومتابعتها.

15. رصد آثار الجفاف ومتابعتها.

16. الكشف عن النباتات الممنوعة.

17. الكشف عن الآفات الزراعية.

18. رصد حركة أسراب الجراد في الصحراء.

19. اكتشاف الآثار المطمورة.

20. متابعة هجرة الحيوانات.

كما ذكرنا، فإن هذه التطبيقات يصعب حصرها، وتجد فيها تطبيقات أخرى باستمرار. ومن أمثلة هذه التطبيقات ما ذكره الدكتور "فاروق الباز"، وهو أحد الخبراء العالميين في مجال الاستشعار عن بُعد، من اكتشاف أنهار قديمة جافة تحت أراضى مصر والسودان، وليبيا، الأمر الذي يدل على احتمال أن يكون جزء من مياه الأنهار باقياً في صورة مياه جوفية، وذكر الدكتور الباز أن هذا الاكتشاف أدى إلى الاهتمام باستغلال مصادر المياه الجوفية في منطقة تسمى جبل العوينات، التي يفترض أن المياه الجوفية فيها تكفى لزراعة 200 ألف فدان لمدة 200 سنة.

1. رصد حركة المحيطات

من أهم تطبيقات استخدام الأقمار الصناعية رصد ودراسة حركة المحيطات ودراستها بوصفها عنصراً مكملاً مع اليابسة من عناصر منظومة كوكب الأرض، فالمياه تغطى أكثر من ثلثي سطح كوكب الأرض، وتكون مياه المحيطات 98% من مجموعة ما على الأرض من ماء، ومع التزايد المستمر لعدد سكان كوكب الأرض والاستنفاذ المستمر للموارد، فإن المحيطات تمثل مصدراً هائلاً للموارد الغذائية والمعدنية، وأيضاً الماء الذي أصبح نقصه يهدد الحياة في بعض المناطق. وبصفة عامة تمثل المحيطات مخزوناً هائلاً من الموارد ومصدراً لا ينضب لمقاومة الحياة.

ومن الغريب أن هذا المستودع الهائل للغذاء والموارد لم يتم ارتياده واكتشافه إلى قليلاً وعلى السطح فقط، بحكم صعوبة هذا الاكتشاف واتساع المحيطات ووجود مناطق نائية شاسعة بها، لم يصل إليها الإنسان بأي من الطرق السطحية من قبل، ومن هنا تحتل تقنيات الأقمار الصناعية أهمية كبيرة في مسح موارد المحيطات والبحار، وتكوين معلومات صحيحة ودقيقة عنها، وتحديد المناطق التي يمكن التركيز عليها بالطرق السطحية التقليدية بعد ذلك، كما أن حركة المياه في المحيطات تؤثر تأثيراً بالغاً في مناخ كوكب الأرض، بل إن مناخ الكوكب هو إنتاج مباشر لتفاعل هذه الكتلة الهائلة من المياه مع اليابسة.

وهناك نوعان من الحركة للمياه في المحيطات، حركة كبيرة ماكروية، وحركة محلية، وتنقل الحركة الماكروية للمياه الحرارة من المناطق الاستوائية إلى المناطق القطبية، وتؤثر بذلك في المناخ وفى معدلات ذوبان الثلوج، أما السفن الكبيرة مثل ناقلات النفط، فهي إما تستخدم أو تتجنب في حركتها التيارات المائية في تخطيطها للمسار الأمثل توفيراً للوقود والوقت، وبذلك فإن دراسة حركة التيارات المحيط تعد ضرورية لمثل هذا التخطيط، ويدخل في تأثير حركة التيارات أيضاً حركة البقع الزيتية الملوثة للمحيط المدمرة للحياة البحرية، التي تقذفها التيارات إلى شواطئ المحيطات مسببة بذلك دماراً لا يحد، مثل بقعة ألاسكا الشهيرة، ومثلما حدث من تلوث سواحل الخليج خلال حرب تحرير الكويت، وتستخدم دراسات الأقمار الصناعية للمحيطات في رصد التنبؤ بحركة الأفواج السمكية الكبيرة ومناطق تجمع الأسماك، وهو أمر بالغ الأهمية الاقتصادية للدول التي يعتمد جزء من اقتصادها على الصيد مثل اليابان والنرويج.

