إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / النزاع بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة، حول الجزر الثلاث






موقع الجزر الثلاث



المبحث الثالث

المبحث الثالث

موقف الدول الكبرى

أولاً: موقف الولايات المتحدة الأمريكية

أكدت الولايات المتحدة منذ بداية الأزمة، على ضرورة تسوية النزاع بشأن جزيرة أبو موسى بالطرق السلمية، وفي حديث لمساعد وزير الخارجية الأمريكي أمام الجمعية الوطنية للأمريكيين العرب في واشنطن، وصف إيران بأنها جار مشاكس بشكل متزايد، مشيراً إلى موقف إيران المتعنّت بتأكيد سيطرتها على جزيرة أبو موسى دون وجه حق.

صرح وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر خلال لقائه بوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد بالرياض في 27 إبريل 1994، التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن الخليج. وجاء في البيان الختامي لهذا اللقاء، أن وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزير الخارجية الأمريكي أعربوا عن تقديرهم البالغ لجهود دولة الإمارات العربية المتحدة الرامية لحل قضية الجزر الثلاث مع جمهورية إيران الإسلامية، وطالبوا إيران بالدخول في مفاوضات جادة مع دولة الإمارات لحل القضية.

وفي 8 مايو 1994، أعلن روبرت بيلليترو مساعد وزير الخارجية الأمريكي، أن الولايات المتحدة ستواصل فرض ضغوط اقتصادية على إيران لتغيير سياستها المتشّددة في النزاع مع دولة الإمارات حول جزر طنب وأبو موسى، ولتجعّلها جاراً صالحاً في المنطقة، من أجل استقرار الأمن في الخليج.

ثانياً: موقف الحكومة البريطانية

رداً على تصريح لرئيس مجلس الشورى الإيراني الذي جاء فيه "أن الجزر الثلاث تعود ملكيتها إلى إيران بموجب اتفاق تم توقيعه مع بريطانيا". نفى ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية أن تكون الحكومة البريطانية قد تفاهمت مع طهران لبسط سيادة إيران على جزيرة أبو موسى، وقال الناطق: "لقد رفضنا استعمال القوة ودعونا إلى حل سلمي للخلاف على هذه الجزيرة الإستراتيجية القريبة من مضيق هرمز، وعلى جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى القريبتين منها" وأضاف: "أن إيران والشارقة أبرمتا اتفاقاً بشأن جزيرة أبو موسى في عام 1971، بعد استقلال الإمارات عن التاج البريطاني، ويقضي الاتفاق باقتسام السيادة على الجزيرة، وأنه لم يحدث أي اتفاق عند الانسحاب البريطاني من الخليج عام 1971، على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأن هذا ما كانت الحكومة البريطانية في حينه قد أسفت عليه.

أعربت الحكومة البريطانية عند استقبال دوجلاس هيرد وزير الخارجية البريطاني وروجر فريمان وزير المشتريات في وزارة الدفاع البريطانية للشيخ حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الإمارات يوم 24 أكتوبر 1994، عن دعمها لموقف دولة الإمارات العربية المتحدة إزاء استمرار الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث منذ عام 1971، وتأييدها للإمارات في مطالبتها بإحالة هذا النزاع إلى محكمة العدل الدولية، بعد أن فشلت الجهود التي بذلتها دولة الإمارات لحل النزاع عن طريق المفاوضات الثنائية.

وفي اليوم التالي 25 أكتوبر 1994، أُعلن عن التأييد الرسمي البريطاني لموقف دولة الإمارات، بعد اجتماع اللجنة المشتركة بين الدولتين، مثل دولة الإمارات الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية، ووزير المملكة المتحدة برئاسة دوجلاس هوج وزير الدولة في وزارة الخارجية البريطانية.

وقد تجدّد الموقف البريطاني من دولة الإمارات تجاه مطالبتها بالجزر التابعة لها، خلال الاجتماع الذي عقد بمقر وزارة الخارجية بدولة الإمارات في العاصمة أبو ظبي في 31 أكتوبر 1994، بين وكيل وزارة خارجية الإمارات بالإنابة ومساعد وكيل وزارة الخارجية البريطانية المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط، والذي أكد دعم الحكومة البريطانية لدولة الإمارات في توجهها لإحالة الموضوع إلى محكمة العدل الدولية باعتبارها الجهة الدولية المخولة بحل النزاعات بين الدول.

ثالثاً: موقف جمهورية فرنسا

أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية دانيال برنار عن قلق حكومته إزاء الخلاف بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران على حق السيادة على جزيرة أبو موسى وعلى جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأكد على ضرورة العمل على إيجاد تسوية سلمية لهذا الخلاف، استناداً إلى الحوار وانطلاقاً من القوانين الدولية، في إطار احترام وسيادة الدول على أراضيها واحترام التعايش السلمي بين الدول. وإن أي عمل من جانب واحد من شأنه أن يؤدي إلى تدهور في العلاقات القائمة بين دول المنطقة، وينبغي بالتالي تجنبه('مذكرة هيئة الاستعلامات، وزارة الإعلام المصرية `دراسة حول الخلاف بين دولة الإمارات وإيران، إصدار خاص، 1992، `الأهمية السياسية للجزر`، ص 32.').

أعلنت الحكومة الفرنسية، أن فرنسا قد تولت رئاسة مجلس الأمن الدولي اعتباراً من 2 أكتوبر 1992، وأنها على استعداد كامل لتركيز جهودها لتنظيم حوار ومشاورات من خلال المنظمة الدولية حول مشكلة جزيرة أبو موسى.

في 4 نوفمبر 1994، أعلن ريتشارد دوكيه المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الفرنسية إلى وكالات الأنباء "إن موقف فرنسا واضح من هذه القضية، فقد أعربت فرنسا دوماً عن تأييدها للحل السلمي لجميع الخلافات، خاصة النزاعات المتعلقة بالأراضي والحدود وفق ميثاق الأمم المتحدة". وأضاف: "إن دولة الإمارات العربية المتحدة أعربت عن رغبتها اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لحل قضية الجزر، وأن فرنسا من جهتها تؤيد هذه المبادرة" ('أحمد جلال التدمري، الجزر العربية الثلاث ـ دراسة وثائقية `لمحة جغرافية عن منطقة الخليج العربي`، ص 363.').

