إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الأولى (1157 ـ 1233هـ) (1744 ـ 1818م)






مناطق ضرما والوشم والسر
منطقة الوشم
منطقة الأفلاج والدواسر والسليل
منطقة الحوطة
منطقة الخرج
منطقتا سدير و(الغاط والزلفي)
وادي حنيفة وروافده
الرياض وفروع وادي حنيفة
الشعيب والمحمل
حملة إبراهيم باشا
عالية نجد



الفصل الثالث

الفصل الثالث

توسع الدولة السعودية، خارج منطقة نجد

 

1. ضم الأحساء

كان نفوذ الدولة العثمانية وقوتها، في الأحساء، ضعيفاً مما شجع بني خالد على العصيان ضدها، واستطاع زعيمهم براك بن عريعر آل حميد، أن يخرج الحامية العثمانية من الأحساء، ويستولي عليها، سنة 1080هـ، فأخذ بنو خالد يتوسعون، ويمدون نفوذهم إلى الأقاليم المجاورة للأحساء، كلما سنحت لهم الفرصة. وقد وصل نفوذهم إلى إقليم العارض، في وسط نجد، في مطلع القرن الثاني عشر الهجري.

وواجهت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، معارضة من بني خالد، في الأحساء. ورأوا في قوة إمارة آل سعود، التي برزت بعد اتفاق الدرعية، قوة جديدة، تضر بمصالح بني خالد، في نجد، وبخاصة المصالح الاقتصادية، القائمة على التجارة وأنها ستسعى إلى توسيع نفوذها وسلطانها إلى الأحساء.

ولعل أهم عوامل الصراع، بين الدولة السعودية ونجد والأحساء، يكمن في ما يلي:

أ. الخلاف المذهبي بين الدرعية، التي تدعو إلى السلفية، والأحساء التي ينتشر فيها المذهب الشيعي. وانعكس هذا في أمر حاكم الأحساء، سليمان بن محمد بن عريعر، أمير الدرعية، بالتخلص من الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وقد زاد هذا العامل من حدّة الصراع، بمرور الوقت، حينما اكتسبت الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب مزيداً من الأنصار والقوة.

ب. هروب بعض القبائل النجدية، المقاومة للنفوذ السعودي، نحو الأحساء، وسعي إمارة الدرعية إلى تأديبهم ومطاردتهم في ملجئهم. وكذلك العون والمساعدة، اللذَين كان يقدمهما حكام الأحساء، بين الفترة والأخرى، إلى القوى المناهضة للنفوذ السعودي؛ كما حدث في مساعدتهم أمراء الوشم وبريدة والخرج والرياض وسدير.

ج. العامل الاقتصادي، كان محركاً أساسياً للحملات السعودية على الأحساء، نظراً إلى توسع رقعة الدولة، وزيادة الأعباء على بيت المال، وحاجتها إلى زيادة مواردها، للإنفاق على مقاتليها، وعلى أوجه عديدة. فالأحساء، الغنية بالمياه وبالمزارع وبساتين النخيل، وبحركة تجارية واسعة، عبر موانيها على الخليج ـ كانت مطمحاً لكل القبائل النجدية، والقوى السياسية فيها.

لذا، بدأ التصادم بين النفوذ السعودي وحكم بني خالد، مبكراً. فأول اصطدام وقع بين إمارة الدرعية وبني خالد، بدأ في عهد الإمام محمد بن سعود، وفي عهد حاكم الأحساء، سليمان بن محمد. وكان سليمان بن محمد، وقتذاك، من أصحاب النفوذ الواسع في المنطقة. وكان في مقدوره أن يؤثر في الأحداث فيها. إلا أن سليمان، كان له منافسون أقوياء، في الداخل، من زعماء بني خالد، مثل دجين بن سعدون ومنيع بن سعدون. وانتهت هذه المنافسة بطرد سليمان من الأحساء، إلى الخرج، حيث توفي، وخلفه في الحكم عريعر بن دجين.

ولم تكن للحكم السعودي، في بدايته، القدرة على شن غارات على الأحساء؛ فسيطرته غير كاملة على نجد. لذا، اكتفى بصد حملات بني خالد وحلفائهم على البلدان، الواقعة تحت السيطرة السعودية.

ففي سنة 1172هـ/1759م، بدأ زعيم بني خالد، عريعر بن دجين، يعد العدة لحرب الدرعية، والقضاء على نفوذها، الديني والسياسي. فتحالف مع عدد كبير من أمراء مناطق نجد. فأخذت الدرعية أهبتها، لصد هجماتهم. واتجه عريعر بقواته وحلفائه، صوب الدرعية. ووصل إلى بلدة الجبيلة، في شمال وادي حنيفة. لكن بعض الحلفاء، تخلى عنه، وطلب الصلح مع الدرعية، والخضوع لها. فتصدع الحلف، واضطر عريعر إلى العودة إلى الأحساء، من دون تحقيق أي هدف.

