إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الرّق، وموقف الإسلام منه









مقدمة

أولاً: تاريخ مؤسسة الرق وتطورها

تذكر بعض المصادر أن الرِّق مؤسسة اجتماعية، ونمط منظم من سلوك الجماعة، وجزء أساسي من حضارة الشعوب وثقافتها، مارسته منذ عصور ما قبل التاريخ فئات اجتماعية متفاوتة ثقافياً، من بدائيين إلى متحضرين جداً.

وتذكر مصادر أخرى: "أن الرِّق، وهو أبشع صور الإنسانية، لم يكن من صنع الإنسان البدائي، وإنما كان من صنع الإنسان المتحضر. فالجماعات البدائية، التي كانت تعيش في العصر الحجري وتتغذى من الصيد والقنص وجني الثمار الطبيعية، لم تعرف الرّقّ".

ويبدو أن المحاربين الهمجيين في عصر الصيد، لم يستعبدوا أعداءهم المقهورين، بل كانوا يقتلون الرجال منهم، أما النساء فكانوا يحملونهن معهم، ويتخذونهن زوجات أو خادمات.

أمّا في العهد الرعوي فكان الرقيق يُصْطَادون لِيُباعوا، وقد يُستبقى بعض منهم، إمّا للرعي، أو لحرث الأرض واستصلاحها.

ولمّا بدأت حياة الاستقرار تنتشر، ومُورس النشاط الزراعي على مستوى أعلى، وبقيت بعض عادات الحروب مستمرة، ازدادت حاجة السادة إلي خدمة الرقيق وكدحهم.

"وحين أخذ الإنسان في زراعة الأرض واستقرّ فيها، أصبح له وطن ثابت، فأنشأ المدينة واختار لها مكاناً على شواطئ الأنهار ليفيد منها في ريّ الأرض واستخراج حبِّها. وبنشوء المدينة ظهرت الملكية الفردية، متمثلّة بملكية الأسرة، وأضحى العمل ضرورياً لتنمية الملكية… فلمّا تطورت حياة المدينة بعد اتساعها ونموها، لم تعُد الأسرة تنتج لنفسها فحسب… فزادت الحاجة إلى العمل وإلي تنظيمه، ووجدت دولة المدينة في الأسرى، الذين كانوا يقعون في قبضتها في أعقاب الحروب، التي كانت تنشب بين المدن، أداة طيعـَّة للعمل، فكانت ـ غالباً ـ ما تكتفي بقتل الرؤساء والقوّاد وتسترق الآخرين، فمنهم من تستبقيه لمرافق المدينة فيكون رقيقاً مملوكاً للدولة… ومنهم من تبيعه، فيشتريه أرباب الأسر للإفادة من قوته البدنية، أو من مزاياه الفكرية. وهكذا أضحى الرق في المدينة نظاماً قانونياً، وأداة لتنمية رأس المال".

1. الرق في العصور القديمة

تدل سجلات من الحضارة السومرية، (التي تعود إلي النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد)، على وجود مؤسسة متطورة للرق في ذاك الزمان في أرض الجزيرة. ويشتمل قانون حمورابي، ملك بابل من حوالي عام 1955 إلي عام 1913 قبل الميلاد، على فقرات تنظم معاملة الرقيق. ثم تلى العبرانيون البابليين في ممارسة الرق. وفي مصر الفرعونية، كانت مؤسسة الرق موجودة من زمن سلالات الحكم المتقدمة فيها، ولو أن الظروف في وادي النيل لم تكن مساعدة على نموّ هذه المؤسسة وتطورها. ذلك أن فلاحي مصر كادحون مجدّون، مطيعون، وأجورهم رخيصة ولم يكن هناك نقص في العمالة الزراعية، يدعو إلي نّمو"الرق الزراعي". نعم، كان في قصور الفراعنة وبيوت الأثرياء بعض الرقيق، ولكن لم يؤسس الاقتصاد المصري على مؤسسة الرق. وفي العهد البطليموسي لم يخدم في البيوت إلاّ عدد قليل من الرقيق في الإسكندرية.

أمّا الإغريق، خاصة في العصور الهومرية، فكان عدد الرقيق قليلاً عندهم، وكان في أيدي بعض البيوتات الثرية. ذلك أن العمل المنزلي في اقتصاد المجتمع الأبوي، وهو النظام الاجتماعي الذي يكون الأب فيه هو رئيس الأسرة أو العشيرة، يؤديه أفراد الأسرة أو بعض الخدم الأحرار. أما العمل في الحقل فيقوم به العمال الأُجراء. وأدّى نمو الصناعة وتطورها، في القرن الخامس قبل الميلاد، في بعض مدن آسيا الصغرى، إلي ظهور فئة من التجار الأثرياء، الذين وجدوا استثماراً مربحاً في الاتجار بالرقيق، خاصة في دولة جزيرة خيوس Khios، الواقعة في بحر إيجه، التي أضحت، في ذلك الوقت، سوقاً مهمة لتجارة الرقيق. غير أن القرون التالية شهدت نمواً متزايداً في عدد الرقيق، فقد قُدَّر عدد الرقيق في عام 430 قبل الميلاد، في منطقة أتيكا، بمائة وخمسة عشر ألف رقيق، وكان مجموع عدد سكانها ثلاثمائة وخمسة عشر ألف نسمة.

