إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / اغتيال الرئيس السادات






مدن تنقل بينها السادات



ثامناً: زيارة القدس والتحول الكبير

ثامناً: زيارة القدس والتحول الكبير

أعلن السادات، في خطبته في مناسبة افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشعب، في 9 نوفمبر 1977، استعداده للذهاب إلى إسرائيل، بقوله: "إنني مستعدّ للذهاب إلى آخر العالم، بما في ذلك إسرائيل، إذا كان من شأن ذلك أن يجنّبنا جرح جندي واحد (ناهيك من قتل جندي أو ضابط واحد)". وانتهز مناحم بيجن Menachem Begin، رئيس وزراء إسرائيل، في ذلك الوقت، الفرصة، فوجّه إليه الدعوة إلى تلك الزيارة. وبالفعل، تمّت تلك الزيارة، في 19 نوفمبر 1977. وفي اليوم التالي، ألقى السادات خطابه الشهير في الكنيست[1]، (انظر ملحق خطاب الرئيس محمد أنور السّادات في الكنيست الإسرائيلي، 20 نوفمبر 1977)، ثم عاد إلى مصر، وركب سيارة مكشوفة من مطار القاهرة، وفوجئ بالملايين من أبناء الشعب المصري في انتظاره، للترحيب به والهتاف له. وكم كان الفارق كبيراً بين هذا الاستقبال الحافل والتظاهرات الصاخبة يومَي 18 و19 يناير، والتي كادت تحطم القاهرة وعدداً من المدن الأخرى! ولعل الناس في مصر، كانوا قد سئموا الحروب، وتصوروا أن "توقيع اتفاقية سلام"، سوف يحل كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. لذا، كان هتافهم عالياً، واستقبالهم حافلاً إلى أقصى حد[2]. وسُرّ السادات سروراً عظيماً، وأحس بارتياح كبير، بعد أن كاد يفقد الثقة برئاسته وأسلوب قيادته، وشعر بأنه رجع بطلاً ونجماً متألقاً. وأخذ إحساسه بالعظَمة يتنامى، وساعده على ذلك أبواق الدعاية، العالمية والصهيونية، التي أشعرته بأنه محطّ أنظار العالم، ومركز اهتمام وسائل الإعلام في كل أنحاء الدنيا. وجاء ترشيحه، ثم حصوله على جائزة نوبل للسلام[3]، وأصبحت صورته أمام الناس صورة نجم عالمي عظيم، تهتم وسائل الإعلام بملابسه، وطريقة كلامه، وتحركاته. وتنشر مجلة "شتيرن Stern" الألمانية، صورته على غلافها، وفي يده وردة، وتمنحه لقباً، وتعُده واحداً من أكثر الرجال أناقة في العالم. ويَلقَى المديح ومظاهر الإعجاب من كل جهة، حتى إن أحد أعضاء مجلس الشعب عن دائرة "ببا"، جنوب مدينة بني سويف بصعيد مصر، تقدم باقتراح مكتوب إلى مجلس الشعب، يرى فيه منح الرئيس لقب سادس الخلفاء الراشدين. وتم تحويل الاقتراح إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى، بتاريخ 14/2/1981. واجتمعت اللجنة في 15/3/1981، برئاسة محمود أبو وافية[4]، ووافقت على الاقتراح، وحوّلته إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، لإصدار القرار، ودعوة الناخبين إلى الاستفتاء على منح الرئيس ذلك اللقب. وقد جاء حادث الاغتيال ليئد مثل هذا الاستفتاء الغريب.

أمسى السادات لا يتحمل أي معارضة، وازداد عدد خصومه ومخالفيه في داخل مصر، وفي نطاق الأمة العربية. وحدثت قطيعة كبيرة مع أغلب الدول العربية، التي قطعت علاقاتها بمصر، باستثناء سلطنة عُمان، بعد مؤتمر بغداد (انظر ملحق فقرات من مؤتمر القمة العربي التاسع بغداد 2 - 5/11/1978 (في شأن اتفاقيتَي كامب ديفيد))، ومقررات قمة الصمود والتصدي الثالثة في دمشق. وبدأت المعارضة في الداخل تزداد، وكان رد السادات عنيفاً. وصدرت قرارات سبتمبر 1981[5]، التي شملت اعتقال قطاعات متعددة. وكان العدد، المعلن رسمياً للمقبوض عليهم، هو 1536 شخصاً، منهم فؤاد سراج الدين[6]، رئيس حزب الوفد، والأنبا شنودة، بطريرك الكرازة المرقسية في مصر، ومحمد حسنين هيكل، وعبدالعظيم أبو العطا، وزير الزراعة الأسبق، وأعداد كبيرة من كبار رجال الدين، والمثقفين، والسياسيين، وأساتذة الجامعات، والمحامين، ورجال الصحافة والفكر،مسلمين ومسيحيين. وقد تسببت قرارات سبتمبر بتصعيد الأزمة، ودفع قوى كثيرة إلى الوقوف في صف واحد ضد النظام.