وعلى الرغم من هذا الفشل، الذي مُنِيَ به عريعر، فإنه استنفر بني خالد، في عام 1178هـ/1765م، لحرب الدرعية. وراسل حسن بن هبة الله المكرمي، زعيم نجران، الذي يجمعه هدف مشترك معه، ضد الدرعية. وكذلك دهام بن دواس، أمير الرياض، خصم الدرعية العنيد. وشاركت في هذا الحلف عناصر أخرى، من نجد. واستطاع أمير نجران، أن يوجه ضربة قوية إلى قوات الدرعية، ويلحق بها هزيمة، هددت الدولة الناشئة بالسقوط. ولكن الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبدالوهاب، استطاعا تلافي الخسارة، بعقد صلح مع أمير نجران، ومنعاه من مواصلة هجماته على الدرعية. ولما وصلت قوات عريعر بن دجين قريباً من الدرعية، كان الصلح قد تم بين الدرعية وصاحب نجران. وعلى الرغم من استياء عريعر من عمل حسن بن هبة الله، فإنه حاصر الدرعية، بقواته وبالقوات المتحالفة معه، لمدة شهر. واضطر إلى فك الحصار، بعد خروج القوات السعودية، بقيادة عبدالعزيز بن محمد بن سعود، إلى خارج البلدة، والاشتباك مع قواته. ورحل عريعر إلى الأحساء، مخلفاً أربعين قتيلاً من رجاله.

ولما تولى الحكم عبدالعزيز بن محمد بن سعود، سير الحملات، بقيادة ابنه، سعود، نحو الحدود النجدية مع العراق والأحساء. وأدرك عريعر بن دجين، أن الخطر يحيق بإقليم الأحساء. فقرر أن يقوم بعمليات عسكرية، ضد الدرعية، محاولة منه لإبعاد هذا الخطر عن بلاده.

ففي ربيع 1188هـ/1774م، شن عريعر هجوماً عاصفاً على منطقة القصيم، وركز هجومه في بلدة بريدة. ونجح في إقصاء أميرها، عبدالله بن حسن، وأسرته، الموالين للدرعية. وعين عليها راشد الدريبي، المناهض لآل سعود. وتشجع عريعر على مهاجمة الدرعية نفسها. إلا أنه توفي في الخابية، قرب النبقية، بعد شهرَين من انسحابه من بريدة.

ويعتبر موت هذا الزعيم من زعماء بني خالد، الحد الفاصل بين فترتَي القوة والضعف، في تاريخ بني خالد. إذ دب النزاع، بعده، بين أفراد الأسرة الحاكمة، وأدى إلى ضعف أمرائها وعدم سيطرتهم على أمور الجند والحكم في بلادهم.

وتولى، بعده، ابنه الأكبر، بطين، ولقي حتفه، مخنوقاً، في بيته، على يد أخوَيه، دجين وسعدون، ليخلفه دجين. وما لبث سعدون أن دس له السم، ليخلص له الحكم.

وكثف سعدون بن عريعر، في الأعوام التالية، من نشاطه ضد الدولة السعودية، ليحول دون قيام دولة قوية في نجد، ومؤملاً، من وراء ذلك، أيضاً، استعادة مكانة أسرته، أمام سكان الأحساء، بعد الضعف الذي حل بها، خاصة مع كثرة الفتن التي انتابتها.

ففي عام 1192هـ/1778م، تحالف مع زيد بن زامل الديلمي، أمير الخرج، للقيام بأعمال عسكرية ضد الدرعية. وفي عام 1193هـ/1779م، حاول سعدون، أن يحرض بعض البلدان النجدية، ضد نفوذ الدرعية، بالتحالف مع حرمة والزلفي. وهاجموا بلدة المجمعة، التي كانت تمثل مركز الحماسة للحكم السعودي. ولكن هذه الحملة، فشلت.

وفي عام 1195هـ/ 1781م، قدّم سعدون مساعداته العسكرية إلى أهل الدلم، ضد الحامية السعودية، الموجودة في حصن "البدع" السعودي. كما سار، في عام 1197هـ/1783م، بقواته، إلى منطقة القصيم، لمساعدة أهلها، ضد بريدة، الموالية لآل سعود. إلا أن جميع هذه المحاولات، لم تنجح في تحقيق أهدافها.

ورداً على العداء السافر من بني خالد لآل سعود، بدأت العمليات العسكرية السعودية، ضد الأحساء، على يد الإمام سعود بن عبدالعزيز، حينما سار، بقواته، في عام 1198هـ/1784م، حتى وصل قرية العيون، في الأحساء. فغنم جيشه الغنائم الكثيرة، وقفل راجعاً إلى بلاده.

وفي عام 1199هـ/1785م، واصل الإمام سعود عملياته الاستفزازية، ضد الأحساء. فاعترض قافلة لأهل الخرج، قادمة من الأحساء، فسلبها، وقتل رجالها. وكل هذه العمليات، كانت من قبيل الاستطلاع العسكري لقوة العدو.

