إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / دور شارل ديجول Charle's de Gaulle في الحرب العالمية الثانية









دور

رابعاً: دوره في الحرب عام 1941

في 15 يناير 1941، اتفق ديجول وأنطوني إيدن Antony Eden، وزير خارجية بريطانيا، على تنظيم العلاقات بين الفرنسيين الأحرار، والهيئات البريطانية الرسمية، ويقضي الاتفاق بخضوع الفرنسيين التابعين لتنظيم فرنسا الحرة للنظم والتشريعات الفرنسية، وليس للتشريعات البريطانية ومحاكمها. وأثمرت المباحثات عن معادلة الجنيه الإسترليني بمائة وستة وسبعين فرنكاً فرنسياً. وتمكن ديجول من إنشاء مصرف خاص بفرنسا الحرة، تحت اسم "البنك المركزي لفرنسا الحرة"، مهمته تنظيم المرتبات والمصروفات، وجمع الأموال الواردة من الهيئات والحكومات والتبرعات وعائدات المستعمرات، إضافة إلى المبالغ المقدمة من الحكومة البريطانية.

كذلك أسس ديجول المكتب المركزي للعمليات، ومهمته جمع المعلومات، وتنظيم العمل السري لتجنيد المتطوعين، وسمحت الحكومة البريطانية لرجال ديجول بالبث، عبر إذاعة لندن مدة خمس دقائق، مرتين يومياً، في برنامج إذاعي أُطلق عليه اسم "الفرنسيون يتحدثون إلى الفرنسيين". كذلك تمكن ديجول من إنشاء مجلة، باسم "فرنسا الحرة"، وجريدة تحت اسم "فرنسا"، ووكالة أنباء، تحت اسم "وكالة فرنسا الحرة للأنباء".

في 15 يناير 1941، أصدر ديجول أمره إلى كل من الجنرال كاترو ولارمينا، بالبدء في تنفيذ خطة تجميع قوات، قوامها فرقة من السنغاليين، وكتيبة من رجال البحرية، ومجموعة دبابات وبطاريات مدفعية، وغير ذلك. وانضم إلى هذه القوات بعض الطيارين الفرنسيين جاؤوا من تونس ولبنان. كذلك، قرر ديجول إرسال عدد من الطائرات القاذفة، وكذلك المدمرتين "سافورنيان دي برارزا"، و"القومندان دوبوك"، إلى الخرطوم.

في فبراير 1941، وصلت أنباء ذهاب بعثة ألمانية إلى سوريا، والتحركات اليابانية دعماً لدول المحور، مما يهدد مناطق الهند الصينية للخطر، فعكف ديجول على وضع خطة للدفاع عن الهند الصينية تشترك فيها كل من بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، وأستراليا، ونيوزلندا.

في 24 فبراير 1941، أرسل ديجول إلى الجنرال فيجان، يسأله العون، ويطالبه بتجميع القوى الفرنسية كلها في جبهة واحدة، وكذلك أرسل كاترو بعدة رسائل إلى قادة فرنسيين آخرين تابعين لحكومة فيشي، ولكن كل هذه الرسائل قوبلت بالرفض، بل إن الجنرال فيجان أضاف، إلى الرفض، طلبه تنفيذ حكم الإعدام بقوله: "يجب إعدام ديجول".

وفي 9 مارس 1941، استدعى تشرشل ديجول، وأخبره أن الولايات المتحدة الأمريكية وافقت على مشروع الإعارة والتأجير، ومن ثم يمكن الحصول على الأسلحة والمعدات اللازمة. وكان لهذا الخبر أبلغ الأثر في نفوس ديجول ورفاقه؛ لأنه كان يعني تحولاً في سير الحرب، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت لا تزال تقف موقف المتفرج من الصراع.

