إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أنبياء الله: تعريف وتاريخ




منظر علوي وجانبي للسفينة
آثار سد مأرب
أثر سفينة نوح
نحت في الجبل
مجسم لهيكل سليمان
مصحف عثمان
مكة المكرمة
مقام يحيى عليه السلام
المسجد الحرام
الكعبة المشرفة
بحيرة لوط عليه السلام
ختم الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى أمير البحرين
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى هرقل
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى النجاشي
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى
صناعة الدروع والأسلحة
غار ثور
قبر أيوب عليه السلام

من مولد النبي إلى إرهاصات النبوة
من البعثة إلى الهجرة
من تأسيس الدولة إلى الوفاة
أولو العزم
نسب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ارتفاع الجبال عن سطح البحر
شجرة أبناء آدم
قبة الصخرة والمسجد الأقصى

أهم الأصنام
ممالك اليمن
أوضاع اليهود بعد وفاة سليمان عليه السلام
هجرة إبراهيم عليه السلام
هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
مراحل توحيد شبه الجزيرة العربية
أصحاب الرس
أصحاب السبت
أصحاب القرية
مكانا هبوط آدم وحواء
الوضع السياسي قبل البعثة
اتساع مملكة داود عليه السلام
توزيع الجنس البشري
بعثة نوح عليه السلام
بعثة هود عليه السلام
بعثة لوط عليه السلام
بعثة إلياس عليه السلام
بعثة أيوب عليه السلام
بعثة إدريس عليه السلام
بعثة إسماعيل عليه السلام
بعثة إسحاق عليه السلام
بعثة يونس عليه السلام
بعثة يوسف عليه السلام
بعثة داود عليه السلام
بعثة يعقوب عليه السلام
بعثة سليمان عليه السلام
بعثة صالح عليه السلام
بعثة شعيب عليه السلام
بعثة عيسى عليه السلام
بعثة ذي الكفل عليه السلام
بعثتا زكريا ويحيى عليهما السلام
حادث الفيل
خروج موسى من مصر
خروج موسى وهارون
رحلة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الشام
شبه الجزيرة العربية
طريق حج الأنبياء
عودة موسى إلى مصر
عبور بني إسرائيل
غزوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ذرية نوح عليه السلام
قوم تُبع



قصص الأنبياء 1

المبحث الحادي عشر

موسىu من ولادته حتى هلاك فرعون وجنوده

هو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وقد ذكر اسمه في القرآن الكريم 136 مرة، في 34 سورة.

فقد اختاره الله واصطفاه على الناس بالرسالة وبكلامه مع الله عز وجل، لقوله تعالى: ]يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَاءَاتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[ (الأعراف: الآية 144).

وقد أثنى الله عليه في القرآن الكريم ثناءً بليغاً, قال تعالى: ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا[ (مريم: الآية 51)، كما كان مقرباً إلى الله عز وجل، قال تعالى: ]وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا[ (مريم: الآية 52).

وألقى الله على موسىu محبته، قال تعالى: ]وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي[ (طه: الآية 39)، ويذكر القرآن الكريم ملخص قصة موسىu وفرعون في سورة القصص، في قوله تعالى: ]طسم(1)تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ(2)نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(3)إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(4)وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(5)وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ[ (القصص: الآيات 1-6).

لقد تجبر فرعون في الأرض, وجعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفة منهم (بني إسرائيل)، يستخدمهم في أخس الصنائع والحرف، يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم وفى ذلك بلاء من ربهم عظيم، ثم أراد الله سبحانه وتعالى أن يمُن على هؤلاء الذين استضعفوا في الأرض من بني إسرائيل، فينقلبوا آمنين من بعد خوف، ويصبح الضعيف قوياً، والذليل عزيزا، والفقير غنياً، ويؤول ملك فرعون إليهم ويجعلهم أئمة، ويورثهم جنات وعيوناً، وكنوزاً ومقاماً كريماً، من بعد إهلاك فرعون وجنوده.

كان بنو إسرائيل يتداولون بينهم ما يؤثرونه عن إبراهيمu من خروج  غلام من ذريته يكون على يديه هلاك ملك مصر، وكانت تلك البشارة مشهورة عند بني إسرائيل، وتحدث بها القبط فيما بينهم، وقصوا ذلك على فرعون وبعض أمرائه وأساورته[1]، فأمر فرعون بقتل كل من يولد ذكراً من بني إسرائيل، حذراً أن يكون ذلك الغلام من بينهم.

هكذا احترز فرعون كل الاحتراز، ألا يبقى ذكراً مولوداً حيا حتى لا تتحقق تلك النبوءة، فجعل رجاله وقوابله[2] يدورون على الحبالى، فيعلمون ميقات وضعهن، وحين يأتي موعدهن يذبحون ما يولد منهن من الذكور، كان هذا قبل ولادة موسىu.

ولما كثر قتل الذكور من بني إسرائيل، خاف القبط أن يفنى كل بني إسرائيل فتؤول إليهم الأعمال الشاقة بدلا منهم، فشكوا ذلك إلى فرعون، فأمر رجاله بأن يقتلوا الولدان عاما،ً ويتركوهم عاماً، فولد هارونu في عام لا يقتل فيه الذكور، وولد موسىu في العام الذي يقتلون فيه الذكور، ولم تظهر علامات الحمل على أمه كباقي الحوامل، كما لم تفطن الدايات لحملها، فلما وضعت أم موسى، موسىu ورأت أنه ذكر خافت عليه خوفاً شديداً، وأوحى الله إليها أن ترضعه فإذا خافت عليه من الموت، أن تلقيه في اليم، وألا تخاف، ولا تحزن على فراقه، فإن الله سيرده إليها، ويجعله من المرسلين قال تعالى: )وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ( (القصص: الآية 7).

وكان بيت أم موسىu على حافة النيل، فجهزت له تابوتاً، ومهدت فيه مهداً، وأخذت ترضعه، حتى إذا دخل عليها أحد رجال فرعون، أسرعت بوضعه في التابوت وربطته بحبل وسيرته في النيل، ثم نست الحبل فذهب التابوت مع الماء، وعندئذ طلبت من أخته أن تقص أثره فتسير بحذاء اليم، تراقبه عن كثب، دون أن تشعر بها أحداً، قال تعالى: )وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ( (القصص: الآية 11).

كان موسىu في رعاية الله وعنايته، كان اللهY يكلؤه ويسمع ويرى كل شيء (خوف الأم، ووفاء الأخت، وطفو تابوت موسىu في النهر)، لقد نهى الله سبحانه وتعالى أم موسى عن الخوف عليه، أو الحزن، ووعدها بأن سيعيده إليها مرة أخرى، وعلى الرغم من ذلك فقد كان قلبها كقلب كل أم تخشى على وليدها، كادت أن تبوح بأمره، لولا أن ربط الله على قلبها، قال تعالى: )وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاَ أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ( (القصص: الآية 10).

وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً فهي تعلم أن موسىu قد يغرق في اليم، وهى التي ألقته فيه بنفسها ولا تعلم عنه شيئاً، إنه يسير مع تيار الماء الجاري في النهر إلى المجهول، وهو مُعرض للغرق في أي لحظة، لكن الله ثبت أقدامها وربط على قلبها لتكون من المؤمنين، فلم تفقد ثقتها بالله لحظة، فهي تعلم أن وعد الله حق، وعودته إليها لابد أن تتحقق.

سارت أخته بحذاء الساحل، تراقبه، وتقص أثره دون أن تشعر بها أحداً، فلما ألقاه اليم بالساحل (بجوار بيت فرعون)، التقطته الجواري واحتملنه إلى امرأة فرعون التي كانت مؤمنة، فلما رأته ورأت حسنه وبهاءه، سُرت به وأدخلته قصرها، وألقى الله عليها محبته في قلبها، غير أنه في علم الله سوف يكون عدواً لآل فرعون، وسوف يكون سبباً في هلاكهم، قال تعالى: ]فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا[ (القصص: الآية8).

أولاً: تربية موسىu في بيت فرعون

وصل موسىu بعناية الله إلى امرأة فرعون "آسيا" بنت مزاحم، ولما رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية، أحبته حباً شديداًً، وعندما جاء فرعون سألها عنه، وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودافعت عنه، وقالت: ]قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَك لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ[ (القصص: الآية 9) ذلك لأنهما لم يكن لهما أولاد من قبل، هكذا شاءت إرادة الله تعالى أن يجعل امرأة فرعون سبباً في إنقاذ موسىuمن القتل، وشاءت إرادة الله أن يعيش موسىu في بيت فرعون، الذي هو عدو لله وعدو له.

أرادوا أن يرضعوا موسىu فأبى، حاولوا أن يأتوا له بمرضعة ترضعه، لكن الله  قد حرم عليه المراضع من قبل، تحريم منع، لا تحريم شرع، فلم يقبل طعاماً من أي ثدي، وهنا ظهرت أخته فأشارت عليهم بتلك المشورة حيث قالت: ]هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُون( (القصص: الآية 12)، فشكَّوا في أمرها، وسألوها عن سبب معرفتها بآهل ذلك البيت الذي تتحدث عنه، وكيف أنهم سيكونون له ناصحين، فقالت لهم إن نصح أهل ذلك البيت له وشفقتهم عليه إنما لرغبتهم في إدخال السرور على الملك، وحرصاً  منهم على منفعته، فذهبوا معها إلى أمه، وعرضوه عليها، فرضع من ثديها، ولما رأوا ذلك فرحوا فرحاً شديداً، واستدعت "آسيا" أمه إلى قصرها وعرضت عليها أن تكون عندها، وأن تحسن إليها، فأبت، وقالت إن لي بعلاً وأولاداً, فهل ترسليه معي، فأرسلته معها, وأعطتها النفقات اللازمة، فرجعت أم موسى به إلى بيتها فرحة قريرة العين، فقد جمع الله شملهما مرة أخرى، كما وعدها، قال تعالى: ]فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ[ (القصص: الآية 13)، تيقنت أم موسىu أن وعد الله حق، فقد تحقق تماماً ما وعدها ربها به، وها هي تنتظر وعد الله بأن يكون موسىu من المرسلين.

ثانياً: خروج موسىu من مصر إلى أرض مدين[3]

بعد تمام رضاعة موسىu سلمته أمه إلى قصر فرعون، وعاش موسىu في هذا القصر وشب فيه وترعرع، وكان محبوبا من كل البشر، فلا يراه أحداً إلا أحبه، ولما بلغ أشده واستوى، آتاه الله حكماً وعلماً، قال تعالى: ]وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ( (القصص: الآية 14)، وفى ذات يوم دخل موسىu المدينة على حين غفلة من أهلها، فإذا برجلين يقتتلان، أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من قوم فرعون، فاستغاثه الرجل الذي من بني إسرائيل، على الآخر الذي من آل فرعون، فسارع موسىu لنجدته، ووكز الرجل بيده (وقيل بعصاه) فقتله على الفور، لقد قتل موسىu الرجل دون عمد، فقد جاء أجله وانتهى عمره في تلك اللحظة بيد موسىu. (اُنظر خريطة خروج موسى u من مصر)

استغفر موسىu ربه وأناب، لام نفسه على تلك الفعلة، وحاسب نفسه على ذلك، وقال: إن ما حدث هو من عمل الشيطان ووسوسته، ثم ظل يدعو ربه ويستغفره، حتى استجاب الله لدعائه وغفر له، قال تعالى: )وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ(15)قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(16)قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ[ (القصص: الآية 15-17).

 فلما كان اليوم الثاني خرج موسىu إلى المدينة وهو خائف من افتضاح فعلته التي فعلها بالأمس، ويترقب ما يمكن أن يحدث له، وكان الخبر بمقتل المصري قد وصل إلى فرعون.

وأصبح موسىu في المدينة خائفاً يترقب ما قد يُفعل به، وبينما رجال فرعون يطوفون ويبحثون عن موسىu، إذ تتكرر واقعة الأمس مرة أخرى أمامه، فقد رأى موسىu الرجل الذي استغاثه بالأمس، يستصرخه، وهو يقاتل رجلاً من آل فرعون مرة أخرى، فتذكر موسىu ما حدث بالأمس وقال للذي استغاثه: }إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ { (القصص: الآية 18)، فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما (أي الذي من قوم فرعون) صرخ الرجل، وقال لموسىu: }يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ{ (القصص: الآية 19)، وانطلق الفرعوني إلى قومه ليخبرهم بما حدث، ووصل الأمر إلى فرعون.

في تلك الأوقات العصيبة التي مرت بموسىu، أتى رجل من أقصى المدينة يسعى، والتقى بموسىu وحذره وأنذره من قوم فرعون، أخبره أنهم يتآمرون على قتله، ثم أشار عليه بالخروج من المدينة، فاستجاب موسىu لنصيحته وخرج من المدينة خائفاً يترقب، قال تعالى: ]وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ(20)فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[ (القصص: الآيات 20-21). فإنه لم يألف ذلك الشيء من قبل، لقد كان في قصر فرعون مرفها منعما، والآن لا يعلم إلى أين يذهب.

دعا موسىu ربه أن ينجيه من القوم الظالمين، ثم اتجه إلى مدين سائلاً الله أن يهديه إلى سواء السبيل، فهو في حيرة من أمره، بعد هذا الموقف الجديد، الذي فرض عليه، ولم يألفه من قبل، ولما بلغ ماء مدين، وجد جماعة من الناس يسقون أنعامهم، ووجد من دونهم امرأتان تنتظران حتى يغادر الرعاء، فسألهما موسىu عن أمرهما؟ فأخبرتاه أنهما لا يسقيان حتى ينتهي الرعاة من السقاية، وأن أباهما شيخ كبير، لا يستطيع أن يأتي لذلك، فرحمهما موسىu وسقى لهما ثم تولى إلى الظل يناجي ربه: ]فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ[ (القصص: الآية 24).