ولما تفاقم الصراع داخل أسرة بني خالد، هُزم سعدون بن عريعر. هزمه زعماء أسرته، الذين استنجدوا بشيخ المنتفق، ثويني بن عبدالله. فلجأ سعدون إلى الدرعية. واستفاد الإمام عبدالعزيز بن محمد من الوضع المتردي في الأحساء، وأصدر أمره إلى قائده، سليمان بن عفيصان، بمهاجمتهما. فغزا بلدة الجشة، ثم ميناء العقير، وأشعل النيران فيه، بعد أن استولى على ما فيه من أموال.

وفي عام 1204هـ/ 1789م، جرت موقعة غريميل (جبل صغير، تحته ماء، قرب الأحساء) حيث التقت القوات السعودية، بقيادة الإمام سعود بن عبدالعزيز، قوات بني خالد، بقيادة عبد المحسن بن سرداح، وابن أخته، دويحس بن عريعر. وبعد نزال، استمر ثلاثة أيام، انهزم جيش بني خالد. وهرب عبد المحسن إلى المنتفق، وغنم الجيش السعودي غنائم كثيرة. واستعمل الإمام سعود زيد بن عريعر، أميراً على بني خالد.

وفي عام 1206هـ/ 1791م، تحرك الإمام سعود، بقواته، غازياً القطيف. وحاصر "سيهات"، وأخذها عنوة. ثم احتل بلدة "عنك". وقتل زيد بن عريعر، وإخوته، ورئيسَ بني خالد، عبد المحسن بن سرداح، بعد أن وعدوه بالأمان، فعاد إلى الأحساء من المنتفق، التي فرّ إليها، بعد وقعة "الغريميل"، فقتلوه في مجلسهم.

وظل الوضع العسكري كذلك، حتى عام 1207هـ/1792م. وقد توحدت أغلب بلدان نجد، تحت الحكم السعودي. فقويت شوكته وتعززت. وفي المقابل، ساءت الأحوال في الأحساء، التي آلت الأمور فيها إلى براك بن عبد المحسن بن سرداح. فسار الجيس السعودي نحو الأحساء، واشتبك مع أهلها في معارك عدة. وانكسر براك بن عبد المحسن، وجيشه، في معركة "الشيط"، شرقي "اللصافة". ودخل، على إثرها، الإمام سعود بن عبدالعزيز، بقواته، الأحساء. وبايعه أهلها على السمع والطاعة. وافتتح المساجد، وأقام العلماء لتدريس التوحيد وأصول الإسلام وشروطه. وفي الأحساء، أمر الإمام سعود بهدم القباب والأضرحة، ومظاهر الشرك. وعين محمد بن سليمان أميراً على القوات السعودية في الأحساء، ومحمد الحملي أميراً إدارياً في المنطقة. وعين حسين أبو سبيت مسؤولاً عن بيت المال في الإقليم.

لكن الأهالي في الأحساء، نقضوا العهد بعد عودة الإمام سعود إلى الدرعية. وقتلوا الأمير الإداري، محمد الحملي، وكذلك مدير بيت المال والوعاظ. وقدم زيد بن عريعر، وتزعم ثورتهم ضد الحكم السعودي.

وأرسلت الدولة، رداً على هذا العصيان، قوات ضخمة، بقيادة الإمام سعود، عام 1208هـ/1793م. فهاجم بلدة الشقيق واحتلها. ثم دخل بلدة القرين، ثم المبرز، وألحق الهزيمة بزيد بن عريعر. ثم نازل أهل الجبيل. وفي هذه الأثناء، عاد برّاك بن عبد المحسن، من المنتفق، وانضم إلى الإمام سعود، مناوئاً لخصمه زيد بن عريعر. وتوجه برّاك بنفسه إلى الدرعية، ليطلب من الإمام عبدالعزيز بن محمد الأمان لأهل الأحساء، فأجيب إلى طلبه، وانسحب الجيش السعودي، بعد أن بايعوا على السمع والطاعة.

وعلى الرغم من انقسام أهل المنطقة، بين مؤيد للدولة ومعارض، فقد تمكن برّاك بن عبد المحسن من فرض سيطرته على البلاد، بمساعدة النجدة السعودية، التي وصلته، بقيادة إبراهيم بن عفيصان. وانهزم أولاد عريعر من الأحساء. وصار برّاك نائباً فيها عن الأمير عبدالعزيز بن محمد. وزالت عنها ولاية آل حُميد، زعماء بني خالد عام 1208هـ، بزوال ولاية زيد بن عريعر.

وقد ثار أهل الأحساء، بتحريض من براك بن عبد المحسن نفسه. ولكن قضت على ثورتهم نجدة، قادها إبراهيم بن عفيصان، ثم قوات كبيرة، بقيادة الإمام سعود بن عبدالعزيز، الذي أخضعهم للحكم السعودي. وسميت بغزوة الرقيّقة، محلة بالهفوف، وذلك في أواخر عام 1210هـ/1796م. وعاد إلى الدرعية، ومعه عدد من زعماء بني خالد. وولى على المنطقة أميراً من عامة أهلها، يدعى ناجم بن دهينيم.

