إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى









شُبُهات

المبحث الأول

الزواج عند الشعوب القديمة

أولاً: العزوبة والزواج

الزواج هو وسيلة استمرار الحياة والتكاثر، ومن ثم كانت العزوبة تعد جريمة كبرى لدى الشعوب القديمة، وإغضاباً لآلهتهم التي يعبدونها، ويظنون أنها تمنحهم الأمان والرزق. وكان الأعزب، لدى كثير من الجماعات البدائية، يلقى الاحتقار، ويُمنع من المشاركة في الاحتفالات الدينية، ويظنون أنه يلقى عذاباً شديداً في الآخرة، ويُقطَّع إرباً. أمَّا اليونانيون فكانوا يعدون العزوبة جرماً في حق آلهة الأسرة، يستوجب لعناتها وعقابها.

وساد لدى الشعوب القديمة ضرورة أن يسعى الرجل، الذي بلغ سن الزواج، إلى الزواج، فإذا كانت الزوجة عاقراً أو كانت لا تلد سوى البنات، كان على الزوج أن يتزوج من امرأة أخرى أو يشتري ولداً يتبنّاه. وإن كان الزوج عقيماً، كان على الزوجة أن تحمل من أخيه أو من أقرب أقربائه! فإذا ولدت ذكراً، نُسب إلى الزوج ولم ينسب إلى الأخ أو القريب الذي حملت منه. وإذا مات الأب عن بنت، ولم يولد له ذكر، كان على البنت أن تحمل من أقرب أقربائها! وينسب الولد إلى أبيها. كل ذلك من أجل أن تستمر العبادة في الأسرة؛ لأن الأسرة كالديانة، لا تستمر إلا عن طريق الذكور، وبهذا قضت ديانة الصين والهند واليونان والرومان.

وكان بنو إسرائيل يعدون الزواج أداء لفريضة أمر الرب بها لاستمرار عبادته؛ فمن تأخر عن أداء هذه الفريضة وعاش عزباً، كان سبباً في غضب الله على بني إسرائيل. وفي الشريعة الإسلامية يُفرض الزواج على كل قادر عليه؛ لكي تستمر عبادة الله في الأرض، وفي ذلك يقول تعالى: ]وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون[ (سورة الذاريات: الآية 56). وقد حضّ الرسول r على الزواج، فقال يخاطب الشباب: ]يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَة فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4677).

من ناحية أخرى، كان التبتل أو العزوبة، أحياناً يمثل نوعاً من العبادة، والانقطاع لها، ظناً بأن المعاشرة الجنسية دنس؛ ومن ثم فُرضت العزوبة على الكهنة والسحرة، لأنهم ـ حسب الظن السائد آنذاك ـ هم المتصلون بالآلهة التي لا تستجيب إلا للأطهار. وعند بعض الجماعات كانت العزوبة مفروضة على النساء، اللاّئي ينذرن أنفسهنّ للآلهة؛ ففي المكسيك والبيرو كان من العذارى من ينذرن أنفسهنّ لإله الشمس، ويمضين حياتهنّ في أماكن يعتزلن فيها الناس، حتى يتوفّاهنّ الله. ولا يحلّ لإنسان أن يكلّمهنّ أو يراهن، ولو كان من الأقربين. وفي جزر الكناري تقوم بعض العذارى بمساعدة الكهنة في أداء مراسم العبادة، ولا يحلّ لهنّ أن يتزوجن، ما دمن يقمن بهذه المهمّة. وفي سواحل أفريقية الغربية تفرض الجماعات العزوبة على البنت البكر، التي تلد لزعيم الجماعة، وتحتل مكانة عظيمة عند قومها، وتفقد مكانتها إذا هي تزوجت. وفي جماعات أخرى، ومنها البوذيون، تفرض العزوبة على الكاهنات أو على الكهان، لأنّ البوذية ترى أن اللذة الجسدية لا تأتلف مع الحكمة والقداسة. وتروي الأساطير أن أم بوذا كانت من الأطهار، وأنها حملت من قوة خارقة، ولم تلد سواه. وفي التيبت الغربية يجب على كل أسرة أن تخصّص أحد أبنائها الذكور للكهنوت، وأن تفرض العزوبة عليه، والتبتّل على بعض بناتها. وفي الصين كانت تفرض العزوبة على الكهنة البوذيين. وعند قدماء الفرس كانت العزوبة مفروضة على كاهنات إله الشمس. وعند اليونان والرومان كانت تفرض العزوبة على راهبات معبد النار المقدسة (فيستا Vesta) ولا يسمح لهنّ بمغادرة المعبد إلاّ إذا أمضين ثلاثين سنة، وكانت تفرض عليهنّ قيود شديدة في حياتهن في داخله، فإذا خالفنها، كان جزاء المخالفة أن تُدفن وهي حية.

عند بعض الجماعات القديمة تعد الراهبات زوجات للإله الذي يقمن بخدمته، ويحرم عليهنّ الزواج من غيره. ففي البيرو والمكسيك يعد كوكب الشمس زوجاً للعذارى المنقطعات لعبادته، ولا يحلّ لهنّ أن يتزوجن، حتى لا تختلط دماؤهن بدماء بشرية. ومثل هذا السلوك الديني كان شائعاً في بعض الجماعات الأفريقية. وفي معبد الإله (جوبيتر) في روما القديمة كانت تنام امرأة عزباء، اختارها هذا الإله ـ حسب زعمهم ـ من دون النساء لتكون زوجة له، ويحرم عليها أن يمّسها إنسان. ويروي (هيرودوت) أن امرأة كانت تنام في معبد (طيبة) في مصر القديمة وتنذر نفسها له، وتدلّ النصوص المصرية القديمة على أن هذه المرأة كانت الملكة، وأن الولد الذي تلده كان يعد إلهاً.

ويقول المؤرخ القديم بلوتارخ: إن المصريين كانوا يعتقدون أن من الممكن أن تعاشر المرأة إلهاً، وأن يعاشر الرجل إلاهة. كذلك ساد الاعتقاد، عند المسيحيين الأوائل، أن من الممكن أن تقيم المرأة علاقة مع الرب (المسيح)، ويتحدث القديس (سيبيريانوس) عن نساء عازبات تزوجن المسيح زواجاً روحياً ونذرن أنفسهنّ له وتخلين عن لذة الجسد. وهذا الاعتقاد كان امتداداً للعادة اليونانية التي قضت بأن يمتنع كهنة الإله (ديمتريوس) عن الاتصال الجنسي، وأن يغتسلوا بعصير السوكران[1] لقتل شهوتهم، وآخرون كانوا يختصون.

وقد تأثرت، بفكرة، العزوبة طائفة من اليهود يدعون (الآسينيون[2] Les essenieus) يرون أن الزواج دنس وأن قهر اللذة انتصار للفضيلة، ولذلك كانوا يعرضون عن الزواج. ولم يؤثر مذهب هؤلاء في اليهودية، لكن المسيحية تأثرت به إلى حدّ كبير. ففي رسالة القديس (بولص) إلى أهل (كورنثة) يقول: (حَسَنُ للرجل إلا يمسّ امرأة). ويقول: (لكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل، إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا، ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا لأن التزوج أصلح من الحرق)، ويقول: (أريد أن تكونوا بلا هم، غير المتزوج يهتم في ما للرب، كيف يرضي الرب. وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم، وكيف يرضي امرأته. إن بين الزوجة والعذراء فرقاً، غير المتزوجة تهتم في ما للرب، لتكون مقدّسة جسداً وروحاً، وأما المتزوجة فتهتم في ما للعالم، كيف ترضي رجلها) وقد أشاع قول هذا القديس وغيره من القديسيين الحماس والرغبة في العزوبة، لأنها كما يقول القديس (امبرواز) هي الطريق الأقصر إلى مملكة المؤمنين، أما الزواج فهو الطريق الأطول إلى تلك المملكة. وقد أدّت هذه الآراء شيئاً فشيئاً إلى فرض العزوبة على رجال الدين المسيحي، ثم اقتصر فرضها على أصحاب المراتب العليا منهم.

أما الشريعة الإسلامية فقد نهت عن العزوبة وحضّت على الزواج والاستكثار من النسل، وفي ذلك يقول أبو هُرَيْرَة: ]قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r انْكِحُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ[ (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 1853).

وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ t قال: ]جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ r فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ r قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4675).