2. أقمار دراسة المحيط

ورغم أن هذا النوع من الرصد والدراسة كان موجوداً من قبل، من طريق القياسات التي تجرى باستخدام البالونات، أو نتائج ثانوية لقياسات الأقمار الصناعية الأولى، فإنه أخذ دفعة كبيرة بإطلاق أقمار صناعية متخصصة لدراسة المحيط، وقد أُطلق أول قمر صناعي متخصص لدراسة المحيطات، في 26 يونيه 1978، وهو القمر الأمريكي Seasat، وأطلقت بعده وكالة الفضاء الأوروبية ESA قمراً للغرض نفسه هو ERS-1، الذي أطلق على متن القاذف إريان– 4، في 16 يوليه 1991، في مداره على ارتفاع 777 كم، بدورة قدرها 35 يوماً وثلث اليوم، أي أن القمر يعيد رصده للنقطة نفسها بعد هذه الفترة.

وقد حقق هذا القمر نتائج كبيرة في مجال رصد المحيطات، حيث أظهر أن للمحيطات تضاريس تشبه اليابسة، وليس المقصود بها التضاريس قاع المحيط تحت الماء، ولكن المقصود هو تضاريس سطح المحيط نفسه، فقد ظهر أن المحيط ليس سطحاً منتظماً متساوي الارتفاع في مناطقه، باستثناء ارتفاعات الأمواج المحلية، بل إن هناك مناطق شاسعة بالمحيط يرتفع سطح الماء فيها على المستوى العام للمحيط بنحو 100 م، وأخرى ينخفض السطح فيها بمثل هذه القيمة، ويرجع السبب في هذا التباين الكبير في السطح، الذي لم يكن من الممكن اكتشافه سوى بالأقمار الصناعية، إلى الاختلاف في مجال الجاذبية والتضاريس الأرضية تحت الماء في مناطق مختلفة من المحيط.

تم بناء على هذه القياسات، ورسم خريطة لسطح المحيط، تبين منها أن هناك جبالاً من الماء في حجم القارات، يقع أحدهما إلى الشمال الشرقي من استراليا، ويصل ارتفاع سطح الماء فيه إلى 85 م فوق المستوى للمحيط، وأخرى إلى الغرب منها بالقرب من الهند ينخفض سطح الماء فيها عن المستوى القياسي لسطح المحيط بنحو 105م، وبذلك يبلغ التباين بين ارتفاعي سطح الماء في هاتين المنطقتين المتجاورتين نحو 190 م، وقد بلغت تكاليف برنامج الأقمار الأوروبية ERS المخصصة لدراسة المحيطات 860 مليون دولار، واشترك في دراسة بياناتها وتحليلها عدة آلاف من علماء المحيطات والأقمار الصناعية من جميع أنحاء العالم، وقد كان المتوقع أن يطلق قمر ثان من مجموعة ERS نفسها وهو ERS-2 في عام 1995.

تحمل الأقمار الصناعية المخصصة لدراسة المحيطات أجهزة علمية لقياس رصد العناصر التالية وتصويرها:

أ. سرعة الرياح.

ب. رسم التضاريس السطحية للمحيط.

ج. قياس درجات الحرارة

د. قياس الموجات السطحية والعميقة للمحيط.

هـ. تحديد التيارات الرئيسة في المحيط.

و. رصد الدوامات المحيطة.

ز. رصد الحدود الجبهية Frontal Boundaries.

ح. رصد حركة الثلوج وقياسها.

ط. رصد البقع الزيتية ومتابعتها.

ى. رصد الثروة السمكية والحياة البحرية ومتابعتها.

3. تآكل الدلتا وتلوث الشواطئ

من التطبيقات المهمة لاستخدام الأقمار الصناعية، دراسات تآكل دلتا الأنهار وتآكل الشواطئ وتلوثها بالمخلفات الصناعية، وتدخل كلها تحت بند التفاعل بين البحار واليابسة، فمن المعروف أن عدداً من دلتا الأنهار تتآكل وتفقد خصائصها نتيجة عدوان البحر عليها، ومنها دلتا نهر النيل التي فقدت عنصر تجديدها، وهو الطمي الذي كان يجلبه فيضان نهر النيل من هضبة الحبشة، الذي توقف بعد مشروع السد العالي، وتتيح الصور الفضائية الملتقطة من الأقمار تقويماً دقيقاً لتآكل الدلتا وزحف البحر عليها، وبذلك يمكن اتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية اللازمة. ومن ناحية أخرى يمكن من طريق هذه الصور الفضائية تحديد كميات الملوثات الصناعية ومدى انتشارها وتأثيرها في الحياة البحرية وفى تكوين الماء في المناطق التي تصرف إليها، وتستخدم هذه التقنيات حالياً بصور روتينية في العديد من دول العالم.