وكان لاستيلاء آل سعود على الأحساء نتائج مهمة منها:

أ. وصول حدود الدولة السعودية إلى الخليج العربي، وامتلاكها موانئ بحرية، مما يمكنها من الاتصال التجاري بالعالم الخارجي، وفتح باب للعمل لأنصارها.

ب. تحقيق ثروة من المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية، التي تنتجها مزارع الأحساء الواسعة.

ج. انتشار الدعوة الإصلاحية بين سكان الأحساء، واكتساب أنصار جدد للدعوة، على حساب المذهب الشيعي، الذي كانت له السيادة هناك.

د. مجاورة حدود الدولة السعودية، لحدود الدولة العثمانية، التي تمثلها باشوية بغداد، وما يستتبع ذلك من احتكاك، سياسي وعسكري. وبداية علاقاتها بإمارات الخليج، مثل قطر وعُمان والبحرين والكويت.

هـ. إثارة اهتمام الدول الكبرى، ذات المصالح، التجارية والعسكرية، في الخليج العربي، مثل بريطانيا وإيران.

2. التوسع في الحجاز

لم يكن موقف أشراف الحجاز بأفضل من غيره، بالنسبة إلى الدولة السعودية الأولى، ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، لما كان لأشراف مكة من نفوذ في بعض الأقاليم النجدية. وبرزت نقاط احتكاك بينهم وبين السعوديين.

وتمثل أول موقف عدائي، من قبل أشراف مكة، لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في منع الشريف مسعود بن سعيد، أنصار دعوة الشيخ، من أداء فريضة الحج.

وسار خليفته، أخوه، الشريف مساعد، على نهجه. ولكن، في عام 1183هـ/ 1769م، عثرت كتيبة سعودية، في عالية نجد، على جماعة من الحجازيين، بقيادة الشريف منصور. وحين أحضروا إلى الدرعية، أكرمهم الإمام عبدالعزيز بن محمد، وأطلقهم، من دون فدية. وبعد ذلك، قدم الشريف منصور، ومعه إذن من شريف مكة للسعوديين، بالحج.

وفي عام 1185هـ/1771م، طلب الشريف أحمد بن سعيد، من قادة الدرعية، أن يرسلوا عالماً دينياً، ليوضح لعلماء الحجاز حقيقة ما يدعون إليه. فأرسلت الدرعية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الحُصّين، ومعه رسالة من الشيخ محمد بن عبدالوهاب، توضح مبادئ الدعوة (اُنظر ملحق رسالة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام عبدالعزيز بن محمد إلى شريف مكة).

ويمكن القول، إن الموقف، بدأ يسير إلى التحسن، حينما اقتنع الشريف، وعلماء مكة، بمبادئ الدعوة. ولم يدم ذلك طويلاً. فقد أبعد الشريف أحمد عن الحكم، وحل محله ابن أخيه، الشريف سرور بن مساعد. وفي عهده أرسلت الدرعية طلباً للشريف، كي يسمح للحجاج السعوديين بزيارة مكة، لأداء فريضة الحج. إلا أنه اشترط دفع ضريبة، مقابل هذه الزيارة، ما دعا السعوديين إلى رفض مطلبه. وبعد سنتَين، أي عام 1197هـ/ 1782م، دخل الحجاج السعوديون مكة، بعد أن تودد قادة الدرعية إلى الشريف سرور، بالهدايا الثمينة.

وحين توفي الشريف سرور، عام 1202هـ/ 1787م، خلفه أخوه، الشريف غالب بن مساعد بن سعيد. وبعد سنتَين، أراد الشريف أن يحدد سياسته تجاه الدولة السعودية، التي تحقق انتصارات في كل اتجاه، فطلب من الإمام عبدالعزيز، والشيخ محمد بن عبدالوهاب، أن يرسلا إليه عالماً، ليطلعه على حقيقة ما يدعوان إليه. فأرسلت الدرعية، مرة أخرى، العالم عبدالعزيز بن عبدالله الحُصّين، إلى مكة المكرمة، ومعه رسالة من الشيخ محمد بن عبدالوهاب. إلا أن المناظرات والمناقشات، لم تصل إلى حدّ إقناع الشريف غالب، وعلماء مكة المكرمة، بمبادئ الدعوة. فعاد إلى سيرة من قبله، فمنع الحجاج السعوديين من دخول مكة المكرمة، خوفاً من تسرب مبادئ دعوتهم. وبهذا، فإن حدّة التوتر، أخذت تزداد بين السعوديين والأشراف.

وكانت أول حملة عسكرية، جهزها الشريف غالب، عام 1205هـ/1790م، ضد الدولة السعودية، بقيادة أخيه، الشريف عبدالعزيز بن مساعد، وقوامها عشرة آلاف رجل، في طريقها إلى الدرعية. ووصلت إلى منطقة "السر"، وانضمت إليها قبيلتا شمر ومطير. وحاصرت حصن "قصر بسام"، الذي كانت فيه حامية سعودية قليلة العدد. ولم تستطع تلك الحملة اقتحام الحصن. وأقامت أربعة أشهر على هذا الحال.

