إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / القرآن الكريم









الملحق الرقم ( 3 )

ثامناً: القراءات القرآنية (اُنظر ملحق القراءات القرآنية السائدة في العالم الإسلامي اليوم)

القراءات جمع قراءة، وهي في اللغة مصدر سماعي لقرأ: أي ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، ولا يقال ذلك لكل جمع. فلا يُقال قرأت القوم: إذا جمعتهم، ويدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا نطق به قراءة.

وفي الاصطلاح: القراءة مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراءة، مخالفاً به غيره في النطق بالقرآن الكريم، مع اتفاق الروايات والطرق عنه؛ سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها.

فالمعوّل عليه في القراءة القرآنية، إنما هو التلقي والأخذ، ثقة عن ثقة، وإماماً عن إمام إلى النبي r. فالقرآن المدوّن في الصحف لم يكن هو العمدة، وإنما هو مرجع للمسلمين على كتاب ربهم في حدود ما يدلّ عليه المرسوم. فمن الثابت أن القرآن المدون لم يكن منقوطاً ولا مشكولاً قديماً، وأن صورة الكلمة كانت تحتمل وجوهاً متعددة من القراءات القرآنية المختلفة، مما جعل اختلاف القراءات أمراً محتملاً، منذ عهد الرسولr.

1. الأحرف السّبعة

يقول عمر بن الخطاب،t ]سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِr ، أَقْرَأَنِيهَا؛ وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِr، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا فَقَالَ لِي أَرْسِلْهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ اقْرَأْ فَقَرَأَ قَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي اقْرَأْ فَقَرَأْتُ فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّر[َ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2241).

وروى الترمذي عن أُبي بن كعب قال: ]قَالَ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِr  جِبْرِيلَ u فَقَالَ يَا جِبْرِيلُ إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ مِنْهُمْ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْغُلاَمُ وَالْجَارِيَةُ وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2868).

فنزول القرآن على سبعة أحرف، تواترت به الأحاديث، غير أن الاختلاف انصب على دلالة الحرف. فالعرب تسمّي الكلمة المنظومة  "حرفاً"، وتسمى القصيدة بأسرها كلمة، والحرف يقع على المقطوع من الحروف المعجمة.

وقد أشكل على كثير من العلماء دلالة الحروف السبعة، وتعددت فيها الآراء. فمن ذلك على سبيل التمثيل:

أ. أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة، مثل: أقبل وتعال وهلّم، واذهب وأسرع وعجّل.

ب. إنها سبع لغات في القرآن على لغات العرب، ولا يعني ذلك أن يكون في الحرف الواحد سبع لغات، ولكن هذه السبع متفرقة في القرآن.

ج. إن المراد بالأحرف السبعة وجوه الاختلاف في القراءة، من حيث الحركات وتبادل الحروف، والزيادة والنقصان.

د. إن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع المشهورة.

ويتضح من ذلك، أن الحرف لا يعني حرف الهجاء، ولا حرف المعنى، الذي يُعد قسيماً للاسم والفعل. كما لا يراد به القراءة، وإنما يشير استقراء الواقع إلى أنّ المراد به اللغة واللهجة، وكل حرف يتضمن كماً هائلاً من اللغات واللهجات، تسهيلاً لقارئي القرآن.

فالقراءات السبع أو العشر أو الأربع عشرة، لم تخرج عن إطار حرف واحد، هو الذي جمع عليه عثمان، المصحف، الذي تم توزيعه على الأمصار.

ولقد جاء في البرهان: "رأوا أن ضرورة اختلاف لغات العرب ومشقة نطقهم بغير لغتهم، اقتضت التوسعة عليهم في أول الأمر، فأُذن لكل منهم أن يقرأ على حرفه، أي على طريقته في اللغة؛ إلى أن انضبط الأمر في آخر العهد، وتدربت الألسن، وتمكن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة؛ فعارض جبريل النبيr القرآن مرتين في السنة الآخرة، واستقرّ على ما هو عليه الآن، فنسخ الله سبحانه تلك القراءة المأذون فيها، بما أوجبه من الاقتصار على هذه القراءة، التي تلقاها الناس. ويشهد لهذا الحديث، الذي أشار إلى مراعاة التخفيف على العجوز والشيخ والكبير.

ويقول الإمام الذهبي، في طبقات القراءة: "المشتهرون بإقراء القرآن من الصحابة، سبعة: عثمان، وعلي، وأبي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري. وقال: وقد قرأ على أُبي جماعة من الصحابة منهم: أبو هريرة، وابن عباس، وعبدالله بن السائب، وأخذ ابن عباس عن زيد أيضاً، وأخذ عنهم خلق من التابعين، فمنهم من كان بالمدينة أو بمكة أو بالكوفة، أو بالبصرة أو بالشام".

