إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / ردود فعل القوى، الإقليمية والدولية ، ومواقفها تجاه الغزو العراقي، خلال الأيام الأولى للأزمة









أولاً: موقف الدولتَين العظميَين، وردودّ أفعالهما تجاه الغزو

هـ.اجتماع الأمير بندر إلى مستشار الأمن القومي الأمريكي

بناء على تعليمات الرئيس بوش، رتب مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، الجنرال برينت سكوكروفت، مجيء الأمير بندر إلى البيت الأبيض، عصر 3 أغسطس 1990. ففي الساعة الثالثة، من بعد ظُهر ذلك اليوم، دخل الأمير بندر مكتب الجنرال سكوكروفت، في البيت الأبيض. كان لدى مستشار الرئيس الأمريكي رأي إيجابي في بندر؛ فقد أظهر الأمير، غير مرة، أن لديه اتصالاً مباشراً مع الملك فهد، عمّه، ويمكنه تقديم قراءة فورية لميول الملك. ولهذا، فقد كان الأمير بندر، من وجهة نظر سكوكروفت، قناة جيدة التوصيل.

وأثناء هذه المقابلة، قال سكوكروفت، إنه يتحدث نيابة عن الرئيس بوش. ولم تكن المملكة العربية السعودية قد ردت على عرض أمريكي، لإرسال سرب من طائرات (F-15). وكان مستشار الأمن القومي، يعلم أن الإجابة، على الأقل في الوقت الحاضر، هي الرفض، من الجانب السعودي، فقال للأمير، إن موقف الرئيس بوش، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، تميل إلى المساعدة بأي وسيلة ممكنة.

وذكّر الأمير بندر سكوكروفت، بأنه قبْل عشر سنوات فقط، على أثر سقوط شاه إيران، قال الرئيس كارتر للسعوديين، دعوني أرسل إليكم سربَين من طائرات (F-15). ووافق الملك. وبينما كانت الطائرات في الطريق إلى المملكة العربية السعودية، أعلن الرئيس الأمريكي أنها غير مزودة السلاح. وقال الأمير بندر، إن العواقب كان لها أثر مدمر، ومستمر، بالنسبة إلى السعوديين. وأضاف: "بصراحة، نحن قلقون. هل لديكم الشجاعة، أيها الناس، أو لا؟ نحن لا نريدكم أن تمدوا لنا يداً، ثم تسحبوها، وتتركونا نواجه ذلك الرجل، على الحدود، وقد تضاعف جنونه على ما هو عليه الآن". ورد سكوكروفت قائلاً: إننا جادون. وسوف نفعل ما هو ضروري لحمايتكم. لكنه أ ضاف أنه يجب على السعوديين إظهار جديتهم، كذلك، وقبول القوات الأمريكية. وفي هذه اللحظة، دخل الرئيس جورج بوش مكتب سكوكروفت، وقال إنه متضايق، لأن الكويت لم تطلب المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية حتى قبْل نصف ساعة، أو دقائق معدودة من مبادرة العراق إلى الغزو. وقال إنه قد كان منزعجاً من أن السعوديين، الذين ربما أزف دورهم، في قائمة صدام، سيطلبون المساعدة، بعد فوات الأوان. وعندها، لن يستطيع الأمريكيون تقديمها.

وسأل الأمير بندر عن نوع المساعدة، التي يمكن تقديمها، وعن عدد الطائرات وأنواع الأسلحة، وما إذا كان ذلك، سيخضع للدراسة. وقال: إن الملك فهد، يريد أن يعرف كل ذلك بدقة. وقال بوش وسكوكروفت: إنهما لا يملكان الإجابات عن تلك الأسئلة. وإن من يستطيع ذلك، هما تشيني وباول. وفي النهاية، قال الرئيس بوش للأمير بندر: "إنني أعطي كلمة شرف، أنني سأساندكم على هذا، حتى النهاية".

واتصل سكوكروفت بتشيني، ليقول: إن الرئيس، يريد أن يساعد السعوديين. فلنُرِ الأمير بندر أفضل ما لدينا، واشرح له ما يمكننا عمله من أجله. وقد كان جاداً في ذلك، بقدر جدية المهمة. كان الرئيس بوش، يريد من تشيني، أن يطلع الأمير بندر على صور الأقمار الصناعية، السرية جداً، حتى يقتنع السعوديون. وسوف تبين هذه الصور مدى الخطر؛ إذ تظهر الحشود العراقية، في اتجاه السعوديين.

