إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الرّق، وموقف الإسلام منه









مقدمة

رابعاً: عتق الرقيق وتحريره

يقصد بعتق الرقيق إنهاء حالة رقِّه، ويترتب على هذا أن يصبح الرقيق حراً في نفسه، له الحق الكامل في التصرف في شؤونه، فالإعتاق، إذاً، مرتبط بالاسترقاق، وحيثما وجد الاسترقاق، في تاريخ الأمم، وجد معه الإعتاق. غير أن الأمم لم تكن كلها على درجة سواء في عتق الرقيق وتحريره، فَوُجِد في الثقافة البابلية، أن الرقيق يصبح حُرّاً، إما بالعتق الرسمي، وإما بالتبنّي، وإما بأن يشتري الرقيق حريته بنفسه.

وفي أثينا، كانت الدولة تستوظف الرقيق إداريين، ورجال شرطة، وكان لهم عندها وضع خاص، فتعطيهم رواتب يومية، وكانوا دائماً يطمحون في أن يصبحوا مواطنين كاملين، بعد أن يمنحوا حريتهم رسمياً.

وفي عهد بيركليس Pericles، (من 495 ـ إلى 429 ق م)، وقد كان سياسياً بارعاً، حكم في العهد الذهبي لأثينا، وقادها إلى الحكم الديموقراطي التام، بدستوريته وتحرره ، كَثُر الرق، فاتّسع العتق. هذا، على أن فلاسفة الإغريق، كانت لهم آراء متباينة في أمر الرق، فكان أرسطو يراه ضرورياً وطبيعياً.

أمّا أفلاطون فكان يشجب الاسترقاق وممارسته، وكان الرواقيون يرون أيّاً من حالتي الحرية والرق عرضاً، خارجياً، غير مهم في نظر الحكمة . ويقولون: "إنه من غير المعقول أن يُنْظر للحريّة على أنها مصدر للفخر أو العبودية على أنها موضوع للتذمّر".

أمّا الّرومان فكان للسيد "أن يعتق عبده إلاّ في حالات نادرة، وبإجراءات شكلية معقدة، وإذا ما أعتقه، كان له أن يرجع عن عتقه، ويعيده إلى الرق متى شاء. وفي العصر الإمبراطوري، أخذ  العتق يتّسع بـتأثير الأفكار الفلسفية، وأخذ السّادة يتباهون بالعتق".

أمّا اليهود فكانوا يقصرون العتق على الرقيق اليهودي، أمّا الرقيق الأجنبي فلا يُعتق ويبقى مستعبداً إلى الأبد. ونصّ التلمود على أن تحرير العبد خرق للتوراة ، وأمّا ما ورد من حكم بتحرير العبد، إذا ضربه سيّده، فأتلف عينه أو أسقط سِنّه، فإنما ينطبق في مفهوم التوراة، على العبد اليهودي دون غيره.

أمّا المسيحية، فإنها لم تأت بنسخ، أو تبديل للشريعة اليهودية، وإنما جاءت لتنفّذها، وتتممها. ولذلك، فالرق مشروع فيها، لأنه من تقدير الله. غير أن بعض رجال المسيحية جاءوا بدعوى أن المسيح جاء ليحرر المسيحيين، فجدير بالمسيحيين أن يتأسّوا به، ليمحوا بالعتق خطاياهم، ولكنها حصرت العتق في الأرقاء المسيحيين أو المتنصرين. غير أن رجال الكنيسة كانوا يملكون أملاكاً كثيرة، ومزارع واسعة، وكانوا يسخرون أرقاءهم للعمل فيها، واستخدم بعضهم الرقيق في الضياع البابوية، وكانت الكنيسة تحض الناس على أن يهبوا أنفسهم أرقاء لها، فَيعفون بذلك أنفسهم من الخطايا والذنوب.

