إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / تنامي الدور الإيراني، وتأثيره على الأمن القومي العربي





مواقع إيران النووية الأساسية
نظام ولاية الفقيه الملالي
الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة
التقسيم الإداري لإيران
التقسيم العرقي والطائفي




المبحث الثاني

المبحث الثامـن

تأثيـر المشروع النووي الإيراني على الأمن القومي العربي

تشق إيران طريقها نحو النادي النووي بالمفهوم الذي تتصوره من بوابة الغموض القائم على تأكيد أن إيران دولة نووية بالمعنى المدني، ونفي السعي إلى حيازة السلاح النووي. فالسياسة النووية الإيرانية المستندة إلى عنصر جوهري هو الغموض ، تنطلق من إستراتيجية واضحة لدى صناع القرار الإيراني تحديداً لجهة ما تريده إيران من برنامجها النووي. تتجلى براعة السياسة النووية الإيرانية من خلال فن توزيع الأدوار داخلياً، إذ إن الخطاب النووي الإيراني الذي يبدو متناقضاً حين يؤكد تارة على الالتزام بالمعاهدات الدولية وينفي وجود نية لتطوير أسلحة نووية، وتارة أخرى يلوح بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووى ومن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هو متكامل في آن واحد، لأنه في كلتا الحالتين يصب في مصلحة السياسة النووية.

فالخطاب الأول يسهم في تخفيف الضغوط، أما الثانى فيجعل من تسول له نفسه التفكير في إجهاض التطور النووي الإيراني يحسب ألف حساب لفعلته، وكلاهما يتيحان لإيران الوقت الذي تحتاج إليه حالياً من أجل بلوغ العتبة النووية. وهذه السياسة التي تتعامل مع المشروع النووي الإيرانى الذي ترغب إيران بإنشائه في منطقة الخليج العربى، وما يمثله ذلك من تهديد لأمن المنطقة من مخاوف على الصعيدين المحلي والعالمي، دعت الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل للتأثير لإيقاف هذا المشروع، أو المناورة للتغطية عليه ربما مكافأة لإيران على مساعدتها لأمريكا في حربها على أفغانستان والعراق. المهم أن سياسة إيران نتيجة لذلك تؤثر وتتأثر بتلك الأحداث الإقليمية، ولذلك يمكن تقسيم تلك الأحداث إلى قسمين أحداث إيجابية وأحداث سلبية.

أولاً: التأثيرات الإيجابية على السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط

يُعد التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر فتح منشآتها النووية لعمليات التفتيش الدورية التي تقوم بها الوكالة، أحد أهم التأثيرات الإيجابية على السياسة الإيرانية حتى الآن، كما أنها وقعت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT)، إضافة إلى البروتوكول الإضافي الملحق بالمعاهدة، الذي يلزمها بعدم السعي إلى امتلاك أسلحة نووية، والسماح للمفتشين الدوليين بالتفتيش المفاجئ لمنشآتها النووية، وكشف برامج تخصيب اليورانيوم، وتقديم قائمة بمستورداتها ذات الطابع النووي. وتسعي إيران من وراء هذا التوقيع للحصول على الغطاء القانوني لحصولها على التقنية النووية السلمية تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومن المتوقع أن تنحصر الآثار الايجابية في المستقبل على إيران النووية في ابتعادها عن المشكلات الداخلية في المنطقة، وذلك لإحساسها بالأمان النووي وشعورها بأنها أصبحت قوة عظمى، وأن معظم جاراتها دول إسلامية ترى من واجب تلك الدول على إيران تحقيق الأمن لها أو السعي في تحقيقه.

1. إمكان انضباط السياسة النووية الإيرانية

فيما يتعلق بمفهوم السياسة النووية، تجدر الإشارة إلى أنه لا تتوافر في الأدبيات النووية تعريفات محددة لهذا المفهوم تتجاوز الإشارة إلى مجموعة التوجهات الخاصة بامتلاك الأسلحة (أو القدرات) النووية واستخدامها، ولكن هناك عدداً من التعريفات المحددة التي تتعلق بالاستخدام الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري للطاقة النووية دولياً وإقليمياً ومحلياً. كما يمكن تعريفها في بعض الأحيان بأنها تلك التوجهات السياسية التي ترتبط بامتلاك أو محاولة امتلاك قوة أو قدرة تكنولوجية نووية، إضافة إلى سياسات تشكيل البيئة الدولية والإقليمية والمحلية الملائمة وإعدادها لتحقيق تلك التوجهات.

وقد تعبر السياسة النووية عن توافر الأساس السياسي لامتلاك القدرات والتكنولوجيات النووية، وإذا عدنا للدور الانضباطي للسياسية النووية وتأثير ذلك الانضباط على سياسة إيران الدفاعية، لأمكن دراسة ذلك من خلال تعرف الآتي:

أ. دور القدرات النووية في تقليص مخاوف إيران الأمنية

السلاح النووي سلاح ذو حدين، فقد يُستخدم لمنع نشوب حروب جديدة، وقد يؤدي إلى دمار شامل. وبين هذا وذاك يمكن لإيران تقليص تلك المخاوف في حالة امتلاكها للسلاح النووي، فبمجرد امتلاك السلاح النووي تشعر الدولة التي تملكه بعلو المكانة والإحساس بالاطمئنان الذي يمنحها الحرية السياسية جراء حصولها على القوة الرادعة. وفي حالة حصول إيران على السلاح النووي، فسوف يعطيها الثقة بنفسها بحيث تستطيع أن تُفعل الدبلوماسية أكثر مما هي عليه الآن، خصوصاً في قضاياها العالقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو على الصعيد الإقليمى والذى تبحث فيه إيران لنفسها عن مكانة أكبر ودور فاعل يليق بمطامحها الإقليمية.

ب. يمكن إيجاز بعض النتائج التي ستتوفر من دور القدرات النووية، في النقاط التالية:

(1) أن الرادع النووي سيتيح لإيران القدرة على منافسة القوى الإقليمية الأخرى، مثل إسرائيل، والهند، وباكستان، والسعودية، ومصر، والتي تنمو قدراتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية نمواً ملحوظاً، ومن ثم فإنه سيزيح عن كاهل الاقتصاد الإيراني العبء الفظيع الذى يرهقه، والذى يقود إليه استمرار السباق في قطاع الأسلحة التقليدية، خاصة مع مصر والسعودية، اللتين تسعيان لزعامة العالم الإسلامى الذى يتسم بأغلبيته السُنية.

