إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / حلف بغداد (الحلف المركزي CENTO)









المبحث الخامس

المبحث الخامس

مبادئ الحلف ونشاطه

أولاً: مبادئ الحلف ومنظماته:

    تضمن ميثاق بغداد عدداً من المبادئ، يتعلق بعضها بتنظيم العلاقات بين دوله الأعضاء؛ وبعضها الآخر، يتعلق بإقرار ميثاق الأمم المتحدة، والالتزامات الدولية الأخرى. وتُعَدّ المساواة في السيادة، من أهم مبادئ الميثاق؛ إذ أكدت ديباجة الاتفاق الخاص، أن العراق وبريطانيا شريكان متساويان. وكان تمثيل جميع الدول الأعضاء في مجلس الحلف، هو أول مظهر من مظاهر تلك المساواة. كذلك، فإن اشتراط الإجماع على صدور قرارات ذلك المجلس، يحُول دون فرض دولة، أو مجموعة من دول الحلف، إرادتها على أعضائه الآخرين.

    ووفقاً لأحكام المادة الخامسة من الميثاق، يشترط لانضمام أي دولة إلى الميثاق، أن تكون دولتاه (العراق وتركيا) تعترفان اعترافاً كاملاً، بالدولة المنضمة. وأباحت الفقرة الأخيرة من هذه المادة، لأي دولة عضو فيه، أن تعقد اتفاقات خاصة، بموجب المادة الأولى منه، مع دولة أو أكثر من دوله الأعضاء؛ لتقوية الطاقات الدفاعية الجماعية.

واشترطت المادة السابعة، للانسحاب من الحلف، شرطَين:

1.     إبلاغ الرغبة في الانسحاب، كتابة، إلى الأطراف الأخرى.

2.     تقديم طلب الانسحاب، قبل ستة أشهر من انتهاء المدة المقررة، التي تبلغ خمس سنوات.

    وتعهّد الفريقان المتعاقدان، بمقتضى المادة الأولى من ميثاق بغداد، الدفاع المشترك ضد أي هجوم على أحدهما، طبقاً للمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة.

    وأكدت المادة الثالثة امتناع أي طرف عن التدخل، بأي شكل  من الأشكال، في شؤون الطرف الآخر الداخلية؛ وحل أي نزاع بينهما بالسُّبُل السلمية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

    كوّن حلف بغداد جهازاً مختصاً، انبثقت منه منظمات، أطلق عليها اسم اللجان المختصة، وعهد إليها تنفيذ أهدافه. ويتكون جهاز الحلف مما يلي:

1. المجلس الدائم:

هو المنظمة العليا للحلف. أنشئ بموجب قرار دوله الخمس الأعضاء، في اجتماعها الأول، في بغداد، في نوفمبر 1955، طبقاً لأحكام المادة السادسة من الميثاق، التي تنص على أن يُشكل مجلس دائم من الوزراء للعمل ضمن نطاق أهداف هذا الميثاق، وذلك عندما يبلغ عدد الأعضاء أربع دول على الأقل. وجُعِل في حالة اجتماع دائم.

وعقد هذا المجلس عدداً من الاجتماعات، كان أولها الاجتماع الذي عُقد بعد أسبوع فقط من تأسيس مجلس الحلف الدائم، وتولي رئاسته وزير الدولة للشؤون الخارجية العراقي، برهان الدين باشا أعيان، ومُثًلت الدول الأعضاء في هذا الاجتماع عن طريق سفرائها المقيمين في بغداد. واتفق الوكلاء في ذلك الاجتماع، علي تقديم توصياتهم إلى المجلس الوزاري، حول الطرق التي يجب أن تتبع لمكافحة النشاطات الهدامة. ثم عُقدت ثلاثة اجتماعات أخري على التوالي. وفي الاجتماع الرابع، الذي عقد في بغداد، في 23 ديسمبر 1955، استلم الوكلاء من السكرتير العام لسكرتارية الحلف، عوني الخالدي، أول تقرير أصدرت منظمة الأمن التابعة لمجلس الحلف. (أُنظر ملحق الوثيقة السرية لاجتماع حلف بغداد في ديسمبر 1955)

وسنّ المجلس نظامه الخاص، فأكد ضرورة التشاور في جميع القضايا، السياسية والاقتصادية، المتعلقة بالمصالح المشتركة للدول الأعضاء، والاهتمام بها اهتماماً مماثلاً لما يوليه للنواحي العسكرية. وعهد إليه، كذلك، بتوحيد العمل بين الدول الأعضاء، في قضايا الدفاع، وتحقيق الأمن لمنطقة الحلف الإقليمية.

