إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة الوحدة الإفريقية




علم المنظمة

العلاقة بين المنظمة والجامعة العربية

مناطق الصراع في أفريقيا



الفصل الثاني

المبحث الثاني

ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية

أولاً: الإعداد لإقامة منظمة الوحدة الأفريقية

1. فكرة إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية

أ. كان الاستعمار في أفريقيا يعتقد، أن انقسام أفريقيا إلى ثلاث تجمعات: مجموعة دول الدار البيضاء، ومجموعة دول برازافيل، ومجموعة دول منروفيا، ذات الأهداف والأساليب المختلفة، سيعيق قيام الوحدة الأفريقية. ولكن، تمكنت الدول الأفريقية من التغلب على ذلك، والعمل على تقريب وجهات النظر بين هذه المجموعات، خاصة بعد أن نالت الجزائر استقلالها في منتصف عام 1962. فزال أكبر عائق يمنع التقارب بين هذه المجموعات، خاصة مجموعة الدار البيضاء. وظهر تقارب مثمر بين دول أفريقيا العربية وغير العربية، كما حدث تقارب بين الدول الناطقة بالفرنسية، والدول الناطقة بالإنجليزية، والدول التي لم تنضم لأي مجموعة. وبهذا التقارب أصبح الطريق ممهداً، لعقد مؤتمر يضم كافة التجمعات الأفريقية، للمرة الأولى في تاريخ أفريقيا. وقد سعى عدد من الدول الأفريقية إلى عقد هذا المؤتمر، بهدف وضع الأسس العامة للتعاون، على مستوى القارة.

ب. وكانت أهم لقاءات في هذا الشأن، بين الرئيس أحمد سيكوتوري، رئيس جمهورية غينيا، والإمبراطور هيلاسلاسي، إمبراطور أثيوبيا، في أواخر يونيه عام 1962، في أديس أبابا. وكان لهيلاسلاسي الفضل في تشجيع الدول على عقد مثل هذا المؤتمر. وفي ديسمبر من العام 1962 نفسه، اتخذ وزراء خارجية الدول الأعضاء، في مجموعة اتحاد أفريقيا ومالاجاش، قراراً بضرورة عقد مؤتمر قمة، يضم كل رؤساء الدول الأفريقية المستقلة، في أديس أبابا، عام 1963. وقد عمل عدد كبير من رؤساء الدول الأفريقية، منذ بداية عام 1963، في كل أنحاء أفريقيا على تحقيق هذا الهدف، وانعقاد المؤتمر، وتوفير كل الظروف والعوامل لإنجاحه.

2. مؤتمر وزراء الخارجية التمهيدي، لعقد مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الأفريقية

أ. عُقد مؤتمر لوزراء خارجية الدول الأفريقية، في أديس أبابا، الفترة من 15 إلى 22 مايو عام 1963، لوضع اللمسات التمهيدية لمؤتمر القمة.

ب. شكّل المجلس لجنتَين:

(1) تبحث اللجنة الأولى الموضوعات الآتية:

(أ) إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية.

(ب) التعاون بين الدول الأفريقية في شتّى الميادين.

(ج) أفريقيا والمنظمة العالمية.

(د) التكتلات الاقتصادية الإقليمية، والنمو الاقتصادي في أفريقيا.

(2) وتبحث اللجنة الثانية الموضوعات الآتية:

(أ) القضاء على الاستعمار.

(ب) التمييز العنصري.

(ج) نزع السلاح.

(د) لجنة وساطة وتوفيق دائمة.

ج. لم تحقق اللجنة الأولى إلاّ القليل من النجاح، فلم توفق في وضع مقترح مقبول لميثاق أفريقي، واكتفت بتجميع بعض الوثائق، وذلك لصعوبة التوفيق بين المقترحات المقدمة. أمّا عن التعاون الاقتصادي، فقد اقتصرت اللجنة على حصر المقترحات والمشاكل، وأوصت بأن يُعين الرؤساء لجنة تحضيرية من الخبراء، لدراسة جميع المقترحات، بالتشاور مع الحكومات الأفريقية. كما أوصت جميع الدول المعنية، بالتفاوض مع بعضها، لتحسين الأوضاع الاقتصادية وخطط التنمية.

