إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / النتائج العسكرية، والدروس المستفادة من حرب تحرير الكويت






خطة الهجوم البري للتحالف



تمهيد

المبحث الثالث

النتائج والدروس المستفادة من إدارة العمليات

أولاً: معركة الأسلحة المشتركة

    أكدت حرب الخليج أن المعركة الحديثة، هي معركة أسلحة مشتركة، أي معركة جميع أفرع القوات المسلحة المختلفة، برية وبحْرية وجوية وقوات دفاع جوي. إذ لا يمكن قوة واحدة، أن تحقق النصر بمفردها؛ فالقوة الجوية، وحدها، لا تستطيع أن تكسب حرباً، بل يحتاج الأمر إلى قوات برية، تحتل الأرض وتُثَبّت النصر. ومن مفاتيح النصر في الحرب الحديثة، المبادرة الأسرع إلى القدرة على القتال، والتحرك إلى مسافات أطول، والاشتباك من مسافات أبعد، وبقوة نيرانية مؤثرة؛ بينما العدو عاجز عن تحديد مواقع خصمه. فضلاً عن القدرة على القتال، على مدار الساعة، لا سيما في الليل.

    وأكدت نتائج المرحلة الأولى من "عاصفة الصحراء" (الحملة الجوية)، أن قوات التحالف، استطاعت أن تحقق تفوّقاً ساحقاً، في مجالات القوة النيرانية، والسيطرة، الجوية والإلكترونية والبحرية؛ والحرب النفسية؛ وأعمال الاستخبارات والاستطلاع. واعتمدت مذهباً قتالياً، قوامه انتزاع السيطرة الجوية من الخصم، توطئة لقصف قواته وأسلحته ومعداته ومستودعاته ومراكز قيادته، قصفاً عنيفاً، وضرب خطوط إمداده؛ وشن حرب إلكترونية، لشل سيطرته في الميدان، قبْل أن تبدأ القوات البرية بمهاجمته، والتي تحرص على توجيه الضربات الكثيرة، المتفوقة، والعميقة، في كل أرجاء المسرح، في تزامن واحد، لإنزال الهزيمة الساحقة بالعدو، في أسرع وقت، وبأقلّ خسائر. ومن الطبيعي، أن يتطلب ذلك استخداماً واسعاً للقوات الخاصة والمظليين، وقوات الاقتحام الرأسي والإبرار البحري، بالتعاون مع أعمال قتال القوات، الجوية والبحرية، من أجْل إحداث الفاعلية المطلوبة لمعركة الأسلحة المشتركة.

1. نقاط القوة والضعف

أ. إذا كانت الحرب الجوية، قد حققت خطوة رئيسية إلى الأمام، في تحقيق سيادة جوية، واستخدام قوات جوية هجومية، فإن معركة الأسلحة المشتركة، كانت برهاناً على قيمة كثير من المتغيرات وأهميتها، في فن العمليات.

ب. زادت جوانب الضعف، في الفكرة الدفاعية العراقية، والطريقة التي طبقت بها، من ضعف قدرة العراق على إدارة حرب برية. كما أن بناء الدفاعات العراقية وتنظيمها، خلقا العديد من المشاكل. إذ بُنيت الخبرة العراقية على أساس القتال ضد إيران، من دون التفكير في كفاءتها، ضد عدو مختلف اختلافاً تاماً.

2. الدروس المستفادة

أ. تخطيط العمليات القتالية، وفقاً لفنون الحرب الحديثة، من خلال معركة الأسلحة المشتركة.

ب. أهمية تحسين الجوانب التالية وتطويرها:

(1)  قدرة القوات الجوية على تقديم " الإسناد الجوي القريب للقوات البرية ".

(2)  قدرة القوات البرية على خوض حرب حديثة، وسريعة.

(3)  التكامل بين قوات الدفاع الجوي وعناصر الدفاع الجوي، في القوات الجوية.

(4)  الاستعداد القتالي للقوات، وإجراءات التنسيق بين الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.

ج. التعاون بين جميع الأفرع الرئيسية، في معركة واحدة، من أجْل تحقيق النصر. إذ أثبتت الحرب، أن فرعاً، بمفرده، القوات الجوية مثلاً، لا يستطيع أن يحقق نصراً حاسماً.