قال تعالى: )وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ(22)وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23)فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ[ (القصص: الآيات: 22-24).

جلس موسىu يناجي ربه بعد أن تولى إلى الظل، فسمعته المرأتان، فلما رجعتا وقصتا على أبيهما ما حدث، وما كان من أمر موسىu معهما، أمر إحداهما أن تذهب إلى موسىu لتدعوه ليأخذ أجر سقايته لهما: ]فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا( (القصص: الآية 25)، فلما جاءته إحداهما، وعرضت عليه قول أبيها، لبى دعوة أبيها له، ثم ذهب معها إليه.

بعد أن حضر موسىu إلى أبيها قص عليه قصته، وما كان من أمره مع فرعون وقومه، وكيف هرب من مصر فِراراً من فرعون، فرحب به وطمأنه وأكرمه، وقال له: )لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[ (القصص: الآية 25) أي خرجت من سلطانهم، ولست في دولتهم الآن، وقد اختلفوا في تعريف هذا الشيخ ؟ قيل: إنه نبي الله "شعيب"وهذا هو المشهور، وقيل: هو رجل مؤمن من قوم شعيب ذو قرابة به فقط، أمّا أهل الكتاب فقالوا هو "يثرون" كاهن مدين، وقيل أيضاً إنه نبي مثل شعيب، المهم أنه لما استضاف موسىu عنده، وأكرمه، وطمأنه، وهنأه بنجاته من فرعون، عند ذلك قالت إحدى ابنتيه واسمها (صافورا): ]يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْه إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ[ (القصص: الآية 26)، ثم مدحته عند أبيها وقالت إنه قوي وأمين, فقال لها أبوها: كيف عرفت هذا؟ قالت: لقد رفع الصخرة التي لا يطيق رفعها عشرة رجال وحده[4]، وإني لما دعوته، وتقدمت أمامه، قال: كوني من ورائي، فإذا اختلف الطريق فاقذفي لي بحصاة أعلم بها الطريق.

ارتاح الشيخ لموسىu وأراد أن يزوجه إحدى ابنتيه فعرض علي موسىu ذلك، وقال: ]إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ[ (القصص: الآية 27)، أدرك الرجل المؤمن بفراسته أن هذا أحق الناس بنكاح إحدى ابنتيه (صافورا أو شرفا)، فعرض عليه أن ينكح احد أبنتيه هاتين مقابل أن يستأجره للعمل لمدة ثماني سنوات، فإن أتمها عشراً فهذا كرم منه, ولن يشق عليه الأمر، فأي الأجلين قضى (ثماني سنين أو عشر سنوات) فهو موفٍ به، قال موسىu: ]ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ[ (القصص: الآية 28).

ولما أكمل موسىu الأجل سار بأهله مودعاً عشيرته، قيل أتمها عشر سنين كاملة، وفي هذا قال ابن عباس: قضى أكثرهما وأطيبهما، وقال سعيد بن جبير:)سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ أَيَّ الأجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى، قُلْتُ: لا أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ فَقَدِمْتُ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ فَعَلَ( (صحيح البخاري: 2487).

ثالثاً: خروج موسىu من مدين وتلقي رسالة ربه

قضى موسىu الأجل الذي بينه وبين صهره، وخرج بأهله في ليلة باردة مظلمة، وبينما هو على هذه الحال إذ أبصر عن بعد ناراً متأججة ]فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي ءَانَسْتُ نَارًا لَعَلِّي ءَاتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى[ (طه: الآية 10)، أراد أن يأتي أهله بشعلة من النار ليستدفئوا بها، لقوله تعالى: ]أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ[ (القصص: الآية 29) وأراد أيضاً أن يأتي أهله من هناك بشهاب قبس أو بخبر يساعدهم على معرفة الطريق، وفى هذا قال موسىu: ]لَعَلِّي ءَاتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ[ (القصص: الآية 29)، فلما ذهب موسىu إلى الشجرة رأى ناراً متأججة في البقعة المباركة من شاطئ الوادي الأيمن، وسمع هناك نداءً علوياً إلهياً يناديه: ]يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[ (القصص: الآية 30).

لقد أحدث هذا النداء من الله عز وجل لموسىu زلزالاً في نفسه، فهاهو الله رب العالمين يخاطبه، إنه سيتلقى تكليفاً من الله بالرسالة من هذا المكان الطاهر المقدس، قال تعالى: ]فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين(8) يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ (النمل: الآية 9,8).

أمره الله سبحانه وتعالى بأن يخلع نعليه، لقد ارتجت الأرض من تحت أقدام موسىu في هذا الموقف المهيب، ارتجت بالخشوع والرهبة والإجلال، فهنالك اختار الله موسىu ليكون رسولاً إلى بني إسرائيل، قال تعالى: ]فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى(11)إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12)وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى(13) [ (طه: الآيات 11-13)، وانتفض موسىu وهو يتلقى الوحي الإلهي، وأخذته الدهشة، فإن الذي يكلمه هو الله رب العالمين، وها هو ذا يتلقى أول أوامره سبحانه وتعالى له، قال تعالى: )إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي(14)إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى(15)فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى[ (طه: الآيات 14-16).

من هذا المكان المقدس، بالوادي المقدس طوى، أمر الله موسىu بعبادته وعدم الشرك به، وإقامة الصلاة لذكره، كما أخبر موسىu بأن الساعة آتية لا ريب فيها، يكاد الله يخفيها عن الناس، ليختبر كل نفس بما تعمل في تلك الحياة، حتى تجزى كل نفس بما تسعى في الآخرة. (اُنظر خريطة عودة موسىu إلى مصر)

ثم خفف الله من روع موسىu  فقال له مخاطباً ومؤانساً: ]وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى[ (طه: الآية 17)، ما هذه العصى التي في يدك؟ فقال موسىu ]هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى[ (طه: الآية 18)، وكان يمكن لموسىu أن يجيب ربه على قدر سؤاله سبحانه وتعالى، لكنه أطال الجواب أنساً وحباً لذات الله، فقال تلك عصاي التي أعتمد عليها وأرعى بها غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، والله يعلم بالطبع ما في يمين موسى وما يفعل بها، لكنه أراد أن يدخل الأنس والطمأنينة على قلبه، أراد الله أن يُذهب عنه الخوف والرهبة من هذا الموقف الجليل، ثم أمره أن يلقي عصاه، فلم يتردد موسىu لحظة واحدة في تنفيذ أمر ربه فألقاها على الفور، قال تعالى لموسى: ]أَلْقِهَا يَامُوسَى(19)فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى[ (طه: الآيتان 20,19).