وعلى الرغم من أن الدولة السعودية، كانت، في ذلك الوقت، ترمي بكل ثقلها، ضد بني خالد، في الأحساء، في الشرق ـ إلا أن الإمام عبدالعزيز بن محمد، أرسل قوة عسكرية، بقيادة الإمام سعود، وتحت إمرته مجموعة من أمراء المناطق، إلى رمحين. وأخذت هذه القوة تلاحق القوات الحجازية، التي انتقلت من منطقة "السر" إلى بلدة "الشعراء"، في عالية نجد، مما جعل الشريف عبدالعزيز، يطلب النجدة من أخيه، الشريف غالب، الذي جاء على رأس جيش حجازي، في رمضان 1205هـ / مايو 1791م، وحاصر بلدة الشعراء، لمدة شهر. ولكن مجيء هذا الجيش، لم يحرز أي نصر. فعادت القوات الحجازية إلى بلادها، خاصة أن موسم الحج، قد اقترب، ووجود الشريف في مكة، أمر ضروري. وقام الإمام سعود بن عبدالعزيز، عقب ذلك، بتأديب القبيلتَين، اللتَين انضمتا إلى حملة الشريف، مما أثار الفزع في نفوس القبائل الأخرى.

وقد نتج من فشل الغزوة الحجازية على الدولة السعودية، والانتصارات التي تحققت، وقتئذ، في الأحساء ـ ازدياد هيبة الدولة السعودية بين القبائل، التابعة للأشراف، فانضمت إليها.

وحاول الشريف غالب، أن يعيد إلى طاعته القبائل الحجازية، التي انضمت إلى الدرعية. فأخذ يرسل الحملات العسكرية ضدها، مما أدى إلى إضعاف جبهته.

وجمع الشريف قوات كبيرة، عام 1210هـ/1795م، بقيادة الشريف فهيد، وهاجم عشائر قحطان، الموالية للدولة السعودية، وعلى رأسها هادي بن قرملة، عند ماء ماسل، في عالية نجد. وأحدث فيهم مقتلة عظيمة.

وهذا الانتصار، جعل الشريف يرسل حملة أخرى، في العام نفسه، بقيادة الشريف ناصر بن يحيى، ضد هادي بن قرملة، وقبيلته، قحطان، في مكان قرب ماء الجمانية، في عالية نجد. ولما علم الإمام عبدالعزيز بن محمد بذلك، أرسل تعزيزات من بوادي نجد، عتيبة ومطير والسهول وسبيع والعجمان، ومن الدواسر، لمساندة قحطان، ضد هجوم الأشراف عليها. وجرى قتال عنيف بين الفريقَين، حققت فيه القوات السعودية، والمتحالفة معها، نصراً كبيراً.

لقد اغتنم الشريف غالب فرصة انشغال الدولة، في الشمال. فجهز حملة كبيرة، في شوال عام 1212هـ/ مارس 1798م، ضد القبائل، التي اعتنقت الدعوة، وأيدت الدولة السعودية، في مناطق رنية وبيشة وتربة. ونزل بقواته في بلدة "الخرمة". وقد حقق جيش الشريف، في بداية الأمر، انتصاراً على القبائل المؤيدة للدعوة. فأرسلت الدولة مدداً، تقابل مع جيش الشريف، في الخرمة. وبعد قتال شرس، انهزم جيش الشريف، تاركاً غنائم كثيرة.

وعلى إثر هذه الواقعة، طلب الشريف غالب الصلح مع الدولة السعودية. واتفق الطرفان على عقد هدنة، مدتها ستة أعوام، يسمح، خلالها، للسعوديين بالحج. واتفقا على تحديد القبائل التابعة لكل منهما.

وخرق هذا الصلح، عام 1217هـ / 1802م، بسبب انضمام بعض القبائل، الموالية للشريف، إلى الدولة السعودية. فأرسل الشريف وفداً مفاوضاً إلى الدرعية، برئاسة صهره، ووزيره، عثمان بن عبدالرحمن المضايفي. وبعد عودة عثمان المضايفي إلى الحجاز، شق عصا الطاعة على الشريف، وأعلن الانضمام إلى الدولة السعودية. وكان هذا كسباً للدولة، وعامل ضعف في قوة الشريف غالب. واتخذ عثمان المضايفي من بلدة العبيلاء، بين تربة والطائف، مركزاً له، وانضمت إليه القبائل الحجازية التي لا تميل إلى شريف مكة. ولما هاجمه الشريف غالب، تمكن من صده. وسارعت إليه نجدة من القبائل الموالية للسعوديين. فزحف على الطائف، واستولى عليها، بعد انسحاب الشريف غالب إلى مكة المكرمة، عام 1217هـ / 1802 م. وعينت الدرعية المضايفي أميراً، من قبلها، على الطائف والمناطق التابعة لها.