اتجهت أنظار ديجول، بعد ذلك، إلى ضرورة السيطرة الفرنسية على سوريا ولبنان، وباقي بلدان الشرق الأوسط، وبدأ جولة تفقدية دقيقة هناك، وكانت الخرطوم أول محطة ينزل فيها؛ فقد كانت منطلقاً للقوات الفرنسية بقيادة الجنرال بلاتّ، الذي تمكن من انتزاع خط الدفاع الأساسي في إريتريا من أيدي الإيطاليين.

وفي يومي 29 و 30 مارس 1941، ذهب إلى إريتريا، ليشرف على القوات الفرنسية المقاتلة هناك ضد الإيطاليين، في أعالي كيرين، وهناك قابل المقدم جينان، الذي جاء من الجزائر؛ لينضم إلى قوات ديجول. ثم اتجه الجنرال بلاتّ، في 31 مارس 1941، برجاله إلى مصوع، عاصمة إريتريا، وتمكن من دخولها في 7 أبريل 1941، بعد فرار الإيطاليين، وكانت حصيلة المعركة أربعة آلاف أسير، واستسلام عشرة آلاف جندي.

في الأول من أبريل 1941، هبط ديجول بطائرته في القاهرة، وهناك جاءته الأخبار أن الوضع في سوريا ولبنان لا يسمح بتحقيق سيطرة قواته عليها؛ وذلك لخضوعها لحكومة فيشي. ومن ثم أرسل ديجول إلى حكومة فيشي يكرر طلبه دمج القوات الفرنسية كلها معاً؛ لمواجهة العدو المشترك. ولم يرد عليه الجنرال فيجان، فيئس ديجول من البحث في موضوع سورية ولبنان، وبدأ في تجميع القوات لمساعدة القائد البريطاني ويفل، في تقدمه في ليبيا.

وفي مصر، وطد ديجول علاقات طيبة مع الأمير محمد علي، وسري باشا رئيس الوزراء آنذاك. وبعد أسبوعين في السودان ومصر وفلسطين، اتخذ ديجول طريقه إلى برافيل، ثم دوالا وياوندي وماروه وليبرفيل وغيرها من المناطق، لتفقد الأوضاع.

في 8 يونيه 1941، أصدر ديجول أمره، للقوات الفرنسية الحرة، بمرافقة القوات البريطانية في تحركها إلى سورية ولبنان؛ لمواجهة قوات دول المحور هناك. وحدثت عدة صدامات في أيام 9، 10، 12، 15، 16 يونيه 1941، مع الجنود الفرنسيين التابعين لحكومة فيشي، ووقعت خسائر كبيرة في الطرفين. وتمكنت قوات ديجول، ومعها القوات البريطانية، من دخول دمشق في 22 يونيه 1941. وهناك عقد ديجول عدة اجتماعات مع كبار السوريين، الذين بادروا على الفور بالاعتراف بفرنسا الحرة، بزعامة ديجول. وعمل ديجول على تأليف حكومة فرنسية جديدة هناك، والتأكد من سلامة الأوضاع. وفي الوقت نفسه، عُقدت المفاوضات في عكا بين الحكومة البريطانية، بصفتها صاحبة القيادة العسكرية، وحكومة فيشي، ونصت الاتفاقية التي توصل إليها الجانبان، على وضع سورية ولبنان تحت السيطرة البريطانية، دون أي ذكر لاسم فرنسا الحرة فيها، كما نصت كذلك على أن تُوضع المؤن الحربية الموجودة في حوزة قوات فيشي، تحت تصرف القوات البريطانية، ومن ثم لا تستفيد منها قوات فرنسا الحرة شيئاً.

رفض ديجول هذه الاتفاقية، وأرسل احتجاجاً شديد اللهجة إلى الحكومة البريطانية، التي بادرت إلى الاعتراف بحق فرنسا الحرة في الانتداب على سورية ولبنان، في 25 يوليه 1941.

في جولته يومي 24 و 25 يوليه 1941، في دمشق وبيروت، لقي ديجول ترحيباً كبيراً، كما اجتمع إلى السيد ألفريد نقاش، رئيس الحكومة اللبنانية، والتقى عدداً كبيراً من الفرنسيين، ممن كانوا قد أعلنوا ولاءهم الكامل لحكومة فيشي، وعقب اللقاء، أعلنوا تأييدهم المطلق لتنظيم فرنسا الحرة.

