إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / التطور السياسي لإمارة الكويت ومشكلاتها الحدودية (1914 ـ 1961)






مواني العراق البحرية
منطقة رأس الخليج العربي
ميناء أم قصر العراقي
ميناء البصرة العراقي
ميناء خور الزبير
المناطق الزراعية العراقية
المياه الإقليمية العراقية والجرف القاري
الحدود الجنوبية العراقية
السعودية في اتفاقية العقير
الكويت بالاتفاقية البريطانية-العثمانية (انجليزي)
الكويت بالاتفاقية البريطانيةـ العثمانية



ثانياً: التطور السياسي لإمارة الكويت، ومشكلاتها الحدودية ( 1932 ـ 1945)

ثانياً: التطور السياسي لإمارة الكويت، ومشكلاتها الحدودية (1932 ـ 1945)

1. الأوضاع الداخلية في الكويت ( 1932 ـ 1945)

أ. دور الوكيل السياسي البريطاني في الأوضاع الداخلية في الكويت

تولّى منصب الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، خلال الفترة من 1932 إلى 1945، كلُّ من: المقدم هارولد ريتشارد باتريك ديكسون (Harold Richard Patrick Dickson) (ما بين 1936- 1929)، النقيب جيرالد سيمبسون ديجوري (G.erald Simpson de Gaury) (ما بين 1936ـ 1939)، ثم المقدم أرنولد كروشو جالاوي (Arnold Crawshaw Galloway) (ما بين 1939ـ 1941)، وبعده الرائد توم هيكنبوثام (Tom Hichinbotham) (ما بين 1941 ـ1943)، والمستر كورنيليوس جيمس بيلي (Cornelius James Pelly) (ما بين 1943ـ 1944)، وأخيراً المستر جوردون نول جاكسون (Gordon Noel Jackson) (ما بين 1944ـ 1945). ومن بين هؤلاء، نشير، باهتمام، إلى اثنين، هما المقدم ديكسون، والنقيب ديجوري. فالأول أقام علاقات طيبة وودية بشيخ الكويت خاصة، والكويتيين عموماً. وارتبط معهم بروابط قوية، ولم يتدخل في شؤون السياسة الداخلية للكويت، بل كان ينصح حكومته أن تمنح الشيخ السلطة كاملة، في ما يتعلق بالإدارة المحلية، واستقلاله بالشؤون الداخلية، حتى تتأتى للشيخ الثقة بالحكومة البريطانية، فيعدّل موقفه تجاهها، خاصة إزالة الفجوة التي نشأت بينه وبينها، نتيجة خذلانها له، وعدم إنصافه، في مسألة تخطيط الحدود مع نجْد.

وعلى العكس من ذلك، كانت علاقة النقيب ديجوري بالشيخ أحمد الجابر، إذ طالما سعى إلى الانتقاص من سلطته، وإثارة الفتن ضده. كما سعى إلى زيادة النفوذ البريطاني، وإحكام السيطرة على الكويت، في كل الشؤون، الداخلية والخارجية، وقد زاد تدخّله في الشؤون المحلية في الكويت، خلال أزمة المجلس التشريعي، عام 1938. غير أن حركة المجلس، وما واكبها من تيار قومي في المنطقة، جعلت البريطانيين يدركون ضرورة الابتعاد عما يثير مشاعر الشعب في الكويت، وتحاشي الاحتكاك بهم احتكاكاً مباشراً. فتركت بريطانيا للحكومة المحلية، أي للشيخ أحمد الجابر ومساعديه، كامل السلطة، في ما يتعلق بالشؤون الداخلية، من دون تدخّل ممثليها، إلاّ في ما يتعارض مع مصالح بريطانيا في الكويت، ويؤثر في نفوذها في المنطقة. وعلى هذا النحو، كان سلوك النقيب ديجوري، والوكلاء السياسيين من بعده، في هذه الفترة ويمكن القول إنه لم يحدث تدخّل في شؤون السياسة الداخلية للكويت، من جانب الوكلاء السياسيين البريطانيين، إلاّ في أعقاب أزمة المجلس التشريعي، عام 1938، وما صاحبها من اضطرابات. لكن، منذ عام 1939، وحتى استقلال الكويت، عام 1961، لم يحدث تدخّل، من جانبهم، في الشؤون الداخلية، وانحصر دور الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، في مجال ضيّق جداً، هو تقديم النصح، بشكل ودي، وغير رسمي، إلى أمير الكويت، عند الضرورة، في ما يختص ببعض الشؤون والمشاكل المحلية، وميزانية الإمارة، فضلاً عن تولية مهام القضاء، بالنسبة إلى الأجانب من رعايا الدول الأجنبية.

ب. إنشاء المجلس التشريعي الكويتي، عام 1938

بعد تولّي الشيخ أحمد الجابر الحكم، في عام 1921، تقدّم بعض الكويتيين بعريضة، لتأسيس مجلس تشريعي. ووافق الشيخ، بصفة مبدئية، ولكن المطالبة كانت ضعيفة، في ذلك الوقت، مما أدى إلى عدم استدعاء الشيخ أعضاء المجلس التشريعي، وتركه يندثر من دون أن يحس به أحد.

وكان للحركات الوطنية، في الوطن العربي، في بلاد الهلال الخصيب، أو مصر، ضد الدولة العثمانيـة، أو ضد الانتداب، الفرنسي والإنجليزي، وكذلك حركات الإصلاح، في دبي، والبحرين، صدى كبير لدى الكويتيين، خاصة الطبقة الواعية منهم. لذا، كان تأثير الكويت بالتيارات الفكرية والسياسية، مبكراً، حتى قبل فترة الثلاثينيات. وكان لمتابعة أخبار الأحزاب السياسية في مصر، مثلاً، وما تنشره الجرائد المصرية، والجرائد الصادرة في العراق، وسورية، وفلسطين، الأثر الكبير في إذكاء الروح، الوطنية والقومية، عند الكويتيين. ومنذ ذلك الحين، بدأت تظهر حركة المعارضة من الشباب الكويتي، وتزايد نشاط الكتلة الوطنية في الكويت، وبدأت تطالب بالإصلاح الشامل

وفي 28 يونيه 1938، أفصحت الكتلة (الوطنية المعارضة ) عن نفسها، وشكّلت وفداً، قابل الشيخ أحمد الجابر، ورفع إليه كتاباً، يؤكد حاجة الإمارة إلى بعض الإصلاحات، وأهمها تأكيد حكم الشورى، وتشكيل مجلس تشريعي منتخَب. فاستجاب الشيخ أحمد لهذه المطالب، رغبة في تهدئة النفوس، واحتواء حركة الإصلاح، تداركاً لتصاعد الأحداث. وقد استمع في ذلك إلى النصيحة البريطانية، التي قَّدمها إليه المقيم السياسي البريطاني في الخليج. وبالفعل، تشكلت لجنة لاختيار الناخبين، ودعوتهم إلى انتخاب أعضاء المجلس التشريعي، الذي تكون من 34 عضواً، برئاسة الشيخ عبدالله السالم. وكانت قفزة إلى الأمام، وأول تجربة من نوعها في الكويت. وفي 2 يوليه 1938، وافق الشيخ على القانون، الذي نص على تأسيس المجلس التشريعي، والذي كان من الممكن أن يتحول إلى دستور للبلد. (أُنظر وثيقة مسودة قانون تأسيس المجلس التشريعي الكويتي في 2 يوليه 1938).