وبزوال الحكم الروماني في غرب أوروبا ووسطها، في عام 476 م، وبنشوء نظام الإقطاع، وزيادة نفوذ الإقطاعيين، رغب ملوك أوروبا في إضعاف نفوذ الإقطاع وأهله. فدعا الملوك إلى تحرير الرقيق، وباشروا هم تحرير الرقيق في مُمتلكاتهم، ثم تابعهم في ذلك السادة الإقطاعيون. وتتابعت كذلك الحروب في أوروبا منذ القرن الثاني عشر الميلادي، وكان ذلك يستدعي تجنيد مقاتلين ليسجلوا جنوداً في الجيوش. واجتاحت أوروبا، بين القرنين العاشر والثاني عشر، أوبئة ومجاعات، أنقصت عدد الرقيق.

وشاع عرف دولي يقضي بقبول افتداء الأسرى، بدلاً من استرقاقهم. وأخيراً، ظهر نظام اجتماعي جديد، تحول فيه الرقيق، من الرق بمفهومه التقليدي، إلى "رق الأرض" Servage، أوSerfdom. فكان على هؤلاء الرقيق أن يعملوا في الأرض، ويزيدوا من إنتاجهم،مقابل منحهم قطعاً صغيرة من الأراضي الإقطاعية الكبيرة، يزرعونها ويتملّكون محصولها، لقاء مرتّب يدفعونه للسيد، ولا يحق له أن ينتزعها منهم. فأقاموا بذلك دافعاً لبذل المزيد من الجهد عند هؤلاء الرقيق، وأُجيزوا ببناء بيوت لهم على هذه الأرض الممنوحة. فأصبح لهم أولاد ينتسبون إليهم، فاكتسبوا بذلك شخصية قانونية، كما استردّوا شيئاً من إنسانيتهم. لكنهم، مع ذلك، ظلّوا ملتزمين بالخضوع لأسيادهم، في كل ما يأمرونهم به. فلا يزرعون الأرض، التي مُنحوا الانتفاع بها إلا بإذنهم، ولا يتزوجون إلا بإجازتهم، ومن نساء من رقيق إقطاعهم، ولا يستطيعون أن يهجروا الأرض، أو يغادروا الإقطاعية، وإذا أبقوا، فلأسيادهم أن يستردّوهم بالقوةّ. ويرث أولاد السيد رقيقه من بعده، لأنهم أرقاء أرض، يولدون فيها ويموتون عليها، وكانوا يباعون هم وأسرهم مع الأرض.

وكان رقيق الأرض يتأَلف من أولاد الأرقاء، ومن أحرار مستضعفين كانوا يلجأون إلي سيد إقطاعي قوي يحميهم، ومن مدينين لسيّد إقطاعي، عجزوا عن وفاء ديونهم، فانقلبوا إلى أرقاء. وكان رقيق اقطاعات الكنيسة يتألف من هؤلاء ومن أناس، كانوا يدخلون بطوعهم في رقهّا، طمعاً في الثواب.

غير أن هذا الرّق، أيضاً، بدأ يزول. وقد ساعد على ذلك أمور منها:

1. تخففّ الرقيق من سلطة السادة، الذين تركوا الأراضي، وغادروها إلى المدن .

2. قدرة هؤلاء الرقيق، الآن، شراء حرّياتهم، بما جمعوا من مال.

3. تحريض بعض ملوك أوروبا الرقيق، على الخروج عن طاعة السادة الإقطاعيين، للقضاء على نفوذهم، كما فعل الملك إدوارد في إنجلترا، وكما حصل في ألمانيا.

4. إباق الرقيق، ولجوؤهم إلي المدن الكبيرة، التي أخذت تكبُر، وتتسع، بازدهار التجارة،

5. إقبال كثير من الأشراف على تحرير رقيقهم بدافع الشعور الديني، الذي كانت تستثمره الكنيسة فيهم، وتستغلّه لإضعاف نفوذهم، والقضاء على منافستهم لها.

نتج عن هذا كله، أن رق الأرض في أوروبا، في أواخر القرن الخامس عشر والسادس عشر، زال تقريباً. وبزواله، أضحت الحاجة إلى الأيدي العاملة ملّحة. فوجد الأوروبيون في أفريقيا السوداء مصدراً خصباً لسدّ هذه الحاجة.