4. استخدام الأقمار الصناعية في الكشف عن الآثار

يُعد هذا الاستخدام من النتائج المثيرة وغير المتوقعة للاستشعار عن بُعد، خاصة أنه يتعلق باكتشافات لم يكن من الممكن كشف النقاب عنها بأية تقنية معروفة أخرى، ونترك الحديث هنا إلى المقال المنشور في مجلة Science 111 Ustree والمترجم في مجلة الثقافة العالمية الكويتية، والذي نورد فيما يلي أجزاء منه مختصرة.

علم الآثار وتكنولوجيا الفضاء

خلال قرون عديدة ماضية ظلت صحراء عمان معبراً للقوافل، وإذا كانت مسارات طرق القوافل هذه غير ظاهرة للعيان على الأرض، فقد بدت واضحة في الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية من الفضاء، وعند التقاء هذه المسارات هناك احتمال كبير جداً في اكتشاف أطلال قديمة، تتولى حالياً بعثة استكشافية التنقيب على الساحل الشرقي من شبه الجزيرة العربية في سلطنة عمان، عما يعتقد أنه بقايا المدينة الأسطورية "أوبار UBAR" التي ورد ذكرها في القرآن باسم "ارم ذات العماد"، وقد اكتشف علماء الآثار هذا الموقع التاريخي، اعتماداً على الأرصاد الجوية والفضائية، فعلى الأرض لم يكن هناك أي أثر يدل على وجودها، وفى هذه المنطقة من العالم حيث تجد جميع آثار الماضي وقد طمرت تحت طبقات سميكة من كثبان الرمال، وبالاستعانة بأجهزة الاستشعار عن بُعد وبأجهزة تصوير محمولة فوق مناطيد أو محطات فضائية، وجد الباحثون أنفسهم وقد تسلحوا بوسائل كشف جديدة وفعالة، ففي هذا الموقع حيث لا تدل المشاهدات الأرضية على أي مؤشر، تجد الوثيقة التي يعطيها الرادار والصور الملتقطة من الفضاء وقد أظهرت بوضوح وجود أطلال حضارة غابرة. ويعود الفضل الأول في اكتشاف مدينة "أوبار" إلى الرادار SIR، الذي استخدم للمرة الأولى عام 1981.

وفى عام 1981 قام مكوك الفضاء الأمريكي (تشالينجر) بتصوير غور المناطق التي حلق فوقها خاصة الصحراء الكبرى، بدءاً من مصر، وتشاد، مروراً بالسودان، وليبيا، وذلك بالاستعانة برادار يستخدم طول موجه قدره 22.5 سم، ويُعد هذا الجزء من الصحراء أكثر مناطق العالم جفافاً على الإطلاق، ففي بعض أنحائه لم يسجل هطول المطر سوى مرة واحدة خلال 40 عاماً، وعلى الأرض ترى الأفق دون أي تضاريس.

كم كانت دهشة العلماء والمتخصصين في هذه المنطقة الكبيرة عندما عرضت عليهم الخرائط التي سجلها الرادار، فقد لاحظوا باستغراب شديد وجود آثار نهر ضخم كان حجمه أكبر من حجم نهر النيل الحالي، وكان متصلاً بشبكة كثيفة من الروافد والبحيرات قبل أن تنضب مياهه، وقد أصبح تكوين مثل هذه الصور السلبية ممكناً، إذ إن الموجات القصيرة ـ السنتيمترية ـ الصادرة من مكوك الفضاء الصناعي تخترق التربة الخالية تماماً من الماء إلى أعماق أمتار عديدة حتى تصطدم بالصخور الصلدة تحت التربة، التي تعكس هذه الموجات، ولذلك فإن الصور الضوئية الملتقطة من الطائرة لا تكشف شيئاً.