(2) أن الرادع النووي يوفر لإيران درجة عالية من الشعور بالأمن، وبصورة تجعل من السهل عليها التمدد باتجاه الغرب، وهو الطريق السهل لها، حيث إنها محاطة بقوى نووية من الجهات الأخرى. وقد يكون هذا التمدد دون الحاجة للدخول في حروب تقليدية مع الدول العربية على ساحل الخليج العربى، ومن الشواهد على ذلك فرض سيطرتها على الجزر الإماراتية، وقد تكون المرحلة التالية البحرين، لا يستبعد أن تكون والخطوة التي تليها لبنان من طريق حزب الله.

(3) أن الإعلان عن امتلاك إيران مقدرة ردع نووية سيخلق مناخاً جديداً تصبح معه الحرب شيئاً مدمراً وفظيعاً لا يمكن احتماله، وهو ما سيضع حداً للنفوذ والتطرف الأمريكي أو الاسرائيلي في المنطقة، وبهذا تكون إيران قلصت مخاوفها من تنفيذ أطماعها.

2. إمكان التوازن مع القوى النووية في المنطقة

أ. تملك إيران أسبابها الموضوعية للسعي نحو بناء قدرة ردعية ممثلة في السلاح النووي، وذلك لغايات الحفاظ على مشروعها الثورى وأيدلوجيتها المحافظة، وحتى تجعل ذلك سبباً في صعودها الإقليمي، رغم أن البعض يعتقد أن مسألة الملف النووي الإيراني قد تسير باتجاه المقايضة مع الولايات المتحدة الأمريكية، سعياً وراء دور إقليمي مُعترف به من قِبل الغرب. ومسألة التوقيت في إبراز المشروع النووي الإيراني، تُعد دافعاً للإيرانيين نحو السير في مشروعهم، حيث تمر الولايات المتحدة الأمريكية بحالة دوار إستراتيجي ناجم عن أخطائها في العراق وأفغانستان وفلسطين وفى لبنان، وأخيراً ما تفعله في الصومال من دعم للحكومة الإثيوبية ضد المحاكم الشرعية، ما دفع السياسة الإيرانية نحو استغلال هذه الثغرات سيراً باتجاه انجاز الملف النووي الإيراني، وتحقيق أقصى ما يمكن من التوازن مع القوى النووية في المنطقة، والمتمثلة في إسرائيل.

ب. يرى المراقبون أن المسيرة النووية في المنطقة آخذه في النمو من خلال مؤشرات معلنة بأن انطلاقة واسعة في اتجاه امتلاك عدة دول في المنطقة برامج نووية مدنية قوية سوف تحدث تحولاً حقيقاً في شكل الإقليم، سواء فيما يتعلق بإعادة تعريف القوى المحورية فيه، أو هياكل اقتصادياتها أو توجهاتها التنموية، أو تطورها التقني، وربما علاقاتها البينية وتوجهات الرأي العام داخلها. لكن الأهم أن تلك التطورات ستكون لها آثار إستراتيجية مهمة قد تفتح الباب للتفكير بصورة مختلفة في كيفية التعامل مع القضايا النووية المعلقة، ليس عبر ما تتضمنه تلك التطورات من احتمالات عسكرية، وإنما مع ما تضغط في اتجاهه بشأن إعادة ترتيب الأوضاع النووية بين الدول على نحو يضمن استقراراً إقليميا حقيقياً من هذه الزاوية.

3. احتمالات إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية

أ. كانت معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية، لعام 1963، هي أول معاهدة دولية تتعامل مباشرة مع قضية منع الانشار النووي، ولكن سبق ذلك الدور الذي أسند إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التى أنشئت عام 1957، للرقابة على الأنشطة النووية لدولها الأعضاء، ولتعزيز التعاون العلمي في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية من خلال نظام الضمانات الخاص بالوكالة. ولكن نظام الضمانات ارتبط بدرجة كبيرة ببدء سريان معاهدة منع الانتشار النووى، منذ عام 1970، وما طرأ عليه من تطور بموجب البروتوكول الإضافى النموذجي لعام 1997. إلا أن محاولات إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية في حوالي 25 إقليماً دولياً، ونجاحها في أربع حالات تقريباً، هي أمريكا اللاتينية، وجنوب المحيط الهادي، وجنوب شرق آسيا، وقارة أفريقيا نسبياً، مَثَّل إطاراَ شديد الأهمية للتعامل مع مشكلات انتشار الأسلحة النووية على مستوى الإقاليم.

ب. يمكن القول إن نقطة البداية لمشروع إنشاء المناطق الخالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط أو في منطقة الخليج العربي تبدأ من المشروع النووي الإيراني، ولذلك يقرر بعض المختصين في الشؤون النووية أنه يبدو مما طرح حتى الآن من خلال التصريحات الرسمية والتحليلات الصحفية، أن هناك مشكلاً حقيقياً يواجه مشروع المنطقة الخليجية الخالية بوصفها حلاً جزئياً مطروحاً بعيداً عن الجدل الدائر حول إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط كله، إذ إن الصفقة المتضمنة في المشروع الخليجي أعقد من أن تُنفذ بثمن يمكن أن تقبله إيران، وسوف تحيط بها المشكلات من كل اتجاه إذا بدأت عملية تنفيذها بملامحها الحالية، فمن الممكن بكل يسر ملاحظة ما يلي:

(1) أن بعض التصريحات التي أحاطت بالفكرة تشير إلى ارتباطها بمفهوم المناطق اللانووية أكثر من ارتباطها بمفهوم المناطق الخالية من الأسلحة النووية، كما فعلت إيران ذاتها عندما طرحت تلك الفكرة، حتى قبل مصر عام 1974، وتهدف الأولى إلى منع النشاطات النووية كافة في المنطقة المعنية، وليس فقط منع انتشار الأسلحة النووية فيها. فهناك تصريحات بشأن مخاطر مفاعل بوشهر الأول وربما الثاني المجاور له لأمور تتعلق بمخاطر الحوادث النووية والتلوث الاشعاعي والنفايات النووية وكل ما يتعلق بالأمان النووي، ومعني ذلك أن توقف إيران برنامجها النووي السلمي، أو تقدم ضمانات صارمة بشأنه لن تكون كافية غالباً، فعلى الرغم من وجود ملامح لا نووية في كثير من المناطق القائمة، إلا أن تطبيقها عادة ما يكون الأكثر صعوبة.

