إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحج والعمرة والزيارة





مصور مواقيت الإحرام
مصور منطقة الحرم
مصور مشاعر الحج
مصور المدينة المنورة
خلاصة أحكام الحج




المبحث الثالث

المبحث الثالث

الحج في حقيقته ومغزاه، وفي الديانات الأخرى

أولاً: الحج في حقيقته ومغزاه

1. الحج أفضل العبادات

الحج مسيرة العبد إلى بيت الله الحرام، وهو منتهى القرب الذي يمكن أن يسمو إليه العبد من ربه في هذه الحياة الدنيا. فالعبادات الأخرى ذِكْر لله، بينما الحج ذكر وقرب من بيت الله، من مهبط النور والوحي والإيمان. وإذا كانت العبادات الأخرى ذكر لله يؤديه المسلم في بلده وبين أهله، فالحج عبادة على مستوى الحضور والمشاهدة لبيت الله العتيق، والنزول في ضيافته، لذلك سُمّي الحجاج: ضيوف الرحمن.

فعندما يقف الحاج أمام الكعبة يعتريه شعور عميق بالطمأنينة والهدوء، وتصغر الدنيا في عينيه.

وللحج معنى ينفرد به عن سائر العبادات الأخرى، حيث قال الله تعالى: ]وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[ (سورة آل عمران: الآية 97). فذكر الكفر بعده ولم يذكر ذلك في سائر الفرائض، ليُعلم أن معنى الحج غير معنى سائر الفرائض.

فالصلوات لتكفير السيئات، قال تعالى: ]وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ[ (سورة هود: الآية 114). والزكاة طُهرة للنفس وزكاة لها ]خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا[ (سورة التوبة: الآية 103). والصوم تطهير للبدن وكف عن الشهوات. ولكن الحج يتمتع بأهمية خاصة بين العبادات، لذا وُصف بأنه "أفضل العبادات". وهذه الأهمية الخاصة تكمن في (روح) الحج، وليس في (مظاهره)، فليس الحج فقط، أن يذهب المسلم إلى مكة، ثم يعود، بل "الحج المبرور" أن يستشعر المسلم عظمة هذه الفريضة، وأن يتمتع بالروحانيات، التي من أجلها فُرضت. فكون الحج "أفضل العبادات" يعني أنه يُصبح أفضل عبادة لِمن يؤدي شعائره بروحه الحقيقية، وآدابه الصحيحة.

وهدف الحج هو أن يصل كلُ عبدٍ من عباد الله، إلى مقامات الحج مرة واحدة، على الأقل، في حياته، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، فيقدم هنالك دليلاً على عبوديته الكاملة لله، بمختلف الأعمال والشعائر، ويحاول أن يصيغ ظاهره وباطنه بالصبغةالإبراهيمية الحنيفية السمحة. فالحج عبادة جامعة لأن فيه كل القربات لله: ففيه إنفاق المال، ومشقة الجسد، وذكر الله وطاعته، والتضحية في سبيله، والتجرد من زخرف الدنيا، ثم النحر لله، وهو من أعظم الطاعات ]فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[ (سورة الكوثر: الآية 2). فالحج عبادة تشملها روح كل العبادات الأخرى، بصورة أو أخرى.

2. حكمة الحج

أ. التزود بتقوى الله U وكمال عبادته، وإظهار العبودية له سبحانه.

قال تعالى: ]وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ[ (سورة البقرة: الآية 197). وقال تعالى في سورة الحج ذاكراً نحر الهدايا والأضاحي، وأنه يتقبل ذلك ويجزي به ]لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى[ (سورة الحج: الآية 37).

وإذا كانت العبادات الأخرى غير الحج فيها طاعة الله U فالطاعة في الحج أبلغ؛ لما في الحج من أمور لا حظَّ للعقل في إدراك معناها، كالطواف والسعي ورمي الجمار، وتقبيل الحجر الأسود، وإنما يفعلها المؤمن إذعانا لأمر الله، طمعا في غفران ذنوبه، والتخلص من آثامه، ورغبة في رحمة ربه U.

ولذلك قال في الحج على الخصوص: ]لبيك بحجة حقا، تعبدا ورقا[. ومن أجل تحقيق هذه الحكمة حث القرآن، على البعد عن النواهي، والشهوات ]فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ[ (سورة البقرة: الآية 197). وكذلك الرسول r بقوله: ]مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 10006).