رابعاً: موقف روسيا الاتحادية

أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الروسية أن موسكو تؤيد ضرورة استقرار العلاقات بين إيران وجيرانها العرب، وتطالب بحل النزاع حول جزيرة أبو موسى عن طريق الحوار، وتجنّب التصّرفات غير المسؤولة التي تضّر بمصالح دول المنطقة.

خامساً: موقف جمهورية الصين الشعبية

في 5 نوفمبر 1994، اجتمع نائب رئيس المجلس الوطني الصيني بوفد من أعضاء المجلس الوطني الاتحادي في أبو ظبي برئاسة الحاج بن عبدالله المحيربي رئيس المجلس، وأعرب الضيف الصيني عن تقدير بلاده وتأييدها لموقف دولة الإمارات بشأن موضوع الجزر، حيث قال:

"نحن نقدر كثيراً موقف دولة الإمارات من عدم اللجوء إلى القوة لحل هذه الخلافات، وكذلك الجهود التي تبذلها من أجل الحفاظ على الاستقرار في منطقة الخليج".

سادساَ: موقف وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي

طالب المجلس الوزاري المشترك الذي يضّم وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عند انعقاده بالرياض في 8 مايو 1994، إيران بالتجاوب مع مبادرة دولة الإمارات التي أعلنها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لحل قضية الجزر عن طريق المفاوضات وفقاً لبنود القانون الدولي والتعايش السلمي بين الدول.

سابعاً: الوساطة العربية والمفاوضات بين الدولتين

على هامش أعمال مؤتمر وزراء خارجية دول إعلان دمشق السادس والذي عقد بالعاصمة القطرية الدوحة يوم 9، 10 سبتمبر 1992، عرض وزير الخارجية السوري فاروق الشرع على الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وساطة الجمهورية السورية في الأزمة القائمة بين دولة الإمارات والجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن قضية الجزر الثلاث. وقد قبلت دولة الإمارات الوساطة السورية.

وصّل وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، إلى طهران في التاسع من سبتمبر 1992، ونقلت عنه وكالة الأنباء السورية ما يلي:

إنه يحمل رسالة من الرئيس السوري حافظ الأسد إلى الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني بشأن الوساطة السورية، لمحاولة تسوية النزاع بين دولة الإمارات وإيران حول ملكية ثلاث جزر صغيرة في الخليج العربي. وإن سورية تعتقد أن العلاقات الطيبة بين الإمارات وإيران ستمكن الدولتين من احتواء وتسوية هذا النزاع بالطرق السلمية. وإن الرسالة التي يحملها تؤكد على ضرورة تسّوية هذا النزاع سلماً ووفقاً للقانون الدولي والاتفاقيات الموقعة بين الدولتين.

وقد أُعلن في سورية عقب عودة وزير الخارجية السوري إلى دمشق، ما يلي:

1.  إن زيارة الشرع كانت مشجعة وأن إيران قبلت وساطة سورية في هذا الموضوع، وأبدت رغبة في تسّوية الخلاف بالطرق السلمية والحيلولة دون اتسّاع هوّة هذا النزاع.

2.  أظهرت الدولتان حرصّهما على الحفاظ على اتفاقية عام 1971 (مذكرة التفاهم)، والتي وقعت بين إيران وإمارة الشارقة قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وأن الجهود السورية ستتواصل لإنجاح هذه الوساطة وصولاً إلى حل سلمي لهذه الأزمة.

3.  إن وزير الخارجية السوري يحمل رسالة من الرئيس الإيراني إلى الرئيس السوري حافظ الأسد، رداً على رسالته الأولى إليه.

4.  أطلعت الجمهورية السورية دولة الإمارات العربية المتحدة على نتائج محادثات وزير الخارجية السوري في طهران يومي 19، 20 سبتمبر 1992، من خلال القنوات الدبلوماسية.

ولكن من العجيب ما قالته، بعد ذلك، في طهران صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية شبه الرسمية في العشرين من سبتمبر 1992 (أثناء زيارة فاروق الشرع لإيران)، أن إيران رفضت الوساطة السورية في مسألة جزيرة أبو موسى معتبرة أن سورية طرف غير محايد. وأن طهران تفضل إجراء مفاوضات مباشرة مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي فضّلت تسّوية المسألة عبّر وسيط، وأن إيران لا تعارض هذا الأمر شريطة أن يكون هذا الوسيط طرفاً محايداً، وليس مثل سورية، حيث أعلنت دمشق من قبل تضامنها مع دولة الإمارات، خلال اجتماع وزراء خارجية دول إعلان دمشق في الدوحة بتاريخ 10/9/1992، وكذلك خلال انعقاد المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في القاهرة بتاريخ 14/9/1992.

ثامناً: وقائع المفاوضات بين الإمارات وإيران

عُقدت جولة مباحثات ثنائية في مدينة أبو ظبي يومي 27، 28 سبتمبر 1992، بهدف التوصّل إلى تسّوية سلمية تفاوضية. مثَّل دولة الإمارات وفد دبلوماسي من وزارة الخارجية برئاسة سيف سعيد مساعد مدير عام مجلس التعاون بوزارة خارجية دولة الإمارات، وكان الوفد الإيراني برئاسة مصطفى فوميني حائري مدير إدارة الخليج بوزارة الخارجية الإيرانية.

عقد وفدا الإمارات وإيران جلسة المباحثات الأولى صباح الأحد 27 سبتمبر 1992، قدمت خلالها دولة الإمارات مذكرة طالبت فيها إيران بالانسحاب من الجزر الثلاث موضوع النزاع، وطلب الوفد الإيراني تعليق المفاوضات بعد ما يقرب من 45 دقيقة فقط من بداية جلسة المباحثات، ثم استؤنفت المفاوضات بعقد جلسة استمرت ساعتين ونصف الساعة، أعلن في نهايتها رئيس الوفد الإيراني رفض بلاده التفاوض بشأن جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى.