(2) أن مفهوم المنطقة الخالية من الأسلحة النووية لا يتعلق فقط بعدم امتلاك دول المنطقة المعنية للأسلحة النووية، وإنما عدم قيام الدول الكبرى بنشر تلك الأسلحة في نطاق المنطقة المقصودة، وعدم مرور السفن الحاملة للأسلحة النووية في مياهها، وعدم عبور الطائرات المؤهلة لحملها في أجوائها، وتعهد الدول الكبرى بعدم تهديد الدول الأطراف بالأسلحة النووية، وعدم استهداف منشآتها النووية السلمية، ومن ثم فإنه إذا قررت دول الإقليم عملياً إقامة تلك المنطقة سيكون عليها أن تتعامل أيضاً مع القوات الدولية الموجودة فيها بطلب إيراني. ومشكل كل ذلك، أنه حتى في حالة توافر التعهدات ستكون الضمانات التي تتيح التأكد منها مشكل في حد ذاته.

ج. ما يثار حول نوايا إيران النووية يرتبط بدافع رئيس هو مخاوف إيران من استهداف الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل لها بالأسلحة التقليدية، التي تمكنت ترساناتها المتطورة من إسقاط نظام "صدام حسين"، ومن هنا فإن إيران لا تخشى من أسلحة نووية خليجية مفترضة بعد أن انتهت قضية العراق، وإنما من الأسلحة الأخرى غير الخليجية. وعلى ذلك لن تقنع الصفقة بسهولة ويسر إيران التي تهمها أسلحة أخرى.

4. احتمالات ضبط السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

أ. إذا ما استعرضنا أهم ادوات الاستراتيجية الإيرانية في مواجهتها لضبط السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، نلاحظ تركيزاً إيرانياً على الأدوات الاستراتيجية العسكرية السياسية، والاقتصادية أي عناصر القوة الصلدة، مع تراجع أهمية الأدوات الأخرى الخاصة بالقوة اللينة مثل الأداة الثقافية، ويمكن أدخال ما أعلنته إيران مؤخراً من نجاح في تخصيب اليورانيوم على المستوى المنخفض أداة إستراتيجية للضغط على صانع القرار الأمريكي، لنقل التفاوض إلى دائرة أخرى تقترب من المطالب الإيرانية، وتسمح بأرضية جديدة لمساومة أفضل بالنسبة لإيران. وبعامة لا يمكن إنكار أن إيران تدير سياستها بكفاءة عالية، حيث إنها لا توصد الباب أمام إمكان إجراء الحوار، بل تدعو إليه.

ب. تدخل القدرة الإيرانية في التأثير على مسار عدة قضايا إقليمية مهمة بوصف ذلك أحد  محاور الضغط الإيرانية على الإدارة الأمريكية لضبط سياستها في الشرق الأوسط. ومما لاشك فيه أن المسألة العراقية تقدم كثيراً من الفرص للنظام الإيرانى، من أهمها وجود نفوذ إيراني في الجنوب الشيعي العراقي، بل يصل الأمر إلى إمكان القول بأن إيران باتت الآن قادرة على التأثير على العراق كله. فكثيراً ما يتم تناول الحضور الإيراني الخاص في هذه المنطقة على أساس أنه تدعيم لدور إيران الإقليمي في محاولته لموازنة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.

ج. ومع كل ذلك فقد بدأ اجماع داخلي إيراني حول هيكلية وتجذر الخلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية، والشك الذي لا ينقطع في نوايا واشنطن تجاه النظام الإسلامي في إيران، إلا أن تداخل المصالح وتطور الأحداث يفرض التفاوض ولو في حده الأدني، مع استبعاد فكرة الحوار الاستراتيجي الشامل، على الأقل في هذه المرحلة. وفي إطار محدودية الانفتاح المقترح بين الدولتين يمكن رصد درجات متباينة من الانقسام الداخلى وعدم وحدة الرؤى والمواقف الداخلية لكل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية تجاه شكل العلاقات الأمريكية - الإيرانية الواجب توافرها لتحقيق مصالح كل دولة. وبسبب تذبذب الاتجاهات الداخلية اتسم المزاج العام الداخلي بعدم الثبات فكثيراً ما يبدو تبادل ردود الأفعال بين الطرفين، فتارة يكون الرفض من إيران، وتارة أخرى من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي السمة التي تسهم في زيادة تذبذب مسار العلاقات الإيرانية - الأمريكية.

د. يمكن تلخيص أهم المشكلات العالقة بين البلدين بأنها تنحصر في معركتين هما:

(1) معركة امتلاك القوة: وهي المتمثلة بمحاولة منع إيران من أي احتمال قد يقود إلى تطوير قدراتها العسكرية ولا سيما النووية.

(2) معركة المعرفة: وهي المتمثلة بأعطاء الدروس لإيران وفق اعتقاد سائد لدى بعض الدول والتيارات السياسية ولمختلف الدول النامية، بأن امتلاك العلم والمعرفة والتحكم بآليات التنمية هو أمر مشروط بالتبعية للغرب، وفي حدود ضيقة.

ثانياً: التأثيرات السلبية للسياسة الإيرانية في الشرق الأوسط

1. احتمالات التهديد الإيراني لأمن المنطقة العربية 

إن مشكل المرحلة الحالية يتمثل في أن الخطر الإيراني - من وجه نظر دول عربية رئيسة - هذه المرة لا يُعد مجرد تهديداً لمصالح الدول أو أمنها بالمعنى المفهوم، وإنما أصبح حقيقة فإيران، وفقاً لتقديرات معينة، تقوم بالاستيلاء على العراق، وتدعم نفوذها داخل بعض الدول العربية كلبنان استناداً على قوى سياسية مرتبطة بها، وتتوغل بقوة في الشأن الفلسطيني الداخلي، وترى أن قدرتها على ازعاج الدول المجاورة لها داخلياً ورقة قوة، وتسعى لامتلاك أسلحة نووية مقلقة بالنسبة لدول المنطقة، وتطرح نفسها قوة إقليمية عظمى لديها تصور بشأن حالة الإقليم، يمكن التفاوض حوله مع الولايات المتحدة الأمريكية.