ويمكن انعقاده على مستويين:

·   المستوى الوزاري:

يتحقق هذا المستوى باشتراك رؤساء حكومات الدول الأعضاء، أو وزراء خارجيتها، أو أكبر وزرائها سِناً. ويجتمع المجلس، على المستوى الوزاري، مرتين في السنَة أو على الأقل مرة واحدة وجوباً. وتتداول الدول الأعضاء رئاسة جلساته، سنوياً، وفقاً للحروف الهجائية الأولى من أسمائها، باللغة الإنجليزية. ويلتئم الاجتماع في الدولة التي تتولّى الرئاسة. وعقدت أول دورة له في بغداد، في نوفمبر 1955، برئاسة نوري السعيد، رئيس الوزارة العراقية.

·   مستوى مجلس الوكلاء:

يحدده اشتراك ممثلي حكومات الدول الأعضاء، على مستوى السفراء، الذين يضطلعون باجتماعات إضافية، تستدعيها جلسات المستوى الوزاري. وكان أولها الاجتماع، الذي عقد بعد أسبوع فقط من تأسيس مجلس الحلف الدائم. وتولى رئاسته وزير الدولة للشؤون الخارجية، برهان الدين باش أعيان؛ ومثّل الدول الأعضاء فيه سفراؤها لدى بغداد؛ فضلاً عن الوفد الأمريكي المراقب، برئاسة سفير واشنطن لدى بغداد، ولد مارغلمن. وأتفقوا، خلاله، على رفع توصياتهم إلى المجلس الوزاري، في شأن السُبل، التي يجب أن تتبع في مكافحة الأنشطة الهدامة.

ورغبة في تنفيذ قراراته، والنهوض بأنشطته العديدة، قرر المجلس إنشاء سكرتارية عامة، بأربع لجان رئيسية، هي:

أ. اللجنة العسكرية:

تتألف اللجنة العسكرية من رؤساء أركان جيوش الدول الأعضاء في الحلف، أو نوابهم. وتُعَدّ، من الناحية الوظيفية، من أهم اللجان وأشدها خطراً. وهي تابعة للمجلس، ومسؤولة أمامه. مهمتها دراسة التعليمات، التي تتعلق بوظيفتها الفنية؛ ورفع توصياتها إلى المجلس، والتي تتعلق بزيادة فاعلية الضمان العسكري للدول الأعضاء، وتعاونها على الأمور الدفاعية؛ وتدبير التخطيطات العسكرية للميثاق، التي تقررها، مسبقاً منظمة التخطيط العسكري المشتركة.

أمّا رئاستها، فتتناوبها الدول الأعضاء، سنوياً، لتوافق تداولها رئاسة مجلس الحلف. فكان، أول رئيس لها، عام 1955، هو رئيس أركان الجيش العراقي، الجنرال رفيق عارف؛ إذ إن رئاسة المجلس الدائم، كانت، عامئذ، للعراق.

ب. لجنة مكافحة المبادئ الهدامة:

تتألف هذه اللجنة من ممثلي كافة الدول الأعضاء في الحلف. ومهمتها استشارية، تتمثل في تقديم نصائحها وآرائها إلى المجلس، في خصوص السُبل الأكثر فاعلية، في مقاومة الأنشطة الهدامة (الشيوعية). وتتداول الدول الأعضاء رئاستها، سنوياً. وكان أول اجتماعاتها، في طهران، في أبريل 1956.

ج. لجنة الاتصال (الإعلام):

تتألف هذه اللجنة من ممثلي الدول الأعضاء. ومهمتها النهوض بمسؤوليات عامة، كتسهيل تبادل الإعلام بين الدول الأعضاء، في المسائل المتعلقة بأمن الإقليم.

د. اللجنة الاقتصادية:

مثّل الدول الأعضاء في هذه اللجنة، وزراء أو موظفين قدماء. مهمتها دراسة وتنظيم الأعمال الاقتصادية التعاونية، التي من شأنها أن تؤدي إلى تطوير وتقوية الاقتصاد المشترك والمصادر المالية للدول الأعضاء؛ والاضطلاع بدراسات خاصة، وفقاً لطلبات مجلس الحلف. وتتعاقب في رئاستها الدول الأعضاء، سنوياً.