وبعد الاستيلاء على الطائف، قرر الإمام سعود وضع حد للصراع مع الشريف. ولهذا اتجهت قوات الدرعية، بقيادته نحو الحجاز. وانضم إليها عثمان المضايفي، بقواته، في الطائف. وزحفت الجيوش السعودية نحو مكة، وكان ذلك قبيل موسم الحج، عام 1217هـ/1803م. وكاتب الشريف غالب الدولة العثمانية، يستنجدها. ولكنه، لم يجد له مجيباً. وحاول إغراء الحجاج، ودفعهم إلى محاربة السعوديين معه. وقد انتظر الإمام سعود، بجيشه، حتى انقضى الحج، وانصرف الحجاج إلى بلادهم. ولما شعر الشريف غالب بعدم قدرته على مقابلة هذا الجيش، ترك مكة، وتوجه إلى جدة، تاركاً الأمر في مكة لأخيه، الشريف عبدالمعين بن مساعد، الذي أعلن طاعته، واستعداده لتسليم مكة، على أن يبقى في شرافتها. فقبل الإمام سعود، الذي كان يعسكر في وادي السيل، بين مكة والطائف. وهكذا، دخل السعوديون مكة، في محرم 1218هـ/1803م. وقرئ على منبر الحرم الشريف، كتاب الأمان العام لأهل مكة (اُنظر ملحق نص كتاب الأمان من الإمام سعود بن عبدالعزيز إلى وفد الشريف عبد المعين). وأمر بتطبيق مبادىء الدعوة الإصلاحية، وتدريسها في حلقات الدرس، في الحرم. وهدمت القباب والشواهد على القبور.

وزحف الإمام سعود إلى جدة، وحاصرها. ولكنه عجز عن دخولها، لمناعة أسوارها. فرفع عنها الحصار، وعاد إلى الدرعية، بعد أن رتب حامية سعودية في مكة. وبعد رحيل القوات السعودية، هاجم الشريف غالب مكة، فدخلها، من دون مقاومة، عام 1218هـ/1803م. وأعطى الأمان للحامية السعودية. ثم تقدم إلى الطائف، فحاصرها، وكان فيها عثمان المضايفي وأتباعه.

وأثناء ذلك، اغتيل الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، على يد أحد الأكراد، في الدرعية، عام 1218هـ/1803م. وبويع ابنه، سعود، أميراً للدولة السعودية.

ولما وصل نبأ استعادة الشريف غالب مكة، أمر الإمام سعود بن عبدالعزيز ببناء قلعة عسكرية، في وادي فاطمة، لتكون نقطة رصد ومراقبة لتحركات الشريف غالب، اكتملت في عام 1220هـ/1805م . وأصدر أوامره إلى عبدالوهاب أبو نقطة، أمير ألمع وعسير ونواحي تهامة، الموالين للدولة السعودية، بأن يسير إلى جدة، ليكون قائداً عاماً للجيوش السعودية، المعدة لحرب الشريف. ثم أرسلت الدرعية قوات كبيرة، صوب مكة، فحاصرتها، وسدت على الشريف جميع الطرق، مما أثر في الوضع الاقتصادي فيها. فأدرك الشريف غالب، أنه لا طاقة له بالصمود. واضطر إلى طلب الصلح، على أن يبقى في إمارته على مكة، تابعاً للدرعية. وبهذا، دخلت مكة تحت الحكم السعودي. وفي العام نفسه، تقدمت القوات السعودية نحو المدينة المنورة، فدخلتها. وتم، بذلك، للسعوديين، الاستيلاء على الحجاز.

وبدأت الدولة السعودية بممارسة سلطتها في الحجاز. فأصدرت أوامرها بمنع دخول المحمل الشامي، القادم للحج، بقيادة عبدالله باشا العظم، في عام 1221هـ/1806م.

ولأن الدولة العثمانية، لم تكن راضية عن الشريف غالب، فلم تلتفت إلى طلبه العون منها، ضد الهجمات السعودية. ولم تأخذ تحذيراته لها مأخذ الجد.

يقول أحمد زيني، المؤرخ الحجازي المعاصر، في كتابه، "خلاصة الكلام في أمراء البيت الحرام"، الصفحة 266 ما يلي:

"أرسل مولانا الشريف غالب، للدولة العليا، يخبرهم بظهور أمر الوهابية. وأرسل، لذلك، السيد محسن بن عبدالله الحمود، والسيد حسيناً، مفتي الملكية. فلم تكترث الدولة لهذا، ولم تلتفت إليه".

ومن نتائج ضم الحجاز إلى الدولة السعودية:

أ. امتداد حدود الدولة، من الخليج العربي حتى ساحل البحر الأحمر، مما أعطاها، بعداً جغرافياً وسياسياً، كبيراً.

ب. توقف حملات الحج، القادمة من بعض الدول الإسلامية، لعدم رضا زعمائها عن الإجراءات السعودية في الحج، مثل منع الطبول والمزامير، والاحتفالات المصاحبة لتلك المحامل.

