إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / مؤتمر صفوان (3 مارس 1991)









مقدمة

ثامناً: اجتماع صفوان (3 مارس 1991)

1. موقع صفوان، وترتيبات الاجتماع

    يقع مهبط صفوان في صحن طبيعي، تحيط به التلال الرملية، من كل الجوانب. وتمركز فيها، لتوفير الأمن، ما لا يقلّ عن 40 مركبة مدرعة، من نوع برادلي. وعلى طول الطريق، من مفترق الطرُق حتى المهبط، انتشرت دبابات من نوع (M1A1)، ومركبات من نوع برادلي (Bradley). وعلى جانبَي المدرج، تراصَّ، على امتداد مائتي متر، عشرات الطائرات العمودية المسلحة، من نوع أباتشي (Apache). ذلكم هو المشهد، الذي سيراه الوفد العراقي، المقبِل في عربات، ترفع الأعلام، من البصرة إلى مفترق الطرُق حيث سيُستقبل، ثم ينتقل، في عربات، يقودها جنود أمريكيون، إلى مهبط صفوان.

    قبْل يومَين، لم يكن مهبط صفوان، سوى لسان من الأسفلت. أما الآن، فهناك منطقة هبوط للطائرات العمودية، وخيام رائعة التنظيم؛ واحدة لتفتيش مراقبي التحالف والمترجمين، لدى وصولهم؛ وأخرى لإيوائهم، ريثما يلتئم الاجتماع؛ وثالثة تضم معدات الاتصالات، لتحل مكان مركز القيادة. إضافة إلى نقطة لتجمّع الصحفيين، ومنصة خارجية، يحفّها العلمان، الأمريكي والسعودي. وتتوسط الموقع خيمة ذات لون زيتوني غامق، ترتفع 12 قدماً، إنها خيمة الاجتماع. في داخلها طاولة خشبية مستطيلة الشكل، موضوعة في الوسط، مع ثلاثة كراسي مخصصة لكل من الفريق الركن خالد بن سلطان، والجنرال شوارتزكوف، والمترجم. يقابلها ثلاثة أُخرى، للفريق سلطان هاشم أحمد، والفريق صالح عبود محمود، ومترجمهما.

    وفي صدد اللقاء في صفوان، واللحظات التي سبقت الاجتماع، يقول الفريق الركن خالد بن سلطان، أحد قطبَي الوفد الممثل لقوات التحالف:

    "كان مقرراً أن أتوجه إلى صفوان، في طائرة عمودية، في صباح يوم 3 مارس 1991. ولما كان الاجتماع سيأخذ طابعاً إعلامياً، في المقام الأول، فقد أصدرت تعليماتي إلى اللواء يوسف مدني، مدير التخطيط في قيادة القوات المشتركة، بالذهاب، ومعه بعض من ضباط أركاني، إلى صفوان، في الرابعة صباحاً، أي قبل موعد وصولي بوقت كافٍ، للتأكد من سلامة الترتيبات، التي كان يجري إعدادها. وكان يعنيني أن يتأكد ـ بوجه خاص ـ أن وضعي وشوارتزكوف سيكون على قدم المساواة من جميع الوجوه، صغيرها قبْل كبيرها، وأن أيّاً منّا، لن يتصدر طاولة المباحثات. ومن المفارقات الطريفة، أن اللواء يوسف، عندما وصل إلى "مسرح" الاجتماع في صفوان، وجد رجال شوارتزكوف قد سبقوه إلى هناك، لتنفيذ المهمة نفسها.