أمّا الرومان  فكانت مؤسسة الرقّ عندهم متأصلة، ومنتعشة. وفي القرنين الأول والثاني قبل الميلاد، كانت جزيرة ديلوس، الواقعة شرقي البحر الأبيض المتوسط، من أهم أسواق الرقيق حيث كان السماسرة الرومان يشترون الرقيق السوريين، واليهود، والإغريق، والمصريين، ليباعوا في روما. وكان من بين هؤلاء الرقيق من كان ذا مكانة علمية، أو مهارة عالية، وكانوا يخصصون للخدمة في بيوت الأثرياء.

2. الرق في القرون الوسطي

انتشرت الديانة المسيحية انتشاراً سريعاً، بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس بعد الميلاد. وقد حسّن، نوعاً ما، هذا الانتشار من أحوال الرقيق. غير أنّ الكنيسة نفسها لم تقم بأي جهد يُذكر، في هذه القرون، لإلغاء مؤسسة الرق. وفي عام 1501ميلادية، وبعد سقوط كابوا Capua، كانت تباع الجواري في روما. وقبل ذلك بقرن وربع القرن، كان البابا جريجوري الحادي عشر قد فصل من الكنيسة الفلورنسيين الإيطاليين، وأمر باستعبادهم أينما وُجدوا.

وفي عام 1488م، أرسل فيردناند الكاثوليكي، إلى البابا إنوسنت الثامن Innocent VIII مائة جارية (من مسلمي الأندلس بعد سقوطها)، فوزّعهن كبير الأساقفة على أساقفة الكنيسة. ولم تكن في أوروبا العصور الوسطى معارضة أخلاقية لمؤسسة الرقّ، غير أن الرق في أوروبا نقص، وخاصة من القرن العاشر إلى، القرن الثالث عشر. وظهرت مكانه "السّخرة" Serfdom، التي بدت أنفع للاقتصاد الزراعي في ذلك العصر.

3. الرق في العصور الحديثة (أُنظر ملحق تقرير عن مجلة إكسبرس البريطانية THE EXPRESS مليون امرأة وطفل ضحايا تجارة الرق كل عام)

شهد اكتشاف أمريكا، بعد افتتاح الطرق البحرية إلي الهند بقليل، تقديم نوع جديد من الرق الأوروبي إلي العالم الغربي، حيث استبعد الرواد الأسبان والبرتغاليون سكان البلاد الأصليين واستخدموهم في مناجم الذهب والفضة ومقالع حجر الآجر، كما جعلوا منهم أيدي عاملة في الحقول. غير أن نسبة الوفيات العالية فيهم، أدت إلى استقدام الزنوج من سواحل الذهب والعبيد في أفريقيا، في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ثم حذا الهولنديون والفرنسيون، والإنجليز، حذو الأسبان والبرتغاليين، فنظّموا شركاتهم الخاصة لتجارة الرقيق. فلقد زيد الطلب على عمال الحقول في جزر السكر من جزر الهند الغربية في القرن السابع عشر، والثامن عشر، والتاسع عشر، إذ تزايد نَهَمُ أوروبا على السكر ومشتقاته. ثم دخل في هذا التنافس البشع أصحاب شركات الشحن من الأمريكان الشماليين، فبدأوا رحلات ذات محطات ثلاث، تبدأ المحطة الأولى في إحدى الموانئ الأطلسية (نيويورك، تشارلستون … إلخ)، حيث تشحن السفن بأكبر قدر من البضائع التجارية، ثم تأتي المحطة الثانية عند ساحل الرقيق في خليج غينيا حيث تفرّغ هذه البضائع، وتشحن السفن بأكبر عدد ممكن  من الزنوج، ثم تبدأ من هناك الرحلة إلي المحطة الثالثة وهي جزر الهند الغربية، حيث تُفَرّغ عندها الشحنات البشرية، لتقايض بالسكر، الذي كانت سوقه رائجة حينها، فقد كانت مصانع "الرّم"، (نوع من الشراب المسكر)، في أمريكا الشمالية وأوروبا تعتمد عليه، وعلى دِبْسِه. وكان جزء من الشحنات البشرية يباع بالقطع من الذهَب والفضة. ثم نافس زارعو القطن والتبغ، في الولايات الجنوبية من أمريكا الشمالية، زارعي السكر في استقدام الرقيق، الذين زادت أسعارهم. وكثير من مكاسب وأرباح ولاية نيويورك وولاية نيوإنجلاند، تأسست وقامت على تجارة الرقيق.