ومن ثم فالزواج من سنّة الإسلام، وتكاثر المسلمين من أهداف الزواج؛ فكل من بلغ سنّ الزواج وكان قادراً عليه في ماله وبدنه وجب أن يتزوج، فيحصن بالزواج نفسه من مزالق الهوى، ويقيم أسرة تزيد في قوة المجتمع الإسلامي. والنهي عن العزوبة يشمل الأحرار والأرقاء، فالزواج في نظر الإسلام حقّ إنساني والإسلام لا يحرم أحداً من حقوقه الإنسانية، ولذلك نهي النبي r عن خصاء الذكور من الرقيق وحرّمه، وعدَّه تعذيباً لا يحل أن ينزل بإنسان ولا حيوان، وفي ذلك يقول النبي r: ]مَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ[ (رواه أبو داود، الحديث الرقم 4673) وبذلك أجمع الفقهاء على تحريم الخصاء لأنه يمنع حقاً أساسياً من حقوق الحياة.

ثانياً: الخطبة والعقد

تنوعت أساليب الخطبة في المجتمعات القديمة: ففي الجماعات البدائية التي تعيش على الصيد والقنص، يعلن الرجل رغبته إلى المرأة التي اختارها مباشرة، فإذا استجابت تزوّجا؛ فهي صاحبة الشأن في قبول الرجل أو رفضه.

وتختلف أساليب الرفض والقبول في تلك الجماعات، باختلاف عاداتها وتقاليدها، فعند بعضها يأتي الخاطب ببعض صيده فيلقيه أمام المرأة؛ فإن هي أخذته فقد رضيت به زوجاً. وعند بعضها يأتي الخاطب إلى كوخ المرأة فإن هي أحسنت استقباله، وقدّمت إليه بعض الفاكهة، فقد ارتضته زوجاً لها، وإذا أكل مما قدمته إليه انعقد الزواج بينهما وصحبته إلى كوخه. وعند جماعات أخرى يخطب الرجل المرأة من أبيها، ويقدم إليه بعض الهدايا، فيسأل الأب ابنته، فإن رفضت لا يجبرها على القبول ويعيد الهدايا إلى الخاطب. وعند جماعات أخرى تُخطَب المرأة من ذويها فلا يرفضون، وإنما يختارون يوماً تُرسَل فيه المرأة إلى الغابة وتختفي فيها، ثم يتبعها الخاطب بعد زمن معينّ ليفتّش عنها، فإن ظهرت له فيعني ذلك أنها رضيت به زوجاً، وإن اختفت عنه ولم يعثر عليها؛ فيعني ذلك أنها رفضته. وإذا تقدم للمرأة عدّة خطّاب، فتقعد في كوخ ولا تظهر لهم ويطوف الخطّاب، وفي يد كلّ منهم عصا من شجر (البامبو)، فمن أخذت المرأة عصاه فهو الذي اختارته من دون الآخرين.

وتفقد المخطوبة حقها في التعبير عن رضاها بخاطبها أو بمن تحب، في الجماعات التي تقدمت في سلم الحضارة على الجماعات البدائية، وهي الجماعات الراعية والزراعية؛ ففي هذه الجماعات ظهر رأس المال في الماشية وفي محصول الأرض وثمراتها، وفيه تجلت فكرة الملكية، وسيطر الرجل على وسائل الإنتاج وموارد العيش، وفقدت المرأة بهذا التقدم الاقتصادي مكانتها، وأصبحت بعض ما يملك الرجل، يبيعها ويغتني بثمنها. واتّسعت سلطة الأب مع الزمن حتى أصبحت كلمته هي العليا في الأسرة، فهو الذي يختار لأولاده زوجاتهم وأزواجهم، وهو الذي يصرّف أمورهم باعتباره المالك لرأس المال، وليس لأحد أن يخرج عن أمره. وفي المجتمعات القبلية تقترن سلطة الأب بسلطة رؤساء القبيلة وشيوخها، وخاصة إذا كان الزواج من غريبة أو من غريب، ولا بدّ من مشورتهم.

وفي بعض بلاد اليونان جرت العادة أن يتقدم الشاب إلى والد الفتاة، فإذا وافق، كان هناك طقس عجيب؛ إذ توضع خطة بالاتفاق بين الجميع، كالتالي: يختطف الشاب الفتاة التي خطبها، ويأتي بها إلى امرأة من أقربائه فتأخذها وتقص شيئاً من شعرها، ثم تتركها في مكان على فراش. ثم يتسلل إليها خاطبها، في الظلام، ويعاشرها، ويظل الحال على ذلك بضعة أيام، ثم تعود إلى أهلها، ويتم الاتفاق على باقي مراسم الزواج.

وقد نظّمت القوانين القديمة أحكام الخطبة وناطت إجراءها بالآباء والأولياء؛ ففي قانون حمورابي عند البابليين تتمّ الخطبة وينعقد الزواج باتفاق والدي الزوجين، وبمثل ذلك قضت قوانين الهند وقوانين أثينا وروما. وتعد الخطبة عقداً تمهيدياً لعقد الزواج، يحدد فيها المهر ويتفق فيها على الشروط التي يتضمنها العقد. وقد نصّ قانون حمورابي على أن الخاطب إذا عدل عن الزواج فَقَدَ المهرَ الذي دفعه، أمّا إذا عدل والد الزوجة عن تزويج ابنته فيردّ ما قبض ومثله معه (أي مضاعفاً)، تعويضاً عن الضرر الذي ألحقه بالعدول عن الزواج.

ويعقب الخطبة احتفال يقصد منه إعلان الاتفاق على الزواج، ويلتقي الخاطبان في هذا الاحتفال ويعقدان أيديهما. وعند بعض الشعوب يتقدم أكبر الحاضرين سناً فيعقد أيديهما. وعند شعوب أخرى يقوم الكاهن بذلك ليضفي قدسية على الزواج. وعقد أيدي الخاطبين يعد من رسوم الخطبة عند جميع الشعوب الهند أوروبية. وعند قدماء الهندوس يتبادل الخاطبان خاتمين، يضعه كل منهما في إصبع الآخر. وقد سرت هذه العادة بعد ذلك إلى اليونان والرومان وأصبحت شائعة في العالم.

وقد يُرمَزُ إلى اتحاد الخاطبين بالدّم؛ ففي بعض مناطق بريطانيا تجرح المخطوبة تحت ثديها الأيسر، ويقوم الخاطب بمص قطرة من الدمّ السائل. وعند بعض جماعات الهند تجرح المخطوبة بنصرها الأيسر، ويجرح الخاطب بنصره الأيمن، وتؤخذ قطرات من دم البنصرين تمزج في أرز مطبوخ، يأكل منه الخاطبان.

وعند شعوب أخرى يمسح كل من الخاطبين يده من جرح الآخر. وقد يمسح الخاطبان جبينيهما بدم دجاجة تُذبح على عتبة منزل المخطوبة. وعند كثير من الجماعات القبلية في أمريكا، يقتسم العروسان (كعكة) تصنع من دقيق الذرة، أو يأكلان من طعام واحد يقدّم إليهما. وعند قدماء اليونان والرومان كان الخاطبان يقتسمان (كعكة) مصنوعة من دقيق القمح ويقدم كل منهما قطعة إلى الآخر. وقد شاعت هذه العادة في العصر الحديث عند أكثر الشعوب.

1. الخطبة والعقد عند عرب الجاهلية

كانت المرأة تُخطب إلى وليّها: أبيها أو عمّها أو أخيها؛ فيقبل الوليّ الخاطب أو يرده، ولا يحق للمرأة أن تبدي رأيها في خاطبها. فإذا ارتضى الوليّ الخاطب، جرى الاتفاق على المهر، وتحدّد يوم الخطبة، وفيه يأتي الخاطب مع أبيه وأعمامه وأخواله وإخوته، وقد لبسوا أجمل ثيابهم، فيلقاهم والد المخطوبة بالترحيب. وبعد أن يستقر المجلس بالحاضرين يقول وليّ الخاطب لوليّ المخطوبة، ولمن حضر من أهلها: نحن أكفاؤكم ونظراؤكم، وقد جئنا نخطب ابنتكم (فلانة) ونحن لمصاهرتكم حامدون.