في الوقت الذي أعلنت فيه دولة الإمارات، في بيان رسمي، فشل المحادثات واستحالة استمرارها بسبب التعنت الإيراني (اُنظر ملحق بيان دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن المحادثات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية حول موضوع الجزر الثلاث)، زعمت وكالة الأنباء الإيرانية أن الطرفين قد اتفقا على تهيئة المناخ لعقد جولة أخرى من المحادثات في طهران. وأعلن السفير مصطفى فوميني رئيس الوفد الإيراني، أن المحادثات لم تستكمل بسبب الفشل في الاتفاق على جدول الأعمال، مشيراً إلى رفض بلاده مناقشة موضوع السيادة على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى.

أثار راشد عبدالله النعيمي وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة قضية الجزر الثلاث، خلال خطابه أمام الدورة السابعة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 30 سبتمبر 1992، مؤكداً استعداد بلاده لتسوية هذه القضية بالطرق السلمية المنصوص عليها في المادة (23) من ميثاق الأمم المتحدة.

تاسعاً: أسباب فشل المفاوضات بين الدولتين

وصفت مصادر إماراتية البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية الإيرانية حول المفاوضات بين الدولتين (اُنظر البيان الصادر عن وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن المباحثات مع دولة لإمارات العربية المتحدة حول جزيرة أبو موسى)، بأنه بيان إنشائي ملئ بالمغالطات التي لا يمكن قبولها، وأشارت إلى العبارة التي وردت في صدّر البيان الإيراني عن من وصفهم البيان بالوافدين من غير مواطني الشارقة على جزيرة أبو موسى، مما يدل أن إيران عادت إلى ترديد نغمة الانفراد، والتي يفترض أن تكون المحادثات في أبو ظبي قد تجاوزتها بعد أن أصبح الحوار مباشراً بين حكومة البلدين.

وأضافت هذه المصادر، أن هذه النغمة تكررت في أكثر من موقع في البيان الإيراني، من خلال الإشارة لما وصفته إيران، بجهودها من أجل إزالة سوء الفهم بين حاكم الشارقة والمسؤولين الإيرانيين في الجزيرة، وأوضحت المصادر الإماراتية، أن هذه العبارات الواردة في بيان وزارة الخارجية الإيرانية تحتوي على الكثير من المغالطات، منها ما يلي:

1. المغالطة الأولى

أنها تعطي إيحاءات غير مقبولة حول أحقّية الدولة الاتحادية وأجهزتها الرسمية في التفاوض حول ما يتصل بأراضي الدولة في أي مكان، مهما كانت الارتباطات الإدارية لتلك الأراضي.

2. المغالطة الثانية

أشار البيان الإيراني إلى المفاوضات مع دولة الإمارات وكأنها مبادرة إيرانية، علماً بأن الذي فتح مجال الحوار ومحاولة التفاهم على الخلافات المعلقة بين الدولتين، كانت دولة الإمارات وهي التي أوفدت لهذا الغرض وزير خارجيتها يومي 22، 23 مايو 1992 إلى طهران، مما يؤكد على رغبة دولة الإمارات في إيجاد حلول حاسمة، وقد قوبلت المبادرة الإماراتية بالتجاهل والإهمال، بل والتنكر لحق الحكومة الاتحادية لدولة الإمارات في التفاوض على أمر يتصل بسيادتها على أراضيها.

3. المغالطة الثالثة

طرحت دولة الإمارات في مفاوضاتها مع الوفد الإيراني ما تعده موضع خلاف مع طهران، وكان الأجدر بالوفد الإيراني أن يطرح وجهة نظره في هذا الشأن، بدلاً من أن يضع شروطاً مسّبقة على ما يجب وما لا يجب بحّثه، بشكل يتضمن توجيهها للمفاوضات وتحديدها لمسارها ونتائجها قبل أن تبدأ.

بعد انهيار المفاوضات بين البلدين، بدأت حملة متبادلة من التصريحات الساخنة بين دولة الإمارات وإيران، يؤكد كل منهما على صحّة موقفه وقانونية وجهة نظره تجاه نتائج المفاوضات والبيانات الصادرة عنها ويمكن إيجاز ذلك فيما يلي:

أ. انتقدت المصادر الإماراتية ما ورد في البيان الإيراني عن استغلال حسن نيّة ورحابة صدر طهران، وصرحت هذه المصادر أن إيران هي التي استغلت رحابة صدر الإمارات وصبّرها، حين امتنعت دولة الإمارات عن إثارة موضوع التجاوزات الإيرانية في جزيرة أبو موسى لفترة طويلة على أمل أن يُحل الخلاف بشكل ودي، إلا أن السلطات الإيرانية تجاهلت ذلك وتمادت في إجراءاتها لتغيير الطابع القانوني والإداري في الجزيرة.

ب. وعلى الجانب الآخر، وصفت إيران البيان الصادر عن دولة الإمارات بالتسّرع، ورداً على ذلك ذكرت المصادر الإماراتية، أن بيان دولة الإمارات لم يتضمن في الواقع إلا عرضاً لما جرى في المفاوضات وتحديداً لموقف الإمارات من الخلافات القائمة مع إيران، ولم يتضمن بأي صورة من الصور اختلاقاً لقضايا لم تكن موجودة من قبل، فموضوع جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى هو موضوع قديم، ولم تكف دولة الإمارات عن المطالبة بالسيادة عليهما، تقديراً من دولة الإمارات لبعض الظروف الإقليمية التي مرت بها المنطقة في السنوات الماضية (حرب الخليج الأولى والثانية)، لذا اتبعت دولة الإمارات سياسة الصبر والتريث وامتنعت عن إثارة موضوع الجزيرتين بشكل علني، وليس بمثابة الاعتراف بسيادة إيران وشرعية احتلالها للجزيرتين.