د. أمّا اللجنة الثانية، المسؤولة عن بحث مشاكل الاستعمار والتفرقة العنصرية والوساطة والتوفيق، فقد توصلت إلى عدة توصيات، مثل المطالبة بإنشاء قوات من المتطوعين لمساعدة الأقاليم الواقعة تحت الاستعمار، وإنشاء صندوق لمعاونة حركات التحرير، أو لمكافحة التميز العنصري. وأمّا عن نزع السلاح، فأوصت اللجنة بإعلان أفريقيا منطقة خالية من الأسلحة النووية، وإزالة القواعد العسكرية، ومناشدة الدول الكبرى إنهاء سباق التسلح، والتوقيع على معاهدة نزع عام وكامل للسلاح، تحت رقابة دولية.

هـ. وقد تبنى مؤتمر وزراء الخارجية، توصيات كلاً من اللجنتين، بعد مناقشات دامت أكثر من خمسة أيام.

و. وعلى ضوء هذا المؤتمر التمهيدي، الذي استمر قرابة ثمانية أيام، بدأ رؤساء الدول والحكومات الأفريقية مؤتمرهم التاريخي في أديس أبابا، عاصمة أثيوبيا، في 23 مايو عام 1963.

3. مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الأفريقية الأول

أ. عُقد هذا المؤتمر في الفترة من 23 إلى 28 مايو عام 1963.

ب. حضره رؤساء دول وحكومات 30 دولة أفريقية، هي: أثيوبيا، والجزائر، وجمهورية مصر العربية، والسنغال، والسودان، والصومال، والكاميرون، والكونغو بولدفيل (الكنغو الديموقراطية حالياً)، والكونغو (برازافيل)، والنيجر، وأوغندا، وبورندي، وتشاد، وتنجانيقا، وتونس، والجابون، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وداهومى، ورواندا، وساحل العاج، وسيراليون، وغانا، وغينيا، وفولتا العليا، وليبيريا، وليبيا، ومالي، ومدغشقر، وموريتانيا، ونيجيريا.

ج. لم تشترك المملكة المغربية في المؤتمر، وقاطعته احتجاجاً على اشتراك وزير خارجية موريتانيا، لعدم اعتراف المغرب بها، ومطالبتها بضمها. كذلك، لم تشترك توجو في المؤتمر، بسبب عدم اعتراف منظمة الدول الأفريقية بالحكومة الجديدة، التي وصلت إلى الحكم. ووصل عدد المشتركين في هذا المؤتمر، إلى أكثر من خمسمائة مندوب.

د. في حفل رسمي أقيم في 28 مايو، وقع رؤساء الدول الثلاثون الميثاق الأفريقي. وكان ذلك إعلاناً بنجاح المؤتمر، وإعلاناً بمولد منظمة الوحدة الأفريقية.

هـ. وقعت كل من المغرب وتوجو ميثاق المنظمة، عقب المؤتمر، وعدّتا من الدول الأصلية. وبذلك اصبح مجموع الدول الأعضاء الأصليين 32 دولة.

و. أهم العقبات والخلافات، التي واجهت المؤتمر، وأسلوب تجاوزها للوصول إلى قرارات تقبلها أغلبية المؤتمرين:

(1) التناقض بين أفريقيا السوداء وأفريقيا البيضاء، الذي حاول الاستعمار استغلاله ليحول من دون التقارب بينهما.

(2) التناقض بين أفريقيا العربية وغير العربية، وقد وجه النظر إلى مصر، بصفة خاصة، نظراً لدورها العربي المحوري، وفي الوقت نفسه دورها الأفريقي. واستندوا في ذلك إلى محاولة الدول العربية الأفريقية، الزج بقضية فلسطين والشرق الأوسط إلى الساحة الأفريقية.