والبنت لا تزوج إلاّ لمن يساوي أباها في الحسب والنسب. وفي الأسر الشريفة، لا يجوز أن تقلّ مرتبة الزوج في قومه عن مرتبة والد الزوجة في السيادة والشرف. وإذا تقدّم لخطبة البنت نظير لأبيها فليس للبنت أن ترفضه إذا رضيه أبوها. وإذا تقدّم لخطبتها رجلان، كل منهما نظير لأبيها، فإن أباها يخيرها بينهما ويذكر لها صفات كل منهما وسجاياه، وليس للبنت أن ترفض، وإنما لها أن تختار احدهما.

وقد يكون لسيد من سادات العرب عدة بنات، ويرغب نظير له في مصاهرته والزواج من إحدى بناته، فيجمع الأب بناته ويستشيرهن فيه، ويشرح لهن صفاته لتختاره إحداهن.

2. نوادر عربية (أُنظر ملحق قالوا في الأمثال عن الزواج)

على أن من نساء العرب من كان أمرهنّ بأيديهنّ، فكان يأتيها الخاطب فتجلس إليه وتظهر أمامه على طبيعتها، دون تكلف ولا مصانعة، فإن وافقت هواه تقدّم وإلاّ انصرف. فقد رُوي أن معبد بن خالد الجدلي خطب امرأة من بني أسد، فجاء ينظر إليها، وكان بينه وبينها رواق يشفّ[3]، فدعت بجفنة مملوءة ثريداً، مكللّة باللحم، فأكلت وأتت على آخرها، وألقت العظام نقيةّ، ثم دعت بإناء مملوء لبناً فشربته حتى أكفأته على وجهها، وقالت لجاريتها: ارفعي الستر، فإذا هي جالسة على جلد أسد، وإذا امرأة شابّة جميلة، فقالت لخاطبها: يا عبدالله، أنا أسدة من بني أسد، وعليَّ جلد أسد، وهذا مطعمي ومشربي، فإن أحببت أن تتقدم فافعل، فقال: أستخير الله في أمري واُنظر، فخرج ولم يعد.

وقد تشترط من كان أمرها بيدها أن يوافق خاطبها هواها، فمنهنّ من كانت تطلب أن يكون كريماً؛ فقد رُوي أن امرأة من العرب تدعى ماوية، ذات جمال وكمال وحسن ومال، فآلت ألا تزوّج نفسها إلاّ كريماً، ولئن خطبها لئيم لتجدعنّ أنفه. فتحاماها الرجال حتى انتدب إليها زيد الخيل وحاتم بن عبدالله الطائي وأوس بن حارثة، وكلهم من رؤساء طيئ، فارتحلوا إليها، فلما دخلوا عليها قالت: مرحباً بكم ما كنتم زوّاراً، فما الذي جاء بكم؟ فقالوا: جئنا زوّاراً وخطّاباً. قالت: أكفاء كرام، فأنزلتهم وفرّقت بينهم، وأسبغت لهم القِرى وزادت فيه. فلما كان اليوم الثاني بعثت بعض جواريها متنكرة في زيّ سائلة تتعرّض لهم، فدفع لها زيد وأوس شطر ما حمل كل واحد منهما، فلما صارت إلى حاتم دفع إليها جميع ما حمل. فلما كان في اليوم الثالث دخلوا عليها، فقالت: أمّا أنت يا زيد فقد وترت العرب وبقاؤك مع الحرّة قليل. وأما أنت يا أوس فرجل ذو ضرائر، والصبر عليهنّ شديد. وأما أنت يا حاتم فمرضيّ الخلائق، محمود الشيم، كريم النفس، وقد زوجتك نفسي.

وقد تردّ المرأة خاطبها إذا عرفت من صفاته ما لا يرضيها؛ فقد روي أن رجلاً، يسمى أبو جلدة، تقدم لخطبة امرأة من بني عجل يقال لها خليعة، فأبت أن تتزوجه وقالت له: أنت صعلوك فقير، لا تحفظ مالك، ولا تلقى شيئاً إلا أنفقته في الخمر، فقال أبو جلدة في ذلك:

لما خطبت إلى خليعـة نفسـها                      قالت خليـعة ما أرى لك مـالا

أودى بمالي يا خليـع تكرّمـي                      وتخرقـي وتحمـلي الأثقـالا

إنيّ وجدّك لو شهدت مواقفـي                       بالسـفح يـوم أجلل الأبطـالا

سيفي، لسرك أن تكوني خادمي                       عندي إذا كره الكمـاة نـزالا

وهؤلاء النساء اللائي كان أمرهنّ بأيديهن، كنّ من الأعراب، ممن تعاقب عليهن الأزواج، وكن شريفات في أقوامهنَ.

وكان العربي يبحث عن المرأة الجديرة به، أو يكلف قريباته من النساء، اللاتي يأخذن في البحث وتقصي أخبار النساء في الحيّ، فإن تعذّر طفن في الأحياء الأخرى حتى يجدن مطلبهنّ. وكانت حمّامات النساء العامة مكان تتّبع الفتيات؛ ففيها يظهرن مكشوفات الأعضاء، ويتجلىّ ما فيهن من محاسن وعيوب يخفيها الحجاب.

وقد تناط الخطبة بالقابلات أو امرأة تدعى (الخطّابة) تجوب البيوت، وتتمتع عادة بحظّ وافر من الذكاء وطلاقة اللسان، وتُحسن التشبيه وضرب الأمثال، وقد تتعاطى بيع أصناف من سلع النساء للاّئي يمتنع عليهن الخروج إلى الأسواق. وهذه الطرائق في الخطبة سادت المجتمع العربي والإسلامي منذ حجبت المرأة عن الحياة العامة، وما زالت سارية في بعض الجماعات.

ولم تكن مهمّة الخطّابة البحث عن زوجة لرجل فحسب، بل كانت تدعى للبحث عن زوج لفتاة كاسدة أو يخشى كسادها، أو لامرأة أيّم، فإذا وجدت الخطّابة رجلاً أعزب أو أيّماً أو غريباً، يبحث عن زوجة، أحاطت به واستهوته بما تبتدع من أوصاف لمحاسن الفتاة أو المرأة، فتصيبه بطلاقة لسانها وسحر قولها وتدفعه إلى القبول، وغالباً ما تكون المرأة قبيحة أو عجوزاً، فإذا زفّت إليه وكشف عن وجهها فيا هول ما يرى. وفي ذلك أمثال كثيرة وحكايات تروى عمّن وقع في أحبولة الخطّابات. منها ما روي عن أعرابي جاء إلى البصرة وأراد أن يتزوج، فوقع على خطّابة امتدحت له امرأة على أنها شابّة وجميلة، ثم دست له عجوزاً متصابية، فكانت كلّما تزيّنت له ازدادت قبحاً فيقول:

عجوز تَرجّـى أن تكون فتيّة                         وقد نحل الجنبان واحدودب الظّهر

تدسّ إلى العطار سِلعة أهلها                          وهل يُصلِح العطّار ما أفسد الدهر؟

تزوجتها قبـل المحاق بليلة                           فكان محـاقاً كله ذلـك الشـهـر

وما غرّني إلاّ خضاب بكفها                          وكحل بعينيها وأثوابـها الصـفر

ويقول في وصف أعضائها:

لها جسـم برغـوث وساقا نعامة                     ووجـه كوجـه القـرد بل هو أقبح

وتبـرق عينـاها إذا ما رأيتـها                     وتعبس في وجـه الضجيع وتكلـح

وتفتح ـ لا كانت ـ فمّا لو رأيته                     توهمته بـابـا مـن النـار يفتـح

فَما ضحكت في الناس إلا ظننتها                     أمـامـهم كـلبـاً يـهـرّ ويـنبح

إذا عاين الشيطان صورة وجهها                      تعـوذ منـها حـين يمسي ويصبح

وقد أعجبتها نفسـها فتملّحـت                       بـأيّ جـمال لـيـت شعري تملّح؟

وهكذا كان شأن الخطابات مع من يقصدهنّ من الرجال، وخاصة الغرباء، فقد كنّ يستعملن كثيراً من أساليب التمويه والخداع في تنفيق من تتوسط في تزويجهنّ من النساء، فكثيراً ما تُستبدَل بالشابة امرأة مسنّة، وبالوسيمة امرأة قبيحة، فتجلو المسنّة والقبيحة بأنواع الدهون والمساحيق، فتخفي غضون المسنّة وتستر عيوب القبيحة، ولكن ما يخفى لا يلبث أن يظهر ويفضح ما سترته الدهون وأخفته المساحيق. وإنما يكون ذلك في المدن، إذ المرأة محجوبة عن النظر، لا تعرف إلاّ بالوصف، وكثيراً ما يخطئ أو يضلّ. أمّا في الأرياف والبوادي، فالمرأة تبدو على طبيعتها، إن كانت جميلة أو قبيحة، مسنّة أو شابة، فلا تجلب الحسن بتطرية ولا تمويه، كما تفعل نساء الحواضر، بل تظهر مكشوفة الوجه والكفين، لأنها تشارك الرجل في كثير من الأعمال.