وحينما وصل الأمير بندر إلى مكتب تشيني، عصر 3 أغسطس، اتخذ المقعد الثالث إلى مائدة الاجتماعات المستديرة، إلى جانب تشيني وكولين باول، وانضم إليهما، كذلك، بول ولفوفيتز، وخبير الأمن القومي للشرق الأوسط، ريتشارد هاس Richard Haass. قال تشيني: "لقد أصدر الرئيس بوش تعليماته إليَّ، أن أشرح لك ما الذي تستطيع الولايات المتحدة عمله، لمساعدة السعودية على الدفاع عن نفسها. وأضاف أنه إذا تدخلت الولايات المتحدة، فسيكون ذلك بقدر كبير، وأنها إذا دعيت إلى الدفاع، عن المملكة، فسيكون ذلك التزاماً صارماً جداً".

كان تشيني يعلم، أن بندر قد اتصل بالرياض، هاتفياً، وأنه يوشك أن يسافر إليها، للحديث مباشرة مع الملك. وأراد أن يتأكد من أن السفير السعودي، قد تلقى الرسالة بوضوح. ولكي يؤكد المشكلة التي يواجهها السعوديون، أظهر تشيني وكولين باول، نسخاً من صور الأقمار الصناعية، ذات السرية العالية. وبيَّنَا له الثلاث فِرق العراقية المدرعة والآلية، التي شكلت مقدمة لغزو الكويت. وكانت إحداها تتجه، من خلال الكويت، إلى الحدود السعودية. وكان المزيد من الفِرق العراقية، تتخذ أماكنها خلف الوحدات المدرعة، بالطريقة عينها، التي سبقت غزو الكويت، قبْل يومَين. وكان تدفق الفرق يأخذ شكل السيف الموجَّه إلى المملكة، التي بدا أنها تواجه خطراً شديداً.

ولخص كولين باول، في عشر دقائق، خطة العمليات (1002 ـ 90)، قائلاً: إنها تتضمن انتشار فرقتين، ولواء واحد، إضافة إلى ثلاث حاملات طائرات، والعديد من الأسراب الجوية الهجومية. وسمح لبندر أن ينظر إلى الملف الضخم، المتعلق بالخطة السرية، والخرائط التي تبيِّن حركة القوات. وقال كولين باول: "إنها قوة ضخمة جداً". وعندما سأل الأمير بندر عن عدد القوات، قال باول: من مائة ألف إلى مائتي ألف على مسرح العمليات. وقال بندر: لو كان هذا الحجم من القوات موجوداً، الآن، في المملكة، فإنه سيمكنها أن تتخذ إجراء عدوانياً، مثل إغلاق خط أنابيب النفط العراقي؛ فمن دون قوة دفاعية، بهذا الحجم، سيكون الملك فهد مقيد اليدَين، إذ يمكن أن يدخل صدام حسين، ويجتاح المملكة. وقال الأمير بندر: إنه موافق على الخطة، وإنه يفضلها. ووعد بأن ينقل إلى الملك، وإلى أبيه، وزير الدفاع، الأمير سلطان، ما يمكن عمله.

و. اجتماع الرئيس بوش مع مجلس الأمن القومي، مجدداً مساء (3 أغسطس 1990)

الساعة الخامسة، من مساء 3 أغسطس 1990، عقد اجتماع، في البيت الأبيض، بين الرئيس الأمريكي ومجلس الأمن القومي. أكد، خلاله، وليم وبستر، مدير الاستخبارات المركزية، أن:

(1) العراق لديه النية الفعلية في مهاجمة المملكة العربية السعودية، ليستولي على آبار النفط، في المنطقة الشرقية للمملكة.

(2) المملكة العربية السعودية، ليس لديها الإمكانات، للدفاع ضد القوات العراقية.

أمّا الرئيس الأمريكي، فقد كان حاسماً، خلال الاجتماع، ومصمماً على استخدام القوة ضد العراق. ورأى أن إرسال قوات أمريكية إلى المملكة العربية السعودية، يعني أن مهاجَمة صدام المملكة؛ إنما هي مهاجمة للولايات المتحدة الأمريكية.

وفي نهاية الاجتماع، طلب الرئيس من باول، أن يعرض عليه، في اليوم التالي، في اجتماع كامب ديفيد، الخيارات العسكرية المتاحة.

ز. اجتماع الرئيس بوش مع مجلس الأمن القومي، يوم 4 أغسطس 1990

في صباح 4 أغسطس 1990، اجتمع، في كامب ديفيد، الرئيس الأمريكي مع مجلس الأمن القومي. وحضر الاجتماع "دان كويل Dan Quayil"، نائب الرئيس الأمريكي، وريتشارد تشيني، والجنرال كولين باول، وجيمس بيكر، وزير الخارجية[6]، والجنرال شوارتزكوف، وعدد من المستشارين. وخلال الاجتماع عرض مدير الاستخبارات المركزية، وليم وبستر، ملخصاً لحجم التهديد العراقي، المحتشد قرب الحدود مع المملكة العربية السعودية (اُنظر وثيقة مقتطفات من اجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي، صباح 4 أغسطس 1990).