وصرّحت هذه المصادر أنه فيما يتعلق بموضوع جزيرة أبو موسى، فإن دولة الإمارات لا تعتبره موضوعاً يسّيراً إلا من منطلق أن حلّه يكمن في رجوع إيران إلى نصوص مذكرة التفاهم الموقعة في نوفمبر 1971، والبدأ بعد ذلك في التفاوض لحسّم مسألة السيادة على الجزيرة خلال فترة زمنية محدّدة.

ج. وبشأن ما جاء في البيان الصادر عن وزارة الخارجية الإيرانية، عن استعداد طهران لمواصلة المفاوضات، ذكرت المصادر الإماراتية أن هذا الاستعداد الذي ورد في البيان جاء مشروطاً، حيث ورد قبل الإشارة إلى الاستعداد لمواصلة المفاوضات، تأكيداً بأن إيران لن تغّير سياستها، وهذا يعني أن المفاوضات بهذه الصورة هي نوع من إهدار الوقت وتمييع القضية دون أن يكون هناك استعداد حقيقي للوصول إلى حلول عادلة وشاملة تكون ضماناً فعلياً لهدوء واستقرار وأمن المنطقة، وتؤكد احترام السيادة الإقليمية للدول ووحدة أراضيها وحسن الجوار وحل المنازعات بالطرق السلمية.

د. في أبو ظبي حّملت دولة الإمارات العربية المتحدة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية مسؤولية عدم إحراز أي تقدم في المفاوضات، والتي انهارت دوت التوصل إلى جدول أعمال لمسار وأسبقيات المباحثات، ونتيجة لذلك، فإنه ليس أمام دولة الإمارات سوى اللجوء إلى كافة الوسائل والسّبل السلمية المتاحة لتأكيد سيادتها على الجزر الثلاث.

هـ. أما في طهران، فقد تجاهلت وكالات الأنباء الإيرانية الإشارة إلى انهيار المفاوضات مع دولة الإمارات، وصرحت أن هناك جولة أخرى للمفاوضات تعقد في إيران في موعد سيحدد لاحقاً، ويستبعد المراقبون مشاركة دولة الإمارات في الجولة القادمة للمباحثات، ما لم تقبل إيران التفاوض حول الأوضاع في الجزر الثلاث.

عاشرا: المبادرة السّلمية لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة

قال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في خطابه بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني الثاني والعشرين، في الثاني من  ديسمبر 1993:

"إننا ننادي بضرورة اللجوء إلى الحوار والالتزام بالطرق السلمية من أجل إنهاء هذا الاحتلال، وعودة الجزر الثلاث لسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة تمشياً مع القوانين والأعراف الدولية ومبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل بين الدول".

وفي العام التالي، كرر رئيس دولة الإمارات مبادرته الثانية في كلمته بمناسبة العيد الوطني الثالث والعشرين في 2 ديسمبر 1994، كلامه بقوله:

"لقد دأبت دولة الإمارات على انتهاج سياسة ثابتة مع جيرانها نابعة من هدي ديننا الحنيف الذي يدعو إلى الإخاء والتسامح. وفي هذا الإطار نكرر الدعوة للاخوة في جمهورية إيران الإسلامية للاحتكام إلى مبدأ الحوار الموضوعي البناء أو اللجوء إلى التحكيم الدولي لحل مشكلة جزرنا المحتلة طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى".

حادي عشر: وساطة عربية جديدة للتوفيق بين الإمارات وإيران

استجابت دولة الإمارات العربية المتحدة لوساطة دولة قطر التي تقدمت بمبادرة للدولتين، لاستضافة اجتماع إماراتي ـ إيراني على مستوى الخبراء من الجانبين، يعقد في الدوحة في 18 نوفمبر 1995.

ثاني عشر: العودة إلى المفاوضات بين الإمارات وإيران

اقترحت دولة الإمارات أن تكون عناصر جدول الأعمال للاجتماع المقرر عقده يوم 18 نوفمبر 1995 في الدوحة، من أربع نقاط رئيسية هي:

1. إنهاء الاحتلال العسكري لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى.

2. الالتزام بمذكرة التفاهم المبرمة في نوفمبر 1971 بشأن جزيرة أبو موسى، وإلغاء أي إجراءات أو تدابير تخالف بنودها.

3. حسم مسألة السيادة على جزيرة أبو موسى.

4. إحالة النزاع بشأن الجزر الثلاث إلى محكمة العدل الدولية، إذا تعذّر الوصول إلى حل تفاوضي خلال فترة زمنية محدّدة.

صدر عن وفد دولة الإمارات يوم 21 نوفمبر 1995 بيان صحفي بعد أربعة أيام من المفاوضات مع الجانب الإيراني، أُعلن فيه ما يلي:

"إن اجتماع الخبراء من دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران لم يتوصل إلى اتفاق على إعداد جدول أعمال المفاوضات بين البلدين، لحل النزاع القائم بينهما على الجزر الثلاث، لأن الوفد الإيراني رفض بشكل قاطع المشاركة في وضع جدول أعمال وفقاً لما جاء في نصّ كتاب الدعوة التي بموجبها انعقد الاجتماع في الدوحة على مستوى الخبراء يوم السبت الموافق 18/11/1995، وأصّر الوفد الإيراني على أن الغرض من الاجتماع ليس وضع جدول أعمال ومن ثم فقد اجتماع الخبراء مرجعيته والهدف الذي انعقد من أجله".

وأضاف البيان:

"إن دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تؤكد حرصها على استمرار علاقات حسن الجوار والروابط التاريخية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ترى أن إشاعة الأجواء السلمية وتهيئة ظروف وأساليب ملائمة في التعامل بين البلدين، لا تتأتى إلا باحترام مبادئ القانون الدولي التي تقضي باحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية، بما في ذلك اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وتحريم استخدام القوة أو التهديد بها لتحقيق أو تكريس مكاسب أو تغييرات إقليمية".