حينما ألقى موسىu عصاه، تحولت في لمح البصر إلى حية تسعى، تتحرك وتهتز كأنها جان، فخاف موسىu منها وولى مدبراً ولم يعقب، قال تعالى: ]وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ[ (القصص: الآية 31)، صارت عصا موسىu حية عظيمة، لها أنياب تصك، وتتحرك على الأرض بسرعة كأنها جان، لقد جمعت بين الضخامة والسرعة الشديدة، ولما أراد الله أن يُذهب خوف موسى، بعد أن ولى مدبراً منها، ناداه سبحانه وتعالى وقال: ]يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ[ (القصص: الآية 31)، أكد الله تعالى لموسىu أنه لن يصاب بسوء من تلك الحية، وأمره بالإمساك بها وأخذها دون خوف أو رهبة فهو آمن منها، وسيعيد الله عصاه إليه مرة أخرى، وما على موسىu إلا أن يمد يده ليأخذها، قال تعالى: ]خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى[ (طه: الآية 21)، فوضع موسىu يده في فمها، وعند أهل الكتاب: أمسك بذنبها، فلما وضع يده عليها، عادت كما كانت عصا ذات شعبتين، فسبحان الله العظيم القدير.

كان هذا تدريباً من الله لموسىu على استخدام العصا، قبل أن يستخدمها مع فرعون والسحرة، ثم أمره بإدخال يده في جيبه، ثم نزعها، فإذا هي تتلألأ بياضاً من غير سوء، كالقمر في ليلة البدر، أي من غير برص ولا بهق، قال تعالي لموسى مبينا له آيته الثانية: ]اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ[ (القصص: الآية 32)، قيل معنى ضم الجناح من الرهب: أي إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك، وهذا وإن كان خاصاً به، إلا أنه ينتفع به من فعل ذلك على وجه الإقتداء بالأنبياء.

لقد كانت العصا واليد آيتين من آيات الله وبرهانين وعلامتين من عنده، أعطاهما الله لموسى لتكونا معجزتين من الله إلى فرعون تؤكدان صدق موسىu، قال تعالى: ]فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلإَيْهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ[ (القصص: الآية 32)، إن الله تعالى أمر موسىu بالذهاب إلى فرعون بهاتين الآيتين، ولما كان موسىu يخشى فرعون لوجود ثأر قديم عليه لقتله رجلاً من قومه، لذا طلب من الله أن يعينه بأخيه هارون لفصاحة لسانه، قال: ]رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ(33)وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ[ (القصص: الآيتان 34,33)، رجا موسىu ربه أن يكون هارون وزيراً له يشد به أزره ويشركه في أمره، قال: ]وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي(29)هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31)وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي(32)كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا(33)وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا(34)إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا(35)قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى[ (طه: الآيات 29-36) فأجاب الله موسىu وعضده بأخيه هارونu، وقال: ]سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ[ (القصص: الآية 35).

ثم أمره بأن يذهب إلى فرعون بعد أن طغى وتجبر، قال تعالى لموسى: ]اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى( (طه: الآية 24)، كان موسىu قد طلب من ربه ثلاثة أشياء، أن يشرح له صدره، وييسر له أمره، وأن يحل عقدة لسانه ليفقهوا قوله، قال: )رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي(25)وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي(26)وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي(27)يَفْقَهُوا قَوْلِي[ (طه: الآيات 25-28)، وكان موسىu قد طلب من الله كما ذكرنا أن يكون هارون وزيراً له، ليؤازره ويعاونه ويشاركه في الأمر، فتلك مهمة صعبة.

أمر الله موسى وهارون عليهما السلام أن يذهبا إلى فرعون لأنه طغى، وأمرهما أن يقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى، قال تعالى لموسى: )اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي(42)اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43)فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44)( (طه: الآيات42- 44).

رابعاً: عودة موسىu إلى مصر ودعوته لفرعون:

بعد أن أمر الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام بأن يذهبا إلى فرعون، ليدعواه إلى عبادة الله تعالى وحده وعدم الإشراك به، وأن يرسل معهما بني إسرائيل ولا يعذبهم، قال تعالى: ]فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(16)أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ[ (الشعراء: الآيات 16،17)، خاف موسى وهارون عليهما السلام أن يفرط عليهما فرعون أو أن يطغى: )قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى(45)قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46)فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى(47)( (طه: الآيات 45- 47) فثبت الله قلبيهما، وطمأنهما بأنه سيكون معهما يسمع ويرى ما يحدث بينهما وبين فرعون.

ذهب موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون وأخبراه بأنهما رسولا رب العالمين إليه، فتكبر فرعون وعتا وأراد أن يذكر موسىu بما أنعم عليه من تربيته في قصره حين كان وليداً، وقال: ]أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ[ (الشعراء: الآية 18)، أي أنت الذي ربيناك في بيتنا، وأحسنا إليك، وأنعمنا عليك، وقضيت فينا سنيناً من عمرك، ثم تفعل فعلتك هذه، فتقتل رجلاً من رجالنا، ثم تفر بعيداً، والآن جئت لتأخذ بني إسرائيل منا؟.

لما قال فرعون لموسىu: ]وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ[ (الشعراء: الآية 19)، قال موسى: ]فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ[ (الشعراء: الآية 20)، أي قبل أن يوحي الله إليّ وينعم عليّ بالرسالة، ثم إن القتل لم يكن عمداً أو عن قصد، وقال لفرعون فررت هارباً لما خفت بطشكم، فوهبني الله حكماً وجعلني من المرسلين، قال موسىu: ]فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ[ (الشعراء: الآية 21)، ثم قال لفرعون مستنكراً استعباده بني إسرائيل مقابل أنه رباه في قصره، قال فهل تلك نعمة تمنها على مقابل استعبادك لهذا الشعب بكامله، ومقابل تسخيرهم في أعمالك وخدماتك وشغلك: }وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ{ (الشعراء: الآية 22).

وقال موسىu لفرعون إني رسول من رب العالمين، فاستنكر فرعون هذا القول، فكيف يجرؤ موسى أن يذكر إلهاً غيره ؟!، وهو الذي جعل قومه يظنون أنه إلههم، عند ذلك حدثت مناظرة بينهما: ]قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ(23)قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ(24)قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ(25)قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأَوَّلِينَ(26)قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ(27)قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[ (الشعراء: الآيات 23-28).

لقد اتهم فرعون موسىu بالجنون لأنه يكلمه عن رب آخر سواه، وأشهد قومه على ذلك مستهزئاً بموسىu ومستخفاً به، لقد كان فرعون جاحدا للصانع تبارك وتعالى، فزعم لقومه أنه الإله الأعظم، وأنه لا يوجد لقومه من إله غيره، قال تعالى: ]وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي[ (القصص: الآية 38)، ويصور الله سبحانه وتعالى كيف كان فرعون يستخف قومه، ويدعي الألوهية من دون الله، قال تعالى: ]فَحَشَرَ فَنَادَى(23)فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى[ (النازعات: الآيتان 24,23)، وقد هدد فرعون موسىu بالسجن إذا اتخذ إلهاً غيره: ]قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ[ (الشعراء: الآية 29).