وعلى الرغم من تأييد الحكومة البريطانية لقيام ذلك المجلس، إلاّ أنه سرعان ما بدت المخاوف البريطانية من سعي المجلس إلى تركيز السلطة في يده، خاصة إثارة مسألة النظر في الشؤون الخارجية، إذ ترى بريطانيا، أن الاتفاقات المعقودة بينها وبين شيوخ الكويت، تخوّلها حق إدارة الشؤون الخارجية، نيابة عن الكويت. ولكن الشيخ أحمد الجابر، طمأن المقيم السياسي البريطاني في الخليج، إلى أن العلاقات المستمرة بين بريطانيا والكويت، ستبقى في المستقبل، كما كانت في الماضي، مصونة، في حدود الاتفاقات والمعاهدات، المبرمة معه، أو مع حكام الكويت السابقين.[1]

وقد تُرك للشيخ توقيع الاتفاقيات السياسية، ولكن بشرط موافقة المجلس التشريعي على عقد أي معاهدات أخرى. وعلى الرغم من الاحتكاك والتباين في وجهات النظر، بين المجلس وبريطانيا، خاصة في ما يتصل بالشؤون الخارجية، وإصرار بريطانيا على أن تستمر هذه الشؤون من اختصاصها، إلاّ أن العلاقات بين الطرفين، قد سادها الهدوء والتفاهم .

وقد بات واضحاً، أن بريطانيا لا تتساهل في أمرين :

أولهما، أن شيخ الكويت، هو الرأي الدستوري للإمارة، وينبغي أن تبقى العلاقات الرسمية معه، وحده.

ثانيهما، أن بريطانيا هي التي تتولى، نيابة عن شيخ الكويت، مباشرة شؤون الكويت الخارجية.

سرعان ما احتدم الخلاف بين المجلس التشريعي وشيخ الكويت، في أغسطس 1938، أي بعد مضي شهر واحد على تأسيس المجلس. وانحصر الخلاف، أول الأمر، في مطالبة المجلس بإبعاد سكرتير الشيخ الخاص، عزت جعفر[2]، بسبب اتهامه بتدبير المؤامرات. إلاّ أن الشيخ أحمد الجابر، رفض هذا المطلب، وطلب تدخّل بريطانيا، ومساندتها له على مواجَهة المجلس[3]. ولكن بريطانيا نصحت له بالاستجابة لمطلب المجلس، وبأهمية ووجوب التشاور والتعاون مع المجلس.

غير أن المجلس واجه مصاعب عديدة، تمثلت، أساساً، في إظهار الشيعة في الكويت استياءهم الشديد بعدم تمثيلهم في المجلس، على الرغم من أن عددهم، في ذلك الحين، قارب العشرين ألف نسمة. كما واجه المجلس معارضة من طائفة كبيرة من التجار والمحافظين، الذين تصدوا للمجلس، منذ قيامه، إما للخلافات الشخصية، أو لخلافات في شأن طريقة اختيار الناخبين. وثمة مَن خرجوا على المجلس، وعارضوه. وهكذا توافرت ضد المجلس عوامل عديدة (بريطانيا، والشيخ، والمعارضة، والشيعة)، دفعت الشيخ أحمد الجابر إلى حله، في 21 ديسمبر 1938.

وتمثلت أسباب حل المجلس وملابساته في الآتي:

(1)  إخفاق الحركة الإصلاحية، التي أثمرت في تشكيل المجلس، في خلق وعي ديموقراطي بين الجماهير على مدى واسع، يحميها من المحاولات التي أدّت إلى القضاء على المجلس.

(2)  توسيع المجلس سلطاته، وسعيه إلى زيادة اختصاصاته، من دون إدراك للحدود، التي يجب أن يلتزم بها، مما هدّد المصالح البريطانية في الكويت.

(3)  تصوُّر المحافظين، أن المجلس سيتولى الحكم، بدلاً من الشيخ.

(4)  نمو المعارضة في وجْه المجلس، من قِبَل الذين ضاعت امتيازاتهم

(5)  ظهور الانقسام بين أعضاء المجلس أنفسهم، علاوة على معارضة الشيعة للمجلس.

(6)  رؤية المحافظين، أن إصلاحات المجلس، لا تتماشى مع تقاليد مجتمعهم المحافظ، خاصة ما يتعلق بالفساد.

وقد واكب بعض التوترات والاضطرابات، عملية حل المجلس، إلاّ أن الهدوء ما لبث أن عاد إلى البلاد. وحين استقرت الأمور، جرت انتخابات جديدة، كانت نتيجتها إعادة انتخاب اثني عشر عضواً من المجلس السابق، بينما دخل المجلس الجديد أربعة من أفراد الأُسرة الحاكمة، إلى جانب رئيسه السابق، الشيخ عبدالله سالم الصباح. وكان المجلس الجديد مجلساً استشارياً، سمي " مجلس الشورى". ولكنه وُلد ضعيف البناء، ولم يكتب له البقاء طويلاً.

ج. اكتشاف النفط في الكويت

بعد عدة أيام من عقد مؤتمر العقير، وإبلاغ الشيخ أحمد الجابر، قراراته المجحفة بالكويت، قدم الرائد مور، في 11 ديسمبر 1922، شروط الامتياز النفطي إلى حاكم الكويت، وتضمنت منح شركة النفط البريطانية ـ الفارسية، رخصة للتنقيب، لمدة سنتين، تشمل جميع الأراضي الكويتية، مقابل عشرة آلاف روبية، أي حوالي 750 جنيهاً إسترلينياً، يحصل عليها الشيخ أحمد. ثم تبعتها رخصة أخرى، للتنقيب في مساحة محددة، وذلك ريثما يُتَفَاوَض في امتياز، يضمن الحصول على شيلنين وبنسين لكل برميل نفط مستخرَج. ودارت المفاوضات، وطلب الشيخ 25% من ثمن كل برميل من النفط، وأن يحتفظ لنفسه بحق إدخال تعديلات أخرى على العقد. وفي مارس 1922، عادت شركة  (Anglo - persian Oil Company) APOC ومعها يد، يجمع بين المراحل الثلاث، ويمتد لفترة 60 عاماً، ولكن مع الحفاظ على عرضها المبدئي.

وفي 13 مايو 1923، وصل الرائد فرانك هولمز (Frank Holmes)[4] إلى الكويت، مقترحاً على الشيخ مبلغ 2000 جنية إسترليني، عند التوقيع، و 20% من الأرباح، وإمكان الحصول على 20% من نصيب الشركة. وكتب الشيخ أحمد الجابر، إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، ليبلغه أنه سيقبَل مقترحات هولمز. وجاء رد الوكيل، أن هولمز، لم يحصل على موافقة الحكومة البريطانية. وذكَّر الشيخ بالتعهد، الذي اتخذه الشيخ مبارك، بعدم منح امتيازات، من دون موافقة الحكومة البريطانية. وردّ الشيخ، أن هولمز من الرعايا البريطانيين، كذلك. ولما رفضت وزارة المستعمرات السماح للشيخ بتوقيع اتفاق مع هولمز، كان ردّه رفض مشروع شركة  [5]APOC

وهكذا، أفسد التنافس، بين هولمز والشركة البريطانية ـ الفارسية، فرصة عقد اتفاق للامتياز النفطي في الكويت. وبدأت معركة طويلة، استمرت 11 عاماً، انتهت بتوقيع الامتياز الكويتي، في 23 ديسمبر 1934، حين تأسست شركة زيت الكويت المحدودة[6]. ويملكها، بالمناصفة، كلُّ من شركة النفط البريطانية ـ الفارسية، وشركة نفط الخليج الأمريكية. وبذلك، حصلت تلك الشركة على حق التنقيب عن النفط، في جميع الأراضي والشواطئ الكويتية.

وفي عام 1936، بدأ الحفر في الكويت، في منطقة البحرة، شمالي خليج الكويت. وتدفق النفط، أول مرة، في 22 فبراير 1938. ثم ما لبثت عمليات التنقيب أن توقفت، إبّان الحرب العالمية الثانية، لتُستَأنف عام 1945. وشهد العام التالي، وبالتحديد في 30 يونيه 1946، تصدير أول شحنة تجارية من النفط الكويتي. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ وجْه الكويت في التغيّر السريع. إذ سرعان ما استغل الشيخ أحمد الجابر هذه الثروة في بناء نهضة البلاد، التعليمية والصحية. ووصل دخْل الكويت من النفط، في ذلك العام، إلى 280 ألف جنيه إسترليني، ثم أخذ يتزايد، خلال السنوات التالية، حتى بلغ أربعة ملايين من الجنيهات الإسترلينية، عام 1950.