اشتغل الأوروبيّون، من هذه الحقبة التاريخية، بالاتجار المنظّم بالرقيق المجلوب من أفريقيا، فأّنْشِئت المراكز التجارية لذلك، على الشطآن الغربية لأفريقيا، وفي الجزر، المقابلة لهذا الساحل في المحيط الأطلسي. وأًنْشئت كذلك الشركات التجارية، وبُنيت الناقلات والسّفن (على النحو، الذي ذُكر طرفٌ منه في تاريخ نشوء الرق، وفي معاملة الرقيق.) ومن أمثلة ذلك: الشركة الفرنسية، المعروفة باسم شركة لوجوس، Le compagnie de Logos، والشركة الفرنسية، المعروفة باسم شركة غينيا الفرنسية، Compagnie  Francaise de Guinea، والشركة البريطانية، المعروفة باسم الشركة الملكية الأفريقية The Royal African، والشركة البريطانية، المعروفة باسم شركة البحر الجنوبي South Sea Company. وقد نقلت هذه الشركات هؤلاء الرقيق بعشرات الملايين، على أقل التقديرات، إلى العالم الغربي، وهلك منهم في رحلة العذاب، مثل هذه الأعداد، أو يزيد.

وصف رحلتهم هذه الكاتب الأمريكي Alex Haley ألكس هيلي، في كتابه المشهور "الجذور The Roots". ومادة الكتاب روايات مأخوذة مشافهة من جدّته، كتبها هيلي بلغة تصويرية بديعة، نُقلت أحداثها إلى سيناريو، صّور فيلماً سينمائياً ومسلسلاً تليفزيونياً، اشتهر شهرة ذائعة. أمّا عن معاملة هؤلاء الرقيق من مكان اختطافهم إلى منتهى رحلتهم، وما بعدها، فقد ورد طرفٌ منه في "معاملة الرقيق". واستمرت تجارة الرقيق الأسود إلى أوروبا قروناً، ثم نشأ عند الناس امتعاض شديد، ومقت كبير لهذه الممارسة، المسفّة، خلقياً، بإنسانية المُتَاجر فيها، والمذلّة لإنسانية المُتَاجَر به (الرقيق). وقد أعاد بعض الدارسين أسباب هذا الامتعاض، إلى تأثير مبادئ الثورة الفرنسية في عام 1789م، ومن قبلها أفكار الفيلسوف الفرنسي مونتسيكو (1689 ـ 1755)، وفلاسفة عصور التنوير.

وأعادها بعضهم إلى أسباب اقتصادية، تتجلّى في تهيئة أجواء سلمية للعمال، ليزودوا المصانع الكبيرة، التي تحركها الآليات الضخمة، بالمواد الخام.

بدأت من هنا حركة منظمة، ضد تجارة الرقيق، هدفها قطع منابع الرق. بدأها بعض السياسيين، والكتاب، في أوروبا وأمريكا، في أواخر القرن الثامن عشر، كانت نتيجتها أن أُلْغيت تجارة الرقيق. فألغتها الدانمرك، وكانت رائدة الدول الأوروبية في ذلك، في 16 مايو 1792م، ثم ألغتها بريطانيا في 1807م، وتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية، في العام نفسه. ثم بدأت بعد هذا حركة إصلاحية، تنشد إلغاء الرق نفسه بعد إلغاء تجارته. غير أنه حصل بين هذه الحركة وسابقتها أحداث مؤلمة. ذلك أن بعض تجار الرقيق لم يكفوا عن عملياتهم، وكانت الدول تطاردهم في عرض البحار، مما حدا بهم، في بعض الأحيان، إلى أن يرموا بكل الرقيق الموجود على متون سفنهم، في أعماق البحار.