(3) التناقض بين أفريقيا الثورية وأفريقيا المعتدلة. وقد توقع بعض المراقبين صعوبة التغلب على هذا التناقض، الذي يظهر بوضوح في السياسات الداخلية. فبينما تتبع الدول الثورية نظم الديموقراطيات الشعبية، تتبع الدول المعتدلة نُظماً تشبه النظم الديموقراطية الغربية. أمّا بالنسبة للسياسات الخارجية، فتتبع الدول الثورية العداء الصريح للاستعمار وسياسة عدم الانحياز، في حين تتبع دول أفريقيا المعتدلة سياسة مهادنة الغرب والانحياز له.

(4) كانت هناك اتجاهات مختلفة، في شكل الوحدة بين الدول الأفريقية، مثل:

(أ) اقتراح متحفظ بإقامة منظمة قارية مرنة، تضم كل دول القارة ولكن مع احتفاظ كل دولة بسيادتها كاملة، ورفض أي اتحاد كونفدرالي ببرلمان خاص، وقيادة عسكرية موحدة.

(ب) اقتراح بتوحيد أفريقيا، حيث يتم التغلب على المشاكل الرئيسية، كمشكلة الحدود. وهذا الاقتراح تبنته غانا، وقد واجه معارضة كبيرة.

(ج) الاقتراح الوسط وقد تبنته أثيوبيا، ويتضمن السعي التدريجي لتحقيق الوحدة الأفريقية مع وجود فترة انتقالية.

(5) وجود اتجاهات مختلفة لتحقيق الوحدة، انتهت إلى اتجاهين رئيسيين:

(أ) الاتجاه الأول: وهو ما نادت به الكنغو ليوبولدفيل، بوجوب اتباع الخطوات، التي مرت بها الجماعة الأوروبية.

(ب) سياسة عملية تبنتها جمهورية مصر العربية، وتتضمن عدم الاهتمام بالشكل النهائي، قدر الاهتمام بضرورة تحقيق عمل إيجابي فعّال، قبل أن ينتهي المؤتمر.

(6) اختيار اسم المنظمة:

اقتُرحت عدة أسماء للمنظمة، مثل:

(أ) منظمة الدول الأفريقية، ولكن وجد أنه يتشابه عند اختصاره باللغة الإنجليزية مع:

Organization of American States (O. A. S)

Organization of African States (O. A. S)

(ب) اقتُرح اسم منظمة الوحدة الأفريقية، باستخدامfor بدلا منof، ويكون الاسم أكثر واقعية، لأن الوحدة أمل مطلوب الوصول إليه.

(ج) اقتُراح اسم منظمة الوحدة الأفريقية والملاجاشية، ولكن، في الحقيقة، يحيط بأفريقيا عدة جزر مثل مدغشقر وموريشيس ـ ماريوميدنى وغيرها، واحتمال سعى هذه الجزر للانضمام للمنظمة، أمر قائم.

(د) وأخيراً اتفق المؤتمرون على اسم: "منظمة الوحدة الأفريقية"، كما جاء في نص الميثاق، المادة الأولى.

ثانياً: مبادئ ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية

1. المبادئ التي تحكم العلاقات البينية، التي تربط الدول الأفريقية

أ. مبدأ المساواة في السيادة، بين جميع الدول الأعضاء

ذُكر هذا المبدأ في الديباجة، وفي المادة الثالثة، الفقرة الأولى: "المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء"، ثم ذُكر مرة ثالثة، في المادة الخامسة: "تتمتع جميعاً بحقوق وواجبات متساوية" (اُنظر ملحق ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية).

ب. مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، للدول الأعضاء

ورد هذا المبدأ في الفقرة الثانية من المادة الثالثة. كما ورد في معظم، إن لم يكن جميع، المواثيق الدولية، أو الإقليمية من هذا النوع.

