إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور أزمة الحدود العراقية ـ الكويتية، (في الفترة من 8 فبراير 1963 إلى الأول من أغسطس 1990)






مواني العراق البحرية
ميناء أم قصر



أولاً: التطور السياسي لأزمة الحدود الكويتية ـ العراقية (1963 ـ 1968)

أولاً: التطور السياسي لأزمة الحدود الكويتية ـ العراقية (1963 ـ 1968)

    في الثامن من فبراير 1963، قاد الرئيس عبدالسلام عارف انقلاباً عسكرياً، ضد عبدالكريم قاسم، وأسقط نظامه. ومنذ ذلك الوقت، تغيّر الموقف العراقي الرسمي تجاه المطالبة بالكويت. وشعر الكويتيون بأن الأزمة مع العراق، بدأت تنفرج، حينما أصدر النظام الجديد بيانات مطمئنة، بالنسبة إلى مستقبل العلاقات العراقية ـ  الكويتية، مما دعا وزارة الخارجية الكويتية، إلى إعلان تقديرها للموقف العراقي الجديد، وإلى طلب انسحاب قوات أمن الجامعة العربية، المتبقية على الأراضي الكويتية، فاكتمل انسحابها في 20 فبراير 1963.

    ومنذ ذلك الحين، بدأت الدولتان تتخذان ما كانتا تريانه ملائماً من إجراءات، لتدعيم أواصر العلاقات الطيبة بينهما. ففي 19 فبراير 1963، قررت حكومة بغداد، استئناف كافة الاتصالات، البريدية والسلكية واللاسلكية والمواصلات، البرية والجوية والبحرية، بين العراق والكويت، بعد أن كان عبدالكريم قاسم، قد أوقفها في 27 يونيه 1961. وفي مؤتمر صحفي، عُقد في بغداد، أعلن الرئيس العراقي عبدالسلام عارف، "أن العراق يتبع الكويت، وأن الكويت تتبع العراق". وفي 26 فبراير 1963، وقّع البلدان أول اتفاق تجاري بينهما يزود العراق، بموجبه، الكويت ما لا يقلّ عن 100 ألف طن من الأسمنت، سنوياً.

    وفي 21 مارس 1963، بادر وفد رسمي كويتي، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، الشيخ صباح السالم الصباح، إلى زيارة العراق لتقديم التهنئة إلى الحكومة الجديدة، وسلّم المسؤولين العراقيين شيكاً، بمبلغ 100 ألف دينار، لأُسَر قتلى الانقلاب. وكانت الخطوة التالية، فتح الدولتَين الحدود بينهما، فطفق الآلاف من الجانبَين يتزاورون.

    وفي غضون ذلك، وفي محاولة لتهدئة المعارضة القومية الكويتية، داخل البلاد وخارجها، وبغية كسب ود النظام الجديد في بغداد، أعلنت حكومة الكويت، في جلسة مجلس الأمة، في 9 أبريل 1963، نيتها مراجعة معاهدة "التشاور" أو "المساعدة"، مع بريطانيا، وتبنِّي موقف كويتي، يتفق مع الحقائق السياسية المستجدة في المنطقة. وكان تصريح الحكومة الكويتية، يركز في الوحدة العربية، "كحتمية تاريخية"، لكنه لم يعطِ أي وعد بالعمل تجاه مثل هذا الهدف، مع أي دولة عربية.

    ورداً على زيارة الوفد الكويتي إلى العراق، زار الكويت، في 7 مايو 1963، وفد عراقي رسمي، ضم كلاًّ من وزير الدفاع، ووزير الخارجية، وقائد القوات الجوية، لتدعيم التعاون بين البلدَين الشقيقَين.