    وحدث صراع خفيّ، مردّه إلى اعتداد كلٍّ منّا بذاته اعتداداً مبالغاً فيه، عندما هبطت طائرتي في صفوان، قبل الحادية عشرة بقليل، إذ كان مقرَّراً أن تبدأ المباحثات في الحادية عشرة والنصف. ولاحظت عند وصولي، أن أرض الصحراء المغبرة بدأت تكسوها الأعشاب والحشائش المتناثرة. وفي الأفق الجنوبي، كانت ثمة سحابة كثيفة من الدخان المتصاعد من آبار النفط الكويتي المحترقة. وعندما فُتح باب الطائرة الملكية العمودية، أخبرني المقدم الطيار عايض الجعيد مدير قسم القوات الجوية في قيادة القوات المشتركة، أن مجموعة الخيام، التي سيُعقد فيها الاجتماع، تقع على مسافة بعيدة، في نهاية المدرج، وأن ضابطاً أمريكياً، برتبة مقدم، ينتظرني في سيارة جيب، ليرافقني إلى مكان الاجتماع.

        سألت المقدم عايض: "أين هبطت طائرة شوارتزكوف؟".

        فأجاب أنها تقف بالقرب من الخيام.

        فقلت له: "إذاً، لا بدّ أن تتحرك طائرتي حتى هناك، وإلا سوف أعود إلى الرياض، من الفور".

    وبعد فترة قصيرة، سُمح للطائرة بالتحرك، والوقوف بالقرب من موقع الخيام. وكان الفريق باجونيس في استقبالي. ورافقني إلى مكان الاجتماع. وكانت تلك آخر محاولة من محاولاتي للتعبير علناً عن معنى القيادة الموازية".

2. مجيء الوفد العراقي

    كانت الساعة الحادية عشرة، عندما أبلغت أجهزة اللاسلكي وصول العراقيين إلى نقطة مفترق الطرُق، على بعد نحو ثلاثة كيلومترات خارج صفوان، حيث استُقبل الوفد العراقي، وجِيء به إلى مكان الاجتماع، في عربات عسكرية، من نوع (Humvees)، ترفع علم جمعية الهلال الأحمر، وتحت حراسة أمريكية مشددة؛ وتزأر إلى جانب عربات الوفد، عربتا قتال مدرعتان، من نوع برادلي (Bradley)، ودبابتان من نوع (M1A1)، بينما تحلّق فوقه طائرتان عموديتان، من نوع أباتشي (Apache). وكان العراقيون يرتدون بزات رسمية، خضراء اللون، ويعتمرون بيريهات سوداً.

3. التفتيش قبْل الاجتماع

    كان هناك قلق في شأن الأسلحة، التي قد يحضرها الضباط العراقيون معهم. ولم يكن مستبعداً، أن يكونا فريق اغتيال، في مهمة انتحارية؛ لذا كان من الضروري إخضاعهم للتفتيش، من دون تعرّضهم للإهانة. فاتُّفق على أن يخضع الجميع، بمن فيهم الجنرال شوارتزكوف، والفريق الركن خالد بن سلطان، للتفتيش، على مرأى من العراقيين. وهكذا، وافق أعضاء الوفد العراقي على تفتيشهم، على مضض. كما كان عليهم أن يسيرا بين صفَّين من الكلاب، المدربة على كشف المتفجرات.

4. تنظيم الاجتماع

    إلى أحد أجناب الطاولة الرئيسية، جلس الجنرال شوارتزكوف، متوسطاً الفريق الركن خالد بن سلطان، إلى يساره، والمترجم إلى يمينه. وقبالتهم، جلس الضابطان العراقيان، ومترجمهما، بالزي العسكري الشتوي، الأخضر الأدكن. وخلفهم، أُعد عدد من مقاعد معدنية قابلة للطيّ، ولكن الفريق سلطان هاشم أحمد، أوضح أن التدمير، الذي لحق بالطرُق والجسور، حال دون حضور أعضاء الوفد الآخرين.

