إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / الاتحاد الأفريقي









مقدمة

المقدمة

    إذا كان هناك أيام تُعد فواصل، بين تواريخ وأخرى، في حياة الشعوب، فيمكن اعتبار 26 مايو 2001 يوماً فاصلاً، في تاريخ قارة أفريقيا؛ وذلك بولادة الاتحاد الأفريقي، وريثاً لمنظمة الوحدة الأفريقية، وكياناً يواكب القرن الحادي والعشرين، ويُضاف إلى هيكله (مصرف مركزي ومحكمة عدل وبرلمان وصندوق نقد).

    وعلى الرغم من أن الفكرة بدأت بحلم، راود العقيد معمر القذافي، قائد الثورة الليبية، على إقامة اتحاد للولايات الأفريقية، وعارضه كثير من قادة دول القارة؛ إلا أن العقيد عدَّل حلمه، ليكون أكثر واقعية، فقَصَرَه على اتحاد لدول مستقلة. ولعل قائد الثورة الليبية، قد استفاد، من تجاربه الدؤوبة، غير الناجحة، التي بذلها علي مدي الثلاثين عاماً الماضية، في سبيل وحدة عربية، لم تتحقق حتى الآن؛ إذ سارع إلى تعديل حلمه ليكون أفريقياً، وإعلان مشروعه الناجح، الذي يبدو، حتى الآن، أنه الإنجاز الأهم، في تاريخ القارة الأفريقية، بعد سنوات التحرر، في الستينيات.

    وإذا كان الاتحاد الأفريقي، قد ولد، سياسياً وقانونياً، في26 مايو 2001، الذي صادف الاحتفال بيوم أفريقيا؛ وبعد التصديق على القانون التأسيسي للاتحاد، الذي حاز اهتماماً ونقاشاً وحواراً، في قمة سرت الأفريقية، في مارس2001، وما سبقها في العاصمة التوجولية، لومي، في يوليه2000؛ إلاّ أن ولادته عمليا أُجِّل إعلانها إلى آخر مؤتمر لمنظمة الوحدة الأفريقية، التي بدأت أعمالها في 9 يوليه 2001، في العاصمة الزامبية، لوساكا.

    جاء الاتحاد الأفريقي، ليحل محل منظمة الوحدة الأفريقية، التي كان إنشاؤها، أمراً حيوياً ومرغوباً فيه، خاصة في قارة، تعرضت لظلم الاستعمار، وقسوة الجهل والفقر والمرض؛ إذ نُهبت ثرواتها، واستُعبدت شعوبها، بلا رحمة، ولا هوادة. لهذا، كان إنشاء المنظمة بمثابة إعادة الأمل إلى تلك الشعوب، والحكومات المغلوبة على أمرها، بإنشاء نظام تعاوني، يُبنى على التضامن والتعاون والمشاركة، بالقدر الذي تسمح به ظروف تلك الدول، وطبيعية العلاقات البينية. وأصبحت المنظمة قوة، تُظاهر شعوب القارة الأفريقية وحكوماتها، سواء مكافحتها الاستعمار، والتفرقة العنصرية، أو في سعيها إلى إعادة بناء نفسها، بالتنمية الاقتصادية، في ظل السلام والأمن. وقال فريدريك تشيلوبا، رئيس زامبيا، التي استضافت قمة وداع منظمة الوحدة الأفريقية: "تشكلت منظمة الوحدة الأفريقية، عام 1963، لضمان ألا يترك بلد واحد في أيدي السادة الاستعماريين".

    حاولت منظمة الوحدة الأفريقية، منذ نشأتها، حلّ مشاكل القارة، الإقليمية والعالمية، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. غير أن رياح التغيير، التي عصفت بالعالم، خلال العقد الأخير، من القرن العشرين، لم تواتها؛ ذلك أن انهيار الاتحاد السوفيتي؛ وسيطرة القطب الواحد علي العالم؛ والطفرة العلمية المذهلة، التي تجسدت في وسائل الاتصالات والمعلومات؛ والمفاهيم المترتبة علي ما سمي "ظاهرة العولمة"، التي ألغت الحدود، وقضت على مقومات القرون الماضية، وجسدت ثقافة الغرب، القائمة علي عنصري القوة والمصلحة ـ كل أولئك، جعل العالم الثالث نهباً لتلك القوة، التي لم يعرف العالم مثيلاً لحدتها وتأثيرها. وغدت أفريقيا، القارة ذات الإمكانيات الهائلة، مسرحاً للتكالب الغربي، والسيطرة علي شعوبها وثرواتها؛ حتى ظُن أن مصيرها منحتم؛ نظراً إلى ضياع نحو نصف قرن من التضحيات، التي أجهضتها المخططات الاستعمارية، من جهة؛ وفشل شعوب أفريقيا نفسها، في مواجهة مرحلة ما بعد الاستقلال؛ وإغراق القارة في التبعية، وخدمة مصالح نخب، فرطت في تحرير القارة الأفريقية من التبعية، وتوحيدها، ولم شملها، وإنشاء منظمة، تحقق أهدافها.

    إزاء هذه المأساة الأفريقية، كان لا بد من حل، يعيد أفريقيا إلى كنف القرن الحادي والعشرين. وسرعان ما لاح ذلك الحل في مبادرة الاتحاد الأفريقي، فكانت مقررات قمة سرت الأولى، التي أُعلنت في الجماهيرية الليبية، في 9 سبتمبر 1999، وجعلت من نهاية الألفية الثانية موعداً لأفريقيا، لتجاوز واقعها.

    إن الاتحاد الأفريقي، الذي أصدر الرؤساء الأفارقة، في قمة لومي، قانونه التأسيسي (أُنظر ملحق القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي)، وضربوا موعداً لإعلان تأسيسه، بعد أن تصادق الجهات التشريعية على ذلك القانون ـ كان موعداً مع التاريخ، في قمة سرت الثانية، وسبيل أفريقيا إلى التعامل مع عصر العولمة. فهو سيشكل فضاء جهوياً وعالمياً، يصارع الفضاءات الأخرى، في أمريكا وأوروبا وآسيا. ويؤمل أن يمثل ديناميكية حضارية، ويمنح أفريقيا القدرة على تجسيد إرادتها، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً؛ ويمهد لها الأسباب، التي تمكنها من التقدم، والقضاء علي الأمراض وأسباب التخلف، والفتن والحروب؛ وصولاً إلي إعادة صياغة الحياة، وفق الهوية الثقافية الأفريقية الإنسانية.

والاتحاد الأفريقي، هو الوعاء التاريخي، الذي سيهب أفريقيا القدرة علي تدارك تخلفها، وتجاوز صعوباتها، ويمكّنها من صياغة ردها على عصر العولمة. واللافت أنه تعرض لمشاكل وصعوبات سعت إلى الحؤول دونه، مستغلة خلافات قبلية وعنصرية. إن هذا الاتحاد، هو عنوان أفريقيا الجديدة ومنبرها، ووسيلتها الحضارية إلى إعادة صياغة حياتها.