المتابع لأحداث المنطقة يجد ان هناك أسساً لكل ذلك، فهناك معلومات محددة حول المدى الذي وصلت إليه التأثيرات الإيرانية داخل العراق، وتصورات أخرى بشأن الاندفاع في تدعيم العلاقات الإستراتيجية بين سورية وإيران، وبيانات حول قيام إيران بتطوير قدرات حزب الله في لبنان، أو إقامة علاقات مع قوى داخل اليمن. إضافة إلى ذلك فقد بدت قضية البرنامج النووي الإيراني وكأنها "أزمة دولية" تجري على ساحة الشرق الأوسط، فقد كانت اللقاءات والاتصالات المتعلقة بإداراتها تُجرى بين إيران وأطراف غربية مختلفة، وبدا ان أدوار روسيا والصين في التعامل معها أكثر تأثيراً من أدوار أطراف الإقليم، كما كانت الأطر المطروحة لحلها تستند على حسابات متعلقة بمصالح الدول الكبرى وما يُسمي "الأمن الدولي"، وبدا أن أطراف الإقليم، في الوقت نفسه، غير معنية ظاهرياً بما يدور وأنه ليس لديها اتصالات أو "صيغ" تستند على تقديراتها الخاصة بتأثير أو انعكاسات تلك القضية على أمن الإقليم، على الرغم مما يلي:

أ. أن تلك المشكلة ستفرز تأثيرات شديدة الأهمية على الأمن القومي العربي، سواء حُلت بالوسائل السلمية، أو أدت إلى صدام مسلح بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. فامتلاك إيران برنامج نووي أو التوصل إلى صفقة عامة بينها وبين الدول الكبرى أو نشوب حرب على ساحة الإقليم، سوف يغير بعض ملامح خريطة المنطقة.

ب. أن الرد الإيرانى قد يأخذ أشكالاً عديدة، منها أن تقوم إيران من طريق حزب الله بقصف عشوائى لإسرائيل ما قد يؤدي إلى تصاعد العنف بين إسرائيل والدول المجاورة (سورية ولبنان). ومن ناحية أخرى قد تقوم إيران بضرب القواعد الجوية والقطع البحرية الأمريكية في دول الخليج العربية من خلال استخدام صواريخ أرض/ أرض، وهو الأمر الذي ينذر باحتمال أن تتحول المواجهة المباشرة المتوقعة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب إقليمية عواقبها عديدة، منها دفع إيران إلى إغلاق مضيق هرمز ما يعوق تدفق النفط الخليجي إلى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن أنها قد تستهدف السفن الأجنبية الأمر الذي من شأنه التأثير على حركة الملاحة في الخليج، ومن ثم على استقرار الأسواق النفطية، وهو ما سوف يؤثر سلباً على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد أساساً على النفط مصدراً مهماً للدخل القومي. ومن ناحية ثالثة قد تستهدف إيران المصالح الأمريكية في المنطقة، سواء كانت سفارات أو شركات أو مصانع أو حتى أفراد.

2. التهديدات المباشرة لأمن دول الخليج العربية

أ. مما لا شك فيه أن امتلاك إيران لأسلحة نووية من شأنه التأثير على استقرار منطقة الخليج من زاويتين:

·   الأولى تكريس الخلل القائم في موازين القوى: حيث إن حقائق الجغرافيا السياسية تشير إلى أن القوة الإيرانية الحالية إذا ما أرادت أن تتجه فإن مسارها لن يكون الشمال أو الشرق، ففي الشرق هناك القوى النووية الآسيوية الكبري "الهند وباكستان والصين"، وفي الشمال هناك روسيا، ومن هنا فإن إمكان التمدد المتاح لإيران
هو في الغرب.

·   الثانية إمكان نشوب صراع عسكرى بين إيران والأطراف المعنية بالقضية النووية: تنعكس آثاره على المنطقة، خاصة أن هذا البديل ليس مستبعداً من إستراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الملف النووي الإيرانى، حيث أكد على ذلك الرئيس الأمريكى في أكثر من مناسبة بالقول: "لا نستبعد الخيار العسكرى لتسوية الملف النووى الإيرانى".

وتتركز هذه الأخطار في الشؤون الآتية:

(1) تصاعد نفوذ إيران الإقليمي بعد سقوط نظام صدام

يقول "كينيث كاتسمان" في تقريره، الذي قدمه لهيئة "خدمات البحوث بالكونجرس"، وهي إحدى هيئات دعم القرار بالكونجرس الأمريكى، "إن معظم دول الخليج تنظر بحذر إلى محاولات إيران جذب دعمهم الإقليمي لنظام أمني جديد تحت قيادة طهران، وما زالت تلك الدول تشارك الولايات المتحدة الأمريكية قلقها من نوايا إيران خوفاً من أن تسعى طهران في المستقبل لاستخدام برنامجها النووي أداة تهديد ضد دول مجلس التعاون الخليجي". ويشير التقرير إلى أن دول الخليج قامت هذا العام بتجديد مباحثاتها مع واشنطن حول توسيع المبادرات الدفاعية المشتركة التي قل شأنها في الأعوام السابقة. كما ذكر "كاتسمان" أن العديد من الخبراء الأمريكيين يتوقعون مساعدة دول الخليج لدعم أى هجوم أمريكي محتمل ضد إيران، رغم المخاوف من ردود الفعل الإيرانية ضد الحكومات الخليجية في تلك الحالة.

(2) تزايد مطالب الرعايا الشيعة بالخليج نتيجة صعودهم للحكم بالعراق

ورد في التقرير أن العديد من دول الخليج خصوصاً المملكة العربية السعودية والبحرين، تخشي تأثير صعود الأحزاب الشيعية للحكم بالعراق على الاستقرار الداخلي ببلادهم، حيث إن الأنظمة بدول الخليج العربية تشعر بأن نجاح الأحزاب الشيعية بالعراق، مثل المجلس الأعلي للثورة الإسلامية، وحزب الدعوة الإسلامية، شجع المجتمع الشيعي بالبحرين والسعودية على فرض مطالب جديدة على حكوماته سعياً لتوسيع حقوقهم السياسية ودورهم في الحياة الاقتصادية (اُنظر جدول نسبة السكان الشيعة في دول منطقة الخليج العربي).