أمّا وزير الخارجية، فقد أكد أن الاتحاد السوفيتي، سيسهم في فرض الحصار الاقتصادي على العراق، وفي قطْع الإمدادات العسكرية عن العراق. كما أنه دان الغزو العراقي للكويت، وطلب مشاركة الدول جميعاً في قطْع الإمدادات العسكرية عن العراق.

وعرض الجنرال شوارتزكوف الخيارات العسكرية المتاحة، التي تحقق هدفَين:

الأول: تحقيق الدفاع عن المملكة العربية السعودية.

الثاني: تحرير دولة الكويت.

كما شرح الخطة الزمنية التفصيلية، لفتح القوات في الخليج. وأوضح أهمية القوات البرية، في تحقيق المهمة، وأنه لا يمكن أيّاً من القوات، البحرية والجوية، أن تنفِّذ المهمة بمفردها.

وناقش المجتمعون إمكانية دعوة الرئيس مبارك إلى تنفيذ المهمة، بقوات مصرية فقط. ولكن سرعان ما قرروا أن صدام حسين، لن يكترث، في هذه الحالة، وسيتمادى في غَيِّه. والرادع الوحيد له، هو أن يكون للولايات المتحدة الأمريكية وجود على أرض الواقع، في مواجهته، وهو ما عنوه بعبارة "الأحذية على الرمال" (Boots in the Sand).

وفي النهاية، وافق الرئيس بوش على الخطة (1002 ـ 90)، التي عرضها شوارتزكوف، وعلى تجهيز القوات، الجوية والبحرية والبرية، المطلوب إرسالها للدفاع عن المملكة العربية السعودية، والتي يحتاج فتحها إلى 17 أسبوعاً لتنفيذ الهدف الأول. أمّا إرسال قوات، من أجْـل إخراج صدام حسين من الكويت، وهو الهدف الثاني، فلم يُبحث في هذا الاجتماع.

في نهاية الاجتماع، حدّد الرئيس بوش لوزير دفاعه، تشيني، مهمته في المملكة العربية السعودية، التي تتلخص في الآتي:

(1) إبلاغ الملك فهد، أن الولايات المتحدة الأمريكية، ستلتزم التزاماً تاماً بتوفير الدفاع عن المملكة. وأن بقاء القوات سيكون طبقاً لمقتضيات الضرورة، وأنها ستعود فور انتهاء الخطر على المملكة. وأن هدف القوات، ليس منع هجوم من العراق فقط؛ وإنما هدفها مهاجمة القوات العراقية، وتحرير الكويت.

(2) العمل على تشجيع الملك فهد، على أن يوافق على دعوة القوات الأمريكية إلى المملكة[7].

ح. الخيارات الأمريكية

(1) بعد عودة الرئيس من كامب ديفيد إلى البيت الأبيض، بعد ظهر الأحد 5 أغسطس 1990، سأله أحد الصحفيين عن موقف التحرك العسكري الأمريكي. وجاء الرد محدداً بالآتي:

·    الخيارات كلها مفتوحة. وإن العراق كذب، للمرة الثانية، إذ لم ينسحب، على الرغم من إعلانه الانسحاب من الكويت.

·    إن هناك جدية وتصميماً، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، على إنهاء هذا العدوان، وهو لن يستمر.

(2) مغادرة وزير الدفاع الأمريكي ومرافقوه إلى المملكة العربية السعودية

في الساعة الثانية والنصف، بعد ظُهر الأحد، 5 أغسطس 1990، غادر العاصمة الأمريكية، وزير الدفاع، تشيني، والجنرال شوارتزكوف، وبعض المرافقين[8] وبعد 16 ساعة طيران، وصلوا إلى جدة في المملكة العربية السعودية، في الساعة الواحدة، ظُهر الاثنين، 6 أغسطس (بتوقيت المملكة).

(3) اجتماع وزير الدفاع الأمريكي ومرافقوه مع خادم الحرمين الشريفين، في جدة

ومساء اليوم عينه، كان وزير الدفاع، وأعضاء الوفد الأمريكي، إضافة إلى السفير "تشارلز فريمان Charles Freeman"، سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة، يدخلون القصر الصيفي للملك فهد بن عبدالعزيز، الذي كان في انتظارهم. وخلال الاجتماع مع جلالة الملك فهد[9]، حدَّد تشيني النقاط التالية:

·    تأكيد ما ذكره الرئيس بوش لجلالة الملك، هاتفياً، وهو التزام الرئيس بالدفاع عن المملكة العربية السعودية.