فلما أقام موسىu الحجج على فرعون، ومعه في ذلك هارونu، ووجدا من فرعون المكابرة، عرض موسىu على فرعون آياته التي أرسله الله بها، ودار حوار بينهما، فقال موسى: ]أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ(30)قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(31)فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(32)وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ[ (الشعراء: الآيات 30-33).

فلما ألقى موسىu عصاه تحولت بقدرة الله إلى ثعبان هائل، ظاهر وجلي وواضح، كان ذا قوائم وفم كبير وشكل هائل مزعج، ووضع يده في جيبه وأخرجها، فإذا هي بيضاء تتلألأ لمن ينظر إليها، كأنها قطعة من القمر، لها إشعاع وبريق يأخذ بالأبصار ويجعل العقول تتوه وتحتار، فانزعج فرعون مما شاهد ورأى من الآيات، وقال للملأ من حوله: إن هذا لساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون, قال الملأ من قوم فرعون: ]أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ[ (الشعراء: الآيتان 37,36).

خامساً: اتهام فرعون لموسىu بالسحر والإفساد في الأرض

لما رأى فرعون من موسىu تلك الآيات البينات، وعلى الرغم من تأكده مما شاهد ورأى، إلا أنه تكبر، وكذب، وأبى أن يؤمن بما جاء به موسىu واتهمه بالسحر، وقال إنه جاء ليخرجهم من أرضهم بهذا السحر، بعد أن يستولى على عقولهم، ثم طلب من موسىu أن يواعده في وقت ومكان معلوم بينهما، ليتمكن من جمع السحرة الذين يستطيعون مغالبته، قال تعالى: ]وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى(56)قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى(57)فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى[ (طه: الآيات 56-58).

وحدد موسىu موعداً بينهما يجتمع فيه كل الناس، قيل هو يوم النيروز وقيل هو يوم السوق الذي يتزين فيه الناس، وقيل هو يوم عاشوراء كقول ابن عباس، وأن يحشر الناس ضحى حيث تكون الرؤية واضحة وجلية، وقال موسىu لفرعون: ]مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَة وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًىِ[ (طه: الآية 59)، هكذا رأى موسىu أن في أول النهار، وفي وقت اشتداد ضياء الشمس، يكون الحق أظهر وأجلى.

اقترح الملأ من قوم فرعون، أن يؤخر فرعون أمر موسى وهارون عليهما السلام، حتى يرسلوا رجالاً إلى المدن والأقاليم ليجمعوا منها السحرة الماهرين: )قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ(36)يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ(37)( (الشعراء: الآيتان 36، 37) فاستجاب فرعون لقولهم وأرسل إلى المدائن لجمع السحرة الماهرين، قال تعالى: )فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ( (الشعراء: الآية53)، وكانت مصر في ذلك الوقت تعج بسحرة مهرة يبرعون في فن السحر، وبعد أن جمعوا السحرة المهرة من المدن، بدأوا في دعوة الناس لحضور هذا العرض المبهر بين موسىu من جهة، وبين السحرة من جهة أخرى، قال تعالى: )فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ(38)وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ(39)( (الشعراء: الآيتان 38، 39).

وبدأ الناس يتوافدون لمشاهدة هذا الحدث العظيم وهم يقولون: )لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ[ (الشعراء: الآية 40)، فلما تقابل السحرة بموسىu في المكان والزمان المحددَّين قال موسىu لهم: ]وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى(61)فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى(62)قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى(63)فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى[ (طه: الآيات 61-64).

وأسرَّ السحرة النجوى فيما بينهم، وأجمعوا أمرهم على أن موسى وهارون عليهما السلام يريدان أن يستوليا على عقول الناس بسحرهما، و يريدان أن يخرجاهم من أرضهم بهذا السحر، فيذهبا بطريقتهم المثلى، أي تلك الطريقة التي يتبعونها والتي يرونها هي المثلى، ثم أمر السحرة بعضهم بعضاً أن يجمعوا مهارتهم وفنهم في السحر ضد موسىu وألا يتفرقوا، وليقفوا أمامه وقفة رجل واحد، وليلقوا بسحرهم أمام موسى دفعة واحدة فيبهروا أبصار الناس في هذا اليوم، وقد أفلح من كان له الغلبة على الآخر في هذا اليوم!!.

سادساً: إيمان السحرة وعقاب فرعون لهم

بدأ المشهد الذي ترقَّبه الجميع في هذا اليوم، بدأ بحوار بين السحرة المهرة وموسىu فحددوا فيه من البادئ في تلك المناظرة العملية أمام هذا الحشد الكبير، قال السحرة لموسىu: ]يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى(65)قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى(66)فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى(67)قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى(68) [(طه: الآيات 65-68) هكذا دار الحوار بينهم وبين موسىu، أمرهم موسىu بأن يلقوا حبالهم وعصيهم قبله، فلما ألقوها خيل إليه من سحرهم أنها ثعابين تسعى، وإن كانت ليست بثعابين، فأوجس في نفسه خيفة موسىu، لكن الله عز وجل أوحى إليه بألا يخاف من كيد السحرة، فإن النصر والغلبة سيكونان له، فما فعله السحرة بالناس هو سحر للأعين، ورهبة في النفوس، لا أكثر، قال تعالى: )فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ[ (الأعراف: الآية 116).

وبعد أن ألقى السحرة بحبالهم وعصيهم، اعتقدوا أن لهم الغلبة على موسىu، بما لديهم من علوم السحر وفنونه، فأقسموا بعزة فرعون أنهم هم الغالبون قالوا: ]بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ[ (الشعراء: الآية 44).

وبعد أن ألقوا بإفكهم، أمر الله عز وجل موسىu أن يلقي بعصاه لتلقف ما يأفكون، قال تعالى: )وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى( (طه : الآية 69)، فألقى موسىu عصاه وهو على يقين مما سيحدث، فقد علمه الله ذلك حين ألقاها من قبل في الوادي المقدس، حين تحولت بمشيئة الله إلى ثعبان مبين، وقال موسىu للسحرة: ]ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(81)وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ[ (يونس: الآيتان 82,81)، وها هي عصاه تتحول مرة أخرى إلى حية عظيمة ذات قوائم تلقف حبالهم وعصيهم، لقد كان ما فعله السحرة هو كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى، بهذا اللقاء المشهود أظهر الله الحق أمام السحرة وأمام فرعون وأمام الناس، وبطّل عمل السحرة، بعد أن ظنوا أنهم هم الغالبون، قال تعالى: ]فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(118)فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ(119)وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ(120)[ (الأعراف: الآيات 118-120).