2. تطور العلاقات الكويتية ـ العراقية، والخلافات الحدودية بينهما في الفترة (1932 ـ 1945)

كان الاتفاق البريطاني ـ العثماني، عام 1913، المناسبة الأولى لرسم الحدود بين العراق والكويت. وخلال العقد اللاحق، تداخلت النزاعات النجدية ـ الكويتية ـ العراقية، وكانت بريطانيا تستثمرها، للحصول على المزيد من المكاسب. ومن جهة أخرى، انتهت علاقات الكويت تماماً بالدولة العثمانية. فقد أقرت إستانبول، بعد هزيمتها في الحرب، بتنازلها عن كل ما لها من حقوق في الأراضي التي كانت تسيطر عليها، وذلك في معاهدة سيفر، في 10 أغسطس 1920[7] ، وأكدت ذلك التنازل المادة 16 من معاهدة لوزان، التي عقدت بين الحلفاء والجمهورية التركية، في 24 يوليه 1923. وقد رسمت، من قبْل، اتفاقية العقير، في 2 ديسمبر 1922، الحدود بين الكويت والعراق. لكن مشاكل التهريب، عبْر الحدود، وممتلكات أُسرة الصباح، في البصرة والفاو، ومحاولات ضم الكويت، والعم ل على إقامة المشروعات في الكويت، وحوادث الحدود، وإعادة تخطيط الحدود، لم تتوقف من جانب العراق

أ. محاولة الملك غازي ضم الكويت

    تزامنت عدة مشكلات، تعلقت بمسار العلاقات بين الكويت والعراق وطبيعتها، خلال الفترة من 1932 إلى 1945. وتمثلت في:

(1)  مشكلة مَزارع الشيخ في العراق.

(2)  وأزمة المجلس التشريعي في الكويت.

(3)  والدعاية الإعلامية العراقية العدائية، ضد بريطانيا والكويت، ومحاولة العراق ضم الكويت

     وقَبيل استقلال العراق، وقبوله عضواً في عصبة الأمم، استقر رأي الحكومة البريطانية على تسوية الحدود العراقية مع الكويت، في شكل تبادل مذكرات، بين شيخها والحكومة العراقية، من خلال مذكرة، يقدّمها رئيس وزراء العراق، نوري السعيد، يوضح فيها الحدود القائمة بين البلدَين، كما جاءت في اتفاقية 1913، وهذا ما تحقق. وفي 29 سبتمبر 1932، أرسل نوري السعيد خطاباً إلى الأمين العام لعصبة الأمم، يؤكد فيه حدود العراق مع جيرانه، خاصة حدوده مع الكويت، التي حرص العراق على تأكيد تفصيلها وثباتها.

    وفي 3 أكتوبر 1932، وبعد أن أصبح العراق عضواً في عصبة الأمم، وتخلص من الانتداب البريطاني، قامت حركة تطالب بضم الكويت إلى العراق، لكنها لم تحقق نجاحاً ملموساً، لعدم استنادها إلى قاعدة شعبية عريضة.      كما أن العراق قصر استغلالها على الدعاية المضادّة للوجود البريطاني في الكويت والخليج العربي، حينما بدأت الجرائد العراقية تطالب الحكومة العراقية بالكويت.

    وكانت أولى محاولات ضم الكويت إلى العراق، هي المحاولة التي دعا إليها الملك غازي، حينما تولّى عرش العراق، في 8 سبتمبر 1933، وتزامنت مع بداية تصاعد الحركة القومية العراقية، المناهضة للاستعمار البريطاني.وفي منتصف 1938، حينما أصبح لملك العراق كتلة عسكرية في الجيش، تساند تطلعاته القومية،     صرح أمام بعض مرافقيه المقرَّبين، من الضباط القوميين، أن أولى أمنياته، هي ضم الكويت إلى العراق. ومنذ   ذلك الحين، حوّل إذاعة " قصر الزهور"، التي كان يديرها فريق من القوميين العراقيين، تحت إشرافه المباشر،     إلى منبر لمناصرة آرائه في القضايا العربية بصفة عامة، وفي المسألة الكويتية بصفة خاصة. وكان يذيع بنفسه،     أحياناً، البيانات، الوطنية والقومية، من دون ذكر اسمه.

    وقد خصص الملك غازي جزءاً من نشاط الإذاعة، لتأييد الدعوة الرامية إلى إعادة الكويت. واستغل في ذلك، أزمة المجلس التشريعي في الكويت، عام 1938، فزاد من دعايته ضد حاكم الكويت، باستخدام إذاعة " قصر الزهور"، والصحافة، كما استغل اتصال بعض المعارضين الكويتيين مع المسؤولين العراقيين. وشنّ هجوماً عنيفاً على نظام الحكم في الكويت، وعمل على إثارة عناصر المعارضة، والادعاء بأن الكويت، " جوهرة الخليج الثمينة، والميناء الطبيعي للعراق، قد باتت مهددة بأخطار جسيمة"، ومعاودة التذكير بأن الكويت كانت قائمقامية     عثمانية، ومقاطعة عراقية، قبْل نشوب الحرب العالمية الأولى.

    وقد ساندت الجرائد العراقية دعوة الملك غازي، وبدأت تكتب المقالات المؤيدة لها، وتحث أبناء الكويت على قبولها. وكان في مقدمة تلك الجرائد جريدة " الاستقلال " العراقية، المعروفة بمناهضتها بريطانيا. كما دعا بعض الجرائد العراقية شيخ الكويت، إلى الاستجابة لما أسمته مطالب الكويتيين بالانضمام إلى العراق، مدّعية أن هذا الضم هو في مصلحة أسرة الصباح التي أنشأت الإمارة، وضحت في سبيلها، وأنها لن تفقد مكانتها ومناصبها.

    وتحولت دعوة الملك غازي، من الدعاية في الإذاعة والجرائد، إلى مطالبة رسمية، عندما حدث اتصال رسمي عراقي مع الحكومة البريطانية، حول المسألة الكويتية، بين وزير الخارجية العراقي، توفيق السويدي، والسفير البريطاني لدى بغداد، في أبريل 1938، والذي أشار، خلاله، وزير الخارجية العراقي، إلى أن الاتفاق البريطاني ـ العثماني، عام 1913 اعترف بأن الكويت لم تكن، في أي وقت دولة مستقلة، على حّد تعبير الوزير العراقي. وأنه بعد أن انتقلت السيادة على ولاية البصرة، من الدولة العثمانية، إلى المملكة العراقية الجديدة، فلا بدّ وأن     تشمل هذه السيادة الكويت، وأن العراق لم يعترف بأي تغيير في مركزها.

    وقد رفضت بريطانيا، وجهة النظر العراقية، وأبلغت العراق أنها لا تقبَل بمدّ السيادة العراقية إلى الكويت. وبذلت الدبلوماسية البريطانية جهوداً كبيرة في تقديم الاحتجاجات ضد الحملات، الصحفية والإذاعية، ودعوة الحكومة العراقية إلى التدخل لوقف هذه الحملات العدائية، بل وصل الأمر إلى حدّ توجيه بريطانيا تحذيراً إلى الحكومة العراقية من مغبة غزوها الكويت، عسكرياً، كما أشارت إليه الجرائد.

    واستمرت المحاولات العراقية تثير القلاقل داخل الكويت، بحثّ المعارضين الكويتيين على قيامهم بانقلاب في الداخل، ضد الشيخ أحمد الجابر. كما ازدادت حوادث اختراق الشرطة العراقية الحدود الكويتية، ومهاجمة سيارات عراقية مسلحة الجهراء. وقد سبق للشيخ أحمد الجابر، أن بعث برسالة إلى الوكيل السياسي البريطان    في الكويت، يشكو إليه اختراقات العراق الحدود الكويتية، التي دأب عليها، منذ مايو 1934.(أُنظر وثيقة أصل رسالة من حاكم الكويت إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 14 مايو 1934، في شأن انتهاكات العراق لحدود الكويت) و(وثيقة صورة طبق الأصل من رسالة حاكم الكويت إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 14 مايو 1934، في شأن انتهاكات العراق لحدود الكويت).