ج. مبدأ احترام سيادة كل دولة، وسلامة أراضيها، وحقها الثابت في كيانها المستقل:

ذُكر هذا المبدأ ثلاث مرات في ميثاق المنظمة. المرة الأولى في الديباجة، والثانية في الفقرة الثالثة من المادة الثانية، والثالثة في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة (اُنظر ملحق ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية). وهناك ملاحظتان على هذا المبدأ:

الملاحظة الأولى: على الرغم من أهمية مبدأ احترام الحدود السياسية القائمة، فإن ذلك لم يُنص عليه مباشرة في ميثاق المنظمة، خوفاً من عدم إحراز هذا المبدأ الموافقة الإجماعية، وكذلك حتى لا يكون هذا المبدأ، اعترافاً ضمنياً بالتقسيمات، التي وضعتها الدول الاستعمارية في مؤتمر برلين عام 1885.

الملاحظة الثانية: على الرغم من مرور ربع قرن على هذا الميثاق، إلاّ أن عدداً كبيراً من الدول ما زالت تؤمن بأهميته لتحقيق الاستقرار الإقليمي في القارة (فلو سُمح بطرح المقترحات المنادية بإعادة التقسيم، لأصبحت أفريقيا تضم ما يقارب مائة كيان أو دولة، بدلاً من 53 دولة حالية).

د. مبدأ التسوية السلمية للمنازعات، من طريق التفاوض والوساطة والتوفيق والتحكيم

جاء هذا المبدأ في الفقرة الرابعة، من المادة الثالثة من الميثاق (اُنظر ملحق ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية). كما أعاد الميثاق تأكيد هذا المبدأ في المادة 19، الخاصة بلجنة الوساطة والتوفيق والتحكيم. وقد صنّف الميثاق الطرق السلمية إلى تفاوض، أو وساطة وتوفيق، أو تحكيم، وشكل لذلك لجنة الوساطة والتوفيق والتحكيم.

أصبح هناك ثلاث هيئات تستطيع أن تتولى تسوية المنازعات، التي تقع بين أعضاء المنظمة، وهي: مؤتمر القمة، وله اختصاصات واسعة تغطى جميع الأمور في القارة، ثم مجلس وزراء المنظمة، وله الحق في التدخل لتسوية أي نزاع أفريقي، ولجنة الوساطة التي تعدّ الهيئة الثالثة لهذا الغرض. وقد اتخذت المنظمة في تطبيق هذا المبدأ قاعدتين:

(1) كل نزاع أفريقي، يجب تسويته داخل إطار أفريقي.

(2) إن المنظمة لا تتمسك بأسلوب معين لتسوية أي نزاع أفريقي، ولكن المهم أن تتم تسويته بالطرق السلمية.

والفرق بين هذه الهيئات الثلاث لتسوية المنازعات، أن مؤتمر القمة أو مجلس وزراء المنظمة، فإن كلاً منهما جهة سياسية، غير ملزمة بتطبيق قواعد القانون الدولي، ولكنه يعد أحد الوسائل التي يُستند عليها ضمن وسائل أخرى. وأمّا بالنسبة للجنة الوساطة والتوفيق والتحكيم، فهي تعدّ هيئة قضائية أو شبه قضائية، ملتزمة بتطبيق قواعد القانون الدولي، فيما يعرض عليها من منازعات.

2. المبادئ التي تحكم العلاقات، بين الدول الأفريقية والعالم الخارجي

أ. مبدأ التعاون مع الأمم المتحدة

ورد في الفقرة التاسعة من ديباجة الميثاق، ثم الفقرة (هـ) من المادة الثانية: "تشجيع التعاون الدولي، آخذين في الاعتبار ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، ثم المادة السادسة والعشرون، التي قررت أن ميثاق المنظمة يجب تسجيله لدى سكرتارية الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، طبقاً لأحكام المادة 102، من ميثاق الأمم المتحدة.