فزع السحرة حين رأوا الحية تبتلع أمامهم ما ألقوه من الحبال والعصي، كانت تلقفها واحدة بعد أخرى بسرعة كبيرة وتستوعب كل ذلك في بطنها، والناس يتعجبون!!، وهال السحرة ما رأوا, وحيرهم ما لم يكن في خلدهم, وعرفوا أن هذا ليس بسحر أو شعوذة، بل هو حق لا يقدر عليه أحد، إلا الحق سبحانه وتعالى, الذي أرسل موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ إليهم بتلك الآية المعجزة (العصا)، وهنا كشف الله الغفلة عن السحرة، ورفع الغشاوة من على قلوبهم، فأنابوا إلى ربهم، وخروا لله ساجدين، وقالوا: ]ءَامَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى[ (طه: الآية 70).

واستشاط فرعون غضباً، فكيف يأتي بالسحرة لينصروه، فيتحولوا عنه جميعا، فجأة، وفي لحظة واحدة إلى موسى وهارون عليهما السلام، ويشهدوا أمام الناس وأمامه برب موسى وهارون، كيف يحدث ذلك دون إذنه؟!، إنهم لاشك يستحقون عقاباً رادعاً نظير خيانتهم له: ]قَالَ ءَامَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى(71)قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(72)إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى[ (طه: الآيات 71-73).

قال سعيد بن جبير وعكرمة وغيرهم: لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم قد تهيأت لهم في الجنة، وتزينت لقدومهم، ولهذا لم يلتفتوا إلى هيبة فرعون وتهديده ووعيده، وأخذ فرعون يتهددهم ويتوعدهم, مرة متهماً موسىu بأنه كبيرهم الذي علمهم السحر، ومرة يتهمهم بالتآمر عليه بغية التأثير على رعيته، الذين أخذتهم الدهشة من ذلك الحدث وانعقدت ألسنتهم لذلك، وقال فرعون للسحرة: ]إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ[ (الأعراف: الآية 123).

هكذا جمع فرعون السحرة لينصروه على موسىu، لكن الله جعل خذلانه وهزيمته على أيديهم، فلذلك صب فرعون جامَّ غضبه على السحرة حتى لا يقتدي بهم أحد من رعيته, وأمر بصلبهم في جذوع النخل العالية، بعد أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ليراهم الناس في العشية والضحى فيكونوا لهم عبرة، فما كان من السحرة إلا أن أصروا على إيمانهم برب موسى وهارون, وقالوا افعل ما تشاء, فلن يتعدى حكمك علينا إلا هذه الحياة الدنيا، لقد آمنا بربنا عسى أن يغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى: ]قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ(50)إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ[ (الشعراء: الآيتان 50، 51).

لقد جاء السحرة في أول النهار كافرين ثم أمسوا من المؤمنين، لم يترددوا في إيمانهم، بعد أن رأوا بأعينهم ما جاء به موسىu من عند ربه، لقد اكتشفوا زيف فرعون فلم يصبح له ذلك التأثير السابق عليهم، لقد تحرروا من عبوديته إلى عبادة الله رب العالمين، رب موسى وهارون، أصبحوا بهذا الإيمان لا يخافون الموت، لقد جاء دورهم ليلقنوا فرعون درساً مما تعلموه، جاء دورهم ليعظوه ويخوفوه بأس ربهم العظيم، فقالوا: ]إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا[ (طه: الآية 74)، فإياك أن تكون منهم، ]وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلاَ(75)جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى(76)[ (طه: الآيتان75، 76)، فاحرص أن تكون منهم.

ونفذ فرعون عقوبته على السحرة، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلبهم في جذوع النخل، حتى ماتوا جميعاً قال عنهم ابن عباس: كانوا أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة! ويؤيد ذلك قولهم في آخر اليوم ]رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ[ (الأعراف: الآية 126).

يخبرنا الله تعالى أن الملأ من قوم فرعون (أمراءه وكبراءه), قد حرضوه على إيذاء نبي الله موسىu وقومه ومقاتلتهم بدلاً من التصديق بما جاء به، فكان رده أنه سيقتل أبناءهم, ويتمادى في إيذائهم بحكم سلطته وجبروته، قال تعالى: ]وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ( (الأعراف: الآية 127)، وبعد أن تخلص فرعون من السحرة قرر أن يقوم رجاله بقتل الأبناء، ووقف موسىu يشاهد ما يحدث دون أن يقوى على دفع ذلك عن قومه، فطلب منهم أن يستعينوا بالصبر على ذلك البلاء, وطمأنهم بأن الله سيجعل العاقبة للمتقين، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أوذينا من قبل مجيئك، وأوذينا من بعد مجيئك، فدعاهم إلى التضرع إلى الله بأن يهلك أعداءهم، ويستخلفهم في الأرض من بعدهم، لينظر ماذا يعملون، قال تعالى: )قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(128)قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ[ (الأعراف: الآيتان 128-129).

لقد كان قتل الغلمان فترة ولادة موسىu تخوفاً من الرؤيا التي رآها فرعون من قبل أن يأتي موسىv، وها هو ذا قد عاد للقتل ثانية بعد أن خاف من تأثير موسىر على قومه، كما تأثر السحرة به من قبل، لقد خاف فرعون أن يبدل موسىر دينهم فيعبدون إله غيره فقال لقومه: ]ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ[ (غافر: الآية 26)، فكيف يقول هذا ويظهر تخوفه على الناس، وهو الذي يستعبدهم ويقول لهم ]أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى[ (النازعات: الآية 24). استعاذ موسىv بربه، واستجار به من سطوة فرعون وجبروته، وقال لقومه: ]إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ[ (غافر: الآية 27).

وجاء رجل يكتم إيمانه من آل فرعون إلى موسىu، قيل هو ابن عم فرعون، قال ابن عباس: لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا، وامرأة فرعون, والذي جاء من أقصى المدينة يسعى, ولما هم فرعون بقتل موسىu، خاف الرجل المؤمن على موسىu وقال: ]أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ(28)يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا[ (غافر: الآيتان 29,28).

هذا الرجل يقول كلمة حق أمام قوم سيطر عليهم ملك جائر ظالم، هو فرعون الجبار، وما فعله هذا الرجل هو أفضل الجهاد عند الله، قال أبى سعيد الخضري: قال رسول اللهe: }أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ{ (سنن ابن ماجة: 4001). هكذا حذرهم ولي الله بالعقل والمنطق، إن كان موسىu صادقاً في قوله فسيصيبهم بعض ما قاله من عذاب الله وبأسه, ثم من الذي سينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله وبأسه إذ جاءهم هذا العذاب أو البأس ؟!.

واستطرد الرجل المؤمن قوله لقومه، فقال: )يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ(30)مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ(31)وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(33)( (غافر: الآيات30 – 33)، ويبدو أن هذا الرجل المؤمن قد فتح الله عليه من نعمة الإيمان والعلم، فترى دعوته لقومه تأخذ طابع الإقناع والمنطق، وتنساب العبارات من لسانه في سلاسة ويسر، وهو يريد من قومه أن يتبعوه ليوصلهم إلى طريق الرشاد وبر الأمان، فيستطرد قائلاً: ]يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ(38)يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ(39)مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ[ (غافر: الآيات 38-40).