    على الرغم من سقوط حكم عبدالكريم قاسم، إلاّ أن آثار أزمة 25 يونيه 1961، ظلت مترسبة في وجدان الكويت، بل انتابت أقطار الخليج العربي، كذلك. ووضح ذلك في استمرار تخوف الكويت من احتمال تجدد الأطماع العراقية. ومن ثَم، كان هناك محاولات، من حين إلى آخر، من قادة النظام الجديد في العراق، لإصلاح ما أفسده حكم عبدالكريم قاسم، بتأكيد حسن النيات، وتوثيق التعاون، الاقتصادي والثقافي، بين البلدَين.

    ولم تلبث الحكومتان، العراقية والكويتية، أن رغبتا في أكتوبر 1963، في إزالة ما يشوب العلاقات بينهما. فأُجريت، في بغداد، مباحثات بين وفد كويتي، برئاسة الشيخ صباح السالم الصباح، رئيس مجلس الوزراء، والجانب العراقي، برئاسة اللواء أحمد حسن البكر، رئيس الوزراء العراقي. وأسفرت عن توقيع محضر، في 4 أكتوبر 1963، تضمن اتفاق الجانبَين على: (أُنظر وثيقة المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت والجمهورية العراقية في 4 أكتوبر 1963، في شأن اتفاقية الحدود العراقية- الكويتية)

  • توطيد العلاقات الثنائية بين البلدَين.
  • الرغبة في إصلاح ما أفسده عبدالكريم قاسم من العلاقات العراقية ـ الكويتية.
  • فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الدولتَين، تعميقاً للروابط الأخوية، والعلاقات الحسنة بينهما.

    واتفق الجانبان، بمقتضى هذا المحضر، على أن:

1. تعترف الجمهورية العراقية باستقلال دولة الكويت وسيادتها التامة، بحدودها المبينة في كتاب رئيس وزراء العراق، في 21 يوليه 1932، والذي وافق عليه حاكم الكويت، في كتابه المؤرخ في 10 أغسطس 1932.

2. تعمل الحكومتان على توطيد العلاقات الأخوية بين البلدَين الشقيقَين، يحدوهما على ذلك الواجب القومي، والمصالح المشتركة، والتطلع إلى وحدة عربية شاملة.

3. تعمل الحكومتان على إقامة تعاون، ثقافي وتجاري واقتصادي، بين البلدَين، وعلى تبادل المعلومات الفنية بينهما. ويتعهد العراق بتزويد الكويت حاجتها من مياه شط العرب، بما يقدر بـ 120 مليون جالون، يومياً.

4. يتبادل البلدان، فوراً، التمثيل الدبلوماسي، على مستوى السفراء.

    وقد عمدت الكويت إلى تسجيل تلك الاتفاقية، في كلٍّ من الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية. وبذلك، أصبحت الكويت دولة معترفاً بها، على المستويَين، العربي والدولي. وعلى الرغم من أن العراق، لم يعترض على هذه الخطوة الكويتية، ولكنه لم يعرض هذه الاتفاقية على المجالس العراقية التشريعية المختصة، للمصادقة عليها، وذلك حتى يمكن أن يتخذ من عدم التصديق عليها مبرراً للتنصل منها، إذا ما أراد ذلك.

    أمّا الكويتيون، فعلى الرغم من أن الاتفاق، قد أشار إلى تعهد العراق بتزويد الكويت المياه العذبة، من شط العرب، فإنهم التزموا جانب الحذر، ولم يسعوا إلى تنفيذ هذا البند، على الرغم من أن العراق قد أثارها في مناسبات عدة، وأعلن أن مياه شط العرب تحت تصرف الكويت، وتستطيع أن تستثمرها كما تشاء، من دون طلب السماح لها بذلك. ولكن الكويت فضّلت عدم الاعتماد على العراق، في مسألة حيوية مثل هذه، والتي قد يتخذها كورقة لممارسة الضغوط والمساومة إزاء الكويت.