ثانياً: بروز نظريات توازن جديدة

    أدى استخدام أجهزة الرؤية الليلية، إلى جعل القتال الليلي مثل النهاري. وهو ما انعكس على استمرارية العمليات، على مدار الساعة، وأدى إلى تطوير كبير في أعماق المهام القتالية، فازدادت أعمال القتال، يومياً، وارتفعت معدلاته؛ وهو ما انعكس، بدوره، على معدلات استهلاك الاحتياجات الإدارية. وظهر ذلك، جلياً، خلال سير العمليات، وتحقيق معدل عالٍ من الإسناد الإداري، لم تعهده حرب سابقة.

    خاض التحالف الحرب بكفاءة قتالية عالية، وجديدة. فقاتل بتكنولوجيا، يمكنها متابعة القتال، ليلاً، وفي أحوال سوء الرؤية. كما أدارت وحافظت على طلعات جوية مستمرة، ومعدلات تحركات مدرعة واسعة، ومناورة مرتفعة، إدارة ومحافظة، فاقتا نظيراتهما في حروب سابقة.

    كدت حرب الخليج، على الرغم من أن تكتيكاتها وتقنياتها، لا تزال في مرحلة التطوير، أنه يمكن إعادة تشكيل القوات، لتحقق قوة نيران مشتركة، وقيادة وسيطرة، وتأميناً إدارياً، واستمراراً في تأدية مهام الاستطلاع والاستخبارات، وتحديد الأهداف وتخصيصها، بوسائل، يمكنها خلق ثورة في الحرب التقليدية.

1. نقاط القوة والضعف

    كان لمعدات القتال دور كبير في زيادة قدرات قوات التحالف وإمكاناتها، في العمليات الليلية، التي أصبح مستواها يضارع مستوى العمليات النهارية. وهو ما انعكس، بوضوح، على عمق المهام ومعدلات تقدُّم القوات، وانعكس، استطراداً، على معدلات الاستهلاك، وفتح قوات الإسناد الإداري وانتقالاتها، لكي تتكيف مع السرعة العالية لتقدُّم القوات.

2. الدروس المستفادة

أ. تطوير الأسلحة والمعدات، في جميع الأفرع الرئيسية، لتتكامل، فلا يتخلف فرع أو سلاح عن ملاحقة تنفيذ مهام، سمحت بها التقنية المتقدمة.

ب. تطوير دور قوات الاستطلاع، لتمكينها من توفير المعلومات الحديثة عن أوضاع العدو ومناطق تمركزه، خاصة احتياطياته المدرعة، في ضوء التطورات السريعة لمعدلات سير العمليات الهجومية. وهو درس قديم، ولكن الجديد فيه، أن سرعة تطور المواقف في المعركة، يجب أن يصاحبه تطورات أخرى في اتجاه المعلومات.

ثالثاً: الاستخبارات والاستطلاع

    أكدت الحرب ضرورة تخصيص موارد أكثر، وإمكانات أقدر، لدراسة قدرات الجيران وفهم نواياهم، "عرباً وغير عرب". ويلخص صن تزو (Sun Tzu) هذا الدرس، بحكمة بالغة، في قوله: "اعرف نفسك، واعرف عدوّك، يتحقق لك، في كل مائة معركة، مائة انتصار".

1. نقاط القوة

أ. كادت حرب الخليج تكون حرباً بين طرفَين؛ أحدهما بصير، والآخر عَمٍ. إذ استأثر التحالف باستخبارات متطورة، واستطلاع ذا قدرات تحليل مقتدرة، ووسائل اتصالات مؤمّنة، ووسائل انتشار وافرة. وكان في مقدوره تأمين أراضيه ضد أي طيران عراقي فوقها، وضد أي إغارات. بينما كانت سماء العراق مفتوحة، واستخباراته تعاني مشاكل أساسية، زادها حدة، جمود إستراتيجيته وتكتيكاته.