إن هذا الرجل يتحدث إلى قومه مشفقا عليهم من تضليل فرعون لهم، لقد حدد لهم هدفه من دعوته لهم، فهو يدعوهم إلى النجاة من عذاب الله في الآخرة، ويؤكد لهم أن الذي يدعون إليه سيوصلهم إلى عذاب النار: ]وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ(41)تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ(42)لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ(43)فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ(44[ (غافر: الآيات 41-44)، هكذا قال الرجل المؤمن ما يجب أن يقوله لقومه بعد أن ضللهم فرعون وأبعدهم عن طريق الله عز وجل، ثم فوض الرجل أمره بعدها إلى الله  بعد أن بلغ ما كان يجب أن يبلغه، وفعل ما كان يجب فعله!!.

ولما قال الرجل المؤمن ما قال، وخشي فرعون أن يتمكن كلام الرجل المؤمن من قلوب القوم، استخف بعقول قومه وأصر على كفره وفرض رأيه على قومه وقال: )مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ( (غافر: الآية 29)، وما كان فرعون ليعرف طريقاً للصلاح أو الرشاد كما يدعى أمام قومه، إنما كان يعرف طريقاً واحداً هو طريق السفه والكفر والضلال.

ولما استشاط فرعون غضباً مما حدث من السحرة، واهتزت صورته أمام قومه، أمر وزيره "هامان" أن يبني له صرحاً عالياً شاهقاً من الطين المحروق، لعله يصل إلى أبواب السماوات فيطلع إلى الإله الذي يتحدث عنه موسىu أمام الناس، وقال لهامان: ]يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ(36)أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ[ (غافر: الآيتان 37,36)، هكذا كان فرعون يتحدى موسىu ويكذبه ويسخر منه أمام الناس!!.

سابعاً: عذاب الله تعالى لآل فرعون

اختبر الله آل فرعون بسني الجوع والقحط، ونقص الثمار والزرع، وكان آل فرعون إذا جاء الخير والخصب وزاد الرزق قالوا إن ذلك جاء بسببهم، وإذا جاء القحط والجوع ونقص الثمرات، تشاءَموا بموسىu ومن معه من المؤمنين وأصروا على كفرهم وعنادهم، فأرسل الله عليهم آيات مفصلات من العذاب لعلهم إليه يرجعون، قال تعالى: ]وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(130)فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(131)وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ ءَايَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ(132)( (الأعراف: الآيات 130- 132)، فأرسل عليهم الطوفان[5] والجراد[6] والقمل[7] والضفادع[8] والدم[9] آيات لهم كي يعودوا إلى صوابهم، ويقلعوا عن جرمهم، قال تعالى: )فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَاتٍ مُفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ[ (الأعراف: الآية133).

غير أنه كلما وقع عليهم نوع من أنواع العذاب، كانوا يسارعون إلى موسىu يطلبون منه أن يدعو ربه ليكشف عنهم هذا العذاب، حتى يؤمنوا له، ويرسلوا معه بني إسرائيل، قال تعالى: )وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ( (الأعراف: الآية 134).

وكان موسىu يدعو الله في كل مرة ليكشف عنهم العذاب، فيستجيب الله له، ويكشف عنهم العذاب إلى أجل هم بالغوه، لكنهم كانوا ينكثون عهدهم في كل مرة، قال تعالى: )فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ[ (الأعراف: الآية 135).

وبعد أن نكث قوم فرعون عهودهم مع موسىu مرات ومرات، جاء دور فرعون مع قومه الذين استخفهم فأطاعوه، قال تعالى: )وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ(51)أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ(52)فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ(53)فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ[ (الزخرف: الآيات 51-54)، لقد وجد فرعون في قومه ما ينشده، إنه يحدثهم عن مُلكه، وعن الأنهار التي تجري من تحته، لقد ألفوا أن يكون فرعون هو الإله، ولم يألفوا إلهاً غيره، وما جاء به موسىu لا يصدقونه، فكيف يكون رسول من عند الله، ولم تلق عليه أسورة من ذهب، حتى يمكن تصديقه، ولا جاء معه ملائكة حتى يشهدوا له بالتصديق، هكذا استخف فرعون قومه، علم أنهم ماديون فخاطبهم من تلك الزاوية المادية، ولم يخاطبهم عن إله موسى الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار!!.

ثامناً: هلاك فرعون وجنوده

وعلى الرغم مما جاء به موسىu من الآيات وخوارق العادات، التي تبهر الأبصار وتحير العقول، إلا أن قوم موسىu تمادوا في كفرهم، وخالفوا نبيهم، فلم يؤمن منهم إلا قليل، قال تعالى: ]فَمَا ءَامَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلأِيْهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ[ (يونس: الآية 83)، وكان إيمانهم خفية، لمخافتهم من أن يلحق بهم فرعون الأذى بسطوته وجبروته.

وكان موسىu يذكر قومه بالله عز وجل، ويحثهم على التوكل عليه في كل أمورهم، فكان يقول: ]يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ ءَامَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ(84)فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(85)وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[ (يونس: الآيات 84-86)، أمرهم موسىu بالتوكل على الله والاستعانة به، والالتجاء إليه، فاستجابوا له ولدعوته، فجعل الله لهم فرجاً ومخرجاً.

ولما اشتد بهم البلاء من سطوة فرعون وقومه وضاقت بهم السبل، أوحى الله إلى موسى وهارون عليهما السلام أن يأذنا لقومهما بالصلاة في بيوتهم، وأن يجعلوا من بيوتهم مساجد للصلاة والعبادة تجاه الكعبة، قال تعالى: ]وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[ (يونس: الآية 87).

لم يبق أمام موسىu بعد كل ما حدث من فرعون وقومه، سوى أن يدعو ربه عز وجل أن يطمس على أموالهم، وأن يشدد على قلوبهم، فلا يؤمنوا بالله حتى يروا العذاب الأليم، قال تعالى: ]وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ(88)قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ[ (يونس: الآيتان 89,88)، فقد كذب فرعون وقومه بآيات الله التي أُرسل بها موسى وهارون عليهما السلام، وها هو ذا قد قتل السحرة ونكَّل بهم من أجل أنهم آمنوا بربهم رب موسى وهارون، وها هو يُنَكِّلُ بقوم موسىu فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، ويبطش بمن يصلي لله جهرة أمامه، من أجل ذلك طلب موسى وهارون عليهما السلام من ربهما أن يهلك عدوهما، وأن يطمس على أموالهم، فاستجاب الله لهما.

وأوحى الله تعالى إلى موسىu بأن يُخرج ليلاً ببني إسرائيل من مصر سراً، قال تعالى: ]وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ[ (الشعراء: الآية 52)، كما أوحى الله إليه بالسير بهم في اتجاه البحر فإن فرعون وجنوده سيلاحقونهم، ويتبعونهم، ويقتفون آثارهم، وعندما اكتشف فرعون أمر موسىu وقومه، أرسل رجاله إلى المدن لجمع الجنود كي يلحقوا بهم، بعد أن اشتد غيظه وغضبه، فكيف لتلك الشرذمة القليلة من أتباع موسىu أن يقوموا بأفعال تغيظهم[10]، بينما يستطيع هو بسلطانه أن يقضي عليهم بسهولة ويسر، قال تعالى: )فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ(53)إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ(54)وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ(55)وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ(56) [(الشعراء: الآيات 53-56)، واستعار بنو إسرائيل من قوم فرعون حلياً كثيرة قبل خروجهم مع موسىu من مصر.