بعد أن تزود الباحثون بهذه المعلومات هرعوا إلى الموقع وشرعوا ينقبون، معيدين بذلك مشهداً يراوح عمره بين أربعين ألف سنة إلى مائة ألف سنة، وكانت الصحراء آنذاك سهولاً كثيفة الشعب غزيرة المياه، وقد أظهرت التقنيات حول ما كان في الماضي ضفاف النهر وجود آثار مساكن وسط أنقاض تدل على نشاط إنساني، مثل فؤوس ورؤوس سهام. وفى عام 1984 أعيدت التجربة فوق شبه الجزيرة العربية باستخدام رادار محسن، وقد دلت الصور على وجود المدينة المطمورة "أوبار" أو "ارم"، فقد رصد الرادار آثاراً دقيقة للغاية لمسارات قوافل عبر مئات الكيلومترات في صحراء شبه الجزيرة العربية، فعلى مر العصور سلكت الجمال المسارات ذاتها مما جعل رمالها وحصاها أكثر نعومة من المواد المحيطة بها، وتتأثر أصداء الرادار بهذا الاختلاف، فتظهر مسارات القوافل كخطوط فاتحة.

وقد هرع الباحثون إلى الحصول على خريطة لخطوط سير القوافل القديمة، فلاحظوا أن كثيراً منها يتقاطع في نقطة واحدة، وسرعان ما انتقلوا إلى الموقع على الطبيعة، غير أنهم لم يشاهدوا ما يلفت النظر، ولكن على عمق عدة أمتار تحت سطح الرمال كانت تربض أطلال مخزن وخان لإيواء القوافل، كما وُجدت أطلال أخرى في موقع قريب دلت على وجود تجمع سكاني مهم. (اُنظر ملحق قائمة بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بالاستشعار عن بُعد)

ثالثاً: أثر أنشطة الاستشعار عن بُعد على الأمن القومي للدول

إذا كان استخدام الاستشعار عن بُعد للكشف عن المصادر الطبيعية الكامنة على سطح الأرض سيؤدي إلى الاستغلال الأمثل لهذه المصادر، مما يؤدي في النهاية إلى رفاهية الشعوب والنمو الاقتصادي، بغرض عدم استغلال هذا النشاط لصالح دولة دون أخرى، فإن استخدامه في الأغراض العسكرية يؤثر في أهم عناصر الأمن القومي، وهو المحافظة على بقاء الدولة ذاتها. وهذا ما يحققه الحصول على المعلومات عن مصادر التهديد التي قد تعصف بالدولة وتهدد بقائها.

وإذا كان العدوان ينحصر في القيام بأعمال إيجابية، فإن الحصول على المعلومات يُعد من العمال الدفاعية التي تؤمن بقاء الدولة وتنأى بها عن تهديد الدول الأخرى، أو استخدامها للقوة المسلحة ضدها.

تسعى الدول باستمرار إلى الحصول على المعلومات عن القدرات العسكرية للدول الأخرى، وخاصة في ما بين الدول الكبرى التي تمتلك القدرات النووية ووسائل إطلاقها العابرة للقارات فائقة الدقة.

وفي مواجهة إمكانات التدمير المفاجئ، فإن الحصول الفوري على المعلومات عن التجهيزات العسكرية، أو حتى بدء الإجراءات للاستعداد للقتال في هذا الاتجاه، قد يُقلل من هذا الخطر، حيث يُعطي ذلك إنذاراً مبكراً باحتمال قيام هجوم نووي، أو الاستعداد للقيام به، وبالتالي يمكن للدول المهددة اتخاذ الإجراءات الأمنية المضادة.

ويمكن كذلك، من طريق الحصول على المعلومات من توابع الاستشعار عن بُعد، تتبع التطور النووي أو التطور في وسائل الإطلاق الإستراتيجية، وكذلك تطور حجم الأسلحة التنفيذية الأخرى ونوعيتها وأماكنها، مما يقلل من احتمال القيام بعمل عدائي، اعتماداً على مخاوف غير معلومة، أو التصرف دفاعاً عن النفس عندما يتهدد الأمن القومي للدولة.

1. استخدام الفضاء الخارجي في أعمال الجاسوسية

والحجة النهائية التي يسوقها الذين يعارضون عمليات الرصد العسكري من طريق توابع الاستشعار عن بُعد، هو الادعاء بأن هذه الأنشطة تنطوي على عمل من أعمال الجاسوسية.

وقد ظهر هذا الادعاء منذ بداية الستينيات من القرن العشرين، بواسطة الاتحاد السوفيتي (السابق)، ولكن مع استمرار تطور وسائل جمع المعلومات من الفضاء في الاتحاد السوفيتي، أصبح هذا الادعاء أقل تكراراً، وأصبح الاتحاد السوفيتي من الدول الرئيسة التي تجمع المعلومات العسكرية من الفضاء الخارجي.