    وفي عقب توقيع الجانبين هذا الاتفاق، تبادلت الزيارات بين البلدين، ففي 14 أكتوبر 1963، زار وفد كويتي بغداد، وأعلن العراق رسمياً، أثناء هذه الزيارة تأكيده استقلال الكويت. كما زار وفد عراقي الكويت، في 19 أكتوبر 1963، حيث توصل الجانبان إلى اتفاقات تفصيلية، قدّمت الكويت، بموجبها، قرضاً، قيمته ثلاثون مليوناً من الدينارات الكويتية، أسهم صندوق الإنماء العربي فيها بعشرة ملايين دينار، ودفعت الحكومة الكويتية العشرين مليوناً الأخرى، كقروض بلا فوائد، على أن يُسدّد القرض خلال عشرين سنة.

    وإذا كان اتفاق 4 أكتوبر 1963، قد تضمن اعترافاً باستقلال الكويت وسيادتها، إلاّ أنه لم يضع حلاًّ لمشكلات الحدود بين البلدَين. وقد جرت مباحثات عدة بينهما، خلال عامَي 1964، 1965، في شأن ترسيم الحدود على الطبيعة، لحل المشكلات القائمة، إلاّ أنها لم تسفر عن نتائج إيجابية ملموسة. وظلت مشكلة الحدود هي المشكلة الأساسية لجوهر النزاع بينهما

    وخلال تلك الفترة، كان العراق يعاني صراعاً داخلياً حول السلطة. فقد كان حزب "البعث" العراقي، يحاول أن يحكِم قبضته على الحكم، ويطعن في شرعية الرئيس العراقي. إلاّ أن الرئيس عبدالسلام عارف، تمكّن، من خلال حركة انقلابية، في 18 نوفمبر 1963، أي بعد حوالي تسعة أشهر من إطاحة حكم عبدالكريم قاسم، من إقصاء هذا الحزب عن السلطة، ومحاصرة نشاطه، وشن حملة تطهير واسعة ضده، واتجه إلى عسكرة النظام، إلى أقصى حدّ.

    ويمكن القول إن إطاحة نظام حكم عبدالكريم قاسم، وإقصاء حزب "البعث" عن السلطة في العراق، قد أفسحا المجال لتحسين العلاقات العراقية ـ الكويتية وتطويرها، خلال فترة حكم الأخوَين عارف (1963 ـ 1968). إذ اعترف العراق باستقلال الكويت، عام 1963. وتبادلت الدولتان التمثيل الدبلوماسي. واتجهتا إلى تطوير العلاقات، الاقتصادية والثقافية، بينهما. فضلاً عن اتخاذ بعض الإجراءات المشتركة، الرامية إلى تسوية مشكلات الحدود. إلاّ أن هذه التطورات الإيجابية، لم تحُل دون حدوث بعض الأزمات بين البلدَين، خلال هذه الفترة، والناجمة عن استمرار مطامع العراق في ثروة الكويت، وطلبه المزيد من المنح والقروض، متخذاً من إثارة مشكلات الحدود، بينه وبين الكويت، وسيلة للضغط عليها.

    وكانت فاتحة هذه المشكلات، حينما بادر الرئيس العراقي، عبدالسلام عارف، عام 1965، إلى إحياء خطة عراقية قديمة، تهدف إلى إنشاء مجرى عميق للمياه، يربط ميناء أم قصر العراقي بخطوط البصرة وبغداد. واقترح الرئيس عبدالسلام عارف على أمير الكويت، أن يَأْجُرَ العراق جزيرة وربة الكويتية، لمدة 99 عاماً، إذ إن المجرى المائي، لا بدّ أن يخترق أراضيها. وبالطبع رفض الأمير الطلب العراقي.

    وبعد وفاة عبدالسلام عارف، في حادث طائرة، في 13 أبريل 1966، تولى السلطة أخوه، عبدالرحمن عارف. ونظراً إلى اهتزاز شرعيته، فقد كان كل هدفه، هو تدعيم مركزه، والحفاظ على سلطته. ولتحقيق ذلك، اتّبع السياسة المتشددة عينها التي اتَّبعها سلفه، إزاء حزب "البعث"، وطلب ما طالب شقيقه به الكويت، قبل وفاته. ومنذ ذلك الحين، بدأت العلاقات العراقية ـ الكويتية تتوتر من جديد، على يد عبدالرحمن عارف، إذ حاول إثارة أزمتَين مع الكويت، كانت الأولى في أكتوبر 1966، والثانية في 18 أبريل 1967.

