إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / ردّ فعل جامعة الدول العربية، وموقفها تجاه الغزو العراقي خلال الأيام الأولى للأزمة









ثانياً: اجتماع وزراء الخارجية العرب (2 أغسطس 1990)

ثانياً: اجتماع وزراء الخارجية العرب (2 أغسطس 1990)

طرح الغزو العراقي للكويت، وإلغاء كيانها، كدولة مستقلة ذات سيادة، تحدياً غير مسبوق، أمام المجتمع، العربي والدولي. فبالنسبة إلى النظام العربي، كان الغزو يشكل أكبر تحدٍّ، تعرّض له الأمن القومي العربي؛ ومن الغريب أن يحدث ذلك التحدي من دولة عضو في هذا النظام. حقيقة، تعرّض النظام العربي، خلال العقود الماضية، إلى تحديات متعددة، وكان العراق نفسه مصدراً لتلك التحديات، في مرتَين على الأقل. المرة الأولى، عام 1955، حين أصبح العراق طرفاً مؤسساً لحلف بغداد ومقراً له. والمرة الأخرى، عام 1961، حين اتجه العراق، في عهد عبدالكريم قاسم، إلى التهديد بضمّ الكويت، عقب حصولها على الاستقلال مباشرة، في 19 يونيه من ذلك العام.

بيد أن تلك التحديات، كانت في إطار ما يمكن النظام العربي أن يحتويه، سواء بالتهدئة أم بالحل. ولكن الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990، واجتياح العراق أراضي الكويت، وأعلان ضمها، وعدّها محافظة من المحافظات العراقية، وإلغاء وجودها كدولة، جاء مختلفاً عن كل ما سبق للنظام العربي أن تعرض له.

وعقب الغزو مباشرة، وفي 2 أغسطس 1990، طلبت سورية، وغيرها من الدول العربية، عقد مؤتمر للقِمة، يسبقه، من الفور، اجتماع لوزراء الخارجية العرب، الموجودين في القاهرة، بحُكم اشتراكهم في اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية؛ إذ لا يستدعي الأمر سوى دعوتهم، ليجتمعوا، وحدهم، في غضون ساعة.

وهكذا حدث. فقد طلب الأمين العام لجامعة الدول العربية، الشاذلي القليبي، الذي كان يحضر، كمراقب، اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية ـ إلى وزراء الخارجية العرب، ألاّ يتوجهوا، هذا الصباح، إلى قصر المؤتمرات، في مدينة نصر. وبدلاً من ذلك، فهُم مدعوون إلى اجتماع منفصل خاص لهم، في فندق "سميراميس إنتركونتننتال"، حيث ينزل معظمهم، أثناء وجودهم في القاهرة.

وفي الساعة العاشرة صباحاً، التأم عقد الاجتماع الطارئ. وبدأ وزراء الخارجية العرب يحاولون البحث عن تقدير مشترك لحقيقة ما جرى، وكيف يمكن التصرف حياله. ورأَس الجلسة فاروق قدومي، وزير خارجية فلسطين، بحكُم أن رئاسة دورة مجلس الجامعة العربية، آنئذٍ، كانت لها. وكان اتجاه الآراء في التطورات، على النحو التالي:

1. إن غزو العراق الكويت، هو سابقة، تهدد العلاقات بين الدول العربية بأشد الخطر.

2. إن احتمـالات التـدخل الخارجي، من جـانب الولايات المتحدة الأمريكية وسواها، هي ممكنة، ولا سيما أن الأخبار الواردة من واشنطن صريحة في أن هناك استعدادات عسكرية، وإجراءات لفرض عقوبات اقتصادية، وأحوال طوارئ. وهذه هي البداية، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بالنهاية.

3. إن العرب لا بدّ أن يخرجوا بقرارات، تفرض على العراق، أن ينسحب من الكويت، قبْل أن يتعقد الموقف.

4. إن الأزمة أفدح من أن ينهض بها وزراء الخارجية، فلا بدّ من توجيهات من الملوك والرؤساء العرب، قبْل أن يستطيع الوزراء، أن يخلصوا إلى توصيات، يقدمونها إلى رؤسائهم. وفي كل الأحوال، فإنه في هذه اللحظات، لا يصح إغلاق الأبواب بل يجب تركها مفتوحة.

وهكذا، فإن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية، في جلستهم الصباحية، راح يدور حول نفسه، من دون أن يجد مخرجاً. وربما ساعد على ذلك، أن أيّاً منهم، لم يكن قد تلقى تعليمات صريحة من رئيس دولته. كانوا جميعاً قد اتصلوا برؤسائهم، أو اتصل بهم رؤساؤهم، في الصباح الباكر. ولكن الرؤساء أنفسهم، لم يكونوا أقلّ حيرة إزاء المفاجأة. ولذلك، فإن تعليماتهم جاءت عامة، وعائمة.