وأنشأت هذه اللجنة لجاناً فرعية، تابعة لها. من أهمها:

(1) لجنة الخبراء الاقتصادية، التي تتألف من خبراء اقتصاديين، من الدول الأعضاء، متماثلين في درجاتهم العلمية. وتعقد اجتماعاتها قبل عقد جلسات اللجنة الاقتصادية؛ لأن مهمتها التدقيق في التقارير، الواردة من اللجان الفرعية المتعددة؛ وتهيئة الموضوعات، التي تشمل القضايا الأكثر أهمية، المتعلقة بالسياسة الاقتصادية، والتي ستبحثها اللجنة الأم.

(2) لجنة المواصلات والأعمال العامة، وتتكون من عضوَين إداريَّين؛ أحدهما مختص بشؤون إصلاح الطرق العامة. ومهمة الآخر تطوير المشاريع المشتركة لحوض دجلة والفرات.

(3) اللجنة التجارية، وقوامها عضوان إداريان؛ أحدهما مختص بشؤون نقل البضائع وإجراءات ترحيلها. ودور الآخر الاهتمام بالاتحاد الجمركي لمنطقة التجارة الحرة، وللسوق المشتركة، المقترح إنشاؤها.

(4) اللجنة الزراعية، وتتألف من عضوَين إداريَّين؛ أحدهما يراقب الآفات الزراعية. ويهتم الآخر بالثروة الحيوانية وأمراضها، وبعلم الأحياء (البايولوجي).

(5) اللجنة الصحية، التي أنشأت معهد المرشدين، الذي اختص بمكافحة الملاريا.

وللمجلس الدائم أجهزته التنفيذية، التي تضم عدداً من الأقسام والمكاتب، العاملة تحت إدارة وإشراف السكرتارية العامة للحلف. وأهمها:

1. القسم السياسي

    ويتولى إدارته وكيل السكرتير العام، الجنرال البريطاني، جون بوشيل. وعهد إلى هذا القسم بمهمة مساعدة نائب السكرتير العام على تنسيق أعمال السكرتارية، قبل عرضها على المجلس؛ والتنسيق مع المنظمات الرئيسية الأخرى؛ وتقديم المشورة في المسائل السياسية.

2. القسم الإداري

    ويضطلع بإدارته مدير القسم السياسي نفسه. وعهد إليه بتخطيط وتنفيذ البرامج، الإدارية والمالية، التابعة للسكرتارية العامة؛ وتهيئة الخدمات العامة، الضرورية لاجتماعات المجلس والهيئات الأخرى.

3. القسم الاقتصادي

    وعهد بإدارته إلى وكيل السكرتير العام، التركي بولند كيستلي. ونيط بهذا القسم تهيئة القضايا الجوهرية، التي تبحث في اجتماعات اللجنة الاقتصادية، والهيئات الثانوية التابعة لها، وتقديم المشورة في المسائل الاقتصادية؛ وإدارة برنامج المساعدة الفنية، الذي يضعه الحلف؛ وتبادل الخبرات الفنية بين الدول الأعضاء؛ وتطوير القضايا الإحصائية الجوهرية؛ والاتصال مع المنظمات العامة، كالمجلس العلمي، والمركز الذري لميثاق بغداد.

4. مكتب مكافحة المبادئ الهدامة

    ويتولى تقديم الخدمات الضرورية، التي تتطلبها اجتماعات لجنة مقاومة المبادئ الهدامة.

5. منظمة الأمن

    وعهد بإدارتها وتوجيهها إلى مستشار الأمن، الذي يكون مسؤولاً عن إعداد توصيات، في جميع القضايا المتعلقة بحفظ الأمن، المدني والعسكري. وتوخت هذه المنظمة مكافحة النشاطات السياسية المدنية، المعادية للسياسة الغربية؛ والعمل على تقوية القدرة العسكرية للدول الشرقية الأعضاء، لمواجهة أي هجوم سوفيتي.

وأخيراً هناك التخطيط العسكري للحلف وفيما يلي شرحه:

أ. منظمة التخطيط العسكري المشتركة، التي أنشئت بموجب قرار مجلس الحلف، في كراتشي، في يونيه 1957 وفقا لتوصية اللجنة العسكرية، التي أكدت ضرورة إنشاء منظمة خاصة تتولى وضع التخطيطات العسكرية. وكان أول رئيس لها، هو الجنرال الباكستاني، محمد حبيب الله خان؛ كما عين الجنرال الأمريكي، دانيل كامبل، وكيلاً للرئيس.