(3) مخاوف من انتقال المعركة من العراق إلى دول الخليج

يذكر التقرير أن هناك حالة من القلق داخل الأنظمة الخليجية بسبب العنف الدائر بالعراق، حيث إن بعض المصادر تزعم أن عناصر سنية عراقية نجحت في الأعوام الماضية في التسلل إلى الدول الخليجية المجاورة، بما فيها الكويت، للثأر من الحكومات المتحالفة مع واشنطن أو من القوات الأمريكية الموجودة في تلك الدول. كما أن هناك قلقاً من تزايد وتيرة تلك العمليات بعد أن قررت الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من العراق.

ج. سياسة الابتزاز النووي المحتملة للدول العربية 

تتمثل سياسة الابتزاز هذه في التصريحات السياسية المصاحبة للنشاطات النووية الإيرانية، والتي لا تشير أي إشارة إلى أن ما أُنجز في إيران هو برنامج نووي مدني يرتبط بمجرد إنتاج الكهرباء، فهناك حالة صاخبة من الدعاية السياسية الخاصة بتحول إيران إلى قوة نووية كبرى تحمل الرقم (8)، تُمثل في عمليات التخصيب واندفاع غير تقليدي في اتجاه رغبة معلنة في ممارسة دور ما يسمى "قوة إقليمية عظمى" تعمل لمواجهة قوى الشر في العالم، مع تصحيح الأخطاء التاريخية، والوقوف في مواجهة دول الطغيان، ومحاولة دفع الولايات المتحدة الأمريكية للاعتراف بإيران بتلك الصفة. ولم تتوقف سياسة الابتزاز هذه عند مسألة التصريحات السياسية، وإنما ممارسات فعلية على ساحة الإقليم، تتمثل في سلسلة متواصلة من المناورات العسكرية، واختبار الأسلحة الصاروخية، والتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية تدخلاً حاداً، دون التنسيق مع الأطراف الأخرى أو مراعاة مصالحها، إضافة إلى العمل المباشر داخل العراق. ومن هنا ارتبطت المخاوف العربية من القدرات النووية الإيرانية، بما يتجاوز كونها تهديداً دفاعياً، إلى كونها تهديداً للاستقرار السياسي داخل الدول (اُنظر جدول قائمة بالدول الاعضاء في النادي النووي)

د. سيناريو أسوأ حالة بالنسبة للدول العربية

إن مخاطر امتلاك إيران للسلاح النووي متعددة منها، ثمة انزعاج حقيقي لدي كثير من الحكومات العربية من امتلاك إيران للأسلحة النووية، نظراً لأن الأمر يرتبط بالتوازن الإستراتيجي على صعيد المنطقة العربية عامة، ومنطقة الخليج خاصة. ومنها أن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيؤكد ظاهرة عدم امتلاك العرب وحدهم لهذا السلاح، وأنهم باتوا مهددين بمخاطر نووية لا خطر نووي واحد، إذ أنهم ومع عدم المساواة لدي البعض بين مخاطر إسرائيل نووية وإيران نووية - دون عرب يملكون نفس النمط من التسليح - يجعل العرب في مواجهة مخاطر التمدد من كلا الدولتين في الداخل العربى، وأمام سيطرة إقليمية على المنطقة لا سيطرة دولية فقط.

هـ. احتمالات نشوب حرب أمريكية إيرانية في المنطقة

الموقف الأمريكي حيال إيران يستمد مقوماته التصعيدية من أكثر من مجال، فالمسألة النووية الإيرانية لا تنحصر في إطار النزاع حيال الخيارات والحقوق الوطنية، ولا تتعلق بهيبة الولايات المتحدة الأمريكية، بل تتعدى ذلك لما يمكن أن ينتج عنها من تأثيرات جسيمة في مجال الاستقرار الإقليمي والحروب المستقبلية، إذ إن امتلاك الجمهورية الإسلامية القنبلة النووية سيفتح أمامها أبواب استعراض القوة والردع الإستراتيجي، وربما الابتزاز السياسي، ويتيح لها القدرات لممارسة الضغوط المباشرة وغير المباشرة على دول الجوار وتهديدها، لتحقيق أهداف وغايات لا يمكن بلوغها من دون حيازة أسلحة الدمار الشامل. إلى ذلك فإن سعي إيران إلى امتلاك السلاح النووي يمثل تحدياً مباشراً لمجمل جهود منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، ويثير المخاوف من كيفية تعامل النظام الإيرانى مع مثل هذا التطور ونتائجه المباشرة على أمن منطقة الخليج، التي تختزن أكثر من 66% من احتياط النفط العالمي و37% من احتياطي الغاز.

إلا أن المشروع النووى الإيرانى لا يمثل العامل الوحيد للقلق الأمريكي، بل المدي الذي بلغته إيران في التدخل في شؤون الشرق الأوسط الكبير، وفي تخريب المشروع الأمريكي فيه. فمن افغانستان إلى العراق الى الأراضي الفلسطينية ولبنان، بات النظام الإيراني بما يملك من امتدادات وعبر رعايته المباشرة للتنظيمات المناهضة لواشنطن، يمثل مصدر الخطر الأكبر على الحضور الأمريكى بشقية العسكري والسياسي، وبات يهدد بتعديل موازين القوى في الشرق الأوسط لمصلحة المحور المتطرف، كما أظهرت حرب يوليه الماضية في لبنان. ومن هنا نخلص إلى أن المواجهة التي بدأت تلوح في الأفق ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر المرتبط بها وبين إيران وامتدادتها في المحور المتطرف لن تكون مشابهة لأي مواجهة عسكرية عرفها العالم حديثاً، سواء كان ذلك في حرب الخليج الأولى، أو في كوسوفا، أو في العراق. فالحرب المقبلة إذا وقعت ستكون مختلفة في مسرحها الجغرافي المتمادي وفي المتورطين فيها وفي وسائلها وأسلحتها وفي حجم العنف المرافق لها، وأخيراً في تداعياتها السياسية والأمنية.