ب. اضطلعت الاستخبارات المتقدمة تكنولوجياً بدور حيوي، في عمليات التحالف، وزيادة فاعلية قواته والسماح له بردود فعل ضد العراق، وتحقيق المفاجأة ومعدلات تقدُّم متفوقة للعمليات، وتقليل خسائره.

ج. أدت وسائل الاستطلاع الفضائية دوراً رئيسياً، في نشاط استخبارات التحالف. وشملت مجموعة من الأقمار الصناعية، تضمنت أقمار تصوير من نوع (KH-11) وأقمار لاكروس (Lacrosse) للتصوير الراداري، وأقمار استخبارات إشارة (Mentor SIGNIT)، وأقمار برنامج "الإسناد الدفاعي"، المستخدم في اكتشاف الصواريخ وتحديد مكان إطلاقها (اُنظر ملحق الأقمار الصناعية والطائرات التي استخدمت في إدارة المعركة والاستخبارات)[1].

د. استُخدمَت أنواع عديدة من طائرات الاستطلاع، مثل طائرات (Awacs E-3A) الأمريكية، المزودة معدات استطلاع إلكتروني؛ وطائرات (UR-2R) القادرة على الاستطلاع من ارتفاع عالٍ يزيد على 70 ألف قدم، وتصل سرعتها إلى 400 ميل في الساعة، ويزيد مدى عملها على 5 آلاف ميل؛ وطائرات تورنيدو (GR-1E Tornado) البريطانية؛ وطائرات الفرنسية جاجوار (Jaguar GR-1A) الفرنسية، وطائرات بوما (Puma) العمودية الفرنسية، المزودة رادارات كشف الأهداف المتحركة.

هـ. أسهم أعضاء عديدون في التحالف، بقدر ملموس، في الاستخبارات البشرية، والاستطلاع الإلكتروني، والاستطلاع والتحليل.

2. نقاط الضعف

    على الرغم من المعلومات الغزيرة، التي توافرت لدى قوات التحالف، من بيانات الاستخبارات والاستطلاع، والتي كانت تتجمع في مركز الاستخبارات والاتصالات والتنسيق (CCIC) للقيادة المركزية ـ إلا أن نقاط ضعف عدة، اعترت الجهود الاستخبارية، منها:

أ. في الوقت الذي تلقّى فيه صانعو القرار إنذاراً، بأن العراق قد يغزو الكويت، فإنهم لم يتصرفوا بناء عليه. ومن ثَم، فشلوا في تقييم الأخطار، التي يمكن أن تشكلها قدرات العراق.

ب. بالغت الاستخبارات في تقدير حجم المسرح العراقي وقدراته. إذ اعتمدت على البيانات النظرية، التي تشير إلى تشكيل القتال للمعركة، وقوة الوحدة المفترضة.

ج. الافتقار إلى نظام تحديد أهداف فعال، إذ لم تتمكن دوائر الاستخبارات المختلفة من إمداد القادة، الجويين والبريين، ببيانات، تُحدد الأهداف بدقة، في الوقت الملائم.

د. الافتقار إلى طريقة للتنبؤ بالخسائر المحتملة، وأدى ذلك إلى المبالغة في الأخطار المتوقعة، عند بدء عملية "عاصفة الصحراء".

هـ. كانت القوات الأمريكية، هي الوحيدة، في قوات التحالف، المنُظُمة والمدربة على تقدير خسائر المعركة، على مستوى الحملة الجوية، والمعركة البرية ـ الجوية. ومع ذلك، فإن مجهودها في تقييم حجم التدمير، كان منسقاً ومنُظُماً بأسلوب ضعيف، مما أدى إلى الحدّ من كفاءته.

و. فشلت الاستخبارات في التقييم السليم لخصائص صواريخ سكود، وتحديد أماكنها، في الوقت الملائم، باستخدام المصادر الجوية. وكان الخطأ الأكبر، هو التقدير الخاطئ لعدد منصاتها المتحركة؛ إذ خفي على الاستخبارات أن العراق كان قد أخفى العربات، حاملة منصات الإطلاق، فاضطرب تقديرها للعدد الإجمالي لتلك المنصات المستخفية.