ب. منظمة الدفاع ضد الغارات الجوية، وتشمل منظومة رادار للإنذار؛ وأخرى للكشف والإخبار عن الطائرات. وتتولى بريطانيا تأمين الخبراء، العسكريين والفنيين، ذوي الاختصاص، لتقديم المعونة والمشورة اللازمتَين، في هذا الخصوص.

ثانياً: نشاط الحلف:

    توافقت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، في أهمية الدفاع عن الشرق الأوسط، في مواجهة التوسع السوفيتي؛ إلاّ أنهما اختلفا في كيفية تنظيم ذلك الدفاع؛ ما كان سبباً من الأسباب الرئيسية للضعف، الذي انتاب حلف بغداد. وعلى الرغم من توافق سياستَيهما، في معظم التنظيمات الدفاعية، المنتشرة في أنحاء العالم؛ فإنهما اختلفا في المنطقة العربية، حيث رغبت بريطانيا في استعادة ما خسرته من امتيازات؛ بينما تنكر عليها حليفتها هذه الرغبة، بل ترى ضرورة جلاء القوات البريطانية عن قاعدة السويس.

    بيد أن الاختلاف الأمريكي ـ البريطاني، لم يحُل دون تعدد نشاط الحلف، في المجالات، السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية.

1. النشاط السياسي:

حرصت دول الحلف على توسيع رقعته. وإزاء رفض الدول العربية الانضمام إليه، حُمَّ النشاط إلى استمالتها؛ فرفع السفير الأمريكي لدى دمشق، مذكرة إلى حكومتها، في سبتمبر 1955، يبلغها فيها حرص واشنطن على انضمام الدول العربية إلى الحلف، معلناً أن المساعدة العسكرية لدول المنطقة، ستقتصر على تلك التي ستستجيب الرغبة الأمريكية، وتسعى إلى تحسين علاقاتها بإسرائيل.

وفي أواخر نوفمبر 1955، لجأ نوري السعيد، وعدنان مندريس، إلى دفع سفير الأردن لدى بغداد، إلى إغراء حكومته بالانضواء إلى الحلف. فرفض محاولتهما. فعُهِد بإقناع عمّان، في ديسمبر 1955، إلى المبعوث البريطاني، تمبلر. فأخفق هو الآخر.

ولم تتردد دول الحلف في إيفاد ولي عهد العراق، عبدالإله إلى واشنطن، في 2 نوفمبر 1956، في محاولة لإقناع حكومتها بالانضمام إلى الحلف انضماماً كاملاً؛ إلاّ أنها رفضت تلك الدعوة.

ثم كان صدور مبدأ أيزنهاور أن أصبح عنصراً جديداً في تطوير الصراع والنشاطات الدبلوماسية بين دول الحلف وبعض الدول العربية الأخرى.

وعلى أثر زيارة الملك سعود بغداد، في 19 مايو 1957،  تبددت شكوكه في استخدام الحلف أداة لانتزاع الأراضي الحجازية من سلطته. وعلى الرغم من ذلك، فقد رفضت الحكومة السعودية، على لسان سفيرها المتجول، عبدالله الدملوجي، الانضمام إلى حلف بغداد.

وسارع العراق، في فبراير 1958، إلى تطوير العلاقات السياسية بالأردن، من خلال إنشاء "الاتحاد العربي"، كمواجهة من الحلف لإعلان الجمهورية العربية المتحدة، بإيجاد توازن سياسي بينها وبين الحكومة العراقية.

وركز الحلف نشاطه السياسي، في التصدي للاتحاد السوفيتي، ومقاومة الشيوعية. فقرر في دورته، المنعقدة في طهران، في أبريل 1956، إنشاء لجنة خاصة، أطلق عليها اسم "لجنة مقاومة المبادئ الهدامة". وكان قد أكد في دورته الأولى، في بغداد، في نوفمبر 1955، خطر التهديد الشيوعي. وطفق رئيس الدورة، نوري السعيد، يحذر من الشيوعية، وخطر انتشارها في الشرق الأوسط، داعياً إلى نشاط فعال، يوقف تناميها. ولم يتردد، عام 1957، في حشد قوات عسكرية عراقية ـ تركية، على الحدود السورية، متذرعاً بتزايد خطر الحزب الشيوعي السوري على الأمن القومي، في العراق وتركيا، وسائر أقطار الشرق الأوسط.