    ويتفق المؤرخون على أن الأهداف، التي سعى العراق إلى تحقيقها، في حالة نجاحه في ضم الكويت، خلال فترة قصيرة، ومبكرة، من ظهورها كدولة، قد تمثلت فيما يلي:

(1)  الرغبة في الاستحواذ على ممتلكات حاكم الكويت الخاصة، في البصرة والفاو. وينمّ على ذلك، أن الحكومة العراقية، قد بدأت بفرض ضرائب على تلك الممتلكات، على أساس أنها غير ملزمة بالوعود، التي كانت بريطانيا قد قطعتها على نفسها، لشيخ الكويت، إبّان الحرب، بضمان حيازته تلك الممتلكات وإعفائها من الضرائب. ثم اتجهت الحكومة العراقية، بعد ذلك، إلى عدم الاعتراف بملكية شيوخ الكويت لأراضيهم، في البصرة والفاو، بحجة عدم تسجيل تلك الأراضي في دفاتر " الطابو". وناصرت المحاكم العراقية كثيرين من المدعين بملكية تلك الأراضي، ثم لم تلبث الحكومة العراقية أن استغلت الأزمة، التي ترتبت على الدعوة إلى ضم الكويت إلى العراق، لتجرد شيخ الكويت من معظم ممتلكاته، وممتلكات أُسرته، وحسبانها من المنافع العامة.

(2)  مطامع الحكومة العراقية في الاستيلاء على الثروة النفطية الكويتية، المتوقع أن تحظى بها الكويت، عقب اكتشاف حقل البرقان، عام 1938، وهو من أضخم حقول النفط الكويتية.

(3)  رغبة العراق في توسيع نافذته إلى الخليج، بعد أن ضاقت كثيراً، نتيجة للتنازلات التي قدمها إلى إيران في اتفاقية شط العرب، عام 1937، وأخذ، بعدها، يعاني لوناً من ألوان الاختناق البحري. وبدا ذلك في اعتراض الحكومة العراقية على تقارير اللجان الفنية، المتعلقة بتعليم الحدود، التي سبق ووافقت عليها، عام 1932، وذلك على أساس ما قررته تلك اللجان، عام 1938. فرأت أن الخط المستقيم، الذي يمتد شرقاً من الباطن إلى جنوب " آخر نخلة"، تقع إلى أقصى جنوب صفوان، هو أسلوب غير عصري في تعليم الحدود. كما أن امتداد الحدود من النقطة الواقعة جنوب صفوان، حتى النقطة التي يلتقي فيها خور عبدالله وخور الزبير، قبل أن يصل إلى نقطة " الثالوك"، من شأنه حرمان العراق من منفذ له إلى الخليج. ومن ثَم، طالب العراق بأن تتنازل الكويت عن بعض من أراضيها، شمالاً، إلى خط العرض 30 َ 29 ْ شمالاً[8]، وهذا معناه أن تترك له ما يقرب من ثلث مساحتها.

(4)  فشل العراق في إخضاع الكويت لنظامه الاقتصادي، بعد تعثر الجهود لإقامة اتحاد جمركي بين البلدَين، لاختلاف الأنظمة الاقتصادية، جعله يفكر في أن ضم الكويت، سيساعده على القضاء على عمليات التهريب، التي أدعى أنها تؤثر تأثيراً سيئاً في اقتصاده، فضلاً عن أن القبائل، في الفرات الأوسط، كانت تعتمد، في تمردها ضد السلطة العراقية، على الأسلحة المهربة من الكويت، إذ إن خط الحدود بين الكويت والعراق، يسير، بحكم طبيعة المناطق التي يمر بها، في خطوط مستقيمة، لعدم وجود فواصل، طبيعية أو بشرية، مما يساعد على استفحال عمليات التهريب.

(5)  إثارة حكومة العراق مشكلة في شأن إمداد الكويت بالمياه من شط العرب، وذلك بتفتيش القوارب الكويتية المشتغلة بنقل المياه العذبة، بحجة أنها تمارس تجارة التهريب، مما كان يترتب عليه تأخر وصول مياه الشرب إلى الكويت. ويذكر ديكسون، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت " أن آخر الوسائل العراقية في مغازلة الكويتيين، كانت بالتلويح لهم بالفوائد التي يجنونها من الحصول على مياه شط العرب، عبر أنبوب، قطره 23 بوصة، الأمر الذي من شأنه أن يحوّل الأراضي الفاصلة، بجوار مدينة الكويت، إلى حدائق غنّاء. وهم يعرفون أنه إذا تحقق ذلك، فإن الفلاحين العراقيين، هم الذين سيتولون زراعة الأرض المستصلحة، ومن ثم، سيسيطرون على جزء كبير من الأراضي الكويتية. وفي حالة نشوب أي نزاع بينهم وبين الكويت، ولو مفتعلاً، سيطلبون حماية دولتهم.

لكن المهم هو أن الخطط العراقية، الرامية إلى ضم الكويت، قد فشلت، لمقتل الملك غازي، في 3 أبريل 1939[9]. واندلاع الحرب العالمية الثانية في الأول من سبتمبر 1939، وقد أسهم في هذا الفشل عدة عوامل، منها الدور البريطاني، في الوقوف، بحزم وقوة، ضد المحاولات العراقية، سواء من طريق الدبلوماسية الحثيثة، أو باتخاذ الاستعدادات العسكرية الجادة. ناهيك من عدم استجابة الكويتيين لدعوة الملك غازي إلى الاندماج في العراق، إذ انحصرت مطالبهم في الإصلاح، والمشاركة في حكم بلدهم.

ب. اتفاق تثبيت الحدود الكويتية ـ العراقية

رأت الحكومة البريطانية ضرورة تثبيت الحدود العراقية، قبَيل استقلال العراق، وقبوله عضواً في عصبة الأمم، في 3 أكتوبر 1932. واشترطت بريطانيا للموافقة على استقلال العراق، عام 1932، الموافقة، مسبقاً، على تأكيد الحدود بينه وبين الكويت، طبقاً لاتفاقية 1913. فأبلغت شيخ الكويت بأنها تعترف، وهي المنتدبة على العراق، بالحدود التي يراها هو صحيحة بين بلاده والعراق. واستقر رأي الحكومة البريطانية، في 18 أبريل 1932، على أن تكون التسوية على صورة تبادل مذكرات، وتجنّباً للاتصالات المباشرة، بين الحكومة العراقية وشيخ الكويت، الذي لا ترغب الحكومة البريطانية في أن يتصرف بشكل مستقل، في المسائل الخارجية، اتُّفق على أن تجري التسوية في مذكرة، يقدّمها رئيس وزراء العراق، نوري السعيد إلى المسؤولين البريطانيين، لأخذ موافقة الشيخ على الحدود الكويتية ـ العراقية، التي يوضحها في مذكرته. ومن ثَم، يكتب شيخ الكويت، إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، خطاباً، يعلن فيه موافقته على الحدود، كما جاءت في مذكرة رئيس وزراء العراق.

    وفيما يلي تفاصيل ما دار في هذا الشأن:

(1)  في 16 يوليه 1932، بعث السير فرنسيس همفريز، Sir Francis Humphrys ، المندوب السامي البريطاني في بغداد، برسالة إلى جعفر العسكري، رئيس وزراء العراق (بالوكالة)، مقترحاً[10] (أُنظر وثيقة كتاب المندوب السامي البريطاني، فرنسيس همفريز إلى رئيس وزراء العراق (بالوكالة)، جعفر العسكري في 16 يوليه 1932، يقترح علية إرسال كتاب بخط الحدود، المقترح في مسودة كتاب) : أن ترسل حكومة العراق، قبْل النظر في طلبها الانضمام إلى عصبة الأمم، خطاباً إليه. تقترح فيه إعادة تأكيد خط الحدود القائمة بين العراق والكويت، طبقاً للمسوّدة التي أرسلها إليها، والتي تطابق اتفاقية 1913، للخط الذي أورده السير برسي كوكس في كتابه إلى شيخ الكويت، في أبريل 1923، حتى تتمكن الحكومة البريطانية من الحصول على موافقة شيخ الكويت على هذه المقترحات، إذ إنه من الضروري إبراز هذه الموافقة أمام إحدى لجان عصبة الأمم، في شهر سبتمبر، قبْل موافقتها على انضمام العراق إليها.