ز. أنذرت الاستخبارات، مبكراً، جهود العراق في تطوير أسلحة الدمار الشامل. ولكنها لم تتمكن من التحديد الدقيق لخصائص بعض تلك الجهود، ولم تستطع توفير بيانات سليمة عن أماكنها، ولم يسعها التقدير الدقيق لقدرة العراق وعزمه على استخدامها.

3. الدروس المستفادة

أ. أهمية بناء الخطط العسكرية على معلومات تفصيلية، عن العدوّ وتكتيكاته، على مستوى التشكيلات والوحدات، ونُظُم الأسلحة والمعدات، التي يمتلكها.

ب. أهمية استخدام النُظُم الحديثة، والمتطورة تقنياً، في مجالات الاستطلاع والاستخبارات والإنذار؛ إذ إن توفير معلومات دقيقة، في التوقيت الملائم، يعني القدرة على التخطيط الجيد، واتخاذ قرار سليم، يؤدي إلى تحقيق النصر.

ج. أهمية تحديث قدرات الحرب الإلكترونية وتطويرها، في مجال الاستطلاع والتعويق، خاصة المحمولة جواً؛ مع تطوير المعدات، الرادارية واللاسلكية، لمواجهة أعمال التعويق الحديثة، سواء من الأرض أو الجو.

د. أهمية الحصول على المعلومات وتحليلها بوسائل شتّى، لتأكيدها، خاصة قبْل بدء العمليات مباشرة. وقد نجح العراق في تحقيق ذلك، من خلال دفعه بعضاً من القوات الخاصة، بملابس مدنية، قبْل بدء عملية غزو الكويت بحوالي 48 ساعة، لتدقيق المعلومات وتوجيه القوات المهاجمة إلى أهدافها.

هـ. أهمية العامل البشري، في الاستطلاع والمراقبة، وعدم الاعتماد كلية على وسائل الاستطلاع الإلكترونية الحديثة. كما يجب على جميع المستويات، الاعتماد على مصادرها الذاتية، في امتلاك المعلومات، قبْل اعتمادها على مصادر المستوى الأعلى.

رابعاً: الإسناد الإداري

    كانت حرب الخليج جنة لرجال التكتيك من قوات التحالف، ولم تكن جحيماً، على الإطلاق، لرجال الإمداد والتموين، بل كانت جنة لهم، كذلك؛ فالإمدادات وفيرة، والتموين سخيّ. فهي، بالتأكيد، الحرب الأولى في التاريخ، التي لم يفقد الجنود، خلالها، وجبة طعام واحدة! أما الجانب العراقي، فقد ثبت عدم فاعليته، وعجزه عن مواجهة قوة التحالف الهائلة، إلى درجة أن الحرب، تحولت، في النهاية، كما لو كانت تدريباً عملياً، أكثر منها حرباً حقيقية.

    وما كانت الوفرة والدّعة لِتَتَحقَّقا، لولا الجهود الجبارة، التي بذلتها الدولة المضيفة، المملكة العربية السعودية، في ميدان الإمداد والتموين. ويقول الجنرال وليام جَسْ باجونيس (William Gus Pagonis)، رئيس الإمداد والتموين الأمريكي، في هذا الشأن: "كان من الممكن أن نواجه وضعاً في غاية الصعوبة، لو أن البلد المضيف كان فقيراً، أو معادياً، أو كليهما معاً".

    والواقع، أنه لولا جهود المملكة، لكانت حرب الخليج أمراً مستحيلاً، أو لواجهت، على الأقل، صعوبات جّمة. إذ كان على الحلفاء الغربيين بناء محطات للطاقة، ومحطات لتحلية المياه، وقواعد جوية، وآلاف من المستلزمات الأخرى. فلكي تحصل قوات التحالف على احتياجاتها من الوقود، كان عليها تعبئة معظم الإمكانات العالمية من الناقلات. واستطاعت، بفضل المراكز الممتازة، في موانئ الجبيل وينبع والدمام وجدة، تفريغ حمولة خمس عشرة سفينة، تحمل الجنود الأمريكيين وعتادهم، كل يوم، فضلاً عن السفن الكثيرة، التي قدمت من دول أخرى. وهو رقم قياسي يعجز عن تحمّله، حتى أكثر البلدان الصناعية تقدماً. ولولا الموارد المحلية الهائلة، والبِنية الأساسية الكاملة للمملكة، لكان الأمر جحيماً لرجال الإمداد والتموين. ولعله لم يسبق لدولة مضيفة، أن قدّمت مثل هذه المساندة الهائلة، غير المحدودة، إلى قوات أجنبية، حُشدت في زمن قياسي، من أجْل القتال على أرضها.