بيد أن النشاط السياسي لحلف بغداد، أخفق في دحر الشيوعية، في الشرق الأوسط؛ بل أدّى إلى تزايد نشاطها، حتى كادت تسيطر على نظام الحكم في سورية والعراق، عامَي 1957 و1958 على التوالي.

2. النشاط العسكري:

لم يتّسم النشاط العسكري لحلف بغداد، بمظاهر فعلية؛ وإنما نمَّ به مؤشران: المساعدات العسكرية الأمريكية لدول الحلف، والتعاون العسكري البريطاني ـ العراقي.

3. المساعدات العسكرية الأمريكية:

كانت كل دول الحلف، عدا بريطانيا، في حاجة إلى المساعدات العسكرية، وفنون التدريب العسكري الحديث. ولكن المساعدات العسكرية الأمريكية، لم تكن إلزامية؛ فهي هبات، وليست حقاً. ناهيك بأن تحديد كمياتها، كان يخضع لتقدير واشنطن، التي لم تسخُ بها، مما اضطر العراق، مثلاً، أن يطلب منها مساعدة عسكرية إضافية. فضلاً عن ارتهان المساعدات بموافقتها المصلحة الأمريكية؛ فتتوافر إن اتفقت معها، كتوافرها وتدفقها إلى بغداد وأنقرة وعمّان، عام 1957، إبّان الأزمة السورية؛ وكذلك إبلاغ المبعوث الأمريكي، في 18 أبريل 1957، إلى نوري السعيد، عزم واشنطن دعم العراق، عملاً بمبدأ أيزنهاور، الصادر في 5 يناير 1957، بمساعدة عسكرية إضافية، وشق وتحسين طرقه ووسائل اتصالاته مع دول الحلف الأخرى.

4. التعاون العسكري البريطاني ـ العراقي:

يُعَدّ تدريب الجيش العراقي، من أبرز سمات النشاط العسكري المشترك، بين العراق وبريطانيا؛ إذ تعهدت الحكومة البريطانية، وفقا لأحكام الفقرة (أ)، من المادة السادسة، من الاتفاق الخاص، المعقود بينها وبين الحكومة العراقية، في 4 أبريل 1955 ـ بالمشاركة في تأسيس قوة جوية عراقية فعالة، باضطلاعها بالتدريب والتمرينات المشتركة، في الشرق الأوسط. كما نصت الفقرة (ب)، من المادة عينها، على التزام بريطانيا تجهيز القوات العراقية وتدريبها، للدفاع عن بلادها. وبمقتضى المادة نفسها، التزمت المشاركة في تشييد المنشآت العسكرية؛ والمساعدة على صيانتها وصيانة المطارات؛ وتأسيس جهاز للإنذار بالغارات الجوية؛ وصيانة الأجهزة الدفاعية داخل الأراضي العراقية.

ووفقاً للفقرة الثانية، من المذكرة المرفقـة بالكتاب الرقم (1)، يضطلع البريطانيون، المقيمون بالعراق، بمعاونة القوات العراقية على التدرب، وتشغيل التجهيزات العسكرية وإدارتها، وخدمة الطائرات. وتؤمن إنجلترا، وفق الفقرة الخامسة، الخبراء البريطانيين، لتقديم المساعدة المستمرة، المتعلقة بأساليب التدريب وفنونه. أمّا الفرع (ج) من هذه الفقرة، فقضى بمشاركة أسراب من الطائرات البريطانية، في التدريب المشترك، في العراق، في جميع الأوقات؛ وإسهام بريطانيين في العمل في المطارات العراقية، المشترك استعمالها. وتعهدت، بموجب الفقرة عينها، إنشاء ما يتفق على ضرورته، من مطارات إضافية.