ب. أفريقيا والأمم المتحدة

(1) اقتصرت عضوية الدول الأفريقية في هيئة الأمم المتحدة، على ثلاث دول فقط، هي: أثيوبيا وليبيريا ومصر، إضافة إلى دولة جنوب أفريقيا، التي لم تكن في ذلك الحين تعدّ من الدول الأفريقية.

(2) ارتفع عدد الدول الأفريقية في المنظمة العالمية حتى وصل 32 دولة، في منتصف الستينات، أي بعد إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية، علماً بأن عدد هذه الدول زاد في المنظمة العالمية في عام واحد، هو عام 1960، ثمانية عشر دولة أفريقية مستقلة، وذلك خلال الدورة الخامسة عشرة، التي أطلق عليها اسم دورة أفريقيا وهم: الكاميرون، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، والكونغوبرازافيل، والكونغو ليوبولدفيل (الكنغو الديموقراطية حالياً)، وداهومى، والجابون، وساحل العاج، وملاجاشى، والنيجر، والصومال، توجو، فولتا العليا، مالي، السنغال، نيجيريا، سيراليون، موريتانيا.

3. مبدأ القضاء على الاستعمار، بجميع أشكاله في أفريقيا

أ. ورد ذكر هذا المبدأ، غير مرة، في ميثاق المنظمة. فقد أشارت إليه نهاية الفقرة السابعة من الديباجة، باستخدام مصطلح "الاستعمار الجديد". كما أشارت إليه، كذلك، الفقرة الرابعة من المادة الثانية، ثم الفقرة السادسة، من المادة الثالثة، إذ نصت على "تكريس جميع الجهود إلى أقصى حد، من أجل تحقيق الاستقلال العام، لجميع الأراضي الأفريقية، التي لم تستقل بعد .." وهذا التعبير أقوى وأشمل، مما جاء في الديباجة، عن الاستعمار الجديد.

ب. نوقش هذا الموضوع في المؤتمر التمهيدي لوزراء الخارجية، وشكّلت له اللجنة الفرعية الثانية[1]. وكانت أهم مقترحاتها، التي عرضت على مؤتمر القمة، تحديد مجموعتين من الوسائل لتحقيق هذا الهدف، هما: وسيلة سياسية دبلوماسية اقتصادية، ووسيلة القهر العسكري.

ج. اصطلاح الاستعمار الجديد، على الرغم من ذكره في ديباجة الميثاق، وفي خطب كثير من المتحدثين في مؤتمر القمة، إلاّ أنه لم يُتفق على صيغة موحدة لتعريفه. فمنهم من يرى أن الاستعمار الجديد يعنى الصور المستحدثة للاستعمار، ومنهم من يفصل بين الاستعمار القديم والجديد، إذ إن الدول التي ستلجأ إلى الاستعمار الجديد، هي الدول التي لم يسبق لها استعمار الدول الأفريقية. وهناك تفسير ثالث هو، أن هذا الاستعمار يأخذ شكل الاستعمار الاقتصادي، أو التسلط الثقافي.

4. مبدأ عدم الانحياز

    ذُكر هذا المبدأ في الفقرة السابعة من المادة الثالثة من الميثاق: "تأكيد سياسة عدم الانحياز تجاه جميع الكتل". وجاء نص القرار الرقم 13، لمجلس وزراء المنظمة المنعقد في لاجوس بنيجيريا، من 21 إلى 29 فبراير 1964، في دورته الثانية، مشيراً إلى قرار الدول الأفريقية باتباع سياسة عدم الانحياز، "تدعيم وحدة وتضامن الدول الأفريقية": طبقاً للفقرة 2 من المادة الثانية من الميثاق، مراعين تنسيق السياسات الخارجية للدول الأعضاء، وإيجاد الانسجام بينها، من أجل الوحدة الأفريقية في المحافظة على السلام والأمن الدوليين، واقتناعها بالتعاون والتعايش السلمي بين نظم الحكم والأيديولوجيات المختلفة، مكرساً جهوده للتقدم الاقتصادي والاجتماعي لقارتنا، ورخاء ورفاهية شعوبنا، ولخلق صورة جديدة لكرامة الإنسان في أفريقيا، مستلهماً النجاح الذي أمكن تحقيقه حتى الآن عن طريق سياسة عدم الانحياز، التي أصبحت قيمتها موضع تقدير من مختلف القوى في المجتمع الدولي.