    وما من قائد عسكري إلاّ ويدرك أن الجيش لا يمكن أن يقاتل دون إمدادات تصله بالقدر المناسب، وفي الوقت والمكان المحددين أيضاً. لذلك، فقد أكدت حرب الخليج أهمية الإسناد الإداري، فكانت، حقاً، حرب رجال "الإمداد والتموين"، خاصة إذا عرفنا أن عملية "درع الصحراء"، استغرقت ستة أشهر، ودامت الحملة الجوية لعملية "عاصفة الصحراء" 38 يوماً، بينما استغرقت حربها البرية 100 ساعة. أمّا عملية "وداع الصحراء"، وهي عملية مغادرة القوات الشقيقة والصديقة للمملكة، فاستغرقت فترة من سبعة إلى ثمانية أشهر. وهكذا، نرى أن بضعة أسابيع من القتال تطلبت جهود سنة ونيف من رجال الإمداد والتموين.

    لا يمكن، إذاً، التخطيط للعمليات العسكرية أو تنفيذها من دون نظام للإمداد والتموين، يكون فعالاً، قبْل المعركة وبَعدها، فضلاً عن كفاءته، خلالها. فلا بدّ لكل دولة مُعرّضة لخطر خارجي، من الاحتفاظ بمخزون احتياطي من الاحتياجات. وعلى القيادة العسكرية العليا، أن تبقَى على صلة وثيقة بالقطاعات الاقتصادية المدنية، لتتمكن من تحديث معلوماتها في شأن المخزون من الموارد الوطنية المتاحة. وبصفة عامة، لا بدّ من إعداد الدولة بأسْرها للدفاع، بما فيها من جوانب، سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية.

1. نقاط القوة والضعف

أ. تُعَد حرب الخليج فريدة في نوعها. وعمليات الإمداد والتموين، التي أُنجزت خلالها، ربما لا تكون مقياساً لما يمكن إنجازه، في الصراعات المستقبلية، ولا مؤشراً إلى معدلات استهلاكها، ونسب خسائرها؛ فبسبب الوفرة في جميع الأصناف، كان معدل الاستهلاك مرتفعاً ارتفاعاً ملحوظاً في مواد الإعاشة[2]، والمياه والذخيرة والوقود. فكميات الوقود والذخيرة، التي استهلكت في الحملة الجوية، التي استمرت 38 يوماً، يعجز عن تصورها الخيال. وفي المقابل، كانت الخسائر في صفوف قوات التحالف، والتي تقدر بنحو 0.04%، منخفضة انخفاضاً مذهلاً؛ لأن العراقيين انهاروا سريعاً، فاستسلموا أو فروا. فلا يمكن، لذلك السبب، استخلاص نتائج واقعية من تلك المعدلات والنّسب، يمكن التعويل عليها في التخطيط المستقبلي.

ب. كان للبنية الأساسية الحديثة للمملكة العربية السعودية، أثناء هذه الأزمة، بما في ذلك المطارات، والقواعد الجوية، والموانئ، والمدن العسكرية، ومصافي النفط، ومحطات التحلية، وما إلى ذلك ـ دور حيوي؛ فكانت إحدى دعائم النصر الرئيسية.

ج. كان إعداد مسرح العمليات، بكل ما يحتاج إليه، من أعمال هندسية ونقْل وصيانة وجوانب اقتصادية أخرى ـ من أهم القضايا، التي رصد لها كافة الإمكانات.