·    طلب الموافقة على قدوم قوات أمريكية، برية وجوية، إلى المملكة العربية السعودية.

·    بقاء القوات الأمريكية فترة، تحددها المملكة، إذ إنها لم تأتِ لإرساء وجود عسكري دائم. وهي ستغادر أرض المملكة، فور انتهاء الخطر.

·    حوالي 70 ألف جندي، من القوات العراقية، التي دخلت الكويت، هم قريب من الحدود السعودية، أو يتقدمون صوبها. ويمكنهم تهديد أراضي المملكة العربية السعودية.

·    الطلب إلى المملكة العربية السعودية، إغلاق خط أنابيب النفط العراقي، الممتد من البصرة إلى مياه ينبع، داخل أراضي المملكة.

وعمد الجنرال شوارتزكوف إلى عرض صور المدرعات العراقية، من فِرق الحرس الجمهوري، التي تتحرك صوب الحدود السعودية. وكذلك وجود سبع منصات لإطلاق صواريخ أرض/ أرض، من نوع سكود، خارج مدينة الكويت، وموجَّهة، جنوباً، إلى المملكة، وأن هناك 22 طائرة عراقية، موجودة في إحدى القواعد الجوية القريبة، ومعها طائرات التزود بالوقود في الجو، لكي تسمح لها بمدى عمل أبعد. كما عرض مخطط فتح القوات الأمريكية، في الإطار الآتي:

·    وجود حاملة الطائرات (أندبندنس)، وعدد من السفن، حالياً، داخل المنطقة.

·    انضمام أسراب المقاتلات، بعد ذلك، ثم تتبعها القوات الخفيفة، المنقولة جواً.

·    عرض تفاصيل الجدول الزمني لفتح القوات، أسبوعياً.

·    الفترة الزمنية الكلية، لاستكمال نقْل القوات، هي 17 أسبوعاً.

·    قدرة هذه القوات، بالتعاون مع القوات السعودية، على هزيمة أي قوات مهاجِمة من جيش صدام.

·    وفي نهاية الاجتماع، وافق جلالة الملك فهد على دعوة القوات الأمريكية إلى المملكة، شريطة:

·    أن تغادر الأراضي السعودية، فور انتهاء التهديد.

·    ألاّ تشن حرباً ضد العراق، من دون أخذ موافقة المملكة.

ومن الفور، وافق تشيني على مطالب الملك. ثم اتصل بالرئيس بوش، ليخبره موافقة الملك فهد، ويطلب موافقته (أي الرئيس بوش)، على بدء تحرُّك القوات الأمريكية.

ط. التحرك السياسي والعسكري الأمريكي

يمثل اجتياح القوات العراقية للكويت، اجتيازاً للخط الأحمر الأمريكي، على الرغم من أن المسافة، بين الكويت والولايات المتحدة الأمريكية، تتجاوز العشرة آلاف كيلومتر. ويفصل بينهما الشرق الأوسط وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. ولكن بالحسابات الأمريكية، فإن الكويت، الواقعة في منطقة الخليج العربي، الغنية بالنفط، تشكل نقطة من أكثر نقاط الخط الأحمر أهمية، في الإستراتيجية الأمريكية؛ إذ إن احتياطي النفط في الولايات المتحدة الأمريكية، من المقدر له أن ينفذ، عام 2010، في حين يبلغ العمر الافتراضي لاحتياطي النفط، في منطقة الخليج العربي، مائة وأربعين عاماً.

وإذ الولايات المتحدة الأمريكية، هي أكبر مستهلك للنفط في العالم، واقتصادها أضخم اقتصاد فيه، فإنها تَعُدّ نفط الخليج حيوياً، لاقتصادها واقتصاد الغرب، وتربط هذه المنطقة النفطية بأمنها القومي، على حدّ قول الرئيس جورج بوش، في اليوم الأول للأزمة. ولو لم يكن في الكويت نفط، لَما اهتمت واشنطن بالاجتياح العراقي لها، لأنه، حالتئذٍ، لا يستحق منها عناء التدخل في نزاع بين طرفَين، ليس بينها وبين أيٍّ منهما معاهدات دفاعية.

ناهيك عامل آخر، جعل الاجتياح العراقي للكويت تجاوزاً للخط الأحمر الأمريكي، هو أمن إسرائيل ومستقبلها؛ إذ إن العراق، القوي بإمكاناته الذاتية، قبل الاجتياح، سيصبح، بعده، أشد قوة وأكثر تهديداً.