ولم يكن وزير الخارجية العراقي مشاركاً في اجتماعات وزراء الخارجية، وإنما كان يمثله أحد وكلاء الوزارة، ومعه سفير العراق لدى القاهرة، نبيل نجم التكريتي. ولم تصلهما تعليمات من بغداد، وهما غير مخولَين حضور مؤتمر وزراء الخارجية العرب، من الأساس، ولكنهما حضراه بدافع الأخوّة. لقد جاءا إلى اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية، بتعليمات محددة. أمّا الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول العربية، فهو أمر مفاجئ لهما. وقد طلبا تعليمات في شأنه، من بغداد، ولا يزالان في انتظارها.

وقرابة الساعة الواحدة بعد الظُّهر، دعي سفير العراق إلى مكالمة هاتفية. فغادر قاعة الاجتماع، ثم عاد إليها، بعد قليل، ليقول إن بغداد، سترسل وفداً، على مستوى عال، ليشرح وجهة نظر العراق في ما جرى، أمام وزراء الخارجية العرب. وإنه من المنتظر، أن يصل هذا الوفد في موعد، يسمح له بالاشتراك في جلسة مسائية. وفي الساعة الثانية بعد الظُّهر، تأجل الاجتماع إلى الساعة السادسة مساءً. ثم عرِف، بعد ذلك، أن الوفد العراقي القادم، سيكون برئاسة الدكتور سعدون حمادي، نائب رئيس الوزراء للشؤون الخارجية، وأن موعد وصول طائرته، هو الساعة السابعة مساءً. وسيتوجّه من المطار، توّاً، إلى فندق "سميراميس"، حيث ينضم إلى الاجتماع.

عُقد الاجتماع في موعده المقرر. ثم وصل الوفد العراقي، القادم من بغداد، برئاسة الدكتور سعدون حمادي. ولكن هذا الوفد، لم يكن يحمل شيئاً جديداً؛ إذ وقف الدكتور سعدون حمادي يتحدث عن حقوق العراق في الكويت، وعن مسار الأزمة في العلاقات بين البلدَين، حول أسعار النفط وخطوط الحدود والديون المستحقة على العراق.

اختلف وزراء الخارجية العرب، وظهر خلافهم إلى العلن. لم يكن هناك خلاف في أن الغزو العراقي للكويت غير مقبول، ولا كان هناك خلاف في ضرورة الانسحاب العراقي من الكويت. ولكن الخلاف وقع في اللغة: فريق يرى أن تكون الإدانة كاملة؛ إذ المسألة مسألة مبدأ. وفريق آخر يرى أن الحيطة ضرورية، لأن التحركات العسكرية الأمريكية، التي بدأت فعلاً، لا تترك مجالاً للشك في نيات واشنطن؛ ولا يحق للعرب أن يعطوا الولايات المتحدة الأمريكية حجة للتدخل.

فريق يتمسك بالمبدأ، بصرف النظر عن أي شيء. وفريق يرى أن المبدأ، يمارس دوره في إطار الحقائق الواقعة. كان ذلك شكل الانقسام، الذي جرى في العالم العربي. ولكن حقيقة الخلاف المؤدي إلى الانقسام، كانت أكثر تعقيداً.

وعصر يوم الجمعة، 3 أغسطس، أصدر مجلس جامعة الدول العربية، في دورته غير العادية، القرار الرقم 5036، في دورته غير العادية، المؤرخ في 2 أغسطس، والذي يدين العدوان العراقي على دولة الكويت، ويرفض أي آثار مترتبة عليه، ولا يعترف بتبعاته، ويطالب العراق بالانسحاب الفوري، غير المشروط، للقوات العراقية إلى المَواقع التي كانت فيها قبْل الأول من أغسطس 1990. ويرفع الأمر إلى الملوك والرؤساء العرب، للنظر في عقد اجتماع قِمة طارئ، لمناقشة العدوان، وبحث سُبُل التوصل إلى حل عادل لهذه الأزمة. ويرفض رفضاً قاطعاً أي تدخّل، أو محاولة تدخّل أجنبي، في الشؤون العربية. (أُنظر وثيقة نص قرار جامعة الدول العربية، الرقم 5036، المؤرخ في 2 أغسطس 1990، والصادر في 3 أغسطس 1990، في شأن إدانة الغزو العراقي للكويت)

إلاّ أن هذا القرار، لم يحصل على الإجماع؛ وإنما اتخذ بأغلبية أربعة عشر صوتاً[1]، واعتراض الجمهورية العراقية، وتحفّظ دولة فلسطين، وعدم موافقة كلٍّ من المملكة الأردنية الهاشمية، والجمهورية الإسلامية الموريتانية، وامتناع كلٍّ من الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية السودان عن التصويت، وغياب الجماهيرية العربية الليبية عن الجلسة.