(2)  وفي 21 يوليه 1932، اعترف العراق بالحدود مع الكويت، في الرسالة الرقم 2944،(أُنظر وثيقة أصل كتاب رئيس وزراء العراق إلى المندوب السامي البريطاني في العراق في 21 يوليه 1932، يؤكد فيه الحدود الكويتيةـ العراقية) و (وثيقة ترجمة كتاب رئيس وزراء العراق إلى المندوب السامي البريطاني في العراق في 21 يوليه 1932، يؤكد فيه الحدود الكويتية ـ العراقية) التي وجهها رئيس وزرائه، نوري السعيد، إلى المندوب السامي البريطاني، قبْل استقلال العراق، في 3 أكتوبر 1932، يطلب منه أن يحصل على موافقة الشيخ أحمد الجابر الصباح، للوصف التالي للحدود القائمة بين البلدَين: من تقاطع وادي العوجة بالباطن، ثم إلى الشمال على طول الباطن إلى نقطة جنوب خط العرض لصفوان مباشرة، ثم شرقاً مروراً بجنوب آبار صفوان، جبل سنام وأم قصر، تاركاً هذه المناطق للعراق. ثم إلى تقاطع خور الزبير مع خور عبدالله. وتخصص جزر وربة، وبوبيان، ومسكان، وفيلكا، وعوهه، وكُبر، وقاروة، وأم المرادم، للكويت.

(3)  وفي 25 يوليه 1932، أرسل المندوب السامي البريطاني في بغداد، الرسالة الرقم (1004) (أُنظر وثيقة كتاب المندوب السامي البريطاني، فرنسيس همفريز إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج في 25 يوليه 1932، في شأن موافقة الحكومة البريطانية على تعريف الحدود الكويتية ـ العراقية)، إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج، يطلب فيها إبلاغ شيخ الكويت، موافقة الحكومة البريطانية على تعريف الحدود بين الكويت والعراق، كما جاءت في كتاب نوري السعيد، المؤرخ في 21 يوليه 1932.

(4)  وفي 30 يوليه 1932، أرسل المقيم السياسي البريطاني في الخليج، ترنشارد كرافن فاول Trenshard Craven Fowle (ما بين 1932 ـ 1939) رسالة إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، هارولد ديكسون، يبلغه فيها موافقة الحكومة البريطانية على تعريف الحدود القائمة بين العراق والكويت، كما هي مفصلة في رسالة رئيس وزراء العراق. وطلب منه إبلاغها إلى شيخ الكويت، وأن يرسل حاكم الكويت رسالة، تؤكد موافقته على وصف الحدود العراقية ـ الكويتية، كما وردت في كتاب نوري السعيد. (أُنظر وثيقة أصل كتاب المقيم السياسي البريطاني في الخليج إلى الوكيل السياسي في الكويت في 30 يوليه 1932) و (وثيقة ترجمة كتاب المقيم السياسي البريطاني في الخليج إلى الوكيل السياسي في الكويت في 30 يوليه 1932).

(5)  وفي 10 أغسطس 1932، كتب الشيخ أحمد الجابر الصباح، إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، رسالة (أُنظر وثيقة أصل كتاب حاكم الكويت، الشيخ أحمد الجابر إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 10 أغسطس 1932، يوافق فيها على ما ورد في كتاب نوري السعيد، في شأن الحدود) و (وثيقة ترجمة كتاب حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 10 أغسطس 1932، يوافق فيه على ما ورد في كتاب نوري السعيد في شأن الحدود) يوافق فيها على وصف الحدود الكويتية ـ العراقية، كما أشار إليها رئيس وزراء العراق، في كتابه. وبذلك، ثُبتت الحدود بين الكويت والعراق وتأكدت. وبقيت المرحلة الأخيرة من مراحل إنشاء الحدود، وهي المتعلقة بالتخطيط الفعلي على الأرض (ترسيم الحدود)، ورسم الخرائط الموضحة لهذه الحدود.

(6)  وفي 12 أغسطس 1932، بعث الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، برسالة (أُنظر وثيقة أصل رسالة الوكيل السياسي البريطاني في الكويت الصادرة باللغة الإنجليزية إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج في 12 أغسطس 1932) و (وثيقة ترجمة رسالة الوكيل السياسي البريطاني في الكويت إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج في 12 أغسطس 1932) إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج، في شأن المراسلات المتعلقة بتأكيد الحدود بين العراق والكويت، التي أقرها كلُّ من نوري السعيد، رئيس الوزراء العراقي، وأحمد الجابر، حاكم الكويت

        اللافت أن العراق، ممثلاً في رئيس وزرائه، هو الذي أخذ زمام المبادرة في تأكيد تعيين الحدود بينه وبين     الكويت. ويلاحظ كذلك، أن وصف الحدود، الوارد في خطاب نوري السعيد، لم ينشئ أي تعيين جديد للحدود، بل     كان تأكيداً لحدود قائمة معروفة. وقد حرص العراق على إتمام هذه المراسلات، والحصول على موافقة الكويت،     ليستوفي بذلك شرطاً أساسياً لقبوله عضواً في عصبة الأمم، وهو أن تكون الدولة، طالبة العضوية، ذات " حدود     واضحة مع جيرانها". ولذلك، نجد أن العراق، بعد تبادل الرسائل حول الحدود مع الكويت، وجِّه، في 29 سبتمبر1932 ، خطاباً إلى الأمين العام لعصبة الأمم، السير إريك دراموند، يذكر فيه " أنه باستثناء بعض مناقشات     حول التعريف الدقيق للحدود مع سورية، فإن حدود العراق مع سائر جيرانه، هي حدود واضحة تماماً"، وهو ما ينطبق على حدوده مع الكويت، التي حرص العراق على تأكيد تفصيلها وثباتها، في خطاب نوري السعيد، المذكور آنفاً. ونتيجة لاستيفاء هذا الشرط الأساسي، وافقت لجنة النظر في طلبات الدول الراغبة في الانضمام إلى عصبة الأمم، على طلب العراق، فانضم إليها، في 3 أكتوبر 1932.

        وعلى الرغم من اعتراف العراق بتثبيت حدوده مع الكويت وتأكيدها، في رسائل عام 1932، إلاّ أن العراق لم     يلبث أن أثار العديد من المشكلات، فيما يتعلق بتلك الحدود. وتجدر الإشارة إلى أن أول انتهاك عراقي للحدود     الكويتية، بعد هذا الاعتراف، هو ما جرى يوم 11 مايو 1934، وصدرت به مذكرة احتجاج كويتية، في رسالة     (أُنظر وثيقة أصل رسالة من حاكم الكويت إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 14 مايو 1934، في   شأن انتهاكات العراق لحدود الكويت) و( وثيقة صورة طبق الأصل من رسالة حاكم الكويت إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 14 مايو 1934، في شأن انتهاكات العراق لحدود الكويت)، بعث بها حاكم الكويت إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، في 14 مايو 1934.