وكانت هناك، كذلك، معارضة من الملاّك، والمتنفّذين، لدعوة إلغاء الرق نهائياً. وحجتهم أن عمال المزارع، في المستعمرات البريطانية، توقفوا عن العمل،محتجّين بأنهم أصبحوا أحراراً . فقُدَّمت مقترحات بإلغاء الرقيق تدريجياً، وذلك بإيجاد نظام وسيط، كنظام "السُّخرة"Serfdom  مثلاً، للذين لا يزالون في ربقة الرق. غير أن الدعوة إلى إلغاء الرق، وخاصة في بريطانيا، كانت قوية، وكانت تلقى قبولاً متزايداً، بين الناس، يوماً بعد يوم. وفي شهر أغسطس من عام 1833م، وافقت الحكومة البريطانية على إلغاء الرق، ثم حذت الدول الأوروبية الأخرى حذو بريطانيا تدريجياً، ثم تبعتهم كذلك بعض الولايات الأمريكية. وفي سبتمبر 1862م، أصدر الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن إعلانه الأوّلي بتحرير الرقيق. وفي 31 يناير 1865، صدّق على التعديل الدستوري، القاضي بإلغاء الرق وتحريمه في جميع الولايات المتحدة الأمريكية.

بقي الرق ممارساً في المستعمرات الأسبانية، إلى فترة متأخرة من القرن التاسع عشر. ففي كوبا، مثلاً، لم ينته الرق إلاّ بعد عام 1885م، بسنوات، لأن مواد الدستور الأسباني، التي كانت تقضي بإبطال الرق في المستعمرات الأسبانية، لم تكن صارمة. وفي البرازيل، صدر النظام بإلغاء الرق في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر من عام 1871م، على أن بعض فقراته تشترط بقاء فئات من الرقيق في خدمة أسيادهم، لمدّة تصل إلى عشرات السنين. غير أن مجالس الدولة أصدرت نظاماً، يقضي بإبطال الرقيق في البرازيل، نهائياً، في عام 1888م.

أمّا روسيا، فكان المجتمع الريفي فيها، قبل القرن الثامن عشر الميلادي، مكوّناُ من:

1. عبيد.

2. عمال زراعيين أحرار.

3. ريفيّين.

ثم اختفى هذا التقسيم ، في القرن الثامن عشر، وظهرت فئة واحدة فئة "المسخّرين" Serfs، أو نظام "السًّخْرَة" Serfdom، وكان هؤلاء المسخّرون إمّا مِلْكاً لأصحاب الأراضي، أو مِلْكاً للدولة.

ووصل هذا النظام أعلى أشكال تطوّره في عهد الإمبراطورة كاثرين الثانية، الملقبة بـ"العظمى". وكان هؤلاء المسخرون يباعون، ويشرون، ويَهْدَون إلى آخرين، مع الأرض، أو دونها، وأحياناً يباعون، أو يشرون ، أو يًهدون، إما فرادى، وإما مع أُسَرِهم. حاول الإمبراطور بولس الأول Paul I، الذي حكم من عام 1796م إلى 1801م، إصلاح وضعهم، ولكنه لم ينجح كثيراً. ثم تولّى الإسكندر الثاني Alexander II العرش، في عام 1855م، فكوّن لجنة عليا لشؤون الريفيين، عملت بصمت وسريّة، حتى قدّمت مشروعها بإلغاء نظام "السُّخْرة"، الذي أُقرّ دستورياً في التاسع والعشرين من شهر مارس 1861م، وكان عدد المسخّرين الذين يمتلكهم أشخاص، أكثر من 21 مليوناً، عند صدور القرار. هذا غير عدد المسخرين، الذين كانت تملكهم الدولة. فقد كانت تملك حوالي نصف سكان الريف. وعليه فقد حرر مشروع عام 1861م، أكثر من أربعين مليون مسخر. (أُنظر ملحق تقرير عن وكالة الأنباء الفرنسية، الشرطة الروسية تطلق سراح 15 شخصاً كانوا مستعبدين في داغستان)