ثالثاً: الانضمام لعضوية المنظمة، أو الانسحاب من العضوية

    تناولت المادتان الرابعة، والثامنة والعشرون، من ميثاق المنظمة، الأحكام الخاصة بالعضوية. حيث تنص المادة الرابعة، على أن: "لكل دولة أفريقية ذات سيادة، الحق في أن تصبح عضواً في المنظمة". ثم جاءت المادة الثامنة والعشرون، فنصت على القبول والانضمام، والإجراءات المتعلقة بهما (اُنظر ملحق ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية). ومن هاتين المادتين، يتضح أن العضوية في منظمة الوحدة الأفريقية على نوعين، أعضاء أصليون، وأعضاء منضمون، والفرق بين العضويتين فرق شكلي، لا يترتب عليه أثار، سوى أنه يُعطي الدول الأصلية المؤسسة للمنظمة، الحق في تقويم مدى توافر شروط العضوية في الدول، التي تطلب الانضمام للمنظمة.

·   الأعضاء الأصليون

    هي الدول التي اشتركت في مؤتمر أديس أبابا الأول، الذي عقد في مايو عام 1963، ووقعت ميثاق المنظمة في ذلك الشهر وتلك السنة، ثم صدقت عليه. وعدد هذه الدول 32 دولة أفريقية. وقد حضر مؤتمر القمة الأول ثلاثون دولة، إضافة إلى المغرب وتوجو.

·   الأعضاء المنضمون

    وهي الدول التي يُقبل طلب انضمامها للمنظمة، بعد إعلان استقلالها. ذلك أن ميثاق المنظمة وضع شروطاً موضوعية، لقبول الدول أعضاء في المنظمة.

1. شروط العضوية

أ. أن يكون طالب الانضمام دولة

    إن منظمة الوحدة الأفريقية منظمة دولية، ولهذا لا تقبل في عضويتها إلاّ الدول. وهذا يعنى أن تكون الدولة مستقلة، ذات سيادة. وبذلك استبعدت المستعمرات والأقاليم، التي لم تستقل بعد، أو الحكومات المؤقتة الموجودة في المنفي، وذلك رغبة في التشبه مع غيرها من المنظمات الإقليمية، التي قامت في أوروبا أو أمريكا أو المنطقة العربية. ولكن الميثاق لم يتعرض لشروط هذه الدولة، أو نظامها السياسي أو الاجتماعي. واقتصر على أن تكون سياسة هذه الدولة، متفقة مع الأهداف والمبادئ العامة للميثاق. وبذلك استبعدت كل من جنوب أفريقيا وروديسيا، لأنهما يمارسان سياسة التفرقة العنصرية.

ب. أن تكون دولة أفريقية

    لا يجوز لأي دولة غير أفريقية الانضمام للمنظمة الأفريقية، حتى تحتفظ المنظمة بصفتها الأفريقية خالصة. ولكن كلمة "أفريقية" لها مدلول جغرافي معين، قصده واضعو الميثاق، وأكدته المادة الأولى، وهو الالتزام الذي أخذ به المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، إذ حدد في قراره الصادر في 29 أبريل عام 1958، الخاص بإنشاء اللجنة الاقتصادية، أن نطاق عمل اللجنة هو أفريقيا ومدغشقر والجزر المجاورة، على أساس أن هذه الجزر تمثل امتداداً جغرافيا للقارة. وقدّر عدد هذه الجزر، يوم أُعلن ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، بأربع وعشرين جزيرة، أو مجموعة جزر، تتكون من:

(1) الجزر الأفريقية الواقعة تحت السيطرة البريطانية

    اسنشيون، وسانت هيلين، ومافيا، وبمبا، وسوكونواتوستان داكوما، وزنجبار (اتحدت مع تنجانيقا مكونة دولة تنزانيا)، وجوه، وسيسيل، وامبرانت، ورودريجس، ومورشيوس (استقلت في عام 1968 وانضمت للمنظمة الأفريقية).