        في أواخر الثلاثينيات، وإثر اندلاع الحرب العالمية الثانية، في الأول من سبتمبر 1939، ازداد تشكيك العراق في شأن فاعلية الرسائل المتبادلة، عام 1923، بين الشيخ أحمد الجابر الصباح، والمقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي، والوكيل السياسي البريطاني في الكويت. وكذلك، الرسائل المتبادلة، عام 1932، بين رئيس الوزراء العراقي، نوري السعيد، والمندوب السامي البريطاني في العراق، وبين الشيخ أحمد الجابر، والوكيل السياسي البريطاني في الكويت، والتي أكدت جميعها الحدود القائمة، المقررة، عام 1913، بموجب الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية. وحجة العراق في ذلك، أن هذه الرسائل قد صدرت عن المسؤولين، قبْل حصول العراق على الاستقلال، وانضمامه إلى عصبة الأمم، وعلى أساس أن الكويت كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، تتمتع بالاستقلال الإداري. وكان رد بريطانيا على مذكرة العراق، أن معاهدة سيفر، الموقعة في 10 أغسطس 1920، ومعاهدة لوزان، الموقعة في 24 يوليه 1923، قد نصتا على تنازل تركيا عن الأراضي العربية كافة، التي كانت تابعة لها، ومن ضمنها الكويت .  

        وخلال فترة الأربعينيات والخمسينيات، حاولت بريطانيا بذل مساع كبيرة، للتوصل إلى اتفاق بين الطرفَين، الكويتي والعراقي، على أساس الرسائل المتبادلة في عام 1932. إلاّ أنها فشلت في محاولتها، بسبب عدم وضوح التضاريس التي تشكل معالم الحدود. فمثلاً، تدخلت بريطانيا، مرة أخرى، لتقرر أن خط الحدود، الذي يشكله وادي الباطن، يتبع أعمق انخفاضاً في داخل هذا الوادي. وفسر كل طرف الفقرة الواردة في تعريف برسي كوكس، الذي أدلي به في عام 1923، والتي نصت على أن الحدود، تمتد إلى جنوب صفوان مباشرة، تفسيراً، يخالف تفسير الطرف الآخر. وكانت بريطانيا تقول دائماً بأن خط الحدود، يمتد على بعد ميل واحد إلى الجنوب من " أقصى نخلة"، جنوب " صفوان". إلاّ أن المشكلة هي أن عدد النخيل قد ازداد، وضاعت معالم تعليم الحدود السابقة، التي وُضعت في السنين الماضية. ونتيجة لهذا الخلاف، كُلَّف الرائد ويكفيلد بالانتقال إلى الكويت، وكتابة مذكرة حول موضوع الحدود الكويتية.

    وقدَّم الرائد ويكفيلد مذكرة (أُنظر وثيقة نص الملاحق المرفقة بمذكرة الرائد ويكفيلد إلى وزارة الهند، والمقيم السياسي البريطاني في الخليج في نوفمبر 1941، يوضح فيها اختلاف تحديد الحدود، بين التعريف العراقي، وتعريف اتفاقية 1913 في المنطقة المحصورة بين صفوان وخور عبدالله)، حول موضوع الحدود الكويتية، في الجزء المحصور بين صفوان وخور عبدالله، في نوفمبر 1941، وجهها إلى وزارة الهند، والمقيم السياسي البريطاني في الخليج. وأكد فيها أن الاختلاف بين التعريف العراقي وتعريف اتفاقية 1913، وعدم قبول الشيخ أحمد الجابر بتعريف الحدود الكويتية، الوارد في مجلد لوريمر، والأخطاء الواردة في الخريطة الجديدة لخريطة 1913، لا تؤثر في صحة الحدود بين العراق والكويت، كما حددتها تعاريف الحدود، عام 1912، (المذكرة البريطانية، التي أُبلغت إلى السفير العثماني لدى لندن، في 18 يوليه 1912)، وما جاء في الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية، لعام 1913، وتأكيد الجانبَين، الكويتي والعراقي؛ وقبولهما، من خلال المندوب السامي البريطاني في العراق، السير برسي كوكس، عام 1923، وصف الحدود، استناداً إلى اتفاقية عام 1913. وكذلك قُبلت حدود عام 1932 واعترف بها، من خلال الرسائل المتبادلة بين رئيس الوزراء العراقي وشيخ الكويت والمندوب السامي البريطاني في العراق.

    ج. ترسيم الحدود الكويتية ـ العراقية

كان المفترض، بعد اتفاق الجانبَين على تعيين " Delineation " خط الحدود، الانتقال إلى المرحلة التالية، مرحلة تعليم " Demarcation " هذا الخط. وهي المرحلة التي لم تتم، ولعل عدم إتمامها، كان من أهم أسباب استمرار المشكلة، وهي أسباب سياسية، متعلقة بالعراق، وليست تاريخية، وإنْ كان التاريخ قد اُستخدم لتبرير الأسباب السياسية. ومنها إثارة العراق العديد من المشكلات، بينه وبين الكويت، فيما يتعلق بالحدود. بل اتجهت السياسة العراقية، منذ الثلاثينيات، وعقب الاستقلال، إلى الدعوة إلى وحدة الكويت مع العراق، أو الاتحاد معه أو ضمها إليه.

(1) ظهور أولى الدعوات المتعلقة بطلب الضم، في برامج بعض الأحزاب السياسية، خاصة " حزب الاتحاد الوطني"، الذي كان يترأسه ياسين الهاشمي، عام 1933، وإن كان المنطلق، الذي تحرك منه رجال هذا الحزب، هو المنطلق العربي، الداعي إلى إتمام الوحدة العربية. ومثل هذا المنطلق، لا يقبل بدعاوي الضم، وإنما يرى أن الوحدة، تكون بشكل من أشكال القبول والسعي الشعبيين.

(2) حماس الملك غازي (1933 ـ 1939)، للاتجاهات نحو الوحدة مع الكويت، بتأثير من رئيس ديوانه، رشيد عالي الكيلاني، مما تجسد في إنشائه إذاعة خاصة، في " قصر الزهور" في بغداد، للتعبير عن آرائه في القضايا العربية بصفة عامة، والمسألة الكويتية بصفة خاصة. كما استغل الملك غازي الأزمة الداخلية، التي نشبت بعد تأسيس المجلس التشريعي في الكويت، في 2 يوليه 1938، والتي أتاحت الفرصة للعراق، كي يشنّ هجوماً عنيفاً على نظام الحكم في الكويت، وإثارة عناصر المعارضة، والادعاء بأن الكويت، قد باتت مهددة بأخطار جسيمة، وأنها كانت قائمقامية عثمانية، ومقاطعة عراقية[11].(أُنظر وثيقة تقسيمات العراق الإدارية كما وردت في الدليل العراقي لسنة 1936 في الصفحات من 50 إلى 54)، قبل نشوب الحرب العالمية الأولى.[12]

        ويتفق المؤرخون، على أن تأخر الحكومة العراقية، في إتمام عملية ترسيم الحدود في أواخر الثلاثينيات، لها غير سبب، منها:

(3) الأزمات، الاقتصادية والسياسية، التي مرّ بها العراق، منذ إعلان الاستقلال. فكلما تعرض حكام العراق لأزمة من الأزمات، تحوَّل أنظار الشعب العراقي إلى قضية الكويت، وصوروا له ما سيدره عليه ضم الكويت أو انضمامها، من ثروة وغنى. فقد أثار العراق، في أواخر الثلاثينيات أن انخفاض الرسوم الجمركية في الكويت، قد أدى إلى نشاط تجارة التهريب، وأن ذلك يشكل تهديداً للاقتصاد العراقي. وقد أثارت الحكومة العراقية، من خلال الصحافة والإذاعة، التجار العراقيين في هذا الاتجاه. وهو الأسلوب نفسه، الذي اتَّبعته الحكومة العراقية، عام 1990.

(4) موافقة الحكومة العراقية على تقارير اللجان الخاصة بتعليم الحدود التي سبق واعترفت بها عام 1932، وذلك على أساس ما قررته تلك اللجان عام 1938. وقد سبق الإشارة إلى تفاصيل هذه الجزئية.