وقال تعالى: ]فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام[ (سورة البقرة: الآية 198). وقال سبحانه: ]وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ[ (سورة الحج: الآية 36).]وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ[ (سورة الحج، الآية 34).

ب. شهود المنافع

قال تعالى ]وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ[ (سورة الحج: الآيتان 27، 28). وقال جل شأنه (عقب الإفاضة من عرفات): ]لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ[ (سورة البقرة: الآية 198)، والمنافع مادية ومعنوية.

وقد شُرع الحج لتحقيق هذه الفوائد والمنافع، التي نعلم منها الكثير، ونجهل منها الأكثر، لأن ما نجهله ونتمتع به أكثر مما نعرفه، فقد قال الله تعالى: ]لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ[ (سورة الحج: الآية 28)، فأطلق المنافع ونكرها وأبهمها، ودل هذا التعبير البليغ على كثرتها وتنوعها وتجددها في كل زمان، وأنها أكثر من أن تُحصر.

ومن شهود المنافع المعنوية ما جاء في فضل الحج، من غفران الذنوب، والفوز بالحسنات ودخول الجنة. فقد ورد عن النبي r أن من يؤدي شعيرة الحج، على وجهها الأكمل، يرجع من حجه مطهراً من ذنوبه، كيوم ولدته أمه. ويكون حجه مبروراً، ولا جزاء للحج المبرور إلاّ الجنة.

ومن شهود المنافع المادية ما جاء من أن الحج ينفي الفقر، فعن عبدالله بن مسعود t قال: قال رسول الله r ]‏تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ ‏‏خَبَثَ الْحَدِيدِ ‏‏وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 738).

ومن شهود المنافع ما يتيحه الحج من الانتعاش التجاري على نطاق واسع بين المسلمين. إذ يتسم موسم الحج بالرواج الاقتصادي، لما يتطلّبه من سلع وخدمات لازمة، لأداء مناسك الحج. فكثير من الأموال تنفق، على تأمين وسائل الانتقال، وشراء المأكولات، والمشروبات، والملابس، والإقامة، والذبائح.

وقد كان بعض المسلمين يتحرجون من التجارة في أيام الحج، خشية أن ينال ذلك من عبادتهم، أو يحط من مثوبتهم، عند الله U، فأجاز الله الكريم ذلك، مادامت النية خالصة، والمقصود الأصلي هو الحج، ولكل امرئ ما نوى.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فَتَأَثَّمُوا أن يتجروا في المواسم، فنزلت ]لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ[ (سورة البقرة، الآية 198).

وقوله تعالى: ]من ربكم[ يشعر بأن ابتغاء الرزق، مع ملاحظة أنه فضل من الله تعالى، نوع من أنواع العبادة. وروى أن سيدنا عمر قال لسائل في هذا المقام: وهل كنا نعيش إلا على التجارة.

ج. الحج عرضة ومؤتمر عالمي للمسلمين

ومن أهداف الحج الكبرى، أن يكون عرضة سنوية، للملة الإسلامية، لتبقى ديانتها نقية من غير تحريف أو غموض. فعن طريق الحج تحتفظ الأمة الإسلامية بطبيعتها الإبراهيمية الحنيفية على مر العصور. وفي هذه المناسبة يلتقي العلماء والزعماء لنفي تحريف المحرفين وإبطال أفعال الضالين والجاهلين.

وكذلك يتيح الحج للمسلم أن يشهد أعظم مؤتمر إسلامي، مؤتمر لم يَدْعُ إليه بشر أو زعيم، وإنما هو دعوة من الله إلى خلقه. فيلتقي المسلم بإخوان له من شتى بقاع الأرض ـ اختلفت ألوانهم، وتباينت ألسنتهم، إلا أن حُبَّ الله وَحَّدَ بينهم، كما وحّد بينهم قولهم "لبيك اللهم لبيك"، فتذوب النزاعات القومية، وتتنافى الخلافات السياسية وتموت العنصرية.

وفي هذا المؤتمر يلتقي العلماء والمصلحون، والسياسيون على هدف واحد، لا يشغلهم إلا عبادة الله والعمل على مرضاته، بالنظر في مصالح المسلمين وأمور حياتهم وما يتهددهم من أخطار.