وعند شروق الشمس تبعهم فرعون وجنوده حتى تراءى الجمعان، وأصبحوا قريبين من موسىu ومن معه، ولما كان البحر أمامهم، وفرعون وجنوده من خلفهم، وقربت المسافات بينهم، قال أصحاب موسىu إنا لمدركون، وطمأن موسىu قومه حين وجدهم خائفين، وأخبرهم أن الله معه، وسيهديه إلى مخرج من هذا الموقف العسير، قال تعالى: )فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ(60)فَلَمَّا تَرَاءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61)قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62) [ (الشعراء: الآيات 60-62).

أوحى الله إلى موسىu بأن يضرب بعصاه البحر، فانفلق البحر فكان كل فرق كالجبل العظيم، وفتح الله طريقاً يابساً لهم في هذا البحر ليتقدم عليه موسىu ومن معه من بني إسرائيل، وقد بلغ عددهم في ذلك الوقت خمسة عشر ألفاً تقريباً. (اُنظر ملحق تعداد بني إسرائيل وقت النزوح العظيم).

قال تعالى: )فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63)وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ(64)وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ(65)ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ[ (الشعراء: الآيات 63-66).

ثم أمر الله موسىu أن يعبر البحر، هو ومن معه من بني إسرائيل، من دون خوف من شيء، فالله ناصرهم على فرعون بإذنه، فأسرع موسىu وقومه بعبور هذا الطريق اليابس في البحر خشية أن يلحق بهم فرعون وجنوده، واندفع فرعون وجنوده وراءهم مسرعين، ثم أمر الله موسىu بأن يترك البحر رهواً، قال تعالى لموسىu: )وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ( (الدخان: الآية 24)، فقد أراد الله أن يعبر موسىu البحر هو ومن معه ثم يطبق البحر على فرعون وقومه فيهلكوا غرقاً، قال تعالى: ]فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ[ (الأعراف: الآية 136). (اُنظر خريطة خروج موسى وهارون من مصر)

هكذا صدق الله وعده فها هو فرعون وجنوده قد أغرقهم الله في البحر وأصبحوا مثلاً وعبرة لغيرهم، أخرجهم من جنات وعيون وزروع ومقام كريم، كي يرثها من بعدهم بنو إسرائيل، قال تعالى: )فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(57)وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(58)كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ(59) [(الشعراء: الآيات 57 - 59).

ونجى الله موسىu ومن معه من بني إسرائيل، فما استطاع فرعون اللحاق بهم، وما استطاع أن ينجو من الغرق، أغرقه الله هو وجنوده وجعلهم عبرة للآخرين، كذلك يفعل الله بالظالمين، قال تعالى: ]فَلَمَّا ءَاسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ(55)فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ[ (الزخرف: الآية 56).

أما ما كان من أمر غرق فرعون، فإنه حينما رأى الموت يحيط به من كل مكان، وصارعته نفسه وهو يتجرع الماء ويغرق، لقد كان ملكاً قوياً مستخفاً بقومه، فهو منذ لحظات كان يدعى أنه ربهم الأعلى، والآن يغرق مع جنوده بوسيلة إهلاك لم يكن يتصورها في يوم من الأيام، ولم تكن تخطر له على بال، إنه الآن يصارع الماء يداً بيد مع جنوده الذين اكتشفوا الآن حقيقة أمره، وتيقنوا من زيف قوله، وما كان يزعم من ألوهية من قبل، فكيف للإله المعبود أن يغرق كما يغرق أتباعه من الجنود؟!، إنه الآن يعلن أمام الغرقى من حوله أنه ليس إلهاً كما كان يزعم ويدعى؟، إنه الآن يشهد أمامهم بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال تعالى: ]وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [(يونس: الآية 90).

لكن هيهات هيهات، يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، إن فرعون ظن أنه قد أفلت من عقاب الله بعد أن أعلن أنه من المسلمين، فهل ظن فرعون أن الإنسان يمكنه أن يتوب إلى الله حين يرى العذاب؟، كلا، إنما التوبة على الذين يتوبون من قريب، ولا يتمادون في ظلمهم، ولا يتجبرون في الأرض بغير الحق، قال تعالى لفرعون وهو يعلن توبته أثناء غرقه: )ءَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(91)فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ[ (يونس: الآيتان 91-92)، إنها توبة مزيفة لا تصلح الآن عند الله، لذلك نجاه الله ببدنه ليكون عبرة وآية لمن يراه على هذا الحال، جسد بلا روح!!.

وفى قوله تعالى لفرعون: ]ءَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[ (يونس: الآية 91) قيل أن الله أمر البحر فرفع جسده فوق مرتفع، وكان جسده سوياً لم يتمزق، وعليه درعه التي يعرفونها، ليتحققوا من هلاكه، وليعلموا قدرة الله عليه، وقيل إن هلاك فرعون وجنوده كان في يوم عاشوراء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: )قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ( (صحيح البخاري: 1865).



[1] أساورته: قواده ورؤساء جيشه.

[2] القوابل: جمع قابلة، وهي المرأة التي تساعد النساء عند الولادة.

[3] مدين: هي بلاد واسعة حول خليج العقبة عند نهايته الشمالية (شمال الحجاز، وجنوب فلسطين)، وتُنسب إلى مدين بن إبراهيمu.

[4] هذه الصخرة هي التي كان الرعاء يضعونها على البئر بعد سقايتهم حفاظاً على ماء البئر0

[5] الطوفان: الأمطار المغرقة المتلفة للزروع – تفسير ابن كثير.

[6] سُئل النبي e عن الجراد فقال: }أَكْثَرُ جُنُودِ اللَّهِ لاَ آكُلُهُ وَلاَ أُحَرِّمُهَُ{ (سنن أبي داود: 3318)، لما نزل الجراد على قوم فرعون أكل كل شيء حتى وقعت دورهم ومساكنهم.

[7] القمل: عند أهل اللغة هو ضرب من القردان، وقيل هو السوس الذي في الحنطة، وقيل هو البراغيث، وقيل هو دواب سود صغار، كما قيل أيضاً هو ضرب من القراد – تفسير القرطبي0

[8] الضفادع: هي الضفادع المعروفة التي تكون في الماء ونسمع نقيقها، قيل: إنها كانت تملأ فراشهم وأوعيتهم وطعامهم وشرابهم، فكان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع، وإذا تكلم وثب الضفدع إلى فيه – تفسير القرطبي.

[9] كان الماء والشراب يتحول إلى دم.

[10] أي يصل إليهم منهم في كل وقت ما يغيظهم – تفسير ابن كثير.