3. من عجائب حفلات الزفاف (أُنظر ملحق أرقام وأحداث قياسية)

كان اليونانيون القدماء يهتمون بحفل العرس اهتماماً كبيراً، ويحرصون على إقامته ليلة البدر. تبدأ الطقوس في الصباح الباكر؛ فيستحم العروسان من مياه بعض الينابيع المقدسة عندهم. ثم حين تشرق الشمس يلبس العروسان ملابس الزفاف، وتمد الأطعمة وتتلى الترانيم. وينطلق موكب الزفاف يحمل العروس إلى بيت الزوجية، يتقدمه حملة المشاعل والمنشدون.

عندما يصل الموكب إلى منزل الزوج تصطنع العروس التمنُّع عن دخول البيت، فيحملها الزوج بين يديه، ممثلاً عملية اختطاف، وهي تصرخ وتستغيث، ويتظاهر أهلها، وصويحباتها من الفتيات، بالدفاع عنها. وبعد هذه المعركة الصورية، يدخل بها الزوج إلى داره، من دون أن يمس العتبة بقدميه، وتغلق هي الباب بعنف وراءهما، دلالة على أنها تركت وراءها كل حياتها السابقة.

وقد شاعت عملية تمثيل عملية اختطاف العروس، ليلة الزفاف، في كثير من جهات العالم؛ فقد أخذها الرومان عن اليونانيين، ووجدت عند كثيرين غيرهم. ويقال أنها تعبير عن الخفر والحياء من جانب الزوجة وأهلها. وكذلك جرت العادة بين قبائل الإسكيمو في جرينلاند، أنه إذا أخذ الرجل عروسه إلى بيته، فإن من أدبها أن تبدي أشد المقاومة، وعليه أن يحملها عنوة إلى الداخل بين صراخها واستغاثتها، فإن لم تفعل كانت امرأة لا حياء عندها.

في ويلز بإنجلترا، في القرن الثامن عشر الميلادي، كان أصدقاء الزوج يعدون خيولاً خاصة، يمتطونها مع الزوج، ويتوجهون إلى بيت العروس، فيطلبونها من أهلها لتزف إلى زوجها، ويرفض هؤلاء الأهل، وينشب قتال تمثيلي بين الطرفين، ثم يختطف الزوج عروسه ويفر بها على حصانه، يحيط به أصدقاؤه، إلى مكان حفل الزفاف.

وفي غرب أفريقية، لدى قبيلة وولوف، يرفض أهل العروس تسليمها لزوجها، فيذهب ليختطفها عند بئر ماء، ويساعده أصدقاؤه، فيحملها على كتفه، أو على فرسه، ويهرب بها، بينما تصرخ صديقاتها ويغنين. أمّا في تركمانيا، وحتى أواخر القرن التاسع عشر فقد كانت العروس تمتطي جوادها وتفر يطاردها الزوج حتى يدركها، وهي تتمنع وتصطنع البكاء والصراخ، وكذلك في بولندا إلى وقتنا هذا.

في اسكتلندا تغسل صديقات العروس قدميها، في ليلة الزفاف، تفاؤلاً باللحاق بقطار الزواج مثلها. أمّا في جزيرة جاوة بأندونيسيا فلا بد من أن تغسل العروس قدمي زوجها وتقبلهما، بينما في إيران يغسل كل من العروسين قدمي الآخر.

في بلدان كثيرة تُجمع النقود من جميع المدعوين، وتُعطى إلى العروس، أثناء نزولها إلى قاعة الرقص، وتأخذ في الرقص بين المدعوين الذين يلصقون الأوراق المالية على ثوبها بمشابك.

في بريطانيا يعتقد الناس أنه لا يجب أن يمر أي شخص، أو أي شئ، وخاصة القطة أو الكلب، بين العروسين، أثناء ذهابهما لإجراء عقد الزواج، وأنهما ينبغي ألا يتفرقا، أثناء مشيهما سوياً جنباً إلى جنب؛ ومن ثم يلتصق أحدهما بالآخر، ويخفضان بصرهما إلى الأرض بشكل دائم، ولا ينظر أحدهما في عيني الآخر.

وفي بعض البلاد الأخرى يسود الاعتقاد أن أرواحاً شريرة يمكن أن تهدد العروسين، ومن ثم يرتدي الرجال والنساء المصاحبون للعروسين ملابس، مثل ملابس العروسين، ظناً منهم بأن الأرواح الشريرة ترتبك وتتحير. أمَّا في الصين فيحمل أحد الرجال مرآة، ويمشي أمام العروس، لكي يبعد عنها نظرات العيون الشريرة.

وفي السويد ترتدي العروس ثوباً مزركشاً، ومزيناً بالأجراس اللامعة، لكي تبعد أعين الحُسّاد، بينما يحمل الزوج وخادمات العروس أعشاباً خاصة يظنون أنها تحمي الزوجين من الساحرات.

أمّا في ألمانيا فيتشاءمون إذا عطس القس وهو يعقد عقد الزواج، أو إذا دق جرس الساعة، ثم لا بد من أن تنثر أم العروس الملح على قدم العروس، أمّا في كثير من بلاد الشرق، مثل مصر، فتنثر أم العروس الملح على رأسي العروسين.

في بلغاريا يقود أقرب أصدقاء الزوج عنزة، لها قرنان طويلان مطليان بالذهب، أمام موكب الزفاف، ظناً منهم أن ذلك يكفل الثروة والغنى للعروسين في المستقبل. ويتشاءمون إذا اعترض موكب الزفاف خنزير أو قطة سوداء، أو مرت بهم جنازة، أو سُمع رنين جرس كنيسة معلناً وفاة امرأة ما.

في بريطانيا يربطون نعلاً قديماً بالعربة، التي سيركبها العروسان بعد الحفل، ويُستحب أن يكون نعل طفل صغير. وقد يقذف المشيعون العروسين بالأحذية والنعال، فإذا أصابت أحد الزوجين فردة حذاء فإن هذا يعد حظاً سعيداً. وأحياناً تلقى العروس فردة حذائها اليمنى، فإذا التقطها شخص؛ فإن معناه أنه سيتزوج في القريب العاجل.

من التقاليد التي كانت شائعة بين نساء " البندقية " في إيطاليا ـ أن المرأة إذا شاءت أن يبقى حبها لزوجها ما بقيت على قيد الحياة، عليها أن تكتب اسمه على قطعة من الورق في ليلة عرسها، ثم تضعها داخل " سندوتش " وتأكله، ومن ثم يصبح حبهما جارفاً مدى الحياة!

حتى تظل عروس " النيجر" مطيعة لزوجها، طيلة حياتها الزوجية، لا بد لعريسها أن يحمل ليلة الزفاف عصاً رفيعة يستعملها عقب انتهاء الحفل، وقبل أن يختليا معاً، وذلك بأن يظل يضرب عروسه ضرباً مبرحاً حتى تتعهد له بالطاعة والمحافظة على بيته.

من مراسيم الزواج عند بعض العائلات في جزيرة "قبرص"، أن تنجد "مراتب" سرير الزوجين، في حفل يشهده الأقارب والأصدقاء، ويضعون في داخلها بعض النقود. ولا يصح فتح هذه "المراتب" وأخذ النقود منها إلا بعد مضي عام من الزواج!. أما في ليلة الزفاف، فقد كان أطفال العائلة يقومون بتغطية العروسين بملاءة سرير، بين تصفيق المدعوين ودعائهم بأن يرزقا بصبي، حتى إذا فرغا، رُفعت الملاءة، ويبدأ أصدقاء الزوج في الرقص حول السرير على أنغام الموسيقى، ثم يوزعون الخبز على الزوج وعروسه إيذاناً ببدء العيش بينهما.