وأعلن المندوب العراقي أن الجمهورية العراقية، تعترض بشدة على القرار، لأن القرار يستند، في جملة ما يستند إليه، إلى نص المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية. ونظراً إلى أن المادة المذكورة، تشترط، بوضوح، الإجماع في اتخاذ القرارات المستندة إليها، وبما أن القرار قد عارضته خمس دول من الدول الأعضاء ـ فإنه، يُعَدّ باطلاً، ولا يترتب عليه أثر. (أُنظر وثيقة نص قرار جامعة الدول العربية، الرقم 5036، المؤرخ في 2 أغسطس 1990، والصادر في 3 أغسطس 1990، في شأن إدانة الغزو العراقي للكويت)

وتحفظت دولة فلسطين على الادانة، لأنها قد تكون مبرراً، من وجهة نظرها، إلى التدخل الأجنبي في الشؤون العربية.

وعلّق مندوب موريتانيا على القرار، بأن بلاده، "مع تمسكها بميثاق جامعة الدول العربية، وكافة المعاهدات العربية، فإن وفدها، لا يستطيع الموافقة على هذا القرار، لأنه لا يملك معلومات محددة بشأنه".

والمملكة الأردنية الهاشمية أبدت عدم الموافقة على القرار، إذ أنها ترى أن هذا الوضع يشكل شأناً عربياً يخص الأمة العربية، في الدرجة الأولى، وعليه فإنه يفترض التوصل إلى تسوية له ضمن الإطار العربي، وبصورة تحول من دون افساح المجال لأي تدخل أجنبي في المنطقة.

وأعلن مندوب الجمهورية العربية اليمنية أن بلاده، تمتنع عن التصويت على ما ورد في القرار، من إدانة للعراق، وذلك للأسباب التالية:

1. حرصاً من الجمهورية اليمنية، قيادة وشعباً، على تسوية الموقف بين الشقيقتَين، العراق والكويت. فقد بذلت القيادة اليمنية، في شخص الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، منذ الوهلة الأولى للأزمة، جهوداً مكثفة، ملموسة. ولا تزال هذه الجهود مستمرة، وستستمر حتى الوصول إلى مخرج. والاحتمال قائم بعقد قمة مصغرة.

2. وعليه، فإن الجمهورية اليمنية، ترى ضرورة الخروج بقرار، يساعد على نجاح هذه الفكرة إلى ما نبتغيه، ولا يؤثر، سلباً، في كل جهد مخلص في هذا الاتجاه، فيفتح الباب لكل الاحتمالات، ومنها التدخل الخارجي ـ لا سمح الله ـ تحت مبرر توجيه الإدانة العربية.

3. طابع الاستعجال، الذي لجأت إليه الجامعة، في إدانة العراق، من دون بذل أي جهد يذكر من مجلس الجامعة، في الاتصال بالطرفين المعنيَّين، العراق والكويت، لحل الأزمة.

4. لقد أوضحت الجمهورية اليمنية، في اجتماعات مجلس الجامعة، أن القضية، ليست قضية إدانة، بل إنها قضية في حاجة إلى جهود إيجابية مكثفة، لدى الطرفَين المعنيَّين، العراق والكويت، وسائر الأشقاء، للوصول إلى حل يتفق عليه للأزمة.

5. لقد جاء اجتماع مجلس الجامعة، الذي خصص للخروج بقرار إدانة للعراق، في الوقت الذي كانت فيه القيادة اليمنية في أوج نشاطها واتصالاتها بالقيادة العراقية، وغيرها من القيادات العربية. ومن هنا، فقد رأت الجمهورية اليمنية في قرار الإدانة، وبهذه العجالة، عاملاً كابحاً ومعطلاً للجهود، وورقة، قد تستغلها الدول الأجنبية في التدخل العسكري في المنطقة.

وامتنعت جمهورية السودان، كذلك، عن التصويت على القرار، مستندة إلى النقاط التالية: (أُنظر وثيقة نص قرار جامعة الدول العربية، الرقم 5036، المؤرخ في 2 أغسطس 1990، والصادر في 3 أغسطس 1990، في شأن إدانة الغزو العراقي للكويت)

1. يد خطر الموقف، والمهددات الماثلة للأمن القومي.

2. يد حرص جمهورية السودان على تحقيق الأمن والاستقرار لشعب الكويت الشقيق، وتجنيبه المزيد من إراقة الدماء.

3. دي المزيد من التعقيد في الموقف الراهن، وإتاحة الفرصة للقادة العرب في اتصالاتهم الجارية.

4. لجة الأمر في إطار عربي، درءاً لأخطار التدخل الأجنبي في المنطقة العربية.

 



[1] المملكة العربية السعودية، دولة الكويت، دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة قطر، سلطنة عُمان، دولة البحرين، المملكة المغربية، جمهورية الصومال الديموقراطية، جمهورية جيبوتي، الجمهورية اللبنانية، الجمهورية العربية السورية، الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية، الجمهورية التونسية، جمهورية مصر العربية