وبعد أن نُفّذت إجراءات الاعتقال، أرسل المراسلون الأجانب إلى الصحف والإذاعات ومحطات التليفزيون العالمية، يصِفون الأحداث بأنها ضربة شديدة للديموقراطية. وكان بعض الصحف الغربية، خاصة صحيفة "الصنداي تايمز Sunday Times"، في غاية الحدّة، في انتقاد السادات. ونشرت موضوعاً يغطي صفحة كاملة، جعلت فيه رسماً لوجه السادات، يحمل ملامح حمار. وأصبح السادات في وسائل الإعلام الغربية دكتاتوراً باطشاً.

وكان الخطاب، الذي ألقاه السادات عشية قرارات الاعتقال، قد أثار استياء شديداً، خصوصاً عندما تعرّض بالإهانة لأحد علماء المسلمين، حين قال:

"لن أرحمهم... لن أرحمهم... (قالها مرّات)

التلمساني سامحته مراراً، ولن أرحمه هذه المرة.

المحلاوي مرمي في السجن زي الكلب.." ، كررها ثلاثاً[7].

لم يكتفِ السادات بهذه العبارات، التي أثارت استنكاراً شديداً، بل تعرّض، في خطابه هذا، لرجال الدين المسيحي، واتّهم كبارهم بتدبير مخططات تآمرية، وبأنهم دبّروا المظاهرات الصاخبة ضده في الولايات المتحدة الأمريكية، أمام مقر إقامته في "البلير هاوس"، وأمام البيت الأبيض، وأمام مبنى الأمم المتحدة. وبدأت سُحُب السخط تتجمع وتتكثف، إلى أن بلغت المأساة ذروتها، وكانت النهاية الأليمة يوم 6 أكتوبر 1981، بحادث الاغتيال، الذي يعدّ أغرب حادث اغتيال في تاريخ الأمة العربية والشرق الأوسط، لأنه تمّ من قِبَل أفراد من القوات المسلحة، والسادات بينهم يظنّ أنه في غاية الأمان، وكان يصِفهم دائماً بأنهم أولاده.

 



[1] الكنيست: المجلس النيابي في إسرائيل. ويتكون من 120 عضواً، يتم انتخابهم لمدة أربع سنوات. ومن مهامّه: التصديق على القوانين، والمشاركة في تشكيل السلطة، والتصديق على الميزانيات والضرائب.

[2] من المعلوم أن كثيراً من رجال السياسة والمثقفين المصريين، كانوا معارضين لهذا الاتجاه، منهم إسماعيل فهمي، وزير الخارجية، الذي استقال من الفور، وكمال الدين حسين، عضو مجلس الثورة، وحزبَا التجمع والعمل المعارضان، ومحمد حسنين هيكل، الصحفي المعروف، وغيرهم كثيرون.

[3] تم ترشيحه لهذه الجائزة، في سبتمبر 1978، وحصل عليها في ديسمبر من العام نفسه.

[4] هو عديل الرئيس السادات، وعضو الاتحاد الاشتراكي عن إحدى دوائر محافظة الغربية، وأول من رأس منبر "الوسط".

[5] في الثالث من سبتمبر 1981، أصدر الرئيس محمد أنور السادات، قرارات بالقبض على 1536 شخصاً (رجالاً ونساء) من القيادات الدينية والسياسية والحزبية، وإيقاف إصدار بعض الصحف والمجلات المعارضـة، وإبعاد 67 صحفيـاً عن الصحـف وأجهـزة الإعلام، ونقل  64 أستاذاً جامعياً، إلى أعمال لا تتعلق بمجالات تخصصهم، بناء على مشورة قدّمت من نبوي إسماعيل، وزير الداخلية، والقابض على زمام الأمن، وقتئذٍ، الذي رأى أن هذه العناصر تهدد وحدة البلاد وأمنها.

[6] فؤاد سراج الدين: سياسي، رئيس حزب الوفد الجديد، أعاد تشكيل الحزب عام 1978، بعد خمسة وعشرين عاماً من التوقف، إثر قرار أصدرته ثورة يوليه بإلغاء الأحزاب عام 1953، وأعادها الرئيس السادات عام 1977. من مواليد محافظة كفر الشيخ، عام 1910. تخرج في كلية الحقوق، جامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً)، عام 1931. اُختير وزيراً للزراعة عام 1942، ثم وزيراً للشؤون الاجتماعية. وعُين وزيراً للداخلية عامَي 1943 و 1944. ثم عاد وزيراً للداخلية عام 1949، وأضيفت إليه وزارة المالية، عام 1950. حُكِم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، بعد قيام ثورة 23 يوليه.

[7] بثّ التليفزيون المصري الخطاب على الهواء، ورآه الجميع.