    وكان يجلس خلف الجنرال شوارتزكوف والفريق الركن خالد بن سلطان، جميع قادة قوات التحالف، وكبار الضباط الأمريكيين. وهم: الفريق السير بيتر دى لا بليير (Sir Peter de La Billiere)، قائد القوات البريطانية؛ والفريق ميشال روكجوفر (Michel Roquejeoffre)، قائد القوات الفرنسية؛ واللواء صلاح محمد عطية حلبي، قائد القوات المصرية؛ واللواء علي حبيب، قائد القوات السورية؛ واللواء جابر خالد الصباح، قائد القوة الكويتية؛ وقادة آخرون، من إيطاليا وكندا ودول مجلس التعاون الخليجي وبلدان أخرى.

    وبدا واضحاً، منذ بداية الاجتماع، أن الوفد العراقي، كان لديه تعليمات بأن يكون ليّن الجانب؛ إذ كان صدام حريصاً على التخلص من الضغط العسكري لقوات التحالف، في أسرع وقت ممكن.

5. بدء جلسة مباحثات صفوان

    بدأت جلسة المباحثات، في الساعة الحادية عشرة والدقيقة الرابعة والثلاثين (بالتوقيت المحلي لمسرح العمليات)، بكلمة من الجنرال شوارتزكوف، أكد فيها أنه سيتقيد بالموضوعات، الموكولة إليه من حكومته، والتي وافقت عليها الحكومة العراقية، وأنه يمكن أن يناقش أي موضوعات أخرى، قد يثيرها الوفد العراق، بعد الانتهاء من مناقشة الموضوعات الرئيسية.

    وأكد الجنرال شوارتزكوف، أن الغرض من هذا الاجتماع، هو مناقشة جميع الموضوعات العسكرية، الواردة في البلاغ الرسمي، الذي قدّمته الحكومة الأمريكية إلى الحكومة العراقية، في شأن إقرار الإجراءات، اللازمة لضمان الاستمرار في وقف إطلاق النار، وكافة العمليات العسكرية، من كلا الجانبَين؛ والطريقة التي يمكن العسكريين أن ينفذوا بها هذه الشروط، إلى جانب شروط قرار مجلس الأمن، الرقم 686، الصادر في 2 مارس 1991. ومن ثَمّ، يمكن للحكومات أن تتخذ الإجراءات الضرورية، في إطار الأمم المتحدة، لوضع اتفاقية وقف إطلاق النار موضع التنفيذ التام.

    وحدد الجنرال شوارتزكوف الموضوعات الرئيسية، التي ستُناقش، كالآتي (اُنظر وثيقة مباحثات وقف إطلاق النار بين قوات التحالف والعراقيين في صفوان الأحد، 3 مارس 1991):

·   إفراج العراق عن أسرى الحرب العسكريين، من قوات التحالف؛ وترتيبات تسريحهم، وتوقيتاتها، والمكان المحدد لتسليمهم، من طريق الصليب الأحمر؛ والالتزام بالقانون الدولي في معاملتهم، طبقاً لاتفاقية جنيف؛ على أن ينفَّذ ذلك، فور الاتفاق على إنهاء العمليات العسكرية.

·   تبادل المعلومات، في شأن الجنود المفقودين وإعادة جثث القتلى.

·   إطلاق العراق أسرى الحرب الكويتيين، والإفراج عن الرهائن، والمعتقلين من الكويتيين المدنيين، الذين أُخذوا قسراً؛ وتحديد كيفية تسريحهم، على أن يعاملوا معاملة أسرى الحرب من العسكريين، في ترتيبات الإفراج عنهم.

·   تحديد مواقع حقول الألغام العراقية، البرية والبحرية، التي زرعت في أرض الكويت ومياهها الإقليمية، أو في المياه الدولية وتزويد قوات التحالف خرائط هذه المواقع؛ على أن تشمل، كذلك، مواقع الأشراك الخداعية، في حقول النفط الكويتية.

·   هـ. ترتيبات الأمن بين قوات الطرفَين، وتحديد خط مؤقت للفصل بينهما، للحيلولة دون حوادث إطلاق النيران، خطأ، بعد توقف القتال.