ج. اتخاذ الدولة العثمانية موقفاً حازماً من النفوذ السعودي، بعد دخول الدولة السعودية الطائف ومكة والمدينة، وتبعية جدة لها. ومن هنا، بدأ احتكاك الدولة العثمانية بالدولة السعودية، من طريق ولاتها في الشام، في محاولة للقضاء عليها. ولما أيقنت الدولة العثمانية، أن ولاة الشام، لا يستطيعون عمل أي شيء، كما حصل مع ولاة بغداد، من قبل، قررت الاتصال بواليها، محمد علي باشا، في مصر.

ويمكن القول، إن الدولة العثمانية، ظلت تواجه الدولة السعودية الأولى، مواجهة غير جادة، بل ظلت تركز في حصر الدولة السعودية في إقليم نجد. إلا أن هذا الموقف تغير تماماً، بعد وصول القوات السعودية إقليم الحجاز. وعدّت هذا التوسع السعودي خطراً وتحدياً، دينياً وسياسياً، لزعامتها. فقد فقدت تبعية المناطق، التي دخلتها الدولة السعودية، من جهة. وبذلك خسر السلطان العثماني لقب "الحرمَين الشريفَين"، الذي كان يمنحه مركزاً دينياً مهماً، في جميع أنحاء العالم الإسلامي، من جهة ثانية. ولذا، فإن رد الفعل العثماني، تجاه هذا الموقف، اتصف بالعنف. ويختلف في مرحلته هذه، عن مراحل النزاع العثماني ـ السعودي السابق، الذي جرى في أطراف العراق.

3. التوسع في جهات عسير وجازان ونجران

أ. عسير

بدأ نشاط السعوديين في عسير، في عام 1211هـ/1796م، حينما أرسلوا جيشاً، بقيادة ربيع بن زيد الدوسري، فأغار على جماعات من شهران. وسار في العام التالي(1212هـ) إلى بيشة، وحاصرها، حتى بايع أهلها على السمع والطاعة للدولة السعودية. مما حدا بالشريف غالب، أن يجهز حملة كبيرة، في العام نفسه. واستعاد البلدة. وفي طريق عودة الشريف من بيشة، واجهته القوات السعودية، في الخرمة، فهزمته.

وفي عام 1213هـ/ 1798م، أعاد ربيع بن زيد الدوسري الكرة، مهاجماً بيشة، واستولى عليها. وصارت تابعة للحكم السعودي. وعين الإمام عبدالعزيز بن محمد أحد زعماء تلك المنطقة، وهو سالم سكبان، أميراً عليها. وصار الطريق ممهداً، أمام الدولة السعودية، لنشر نفوذها نحو الجنوب. وقد أدى اقتناع عبدالوهاب أبي نقطة، وأخيه، محمد، من زعماء عسير، بالدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلى انضمام منطقة عسير إلى الدولة السعودية.

ولقد أسهم عبدالوهاب أبو نقطة بجهود عظيمة، في دخول القوات السعودية الحجاز، وامتدادها في الجهات الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية.

ب. المخلاف السليماني (جازان)

وصلت أخبار الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلى منطقة المخلاف السليماني، في الفترة التي وصلت فيها إلى اليمن. ولكن بداية انتشارها الفعلي، كان في عام 1215هـ/1800م، على يد أحمد بن حسين الفلقي، من أهالي صبيا، وعلى يد عرار بن شار، أمير بني شعبة. ولقد التقى الفلقي أتباع الدعوة السلفية، في موسم الحج، عام 1214هـ/1799م. وأعجب بما يدعون الناس إليه. ثم وفد إلى الدرعية، لمزيد من العلم، وللاتصال بزعمائها. وعينه الإمام عبدالعزيز بن محمد داعية له في بلاده. ووفق الفلقي في نشر الدعوة بين السكان. ولكن، ظهر بين الزعماء المحليين من عارض هذه الدعوة. فنشب القتال بين المؤيدين والمعارضين، مما دعا الدولة السعودية إلى إرسال تعزيزات لمؤيديها.

وكان هناك تنافس في إمارة أبي عريش، بين الأمير على بن حيدر، وعمه، الشريف حمود بن محمد، المعروف بأبي مسمار، الذي دعم معارضي الدعوة الإصلاحية، بما حقق لها النصر. ولما رحلت التعزيزات السعودية عن منطقة المخلاف السليماني، تغلب الشريف حمود على أخيه، وتولى إمارة أبي عريش. فبدأ بمقاومة النفوذ السعودي، في منطقته، بمحاربة أتباع الدعوة حتى أضعفهم.

فهبت الدولة السعودية، ترسل نجدات من عسير، بقيادة عبدالوهاب أبي نقطة. ولإدراك الشريف حمود عدم قدرته على الصمود أمام هذه القوات، طلب العون من إمام صنعاء، الذي فضل البقاء خارج هذا الصراع. وأمام هذا الخذلان له، من إمام صنعاء، اضطر الشريف حمود إلى إعلان طاعته للدولة، وتمسكه بمباديء الدعوة، وأبقي أميراً على منطقته، مع ربطه، إدارياً، بأمير عسير وتهامة، عبدالوهاب أبي نقطة.