وأوجبت الفقرة السابعة، أن يتولى مدربون بريطانيون تدريب القوات العراقية تدريباً، يحاكي تدريب نظيرتها البريطانية. كما التزمت الحكومة البريطانية تأمين العسكريين والفنيين، لتأسيس منطقة مشتركة، لمراقبة رفع الألغام، في شط العرب؛ وبذل الجهد في تجهيز العراق بالسلاح والمعدات. أمّا الفقرة الثامنة، فتضمنت عزم الحكومة البريطانية على تقديم مشورتها الفنية العسكرية، في تعيين مواقع المنشآت المذكورة وتشييدها، والمساعدة على تشغيلها وصيانتها. ونصّت الفقرة العاشرة على تأمين الطائرات الضرورية ومعداتها؛ على أن تكون حديثة النوع.

وفي المقابل، تعهد العراق خدمة الطائرات العاملة بإمرة القوة الجوية البريطانية، في العراق، وتسهيل مرورها وهبوطها وتموينها؛ وتأمين المستودعات، الضرورية للمحافظة على أكداس السلاح، التي يشترك والحكومة البريطانية في تأسيسها.

وأكد الطرفان اشتراكهما في تكديس المدخرات (الذخيرة) والتجهيزات العسكرية، في العراق، ليستخدمها في الدفاع عنه؛ وعُهد إلى الحكومة العراقية بحمايتها.

5. النشاطان: الاقتصادي والعلمي:

يمثّل الاهتمام بوسائل الاتصال مظهراً من أهم مظاهر هذا النشاط؛ إذ أولى الحلف اهتمامه الاتصالات الهاتفية البعيدة، التي تربط دوله بعضها ببعض؛ وخصص لها اللجان الفرعية. وقدّمت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ مليونين ومائة ألف دولار، خصِّص معظمه لتطوير الاتصال التليفوني البعيد وإصلاح خطوطه .

وأسهمت، كذلك، في نفقات الطرق، التي تربط المدن المهمة في الدول الأعضاء بعضها ببعض. ودرست اللجنة المختصة بالطرق، إمكانية ربط دول الحلف بشبكة من السكك الحديدية.

وفوض مجلس الحلف إلى اللجنة الاقتصادية، ومنظمتها الفرعية، بحث السُبل، المؤدية إلى تسهيل التجارة بين دوله وتوسيعها. كما عهد إليها بإجراء دراسات وافية، ترمي إلى تنمية تلك التجارة. وشملت تلك الدراسات إمكانية تسهيل انتقال البضائع التجارية، وتخفيف الرسوم الجمركية وتقليل تعقيدها؛ وتسهيل انتقال رجال الأعمال، للتعاون على تسويق المنتجات المشتركة. كذلك، أجريت دراسات لإنشاء اتحاد جمركي، ومنطقة حرة للتجارة أو سوق مشتركة. إضافة إلى درس ما ستنفقه البضائع ونقلها.

وفي المجال الزراعي، كانت مهمة اللجنة الاقتصادية، هي تبادل المعرفة الفنية والخبرة النافعة؛ ودراسة إمكانية زيادة الإنتاج الزراعي؛ والتوسع في اقتصاديات الزراعة، المتكاملة مع الاقتصاديات الأخرى؛ والتعاون على التخطيط الزراعي، وتسويق الإنتاج، ومكافحة الأمراض، الزراعية والحيوانية.

ووضعت خطة عامة، تشرف عليها اللجنة الصحية الفرعية؛ وتهتم بمكافحة الأمراض المُعدية، وإنتاج الأدوية من طريق الفيزياء النووية. كما نظمت الاتصالات، اللازمة للتعاون على مقاومة مرض الملاريا، في دول الحلف. وبالنسبة إلى الأمراض الحيوانية، فقد أجريت دراسات منظمة، لما يمكن إتباعه في مكافحتها، بما في ذلك تبادل الدول العلماء المتخصصين بعلم البايولوجي.

وأنشئ جهاز، يتولى تقديم المساعدات لأيٍّ من الدول الأعضاء، في حال تعرّضها للكوارث، كالفيضانات، والجدب، والأوبئة، أو في الحالات الضرورية القصوى.

وأما في خصوص النشاط العلمي، فقد قرر مجلس الحلف، في دورة انعقاده الأولى، إنشاء مركز ذري. وأعلن ممثل بريطانيا، "أن حكومته مستعدة لتجهيز أقطار حلف بغـداد بالطاقة الذرية، تزويدها بالخبرة، العلمية والفنية، في هذا النطاق؛ لمساعدتها على تأسيس مشروعات الطاقة الذرية، للأغراض السلمية". وافتتح مركز الطاقة الذرية، الذي اتخذ بغداد مركزاً له، في مارس 1957. وعيِّن أحد الموظفين البريطانيين مديراً له؛ وتقرر إنشاء مجلس علمي، يتكون من ممثلي الدول الأعضاء، يتولى شؤونه. وقد عقد أول اجتماع له، في مايو 1957، برئاسة ممثل بريطانيا، جون كوكروفت JOHN COCKROFT ، رئيس طاقة البحوث الذرية البريطانية، المنشئة في هارول.