د. حدود الكويت، في الوثائق العراقية

(1) ذُكرت حدود العراق مع الكويت في الوثائق العراقية، حيث ورد في الدليل العراقي، لعام 1936، ذكرها مرتين:

        الأولى: ذكرت، بصورة عامة، في الصفحة الرقم (41)

    والثانية: حددها الدليل بالتفصيل، عند بدء الحديث عن لواء البصرة، في الصفحة الرقم (669)، حيث يقول:

     "يحدّه من الشرق الحدّ الفاصل ما بين الحدود، العراقية والإيرانية، الممتد على محاذاة نواحي السيبة وشط العرب والسويب، ومن الجنوب الحدّ الفاصل بين الأراضي الكويتية والعراق، الذي يبتدئ من مياه الخليج الفارسي، في منتهى الساحل الجنوبي لناحية الفاو، متعقباً الساحل حتى يقطع خور عبدالله، ويتجه إلى الغرب بمحاذاة (النقطة ) منتهياً بسفوان، ثم يغير اتجاهه حتى أراضي هليبة في البادية الجنوبية" .(أُنظر وثيقة حدود ولاية البصرة كما وردت في الدليل العراقي، لسنة 1936، في الصفحة 669).

(2) كما ورد في الدليل في الصفحة الرقم (55)، خريطة ملونة، تؤكد استقلال الكويت، وعدم وجود صِلة بينها وبين ولاية البصرة. وفي الصفحة الرقم (783)، توضح خريطة ملونة أخرى حدود العراق مع الكويت، كتب عليها أنها طُبِعَتْ، بإذن خاص من الفريق طه باشا الهاشمي، رئيس أركان الجيش العراقي، في عهد الملك غازي. وتوضح هذه الخريطة (أُنظر خريطة المياه الإقليمية العراقية والجرف القاري)، كذلك، المناطق الزراعية واقتصاديات العراق.

(3) وتوضح خريطة الجزء الج المناطق الزراعية في الخريطة الاقتصادية العراقية التي أعدت بناءً على تعليمات الفريق طه الهاشمي نوبي من العراق (أُنظر خريطة المناطق الزراعية العراقية)، الواردة في الدليل العراقي، لسنة 1936، الحدود الكويتية ـ العراقية، البرية والبحرية، في أسفل الخريطة. ويتضمن الدليل المذكور اعترافاً واضحاً بأن الكويت لم تكن تابعة لولاية البصرة. كما يعترف بالحدود الكويتية ـ العراقية، الموصوفة في الرسائل، المتبادلة بين حكومتَي البلدَين، عام 1932.

هـ. محاولات العراق إقامة ميناء له في الكويت

    في 4 مارس 1936، بدأت محاولات العراق إقامة ميناء له في خليج الكويت، وفقاً لرسالة بعث بها السفير البريطاني لدى بغداد، إلى وزير الخارجية البريطانية. وأوضح فيها أن بعض أعضاء الحكومة العراقية، يطالبون بضم الكويت. كما أن وجهة نظر نوري السعيد، رئيس الوزراء العراقي، أن البصرة، لا تصلح لكي تكون ميناءً متطوراً للعراق. ويعتقد أنه من الضرورة التوصل إلى اتفاقية مع الكويت، لإيجاد مخرج للتجارة العراقية إلى الخليج.

     وبناء على ذلك، دارت المحادثات بين الحكومة العراقية والحكومة البريطانية، حول مدى استعداد بريطانيا للسماح للعراق بإقامة ميناء على ساحل الخليج، ومد خط حديدي إليه، عبْر الأراضي الكويتية، على أن يتحمل العراق نفقات المشروع كافة، بما فيها الاستعداد لتقديم أي تعويضات، تطلبها الكويت، مقابل التسهيلات التي تقدمها. بل أبدت الحكومة العراقية استعدادها لوضع المشروع تحت إشراف الكويت، وتقديم التسهيلات كافة إليها في الميناء، ومنحها حق استعماله، وكذلك خط السكك الحديدية، من دون رسوم، مع إقامة منطقة جمركية حرة فيها.

    وقد اقترح مدير ميناء البصرة، والمدير العام للسكك الحديدية العراقية، المقدم وورد Ward ، أن تكون منطقة "الفاو" مكاناً لإقامة الميناء المقترح، وأن يُمد خط السكك الحديدية إليه، معترضاً على إقامته في الأراضي الكويتية. لكن السفير البريطاني لدى بغداد، رأى أن الفاو، لا تصلح أن تكون مكاناً للميناء الجديد، لأنها لن تبقى في مأمن من تدخّل إيران، وهو المبرر الرئيسي، الذي أعلنه العراق لطلبه إقامة ميناء على الخليج العربي مباشرة. وأنه لا فرق كبير بين موقعَي البصرة والفاو العراقيَّين.

    واستمرت الاتصالات العراقية ـ البريطانية، نتيجة للرغبة العراقية الملحّة، في إنشاء ميناء بحري على الخليج العربي التي ترى أن هذا الميناء، يحتاج إلى جزء كبير من جزيرة كبيرة مثل جزيرتَي وربة وبوبيان. وكان رد الجانب البريطاني أن هذا الطلب يعود إلى شيخ الكويت، وحده، ليقرر إعطاء أراضٍ في الكويت للعراق.

     وعلى الرغم من تفهّم المسؤولين في الخارجية البريطانية لمطلب العراق، في ضوء تخوفه من خطر التدخل الإيراني في شط العرب، إلاّ أن الحكومة البريطانية، رأت أن مشروع إقامة الميناء، وتنفيذ مشروع خط السكة الحديدية، سيؤديان إلى ازدياد النفوذ العراقي في الكويت، وسيجعلان من الصعب المحافظة على كيان سياسي متكامل، ومستقل، للإمارة.

    وإزاء معارضة الحكومة البريطانية لمشروع إنشاء ميناء عراقي على الخليج العربي، في الأراضي الكويتية، ومد خط السكك الحديدية إلى الكويت، أعادت الحكومة العراقية، من جديد، مطالبتها بضم الكويت، معتمدة على نص المادة الأولى من الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية، لعام 1913، التي تشير إلى أن الكويت تشكل قضاءً عثمانياً. غير أن الحكومة البريطانية أوضحت، أن المطلب يتجاهل معاهدة لوزان، الموقعة في 24 يوليه 1923، التي تنازلت الدولة العثمانية، بمقتضى المادة 16 منها، عن كل حقوق لها في الكويت. وبذلك، تكون وراثة الدولة العثمانية، من قِبل أي دولة أخرى، أمراً عديم الجدوى. وأنه من وجهة نظر القانون الدولي، تُعَدّ الكويت مستقلة، ابتداء من 6 أغسطس 1924، وهو تاريخ التصديق على معاهدة لوزان.

     وعلى الرغم من إدراك المسؤولين البريطانيين لأهمية إنشاء ميناء عراقي في خليج الكويت، وفائدته العسكرية لبريطانيا، وفوائده الاقتصادية، للكويت والعراق، فإن التقارير البريطانية، تكشف عن حرص لندن على المحافظة على استقلال الكويت تحت الحماية البريطانية. ولذا، حاولت صرف العراق عن فكرة إنشاء ميناء في الكويت، باقتراح إنشاء ميناء في خور شتيانة (أُنظر خريطة الحدود الجنوبية العراقية)، وهو الجزء الشمالي من خور عبدالله، وأنه لا يوجد عائق أمام هذا المشروع، سوى ضرورة إيجاد مرسى للسفن، في جزيرة وربة الكويتية، إذا أمكن الحصول على تنازل الكويت عنها، مقابل منحها بعض الأراضي العراقية، في مواقع أخرى.

    وفي عام 1938، بدأ العراق، مرة أخرى، يطالب ببناء ميناء بديل من البصرة، على رأس الخليج العربي في خليج الكويت، بعد أن بدأت إيران تطالب بنصف شط العرب، مما يجعل البصرة، كميناء عراقي، في موقف دفاعي عسكري ضعيف (أُنظر خريطة مواني العراق البحرية). إلاّ أن بريطانيا تمكنت، أخيراً، من إقناع السلطات العراقية باختيار موقع آخر، في أم قصر (أُنظر خريطة ميناء البصرة العراقي) ، الواقعة على خور الزبير (أُنظر خريطة ميناء أم قصر العراقي). لكن العراق طالب، في الوقت نفسه، أن تتنازل الكويت عن جزيرتَي وربة وبوبيان، بهدف إحكام السيطرة العراقية على الممرات المائية، المؤدية إلى أم قصر. غير أن الكويت رفضت الطلب. وفي الوقت نفسه، حرصت بريطانيا على الحفاظ على حقوق شيخ الكويت في المنطقة، بعد أن دلت عمليات التنقيب على وجود النفط فيها، بكميات كبيرة، والذي تدفق في فبراير من العام نفسه. كما حرصت على ما حصلت عليه هي نفسها، من احتكار النفط في الأراضي الكويتية.