و. الاستهداف المباشر لأمن دول الخليج العربية

(1) أن سعي إيران لامتلاك سلاح نووي لا يقتصر على أن هذا السعي يمثل وجه العملة الآخر لمطامح الإيرانيين وتطلعاتهم لدور رئيس في هذه المنطقة، بل ويتعداه إلى أن التسلح النووي لأي دولة في العالم يقترن في ظل اختلال موازين القوى بانتعاش ظاهرة الإرهاب.

(2) أن امتلاك إيران لقدرات نووية في المجال العسكرى يسبب القلق وعدم الاستقرار في هذه المنطقة، رغم كل الرسائل الإعلامية اللطيفة التي تحرص طهران على إرسالها إلى عواصم دول هذه المنطقة، كلما ارتفع منسوب التحديات المتبادلة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية.

(3) عندما يسمع العرب عامة، وأبناء الخليج خاصة، ما يصدر من تصريحات مهددة متوعدة من بعض القيادات الدينية والسياسية الإيرانية، فإن لديهم كل الحق في أن تراودهم وساوس ومخاوف تجاه احتمال أن تمتلك إيران السلاح النووي، وأن معهم كل الحق في أن يشعروا أنهم مهددون بالاستثمارات الهائلة في بلدانهم وبرخائها الاقتصادى، وأيضاً بأمنها واستقلالها واستقرارها.

(4) عندما تسمع شعوب هذه المنطقة وأنظمتها ودولها أيضاً متشدداً إيرانياً يدعو إلى تصدير الثورة وهو يشير بيده نحو منطقة الخليج، فإنه أمر طبيعي ألا يتردد هؤلاء في البحث عن حماية خارجية، حتى وإن كانت هذه الحماية المطلوبة هى حماية الولايات المتحدة الأمريكية، وحتي إن اقتضي الأمر اعطاء تسهيلات وقواعد للقوات الأمريكية. وفي هذا كله عدم استقرار، ويؤدي إلى زعزعة الأمن وإلي انتعاش الإرهاب في منطقة يمثل الأمن المطلب الرئيس لشعوبها واستثماراتها ونهضتها الاقتصادية والثقافية والحضارية.

ز. تهديد الأهداف الإستراتيجية في منطقة الخليج

بادئ ذي بدء يجب علينا أن نحدد الأهداف الإستراتيجية في منطقة الخليج، والتي يمكن أن تنحصر في المدن الرئيسة، والمطارات، ومحطات تحلية المياه، وعقد المواصلات، والتجمعات السكانية، والسدود. وبالمقارنة بما لدي إيران من قدرات صاروخية نجد أن جميع هذه الأهداف تقع في مدايات تلك الصواريخ، ومن ثم أصبح بمقدور إيران تهديد أياً من هذه الأهداف واصابته إصابة مؤثرة، ولذلك يجب أخذ التهديد الإيرانى على محمل الجد.

ح. استهداف حقول النفط في منطقة الخليج

الهدف الإستراتيجي الآخر هو حقول النفط، وما يميز هذا الهدف عن غيره من الأهداف الاستراتيجية الأخرى، أن تأثيره على الاقتصاد العالمي أكبر، حيث إن استهدافه يمكن أن يغير في مجريات الأمور على الساحة الإقليمية والدولية، وقد تدخل دول أخرى في الصراع وتزيد الأمور تعقيداً، وتؤدي إلى تطور الأزمة وينقلب الوضع من إقليمي إلى عالمي، وتصبح حرباً عالمية. وهو ما تسعى إيران إليه، بل وتراهن عليه، ومن ثَّم لن تتردد إيران من استهداف حقول النفط مع أول طلقة تُطلق باتجاهها للأسباب التالية:

(1) سهولة استهداف مصافي النفط لكبر حجمها وإمكان تدميرها.

(2) قرب حقول النفط ومصافي النفط من إيران، لكون معظم هذه الأهداف تقع على الخليج العربى.

(3) وجود صواريخ أرض/ أرض بحوزة إيران، والتي بإمكانها الوصول إلى جميع الأهداف المستهدفة.

(4) إمكان استخدام العملاء للقيام بهذه المهمة.

(5) تدمير هذه الأهداف الاستراتيجية له تأثير مباشر على الاقتصاد العالمي، وإمكان إقحام أقطاب أخرى لايقاف المعركة أو لتخفيف الضغط على إيران.

ثالثاً: الاستهداف غير المباشر لدول الخليج العربية

إن نوايا إيران ربما لا تتجه بالفعل نحو الدول الخليجية مباشرة، إذ إن المؤكد هو أنها لا تفكر حالياً سوى فيما تعده الشيطان الأكبر الذي أصبح على حدودها من الشرق والغرب، ولكونها تمتلك القدرات الصاروخية الاستراتيجية التي تسمح لها بضرب القوات الأمريكية في العراق وافغانستان والخليج، وتستطيع ضرب القوات البحرية الغربية بصواريخ مضادة للسفن، وإغلاق المنافذ البحرية بالألغام المضادة للسفن، ما قد يؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة، وهو استهداف غير مباشر لدول الخليج العربية.

1. استهداف القواعد الأمريكية في منطقة الخليج

إن إيران أكبر بكثير من مجرد قوة نووية محتملة، فهي بلد ذو قاعدة إنتاج عريضة وذو تاريخ في إخفاء نشاطاته يعود إلى أيام الشاه، حتى لو استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية وقف برنامج التسلح النووي الإيراني لبعض الوقت، فسيتطلب الأمر خطة قصف متكرر لتعطيل المجهود الإيراني بكاملة. ومن الأسهل بكثير إخفاء برامج الأسلحة البيولوجية عن برامج الأسلحة النووية. كما أن إيران تستطيع الرد بقصف مضاد على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الخليج وإسرائيل باستخدام طرق مختلفة، كما أن لإيران أيضاً قدرة على القتال لوقت طويل وشن حروب استنزاف.

وبدراسة الاستراتيجية العسكرية التي لا يمكن تجاهلها، فإنه حتى لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الهدف بالنسبة لإيران، فإن طهران ليست لديها القدرة على ضرب الأراضى الأمريكية، وإنما تهديد مصالحها في المنطقة (اُنظر ملحق القوات العسكرية الأمريكية بالخليج العربية).