6. اجتماعات مجلس حلف بغداد:

أوجبت دولتا ميثاق التعاون المتبادل بين العراق وتركيا (نواة حلف بغداد)، أن يجتمع مجلسه مرة واحدة، سنوياً. وكان اجتماعه الأول في بغداد، يومَي 21 و22 فبراير 1955. وحضره رئيسا حكومتَي البلدّين. وافتتحه نوري السعيد، رئيس الحكومة العراقية؛ فأعرب عن ترحيب العراق بعقد أول اجتماع في عاصمته؛ وتحدث عن المادة 51، من ميثاق الأمم المتحدة، التي أباحت عقد مثل هذا الاتفاق، لتأمين الدفاع الشرعي. ووجّه المجلس الدعوة إلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، للمساهمة في مناقشاته. فاستجابت له، وحضر سفيرها لدى بغداد، ولدمارغلمن، الاجتماع، كمراقب سياسي؛ وفي صحبته الأميرال أكسادي، والجنرال فورست كراوي، كمراقبَين عسكريَّين. وأعلن السفير، باسم حكومته، "أن وجود المراقبين الأمريكيين في هذا المجلس، دليل آخر على اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية المتواصل، بالميثاق وأغراضه.

وفي الاجتماع الثاني، كان عدد الدول الأعضاء في الحلف، قد ازداد؛ فأكد كلٌّ من رؤساء حكوماتها، النقاط التي تهم بلده. فأَوْلى ماكميلان، رئيس الحكومة البريطانية، اللجنة الاقتصادية اهتمامه. وأعرب رئيس الحكومة الإيرانية، حسن علي، عن رغبة بلده في بحث مشاكل الحدود، مع العراق وتركيا. الوصول إلى حل لها. وركّز رئيس الحكومة الباكستانية، محمد علي، في عداء أفغانستان لبلاده. وأكد رئيس الحكومة التركية، عدنان مندريس، أهمية الصداقة القائمة بين أعضاء الحلف؛ وضرورة حل القضية الفلسطينية. وأجمع الرؤساء أجمعون على التحذير من خطر التهديد الشيوعي لبلادهم.

واتخذ المجلس القرارات التالية:

أ. العمل، على قدم المساواة، ولهدف موحد، على السلام والأمن في الشرق الأوسط؛ والدفاع عن بلادهم، في مواجهة العدوان والأعمال التخريبية، في سبيل زيادة سعادة شعوب المنطقة ورفاهيتها.

ب. تأسيس مجلس دائم للحلف، تكون بغداد مقراً له ولمنظماته.

ج. الموافقة على تأسيس سكرتارية دائمة للميثاق، مقرها في بغداد.

د. إنشاء لجنة عسكرية دائمة.

هـ. تأسيس لجنة اقتصادية، تسهم في تطوير موارد المنطقة، الاقتصادية والمالية؛ بالتعاون مع مصر ومنظمة الصحة العالمية.

ولاحظ المجلس، بتقدير كبير، المساعدات الأمريكية المهمة؛ والرغبة البريطانية في تجهيز دول الحلف بالطاقة الذرية، وتزويدها بالخبرة، العلمية والفنية، لمساعدتها على تأسيس مشروعات الطاقة الذرية، للأغراض السلمية.

    وكذلك أطلق على معاهدة التعاون المتبادل بين العراق وتركيا بميثاق بغداد. ثم عقد المجلس اجتماعه الثاني في طهران بإيران خلال الفترة من 16 إلى 19 أبريل 1956 وقد تولى رئاسته رئيس الحكومة الإيرانية حسين علاء. وقد حضر جميع ممثلي الدول الأعضاء والمراقبون  الأمريكيون، فعن العراق حضر نوري السعيد، وعن بريطانيا وزير دفاعها ويتر مونكتون "WAITER  MONCKTON"، وعن تركيا عدنان مندريس، وعن باكستان محمد على، وعن الولايات المتحدة وكيل سكرتير الدولة، لوي هندرسون LOY W. HENDERSON.