فضلاً عن عامل ثالث، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، بعد انكماش الاتحاد السوفيتي، باتت تتصرف في شؤون العالم بفاعلية الدولة العظمى الوحيدة، التي لا يجوز لدولة في العالم، أن تُقدِم على أي عمل، من دون إذنها وموافقتها، ولا يجوز لزعيم أي بلد، وعلى الأخص بلدان العالم الثالث، ولا سيما منها الوطن العربي، أن ينتهج سلوكاً، لا ترضاه واشنطن، أو يُقدِم على خطوة، كالخطوة التي أقدَم عليها صدام حسين، تتعارض مع مصالحها، الإستراتيجية الاقتصادية.

هذه العوامل الثلاثة، هي التي جعلت الإدارة الأمريكية، تتصرف بسرعة، وترمي بكل ثقلها، العسكري والسياسي والاقتصادي، ضد الرئيس العراقي، الذي تجرأ على اجتياز الخط الأحمر الأمريكي.

كان الرئيس الأمريكي، جورج بوش، يحتاج إلى تبرير التدخل في هذه الأزمة للرأي العام الأمريكي. فتولت وسائل الإعلام المختلفة، منذ اليوم الأول، التمهيد لذلك، من خلال التحدث عن الخطر العراقي، الذي بات يهدد المصالح الإستراتيجية الأمريكية، ورفاهية المستهلك الأمريكي.

وحددت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ البداية، أهدافها الإستراتيجية. واتخذ الرئيس بوش، بعد أقلّ من أسبوع على بداية الغزو، قراره، الشروع في حشد القوات العسكرية الأمريكية، في المنطقة. وكان من الواضح، أن واشنطن، قد وصلت بالأمور، منذ اللحظة الأولى، إلى مرحلة اللاعودة؛ فإمّا أن تتحقق أهدافها المعلَنة، أو حل الأزمة بالقوة العسكرية. كانت الأهداف الإستراتيجية جامدة وحادة، ولا تقبل التفاوض. وكان واضحاً، أنها تشير، بوضوح، إلى استخدام القوة العسكرية، إذا لم ينفذ صدام حسين قرار الانسحاب من الكويت. بيد أن القيادة الأمريكية العسكرية، لم تتحدث، صراحة، عن استخدام القوة ضد القوات العراقية في الكويت، إلاّ بعد مرور حوالي 60 يوماً على بداية الأزمة؛ إذ ثمة فارق واضح، بين الأهداف الإستراتيجية، التي حددها الرئيس بوش، في البداية، وبين الأهداف العسكرية في الخليج.

ولئن وصلت واشنطن إلى نقطة اللاعودة، حينما حددت أهدافها الإستراتيجية، فإن صدام حسين لم يهتم بذلك. وكانت تلك الأهداف، كما تحدث عنها جورج بوش، في مناسبات عدة، منذ بداية الأزمة، قد تحددت بالآتي:

(1) خروج القوات العراقية من الكويت، من دون قيد أو شرط.

(2) عودة الحكومة الشرعية إلى الكويت.

(3) ضمان سلامة المملكة العربية السعودية، وأمن منطقة الخليج، ككل.

(4) الحفاظ على أرواح الرعايا الأمريكيين في الخارج، وضمان سلامتهم.

في الوقت نفسه، لم تكن القيادة الأمريكية تتحدث عن استخدام القوة المسلحة، لتحقيق كل هذه الأهداف. فقد كانت تلك المهامّ، حسب تصريحات وزير الدفاع، ريتشارد تشيني، تتركز في الآتي:

(1) ردع أي عدوان عراقي جديد، والدفاع عن المملكة العربية السعودية، ودول الخليج الأخرى.

(2) العمل على تنفيذ العقوبات الدولية، التي فرضها مجلس الأمن على العراق.

(3) حماية أرواح الرعايا الأمريكيين، في المنطقة.

ظلت الأهداف الإستراتيجية ثابتة، بينما كانت تتطور المهامّ العسكرية، لتتخذ صورة علنية، مع تطور الحشد العسكري، حينما تصبح القوات كافية للحديث عن مهامّ جديدة.

واهتمت الولايات المتحدة الأمريكية، بتأكيد قدرتها على أن تتحمل المسؤولية الواضحة، في الدفاع عن أمن الخليج والمصالح الغربية، من خلال مزيد من الاعتماد على الحلفاء والأصدقاء، والاهتمام بتوظيف دورهما المساعد، على مختلف المستويات، العسكرية والسياسية والاقتصادية، بما يدعم مصداقيتها ومكانتها العالمية، كقوة رائدة.