ثم طرحت دولة الإمارات مبادرة تدعو إلى إحالة هذا النزاع إلى محكمة العدل الدولية، حيث أعلنت قمم مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمجلس الوزاري لمجلس التعاون ومجلس الجامعة العربية ووزراء خارجية دول إعلان دمشق ومعظم دول العالم، تأييدها المطلق للتوجه السلمي لدولة الإمارات العربية المتحدة.

ثالث عشر: السياسة الإيرانية لتكريس احتلالها للجزر الثلاث

لم تكتف إيران برفض هذه المبادرات فحسب، بل وفرضت الإجراءات والتدابير لتكريس حالة الاحتلال. حيث قامت خلال شهر إبريل 1996 بإنشاء محطة كهربائية في جزيرة طنب الكبرى. وقد عقب مصدر مسؤول في وزارة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، في تصريح له بتاريخ 18/4/1996 على هذه الخطوة الإيرانية بما يلي:

"أعلنت الحكومة الإيرانية يوم الاثنين الماضي الخامس عشر من إبريل عام 1996، عن إنشاء محطة كهربائية في جزيرة طنب الكبرى التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وكما هو معروف للجميع، فإن جزيرة طنب الكبرى جزيرة محتلة بالقوة من قبل إيران منذ عام 1971.

وكما هو مستقر في القانون الدولي، فإن الاحتلال لا يرتب أية حقوق لسلطة الاحتلال في الأراضي الخاضعة للاحتلال، لذلك فإن قيام الحكومة الإيرانية بإنشاء محطة كهربائية في جزيرة طنب الكبرى، نعتبره خرقاً لقواعد القانون الدولي وانتهاكاً لسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزيرة طنب الكبرى ولا يرتب أية حقوق لسلطة الاحتلال".

إن استمرار الحكومة الإيرانية في اتخاذ خطوات وممارسات من هذا القبيل، لتكريس احتلالها للجزر المحتلة الثلاث التابعة لدولة الإمارات، بهدف فرض سياسة الأمر الواقع بالقوة، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى تعقيد النزاع القائم بين الدولتين منذ عام 1971، والذي تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة جاهدة إلى حله بالطرق السلمية، بما في ذلك دعوة الحكومة الإيرانية للقبول بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية.

في 28 أغسطس 1996، أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة في رسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي رفضها لادعاء إيران أن المجال الجوي لجزيرة أبو موسى تابع لإيران، بما يمثل انتهاكاً صارخاً لسيادتها على جزيرة أبو موسى.

في نوفمبر 1996، قدمت دولة الإمارات مذكرة احتجاج رسمية إلى الحكومة الإيرانية احتجاجاً على فتح فرع لإحدى الجامعات في جزيرة أبو موسى، وأكدت أن إيران تحاول فرض الأمر الواقع بإقامة مشاريع على الجزر التي تحتلها.

في 4 سبتمبر 1996، أبلغت دولة الإمارات العربية المتحدة الأمم المتحدة عدم اعترافها بأحكام قانون المناطق البحرية للجمهورية الإيرانية لعام 1993، وبأي حكم في القانون يمسّ سيادتها على جزرها الثلاث والمياه الإقليمية التابعة لها.

في الأول من أكتوبر 1996، قال راشد عبدالله وزير الخارجية في خطاب دولة الإمارات أمام الدورة الواحدة والخمسين للجمعية العمومية للأمم المتحدة: "إن إيران لم ترفض فحسب التوجهات السلمية لدولة الإمارات، والجهود والوساطات التي قامت بها بعض الدول الصديقة بما في ذلك جهود الأمين العام للأمم المتحدة، بل عمدت إلى إقامة تجهيزات ومنشآت فوق هذه الجزر ليست كلها ذات طابع مدني. فشيدت محطة للكهرباء في جزيرة طنب الكبرى، ومطاراً ومستودعاً للتبريد ومصنعاً لتجهيز الأسماك في جزيرة أبو موسى، كما لجأت إلى توطين أعداد كبيرة من المواطنين الإيرانيين وخاصة فئة العسكريين منهم لتغيير المعالم الديموغرافية لهذه الجزر الثلاث، وفرض سياسة الأمر الواقع إمعاناً في تكريس احتلالها.

وطالب وزير خارجية دولة الإمارات حكومة إيران بإزالة كل ما أقامته من منشآت مدنية وعسكرية في جزر الإمارات المحتلة الثلاث، والاستجابة إلى كافة المبادرات السلمية والمدعومة من قبل الدول الشقيقة والصديقة المحبة للسلام والداعية للدخول في مفاوضات ثنائية جادة غير مشروطة تحقق الحل السلمي لهذا النزاع أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.

في 4 يناير 1997، سلمت البعثة الدائمة لدولة الإمارات العربية المتحدة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، نص مذكرة وزارة الخارجية التي سلمتها للسفارة الإيرانية في أبو ظبي، احتجاجاً على انتهاك إحدى القطع البحرية الإيرانية للمياه الإقليمية لدولة الإمارات، دون الحصول على إذن مسبق من السلطات المختصة في الدولة.

وفي 8 يناير 1997، سلمت البعثة الدائمة لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، الأمين العام للمنظمة الدولية ورئيس مجلس الأمن، نصّ المذكرة التي وجهتها وزارة الخارجية إلى سفارة إيران في أبو ظبي احتجاجاً على إعلان الحكومة الإيرانية تنظيم دوره لكرة القدم في جزيرة أبو موسى.

في 13 فبراير 1997، طالبت دولة الإمارات العربية المتحدة، الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، الاستمرار في الإبقاء على البند الخاص باحتلال جمهورية إيران الإسلامية لجزر الإمارات الثلاث، ضمن قائمة المسائل المعروضة على مجلس الأمن حتى تسترد دولة الإمارات سيطرتها وسيادتها على جزرها الثلاث.