والجاسوسية عمل يتسم بالتخفي والخداع، الغرض منه الحصول على المعلومات بطريقة سريعة، بغرض نقل هذه المعلومات عن العدو. ولا تتوقف أعمال الجاسوسية على جمع المعلومات العسكرية، بل تتعداها إلى تجميع المعلومات عن كل ما يؤثر في أمن الدولة من معلومات اقتصادية وسياسية واجتماعية، بل وحتى الرأي العام والتأثير فيه.

وتصبح للجاسوسية دلالة إيجابية أثناء العمليات العسكرية، وفي مناطق العمليات على وجه الخصوص، وبالرغم من ذلك ينظر البعض إلى الجاسوسية على أنها لا تشكل جريمة من جرائم الحرب، وليست انتهاكاً للقانون الدولي، بل ينادون بضرورتها استناداً للأمن العسكري.

وفي ضوء هذا التعريف، فإن الفحص السريع للادعاء بأن المعلومات التي تجمعها توابع الاستشعار عن بُعد تُعد شكلاً من أشكال الجاسوسية، يبدو في غير محله، للآتي:

أ. إن توابع الاستشعار عن بُعد لا تعمل أثناء الحرب، أو في منطقة العمليات فحسب، بل تعمل أيضاً في فترات السلم وفوق مناطق قد تشمل الكرة الأرضية كلها.

ب. لا يكتنف أنشطة هذه التوابع السرية ولا تجري في الخفاء، فهي تعمل علانية وبطريقة مفتوحة، بل إن البيانات التي تجمعها بعض التوابع تُعد متيسرة لعدد كبير من الدول.

ج. مع استمرار تطور التوابع الاصطناعية وزيادة عدد المحطات الأرضية لاستقبال البيانات، ومع زيادة عدد الدول المشتركة في الأنشطة الفضائية، سوف تكون هذه البيانات متوفرة لجميع الدول.

د. ليس هناك أي نوع من الانتهاك لأراضي الدول الأخرى نتيجة لنشاط هذه التوابع.

وفي هذا يمكن تشبيه الاستشعار عن بُعد بالمراقبة من أعالي البحار، الذي لا يُعد انتهاكاً للقانون الدولي. وهذا ما اعترفت به لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية: "يمكن لأي دولة أن تستخدم توابع الفضاء لأغراض المراقبة وجمع المعلومات، وأن المراقبة من الفضاء الخارجي تتمشى مع القانون الدولي، تماماً مثل المراقبة من البحار".

وهكذا فإن الاستشعار عن بُعد، حتى ولو كان للأغراض العسكرية، فإنه لا يُعد اعتداءً مباشراً من دولة على دولة أخرى، ولا يُعد عملاً غير قانوني أو عملاً عدوانياً، وبالتالي فإن القانون الدولي لا يحرّمه.

2. تأمين الدولة من عمليات الحصول على المعلومات من الفضاء الجوي

ترتبط عمليات جمع المعلومات من الفضاء الجوي ارتباطاً وثيقاً بمبدأ سيادة الدولة على فضائها الجوي، سيادة كاملة وشاملة، حيث يُعد الفضاء الجوي عنصراً من عناصر الإقليم لا ينفصل عنه. كذلك فقد نصّت المعاهدات المختلفة التي تنظم الطيران في المجال الجوي على تأمين الدول ضد أعمال جمع المعلومات عن أراضي الدول أثناء تحليق هذه الطائرات في المجال الجوي لها.

أ. فقد نصت معاهدة شيكاغو، عام 1944، في المادة التاسعة منها، على أن لكل دولة متعاقدة الحق في أن تقيد أو تحدّ بصفة موحدة تحليق طائرات الدول الأخرى فوق مناطق معينة من إقليمها. وقد حددت الاتفاقية سببين لهذا المنع، وهما الضرورات العسكرية، أو الأمن العام.

ب. كذلك في مؤتمر باريس الدولي للملاحة الجوية، عام 1919، فقد حظي عامل تأمين الدولة باهتمام شديد، فقد عدّ المؤتمر التجسس من الهواء أحد الأخطار الرئيسة التي تهدد أمن الدولة. وقد توصل المؤتمر إلى تحقيق أمن الدولة ضد الجاسوسية بتحريم كل استخدام يؤدي إليها وتجريمها، مثل:

(1) تحريم التحليق فوق مناطق معينة (مناطق محرمة).

(2) تحريم استعمال بعض الأشياء التي يمكن أن تُستخدم في الجاسوسية وتنظيم عملها، وهي آلات التصوير وأجهزة اللاسلكي، والطيور الحاملة للرسائل.