بعد أن ألغت دول أوروبا الغربية، وأمريكا الشمالية، وأمريكا الجنوبية، الرق في بلادها، وفي جميع مستعمراتها، بدأت، وعلى رأسها بريطانيا، تطارد تجارة الرقيق، خاصة عبر البحار. وبدأت كذلك تحارب تجارة الرقيق الداخلية. وانصب نشاط بريطانيا في هذا المضمار، على تجارة الرقيق الأسود في أفريقيا، وساعدتها بعض الدول الأوروبية، بعد أن بدأت تزاحم بريطانيا في التوغل في أفريقيا، مثل فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا. واستمرت هذه المطاردة طوال القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقّعت دول الحلف الكبرى، في تلك الحرب، توصيات مؤتمر سان جرمان آن ليه St. Germain-en-Laye، (وهي ضاحية باريسية، تشرف نهر السين)، التي تقضي بأن الدول الموقعة "ستسعى إلى إلغاء الرقّ إلغاء كاملاً، بكل صوره، وتسعى إلى منع تجارة الرق البحريّة والبرّيّة".

وهذه التوصيات تنسخ ما سبقها من قرارات، تتعلق بالرق، مثل قرار برلين في عام 1885م، وقرار بروكسل في عام 1890م.

ثم جاء مؤتمر، الرق، الذي دعت إليه عصبة الأمم المتحدة، في عام 1926، لتحديد مفهوم دقيق لـ "الرق بجميع صوره"، كما ورد في مؤتمر سان جرمان آن ليه، وبسبب بعض الممارسات في بعض دول أفريقيا، وشبه الجزيرة العربية. وصادق على هذا المؤتمر أربع وأربعون دولة، وما زال يُعْمل بتوصياته إلى اليوم. ثم تولت الأمم المتحدة كل مسؤوليات عصبة الأمم، وأصدرت، في عام 1955م، بروتوكولاً يقضي بالعمل بما ورد في مؤتمر عام 1926م في شأن الرق. ومازال ساري المفعول، إلا إنّ بعض مواده عُدَّلت في مؤتمر جنيف من عام 1956م، بعد أن ارتأت الأمم المتّحدة نقصانها.

ويبقى السؤال، هل كان إلغاء الرقيق في دول أوروبا الغربية وأمريكا أمراً سهلاً؟ والجواب هو أن إلغاءه لم يكن سهلاً أبداً، فقد تكلّفت هذه الدول كثيراً قبل الإلغاء وبعده. فأما قبله فعانت كثير من هذه الدول من الخلافات، والمعارضات، والقلاقل، والحرب الأهلية. فالولايات المتحدة الأمريكية، مثلاً، دخلت حرباً أهلية ضروساً، كان من أهم أسبابها الخلاف الشديد على إلغاء مؤسسة الرق. وقد دامت هذه الحرب من 12 أبريل 1861م، إلى 9 أبريل 1865م، وكان نتيجتها أن قُتِل فيها حوالي ستمائة وخمسين ألف قتيل، أي حوالي خُمس الشعب الأمريكي، الذي كان عدده، وَقتئذٍ، حوالي ثلاثين مليون نسمة. وقد زاد عدد قتلى هذه الحرب، عن عدد قتلى الحرب العالمية الثانية بمائتين وخمسين ألف قتيل.

وقد ذكرت بعض المصادر أنه قُتل في شهر يونيه، فقط، عام 1864 م ستون ألف قتيل. أمّا بعد الإلغاء، فاضطرت الدول إلى أن تعوَّض مُلاّك الرقيق. خاصة المزارعين، عشرات الملايين من الجنيهات، وأن تُنفق على الرقيق أنفسهم من المال، ما يعينهم على التّكيف مع الحالة الجديدة. وقد بقيت آثار الرق الاجتماعية أكثر من قرن من الزمان. وما وجود العنصرية، وما استتبعته من التفريق بين الرقيق والسادة ردحاً طويلاُ من الزمن، إلا أثر من آثار هذه المؤسسة الخطرة.

ومن العجيب أن تطالعنا الجرائد العالمية والعربية، اليوم، على مطلع القرن الواحد والعشرين، بوجود الرِّق وممارسته في بعض دول العالم، فتبيع الجهات المتخصصة في تجارة الرقيق أكثر من مليون امرأة وطفل، منهم مائتان وخمسون ألفاً من منطقة شرق آسيا، وحوالي مائتي ألف من روسيا سنوياً.