(1) التحرك السياسي الأمريكي

التزمت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ نشوب الأزمة، موقفاً واضحاً، يرفض الغزو العراقي ويدينه، ولا يعترف بكل ما ترتب عليه من نتائج. واستمر موقفها، طوال الأزمة، يتسم بالحزم والتشدد، والتصميم على حرمان العراق جني ثمار عدوانه. ففي أول رد فعلي رسمي، إزاء الغزو، دانت واشنطن الغزو العراقي لأراضي الكويت، ووصفته بأنه "اعتداء سافر. وعمل ليس ما يبرره". وطالبت بانسحاب القوات العراقية، من الفور، ومن دون شروط (أُنظر وثيقة البيان الأمريكي الصادر عن البيت الأبيض، في الساعة 2300، يوم 1 أغسطس 1990 (بتوقيت واشنطن)، في شأن إدانة الغزو العراقي للكويت).

ولم يقتصر رد الفعل الرسمي على الإدانة فحسب، وإنما أرفقه الرئيس الأمريكي بموقف عملي، يؤكد التشدد والإصرار على مساندة حكومة الكويت الشرعية؛ إذ بادر إلى توقيع قرار تنفيذي، يجمد الودائع المالية والممتلكات، الكويتية والعراقية، في الولايات المتحدة الأمريكية والفروع والمؤسسات الأمريكية، في الخارج، لتجنّب استيلاء الحكومة العراقية على تلك العائدة منها للكويت. وناشد دول العالم اتخاذ إجراءات مماثلة. كما طالب الاتحاد السوفيتي بوقف تسليم العراق أي أسلحة، قد تكون في طريقها إلى بغداد (اُنظر وثيقة مقتطفات من اجتماع الرئيس الأمريكي جورج بوش مع مجلس الأمن القومي الأمريكي في كامب ديفيد صباح 4 أغسطس 1990).

وتجنّبت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بداية الأزمة، التحرك من خلال عمل منفرد. واهتمت بالاضطلاع بدور قيادي، في مجال تنظيم استجابة دولية فعلية للأزمة. ويتضح ذلك من خلال تحركها الناشط، على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من أجْل استصدار مجموعة من القرارات، بهدف محاصرة العراق، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، والضغط عليه للانسحاب. فصدرت القرارات، التي تدين العدوان، وتفرض العقوبات الاقتصادية على العراق.

ولا شك أن جو الوفاق السوفيتي ـ الأمريكي، حينئذ، قد وفّر لواشنطن قدراً من حرية المناورة والتحرك، لم يكن متاحاً من قبْل. ففي اليوم التالي للغزو، كانت زيارة جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكية، إلى موسكو، مما ساعد على صدور بيان مشترك، هو سابقة، يدين الغزو، ويؤكد ضرورة الانسحاب، وعودة الحكومة الشرعية إلى الكويت. كما تضمن البيان إعلان الاتحاد السوفيتي وقف إمداداته للعراق بالأسلحة، ما بقيت القوات العراقية على الأراضي الكويتية. ولا شك أن صدور هذا القرار، كان خطوة جوهرية، في مجال تأمين استجابة دولية حقيقية للأزمة، تضطلع الولايات المتحدة الأمريكية بالدور القيادي في إدارتها.

وحرصت الولايات المتحدة الأمريكية، طوال فترة الأزمة، على فتح الباب أمام الاتحاد السوفيتي، الذي أظهر، بدوره، قدراً من المرونة والرغبة في التعاون على تطبيق ضغوط مشتركة على العراق، وإجباره على الانسحاب. وسعت واشنطن إلى تحقيق ذلك التعاون النادر، بين القوّتَين العظمَيَين، من خلال الحرص على استمرار الاتصالات الأمريكية ـ السوفيتية المباشرة، إبّان الأزمة.

(2) التحرك العسكري الأمريكي

في اليوم نفسه، الذي وقع فيه الغزو، أصدر الرئيس الأمريكي تعليماته، مباشرةً، إلى عدة سفن حربية أمريكية، للتوجه إلى منطقة الخليج، لحماية الدول الخليجية من أي تهديد، قد تتعرض له. وفي الوقت الذي امتنعت فيه وزارة الدفاع الأمريكية، في المرحلة الأولى للأزمة، عن إعلان التحركات العسكرية الأمريكية، في بيان رسمي، نقلت الأنباء، أن عدة قِطع بحْرية أمريكية، من بينها حاملة الطائرات (إندبندنس)، ترافقها خمس قِطع بحْرية، تتجه صوب الخليج.