وفي 21 يونيه 1997، سلمت البعثة الدائمة لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، الأمين العام للمنظمة الدولية ورئيس مجلس الأمن، نصّ مذكرة الاحتجاج التي وجهتها وزارة الخارجية إلى السفارة الإيرانية في أبو ظبي بشأن قيام إيران ببناء رصيف بحري في جزيرة طنب الكبرى التابعة لدولة الإمارات، والتي تحتلها إيران منذ عام 1971.

رابع عشر: الدعم العربي لموقف دولة الإمارات

استعرض المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في ختام القمة السابعة عشر التي عقدت في الدوحة في ديسمبر 1996، مستجدات قضية احتلال إيران للجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وكرر المجلس أسفه الشديد لاستمرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الامتناع عن الاستجابة للدعوات المتكررة الجادة والصادقة الصادرة عن دولة الإمارات العربية المتحدة، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ودول إعلان دمشق، ومجلس جامعة الدول العربية، ومؤتمر القمة العربية، والداعية إلى حل هذا النزاع حلاً سلمياً.

وكرر المجلس الأعلى دعوته للحكومة الإيرانية، إلى إنهاء احتلالها للجزر الثلاث والكف عن ممارسة سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، والتوقف عن تنفيذ أية إجراءات وإزالة أية منشآت سبق تنفيذها من طرف واحد في الجزر الثلاث، وإتباع الوسائل السلمية لحل النزاع القائم عليها وفقاً لمبادئ وقواعد القانون الدولي، بما في ذلك القبول بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية.

وأكد مؤتمر القمة العربية في ختام اجتماعاته في القاهرة يوم 23 يونيه 1996، على سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث، ودعمه وتأييده ومساندته لكافة الإجراءات والوسائل التي تتخذها لاستعادة سيادتها على هذه الجزر. ودعت القمة العربية إيران، إلى إنهاء احتلالها للجزر الثلاث والكف عن ممارسة فرض الأمر الواقع بالقوة في هذه الجزر، وإتباع الوسائل السلمية لحل النزاع القائم عليها وفق مبادئ وقواعد القانون الدولي بما في ذلك القبول بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية.

كما كلفت القمة العربية الأمين العام لجامعة الدول العربية، بمتابعة هذه القضية ورفع تقرير بشأنها إلى مؤتمر القمة العربي القادم.

كما أكد وزراء خارجية دول إعلان دمشق في البيان الختامي في أعقاب اجتماعهم في اللاذقية بالجمهورية العربية السورية يوم 26 يونيه 1997، أن الوصول إلى حل سلمي لقضية جزر الإمارات الثلاث التي تحتلها إيران هو أمر مهم لفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية ـ الإيرانية.

وكرر الوزراء مطالبتهم في بيانهم الختامي، الحكومة الإيرانية بإنهاء احتلالها للجزر الثلاث والتوقف عن إقامة منشآت إيرانية في الجزر بهدف تغيير تركيبتها السكانية، وإلغاء كافة الإجراءات وإزالة كافة المنشآت التي سبق تنفيذها من طرف واحد في الجزر الثلاث، وإتباع الوسائل السلمية لحل النزاع القائم عليها وفقاً لمبادئ وقواعد القانون الدولي بما في ذلك القبول بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية.

وجاء في البيان الختامي، أن أمن دولة الإمارات العربية المتحدة جزء لا يتجزأ من أمن دول الخليج العربي والأمن القومي العربي، وطالبوا الحكومة الإيرانية بالامتناع عن كل ما من شأنه تهديد أمن واستقرار منطقة الخليج العربي.

خامس عشر: أبعاد تطبيع العلاقات الخليجية ـ الإيرانية على مشكلة الجزر

حافظت إيران بعد نهاية حكم الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية على مضمون توجهها السياسي الذي يؤكد الاستعداد للحوار مع دولة الإمارات، والذي يتمسّك في الوقت نفسه بتثبيت سيادة إيران على هذه الجزر الثلاث، مما أبقى ملف القضية مفتوحاً.

في أعقاب حرب الخليج الثانية، حاولت إيران أن تفصل بين خلافها مع دول الخليج العربي حول قضية الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة وقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي من جهة أخرى، وحاجتها لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع تلك الدول في إطار سياسة كسر العزلة المفروضة على الثورة الإيرانية من جهة أخرى، غير أن عام 1997 شهد تطوراً ملحوظاً لهذا الاتجاه من خلال تعميق أواصر التعاون الاقتصادي القائم مع بعض الدول العربية، وتنويع مجالاته ووسائله.

إظهار الالتزام "بالشرعية الدولية"

يعد مثل هذا الالتزام بالشرعية الدولية بالخارج، امتداداً لإعلان الرئيسين الإيرانيين رافسنجاني وخاتمي احترامهما للشرعية الدستورية في الداخل، مع ملاحظة أنهما خلعا على الشرعية الدولية تفسيرها الخاص، الأمر الذي ميزّ الموقف الإيراني حيال بعض القضايا بالتناقض، بينما احتفظ هذا الموقف بتماسكه حيال بعض القضايا الأخرى.

البيئة الدولية

عند تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، أعلنت إدارة الرئيس كلينتون اتباع سياسة الاحتواء المزدوج ضدها وتشجيع أوروبا على مقاطعتها، إلا أن هذه العزلة بدأت تنحسر تدريجياً في السنوات الأخيرة، وكان عام 1997 هو العام الأكثر فشلاً لسياسة الاحتواء المزدوج الأمريكية في شقها الإيراني.

حيث شهد هذا العام توقيع إيران عقداً كبيراً مع شركة توتال الفرنسية، يقضي باستثمار الشركة مبلغ 2 مليار دولار في استقلال حقل غاز فارس في الخليج، وهو ما يتجاوز 50 ضعفاً الحد الأعلى (40 مليون دولار) الذي يحدده قانون داماتو الأمريكي للمبالغ المستثمرة في كل من إيران وليبيا، ولم يتعّد الاحتجاج المتواضع الذي أبدته الولايات المتحدة على مسلك الشركة الفرنسية كونه محاولة لحفظ ماء الوجه.