2. استهداف الممرات المائية في منطقة الخليج

يُعد استهداف الممرات المائية في منطقة الخليج من أبرز الأوراق التي تملكها إيران في حالة استهداف منشآتها النووية. وذلك من خلال سيطرتها على مضيق هرمز، الذي يسمي بؤرة الملاحة الدولية، حيث إنه من أهم الممرات البحرية الدولية لناقلات النفط، وتأثير ذلك على الاقتصاد الدولي وارتفاع أسعار النفط لمستويات لا يمكن التكهن بما تصل إليه في حالة فرض الحصار البحري على مضيق هرمز، وأثر ذلك على الملاحة الدولية، وما قد تسببه من منع مرور ما بين 15 – 16 مليون برميل يوميا من النفط، وهو ما يعادل 25% من إجمالي الطلب العالمي.

3. التأثيرات البيئية على نمط حياة الشعوب في منطقة الخليج

أدى انتشار القدرات النووية إلى بروز تأثيرات بيئية، كتلك الناجمة عن محطات الطاقة سيئة التصميم أو سيئة الإدارة، ومشكل تصريف النفايات النووية على النحو الذي طرح مشكلات مختلفة تتصل بالحوادث النووية أو التلوث النووى، كما ظهرت مشكلات تهريب المواد النووية أو الاستيلاء عليها والاتجار فيها، إضافة إلى الانعكاسات المحتملة لعدم الاستقرار السياسي أو الإقليمى عبر العالم بفعل الصراعات المسلحة الدولية والداخلية، فيما يتصل بالمساس بالمنشآت النووية.

4. المشكلات المحتملة للحوادث النووية

إن انشار القدرات النووية يؤدي إلى بروز مخاطر تتجاوز خطر امتلاك أسلحة نووية، تطرح أبعاداً إضافية يمكن تحديدها على النحو التالي:

أ. مخاطر سياسية

تتصل بالتوترات والضغوط السياسية التي يمكن أن تؤدي إليها حالة القلق إزاء احتمالات اتجاه الدول التي تمتلك قدرات نووية نحو إنتاج أسلحة نووية، بما يخلق حالة دائمة من الترقب الإقليمي أو الشكوك المتبادلة.

ب. مخاطر عسكرية

تتصل بطبيعة المنشآت النووية بوصفها أهدافاً حيوية، فقد تطرح احتمالات جادة للاعتداء على المفاعلات النووية في حالة الحرب أو التوترات الحادة، وتطرح أيضاً احتمالات إلقاء النفايات النووية المشعة لأغراض عدائية في حالات التوتر المسلح، وهو ما طرح مفاهيم مثل الأسلحة الاشعاعية والحرب الاشعاعية، وهي تهديدات كامنة في الأقاليم التي تشهد انتشاراً للقدرات النووية.

ج. مخاطر بيئية

تتصل بمجموعة من المشكلات التي يمكن أن تترتب على انتشار المنشآت النووية في منطقة معينة، مثل تسرب الاشعاعات النووية من المفاعلات والمرافق، أو دفن النفايات النووية علناً أو سراً، أو نقلها في ظروف غير مأمونة. وكل ما يتصل بمفاهيم الحوادث النووية أو الكوارث النووية، والتي لا تقتصر آثاره عادة على الدول التي تقع داخلها، وإنما تمتد إلى الدول المجاورة وحتى لأقاليم البعيدة فإن حدوث كارثة نووية يؤثر على أطراف عديدة في أماكن تبدو بعيدة.

د. مخاطر أخرى

هناك نوع من المخاطر المتصلة بانتشار القدرات النووية، ترتبط بأمن المرافق والمعدات والمواد النووية في الظروف العادية، وفي حالة وجود عدم الاستقرار السياسي داخل الدول على نحو ما طُرح خلال تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، وما ارتبط بذلك من مشكلات سيطرة على القوات والقدرات النووية. فقد طرحت نظرياً وعملياً مشكلات من نوع الاستيلاء على المواد أو المعدات النووية أو تهريبها، من قبل عناصر أو جماعات مختلفة للاتجار فيها أو استخدامها وفقاً لمفاهيم مثيرة، مثل السوق النووية السوداء أو الإرهاب النووي.

وعلي ضوء ذلك تُعد دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة الدول التي سوف تُصاب بالضرر المباشر جراء الأسلحة النووية الإيرانية، حيث يقع مفاعل بوشهر، الذي يُعد أحد أهم مرافق المشروع النووى الإيرانى، على الجزء الغربي من الخليج العربي، ويعتمد هذا المفاعل بصفة أساسية على تقنيات مستوردة من روسيا التي لا تملك عناصر الأمان النووي المضمونة ومن ثم فإنه في ظل الحظر الغربي على الآلات والمعدات التي تستخدم في الصناعة النووية، فإن إيران قد تسعي لانجاز تسلحها النووى وإتمامه باعتماد آلات نووية أقل ضماناً، ومن ثم تصبح دول الخليج في مرمى الخطر إذا ما حدث تسرب.