·   تأكيد احترام العراق لسيادة الحدود مع المملكة العربية السعودية.

·   منع تحليق الطائرات العسكرية العراقية فوق العراق، ريثما يسري وقف إطلاق النار، رسمياً.

·   السماح بتحليق الطائرات العمودية، تسهيلاً لتحركات القادة والمسؤولين العراقيين، التي عرقلها تدمير عدد من الجسور العراقية، بشرط وضع علامة مميزة على جوانبها، أو إعطاء إشارة ذبذبة ترددية لاسلكية، يُتَّفق عليها، تدل على أنها ليس لها نية عدوانية.

    واتفق كلٌّ من الجنرال شوارتزكوف، والفريق الركن خالد بن سلطان، من جانب قوات التحالف، والفريق سلطان هاشم أحمد، من الجانب العراقي ـ على تبادل قوائم بالأَسْرى والمفقودين، وكذلك الخرائط، لدراستها، في استراحة قصيرة، لا تتجاوز 10 دقائق، يعودون، بعدها، لمتابعة مناقشتها، والاتفاق حول ما جاء فيها. وتسلّم الفريق سلطان هاشم أحمد، من الجنرال شوارتزكوف، عدة قوائم بأسماء المفقودين من قوات التحالف. إحداها بأسماء الأمريكيين المفقودين، وأخرى بأسماء البريطانيين المفقودين، وثالثة بأسماء السعوديين المفقودين، وقائمة تضم اسمَيْ أسيرَين إيطاليَّين، واسم طيار كويتي. كذلك، تسلّم خريطة المنطقة، مرسوماً عليها الخط الفاصل بين قوات الجانبَين. بينما تسلّم الجنرال شوارتزكوف خرائط حقول الألغام، البرية والبحرية، من الفريق سلطان هاشم أحمد، الذي تعهد بإرسال بقية الخرائط، الموجودة في بغداد، في أسرع وقت ممكن.

    وانتهت مباحثات صفوان بالاتفاق على بعض الموضوعات؛ وتعليق بعضها، ريثما يشاور الوفد العراقي قيادته الأعلى؛ والتسويف في تنفيذ بعضها الآخر.

أ. الموضوعات التي اتُّفِق في شأنها، ونفذت من الفور:

(1) الإفراج عن أسرى الحرب من العسكريين، من طريق الصليب الأحمر، وفي نقاط محددة.

(2) تبادل المعلومات، في شأن الجنود المفقودين، وإعادة جثث القتلى.

(3) تسليم الخرائط التي تحدد مواقع حقول الألغام العراقية، البرية والبحرية، التي زرعت في أرض الكويت ومياهها الإقليمية، أو في المياه الدولية.

(4) منع تحليق الطائرات العسكرية العراقية المقاتلة فوق العراق، ريثما يسري وقف إطلاق النار، رسمياً؛ مع السماح به للطائرات العمودية، تسهيلاً لتحركات القادة والمسؤولين العراقيين.

ب. الموضوعات التي علقت للتشاور، وهي:

(1) ترتيبات الأمن بين قوات الطرفين.

(2) تحديد خط مؤقت، للفصل بين قوات الطرفَين، لمنع حوادث إطلاق النيران بينهما، خطأً، بعد توقف القتال (انسحبت قوات التحالف، بالفعل، عقب توقيع الاتفاق).

(3) وهذه النقطة، دارت حولها مناقشات، استغرقت وقتاً، بين الوفدين، نظراً إلى تداخل قوات الجانبَين، عند الخط المقترح.

ج. الموضوع المُسَوَّف

    الإفراج عن الرهائن والمعتقلين، من الكويتيين المدنيين، المحتجزين لدى العراق، والذين أُخذوا قسراً؛ ومماطلة الحكومة العراقية في شأنهم، وإنكار وجود أي مدنيين أو عسكريين كويتيين لديها.