وفي اليابان قديماً كانت العروس ترتدي ملابس الحداد وقت العرس رمزاً إلى أنها قد تركت بيت أبيها إلى الأبد. ولون ثياب الحداد القديم عند اليابانيين هو الأبيض!. وفي اليابان كذلك كانوا يرفعون نقاب الزوجة بعد حفل الزواج ويحفظونه لتكفن به الزوجة عند موتها. وفي أثناء الحفل يشير المحتفلون برايات حمراء.

وفي بورما كانت تُطرح العروس أرضاً أثناء الاحتفال بزفافها، ويتولى رجل مسن ثقب أذنيها، فتتألم وتتوجع، وتطلق الصرخات المدوية، ولكن ليس من مجيب، لأن الفرقة الموسيقية تبدأ بالعزف بأصوات صاخبة تغطي على صرخات العروس.

في بلدة "كارليا" يقيم أهل هذه البلدة مراسم الزواج قبل الفجر. وفي الحفل يظل الرجل واقفاً، في حين تركع العروس بجانبه، وحولها المحتفلون يرتلون الأغاني الحزينة طيلة مدة الحفل.

وفي روسيا قديماً كان الأب يضرب ابنته العروس في رفق "بسوط" جديد، ثم يعطي هذا "السوط" إلى زوجها!.

وعند قبائل الهنود الحمر يقوم أهل العروس بتزيينها، فيدهنون جسدها كله بالألوان الصفراء والسوداء، ويدهنون رأسها بزيت السمك، ووجهها بالفحم، ثم يصحبونها بعد ذلك إلى بيت العريس. والمرأة في قبيلة "البايجا" الهندية تغطي جسمها كله بالوشم، وتترك شعرها مسترسلاً ولا تقصه أبداً.

عند قبيلة "تودا" بالهند تزحف العروس على يديها وركبتيها حتى تصل إلى عريسها، وينتهي هذا الطقس بأن يضع العريس قدمه على رأس العروس. وفي قبيلة أخرى يتضمن الاحتفال بالزواج شُربَ نوع معين من المشروبات في جمجمة جد من الجدود!.

ومن عادات بعض قبائل أفريقية الاستوائية أن تهدي الزوجة إلى زوجها، عند الزفاف، خنجراً مسنوناً لكي يقتلها به إذا هي خانته.

وفي بورما تتزوج المرأة من قبائل "الطاوري"، وتُطلق في اليوم نفسه، فإن ظلت مقيمة على حب زوجها، بعد خمس سنوات، ألغي الطلاق وعادت إليه.

وفي جزيرة "مونباسا" بالصومال قانون ينص على أن كل فتاة يجب أن يطلب يدها اثنان، بحيث يتقابلان في مصارعة حامية، ويفوز المنتصر بيد الفتاة.

وفي جزر "كوك" تسير العروس إلى الكنيسة على بساط من الآدميين من شباب القرية؛ إذ حسب التقاليد، في تلك الجزر، يستلقي شباب القرية على الأرض على بطونهم، وتأتي العروس وتسير على ظهورهم إلى المكان الذي تُقام فيه الاحتفالات. وفي الأقاليم الريفية من جزيرة "جرينلاند" يذهب العريس إلى بيت عروسه ويجرها من شعر رأسها إلى أن يوصلها إلى الكنيسة.

وفي "ألبانيا" يتم الزواج، ولا يُعلن أو يحتفل به، إلا عندما تلد الزوجة ذكراً، لأن هدف القبائل هناك أن تكثر من النسل وتنجب أبناء تفاخر وتعتز بهم!

كان البعض في اليابان يحتفل احتفالاً دينياً بالزواج؛ فيذهب العروسان إلى المعبد، بحيث يجلسان أحدهما أمام الآخر، وتوضع في المعبد ثلاث قطع من الصنوبر والقصب الهندي والبرقوق: فالأول رمز العمر الطويل، والثاني يرمز إلى المرونة، أما الثالث فيرمز إلى النقاء والطهارة. ويشرب العروسان ثلاث جرعات من منقوع الأرز، رمزاً للحصول على بركة الآباء.

ومن عادات الزواج في الهند قديماً أن تُزَفَّ العروس بعد أن تُزَيَّن وتتجمل بالحلي التي تغطي جسمها كله. وتسير في موكب ضخم يحيط به الموسيقيون والراقصات وحملة المشاعل والمغنون. وتنفق الأسرة في سبيل ذلك النفقات الباهظة التي تتسبب في رهن أملاكهم، أو بيعها لزواج الأبناء.

في الصين كانوا يتفاءلون باللون الأحمر، ويعدونه شيئاً يجلب الحظ السعيد للعروسين. ومن ثم ترتدي العروس ملابس حمراء (رداء، وسروالاً، وحجاباً)، ويكتبون عقد الزواج على ورق أحمر. بينما في المناطق الريفية في اليونان يرتدي العروسان الملابس الخضراء.

عند النورمانديين تضع العروس على رأسها وردة بيضاء. وبعد انتهاء الحفل تضعها أعلى فراش الزوجية طوال الليل.

في المجر تحيط العروس رأسها بعدد كبير من الأشرطة تكاد تخفي رأسها، وتلبس نحو عشرين إزارا "تنورة" تحت ثياب الزفاف المليئة بالأشرطة.

أبسط طقوس الزواج وأقلها تعقيداً تلك الطقوس التي تمارسها قبيلة "نيجريتو" في جنوب المحيط الهادي؛ ففي تلك الجزيرة يذهب الخطيبان إلى عمدة القرية فيمسك برأسيهما، ويدق إحداهما بالأخرى، وبهذا يتم الزواج!.

وعند الاحتفال بعقد الزواج لدى قبائل "الزولو" من الزنوج في أفريقية يقسم العريس، أمام عروسه على مشهد من الحاضرين، قائلاً: "لينزف كل عرق من عروقي، ولتفترسني التماسيح، ولتمزقني الصاعقة إلى شطرين، ولتحل عليَّ كل المصائب والنوائب، إن خُنت زوجتي يوماً، ولم أكن وفياً لها!".

لدى معظم البوذيين يقف العروسان، في ليلة الزفاف، يفصل بينهما ستار. وينشد الكاهن ترانيم العُرس، بينما ينثر الحاضرون الأرز على العروسين. ثم يُزاح الستار، ويقدم والد العروس ابنته إلى زوجها، ويتم تبادل الهدايا. ثم تُلف خيوط من القطن حول العروسين دلالة على اتحادهما معاً، بينما يفرغ أحدهما على رأس الآخر كميات من الأرز. ثم يضع الزوج عقداً حول عنق زوجته، ثم يوضع الأرز والسمن على النار ويدور العروسان حول تلك النار، متشابكة أيديهما، يتعاهدان على الحب والوفاء.

في اسكتلندا ويوركشاير. يدخل أصدقاء الزوج وصديقات العروس إلى غرفة العروسين، ويخلع الأصدقاء ملابس الزوج، بينما تخلع الصديقات ثوب العروس، ويقال أن الفتاة التي تفك الزر الأول من الثوب ستكون أول من تتزوج قريباً. ثم تجلس الصديقات على أحد جانبي السرير، ويجلس الأصدقاء على الجانب الآخر، وظهورهم جميعاً إلى العروسين، وهما يبدءان حياتهما الزوجية. تأخذ الفتيات جوارب العروس، ويأخذ الشباب جوارب الزوج، ثم يقذفونها سوية من فوق أكتافهم إلى العروسين. فإذا لامس أحد جوارب العروس جسم الزوج، أو العكس، فإن الرامي سوف يتزوج في القريب العاجل.

4. حيلة بوليسية

في عام 1990، وفي فلينت بولاية ميتشيجان الأمريكية. حضر 15 شخصاً من كبار مهربي المخدرات حفل زفاف. أثناء الحفل فوجئ الجميع بالعروس "ديبرا ويليامز"، ترفع تنورتها وتخرج من جوربها مسدساً تصوبه نحو المهربين، الذين نظروا فوجدوا أن كثيراً من ضيوف الحفل يحيطون بهم، وقد شهروا مسدساتهم. كانت العروس ضابطاً في المباحث العامة، وكذلك كان الضيوف الذين شهروا مسدساتهم.