1 . الأزمة الأولى (أكتوبر 1966)

    اجتاحت قوة عسكرية عراقية جزيرة بوبيان، احتجاجاً على المفاوضات، الجارية آنذاك، بين الكويت وإيران، لتقسيم المجرى القاري بينهما، من دون مشاركة العراق فيها. إلاّ أن زيارة الرئيس العراقي، عبدالرحمن عارف، إلى الكويت، احتوت المشكلة ووعد المسؤولين الكويتيين، بوضع حل نهائي لقضية الحدود.

    وفي العام نفسه، زار أمير الكويت العراق، واتُّفق، أثناء هذه الزيارة، على تشكيل لجنة فنية مشتركة، لترسيم الحدود بين البلدَين، على الطبيعة. ولم تمارس هذه اللجنة مهامها، إذ إنه في مارس عام 1967، طلب العراق من الكويت السماح لفريق المسح العراقي، بالدخول، بمفرده، إلى المناطق الواقعة على الحدود بين البلدَين، لإجراء عملية المسح، ورفض أن تؤدي اللجنة الفنية المشتركة هذا العمل. وبالطبع، لم توافق الكويت على طلبه.

    وطبقاً لمحاضر جلسات اللجنة، زارت اللجنة الكويتية بغداد، يوم الأحد، الموافق 26 فبراير 1967، حيث أقامت حتى يوم الجمعة، 3 مارس 1967، وعقدت ثلاثة اجتماعات في مقر وزارة الخارجية العراقية، كان يحضرها جميع أعضاء الجانبَين.

    ففي الاجتماع الأول، الذي عُقد في 26 فبراير 1967، وبعد كلمات الترحيب، وإقرار العراق الاقتراحات الكويتية، في شأن اختصاصات لجنة الحدود ومهامها، طلب الجانب العراقي تأجيل الاجتماع إلى يوم الأربعاء، الأول من مارس، حتى يتسنى له دراسة المقترحات الكويتية، والرجوع إلى المسؤولين العراقيين، في شأنها. وكان هذا الأمر مفاجأة للجانب الكويتي، لأن هذه المقترحات، قُدِّمَتْ منذ الأول من أغسطس 1964، أي قبل عامين وسبعة أشهر، وقد أشبعت بحثاً، وليس الغرض من الاجتماعات الحالية إلاّ معرفة ملاحظات الجانب العراقي عليها، أو تقديمه لمقترحات جديدة، في شأن لجنة الحدود.

    وفي الاجتماع الثاني، في الأول من مارس 1967، لم يبحث الوفد العراقي في اختصاصات لجنة الحدود، ولم يقدم اقتراحات جديدة في شأنها. وإنما عَدّ اللجنة قائمة، ومكتملة، فدخل في بحث موضوع الحدود مباشرة. وذكر أنه لا بدّ من إجراء عملية مسح جديدة، لمناطق الحدود بين العراق والكويت، وإعداد خرائط حديثة، وتفصيلية، لهذه المناطق، حتى يمكن الجانب العراقي، أن يستنير بها في تحديد الحدود. والغريب، أن الجانب العراقي، أصر على أن يضطلع، وحده، بالمسح، من دون الجانب الكويتي، على الرغم من أن عملية المسح هذه، تشمل بعض المناطق، الواقعة تحت سيادة الكويت.

وحاول الجانب الكويتي، في مناقشاته، أثناء الاجتماع، أن يستوضح الهدف من إجراء عملية المسح، التي يطلبها العراق، والحكمة من انفراده بها. فذكر الجانب العراقي، أن الهدف منها هو توضيح معالم المنطقة له، وحده، حتى يستطيع أن يستنير بها، في الاتفاق مع الكويت على وصف خط سير الحدود، وأنه يريد، بذلك، أن يكفل حرية فريقه الفني في الحصول على المعلومات الفنية اللازمة له. ولذلك، اقترح أن يختص الجانب العراقي بالمسح.