كما أن هذا المؤتمر فرصة لإذاعة كل ما يتعلق بأمور المسلمين؛ هكذا فعل الرسول الأمين في حجة الوداع، وهكذا فعل أصحابه، فكان لقاء الحج فرصة لتبادل الآراء، وتعارف الأفكار، ورواية الأحاديث والأخبار.

د. تجديد الصلة بإمام الملِّة، إبراهيم u

ومن مقاصد الحج تجديد الصلة بإمام الملة الحنيفية، ومؤسسها إبراهيم الخليل u، والتشبع بروحه والمحافظة على إرثه، والربط بين حاضرنا وماضينا، واستعراض واقع المسلمين الراهن، وتصحيح ما فيه من أخطاء أو فساد، وإعادته إلى أصله ومنبعه (ملة إبراهيم u).

والحاج بما يتجـرد به عن المظاهر الدنيوية عند إحرامه، وما يأتي به من أعمال الحج ونسكه ـ من إحرام وطواف وسعي ووقوف وإفاضة، ورجم ونحر، إنما يُحافظ على ما اختُص به إبراهيم من عبادة التوحيد.

هـ. تحقيق المساواة، والوحدة، والسلام، بين المجتمع الإسلامي

يتحقق في الحج معنى المساواة في أجلى صورها وأتمها، فالمسلمون كلهم قد اطرحوا الملابس، والأزياء المزخرفة، التي تختلف باختلاف الأقطار، واختلاف الطبقات، واختلاف الأذواق والقدرات، والتفوا جميعا في ذلك اللباس البسيط الذي يلبسه الغني والفقير، وذو الجاه والسلطان، ومن لا جاه له ولا سلطان. وإنهم ليطوفون بالبيت جميعاً، لا تفرق بين من يملك القناطير المقنطرة، ومن لا يملك قوت يومه، ويقفون في عرفات، ألوفاً، فلا تشعُر بفقر فقير، ولا غنى غني، ولا تحس حين تراهم في ثيابهم البيض، وفي مواقف الازدحام العظيم غير أنهم بشر، في أكفانهم يخرجون من الأجداث، إلى ربهم ينسلون.

وفي الحج يتوحد المسلمون في المشاعر، والشعائر، والهدف، والعمل، والذكر؛ لا إقليمية، ولا عنصرية، ولا عصبية للون أو جنس، أو طبقة، إنما هم جميعا مسلمون، برب واحد يؤمنون، وببيت واحد يطوفون، ولكتاب واحد يقرءون، ولرسول واحد يتبعون، ولأعمال واحدة يؤدون.

والحج طريقة فذة لتدريب المسلم على السلام، فهو رحلة سلم إلى أرض سلام، في زمن سلام.

جعل الله البيت الحرام مثابة للناس وأمنا، لأنه أراد سبحانه أن يصبح بيته مثابة يثوب إليها الناس جميعا، ويرجعون إليها، ويجتمعون فيها، ويتفيئون في ظلاله الإحساس بالأمن والطمأنينة، فلا يروعهم أحد، ولا يعتدي عليهم معتد، بل يأمنون فيه على أرواحهم وأموالهم. فالبيت ذاته مستقر الأمن، ودوحة الطمأنينة والسلام، يأمن فيه الخائف، ويلجأ إليه المطرود. ويرى الرجل قاتل أبيه فلا يثأر منه، مادام في البلد الحرام، أو الشهر الحرام، أو البيت الحرام، قال سبحانه ]وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا[ (سورة البقرة: الآية 125).

ومعظم أعمال الحج تقع في شهرين ـ ذي القعدة وذ الحجة ـ من الأشهر الحرم، التي جعلها الله هدنة إجبارية، تُغمد فيها السيوف، وتُحقن فيها الدماء، ويوقف فيها القتال ]جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ[ (سورة المائدة: الآية 97). والمسلم حين يُحْرِم بالحج، يظل فترة إحرامه، في سلام حقيقي مع من حوله وما حوله، فلا يجوز له أن يقطع نباتاً أو شجرة، كما لا يجوز له، أن يذبح حيواناً، أو يرمي صيداً في الحرم، أو خارجه، قال تعالى: ]وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا[ (سورة المائدة: الآية 96).