وفي إطار هذا التفسير للزوبعة الأمريكية، رفضت فرنسا فكرة العقاب الأمريكي، وتضامنت معها دول الاتحاد الأوروبي الخمسة عشر في موقفها، كما عقدت إيران في العام نفسه (1997) مفاوضات مع شركة شّل البريطانية ـ الهولندية لتنفيذ ثلاثة مشروعات أخرى للغاز تبلغ تكلفتها 10 مليارات دولار ويستغرق تنفيذها 6 سنوات. مثلت هذه الاختراقات المتتالية لسياسة الاحتواء المزدوج الأمريكية، من قبل  شركائها الأوربيين، أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى اعتبار قضية العلاقة مع إيران، قضية من قضايا الرأي العام الأمريكي في عام 1997، ودعت الرئيس الأمريكي لاقتراح الحوار مع إيران. بعد أن عادت العلاقات الإيرانية ـ الأوروبية إلى سيرتها الأولى، في محاولة أوروبية للتنافس مع الهيمنة الأمريكية، اعتباراً من نوفمبر 1997.

أما عن روسيا الاتحادية والصين فقد اطّرد التعاون الإيراني معهما، وتوطّد بصفة خاصة خلال فترة تأزم العلاقات الإيرانية ـ الأوروبية.

سادس عشر: محطات رئيسية في تطبيع العلاقات الخليجية ـ الإيرانية

1. التقارب السعودي ـ الإيراني

منذ عام 1992، تحركت الدبلوماسية الإيرانية في عهد الرئيس السابق هاشمي رافسنجاني بالتحضير لعقد قمة بين الدولتين، حيث توافق ذلك مع تقرير أعدّه مركز الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية، وتضمن دراسة شاملة عن تطورات ما بعد حرب الخليج الثانية والمتغيرات الجديدة في المنطقة والدور المستقبلي لكل من المملكة العربية السعودية وشقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي، وركز على ضرورة تعزيز التعاون مع المجموعة الخليجية، وبصفة أساسية المملكة العربية السعودية العربية السعودية، على أن يمثل هذا التوجه أساساً استراتيجياً للعمل على قيام مجموعة أمنيّة اقتصادية إيرانية ـ خليجية، من شأنها أن تؤسس نواه قوية لنظام إقليمي مسّتقر في المنطقة.

نشطت قنوات الحوار الهادئ بين البلدين، وتوقف المراقبون أمام الزيارة التي قام بها هاشمي رافسنجاني إلى المملكة العربية السعودية في فبراير 1997، وأجمعّوا على أنها إحدى أبرز محطات التطور الإيجابي في العلاقات بين الدولتين الإسلاميتين الكبرتين في المنطقة، وتأكيداً للتوجه السياسي الإيراني الجديد الذي بدأ مع ولاية الرئيس محمد خاتمي في اتجاه "الانفتاح على العالم الإسلامي انطلاقاً من البوابة السعودية".

استمرت زيارة رافسنجاني خمسة عشر يوماً اجتمع خلالها مع القيادات السياسية العليا بالمملكة، وقام بجولة كبيرة شملت أهم المدن السعودية الكبرى، وصرح في حديث له أمام اجتماع مجلس الشورى السعودي أن "إيران تتطلع إلى المملكة كقبلّة للمسلمين، وأنها ستبقى كذلك إلى يوم القيامة".

على ضوء التصريحات التي أدلى بها كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني عند زيارته للمملكة، عن مجالات التنسيق والتعاون بين الرياض وطهران في المجالات الاقتصادية وخاصة قطاع النفط، أعلنت المملكة العربية السعودية استعدادها للتعاون مع إيران والاستثمار المشترك في مجالات النفط ومشتقاته تنقّيباً وتصّنيعاً وتسّويقاً.

كان مما دفع مناخ تحسن العلاقات وصول وزير الداخلية الإيراني عبدالله نوري إلى المملكة العربية السعودية قبل أيام من بدء موسم الحج، بعد أيام قليلة من مغادرة وزير الخارجية كمال خرازي للرياض، مما حدا ببعض المراقبين إلى إعطاء هذه الزيارة بعداً أمنياً وسياسياً غايته إذابة ما تبقى من جليد الحذر والترقب الواعي لدى القيادة السعودية. وقد أوضح وزير الداخلية الإيراني هذه الغاية بقوله "نحن وإخواننا في السعودية لن نسمح بأن يعبث أحد بعلاقاتنا التي تسير من حسن إلى أحسن".

ولعل أبرز العوامل المباشرة الداعية إلى الالتقاء هو وضع السوق النفطية وحالة عدم الاستقرار التي أصابتها اثر حرب الخليج الثانية، ولما كانت إيران والسعودية هما الدولتان الأكبر في منظمة البلدان المصّدرة للنفط "أوبيك"، فإن لهما مصلحة مشتركة في استقرار أسعار النفط في زمن انهيارها.

وبوجه عام، فإن الدوافع الإيرانية في اتجاه التطبيع مع السعودية تبدو متداخلة، فالعامل الأمني لا ينفصل تماماً عن العامل الاقتصادي، ولذا فإن التوجه الإيراني للتنسيق مع السعودية سيؤمن لطهران ـ في حالة بلوغ أهدافه المنشودة ـ دوراً أساسياً في وضع إقليمي لا يزال يمر بطور التأسيس، كما تأمل طهران من وراء هذا التنسيق أن تكون الرياض هي المفتاح الحقيقي لعضوية إيران في "النادي الخليجي" وبالتالي في عضوية "النادي العربي" في مرحلة لاحقة. وبذلك تكون الرياض هي بوابة الدخول الطبيعية إلى السوق الخليجية، التي تعد واحدة من أهم أسواق المنطقة لترويج البضائع والسلع الإيرانية، ولاستقبال الأعداد الكبيرة من العمالة الإيرانية التي لا تزال تنتظر تسوية الأوضاع للعودة إلى دول الخليج، مما قد يخفف من الأعباء الضخمة التي تراكمت على الاقتصاد الإيراني خلال حرب السنوات الثمانية مع العراق.  