5. زفاف تحت الرصاص

تم زفاف سالم أبو سمرا إلى عروسه "ريتا زغيبة" في زلكا شمال بيروت في إبريل 1990. واضطر العروسان إلى تغطية رأسيهما وثياب الزفاف بأغصان الشجر من أجل التمويه؛ فقد كان الرصاص والقذائف ينهال مثل المطر؛ بسبب اشتباكات مسلحة عنيفة بين الميلشيات المسيحية المتنافسة.

ثالثاً: أنواع الزواج

شاعت بين عرب الجاهلية أنواع من الأنكحة غريبة أبطلها الإسلام، ومن ذلك:

1. نكاح الرهط أو المخادنة

المخادنة لغة المصاحبة، والخدن هو الصديق والصاحب. وفي الجاهلية كانت تطلق على معاشرة رهط من الرجال لامرأة واحدة ، وقد أوضحت السيدة عائشة، زوج النبي r هذا النوع في حديث طويل لها بقولها: ]يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلانُ تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4732).

ويدعونها (المقسَّمة). وقيل إن هذا إنما يكون إذا كان المولود ذكراً، أما إذا كان أنثى فلا تفعل ذلك؛ لما عرف من كراهيتهم للبنات، وخوفاً عليها من الوأد.

وقد ذهب (سترابون) إلى أن هذا النوع من النكاح كان يجري عند العرب في الجاهلية بين الإخوة، يشتركون في المال، وفي المرأة، فلهم زوجة واحدة، فإذا أراد أحدهم الاتصال بها وضع عصاه على باب الخيمة، لتكون علامة على أن أحدهم في داخلها، وأمّا في الليل فتكون من نصيب الأخ الأكبر.

وعادة زواج الإخوة من امرأة واحدة كانت مألوفة عند جماعات قبلية كثيرة، نقل أخبارها الرحالون، ومن هذه الجماعات قبائل التركستان وسيبريا وجبال همالايا وجنوب الهند وسيلان (سيرلانكا) وكوشنشين (فيتنام) وبورما والفيليبين والتيبت، كذلك كانت مألوفة عند كثير من قبائل أفريقية وأستراليا وغابات البرازيل. وفي بلاد اليونان كان الأزواج يقبلون أن يشترك معهم في زوجاتهم غيرهم وخاصة إخوتهم. وعند جماعات أخرى ينسب الأولاد إلى جميع الأزواج؛ فكل منهم أب له، وهو ابن لكل واحد منهم.

ويبدو أن المخادنة كانت نكاحاً متعدد الأزواج، وكانت تجري عند القبائل التي تقتل البنات لقلّة مواردها؛ فيقلّ بذلك عدد الإناث ويكثر عدد الذكور؛ فتكون المرأة زوجاً لعدد منهم؛ فالعامل في نشوء هذا النكاح هو عامل اقتصادي، يدلّ على ذلك أن أحد الأزواج إذا أيسر اشترى زوجة، واستقلّ بها من دون الآخرين. وكان تعدد الأزواج يقتضي أن يكون أحد الأزواج جاهزاً دائماً ليعتني بأمور البيت وشؤونه.

وكان نظام تعدد الأزواج هذا شائعاً في جنوب الهند، وهو لا يزال إلى الوقت الحاضر، لدى كثير من القبائل الجبلية على حدود الهند الشمالية. وقد تعودت عشائر الريدي الهندية على أن تتزوج المرأة، وهي بين سن السادسة عشرة والعشرين، بطفل في سن الخامسة. ويعد هذا الطفل هو زوجها الشرعي النظري، ولكن يجب أن يكون لها زوج آخر عملي، وهو عم الطفل أو ابن عمه، أو أبوه نفسه أحياناً.

وجميع من تأتي المرأة به من الأولاد يلحق نسبهم بزوجها الشرعي وحده، حتى إذا بلغ هذا الغلام أشده تكون المرأة قد وهن العظم منها وأدركتها الشيخوخة، فيتصل بإحدى زوجات أولاده أو أقاربه الصغار، ويصبح زوجها العملي إلى جانب زوجها الشرعي، ويقوم بالدور نفسه الذي قام به غيره مع زوجته وهو صغير، وهكذا دواليك.

وفي عشائر "النير" في الهند، يكون للمرأة عادة خمسة أزواج أو ستة، وقد يصل هذا العدد أحياناً إلى عشرة أو اثني عشر، بل قد يباح لها أحياناً أن تقترن بأي عدد تشاء من الرجال، ولكن يشترط في الأزواج أن يكونوا أقرباء بعضهم لبعض ينتمون إلى عشيرة واحدة. وقد جرت العادة أن تبيت مع كل واحد منهم نحو عشر ليال، وأن يتناوبوا معها أدوارهم بالترتيب.

2. الزواج بالسبايا

كان الزواج بالسبايا شائعاً عند عرب الجاهلية، وأخبار الشعر الجاهلي حافلة بأخبار السبي في الغزوات. وكان يطلق على السبية اسم "النزيعة" أي المرأة التي انتزعت من أهلها كما يطلقون على ولدها اسم النزيع. وكانت مكة، منذ عهد قديم، مركزاً لبيع السبي من مختلف البقاع. وكان الأسرى في الجاهلية يعدون ملكاً لليمين. وجرت العادة في كثير من الأحيان أن يتزوج الآسر من سبيته ولم يكن في ذلك أي معنى من معاني الإذلال والاستعباد بل كان ضرباً من الفروسية، ولأن العرب كانوا يعتقدون أن أبناء السبايا من خيرة الأبناء وذلك واضح من قول حاتم الطائي:

وما أنـكحونا طائـعيـن بناتهم                      ولـكن خطبنـاهـا بأسيافنا قســراً

فمـا زادهـا فينـا السباء مذلة                       ولا كلفت خبـزاً ولا طبـخت قــدراً

ولكن خلطناها بـخير نسـائنـا                      فجـاءت بـهم بيضاً وجوههم زهـراً

وكـائن ترى فينا من ابن سبية                       إذا لقـي الأبطـال يطعنـهم شـزراً

ويـأخذ رايـات الطعـان بكفه                      فيـوردها بيـضاً ويصـدرها حمراً

وكان سبي النساء مذلة وعاراً على الرجال؛ لذلك كانوا يستبسلون في القتال حتى لا يُغلبوا وتُسبي نساؤهم. وفي الجاهلية كان الرجل القوي إذا أعجبته امرأة خطفها وتزوجها. والمرأة المسبية، مهما لقيت من كرم خاطفها ومحبته، فإن شعورها بالهوان يلازمها، وتحتال بقدر استطاعتها للعودة إلى أهلها.

3. الاستبضاع

نكاح الاستبضاع أن يَدْعُوَ الزوج زوجته للاتصال جنسياً برجل عظيم؛ لتأتي له بأولاد نجباء ينسبون إلى الزوج، من الناحية المدنية، ويحملون اسمه، ويعدون من أولاده، ولكن تتوافر فيهم بالوراثة صفات الرجل العظيم الذي جاءوا من مائه، والذي كان مجرد أداة استخدمت في إنجابهم.

وكان أهل كابل إذا رأوا فحلاً جسيماً من العرب، خلوا بينه وبين نسائهم، رجاء أن يولد فيهم مثله. وكان نساء الأتراك يخرجن عند قدوم القوافل، ويتعرضن للرجال، فمن أعجبها رجل اصطحبته إلى منزلها، وأنزلته عندها وأحسنت إليه، وتصرَّف زوجها وأخوها وولدها في حوائجه، ولا يقربها زوجها مادامت تريد الرجل الذي أعجبها.

وكان الاستبضاع شائعاً في اسبرطة القديمة، وكانت السلطة تشجع الناس عليه، فكان ليكورجورس، مشرَّع اسبرطة وواضع دستورها، يسخر من غيرة الرجال، واحتكارهم لزوجاتهم، ويقول: "إن أسخف الأشياء أن يُعني الناس بكلابهم وخيلهم، فيبذلون جهدهم ومالهم ليحصلوا منها على سلالات جيدة، ثم نراهم يعزلون زوجاتهم ويمنعونهن من باقي الرجال، وينفرد الواحد منهم بالإنجاب من زوجته، وقد يكون أولاده ضعفاء أو متخلفين أو مرضى". ومن ثم كان كبار السن يستدعون الشباب الأقوياء، ويطلبون منهم معاشرة زوجاتهم.