و. روح الجندية والنظام

والحج يربي المسلم على روح الجندية، بكل ما تحتاج إليه من صبر وتحمل، ونظام وخلق سام، يتعاون فيه المرء مع الآخرين؛ فالحاج يتكبد مشقات الأسفار، حتى يجتمع الحجاج كلهم في مكة، ثم ينطلقون انطلاقاً واحداً يوم الثامن من ذي الحجة لأداء المناسك: فيتحركون جميعا، ويقيمون جميعا، وهم في ذلك مسرورون منقادون، لا تلفتهم مشقات الزحام، ولا تزعجهم أعباء تلك التنقلات، إنها كشافة ربانية تولت قيادتها وتحركاتها قيادة روحانية سماوية؛ فأفلحت في تنظيم الملايين من الناس، إذ فشلت قوى البشر في صنيع كمثل هذا، فليعتبر أولو الأبصار. وليس أدل على ذلك من أن هذه الملايين من الحجاج، تجد حاجاتها من الطعام والشراب والمواصلات، فضلاً عن حركتها جميعاً على نسق واحد، وفي يوم واحد بل وساعة واحدة. وكل ذلك ـ بداهة ـ يجري بعناية ربانية ليست بشرية أو تقنية، فتلك أسباب يسخرها الله، ولكن حركتها الأساسية بيده وحده ـ سبحانه وتعالى.

ثانياً: الحج في الديانات الأخرى

عرف كثيرٌ من الأمم والشعوب أسفاراً دينية، ومناسك مشهورة، وأمكنة مقدسة تُشد إليها الرِّحال. فيجتمع فيها الناس، ويذبحون الذبائح، ويقربون القرابين. ولكل جماعة طرق وعادات وتقاليد وآداب خاصة بسِفْرها الديني.

1. الحج أو الزيارة عند اليهود

الحج إلى بيت المقدس في الديانة اليهودية، قديم وأصيل، وهو ركن ديني كبيــر. ورد في دائرة المعارف اليهودية المجلد العاشر: "إن الحج إلى بيت المقدس ـ الذي كان يدعـى بالزيارة ـ يؤدي في زمن ثلاثة أعياد وهي: عيد الحصاد[1]، وعيد الفصـح[2]. (اليهــودي)، وعيد المظال[3]، وكان الحج فريضة على جميع اليهود، باستثناء الصغار الذين لم يبلغوا الحُلم، والإناث، والعميان، والعرج، والضعفاء، والمصابين بأمراض بدنية أو عقلية. وكانت شريعة موسى u، توجب على كل حاج أو زائر أن يأخذ معه شيئاً يقدمه للرب، ولكنها لم تعيّن المقدار. وعلى الرغم من إعفاء الإناث والصغار من الزيارة، فقد كان الكثير منهم، يؤمون بيت المقدس، مع الآباء والأزواج. وفي موسم الحج كانوا يذبحون أعداداً كبيرة من الخراف، وكانت جلود الذبائح تقدم إلى حراس الخانات (النُزل)، الذين كانوا يخدمون الزوار ويؤونهم من غير مقابل.

ولم تنقطع عبادة الحج، بعد استيلاء المسلمين على بيت المقدس. فلمّا فتح المسلمون بيت المقدس بقيادة صلاح الدين الأيوبي، 1187م، تسّنى لليهود القاطنين في المنطقة الشرقية أن يزوروا بيت المقدس، وغيره من الأماكن المقدسة بين دمشق وبابل ومصر.

وقد اعتاد اليهود في الشرق، ولا سيما في بابل وكردستان خلال القرن الرابع عشر الميلادي، أن يؤدوا فريضة الحج مرة في السنة على أقل تقدير. وكان عدد منهم يقوم بهذه الرحلة مشياً على الأقدام. وقد كانت الحروب الصليبية، مشجعة لليهود في أوروبا، على الحج والزيارة. وفي عام 1492م عندما أُجلي اليهود من أسبانيا، وهاجر عدد كبير منهم إلى مناطق المسلمين، تضاعف عدد اليهود الزوار، وربما كانوا يجتمعون على قبر النبي صموئيل في قرية الرّامة[4]، حيث تقام أسواق عيدهم السنوي، وكذلك التقاليد الدينية.