ولكن الشريف حمود، وجه قواته نحو الأراضي اليمنية، رداً على خذلان إمام صنعاء له. واستولى، في حملته تلك، على مور واللحيّة. وبعد هذا النجاح العسكري، أرسل إلى زعماء الدرعية، يطلب منهم استقلاله، إدارياً، عن إمارة عسير، فأجيب إلى طلبه.

هذا الانفصال الإداري، أدى إلى نشوب صراع بين أمير عسير، أبي نقطة وأمير أبي عريش، الشريف حمود. وعلى الرغم من محاولة الدرعية للصلح بينهما، إلا أن ذلك التنافس استمر، وبقي الوضع الإداري للأميرَين كما هو.

واستطاع الشريف حمود، أن يضم مناطق من الأراضي اليمنية إلى النفوذ السعودي، مثل الحديدة وزبيد. وتوغلت قواته إلى قرب عدن، في الجنوب.

وطلب الإمام سعود بن عبدالعزيز، من الشريف حمود، مهاجمة صنعاء. ولكنه تقاعس، بحجة صعوبة الهجوم عليها، وخشيته من هجوم أمير عسير عليه، من الخلف.

هنا، قام الإمام سعود بالإيعاز إلى عبدالوهاب أبي نقطة، بمهاجمة الشريف حمود. فزحف بقواته إلى المخلاف السليماني. ودارت بينهما معركة عنيفة، عام 1224هـ/ 1809م، قتل فيها أبو نقطة. وبعد أن حققت قواته النصر، انسحب الشريف حمود إلى قلعة أبي عريش.

وتولى إمارة عسير طامي بن شعيب. وتمكن من انتزاع اللحية والحديدة، من الشريف حمود، الذي طلب الصفح من الإمام سعود، على أن يتنازل له عن بعض المناطق التابعة له، ويدفع خراجاً سنوياً إلى خزينة الدولة السعودية. فوافق الإمام سعود على ذلك الطلب، عام 1226هـ/ 1811م.

وعلى الرغم من أن النفوذ السعودي، امتد إلى المخلاف السليماني، إلا أن الوضع هناك، ظل قلقاً، ومضطرباً، بين مد وجزر.

ج. العلاقة بنجران

ساءت العلاقة بين الدولة السعودية وزعماء نجران، المكارمة، في وقت مبكر، بسبب دعمهم للمعارضين للدعوة، وللحكم السعودي. وشكلت القوات النجرانية تهديداً للدولة السعودية، في أكثر من موقعة. فلما اتجه الإمام عبدالعزيز بن محمد، بقوات الدرعية، في رمضان 1177هـ/ مارس 1764م، إلى "قذلة"، لتأديب العجمان على مهاجمتهم قبيلة سبيع، الموالية للدولة، وانتصر عليهم، اتصلوا بحاكم نجران، حسن بن هبة الله المكرمي، الشيعي المذهب، وطلبوا منه مساعدته ضد الدرعية. وجمع حاكم نجران جيشاً كبيراً، وسار به إلى الحائر، جنوب وادي حنيفة. وشدد الحصار عليها. ولما علمت الدرعية بهذا الهجوم، أرسلت جيشاً كبيراً، قاده الإمام عبدالعزيز بن محمد. فانهزم جيش الدرعية، وقتل منه حوالي أربعمائة محارب. ووقع من رجاله في الأسر ثلاثمائة، وكان ذلك في ربيع الآخر عام 1178هـ/ سبتمبر 1764م. ولقد استطاع السعوديون عقد صلح مع حاكم نجران، استعادوا بموجبه الأسرى.

وفي سنة 1202هـ/1787م، استنجد المعارضون للدولة السعودية، في وادي الدواسر، برئيس نجران، فأمدهم بنجدة، هو على رأسها. ولكنه انسحب أمام صمود مؤيدي الدولة.

وفي عام 1210هـ / 1795م، غزا مبارك بن هادي بن قرملة، نواحي نجران، وقاتل باديتها، وانتصر عليهم.

وفي عام 1220هـ/1805م، غزت نجران قواتٌ سعودية ضخمة، بقيادة عبدالوهاب أبي نقطة، أمير عسير، وفهاد بن شكبان، زعيم بيشة، وإبراهيم بن مبارك، رئيس الوداعين، من الدواسر. ووقع قتال شديد من جيش السعوديين. وعادت القوات إلى بلادها، بعد أن بنى عبدالوهاب أبو نقطة، هناك، قصراً، ووضع فيه مرابطين، لمضايقة النجرانيين، عسكرياً واقتصادياً.

وفي عام 1224هـ/1809م، حارب النجرانيون مع الشريف حمود أبي مسمار، ضد عبدالوهاب أبي نقطة.

وعلى الرغم من أن زعماء نجران، أرسلوا ممثلاً عنهم إلى الإمام سعود بن عبدالعزيز، وأن الإمام أرسل إليهم رسالة مع ممثلهم، شرح لهم فيها مبادئ الدعوة، وما تسير عليه الدولة السعودية ـ إلا أن منطقة نجران، لم تخضع للحكم السعودي خضوعاً تاماً.