(2) الجزر الأفريقية الواقعة تحت السيطرة الفرنسية

باسادواندسيا، وريونيون، وأرخبيل كومورس (جزر القمر).

(3) الجزر الأفريقية الواقعة تحت السيطرة البرتغالية

برنيسيب، ساوتوم، وجزر الرأس الأخضر، وماديرا، وأرخبيل بيجادوس.

(4) الجزر الأفريقية الواقعة تحت السيطرة الأسبانية

    انابوا، كنارى (تعتبرها أسبانيا ولاية أسبانية وسكانها أسبانيون)، وفرناندوبو (استقلت بعد اندماجها مع غينيا الاستوائية).

ج. أن تكون الدولة الأفريقية مستقلة وذات سيادة

    يجب أن تكون الدولة الأفريقية، طالبة الانضمام لعضوية المنظمة، مستقلة ذات سيادة، لأن الدولة المستقلة هي، التي تستطيع تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في الميثاق، ولا يشترط أن يكون الاستقلال كاملاً بل يكفي أن يكون قد اعتُرف بوجودها كدولة ذات سيادة، من جانب عدد كبير من الدول.

د. الشروط الشكلية

(1) أن تتقدم الدولة راغبة الانضمام، بطلب إلى الأمين العام للمنظمة، لأن الانضمام للمنظمة اختيارياً وليس إجبارياً.

(2) أن توافق الدول الأفريقية بالأغلبية المطلقة، على قبولها.

2. أسلوب الانضمام لعضوية منظمة الوحدة الأفريقية

أ. على الدولة المستقلة ذات السيادة، التي ترغب في الانضمام لمنظمة الوحدة الأفريقية، أن تُقدم طلبها إلى الأمين العام الإداري للمنظمة في أي وقت.

ب. يُرسل الأمين العام، عقب تسلمه لطلب الانضمام، نسخة من الطلب إلى جميع الدول الأعضاء، لإبداء رأيها حول قبول هذه الدولة لعضوية المنظمة.

ج. تفحص الدول الأعضاء الطلب، ثم تُبلِّغ قرارها في هذا الشأن، إلى الأمين العام.

د. عندما يتلقى الأمين العدد اللازم من الأصوات المؤيدة للانضمام، يُبلِّغ قرار القبول للدولة المعنية، التي تصبح عضواً فور موافقة الأغلبية المطلقة على طلبها.

3. الاختلافات في أسلوب الانضمام لعضوية المنظمة الأفريقية، عنه في المنظمات الأخرى

أ. عند الانضمام للأمم المتحدة، يُقدم الطلب للأمين العام مصحوباً باستعداد الدولة لقبول كافة الالتزامات الواردة في الميثاق. ويحوّل الأمين العام هذا الطلب إلى مجلس الأمن، الذي يحوله بدوره إلى الجمعية العامة، التي لا تبت فيه قبل الإطلاع على تقرير اللجنة السياسية.

ب. بالنسبة للجامعة العربية، فإن الدولة العربية الراغبة في الانضمام، تتقدم بطلبها إلى الأمانة العامة للجامعة، حيث يُعرض طلبهما في أول اجتماع لمجلس الجامعة. ويلاحظ هنا أن الموافقة على الانضمام، تكون بالإجماع من المجلس. (اُنظر شكل العلاقة بين المنظمة والجامعة العربية)

ج. لم تشترط منظمة الوحدة الأفريقية أي قيود على العضوية، بالنسبة للدول أو الدويلات الصغيرة، سواء في المساحة أو عدد السكان، خلافاً لعصبة الأمم، التي توصلت إلى فكرة أن تشترك هذه الدويلات في اجتماعات الجمعية العمومية، من دون أن يكون لها حق التصويت، وسميت عضويتها بالعضوية الناقصة.