    وفي 26 مايو 1952، عادت مطالبة العراق بميناء له في الكويت، إلى الظهور، مرة أخرى، حين رأى العراق، وجوب تسوية مسألة التخلي عن جزيرة وربة، من جانب الكويت، قبْل الشروع في تخطيط الحدود بينهما، لإقامة ميناء في أم قصر.

    وفي عام 1954، أعادت الحكومة العراقية تأكيد مطالبها، حينما جرى اقتراح إقامة سلسلة من خطوط أنابيب المياه، لتزويد الكويت بمياه شط العرب. فطلبت الحكومة العراقية تصحيح الحدود الكويتية ـ العراقية، بما يعطيها جزيرة وربة، وشريطاً في شاطئ خور الصبية، يمتد أربع كيلومترات، إلى الجنوب من الحدود القائمة، المتفق عليها في مذكرة نوري السعيد، رئيس وزراء العراق، إلى المندوب السامي البريطاني، في 21 يوليه 1932. وذلك لتمكينها من تطوير ميناء أم قصر. غير أن حاكم الكويت، الشيخ عبدالله السالم الصباح (1951 ـ 1965) رفض الأخذ باقتراح وجوب ربط خط أنابيب المياه، بتعديل الحدود، أو حتى تأجير تلك المنطقة للعراق.



[1] خطاب السير "ترنشارد فاول  Trenshard C. Fowle "، إلى الشيخ أحمد الجابر الصباح، بالرقم C/731 ، في 5 أكتوبر 1938. ورد الشيخ عليه، في 11 أكتوبر 1938

[2] قد يكون "ملا صالح"، هو المقصود بالإبعاد، لأن "عزت جعفر"، لم يكن سكرتيراً للشيخ بصورة رسمية، بل كان السكرتير الحقيقي هو "ملا صالح"، وكان كلٌّ منهما مشاركاً، بصورة مباشرة، في إدارة البلاد. ولا يمكن وصفهما بأنهما من الحاشية الشخصية لشيخ الكويت.

[3] خطاب الشيخ إلى المعتمد السياسي البريطاني في الكويت بالرقم د/5/1028 في 9 أغسطس 1938

[4] هولمز، مهندس تعدين نيوزيلاندي. وصل عام 1922، إلى البحرين، في طريقه إلى شبه الجزيرة العربية، بدعوة من ابن سعود. وعمل في الشركة التي تكونت للتنقيب عن النفط في المنطقة، وهي الشركة الشرقية، التي سعت إلى الحصول على عقود امتياز نفطية، في الفترة من 1922 إلى 1926. ونجحت، فعلاً، في الحصول على امتيازات في إقليم الأحساء في السعودية، وفي البحرين، وفي المنطقة المحايدة، بين الكويت والسعودية. وشارك هولمز في مفاوضات مؤتمر العقير، عام 1922، في الوفد الذي مثل السعودية

[5] تضمن المشروع ثماني مواد عن المقاولة، بين الشيخ أحمد الجابر الصباح والشركة، وثلاثة جداول وخريطة. يتعلق الجدول الأول بالخصائص التي تتمتع بها الشركة، تحت رخصة التنقيب. والجدول الثاني، يتعلق بالخصائص التي تتمتع بها الشركة، تحت رخصة الكشف. والجدول الثالث، تناول مقاولة امتياز العمل. وقد جاء رفض الشيخ أحمد لمشروع الشركة البريطانية ـ الفارسية، بطريقة دبلوماسية، إذ تأخر في الرد، ثم التقى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، وأخبره بأنه يحتاج إلى فترة، لا تقلّ عن ستة أشهر، لإعطاء رده، في خصوص المشروع، بعد دراسته جيداً.

[6] شركة زيت الكويت المحدودة ، هي شركة مسجلة في بريطانيا، بموجب قانون الشركات لسنة 1929، في مدينة لندن. وعرفت، بعد ذلك، باسم "الشركة". وعمل فيها الرائد "فرانك هولمز" كوكيل لها، بعد تقاعده، بالاشتراك مع وكيل آخر

[7] معاهدة سيفر، وقعت في باريس، في 10 أغسطس 1920، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، وكان هذا بداية تدهور قوة الأتراك وتاريخهم. وقد نصت هذه المعاهدة على أن تكون سورية، وفلسطين، وبلاد ما بين النهرين (العراق حالياً)، دولاً مستقلة، تتولى الوصاية عليها القوات المنتدَبة من قِبل عصبة الأمم. وتنص بنود المعاهدة على تخلي الدولة العثمانية عن كل سلطاتها الإقليمية، في شمالي أفريقيا. والدول موقعة المعاهدة، هي: تركيا من جانب، وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وبلجيكا واليونان وبولندا والحجاز ورومانيا والبرتغال والصرب وتشيكوسلوفاكيا، من جانب آخر. والجدير بالذكر أن "مصطفى كمال أتاتورك"، عندما أطاح الحكومة العثمانية، وأقام كياناً تركياً علمانياً، رفضت حكومته الجديدة الاعتراف بمعاهدة "سيفر". وفي عام 1923، ناقشت الحكومة التركية معاهدة جديدة مع الحلفاء، في لوزان، في سويسرا، عرفت بمعاهدة "لوزان"، وعقدت في 24 يوليه 1923، صُدِّق عليها في 6 أغسطس 1924. وبذلك، استعيض عن معاهدة "سيفر"، بمعاهدة "لوزان

[8] خط العرض 30 َ 29 ْ شمالاً، كان يعني استبعاد جزيرتَي وربة وبوبيان من التبعية للكويت.

[9] قُتل الملك غازي مساء يوم 3 أبريل 1939، في حادث سيارة غامض، إثر اصطدامها بعمود كهربائي. وما زالت الشكوك تحوم حوله، ويعتقد بعض المحللين أنه من تدبير الإنجليز ونوري السعيد، رئيس الوزراء العراقي، وقد أُذيع نبأ مصرعه في اليوم التالي 4 أبريل. وبعد مقتل الملك غازي، نادى الشعب العراقي بابنه فيصل الثاني، ملكاً على البلاد، وكان عمره، في ذاك الوقت، أربع سنوات، وعُين خاله، الأمير عبدالإله، وصياً على العرش، فحكم البلاد، بالتعاون مع رئيس الوزراء، نوري السعيد.

[10] اُنظر الرسالة السرية الرقم (155/5) الصادرة من المندوب السامي البريطاني في بغداد، إلى "جعفر العسكري"، رئيس وزراء العراق (بالوكالة) بتاريخ 16 يوليه 1932.

[11] يوضح السجل العراقي الرسمي الموثق، وهو الدليل العراقي لعام 1936، الذي تتصدره صورة الملك غازي، مع ترجمة وافية لحياته، أن الكويت لم تكن، في يوم من الأيام، تابعة لولاية البصرة. كما يعترف بالحدود الكويتية ـ العراقية، الموصوفة في الرسائل المتبادلة بين حكومتَي البلدَين، عام 1932. ففي الصفحات من 50 حتى 54، أورد السجل دراسة تفصيلية لتقسيمات العراق الإدارية، على النحو التالي: العراق الإداري، في عهد مدحت باشا (القرن 18). تقسيمات العراق الإدارية قبل الحرب الأولى، وتقسيمات العراق الإدارية بعد الحرب العالمية الأولى، تشكيلات العراق الإدارية الحالية (1936). ولم يرد اسم الكويت تابعاً لأي ولاية من الولايات العثمانية، في التقسيمات الإدارية المذكورة.

[12] جريدة "الاستقلال"، بغداد ، العدد الصادر في 12 فبراير 1939