يذهب فريق من الخبراء الاقتصاديين إلى التفاؤل أكثر من ذلك، فيرى أن تطور علاقة الرياض وطهران سيفتح أمام العاصمة الإيرانية الطريق للحصول على قروض كبيرة من صندوق النقد الدولي لتمويل المشروعات الاقتصادية والتنموية التي بدأت في طهران في السنوات الأخيرة، وهي من الأولويات الأساسية لحكومة الرئيس الحالي محمد خاتمي، علماً بأن المملكة العربية السعودية هي الدولة الأولى في المنطقة التي تساهم في تمويل هذا الصندوق. وأن التوجيهات العامة لسياسة الرئيس محمد خاتمي حيال دول الجوار العربي، تؤكد على ضرورة أن تقترن سياسات التعقّل والانفتاح وحسّن النوايا، بإجراءات عملية أساسية تكفل المصداقّية اللازمة.

وبنجاح هذا الأسلوب، يمكن أن تتقدم طهران إلى مسافات أبعد نحو إزالة عناصر الجمود وعدم الثقة الناتجة عن بقاء بعض أسباب ومبررات النزاع، وفي مقدمتها قضية الجزر الثلاث، في حين يبدو واضحاً أن هذه القضية تحتل المقام الأول في إبقاء الجدار الفاصل في العلاقات العربية ـ الإيرانية، فالقضية هنا ـ وفقاً لرأي الخبراء ـ لا تقتصر على دولة الإمارات العربية، وإنما تدخل كعامل رئيسي ومؤثر في صياغة أمن منطقة الخليج العربي.

لقد ظهرت بالفعل بوادر إيجابية في اتجاه الحل السلمي لهذه القضية منذ تسلم الرئيس خاتمي مقاليد الحكم، فقد أدلى بتصريحات أكد فيها "استعداده لحل الخلاف" مع دولة الإمارات، ثم بعث برسالة بهذا المعنى إلى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك بعث وزير الخارجية الإيرانية السابق علي أكبر ولايتي برسالة مماثلة إلى الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية والمسؤول عن ملف الجزر بدولة الإمارات.

ردت الإمارات العربية المتحدة على الإرشادات الإيرانية، بتأكيد ضرورة أن تشمل المفاوضات الثنائية الجزر الثلاث وليس جزيرة أبو موسى فقط، وأن يتعهد الجانب الإيراني الموافقة على اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في حالة فشل المفاوضات.

وفي نهاية الاجتماع الوزاري الخليجي في الرياض في نهاية مايو 1997، رحّب بانتخاب الرئيس محمد خاتمي، ودعا إلى ضرورة تحسّن العلاقات مع طهران، شرط أن تسعى إلى وضع الآليات العملية لتسوية قضية الجزر الإماراتية الثلاث.

نشط التحرك الإيراني في مجال دعم ومساندة التنسيق العربي في مواجهة سياسات التعنت الإسرائيلي حيال التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، حيث أكد الدعم الإيراني للمحور السعودي ـ السوري ـ المصري من مبدأ احترام الخيارات العربية في شأن السلام العادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط.

2. قمة طهران الإسلامية

عقدت القمة الإسلامية الثامنة في طهران المدة من 9 ـ 11 ديسمبر 1997، شارك فيها 53 دولة (منها 17 دولة عربية) وخمس من المنظمات الدولية والإقليمية وعدد من المندوبين والمراقبين لدول وجماعات ودول ومؤسسات.

ويمكن القول أن هذه القمة حققت الكثير من الإنجازات، من أهمها سيادة مناخ عقلاني في التعامل مع الخلافات بين الدول الإسلامية داخل مثل هذه المؤتمرات، وإقرار مبدأ الحوار "الفكري" حول القضايا الاستراتيجية للعالم الإسلامي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

إضافة إلى أن لهذه القمة نتائج ملحوظة بالنسبة لمصالح الدولة المضيفة (إيران) إذ حققت إيران حضوراً دولياً وعربياً وشرق أوسطياً، وأبرزت توجهاتها الجديدة في مجال العلاقات على هذه المحاور، أما رئيسها محمد خاتمي، فقد كانت القمة الإسلامية بالنسبة له هي الفرصة التاريخية لإبراز مواقفه الفكرية المجددة والسياسية والدبلوماسية التركية، سواء تجاه العالم الخارجي أو تجاه الأوضاع الداخلية في إيران.

جاء في خطاب الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي وجهه إلى مؤتمر القمة الإسلامية يوم التاسع من ديسمبر 1997:

"إن مبادئ الإسلام الحنيف تحضّ على التماسك والتواصي بالخير، وأن نسّعى إلى تسّوية المنازعات فيما بيننا بالطرق والوسائل السلمية، ولا شك أن مبدأ التسوية للمنازعات يعد أحد المبادئ الأساسية التي ينص عليها التنظيم الدولي الجديد، وفي ظل ما أشار إليه ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي في مادته الثانية حول مبدأ التسوية السلمية للمنازعات التي تثور بين الدول الأعضاء واتساقاً مع ما ذكره رئيس القمة الإسلامية فخامة الرئيس محمد خاتمي في خطابه القيّم والهام صباح اليوم أمام مؤتمركم، فإنني أرجو من الأخوة في إيران أن يستجيبوا للدعوة الصادقة وأن يسّعوا مع اخوتهم في دولة الإمارات العربية المتحدة لحل مسألة الجزر الإماراتية الثلاث في إطار قيّم الإسلام، ومقتضيات حسّن الجوار، وبما يمليّه ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي وقواعد القانون الدولي.

جرت خلال انعقاد المؤتمر عشرات اللقاءات التي شارك فيها بنشاط ويقظة واضحة الجانب المضيف، واستهدفت بشكل خاص تنقية الأجواء بين إيران وكل من مصر والعراق ودول الخليج، كما كان الجانب الإيراني حريصاً على تحقيق أكبر قدر من تحسين هذه العلاقات خلال انعقاد المؤتمر.