ثم تجرّد قوم منهم واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية، واتضح مدلول القراءة عندهم، فأجملوه في:

أ. اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع، مثل: ]وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ[ (سورة البقرة: الآية 81)، قرئت بالإفراد (خطيئته)، وقرئت بالجمع (خطيئاته). ومنه قوله تعالى: ]مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ[ (سورة المائدة: الآية 107)، قرئ (الأوليان) مثنى أوْلى، وقرئ (الأوّلين) جمع أول.

ب. اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر، مثل: ]وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا[ (سورة البقرة: الآية 158)، قرئ (تطوّع) بالماضي، وقرئ (يطوّع) بالمضارع، ومنه قَالَ ]أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ[ (سورة الزخرف: الآية 24)، قرئ (قال) بالماضي، وقرئ (قلْ) بالأمر.

ج. اختلاف وجوه الإعراب، مثل: ]وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا[ (سورة النساء: الآية 40)، قرئ (حسنةٌ) بالرفع، وقرئ (حسنةً) بالنصب.

د. الاختلاف بالإثبات والحذف مثل: ]وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[ (سورة الحديد: الآية 24)، قرئ بحذف (هو)، وقرئ بإثباتها.

هـ. الاختلاف بالتقديم والتأخير، مثل: ]وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا[ (سورة آل عمران: الآية 195)، قرئ بتقديم (قاتَلوا)، على (قتلِوا) وقرىء بتقديم (قُتِلوا) على قاتلوا).

و. الاختلاف بالإبدال أي يجعل حرف مكان حرف، مثل: ]فَتَبَيَّنُوا[ (سورة النساء: الآية 94؛ سورة  الحجرات: الآية 6)، قرىء (بجعل الثاء مكان الباء، والباء مكان الياء، والتاء مكان النون (فتثبتوا).

ز. الاختلاف في اللهجات، مثل: الفتح والإمالة والإدغام والإظهار، وإبدال الهمزة وتخفيفها، ونقل حركة الهمزة أو إبقائها، إلى غير ذلك: ]وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُون[َ (سورة يوسف: الآية 13)، قرئ (الذئب) بالهمزة وقرئ (الذيب) بتخفيفها.

فهذه الأوجه كانت اختيار أولئك، الذين اهتموا بالقراءات القرآنية "فإن كل واحد اختار، فيما روى وعلم وجهاً من القراءة، هو الأحسن عنده والأوْلى، ولزم طريقة منها، رواها وقرأ بها، واشتهرت عنه، ونسبت إليه؛ فقيل: حرف نافع، وحرف ابن كثير. ولم يمنع واحد منهم حرف الآخر ولا أنكره، بل سوّغه، وحسّنه"(اُنظر ملحق أسماء القراء وتراجمهم).

فأتقن كل واحد منهم قراءة أو أكثر، فصاروا أئمة يقتدى بهم، ويُرحل إليهم.

2. التأليف في القراءات

عندما تعدد القراء، وتباينت قراءاتهم، وكاد الحق يلتبس بالباطل، انبرى للأمر صفوة من العلماء، وجدّوا في الاجتهاد. فصنّفوا الحروف والقراءات، ونسبوا الوجوه، وعزوا الروايات وأبانوا الصحيح، والمشهور، والشاذ، بأصول تواضعوا على تأصيلها، وأركان أفاضوا في تفصيلها.

فأول من تطرق للتأليف في القراءات، أبو عبيد القاسم بن سلاّم، ثم أحمد بن جبير الكوفي، ثم إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون، ثم أبو جعفر بن جرير الطبري، ثم أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الدّجوني، ثم أبو بكر مجاهد. ثم بدأ العلماء التأليف في أنواع القراءات، وأئمتها.

3. القُرّاء السّبعة

قسّم العلماء القراءات إلى ثلاثة أقسام، حسب درجة القراءة: متواترة، وآحادية، وشاذة.

فالقراءة المتواترة هي، التي نقلها عن النبيr  جمعٌ يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب لمثلهم، وهي القراءات السبع المشهورة، المنسوبة إلى واحد من الأئمة القراء السبعة، ومن روى عنهم. والسبعة هم: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة الكوفي، والكسائي. وروى عن كل واحد منهم رواة[1].

أ. نسبة القراءات للقُرّاء

القرآن متواتر في جميع القراءات المتواترة، وإنما نسبت القراءة إلى قارئ محدد من المشهورين، لأنه تفرغ لتعليم الناس هذه القراءة، فنسبت إليه.

ب. مصطلحات خاصة بالقراءة

قراءة: وهي ما ينسب إلى الأئمة، فتقول قراءة نافع وهكذا.

رواية: وهي ما ينسب إلى الرواة، فتقول رواية قالون، ورواية البزي وهكذا..

طريق: وهي ما ينسب إلى راوي الراوي، فتقول طريق أبي نشيط، وطريق الأزرق، وهكذا.

وليس بهذه الطرق من مدلّس محتال يُخشى من تدليسه، بل كلهم ثقات.



[1] والقراءة المتواترة هي التي تصح في الصلاة وخارجها، خلافاً للقراءتين الآحادية والشاذة فلا يجوز بهما الصلاة.