وللحج أيام معينة، يسميها اليهود في الشرق وشمالي أفريقيا، أيام الزيارة، وتبدأ من مساء اليوم السابع عشر، من شهر يوليه، إلى اليوم التاسع من شهر أغسطس، من كل عام. يجتمعون فيها، مقابل الجدار الغربي لهيكل سليمان، ويحتفلون بهذه الأيام بالإكثار من الأدعية، وإظهار السرور. كما يزورون قبور عظمائهم، من الأنبياء والملوك ورجال الدين.

2. الحج عند النصارى

الحج عند النصارى اسم للرحلات، التي كانوا يقومون بها إلى المزارات، والأماكن المقدسة، التماساً للخلاص الروحي. ويعرف من يقومون بهذه الرحلات بالحُجاج.

بعد مضي حوالي قرن من الزمان، من عهد عيسى u بدأ حُجاج النصارى، القيام برحلات الحج الأولى إلى بيت المقدس. وقد انتشرت هذه الزيارة في القرن الثالث المسيحي، وشغف عدد كبير من النصارى، بالبحث عن مشاهد المسيح u وآثاره، وزيارتهما، وعنوا بذلك، أكثر مما عنوا بتتبع تعاليمه ووصاياه.

وقد شاعت زيارة مشاهد روما، من القرن الثالث عشر، ولم تنقطع زيارة الأرض المقدسة، وكانت روما المدينة التي تلي بيت المقدس في الأهمية، يؤمها الناس للزيارة في أعداد كبيرة.

وكان الحجاج، يزورون في روما أضرحة القديسين، لا سيما أن ضريحي القديس بطرس، والقديس بولس، قد أضفي عليهما من العظمة والجلال، ما جعلهما مثابة للنصارى الكاثوليك في العالم كله. كما كانوا يزورون سراديب الأموات[5] التي تُقَدَّسُ لأجل عظام الشهداء.

لم يتوقف الزوار، عن زيارة روما، في أي فترة من فترات التاريخ، وقد جعلتها كثرة الكنائس والآثار التاريخية المقدسة، محط أنظار الناس، في كل زمان. ومن المزارات، التي كان الحجاج يرحلون إليها، في العصور الوسطى: مزارات القديس جيمس الأكبر(Saint James The Great) في سانتياجـو دى كومبوستيلا في أسبانيا Santiago de Compostela)، والقديس توماس بيكيت Saint Thomas Becket ، بجنوبي انجلترا، والقديس باتريك Saint Patrick في أيرلندا.

وعندما ينوي الحاج الشروع في رحلة الحج، كان القسيس يدعو له بالبركة. وكانت لتلك الزيارة أغراض مختلفة، منها الشفاء من مرض، أو الشكر على نعمة، أو التكفير عن ذنب، أو وسيلة للتعبير عن ولاء ديني.

وفي رحلات العودة، يرتدي الحجاج الشعار المميز للمكان الذي زاروه. فالحجاج العائدون من بيت المقدس، كانوا يرتدون سعف النخل، وكانوا يعرفون بالسعّافين [6].

ومن الأماكن التي أصبحت أهدافاً للزيارة، في العصور الحديثة، مزار القديس فرنسيس زافييرSaint Francis Xavier في جووا Goa في الهند، ومزار القديسة تريـزا دي ليزييه بفرنساSaint Theresa de Lisieux .

وتشمل مراكز الحج، المواقع التي يُعْتَقَدُ فيها، بظهور مريم العذراء، كما في (لوردز) بفرنسا، و(نوك) في أيرلندا.

كما أن كُلاً من البروتستانت، والكاثوليك الرومان، يقومون برحلات حج سنوية إلى كنيسة مريم العذراء في نورفولك Norfolk بإنجلترا.

3. الحج في الديانات الهندية

تُعد البوذية والجينية، والبرهمية من أشهر المعتقدات في الهند وأكثرها اتباعاً. وقد كثرت فيها المشاهد، والمعابد، والأمكنة المقدسة، التي يقصدها الزوار للتبرك والعبادة. وهي الأمكنة التي يرون لها شرفاً عظيماً، وقدساً خاصاً، ويعتقدون أن فيها بركة، لما حدث فيها من الوقائع العظيمة، وأُكرم فيها بعض عظمائهم بالقرب أو الكلام، أو الوصول والمعرفة، أو تجلّت فيها بعض آلهتهم تجلياً خاصاً. وفي هذه الأماكن كثرت الأعياد الدينية، والمواسم والأسواق، التي اصطبغت بصبغة الدين.