    وحاول الوفد الكويتي، كذلك، الوقوف على النقاط، التي يَعُدّها الجانب العراقي غامضة، في الوصف الوارد في اتفاقية 1932. فتبيّن له أن نظيره العراقي، يوجّه اهتمامه إلى منطقتَي صفوان والباطن، على وجه الخصوص، إذ إن الوفد العراقي، يحاول تغيير خط الحدود، في هاتَين المنطقتَين، الوارد في الاتفاقية المذكورة، ويخالف ما كان متبعاً في عام 1932، وأنه يريد الاتفاق على تحديد مَواقع جديدة للحدود فيهما. لذلك، ربط الوفد الكويتي موافقته على المسح المُراد إجراؤه، بالنص، صراحة، على أن الغرض من هذا المسح، الذي ستجريه اللجنة الفنية المشتركة، هو "تسهيل تثبيت الحدود، طبقاً لاتفاقية 1932، على الطبيعة ( أي على الأرض )، أو أن يتفق الطرفان على وصف تفصيلي لخط سير الحدود، المبينة في اتفاقية 1932، سواء أثناء هذه الاجتماعات، أو في اجتماعات قادمة.

    وفي الاجتماع الثالث، وعندما أصر الوفد الكويتي على موقفه هذا، اعترف الجانب العراقي، صراحة، بأنه لا يمكنه "النص، صراحة، على أن اللجنة، ستسير في تثبيت الحدود، وفقاً لاتفاقية 1932". وقال: "إن هذه الاتفاقية قد وضعها المستعمر. ولذلك، فإنها لا تُرضي أياً من الجانبَين. كما أن الرأي العام العراقي، لن يقبَل الموافقة عليها، وأن هناك اتجاهات كثيرة في البلاد، تعترض على هذه الاتفاقية". ولم يذكر الوفد العراقي، أن حدود عام 1932، قد أُقرت، من قبْل، في اتفاقية 4 أكتوبر 1963، بين البلدَين، بعد حصولهما على استقلالهما عن بريطانيا.

    اتَّضح للوفد الكويتي، أن الاتفاق بينه وبين الجانب العراقي، على أي إجراء لتثبيت الحدود، لن يؤدي إلى تثبيت الخط، حسب الوصف الوارد في اتفاقية عام 1932، على الطبيعة. وهو ما يعني التحلل من الالتزام الدولي لتلك الاتفاقية، والذي استطاعت الكويت تأكيده، في المحضر المتفق عليه، في 4 أكتوبر 1963. ورأى الوفد الكويتي، أن السير في الاتفاق على حدود جديدة، أمر من الصعب الموافقة عليه، وأنه خارج عن صلاحياته. ولم يبقَ أمامه، إلاّ قبول الاقتراح العراقي، أن يؤجل البحث في موضوع الحدود إلى وقت آخر، على أن يشير الطرفان إلى أن سبب التأجيل، هو الحاجة إلى إجراء بعض الدراسات، حتى يمكنهما السير في مهمة تثبيت الحدود.

2 . الأزمة الثانية (18 أبريل 1967)

    في 18 أبريل 1967، حدثت الأزمة الثانية بين البلدَين، بسبب الحدود، كذلك، عندما اجتاحت قوة عراقية الحدود الكويتية، واعتدت على جماعة من البدو الكويتيين، في منطقة الرميلة. ويعتقد بعض المحللين، أن العراق، حينما أحس بإصرار الحكومة الكويتية على وضع تسوية نهائية للحدود، عمد إلى احتلال هذه المنطقة، التي تُعد من أكثر المناطق الغنية بالمياه العذبة والنفط، كي يتخذ منها أساساً للمفاوضة، وهو في مركز قوة.