كذلك كان يفعل سكان أمريكا الشمالية الأصليين مع الغرباء. ويوجد اليوم التلقيح الصناعي، وتلجأ إليه المرأة إذا كان زوجها عقيماً، فيتم حقنها بماء رجل تختار أوصافه، وذلك بموافقة زوجها. فإذا حملت نُسب الولد إليه.

4. نكاح المضامدة

كان في الجاهلية يطلق على معاشرة المرأة لغير زوجها، وكانت تلجأ إليه نساء الفقراء، في زمن القحط، فتذهب إلى رجل غني وتقيم عنده، حتى إذا اكتفت من المال والطعام، عادت إلى زوجها.

يقول الشاعر:

لا يُخِلصُ الدهـرَ، خليـلٌ عشـرا                   ذات الضمـاَّد أو يـزور القبـرا

إني رأيـت الضّمـد شـيئاً نـكرا

فهذا الشاعر يستنكر الضّمد ويفسره بأن الجوع هو الدافع إليه، ويقول بأن الرجل في سنة القحط لا يدوم على امرأته ولا تدوم المرأة على زوجها إلا قدر عشر ليال، ثم يضطره الجوع إلى دفعها للمضامدة؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك فسيموت جوعاً.

وكان الرجل إذا ضامد امرأة، يأبى أن تضامد معه غيره، فقد روي أن أبا ذؤيب الهذلي كان يضامد امرأة في الجاهلية، وقد أرادت أن تشرك معه رجلاً يدعى خالدا، فأبى عليها ذلك وقال:

تريدين كيما تضمديني وخالـدا                       وهل يُجمع السيفان ويحك في غمـد؟

ويقول آخر:

أردتِ لكيما تَضْمديني وصاحبي                      ألا، لا، أَحِبـّي صـاحبي ودعينـي

وقد عرفت المضامدة عند اليونان القدامي؛ ففي أثينا كانت البغايا على درجات، فالدرجة العليا منهنّ تدعى (هيتائير Hitaire) وكانت تضمّ نساء على قدر كبير من الجمال، ممن تميّزن بالذكاء وحصلن على قدر من العلم والثقافة. وكان لكل منهنّ عشيق من كبار الحكام ومشاهير الفلاسفة تضامده، وقد بلغ بعضهنّ منزلة عالية في مجالس الرجال الاجتماعية في أثينا. وفي روما اتخذ كبار الحكام والأثرياء، في العصر الإمبراطوري، عشيقات لهم وزهدوا في زوجاتهم، وكان لبعضهنّ سلطان في سياسة الدولة والحكم.

5. نكاح الضَّيزن (وراثة الزوجة)

كان الرجل إذا مات، وترك زوجة وأبناء من غيرها، ورث نكاحها أكبر أبنائه، في جملة ما يرث من مال أبيه، وكان هذا الابن يسمى الضَّيزن. فإذا أعرض عنها، انتقل حقه إلى الذي يليه، فتصبح زوجة لمن وقعت في نصيبه من أبناء زوجها من غير مهر ولا عقد. فإذا لم يكن للميت ابن، انتقل الحق إلى أقرب أقرباء الميت. وكان من حق الضيزن أن يمنع زوجة أبيه من النكاح إلا إذا أرضته بمال.

وإذا تزوج ابن الميت من امرأة أبيه، وأنجب منها، صار أولاده منها اخوة له. وكان هذا النوع من النكاح شائعاً في بلاد الفرس، فانتقل إلى العرب، وكان كثير من العرب يمقت هذا النوع من الزواج، ويسمون المولود منه (مقيتاً). وقد عيَّر أوس بن حجر الكندي ثلاثة اخوة من بني قيس تناوبوا على امرأة أبيهم، وكانت فارسية، فقال:

والفـارسية فيـهم غيـر منكـرة                   فـكلهم لأبيهـم ضيـزن سلـف.

6. نكاح البدل (أو تبادل الزوجات)

كان الرجل في الجاهلية يقول للرجل: انزل لي عن امرأتك أنزل لك عن امرأتي، ويسمى عندهم نكاح البدل. هذه العادة لا تزال موجودة لدى بعض القبائل الأفريقية وسكان جزر هاواي، وفي بعض جبال الهيملايا وغيرها.

وكان البدل لدى كثير من القبائل البدائية يعد فعلاً كريماً، بل كان من بالغ الكرم أن يقدم الزوج زوجته لضيوفه احتفاءً بهم. وفي بعض قبائل أفريقية الوسطى والشرقية يجري تبادل الزوجات بين الزائرين، وفي جزيرة مدغشقر قد ينقلب التبادل إلى زواج دائم، إذا رأى الزوجان أنهما أسعد حالاً في حياتهما الجديدة. وفي غربي موزمبيق بأفريقيا الشرقية، إذا اعترفت الزوجة بمعاشرتها لرجل، فعلى هذا الرجل أن يقدم زوجته لزوج تلك المرأة لتمضي عنده مثل المدة التي أمضتها زوجته.

وكانت بعض الفرق الضالة، في العصر العباسي، تقول بحل الأموال والنساء، فقد كان لطائفة الخرَّمية (التي ثارت على الدولة العباسية وتمكن الخليفة المعتصم من إخماد ثورتهم، وقتل زعيمهم)، ليلة يجتمعون فيها على شرب الخمر والطرب، وتختلط الرجال والنساء. وكذلك كان يفعل القرامطة، ويعدون تبادل الزوجات دليلاً على صحة الود وعظيم الألفة بينهم، وعندهم لا يجوز للرجل أن يحجب امرأته عن إخوانه في الطائفة.

وقد صار هذا التبادل في ليال بعينها، وفي الاحتفالات والأعياد، أمراً شائعاً في أوروبا وأمريكا، وأقيمت له نواد مخصوصة يقصدها المتزوجون.

7. البغاء

يطلق البغاء على زنا المرأة، إذا كان لقاء أجر، أي بدافع الكسب إذا دعت الحاجة إليه، أمّا إذا كان بغير أجر ولم تدع الحاجة إليه، فهو الزنا. وفي كليهما يعاشر الرجل امرأة غير زوجته. وقد كانت المضامدة والمخادنة في الجاهلية ضرباً من البغاء، لأنها كانت لقاء عوض دعت الحاجة إليه، غير أنها تفترق عنه في أنها قاصرة على رجال محصورين. أمّا البغاء ففيه تستجيب البغيّ لكل طالب يدفع لها أجراً. وكان تعاطي البغاء في الجاهلية مقصوراً على الإماء المجلوبات من بلاد أخرى أو المولّدات. وكانت تقام لهنّ في المدن بيوتات تدعى (المواخير). وفي الأسواق الموسمية، كسوق عكاظ وذي المجاز ودومة الجندل كان لهنّ بيوت من شعر. كان العرب يحتقرون البغايا، ويحتقرون من يتردد عليهن من سفلة الناس، الذين كانوا لا يترددون على بيوت البغايا إلا عندما يرخي الليل سدوله، وكانوا يجرَّون خلفهم أطراف مآزرهم، لتطمس آثار أقدامهم من فوق الرمال. ومن ثم كان من صفات المدح عند العرب قولهم: "فلان لا يرخي لمظلمة أزراره".

وكان تجار الرقيق يدفعون إماءهم دفعاً لتعاطي البغاء ويفرضون على كل منهن ضريبة تؤديها إليهم من كسبها وسعيها، وكان البغاء يسمى المساعاة. وتسمى البغيّ (المساعية) وكانت ترفع على بيوت البغايا رايات حمر تدل عليها، فكن يدعون بأصحاب الرايات، وإذا ما حملت إحداهنّ ووضعت، دعوا لها القافة[4] فيلحقون ولدها بمن يشبه من دخل عليها، ويدعى ابنه، ولا يمتنع من ذلك.