وتوجد أكثر هذه المشاهد والأمكنة المقدسة، على شاطيء نهر الجانج[7]. (GANGES)_، الذي يعده الهندوس، أشهر نهر مقدس في الهند. ففي كل عام، يزور آلاف الهندوس، المدن المقدسة، كمديني فاراناسي Varanasi، والله أباد Allahabad، التي تمتد على ضفاف نهر الجاجن، ليستحموا فيه، وليأخذوا بعض مياهه إلى منازلهم. وتصطف المعابد، على ضفة النهر، وكذلك السلالم، التي تؤدي إلى أسفل، حيث المياه. ويأتي بعض الزائرين للاستحمام، في المياه، لتطهير أنفسهم وتنظيفها، ويأتي المرضى والمقعدون، على أمل في الشفاء. ويأتي بعضهم ليموتوا في النهر، ظناً منهم أن الذي يموت في نهر الجانج، سيذهب إلى الجنة.

ومن أعظم المراكز التي يحج إليها البوذيون، مدينة جياGAYA ، في ولاية بِيهار (في الهند) التي قضى فيها مؤسس الديانة البوذية، جوتاما بوذاGautama Buddaمدة طويلة. ويقال إنه ذهب في أحد الأيام، إلى أطراف مدينة جيا، وجلس تحت ظل شجرة متأملاً، وفقاً للطريقة التي تعلمها، وساعياً إلى الوقوف على الحقيقة، وبلوغ درجة الإشراق. واكتشف أن أصل المعاناة، يعود إلى الرغبة والجهل، والعارف بالأسرار من يدرك ذلك، ومنذ تلك الفترة، أصبحت الشجرة الذي جلس تحت ظلها مقدسة، يحج إليها البوذيون، وسميت شجرة الإشراق.



[1] أن عيد الحصاد العيد الثاني من أعياد الحج الثلاثة، التي كان جميع الذكور مكلفين فيه بالحضور إلى بيت المقدس. يرتبط هذا العيد بمناسبتين: الأولى، موسم حصاد القمح؛ والثانية، هي ذكرى نزول الناموس (الشريعة) على موسى، ، بعد الخروج من مصر، وذلك في طور سيناء. ويقع عيد الحصاد، في اليوم السادس، من الشهر الثالث، في الأشهر العبرية المسمى (سبوان Sivan) ، الذي يوافق شهر يونيه. وعرف هذا العيد بهذا الاسم، لأنه يأتي بعد الانتهاء من حصاد القمح، ومدته يوم واحد.

[2] الفِصح، كلمة عبرية، معناها (العبور). وهذا العيد يتفق وقته مع موعد خروج موسى، وبني إسرائيل، من مصر، ونجاتهم من فرعون. يقع هذا العيد في الرابع عشر من الشهر العبري المسمى (أبيب)، وهي كلمة عبرية معناها (الربيع)، ويوافق شهر أبريل وتستمر شعائره سبعة أيام.

[3] يسمى بالعبرية (سكوت). سُمي بذلك لأن من عادتهم أن يسكنوا مظالاً (خياماً) أثناء مدة العيد، وذلك للتذكير بإقامة بني إسرائيل في الخيام في صحراء سيناء بعد خروجهم من مصر. ويقام هذا العيد في الشهر السابع من السنة العبرية، ويُعدُّ بسبب رقمه، مقدساً، ويأتي عند نهاية الفصل الزراعي. ويوافق شهر أكتوبر وابتداؤه يكون في الخامس عشر منه ومدته ثمانية أيام.

[4] قرية (الجليل) في فلسطين.

[5] تقع أشهر هذه السراديب في الفاتيكان.

[6] بالسعّافين يقال إن المسيح عندما دخل ظافراً إلى بيت لمقدس، نُشر سعف النخل على طريقه.

[7] ينبع نهر الجانج من كهف ثلجي بارتفاع 3.139 م فوق مستوى سطح البحر، يقع في جبال الهملايا شمالي الهند، ويصب في خليج البنغال.