5. مشكلات النفايات والمياة في منطقة الخليج

التلوث البيئى مُصطلح يعني بكل الأنماط التى بها قد يتسبب بها النشاط البشرى في إلحاق الضرر بالبيئة الطبيعية. وقد يكون التلوث غير منظور بدون رائحة أو طعم أو لون، وبعض أنواع التلوث قد لا تتسبب حقيقة في تلوث اليابسة والهواء والماء، ولكنها كفيلة بإضعاف متعة الحياة لدي الناس والكائنات الحية الأخري، ويؤدي استخدام الطاقة النووية إلى إنتاج النفايات ذات الفعالية الإشعاعية العالية، فبعد أن انشطار معظم اليورانيوم - الوقود المستهلك - يُزال من المفاعل ويُخزن في بحيرات تبريد، هذه البحيرات تمتص حرارة الوقود المستهلك وتخفض درجة إشعاعيته، ثم تعاد معالجته من أجل استرجاع اليورانيوم والبلوتونيوم غير المنشطرين واستخدامهما من جديد وقوداً للمفاعل. وينتج عن هذه العملية نفايات ذات فعالية إشعاعية عالية المستوي (HLW)، تعاد معالجة الوقود المستهلك روتينياً في مفاعلات برامج الدفاع لاستخدامه في إنتاج الأسلحة النووية. ووفق ما ذكرته وكالة حماية البيئة (EPA)، فإن النفايات عالية الإشعاعية (HLW) الناجمة عن برامج الدفاع تمثل أكثر من 99% من إجمالي حجم (HLW) في الولايات المتحدة الأمريكية. وإن كلاً من فرنسا وبلجيكا وروسيا والمملكة المتحدة تملك وحدات خاصة بها لإعادة معالجة الوقود المستهلك، وتستخدم اليابان الوقود المُعاد معالجته في أوروبا. ووفق ما ذكرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، فإن تقديرات نهاية عام 1997 تشير إلى أن كمية الوقود المستهلك الناجم عن مفاعلات الطاقة التي تخزن عالمياً، والتي تزيد على 130 ألف طن، تحتوي قرابة ألف طن من البلوتونيوم، كما أن بعض العناصر الموجودة في الوقود المستهلك وفي النفايات مثل عنصر البلوتونيوم، هي ذات فعالية إشعاعية عالية، وتبقي كذلك لآلاف السنين. ولا يوجد حالياً نظام آمن للتخلص من هذه النفايات، وأن الخطط المقترحة للتخلص من النفايات عالية الإشعاعية وتخزينها لا تضمن حماية كافية للأفراد أو للمياه الجوفية من التلوث الإشعاعي.

بعد هذا العرض عن المفاعلات الغربية، والتي تعد أكثر أماناً من المفاعلات الروسية، فكيف بالتقنية الروسية خارج روسيا نفسها، وخصوصاً في حالة إيران التي لم يتوفر لها المناخ الآمن، بغض النظر عن المهارة التكنولوجية التي تفتقر لها، فسوف تؤثر على تلويث مياه الخليج العربى على النحو التالي:

أ. الثروة السمكية

لا شك أن دول الخليج دول نفطية بالدرجة الأولى، ولكن صيد الأسماك يُكَون مصدر رزق كبير لأفرادها وخصوصاً أولئك الذين يعيشون في المناطق الساحلية، بالإضافة إلى أن هناك شركات تقوم بمثل هذا العمل، وترى جميع دول الخليج العربية أن من واجبها حماية الثروة السمكية والمحافظة عليها.

ب. الحركة الملاحية

يُعد الخليج العربي من أشهر الممرات المائية في العالم وأي تعطيل للحركة الملاحية فيه يؤثر على الاقتصاد العالمى، ونظراً لهذه المكانة فإن دول الخليج توليه جل اهتمامها وبل وتعده هدفاً قومياً يجب المحافظة عليه، وفي حالة إصابته بأي تلوث نووى ستتوقف الملاحة البحرية فيه.

ج. شواطئ المدن المطلة على الساحل الغربي للخليج

لا تبعد هذه الشواطئ عن المفاعلات النووية الإيرانية، بل إن بعضها أقرب لمفاعل بوشهر من طهران نفسها، وهذا ما يزيد من قلق الدول الخليجية ومخاوفها من أن حدوث أي تلوث لمياه الخليج سيودى بحياة سكان هذه المدن الشاطئية.

د. محطات تحلية المياه

تُعد جميع دول الخليج العربية من أفقر دول العالم مائياً، ولذلك فهى تعتمد على تحلية مياه البحر اعتماداً كبيراً، وتلويث مياه البحر يعني شل هذه الطاقة وإصابة دوله بكارثة مائية.

ه. الحياة العامة

لا شك أن التسرب النووي سوف ينتقل من طريق الرياح، وهذا يتوقف على سرعتها واتجاهها، ما يجعل آثاره لا تقتصر على مياه البحر وإنما ستكون له آثار أخرى على البشر، من الموت، إلى التشوهات الخلقية، إلى ما سوى ذلك من أثار سيئة.

رابعاً: التصور الإيراني لأهمية العامل النووي في سياسة إيران الإقليمية

إيران دولة مستهدفة، إلا أن الحجج الإيرانية لامتلاك السلاح النووى يفوق ما هو مُعلن. فإيران دولة تحكم بأيديولوجية دينية، وهي تعد نفسها نموذجاً للحكم للدول الإسلامية، ومن ثم فهي تسعى لتطوير نموذجها ونشر أفكاره، وليس فقط الدفاع عن نفسها في مواجهة القوى التي تهددها، وهنا منبع الخطر الذي قد يهدد الاستقرار في الخليج والشرق الأوسط، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار النهج الثوري الذي يسير عليه "نجاد"، والرغبة في تصدير الأفكار الثورية وفقاً للنموذج الإيرانى. ومن هنا يظهر أهمية التصور الإيرانى للعامل النووي، وكيف يمكن أن يحقق لها مطامحها الإقليمية.

موقع القدرات النووية في تصور إيران لدورها الإقليمي

لم يعد هناك أدنى مجال للشك في سعي الجمهورية الإسلامية لامتلاك قدرات تصنيع السلاح النووي، مدفوعة بطموح جارف كي تصبح قوة إقليمية مهيمنة على الساحة الإسلامية، ومن ثم الارتقاء إلى مستوى الندية في التعامل مع الدول الكبرى. ولعل هذا الطموح بالذات هو ما يجعل الحالة الإيرانية مختلفة تماماً عن مثيلتها في كوريا الشمالية، فبينما تسعى الأخيرة إلى إكتساب القدرة النووية لترسيخ عزلتها عن العالم الخارجي والاستمرار في تطبيق سياساتها الداخلية المتشددة، تهدف إيران في المقابل إلى التمدد إقليمياً وترسيخ هيمنتها على المنطقة.

ولتحقيق تطلعاتها الإستراتيجية تراهن إيران على بروز تغيرات جذرية تمس موازين القوى في الشرق الأوسط، لذا تحاول طهران الاستفادة من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فضلاً عن توظيفها للورقة اللبنانية والسورية. وتحريك نفوذها في الخليج العربي، والأهم من ذلك استفادتها من تدخلها في العراق. ولا شك أن تضافر هذه العوامل مجتمعة من نزوع للهيمنة ورغبة في قلب الوضع الراهن في المنطقة، مصحوباً بتطوير برنامج نووى، أمر يدعو إلى القلق ويثير مزيداً من المخاوف.