(3) الحرص على ترابط التحركَين، السياسي والعسكري

حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على الربط بين التحرك السياسي والتحرك العسكري، والاهتمام بأولوية التحرك العسكري.

نشط الرئيس الأمريكي، منذ اندلاع الأزمة، إلى العمل على تكثيف الاتصالات الدبلوماسية، خاصة الاتصالات الشخصية، مع جميع الأطراف المعنية بالأزمة، سواء الإقليمية أو الدولية، ولا سيما أعضاء التحالف الغربي. كذلك نجح بوش، من خلال التشاور المباشر مع المملكة العربية السعودية، وزيارة وزير الدفاع الأمريكي، ريتشارد تشيني، إلى المنطقة العربية، خلال الأسبوع الأول للأزمة ـ في الحصول على الاستدعاء الشرعي للقوات المسلحة الأمريكية، من قِبل حكومات المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى.

ولا شك أن اتّباع سياسة ذات مستويين، حقق هدفاً مزدوجاً من المنظور الأمريكي. فهو، من ناحية، أسهم في تأمين فرض عقوبات دولية واسعة النطاق على العراق. ومن ناحية أخرى، أضفى المشروعية على كافة التحركات العسكرية الأمريكية. ولدى الإعلان الرسمي، الصادر عن المملكة العربية السعودية، المتعلق بطلب المساعدة الأمريكية العسكرية على الدفاع عن أراضيها، والمساعدة على تنفيذ قرارات مجلس الأمن ـ أضحى لواشنطن السند القانوني الملائم، لفرض أكبر حصار، بحري واقتصادي، على العراق.

واللافت، إبّان الأيام الأولى للأزمة، أنه في الوقت الذي اهتمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بتحميل الدول العربية قسطاً وافراً من مسؤولية الدفاع عن أمن الخليج، سواء بالمساهمة في الحشد العسكري، أو المشاركة في تنفيذ إجراءات الحصار، الاقتصادي والبحري ـ بادرت إلى تقديم بعض أنواع الأسلحة المتقدمة، إلى المملكة العربية السعودية، ضمن مساعدات عسكرية ضخمة.

ي. الإستراتيجية الأمريكية

تبلورت الإستراتيجية الأمريكية، حيال الأزمة، في شقَّين:

الأول: يستهدف إحكام العزلة الدولية على العراق، وتشديد إجراءات الحصار، الاقتصادي والبحري، إلىالدرجة التي ترغمه على الانسحاب من الكويت.

الثاني: يستهدف ردع العراق عن أي عمل هجومي عسكري آخر، من خلال الإسراع بنشر القوات الأمريكية في منطقة الخليج.

ك.     تحديد الأهداف الرئيسية للسياسة الأمريكية

تحددت الأهداف الرئيسية للسياسة الأمريكية، حيال الأزمة، بالآتي:

(1) السعي من أجْل الانسحاب الفوري، غير المشروط، لجميع القوات العراقية، وعودة الحكومة الشرعية.

(2) عدم السعي إلى المواجَهة، أو إلى محاولة رسم مصير الدول الأخرى، وتأكيد تمسك واشنطن بألاّ تكون البادئ بالقتال، والحرص على الدفاع عن مصالحها في دول الخليج.

(3) تأكيد أن المشكلة، ليست مشكلة أمريكية أو أوروبية؛ وإنما هي مشكلة دولية تهم العالم كله، وأن المواجَهة، هي مواجَهة بين العراق ودول العالم كلها جمعاء، وعدم تغيير الحدود المعترف بها دولياً.

(4) تكثيف التحركات الدبلوماسية في دول منطقة الشرق الأوسط، لتوحيد الصفوف في مواجَهة العراق.




[1] المقصود أن العراقيين اخترقوا حدود الكويت.

[2]  جيمس واتكنز، قائد البحرية الأمريكية الأسبق.

[3] أثناء اجتماع الرئيس بوش مع مارجريت تاتشر، بلغ الرئيس بوش أن الرئيس اليمني يريد التحدث إليه على الهاتف فأستأذن الرئيس وقام للرد على المكالمة حيث طلب منه الرئيس علي عبدالله صالح إعطاء مزيداً من الوقت لإعداد حل عربي. فأخبره الرئيس بوش بأن يشمل انسحاب القوات العراقية وعودة الحكومة الشرعية الكويتية قبل القبول به. وذكرت مارجريت تاتشر أنها أبلغت بوش قبل مفارقتها للرد على تليفون الرئيس اليمني، بأن اليمن وهي عضو مؤقت في مجلس الأمن، لم تصوت على مشروع القرار المطالب بانسحاب القوات العراقية من الكويت.