د. نفذ التخطيط لفتح العناصر الإدارية وانتقالاتها، بما يوافق طبيعة المهمة وحجمها، سواء في مرحلة فتح القوات، أو أثناء الهجوم. وعلى الرغم من المعدلات السريعة لهجوم قوات الضربة الرئيسية، من الغرب، فقد تمكنت قوات الإمداد والتموين من التكيّف مع تلك المعدلات، ومع طبيعة المسرح. ومن ثَم، مكّنت القوات من تحقيق مهامها، بنجاح.

هـ. أحرزت عمليات تموين القوات، أثناء أزمة الخليج، نجاحاً إدارياً باهراً، من خلال تجنيد جيش من المتعهدين الفرعيين (من الباطن)، داخل المملكة العربية السعودية.

و. اضطلاع قطاع النفط في المملكة، عبْر إدارة الصناعات النفطية وتشغيلها، بدور مهم في توفير احتياجات القوات إلى الوقود، خلال الحرب وبعدها، من خلال ناقلاته (صهاريجه)، التي تجاوز عددها 2500 ناقلة.

ز. تمكّن المملكة من إمداد قوات التحالف بأكثر من ألف ناقلة. كما أن الحاملات، التي نقلت الجنود، نفذت أكثر من 3 آلاف رحلة.

ح. افتقاد القوات العراقية قوات تأمين فنية فاعلة، فضلاً عن تأثير فترة الحظر في معدلات الإصلاح والصيانة، الناجم عن النقص الحادّ في قطع الغيار.

ط. تأثير الضربات الجوية للتحالف، في الإمداد الإداري المنظم للقوات العراقية، في مسرح العمليات. وهـو ما أثر تأثيراً شديداً في قوة الدفاعات العراقية وثباتها نتيجة انخفاض الروح المعنوية.

2. الدروس المستفادة

أ. أهمية التجهيز المسبق لمسرح العمليات المنتظر وإعداده بكل ما يحتاج إليه، من أعمال هندسية ونقْل وصيانة، وجوانب اقتصادية أخرى، بما يلائم طبيعة العمليات وحجم القوات المنتظر عملها فيه.

ب. أهمية التخطيط المسبق للترتيبات الإدارية الطارئة، لتوافق متطلبات المعركة المقبِلة وفي مسرح العمليات المنتظر (أو على الاتجاه الإستراتيجي الأكثر تهديداً، داخل الدولة).

ج. أهمية تنسيق إعداد الدولة للدفاع، في مجال المشروعات الصناعية والهندسية المدنية، بما يوافق المطالب العسكرية، ويخدم العمليات العسكرية المقبِلة.

د. أهمية إنشاء بِنية أساسية (مطارات ـ موانئ ـ طرق ـ جسور ـ مدن عسكرية ـ وسائل اتصالات ـ مشروعات مياه ـ مشروعات كهرباء)، تكون قادرة على تلبية المطالب العسكرية، وتخدم، كأسبقية أولى، اتجاهات التهديد الرئيسية.

هـ. أهمية التخطيط لفتح الوحدات الإدارية والفنية، ومناورتها، بما يوافق معدلات التقدم العالية لمعركة الأسلحة المشتركة الحديثة[3]، مع توفير المعدات ووسائل النقل اللازمة لذلك. وإزاء تأثير الإمداد الإداري في نجاح العمليات العسكرية، يتحتم اشتراك الوحدات الإدارية (أفراداً ومعدات)، في مشروعات ومناورات، مع الوحدات المدرعة ووحدات المشاة الآلية .. بما يؤدي إلى تكاملها.



[1] استخدمت العديد من أقمار التجسس منها أقمار أمريكية لها فرعين من القدرات المختلفة وهناك أقمار لاكروس للتصوير الراداري والتي تستطيع المرور مرتين يومياً فوق العراق، وهناك منصات الاستطلاع اللاسلكي كما استخدم أيضاً قمر صناعي لبرنامج الدعم العسكري ويستخدم تلسكوبات أشعة دون الحمراء.

[2] الإعاشة: هي الصنف الأول من أصناف التمويل، وتشمل: الخبز واللحوم والفواكه والخضروات والبيض والأرز والسكر..الخ من المواد الغذائية الأخرى.

[3] تم نقل 300 ألف جالون وقود لصالح الفرقة 24 مشاة آلي فقط يوم ي2 عمليات (25 فبراير 1991).