عقب ذلك، عقد ديجول عزمه على ضرورة ظهور منظمته على المسرح السياسي، وجعلها دولة ذات سيادة، ومن ثم اتجه إلى إجراء المباحثات مع واشنطن وموسكو ولندن، خاصة واشنطن، التي كانت لا تزال تتعامل مع حكومة فيشي. وهكذا أرسل ديجول، في أغسطس عام 1941، يطلب من الولايات المتحدة الأمريكية أن تقيم قواعد جوية لها في المناطق التابعة لفرنسا الحرة، في الكاميرون وتشاد والكونغو، وهي المناطق التي تعد خط الدفاع الأمامي مع الألمان. كما عرض ديجول ـ عقب قراره في 24 سبتمبر 1941، بإنشاء لجنة وطنية فرنسية، تعد بمثابة جهاز رئاسي للدولة المنتظرة، (أُنظر ملحق أمر بإنشاء اللجنة الوطنية الفرنسية) ـ وضع الجزر التابعة لفرنسا الحرة في المحيط الهادي، تحت تصرف الأمريكيين لمواجهة الخطر الياباني. وقد أثمرت هذه النشاطات اهتماماً من الولايات المتحدة الأمريكية بمنظمة ديجول، وأعلن مسؤول أمريكي كبير، في سبتمبر عام 1941، أن هناك مصالح مشتركة بين أمريكا وفرنسا الحرة، وأضاف: "إن علاقاتنا مع هذه المجموعة جيدة جداً، على جميع المستويات". وبدأت تحدث تحولات واضحة من جانب الإدارة الأمريكية، لصالح فرنسا الحرة، وشملت تلك التحولات وسائل الإعلام الأمريكية، وكانت قبل ذلك تهاجم تنظيم فرنسا الحرة. وفي 11 نوفمبر 1941، أعلن الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، في بيان رسمي، قبول فرنسا الحرة في قائمة الدول المستفيدة من قانون الإعارة والتأجير.

ومع ذلك حدثت بعض السلبيات من الجانب الأمريكي:

1. فقد احتجزت السلطات الأمريكية، في 13 ديسمبر 1941، الباخرة نورماندي، مع ثلاث عشرة سفينة فرنسية أخرى، ولم تقبل التفاوض بشأنها مع حكومة ديجول.

2. في شهر ديسمبر 1941، كذلك، جرت مباحثات ميثاق عصبة الأمم المتحدة، ووقعت 27 حكومة، ليس من بينها حكومة ديجول.

3. تحركت قوات ديجول في 12 ديسمبر 1941، بقيادة الأميرال موزيليه، لضم جزيرتي سان بيير وميكيلون، وانتزاعهما من حكومة فيشي، دون الحصول على موافقة الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت قد دخلت الحرب رسمياً يوم 7 ديسمبر 1941. وقد دخل الأميرال موزيليه الجزيرتين، دون إطلاق رصاصة واحدة، واستقبله الأهالي هناك بحفاوة وحماسة شديدتين. وعلى الفور احتجت الحكومة الأمريكية احتجاجاً شديداً لحدوث ذلك، دون موافقتها. وعالج ديجول الأمر بأن أمر بإجراء استفتاء عام في الجزيرتين، كانت نتيجته موافقة الأغلبية الكاسحة على الانضمام إلى فرنسا الحرة. وفي الوقت نفسه أبرق ديجول إلى تشرشل، وكان في محادثات مع روزفلت، يطلب منه إقناع روزفلت بالتخلي عن موقفه هذا، وانتهت العاصفة؛ نتيجة لوجود رأي عام أمريكي مؤيد لديجول؛ ولموافقة بريطانيا وكندا على تصرف قوات ديجول، وقبلت الولايات المتحدة الأمريكية بالأمر الواقع.