    وعلى أثر ذلك، أبلغ وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، السفير العراقي في الكويت، أسف الحكومة الكويتية لوقوع هذا الحادث. كما أرسلت حكومة الكويت تعزيزات عسكرية إلى الحدود. واكتفت بتقديم احتجاج رسمي على وقوع هذا الحادث. بينما بادرت الحكومة العراقية إلى توجيه إنذار رسمي إلى الكويت، طلبت فيه إنزال العلم الكويتي عن جزيرتَي وربة وبوبيان، الواقعتين على بعد عشرة أميال تقريباً من الحدود .

    وفي 19 أبريل 1967، بعث الشيخ صباح السالم الصباح، أمير الكويت، برسالة شخصية إلى الرئيس العراقي، عبدالرحمن عارف، يطلب منه التروي، وتحكيم العقل، وعدم إثارة المشاكل بين البلدَين. وقد استقر رأي الحكومتَين على ترك المشكلة برمّتها للجنة مشتركة لتسوية الحدود بين البلدَين. وأعلنتا، تهدئة للأزمة، أن توتر الموقف على الحدود نجم عن تصرفات شخصية، من بعض رجال الحدود، في كل من البلدَين.

    وكان لهذه الأزمة تأثيرها في الرأي العام الكويتي، المتحفظ من العراق. ففي 30 أبريل 1967، عقد مجلس الأمة الكويتي جلسة مغلقة، لمناقشة الشؤون المتعلقة بالدفاع، وتجهيز القوات المسلحة الكويتية بأسلحة حديثة. كما بحث موضوع التجنيد الإجباري. ويرى بعض المحللين السياسيين، أن مشكلة الحدود العراقية ـ الكويتية، لم تجد ما يبررها سوى العمل لخدمة أهداف من بينها:

أ. أن تكـون الحكومة العراقية، قد طلبت قروضاً من الكويت، التي اعتذرت بأن وضعها المالـي، لا يسمح لها بالإفراط في منح القروض، خارج حدود صندوق التنمية الكويتي.

ب. أو أن تكون الحكومة البريطانية، هي التي سعت إلى تضخيم نبأ حوادث الحدود، واستغلال صداه الخارجي، لكي توهم الكويت، ومجلس الأمة الكويتي، بصورة خاصة، بأن اتفاقات النفط يجب ألاّ يثار في شأنها أي تعديل، على أساس أن إقصاء نفوذها، في هذا المجال، سيعرّض الكويت للخطر.

    وفي 6 أكتوبر 1967، ولحاجة العراق إلى قروض إضافية، استؤنفت مباحثات لجنة ترسيم الحدود، في الكويت. واتجهت الأمور إلى التهدئة بصفة عامة، على أثر قرض قدمته الكويت إلى الحكومة العراقية، خلال مباحثات اللجنة، لتمويل مشروع كهرباء سد "سامراء"، ومشروع صناعة الورق في البصرة، بمبلغ 25 مليون دينار كويتي.

    وفي 11 أكتوبر 1967، صدر بيان مشترك عن المباحثات، التي أجرتها لجنة ترسيم الحدود العراقية ـ الكويتية. وفيها اتفق الجانبان على البدء في إجراء عملية مسح شامل للمنطقة، على أن تجتمع اللجنة المشتركة في بغداد، في مارس 1968، للنظر في الدراسات الفنية، والنتائج النهائية لعملية المسح المذكورة. كما أعرب الطرفان عن إيمانهما التام، بضرورة استمرار الجهود، ومواصلة التعاون بينهما، في المجالات كافة.

    وعادت، منذ ذلك الوقت، العلاقات العراقية ـ الكويتية إلى التحسن، خاصة بعد أن أعلنت الكويت، في مايو 1968، إلغاء اتفاقية "التشاور"، التي كانت تربطها ببريطانيا، غداة استقلالها، في 19 يونيه 1961. وكانت تلك الاتفاقية موضع انتقاد شديد، من قِبَل العراق، الذي وصفها باتفاقية "المساعدة". وقد أعلنت الكويت، بعد إلغائها لتلك الاتفاقية، أنها لن تسمح بأي وجود أجنبي في أراضيها.