    وفي هذا الاجتماع أعلن وفد المراقبين عن رغبة حكومتهم في إنشاء لجنة اتصال عسكرية دائمة تابعة لميثاق بغداد. وفي هذا الاجتماع تقرر أيضا إنشاء لجنة مقاومة المبادئ الهدامة التي انضمت أمريكا إلى عضويتها أيضا. كما قرروا ضرورة الإسراع في اتخاذ التدابير التي تكفي لمقاومة التسلل الشيوعي في المنطقة الإقليمية.                      وعقد مجلس الحلف دورته الثالثة، في كراتشي، في باكستان، خلال الفترة من 3 إلى 6 يونيه 1957، برئاسة رئيس الحكومة الباكستانية، حسين شهيد السهروردي. ومثل العراق نوري السعيد؛ وتركيا عدنان مندريس؛ وإيران إقبال. ومثل بريطانيا وزير خارجيتها، سلون لويد. وترأس وفد المراقبين الأمريكي، وكيل سكرتير الدولة، لوي هندرسون.

    وتميزت هذه الدورة بانضمام الولايات المتحدة الأمريكية، إلى عضوية اللجنة العسكرية للحلف؛ بعد أن كان دورها مقتصراً فيها على المراقبة.

والتأم الاجتماع الرابع للحلف، في 28 يوليه 1958، في لندن. واقتصر على دوله الشرقية، عدا العراق، الذي قضى انقلاب عسكري على نظامه الملكي. واتسم هذا الاجتماع بتحمّل الولايات المتحدة الأمريكية، مسؤولية الدفاع عن دول الحلف الشرقية.

    بيد أن حلف بغداد، لم يتردد في عقد اجتماعات طارئة، تفرضها ظروف سياسية خاصة. فقد دعا شاه إيران، على أثر العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956، دول الحلف الشرقية لعقد اجتماع طارئ؛ التأم خلال الفترة من 12 إلى 18 نوفمبر من العام نفسه.

    وأكد الأعضاء، في مناقشاتهم، صيانة مصالح دولهم، وصد العدوان عنها، وحل مشاكلها، وعلى الأخص مشكلة فلسطين، حلاً، يضمن للعرب حقوقهم، وفق قرار الأمم المتحدة، عام 1947، الذي صادقت عليه الجامعة العربية؛ وقرار مؤتمر باندونج، الذي حضرته جميع الدول العربية.

واختتمت الاجتماعات بالإجماع على بيان مشترك، تضمّن:

أ. استنكار العدوان الإسرائيلي الأثيم على مصر، والمطالبة بجلاء القوات الإسرائيلية، من الفور، عن الأراضي المصرية، وإطلاق الأسرى المصريين.

ب. استنكار العدوان الفرنسي ـ البريطاني، المستهجن، على الأراضي المصرية، والمطالبة بجلاء القوات، الفرنسية والبريطانية، من الفور، عن الأراضي المصرية.

ج. حل قضية فلسطين، وفق قرارا الأمم المتحدة، المتخذ عام 1947؛ واحترام سيادة مصر واستقلالها احتراماً كاملاً، عند بحث مشكلة قناة السويس، في الأمم المتحدة.

وأكدت الدول الأربع اعتقادها، أن التوصيات، التي صدرت عنها، في البيان المشترك، في طهران ـ لا تزال تصلح كأساس لتسوية دائمة، عادلة، لمشاكل الشرق الأوسط. ولاحظت أن البلاغ، الذي صدر عن مؤتمر ملوك الدول العربية ورؤسائها، في بيروت، في 16 نوفمبر 1956 ـ يكاد يوافق وجهات نظرها. كما استعرضت، بقلق، موجة التخريب المرتفعة، في الشرق الأوسط، وقررت اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية، لمواجهة هذا التهديد، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

    وعقد المجلس اجتماعاً طارئاً، في أنقرة، في ديسمبر 1957؛ لتحديد موقف دوله الشرقية من قضية فلسطين. وأكد أن عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لم يكن إلاّ نتيجة لعدم حل المشكلة الفلسطينية. وعهد إلى رئيس الحكومة التركية، عدنان مندريس، بإبلاغ موقف دوله إلى مجلس حلف شمال الأطلسي، الذي سيلتئم لحل تلك القضية.