وقد عرفت الشعوب القديمة نوعاً من البغاء يعرف بالبغاء الديني أو المقدس؛ فكانت النساء تمارسه إرضاء للآلهة وتقرباً لها، وكان على نوعين:

أ. النوع الأول

كانت تمارسه المرأة مع رجل غريب عنها، وغالباً ما تكون عذراء، وكان يجري إرضاء لآلهة إناث ولمرة واحدة في حياتها. فقد روى "هيرودوت" أن المرأة في بابل كان ينبغي عليها أن تجلس مرة واحدة في حياتها، في فناء هيكل الإلهة (عشتار Ishtar) وأن تضاجع غريباً عنها. وكان النسوة يجلسن في ممرات مستقيمة في الفناء ويمرّ الغرباء ليختاروا من النساء من يرتضون، فإذا جلست المرأة هذه الجلسة، كان عليها ألاَّ تعود إلى منزلها حتى يُلقي أحد الغرباء قطعة من الفضّة في حجرها، وعليها أن تأخذها مهما قلّت لأنها مقدسة، ويضاجعها الغريب خارج المعبد، وعلى من يُلقي القطعة أن يقول للمرأة: "أضرع إلى الإلهة ميليتا أن ترعاك، فتنالين بما فعلت رضا الإلهة وبركتها"، وتعود بعد ذلك إلى منزلها، ولا يمكن لأحد بعد ذلك أن يغريها أو أن ينال منها مأرباً مهما بذل لها من المال، وإن فعلت فتكون زانية تستحق العقاب. ويرى "هيرودوت" ومؤرخون ورحاّلة آخرون أن هذه العادة سرت إلى آسيا الصغرى وبلاد اليونان، وكانت مخصوصة بالعذارى يمارسنها مع رجل غريب، قبل زواجهّن لينلن بركة آلهات الخصب والحب والجمال. ففي قبرص كانت العذارى يذهبن إلى ساحل البحر في أيام معيّنة من السنة، وتضاجع الفتاة من يطلبها من الغرباء لقاء أجر تقدمه إلى الإلهة (فينوس Venus). ومثل ذلك كان يحدث في كثير من بلاد اليونان وأرمينيا وتركيا.

ب. النوع الثاني

كانت تمارسه النساء لمدة طويلة مع كهّان المعبد وزوَّاره، وكان يجري إرضاء لآلهة ذكور. ففي مصر القديمة كانت العادة، حتى الفتح الروماني (سنة 30 ق. م)، أن تُختَار أجمل بنات الأسر الشريفة في مدينة (طيبة) العاصمة وتنذر نفسها للإله (آمون)، وكانت تضاجع من تختاره من الرجال إرضاء للإله، فإذا أسنّت وأضحت عاجزة عن إرضائه، أخرِجَت من خدمته بمظاهر التشريف والتعظيم وتزوجت في أرقى الأوساط.

وفي الهند كانت تقوم على خدمة المعبد فتيات يرقصن أمام الآلهة وينشدن الأناشيد الدينية لإثارة الحماس الديني في المتعبدين، ويُدعَون راقصات المعبد، فإذا فرغن من الرقص والنشيد، فُتِحَت لهن حجرات حول المعبد، فيها يُضاجعهنَّ الكهّان والزائرون إرضاء للآلهة، ويتحوّل المعبد إلى ماخور.

وفي بابل كان قانون حمورابي يميّز بين النساء اللاّئي يزرن المعبد ويمارسن الجنس فيه لأول مرة، وبين نساء يلازمنه ويقمن على خدمة كهنته وزوّاره، ومنها مضاجعتهّن.

وبجانب هذا الصنف من البغايا كان يوجد صنف آخر يعرفن باسم "البغايا الراقيات"، اللاتي يتميزن بجمالهن الباهر، وذكائهن الوقاد، وكُنَّ موضع تقدير كثير من الناس، بل كان عظماء الرجال أنفسهم يحرصون على الاتصال بهن، حيث يعتبرن من الطبقات الراقية في المجتمع.

ومن أظهر أمثلة البغاء المقدس عند الشعوب البدائية ما ذكره علماء الأنثروبولوجيا عن بعض زنوج أفريقية، الذين ينظرون إلى البغاء على أنه عمل من أعمال البر الديني، حتى إن الموسرات من النساء ليشترين إماء يخصصن للبغاء، ويتخذن من ذلك وسيلة للتقرب إلى الله، " كما تفعل الموسرات من نساء إنجلترا، إذ يوصين قبل وفاتهن بجزء من ثرواتهن لعمل خيري عام ".

وفي ساحل العبيد بأفريقية يوجد، في كل مدينة من مدنهم، مؤسسة تقدم إليها الفتيات الجميلات من سن العاشرة إلى الثانية عشرة. ويقضي هؤلاء الفتيات بهذه المؤسسات ثلاث سنين يتعلمن في أثنائها الرقص الديني، وترتيل الأوراد المقدسة في صوت غنائي شجي. فإذا انتهت مدة تعلمهن تخَصَّصْنَ للبغاء المقدس، ويصبحن من الناحية النظرية وقفاً على رجال الدين، وإنْ كُنَّ في الواقع لا يمتنعن عمن يريدهن من غيرهم. وينظر الناس إليهن في هذه البلاد على أنهن زوجات للآلهة. ويعتقدون أن ما يأتينه من أعمال ليس إلاَّ نوعاً من أنواع العبادة، التي يتقرب بها إلى الله زلفى، ويستدر بها عطف السماء، ولذلك كان ينظر إلى من يأتين به من أولاد على أنهم أولاد الله.

وفي ساحل الذهب يحرم على الراهبات الزواج، ولكن كن يزاولن نوعاً من البغاء المقدس، يشبعن عن طريقه رغباتهن مع من يشأن من الرجال، فإذا راق في أعين إحداهن رجل ما دعته إلى منزلها، وأنهت إليه أن الإله، الذي وقفت حياتها على عبادته، قد أوحى إليها أن تتخذه عشيقاً لها، فيغتبط الرجل الذي وقع عليه هذا الاختيار، ويظل حبيساً لديها يحقق لها رغباتها حتى تمله، فتستبدل به رجلاً آخر تعيد معه القصة نفسها، وهكذا دواليك!

وقد تجمع الواحدة منهن أكثر من رجل واحد في منزلها، بحيث قد يصل عدد عشاقها إلى ستة رجال، أو نحو ذلك. وتسير الواحدة منهن في الحفلات المقدسة يحيط بها عشاقها، كما تحيط الحاشية بملكة أو أميرة.

وكان كثير من اليابانيين يخصصون بناتهم للبغاء، للانتفاع بأجورهن، فيلحقونهن بمنزل من منازل الفسوق حيث يقضين حياتهن كلها، أو فترة منها. وما كان يجوز للبنت أن تعصى أباها، ولا أن تعترض على أمره. يضاف إلى هؤلاء طائفة أخرى كبيرة العدد ممن يسلكن هذا الطريق بمحض اختيارهن، ومن ثم انتشر البغاء في اليابان انتشاراً مروعاً، حتى إن الحكومة الحاضرة لتجد صعوبة في القضاء عليه، أو تخفيف مضاره.

وقد جرت عادة بعض الأزواج في الصين أن يقدموا زوجاتهم للبغاء للانتفاع بأجورهن. ولذلك ورد في تشريعهم، المعروف بالأوامر، أنه إذا أكره رجل امرأته على البغاء ليبتغي من وراء ذلك عرض الحياة الدنيا، وانتحرت المرأة حتى لا تقترف هذا المنكر، وجب أن يُقام لها، على مقربة من منزل أبيها، نُصُب تذكاري على هيئة "قوس النصر".

كثير من الدول المتحضرة في العصور الحديثة، في أوروبا وأمريكا وغيرهما، تقر البغاء الرسمي، وتسن له اللوائح والقوانين، وتنتفع حكوماتها بما تدفعه تلك البغايا من رسوم وضرائب. ولا يزال هذا النظام معمولاً به في كثير من هذه الدول في وقتنا الحاضر.

 



[1] السوكران: Cigue نبات يجري فيه نسغ شديد السم.

[2] الآسينيون: طائفة يشتق اسمها من أصل آرامي قيل من فعل (آسي) وهم الموأسون الذين يساوون بين الناس، وقيل من (الأسى) وهم الأساة، بمعنى الزاهدون وكانوا لا يأكلون اللحم ويأبون الذبح وينصحون بالاستعفاف إلا من اضطر غير باغ. وكانوا يعيشون في مستعمرات خارج المدن. وعندهم أن الملكية يجب أن تكون شائعة، ويحظرون اكتناز المال، وإذا تهيئوا للطعام اغتسلوا وصلوا. يقولون إن العبادة غاية، وينكرون المعاد الجسماني ولكنهم يؤمنون بالثواب والعقاب وبخلود الروح.

[3] رواق : كساء مرسل على مقدّم البيت من الأعلى إلى الأرض.

[4] القافة: أي خبراء الأثر