[4] عاد الرئيس بوش إلى واشنطن، في ليلية 2 أغسطس 1990، بعد اجتماعه إلى رئيسة الوزراء البريطانية، لارتباطه باجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي، في صباح يوم 3 أغسطس. وبعد الاجتماع غادر واشنطن متجهاً إلى مدينة آسبن، مرة أخرى، لمتابعة اجتماعه إلى مارجريت تاتشر، قال إنه ورئيسة الوزراء، ناقشا عدداً من الخيارات المتعلقة بالكويت، بما فيها الخيارات العسكرية. وقال الرئيس: إننا لا نستبعد أي خيارات.

[5] ذكر بوب وُودوُرد، في كتابه `القادة ـ قصة حياة جورج بوش`، ترجمة فريق من الخبراء العرب، ص109: أن الأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة العربية السعودية لدى واشنطن، اجتمع إلى سكوكروفت قبل أن يجتمع إلى ريتشارد تشيني، وأكد سكوكروفت للأمير بندر، خلال الاجتماع، أن الرئيس الأمريكي، يميل إلى مساعدة السعودية، بكل وسيلة ممكنة، كي يتيح لها الدفاع عن أرضها. وأن الولايات المتحدة الأمريكية، ستفعل كل ما في وسعها، من أجْل حماية المملكة. وأن الرئيس بوش، سوف يمضي في اتجاه سياسة ضرب العراق، والقضاء على مركز صدام حسين، إلى النهاية، على أن تكون المملكة جادة في تقبّل وجود قوات أمريكية على أرضها.

[6] حضر الاجتماع، بعد أن قطع رحلته إلى الخارج، وبعد اجتماعه إلى وزير الخارجية السوفيتي، في موسكو.

[7] ذكر بوب وُودوُرد، في كتابه `القادة`، ترجمة محمد مستجير، ص 320، أن الرئيس بوش، قبْل أن يقرر إيفاد تشيني في مهمة إلى المملكة العربية السعودية، اتصل بجلالة الملك فهد، هاتفياً، وقال له: إن صدام حسين، يحشد قواته بالقرب من حدود السعودية. ويجب أن تتحركوا. وردّ عليه الملك فهد، أن السعودية، لا تريد قوات برية للدفاع عنها. وكل ما تطلبه، هو المساعدة الجوية فقط، وربما بعض العتاد الإضافي.

[8] كان في رفقة ريتشارد تشيني كل من الجنرال `نورمان شوارتزكوف Norman Schwarzkopf` ، قائد القيادة المركزية الأمريكية؛ والجنرال `بول ولفوفيتز Paul Wolfowitz` ، نائب وزير الدفاع للشؤون الدولية؛ و`روبرت جيتس Robert Gates` ، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في ذلك الوقت؛ والجنرال `تشارلز هورنر ` Charles Horner` ، قائد القوات الجوية للقيادة المركزية الأمريكية؛ والجنرال `جون يوساك John Yeosock` ، قائد القوات البرية للقيادة المركزية الأمريكية. ويصحبهم خبير بقراءة صور الأقمار الصناعية وتحليلها، من الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) ، وبعض كبار المساعدين. كما حمل الجنرال شوارتزكوف وثائق الخطة (1002 ـ 90)، التي تتضمن الجدول الزمني لفتح القوات البرية والجوية والبحرية، الأمريكية.

[9] حضر الاجتماع، عن الجانب السعودي، كلُّ من الأمير عبدالله، وليّ العهد، النائب الأول لرئيس الوزراء؛ والأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي؛ والأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز، نائب وزير الدفاع السعودي؛ وعثمان الحميد، مساعد وزير الدفاع؛ والفريق الأول الركن محمد صالح الحماد، رئيس هيئة الأركان العامة؛ والأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تولّى الترجمة للملك فهد.

[10] تضمن البيان الأمريكي ـ السوفيتي، المشترك، الصادر في 3 أغسطس: تأكيد ضرورة الانسحاب العراقي من الكويت، وعودة الحكومة الشرعية إليها، والالتزام بوقف الإمدادات العسكرية السوفيتية إلى العراق، ما دامت القوات العراقية على أرض الكويت.

[11] من المعروف، أن الاتحاد السوفيتي، يرتبط بعلاقات طيبة بالعراق، إذ تربط بينهما معاهدة صداقة، منذ عام 1972. فضلاً عن وجود حوالي 8 آلاف خبير سوفيتي في العراق، منذ عدة سنوات، تركزت مهمتهم في التعاون مع العراق، في المجالات الاقتصادية والتدريب العسكري.