وكانت أول شحنة من هذا الرقيق، إلي المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية، قد فُرِّغت في مدينة جميس تاون، بولاية فرجينيا، عام 1619م، وكان صاحبها من سماسرة الرقيق الهولنديين. ومن عام 1650م، ازداد الطلب على الرقيق ازدياداً سريعاً، بسبب الحاجة إلي العمال في الحقول. ثم صدرت القوانين المبيحة للاسترقاق تباعاً، في الأعوام (1641م، 1650 م، 1661م)، في الولايات ماساشوستس، وكونيكتيكت، وفرجينيا، على التوالي.

وقد كانت الهيمنة على سوق الرقيق في أوروبا لهولندا، غير أن بريطانيا لم تلبث أن خطفتها منها في النصف الثاني من القرن السادس عشر،  بعد جهد جهيد، وأُعْطِيَت الشركة المَلَكِيةَ الأفريقية (1672م ـ 1750م)، حق احتكار سوق النخاسة، فبنت لذلك أسطولاً بلغ عدد سفنه مائة وخمساً وخمسين سفينة، تُحشَر في الوحدة منها مئات بل آلاف الرقيق. احتفظت الشركة الملكية بهذا الحق لربع قرن من الزمان. غير أن منافسة الشركات الأجنبية، والشركات المستقلّة في بريطانيا نفسها، وفي مستعمراتها، جعلها تتخلى عن هذا الحق عجزاً منها، في عام 1750م. ونتج عن هذا تنافس مسعور بين الدول الجالبة والمتاجرة في الرقيق، فأُنشئت لذلك المحطات التجارية في الجزر المقابلة لساحل الرقيق والذهب الغربي للقارة الأفريقية، فجُلب إلي العالم الغربي (أوروبا والأمريكتين الشمالية والجنوبية) بهذه الطريق ملايين الرقيق لمدة أربعة قرون من الزمان، ففي بداية هذه القرون، وعلى وجه التحديد في عام 1517م، اُقْتُرح على تشارلز ملك أسبانيا، بأن يسمح لكل مواطن أسباني يستوطن جزر هاييتي Haiti (إحدى جزر الهند الغربية) أن يتملك اثني عشر زنجياً.

وسمح الملك نفسه لأحد الفلمنكيين المقربين لديه، أن يجلب إلى جزر هاييتي أربعة آلاف زنجي سنوياً.

وبدأ استقدام الزنوج رقيقاً إلي أمريكا في عام 1619م. وفي عام 1790م كان في ولاية فرجينيا وحدها مائتا ألف رقيق زنجي. وجُلب إلي جزر الهند الغربية، بين عامي (1680م ـ 1700م)، مائة وأربعون ألف رقيق زنجي، جلبتهم الشركة الملكية الأفريقية التي تمتلكها بريطانيا، وفي الوقت نفسه، جَلبَ أفراد من المغامرين التجار مائة وستين ألف رقيق زنجي إلى الجزر نفسها، أي ما مجموعه ثلاثمائة ألف رقيق. وجُلب إلي جزيرة جاميكا Jamaica وحدها ستمائة وعشرة آلاف رقيق بين عاميّ (1700 ـ 1786م)، ويقَدِّر برايان إدواردز أن مجموع ما اجتُلب إلى المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية وفي جزر الهند الغربية، بين عامي (1680 ـ 1786م)، مليونان ومائة وثلاثون ألف رقيق زنجي. ويقدّر توماس عدد الرقيق، الذين غادروا موانئ أفريقيا، بثلاثة عشر مليون رقيق.

وفي تقدير كيرتن أن عدد الرقيق، الذين نقلوا من القارة الأفريقية في الفترة من (1451م ـ 1870م)، يقدّر بتسعة ملايين وخمسمائة وستة وستين ألفاً ومائة. ثم قام عدد آخر من الباحثين بمحاولات للوصول إلى تقدير للأرقام الصحيحة، فوصلوا إلي أن تقدير كيرتن أقل من الواقع بكثير، وأن عدد الرقيق الأفريقي الذين نُقلوا إلي أمريكا في قرن واحد (القرن الثامن عشر)، لا يقل عن أربعين مليون أفريقي.

ذلك أن المنحنى في ارتفاع مستمر، وكانت هذه الأعداد تتمشّى مع الحاجة الملّحة، والمستمرة، والمتزايدة للأيدي العاملة القوية، والرخيصة في دول أوروبا الغربية.