د. لم يفرض الميثاق الأفريقي عقوبة الفصل من المنظمة، على غرار ما جاء في ميثاق الجامعة العربية، أو ميثاق الأمم المتحدة، بل إن الميثاق الأفريقي لا يسمح بطرد أي دولة عضو من المنظمة، إلاّ إذا طلبت هي الانسحاب منها.

4. فقد العضوية أو الانسحاب، من منظمة الوحدة الأفريقية

    تضمّن الميثاق في المادة الثانية والثلاثين، الأحكام الخاصة بفقد العضوية، التي من شأنها عدم استمرار الدولة المنسحبة في عضوية المنظمة. ولم يتعرض الميثاق إلاّ لنوع واحد من فقد العضوية، وهو انسحاب الدولة الراغبة في ذلك بناء، على طلبها. ولم يفرض الميثاق أي قيود على ذلك، سوى أن التنفيذ لا يعتبر نافذاً إلاّ بعد مرور عام على تاريخ تقديم الدولة طلبها بالانسحاب. والحكمة من تأجيل التنفيذ لمدة عام هي:

أ. إتاحة الفرصة للدولة المنسحبة لتفكر في قرارها، أو ربما يؤدى تفكيرها، خلال هذه الفترة، إلى العدول عن الانسحاب، والاستمرار في المنظمة.

ب. أن تكون المنظمة قد تمكنت خلال هذه الفترة، من تعديل ميزانيتها المالية، بما يتماشى مع الوضع الجديد للمنظمة.

5. حقوق والتزامات الدول الأعضاء، في منظمة الوحدة الأفريقية

    توضح المادة الخامسة من الميثاق، أن كافة الدول الأعضاء في المنظمة، يتمتعون بحقوق متساوية، كما يتساوون في الواجبات.

أ. حقوق الدول الأعضاء

(1) أن تمثل في جميع الأجهزة الرئيسية، وأن ترشح لعضوية كافة اللجان الفرعية.

(2) يكون لها صوت واحد، في كافة الأجهزة واللجان.

(3) لها حق طلب عقد دورة استثنائية، لأي من مجالس المنظمة (بشرط أن يفوز هذا الطلب، بموافقة الأغلبية المطلقة للدول الأعضاء).

(4) ترشيح مواطنيها لوظائف المنظمة.

(5) الحصول على صور رسمية، من تصديقات الدول الأعضاء.

(6) الانسحاب من المنظمة، وفقاً لشروط ميثاق المنظمة.

(7) طلب تعديل الميثاق أو إعادة النظر فيه، طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة 33 منه.

 ب. التزامات الدول الأعضاء

(1) تنسيق سياساتهم العامة في الميادين التالية:

(أ) التعاون السياسي الدبلوماسي.

(ب) التعاون الاقتصادي، بما في ذلك النقل والمواصلات.

(ج) التعاون التربوي الثقافي.

( د) التعاون الصحي والرعاية الصحية والتغذية.

(هـ) التعاون في الدفاع والأمن.

(2) أن تطبق المبادئ الواردة في الميثاق (المادة الثالثة خاصة).

(3) الامتناع الكلى عن ممارسة أي نفوذ أو ضغط، على أي من موظفي الأمانة العامة للمنظمة.

(4) العمل على تسوية المنازعات، التي تنشأ بين الدول عن طريق الوساطة والتوفيق والتحكيم، أو عن طريق أي وسيلة سلمية أخرى.

(5) تتحمل كل دولة جزء من نفقات المنظمة، وذلك عن طريق ما تدفعه من حصة وفقاً للقواعد المحددة بالميثاق واللوائح الداخلية.

(6) التصديق على ميثاق المنظمة، وإيداع وثيقة التصديق لدى حكومة أثيوبيا.



[1] شكلت هذه اللجنة من السنغال، وتنجانيقا، وتونس، وساحل العاج، ومالي.